الدروس
course cover
ا لدرس السابع
12 Oct 2022
12 Oct 2022

1094

0

0

course cover
مصابيح المغاني

القسم الثاني

ا لدرس السابع
12 Oct 2022
12 Oct 2022

12 Oct 2022

1094

0

0


0

0

0

0

0

قال ابن نور الدين محمد بن علي الموزعي (ت: 825هـ): ( (فصل)

كان بالتخفيف، وكأن بفتح الهمزة وتشديد النون.

أما كان فإنه فعل ويستعمل على خمسة أوجه:

الأول: وهو أكثرها استعمالًا تكون فعلًا ناقصًا ترفع الاسم وتنصب الخبر، تقول: كان زيدًا قائمًا، ولها على هذا الاستعمال معان ثلاثة:

أحدها: وهو أكثرها وأشهرها الدلالة على انقطاع الزمان كقولك: كان الشباب عذبًا والعود رطبًا، وقد لا تدل على الانقطاع كقوله تعالى: {وكان الله غفورًا رحيمًا}، قال سلامة بن جندل:

كنا إذا ما أتانا صارخٌ فزعٌ = كان الصراخ له قرع الظنابيب

أراد: أن ذلك خلق لهم مستمر لا ينقطع.

ثانيها: تكون بمعنى الصيرورة والكينونة، كقول الشاعر:

بتيهاء قفرٍ والمطي كأنها = قطا الحزن قد كانت فراخا بيوضها

وكقول الآخر:

وقد كان لون الليل مثل الأرندج

ثالثها: تكون بمعنى ينبغي كقوله تعالى: {قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا}، أي: ما ينبغي لنا، وقال تعالى: {ما كان لكم أن تنبتوا شجرها}.

الاستعمال الثاني: تكون تامة، ترفع الاسم ولا يحتاج إلى خبر ومعناها: الحصول والوقوع كقول الله سبحانه: {وإن كان ذو عسرةٍ فنظرةٌ إلى ميسرة}.

الثالث: أن يرتفع الاسمان بعدها، ويضمر فيها اسمها كقولك: كان زيد قائم، والتقدير: كان الشأن زيد قائم، ومعناها التفخيم والتعظيم.

الرابع: أن تكون زائدة للتوكيد، وأنشد سيبويه قول الفرزدق:

فكيف إذا مررت بدار قومٍ = وجيرانٍ لنا كانوا كرامٍ

وقال آخر:

جيادُ بني أبي بكرٍ تسامى = على كان المسومة العرابِ

الخامس: وهو أغربها ذكره ابن السيد البطليوسي عن أهل الغريب، أن تكون فعلًا متعديًّا إلى مفعول واحد فينزلونه بحسب المفعول تقول: كان الرجل الصبي وكانت المرأة القطن، أي: غزلت القطن وكفل اليتيم.

وأما كأن بالهمز والتشديد: فإنه حرف ينصب الاسم ويرفع الخبر، وهو مركب من أن والكاف الجارة التي معناها التشبيه، والأصل في قولك: كأن زيدًا أسد، إن زيدًا كالأسد، بكسر الهمزة من إن ثم قدمت الكاف اهتمامًا بالتشبيه ففتحت همزة إن لدخول حرف الجر عليها، وقد تخفف، قال الله عز وجل: {كأن لم يدعنا إلى ضر مسه}، ومنه قول الخنساء:

كأن لم يكونوا حمى يتقى = إذ الناس إذ ذاك من عزبزا

أرادت: كأنهم لم يكونوا.

ولها أربعة معان:

أحدها: وهو الغالب عليها التشبيه وأطلقه الجمهور، وقيده جماعة منهم ابن السيد بكون خبرها اسمًا جامدًا نحو: كأن زيدًا أسد، بخلاف كأن زيدًا قائم، وكأن زيدًا في الدار، وكأن زيدًا عندك، وكأن زيدًا قام، فإنها في ذلك كله للظن الذي هو المعنى الثاني.

ثالثها: التحقيق، ذكره الكوفيون والزجاجي وأنشدوا:

فأصبح بطن مكة مقشرعًا = كأن الأرض ليس بها هشام

أي: لأن الأرض، والتعليل حصل مع التحقيق من جهة أن الكلام في المعنى جواب لسؤال عن العلة، وأجيب بأن المراد كون هشام في باطن الأرض لا على ظهرها، فشبه كونها مقشعرة بكونها ليس فيها هشام، ولكنه فيها فما كان ينبغي أن يقشعر بطن مكة مع دفن هشام فيه، ففيه إنكار عليها.

رابعًا: التقريب قاله الكوفيون وحملوا عليه قولهم: كأنك بالشتاء مقبل، وكأنك بالفرج آت، وكأنك بالدنيا لم تكن، وكأنك بالآخر لم تزل.


(فصل)

كأين: اسم مبهم مركب من كاف التشبيه وأيٍّ المنونة، ولهذا جاز الوقف عليها بالنون؛ لأن التنوين لما دخل في التركيب أشبه النون الأصلية، ولهذا رسم في المصحف نونًا، قال بعض أهل العربية: ما أعلم كلمة يثبت فيها التنوين خطًا غير هذه، ومن وقف عليها بحذفه اعتبر الأصل وهو الحذف في الوقف، وفيها خمس لغات:

الهمزة والتشديد كما تقدم، والهمز مع التخفيف بوزن «كاعٍ».

وقد قرئ بهما، قال الشاعر:

وكاءٍ أزرت الموت من ذي تحيةٍ = إذا ما ازدرانا أو أصر لمأثم

وكيء بوزن «كيعٍ» وكأيٍ بوزن «كعيٍ» وكأٍ بوزن «كعٍ» والأوليان أشهرها وأكثرها.

وفي استعمالها لغتان: أجودهما وأكثرهما استعمالًا، خفض النكرة التي بعدها بمن، حتى زعم ابن عصفور لزوم ذلك كقوله سبحانه: {وكأين من نبي}، {وكأين من دابة}، {وكأين من آية}، وقول ذي الرمة:

وكائن ذعرنا من مهاةٍ ورامحٍ = بلاد العدا ليست له ببلاد

ويجوز حذف من والنصب على التمييز قال الشاعر:

وكائن لنا فضلًا عليكم ومنة = قديمًا ولا تدرون ما من منعم

وقال آخر:

اطرد اليأس بالرجا وكأين = آلمًا حُم يسره بعد عسر

ولها معنيان:

أحدهما: التكثير وهو الغالب نحو قوله تعالى: {وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير}.

الثاني: الاستفهام وهو نادر، وأثبته ابن قتيبة والجوهري وابن عصفور وابن مالك، واستدل عليه بقول أبي بن كعب لابن مسعود رضي الله عنهما: «كأين تقرأ سورة الأحزاب؟ فقال: ثلاثًا وسبعين آية» ولك أن تقول: هذا أثر، والأثر لا يقوم حجة في القواعد الكلية وإنما يستأنس به فيها مع قيامها بغيره من لسان العرب وكتاب الله سبحانه.


(فصل)

كي: تأتي على ثلاثة أوجه:

أحدها: أن تكون اسمًا مختصرًا من كيف كما تقدم.

ثانيها: أن تكون حرف جر ومعناها التعليل وإنما تجر ثلاثة أشياء:

أحدها: «ما» الاستفهامية، يقولون: إذا سألوا عن علة الشيء «كيمه»

والأكثر أن يقولوا في سؤالهم «لمه» و«وعند الكوفيين» إنها منصوبة بفعل مضمر كأنك قلت: كي تفعل ماذا؟

ثانيها «ما» المصدرية وصلتها، كقول الشاعر:

إذا أنت لم تنفع فضر فإنما = يُراد الفتى كيما يضر وينفع

أي: للضرر والنفع، قاله الأخفش.

ثالثها: أن المصدرية وصلتها، مضمرة نحو: جئت كي تكرمني، إذا قدرت «أن» بعدها، ويجوز تقديرها بعدها؛ بدليل ظهورها في الضرورة، قال جميل:

فقالت أكل الناس أصبحت مانحًا = لسانك كيما أن تغر وتخدعا

والأولى في التقدير: أن تقدر كي مصدرية بمنزلة «أن» معنى وعملًا فتقدر اللام قبلها بدليل كثرة ظهورها كقوله تعالى: {لكيلا تأسوا}.

وهذا هو الوجه الثالث وتتعين كي للمصدر إن سبقتها اللام نحو: {لكيلا تأسوا}، وللجر إن تأخرت كقول الشاعر:

كي لتقضيني رقية ما = وعدتني غير مختلس

فيجب حينئذٍ إضمار «أن» بعدها.

وقول الله سبحانه: {كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم} وقول الشاعر:

أردتُ لكيما أن تطير بقربتي = وتتركها شنًّا ببيداء بلقع

يحتمل الجارة والمصدرية.

وعن الأخفش أن كي جارة دائمًا، وأن النصب بأن ظاهرة أو مضمرة.

ويرده نحو: {لكيلا تأسوا} فإن زعم أن كي تأكيد للام كقول الشاعر:

ولا للمابهم أبدًا دواءُ

رد بأن الفصيح المقيس لا يخرج على الشاذ.

وعن الكوفيين أنها ناصبة دائمًا، ويرده قولهم: «كيمه» كما يقولون: لمه.

وقول حاتم:

وأوقدت نارًا كي ليبصر ضوءها = وأخرجت كلبي وهو في البيت داخله

لأن لام الجر لا تفصل بين الفعل وناصبة.


(فصل)

كذا، قال ابن هشام: ترد على ثلاثة أوجه:

أحدها: أن تكون من كلمتين باقيتين على أصلها، وهما: كاف التشبيه وذا الإشارية، كقولك: رأيت رجلًا فاضلًا، ورأيت عمرًا كذا، قال الشاعر:

وأسلمني الزمان كذا = فلا طرب ولا أنس

وتدخل عليها «هاء» التنبيه كقوله تعالى: {أهكذا عرشك}.

الثاني: أن تكون كلمة واحدة مركبة من كلمتين معناها: الكناية عن الشيء تقول: فعلت كذا وكذا، ومنه الحديث: «إنه يقال للعبد يوم القيامة أتذكر يوم كذا وكذا؟ فعلت كذا وكذا».

الثالث: أن تكون كلمة واحدة مركبة يكنى بها عن العدد فينتصب ما بعدها على التمييز، تقول: قبضت كذا وكذا درهمًا، وتمييزها واجب النصب، فلا يجوز أن يخفض بمن اتفاقًا، ولا بالإضافة عند البصريين، وقال الكوفيون: يجوز خفضه بالإضافة، بشرط عدم التكرار والعطف كقولك: كذا ثوبٍ وكذا أثوابٍ، ولا يجوز فيما عدا ذلك، وأجروه مجرى العدد الصريح، ولهذا قال فقهاؤهم: إنه يلزم بقول القائل: له عندي كذا درهم بالخفض: مائة وبقوله: كذا درهمًا: عشرون، وبقوله: كذا وكذا درهمًا: أحد وعشرون حملًا على نظائرهن من العدد الصريح.

وغالب استعمالها: أن تكون مكررة معطوفة كقول الشاعر:

عد النفس نعمى بعد بؤساك ذاكرًا = كذا وكذا لطفًا به نُسي الجهد

وزعم ابن خروف أنهم لم يقولوا: كذا درهمًا، ولا: كذا وكذا درهمًا، وذكر ابن مالك أنه مسموع ولكنه قليل.


(فصل)

كلا ونقيضها، أما كلا فزعم ثعلب أن أصلها: كاف التشبيه دخلت على «لا» وذلك أن العرب إذا قللت شيئًا قالت: هو كلا ولا، قال الشاعر:

أصاب خصاصة فبدا كليلًا = كلا وانغل سائره انغلالا

وإنما شددت لامها ليقوى المعنى وليندفع توهم بقاء معنى الكلمتين، وقال غيره: هي بسيطة، ثم اختلفوا في معناها فقال الخليل وسيبويه والمبرد والزجاج وأكثر البصريين: إنها كلمة موضوعة للنفي والنهي فمعناها الزجر والردع والنفي لدعوى مدع، لا معنى لها عندهم إلا ذلك حتى إذا أبدا يجيزون الوقف عليها والابتداء بما بعدها، وحتى قال جماعة منهم: متى سمت، كلا في سورة فاحكم بأنهما مكية، لأن فيها معنى التهديد والوعيد، وأكثر ما نزل ذلك بمكة؛ لأن أكثر العتو كان بها.

قال ابن هشام: وفيه نظر؛ لأن لزوم المكية إنما يكون عن اختصاص العتو بها لا عن غلبتها، ثم لا يمتنع الإشارة إلى عتو سابق.

وما ذكره من النظر ففيه نظر، لأن هذا القائل لم يرد حقيقة التلازم ولهذا لم يقل: وكل سورة لم تذكر فيها فليست بمكية، وإنما أراد الاستدلال على أن معناها الزجر لكونها لا تقع إلا في مظان الزجر والتهديد دون شرع الأحكام.

وهذه المقالة محكية عن بعض علماء التفسير والعلم بالناسخ والمنسوخ فاستدل بها هؤلاء على إثبات معنى كلا.

ورأى الكسائي وأبو حاتم ومن وافقهما أن معنى الردع والزجر ليس مستمرًا فيها، وإن كان غالبًا عليها فزادوا معنى ثانيًا يصح أن يوقف عليه دونها ويبتدأ بها.

ثم اختلفوا في تعيين ذلك المعنى على ثلاثة أقوال:

أحدها: للكسائي ومتابعيه أنها تكون بمعنى «حقًا» وهو قول المفسرين.

والثاني: وهو قول أبي حاتم ومتابعيه: أنها تكون بمعنى «ألا» الاستفتاحية.

والثالث: وهو قول النضر بن شمبل، والفراء ومن وافقهما: أنها تكون حرف جواب بمعنى: إي ونعم، وحملوا عليه {كلا والقمر}، قالوا: معناه: إي والقمر.

قال ابن هشام: وقول أبي حاتم عندي أولى من قول الكسائي وقول النضر؛ لأنه أكثر اطرادًا، فإن قول الكسائي لا يتأتى في نحو: {كلا إن كتاب الأبرار} {كلا إن كتاب الفجار}، {كلا إنهم عن ربهم يومئذٍ لمحجوبون}؛ لأن «أن» تكسر بعد ألا الاستفتاحية ولا تكسر بعد حقًا، ولأن تفسير حرف بحرف أولى من تفسير حرف باسم.

وقول النضر لا يتأتى في آيتي المؤمنين والشعراء، قوله تعالى: {قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحًا فيما تركت كلا إنها كلمة}، وقوله تعالى: {قال أصحاب موسى إنما لمدركون قال كلا إن معي ربي}؛ لأن نعم بعد الطلب والخبر تصديق.

وزعم الأولون أن معنى الزجر مستمر فيها، وحيث لا يظهر كقوله تعالى: {في أي صورةٍ ما شاء ركبك}، {يوم يقومُ الناس لرب العالمين}، {ثم إن علينا بيانه} بقدر فيها الزجر فالمعنى: انته عن ترك الإيمان بالتصوير في أي صورة شاء الله، وبالبعث، وعن العجلة بالقرآن، ورد بأن فيه تعسفًا لأنه لم يتقدم في الأوليين حكاية في ذلك عند أحد، وأما في الثالثة فلطول الفصل بين كلا وذكر العاجلة.

وإذا صلح الموضوع للردع وغيره جاز الوقف عليها والابتداء بها على اختلاف التقديرين، والأرجح حملها على الردع؛ لأنه الغالب فيها، كقوله تعالى: {اطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدًا كلَّا سنكتب ما يقول}، وقوله تعالى: {واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزًّا كلا سيكفرون بعبادتهم}، وقد تتعين للردع والاستفتاح كآيتي المؤمنين والشعراء، وقد تتعين للاستفتاح والجواب ويمتنع الردع كقوله تعالى: {كلا والقمر}، وما أشبهها؛ إذ ليس قبلها ما يصح رده، قال ابن هشام: وقول الطبري وجماعة أنه لما نزل في عدد خزنة جهنم {عليها تسعة عشر}، قال بعض المشركين: اكفوني اثنين، وأنا أكفيكم سبعة عشر، فنزلت {كلا} زجرًا له، قول متعسف؛ لأن الآية لم تتضمن ذلك.

وأما نقيض كلا فقال بعض أهل العلم: إن «ذلك» و«هذا» نقيضان كلا، وإن كذلك نقيض لكلا، قال: فقوله تعالى: {ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم}، على معنى ذلك كما قلنا وكما فعلنا، ومثله: {هذا وإن للطاغين لشر مآب}، قال: ويدل على هذا المعنى دخول الواو بعد قوله: «ذلك» و«هذا» لأن ما بعد الواو منسوق على ما قبلها بها وإن كان مضمرًا، قال الله سبحانه وتعالى: {وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة}، ثم قال: {كذلك}، أي: كذلك فعلناه ونفعله من التنزيل، ومثل هذا في القرآن كثير).  [مصابيح المغاني: 351-369]

هيئة الإشراف

#2

12 Oct 2022

قال ابن نور الدين محمد بن علي الموزعي (ت: 825هـ): (باب اللام وما أوله اللام

أما اللام فعلى ضربين: متحركة وساكنة.

فالساكنة: لام التعريف وقد تقدمت في باب الهمزة.

وأما المتحركة: فعلى ثلاثة أقسام: لام الإضافة ولام الأمر ولام التوكيد.

فأما لام الإضافة فهي لام الجر وهي مكسورة إلا إذا دخلت على الضمير أو المستغاث للفرق بين المستغاث له والمستغاث به، ولهذا تكسر عند أمن اللبس وذلك في حال العطف كقول الشاعر:

يا للرجال وللشبان للعجب

ولها أحد وعشرون معنى:

الأول: الملك، وذلك في كل ما يقبل الملك نحو قوله تعالى: {لله ما في السموات وما في الأرض}، ونقل عن بعض النحويين إنكار الملك بدليل قولك: هذا أخ لعبد الله، وأما قولهم: هذا الغلام لزيد، فإنما عرف الملك بدليل آخر، قال بعض المتأخرين المحققين: والظاهر أن أصل معانيها الاختصاص، وهو المعنى الثاني: وهو فيما لا يقبل الملك، ولكنه يختص به المسند إليه دون غيره من غير استحقاق نحو: الجنة للمؤمنين، والحصير للمسجد، والسرج للدابة، والقميص للعبد.

الثالث: الاستحقاق وهي الواقعة بين معنى وذات تستحق ذلك المعنى نحو:

الحمد لله والعزة لله والملك لله، ونحو: {ويلٌ للمطففين}، ولما كان الاختصاص أعم من الملك لأن من ملك شيئًا فقد اختص به ولا عكس اكتفى بعضهم بذكر الاختصاص عن الملك، ولما كان الاستحقاق معنى يخالف الاختصاص قسمه المحققون إلى ثلاثة أقسام القسمين السابقين وهذا الثالث.

الرابع: التمليك، كقولك: وهبت لزيد دينارًا.

الخامس: شبه التمليك، كقوله: {جعل لكم من أنفسكم أزواجًا}.

السادس: التعليل، كقول امرئ القيس:

ويوم عقرت للعذارى مطيتي

ومنه قوله تعالى: {وإنه لحب الخير لشديدٌ} أي: من أجل حب المال لبخيل، وقوله تعالى: {وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا} بكسر اللام في قراءة حمزة والكسائي، ومن التعليل: اللام الثانية في الاستغاثة كقولك: يا لزيد لعمرو، ولام كي، كقوله تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس}.

فإن قيل: لم جاز أن يكون الفتح المبين الذي امتن الله به على نبيه صلى الله عليه وسلم سببًا للمغفرة في قوله تعالى: {إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر} فالجواب عنه من ثلاثة أوجه:

أحدها: أن الفتح وإن كان من الله فكل فعل يفعله العبد من خير فالله الموفق له والميسر ثم يجازي عليه تكرمًا.

والثاني: أنه إشارة إلى إجابة استغفاره عند مجيء الفتح أعلمه أنه إذا جاء الفتح واستغفر غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر على حد قوله تعالى: {إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجًا فسبح بحمد ربك واستغفره}.

الثالث: ذكره قوم، والمعنى: إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا لتهتدي أنت والمسلمون فيكون سببًا للغفران.

السابع: موافقة إلى، كقوله تعالى: {بأن ربك أوحى لها}، وقوله تعالى: {كلٌّ يجري لأجلٍ مسمى}، وقوله تعالى: {إننا سمعنا مناديًا ينادي للإيمان}.

الثامن: موافقة على، كقوله تعالى: {ويخرون للأذقان}، وقوله تعالى: {دعانا لجنبه}، قال الشاعر:

فشققت بالرمح الطويل ثيابه = فخر صريعًا لليدين وللفم

وكقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: «واشترطي لهم الولاء»، أي: عليهم، وقال ابن النحاس: أي من أجلهم، ولا نعرف في العربية لهم بمعنى عليهم.

التاسع: مرادفة في، كقول الله سبحانه: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة} أي في يوم القيامة، وقوله تعالى: {لا يجليها لوقتها إلا هو}.

العاشر: مرادفة مع، قاله بعضهم، وأنشد قول متمم:

فلما تفرقنا كأني ومالكًا = لطول اجتماع لم نبت ليلةً معًا.

الحادي عشر: مرادفة عند، كقولهم: كتبته لخمس خلون، قال النباغة:

توهمتُ آيات لها فعرفتها = لستة أعوامٍ وذا العام سابعُ

أي: عند ستة أعوام، وجعل منه ابن جني قراءة الجحدري {بل كذبوا بالحق لما جاءهم} بكسر اللام وتخفيف الميم، وهذه اللام يسميها بعضهم: لام التاريخ.

الثاني عشر: موافقة بعد، كقول الله تعالى: {أقم الصلاة لدلوك الشمس}، أي: بعد دلوك الشمس، وأنشد بعضهم عليه قول متمم.

الثالث عشر: موافقة من، نحو: سمعت له صراخًا، قال جرير:

لنا الفضل في الدنيا وأنفك راغمٌ = ونحن لكم يوم القيامة أفضل

الرابع عشر: التبليغ، وهي الجارة لاسم السامع لقول أو ما في معناه نحو: قلت له وأذنت له.

الخامس عشر: موافقة عن، كقوله تعالى: {وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرًا ما سبقونا إليه} قاله ابن الحاجب، وقيل: هي لام التعليل، قاله ابن مالك غيره، وقيل: لام التبليغ والتفت عن الخطاب إلى الغيبة، أو يكون اسم المقول لهم محذوفًا، أي: قالوا لطائفة من المؤمنين لما سمعوا بإسلام طائفة أخرى، وهذا القول حسن؛ لأنه جاء في التفسير: أن الكافرين هنا هم اليهود، قالوا ذلك في شأن عبد الله بن سلام ومن أسلم معه، وهكذا حيث دخلت اللام على غير المقول له، فالتأويل على بعض ما ذكرناه نحو: {قلت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا}، وقوله تعالى: {ولا أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيرًا}، وقول الشاعر:

كضرائر الحسناء قلن لوجهها = حسدًا وبغيًا إنه لدميم

السادس عشر: الصيرورة، وتسمى لام العاقبة، وتسمى لام المآل كقوله تعالى: {فالتقطه آل فرعن ليكن لهم عدوًا وحزنًا}، وكقول الشاعر:

فللموت تغذو الوالدات سخالها = كما لخراب الدور تبنى المساكن

وقول الآخر:

جاءت لتطعمه لحمًا ويفجعها = بابنٍ فقد أطعمت لحمًا وقد فجعا

وهي لم تجيء لذلك، وقول الآخر:

فإن يكن الموت أفناهم = فللموت ما تلدُ الوادة

وعندي في المثال الثاني نظر، فإن اللام في قوله: فللموت ما تلد الوالدة، للاختصاص.

وأنكر البصريون لام العاقبة، قال الزمخشري: والتحقيق أنها لام العلة وأن التعليل فيها وارد على طريق المجاز وبيانه أنه لم يكن داعية فرعون إلى الالتقاط أن يكون لهم عدوًا وحزنا، غير أن ذلك لما كان نتيجة التقاطهم وثمرته، شبه بالقصد لذلك كما شبه بالأسد من يشبه الأسد.

السابع عشر: القسم والتعجب معًا، ويختص باسم الله سبحانه كقول امرئ القيس:

لله يبقى على الأيام ذو حيدٍ = بمشمخر به الضيان والآس

الثامن عشر: التعجب المجرد عن القسم، وتستعمل مع النداء، كقولك: يا للعجب، وكقولهم: يا للماء ويا للعشب، والمعنى: يا عجب احضر فهذا أوانك، وقيل: معناه: يا قوم تعالوا إلى العجب، وللعجب أدعو، قال امرؤ القيس:

فيا لك من ليلٍ كأن نجومه = بكل مغار الفتل شدت بيذبل

وتستعمل في غير النداء كقولهم: لله دره فارسًا، ولله أنت، قال الشاعر:

شبابٌ وشيبٌ وافتقارٌ وثروةٌ = فلله هذا الدهر كيف ترددا

التاسع عشر: التعدية، ذكره ابن مالك، ومثله ابن هشام بقوله: ما أضرب زيدًا لعمرو، وما أحبه لبكر.

العشرون: التوكيد، وهي اللام الزائدة المقوية للعوامل الضعيفة كقوله تعالى: {إن كنتم للرؤيا تعبرون}، وقوله تعالى: {فعالٌ لما يريد}، وكاللام المعترضة بين المتعدي ومفعوله كقول الشاعر:

وملكت ما بين العراق ويثربٍ = مُلكًا أجار لمسلمٍ ومعاهد

ومنه قوله تعالى: {ردف لكم}، وكاللام بين المتضايفين كقول الشاعر:

يا بؤس للحرب التي = وضعت أراهط فاستراحوا

الحادي والعشرون: التبيين، وهي اللام التي تبين نسبة الحكم إلى محله، كقولهم: سقيا لزيد، ورعيا له، وتبًا له، وويحًا له، ومنه قول الله سبحانه: {هيهات هيهات لما توعدون}، وكقوله: ما أحبني وما أبغضني له، فإن قلت لفلان، فأنت فاعل الحب والبغض، وإن قلت إليه فهو الفاعل.

وأما لام الأمر، فهي اللام الموضوعة للطلب كقولك: ليقم زيد، وتجزم الفعل المستقبل إذا كان الأمر للغائب، سواء كان الأمر مستعملًا في حقيقة وضعه الذي هو الطلب أم لا.

وحركتها الكسر إلا إذا وليت الواو والفاء فاسكانها أكثر كقوله تعالى: {فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي}، وقد تسكن بعد ثم، وخصه بعضهم بالضرورة، وهو مردود لوروده في القراءات السبع في قوله تعالى: {ثم ليقضوا تفثهم}، وسليمٌ تفتح اللام.

وربما أمر بها المخاطب، قال الشاعر:

لتقم أنت يا ابن خير قريشٍ = فلتقضى حوائج المسلمينا

وفي الحديث: «لتأخذوا مصافكم» ومنه قراءة من قرأ: (فبذلك فلتفرحوا)، وقد تحذف لام الأمر في الشعر فتعمل مضمرة، قال الشاعر:

محمد تفد نفسك كل نفسٍ = إذا ما خفت من شر تبالا

وقال الشاعر:

فلا تستطل مني بقائي ومدتي = ولكن يكن للخير منك نصيب

وقال متمم:

على مثل أصحاب البعوضة فاخمشي = لك الويل حر الوجه أو يبك من بكا

وكذلك تحذف لام الأمر المواجهة، كقول الشاعر:

قلت لبوابٍ لديه دارها = تيذن فإني حمؤها وجارها

فحذف اللام وكسر التاء على لغة من يقول: أنت تعلم.

وجوز الكسائي حذف اللام في الكلام بشرط تقدم قل، وجعل منه قوله تعالى: {قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة}، أي: ليقيموها، ووافقه ابن مالك، وزاد عليه وقوعه بعد القول الخبري ولكنه قليل وأنشد قوله:

قلتُ لبوابٍ لديه دارها = تيذن فإني حمؤها وجارها

قال: وليس الحذف بضرورة لتمكنه من أن يقول: ايذن، انتهى.

قال ابن هشام: قيل: وهذا تخلص من ضرورة بضرورة وهي إثبات همزة الوصل، قال: وليس كذلك لأنهما بيتان لا بيت واحد مصرع، والهمزة في أول البيت لا في حشوه بخلافها في نحو قول الشاعر:

لا نسب اليوم ولا خُلةً = إتسع الخرق على الراقع

واعلم أن أبا حيان قد عاب على ابن مالك قوله في كثير من المواضع: وليس هذا بضرورة لتمكن الشاعر من أن يقول كذا، فالضرورة عنده هي: الإلجاء إلى الشيء، فعلى زعمه لا توجد ضرورة أصلًا؛ لأنه ما من ضرورة إلا ويمكن إزالتها بنظم تركيب آخر، وإنما يعنون بالضرورة: أن ذلك من تراكيبهم الواقعة في الشعر المختصة به ولا يقع في النثر من كلامهم، ولا يعني النحويون بالضرورة أنه لا مندوحة عن النطق إلا بهذا اللفظ، وما قاله أبو حيان حق وصواب.

والجمهور جعلوا الجزم في الآية على حد قولك: ائتني أكرمك.

ودخول هذه اللام على فعل المتكلم قليل سواء كان المتكلم واحدًا كقوله صلى الله عليه وسلم: «قوموا فلأصلي لكم» أو معه غيره كقوله تعالى: {وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم} ولكنه أكثر من فعل المخاطب.

وأما لام التوكيد فتنقسم إلى سبع:

الأولى: لام الابتداء، وفائدتها توكيد مضمون الجملة وتخليص المضارع للحال، كذا قال الأكثرون، واعترض ابن مالك المعنى الثاني بقوله تعالى: {وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة}، وقوله تعالى: {إني ليحزنني أن تذهبوا به}، فإن الذهاب كان مستقبلًا، فلو كان حالًا لزم تقديم الفعل في الوجود على فاعله، قال ابن هشام: والجواب أن الحكم في ذلك اليوم واقع لا محالة، فنزل منزلة الحاضر المشاهد، وأن التقدير: قصد أن يذهبوا به، والقصد حال.

ولام الابتداء هي اللام الداخلة على المبتدأ نحو قوله تعالى: {لأنتم أشد رهبةً في صدورهم من الله}، وقول الشاعرة:

للبس عباءةٍ وتقر عيني = أحب إليَّ من لبس الشفوف

والواقعة بعد إن، نحو قوله تعالى: {إن ربي لسميعُ الدعاء}، وقوله تعالى: {وإن ربك ليحكم بينهم}.

وهذه اللام تسمى المزحلقة بفتح اللام والقاف؛ لأن أصل: إن زيدًا لقائم لأن زيدًا قائم، فكرهوا افتتاح الكلام بتوكيدين فأخروا اللام دون إن حتى لا يتقدم معمول الحر عليه، وسواء كانت ثقيلة أو مخففة، وزعم أبو علي الفارسي وأبو الفتح أنها غير لام الابتداء اجتلبت للفرق بين إن المخففة وبين إن النافية، وقد تقدم الكلام عليها في باب إن.

وأما اللام الداخلة على خبر الابتداء المقدم نحو: لقائم زيد، فمقتضى كلام جماعة جوازه، ومنعه ابن الحاجب فقال في أماليه: لام الابتداء يجب معها الابتداء.

وكذا اختلفوا في دخولها على الفعل نحو: ليقوم زيد، فمنعه ابن الحاجب والزمخشري، وقال في قوله تعالى: {ولسوف يعطيك ربك فترضى}، لام الابتداء لا تدخل إلا على المبتدأ والخبر، وقدرها الداخلة على المبتدأ والتقدير: ولأنت سوف يعطيك، ووافقهما ابن الخباز وقال: لا تدخل لام الابتداء على الجمل الفعلية إلا في باب إنّ، وجوز ذلك ابن مالك، والمالقي، وغيرهما.

الثانية: لام الجحود، ومعناها توكيد النفي، وهي الواقعة بعد: ما كان ولم يكن، سواء كان مذكورًا أو مقدرًا، فالمذكور كقول الله سبحانه: {وما كان الله ليطلعكم على الغيب}، وقوله تعالى: {لم يكن الله ليغفر لهم} والمقدرة كقول الشاعر:

فما جمعٌ ليغلب جمع قومي = مقاومةً ولا فردٌ لفرد

ولملازمتها النفي سماها أكثرهم لام الجحود، قال ابن النحاس: والصواب تسميتها «لام النفي» لأن الجحد في اللغة إنكار ما تعرفه لا مطلق الإنكار وهذه اللام مكسورة، ومن العرب من يفتح اللام الداخلة على الفعل ويقرأ: {وما كان الله ليعذبهم}.

الثالثة: الزائدة، وهي الداخلة في خبر لكن، كقول الشاعر:

ولكنني من حبها لعميد

والداخلة في خبر المبتدأ كقول الشاعر:

أم الحليس لعجوز شهر به

والداخلة في خبر أنّ المفتوحة كقراءة سعيد بن جبير {إلا أنهم ليأكلون الطعام} بفتح الهمزة.

والداخلة في خبر النفي كقول الشاعر:

وما زلت من ليلى لدن أن عرفتها = لكالهائم المقصى بكل مراد

الرابعة: اللام التي في جواب لو، كقوله تعالى: {لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم}، وقوله تعالى: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا}.

الخامسة: اللام في جواب لولا، كقوله تعالى: {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض}.

ودخولها لتأكيد ارتباط احدى الجملتين بالأخرى، ويجوز حذفها، قال الله تعالى: {لو نشاء جعلناه أجاجًا}.

السادسة: لام جواب القسم، كقوله تعالى: {وتالله لأكيدن أصنامكم}.

السابعة: اللام الداخلة على أداة شرط للإيذان بأن الجواب بعدها مبني على قسم قبلها لا على الشرط، ولهذا سميت اللام المؤذنة وتسمى اللام الموطئة؛ لأنها وطأت الجواب للقسم أي: مهدته له، ومثالها: قوله تعالى: {لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الأدبار}.

وقد تحذف هذه اللام مع كون القسم مقدرًا قبل الشرط كقوله تعالى: {وإن أطعتموهم إنكم لمشركون}.

واختلفوا في اللام اللاحقة لأسماء الإشارة مثل: تلك وذلك فقيل: تدل على البعد، وقيل: تدل على توكيد البعد).  [مصابيح المغاني: 370-390]

هيئة الإشراف

#3

12 Oct 2022

قال ابن نور الدين محمد بن علي الموزعي (ت: 825هـ): (فصل ليت وليتما

أما ليت: فإنها أمُّ حروف التمني، ولا يشترط في التمني الإمكان، تقول: ليت الشباب يعود.

وتختص بالأسماء فتنصب الاسم وترفع الخبر، حكى الفراء وبعض أصحابه أن من العرب من يستعملها استعمال «وجدت» فيعديها إلى مفعولين.

قال الشاعر:

يا ليت أيام الصبا رواجعا

والبصريون يقولون: خبرها محذوف والتقدير: يا ليت لنا أيام الصبا رواجعا، وتتصل بها «ما» فيبقى معناها واختصاصها بالأسماء، فيجوز إعمالها وإهمالها ويروى بالوجهين بيت النابغة:

قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا = إلى حمامتنا أو نصفه فقد.


(فصل)

ليس: كلمة نفي لمضمون الجملة في الحال تقول: ليس زيد قائمًا الآن ولا تقول: ليس زيد قائمًا غدًا.

ثم قال قوم: لا تكون إلا حرفًا، والصحيح أنها فعل جامد ترفع الاسم وتنصب الخبر وقد تكون حرفًا وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

وتستعمل على خمسة أوجه، والمعنى واحد:

الأول: الناسخة للمبتدأ والخبر عن حالته، فترفع الاسم وتنصب الخبر نحو: {أليس الله بكافٍ عبده}.

الثاني: أن يضمر فيها اسمها على معنى البيان والقصة فيرتفع الاسمان بعدها كقول الشاعر:

هي الشفاء لدائي لو ظفرت بها = وليس منها شفاءُ الداء مبذول

الثالث: تكون استثناء فينتصب الاسم بعدها على الخبر ويضمر فيها اسمها وجوبًا كقولك: قام القوم ليس زيدًا، أي: ليس هو زيدًا، وهي في جميع ذلك فعل ناقص، ويقال: إن هذه المسألة كانت السبب لقراءة سيبويه النحو، وذلك أنه جاء إلى حماد بن سلمة لكتابة الحديث فاستملى منه قوله صلى الله عليه وسلم: «ليس من أصحابي أحد إلا لو شئت لأخذت عليه ليس أبا الدرداء» فقال سيبويه: ليس أبو الدرداء، فصاح به حماد: لحنت يا سيبويه، إنما هو استثناء، فقال: والله لأطلبن علمًا لا يحلنني معه أحد، ثم مضى ولزم  الأخفش وغيره.

الرابع: تكون حرفًا بمعنى «ما» ويبطل عملها إذا دخلت إلا على الخبر، كقولك: ليس زيد إلا قائم، كما تقول: ما زيد إلا قائم، وحكي عنهم ليس الطيب إلا المسك، بالرفع على معنى: ما الطيب إلا المسك، وحكي عنهم: ليس خلق الله مثله، ومعناه: ما خلق الله مثله، وهذه لغة بني تميم، حكى ذلك عنهم أبو عمرو بن العلاء فبلغ ذلك عيسى بن عمر الثقفي فجاءه فقال: يا أبا عمرو ما شيء بلغني عنك؟ ثم ذكر ذلك، فقال له أبو عمرو: نمت وأدلج الناس ليس في الأرض تميمي إلا وهو يرفع، ولا حجازي إلا وهو ينصب، ثم قال لليزيدي ولخلف الأحمر: إذهبا إلى أبي مهدي فلقناه الرفع فإنه لا يرفع، وإلى المنتجع التميمي فلقناه النصب فإنه لا ينصب، فأتياهما وجهدًا بكل منهما أن يرجع عن لغته فلم يفعلا ذلك، فأخبرا أبا عمرو وعنده عيسى فقال له عيسى: بهذا فقت الناس.

الخامس: تكون حرفًا عاطفًا على مذهب الكوفيين بمنزلة «لا» كقولك: جاءني زيد ليس عمرو، وأنشدوا قول لبيد:

وإذا جوزيت قرضًا فاجزه = إنما يجزي الفتى ليس الجمل

والبصريون يمنعن ذلك ويروونه:

إنما يجزي الفتى غير الجمل

قال سيبويه: رأيت زيدًا ليس عمرًا، لكنه يكون على تقدير العطف فعلًا بلا فاعل.

وقال الكسائي: أجريت ليس مجرى «لا» وأنشد للكوفيين قول جرير:

ترى أثرًا بركبتها مضيئًا = من التبراك ليس من الصلاة

يريد: لا من الصلاة، وقول الآخر:

أين المفر والإله الطالبُ = والأشرمُ المغلوب ليس الغالب.


(فصل)

لعلَّ: حرف ينصب الاسم ويرفع الخبر، وقال بعض أصحاب الفراء: قد ينصبهما، وزعم يونس أن ذلك لغة لبعض العرب، وحكى: لعل أباك منطلقًا وعُقيلٌ يخفضون بها.

وفيها لغات: لعلَّ وعلَّ ولعنَّ وعنَّ ولأنَّ وأنَّ.

وتتصل بها «ما» فيبقى معناها ويزول اختصاصها فيبطل عملها وبعضهم أعملها كليت، ولها أربعة معان:

أحدها: التوقع والترجي في المحبوب والمكروه نحو قولك: لعل الحبيب مواصل، ولعل الرقيب حاصل، وورودها في القرآن ترج للعباد، كقوله تعالى: {لعلكم تفلحون}، {لعله يتذكر أو يخشى}.

إذهبا على طمعكما ورجائكما أن يتذكر أو يخشى، وتختص بالأمر الممكن بخلاف «ليت» فأكثر ما تتعلق بالمستحيل كقولك: ليت الشباب يعود، وقول فرعون: {لعلي أبلغ الأسباب أسباب السموات}، إنما قاله جهلًا أو مخرقة وإفكًا.

ثانيها: ذكره النحويون وهو التمني كليت، تقول: لعلي أحج فأزورك، بالنصب إذا كنت مستبعدًا لحصول الموجود، حملوا عليه قراءة عاصم: {لعلي أبلغ الأسباب أسباب السموات فأطلع إلى إله موسى}، بالنصب.

ثالثها: التعليل، بمعنى كي، أثبته جماعة منهم الأخفش، والكسائي، كقولك: زرني لعلي أنفعك، معناه: كي أنفعك، ويدل عليه قول الشاعر:

وقلتم لنا كُفوا الحروب لعلنا = نكف ووثقتم لنا كل موثق

فلما كفنا الحرب كانت عهودكم = كلمح سرابٍ في الملا متألق

أي: كفوا لنكف، وحملوا عليه قوله تعالى: {فقولا له قولًا لينًا لعله يتذكر أو يخشى}، ومنه قوله تعالى: {وتوبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون}.

رابعها: الاستفهام، أثبته الكوفيون، كقولك للرجل: لعلك تشتمني، تريد: هل تشتمني، فيقول: لا أو نعم، ولهذا علق بها الفعل في قوله تعالى: {لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا}، وقوله تعالى: {وما يدريك لعله يزكى}.


(فصل)

لَمْ، ولَمَّا، ولِمَ بكسر اللام في الأخير منها.

أما لَمْ: فإنه حرف جزم ينفي المضارع ويُصير معناه ماضيًا، كقوله: {لم يلد ولم يولد}، وقد يرتفع الفعل بعده كقول الشاعر:

لولا فوارس من نُعمٍ وإخوتها = يوم الصليفاء لم يوفون بالجار

فقيل: ضرورة، وقال ابن مالك: هو لغة.

وزعم اللحياني أن بعض العرب ينصب بها كقراءة بعضهم: {ألم نشرح لك}، وقول الشاعر:

في أي يومى من الموت أفرُّ = أيوم لم يُقدر أمْ يوم قُدر

والجمهور خرجوه على أوجه ولا أطول بذكرها.

وأما لَمَّا: فقد تكون مفردة وقد تكون مركبة.

فأما المفردة فتأتي على ثلاثة أوجه:

أحدها: أن تكون حرف جزم كلم، بل هي أصلها، زيدت عليها «ما» ومعناها: النفي كلن إلا أنهما يفترقان من جهة المعنى في ثلاثة أوجه:

أحدها: أن منفي لما مستمر النفي إلى الحال، كقول الشاعر:

فإن كنت مأكولًا فكن خير آكلٍ = وإلا فأدركني ولما أمزق

ومنفي لم يحتمل الاتصال نحو: {ولم أكن بدعائك رب شقيًا}، والانقطاع مثل: {لم يكن شيئًا مذكورً}، ولهذا جاز أن تقول: لم يكن ثم كان، ولم يجز لما يكن، وقد يكون، ولأجل هذا أيضًا جاز اقتران لم بحرف التعقيب لاحتمالها الانقطاع، فتقول: قمت فلم تقم، لأن معناه: وما قمت عقيب قيامي، ولا يجوز في لما أن تقول: قمت فلما تقم؛ لأن معناه: وما قمت إلى الآن.

ثانيها: أن منفي لما لا يكون إلا قريبًا من الحال ولا يشترط ذلك في منفي لم، تقول: لم يكن زيد في العام الماضي مقيمًا، ولا يجوز لما يكن.

وقال ابن مالك: ولا يشترط كون منفي لما قريبًا من الحال مثل: عصى إبليس ربه ولما يندم، بل ذلك غالب لا لازم.

ثالثها: أن منفي لما متوقع ثبوته بخلاف منفي لم، ولهذا أجازوا: لم يقض ما لا يكون، ومنعوه في لما فلا تقل: لما يقض ما لا يكون، ألا ترى إلى قوله تعالى: {بل لما يذوقوا عذاب}، فإنه دال على أنهم لم يذوقوه إلى الآن، وأن ذوقهم متوقع، قال الزمخشري في قوله تعالى: {ولما يدخل الإيمان في قلوبكم}، ما في لما من منعي التوقع دال على أن هؤلاء قد آمنوا فيما بعد، انتهى.

وقد تقع «لما» موقع «لم» فلا تدل على التوقع، تقول: أتيتك ولما أصل إليك، أي: ولم أصل إليك، وعلة هذه الأحكام كلها ما قاله سيبويه رحمه الله تعالى في معاني حروف النفي: إن لم نفي لقولك: فعل، ولما نفى لقولك: قد فعل، ولن نفي لقولك: سيفعل، ولا نفي لقولك: يفعل ولم يقع الفعل، وما نفي لقولك هو يفعل إذا كانت في حال الفعل.

ثم لها معنيان آخران:

أحدهما: أن تكون جوابًا وسببًا لما وقع ولما لم يقع، تقول: ضربته لما ذهب ولما لم يذهب، وبعضهم يقول: حرف وجود لوجود، وبعضهم يقول: حرف وجوب لوجود، وبعضهم يقول: حرف وجوب لوجوب.

قلت: فيكون معناها: السببية والتعليل.

قال ابن هشام: وزعم ابن السراج وتبعه الفارسي وتبعهما ابن جني وتبعهم جماعة أنها ظرف بمعنى حين.

قلت: فيكون معناها: التوقيت، وقال ابن مالك: إنها بمعنى إذ.

قال ابن هشام: وهو حسن؛ لأنها مختصة بالماضي وبالإضافة إلى الجملة.

قلت: فيحتمل أن يكون معناها: التوقيت أي: ضربته وقت ذهابه، ويحتمل أن يكون معناها: التعليل، أي: ضربته لأجل ذهابه، ومن ذلك قوله تعالى: {إلا قوم يونس لما آمنوا}.

والمعنى الثاني: تكون بمعنى الشرط، وتفتقر إلى الجواب، ولا تدخل الفاء في جوابها، كقوله تعالى: {ولما جاءت رسلنا}، وقوله تعالى: {ولما جاء أمرنا}.

الثاني: أن تكون حرف استثناء كإلا، تقول: ما أتاني من القوم لما زيد، تريد إلا زيد، وتقول العرب في اليمين: بالله لما قمت عنا، وإلا قمت عنا، ولا تستعمل إلا في موضعين: بعد القسم والنفي، ومنه قوله تعالى: {إن كل نفسٍ لمَّا عليها حافظ}، في قراءة التشديد، قال الشاعر:

قالت له بالله يا ذا البردين = لما غنثت نفسًا أو اثنين

وقال الشماخ:

منه ولدت ولم يؤشب به نسبي = لما كما عصب العلباء بالعود

وفيه رد لقول الجوهري: إن لما بمعنى إلا ليس يعرف في اللغة.

الوجه الثالث: أن تكون «لما» اسمًا كقول بعضهم في قوله تعالى: {وإن كلًّا لما ليوفينهم ربك أعمالهم} في قراءة من شدد النون من «أن» والميم من «لما» أن الأصل: لمَّا بالتنوين بمعنى جميعًا، ثم حذف التنوين إجراء للوصل مجرى الوقف، وضعف هذا أيضًا بأن استعمال لما في هذا المعنى بعيد، وحذف التنوين من المنصرف في الوصل أبعد.

وكقول بعضهم: إنه «فعلى» من اللمم، وهو بمعناه، ولكنه منع الصرف لأجل ألف التأنيث، وضعف هذا بأنه لم يثبت استعمال هذه اللفظة، ولو كان فعلي لكتب بالياء، ولأماله من قاعدته الإمالة.

وأما المركبة فكقول الفراء في الآية: إن الأصل: لمن ما، فأبدلت النون ميمًا وأدغمت، فلما كثرت الميمات حذفت منها واحدة.

وضعف هذا القول بأن حذف مثل هذه الميم استثقالًا لم يثبت.

واختار ابن الحاجب: أنها لما الجازمة حذف فعلها، والتقدير: لما يهملوا ولما يتركوا، لدلالة ذكر الأشقياء والسعداء ومجازاتهم، قال: ولا أعرف وجهًا أشبه من هذا، وإن كانت النفوس تستبعده من جهة أن مثله لم يقع في التنزيل والحق ألا يستبعد ذلك، انتهى.

قال ابن هشام: وفي تقديره نظر، والأولى عندي أن التقدير: لما يوفوا أعمالهم، أي: إنهم إلى الآن لم يوفوها، وسيوفونها؛  لأن منفي لما متوقع الثبوت والتوفية متوقعة والإهمال غير متوقع.

وأما لِمَ بالكسر، فحرف يستفهم به تقول: لم ذهبت، ثم لك أن تدخل عليه «ما» ثم تحذف منه الألف وتبقى الفتحة دليلًا على الألف المحذوفة، قال الله عز وجل: {عفا الله عنك لم أذنت لهم}، وقد تحذف الفتحة في الشعر قال الشاعر:

يا أبا الأسود لم خلفتني = لهمومٍ طارقاتٍ وذكر

وفي ظني أنه يجوز إثبات الألف في لغة من أثبت الألف في نظائرها من حروف الاستفهام، كقول حسان:

على ما قام يشتمني لئيم = كخنزيرٍ تمرغ في رماد

ولكني لم أقف عليه فلينظر له، ولك أن تدخل عليها الهاء في الوقف فتقول: لمه؟).  [مصابيح المغاني: 390-404]