7 Sep 2015
عقيدة أهل السنة والجماعة في القرآن
حاصل قول أهل السنّة والجماعة في القرآن مشتمل على الجمل التالية:
1. أنَّ القرآنَ كلامُ الله تعالى حقيقةً لا كلامُ غيره.
2. منه بدأ وإليه يعود، ومعنى قولهم: ( منه بدأ ) أي نزل من الله، ومعنى قولهم: (وإليه يعود) إشارة إلى رفعه في آخر الزمان.
3. وأنَّ القرآنَ حروفه ومعانيه من الله تعالى.
4. وأن القرآن ليس بمخلوق.
5. وأن من زعم أنّ القرآن مخلوق فهو كافر.
6. وأنّ جبريلَ عليه السلام سمع القرآن من الله تعالى، وأنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلم سمعه من جبريل، والصحابة سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ثم نقل إلينا متواتراً.
7. وأنّ هذا الذي في المصحف بين الدفتين هو القرآن، محفوظ في السطور وفي الصدور.
8. وأنّ كل حرف منه قد تكلّم الله به حقيقة.
9. وأنه بلسان عربي مبين.
10. وأنّ من ادّعى وجودَ قرآنٍ غيره فهو كافر بالله تعالى.
فهذا مما أجمع عليه أهل السنَّة في شأن الإيمان بالقرآن، وما يجب اعتقاده فيه.
- قال سفيان بن عيينة: سمعت عمرو بن دينارٍ يقول: (أدركت مشايخنا والنّاس منذ سبعين سنةً يقولون: القرآن كلام اللّه، منه بدأ وإليه يعود). رواه أبو القاسم اللالكائي.
قال محمّد بن عمّارٍ –وهو أحد المحدثين- تعليقا على قول سفيان: (ومَن مَشيختُه إلّا أصحابُ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: ابن عبّاسٍ، وجابرٌ، وذكرَ جماعةً).
وعمرو بن دينار من التابعين، قد روى عن عبد الله بن عمرو بن العاص وابن عباس وابن الزبير وابن عمر وجابر بن عبد الله وعن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، وروى عن جلّة من التابعين منهم سعيد بن المسيّب وسعيد بن جبير ومجاهد بن جبر وأبي الشعثاء جابر بن زيد وعطاء بن أبي رباح وغيرهم.
فهو يقول: أدركت مشايخنا والناس منذ سبعين سنة، يقولون: القرآن كلام الله، منه بدأ وإليه يعود. وفي هذا نسبة القول إلى الصحابة وجلة التابعين.
وفي رواية أخرى عن عمرو بن دينار أنّه قال: (أدركْتُ أصحابَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم فمَنْ دونَهم منذُ سَبعينَ سنةً، يقولونَ: الله الخالقُ، وما سواهُ مَخْلوقٌ، والقُرآنُ كلامُ الله منهُ خرجَ وإليه يعودُ).
فهذه عقيدة متلقَّاةٌ عن أصحابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم الذين إنما أخذوا الدين عقيدة وشريعةً من النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقد سلّمهم الله من الأهواء التي نشأت في الأمّة بعدهم.
- وقال أبو بكر بن عياش: (القرآنُ كلامُ الله، ألقاه إلى جبرائيلَ، وألقاهُ جِبرائيلُ إلى محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، منه بدَأ، وإليه يعودُ).
- وقال حمّاد بن زيد: (القرآن كلام اللّه عزّ وجلّ، أنزله جبريل من عند ربّ العالمين).
- وأملى سفيان الثوري عقيدته على تلميذه شعيب بن حرب فكان أوّل ما بدأ به أن قال: اكتب: (بسم اللّه الرّحمن الرّحيم . القرآن كلام اللّه غير مخلوقٍ، منه بدأ وإليه يعود، من قال غير هذا فهو كافرٌ...).
- وقال أبو نعيم الفضل بن دُكين لمّا امتُحن في مسألة خلق القرآن: (أدركت الكوفة وبها أكثر من سبعمائة شيخ، الأعمش فمن دونه يقولون: القرآن كلام الله)، وأبى أن يجيبهم إلى القول بخلق القرآن، وقطع زرّا من قميصه وقال: عنقي أهون عليَّ من زرّي هذا.
- وقال أحمد بن حنبل: (لقيتُ الرجالَ والعلماءَ والفقهاءَ بمكة والمدينة والكوفة والبصرة والشام والثغور وخراسان فرأيتهم على السنة والجماعة، وسألت عنها الفقهاء؛ فكلٌّ يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود). ذكره الحافظ ضياء الدين المقدسي في كتابه اختصاص القرآن عن المرّوذي عن الإمام أحمد، وهذا فيه حكاية لإجماع السلف الصالح على أن القرآن كلام الله غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود.
- وقال الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه: (قال الله عز وجل في كتابه: {فأَجِرْه حتّى يسمع كلام الله} فجبريل سمعه من الله، وسمعه النّبي صلى الله عليه وسلم من جبريل عليه السّلام، وسمعه أصحاب النّبي صلى الله عليه وسلم من النّبي؛ فالقرآن كلام الله غير مخلوق).
- وقال ابن تيمية في الواسطية: (ومن الإيمان به [أي بالله تعالى] وبكتبه: الإيمانُ بأنَّ القرآنَ كلامُ الله، منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، وأنَّ الله تعالى تكلَّم به حقيقة، وأن هذا القرآن الذي أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم هو كلام الله حقيقة، لا كلام غيره)ا.هـ.
- وقال الحافظ ابن حجر في التعليق على مرويات السلف في القرآن: (المنقولُ عن السَّلَفِ اتِّفاقُهم على أنَّ القرآنَ كلامُ اللَّهِ غيرُ مخلوقٍ، تَلقَّاهُ جبريلُ عن اللَّهِ، وبلَّغهُ جبريلُ إلى مُحَمَّدٍ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، وبلَّغَه مُحَمَّدٌ إلى أُمَّتِه).
فهذا بيان لعقيدة أهل السنة والجماعة في القرآن، وذكر لأدلّتهم وأقوال أئمة أهل السنة من الصحابة والتابعين وكبار الأئمة والحفاظ من بعدهم في قرون متفرقة؛ كلها متفقة على أن القرآن كلام الله تعالى منزل غير مخلوق.
سبب تصريح أهل السنة بأن القرآن غير مخلوق
كان العلماء قبل حدوث فتنة خلق القرآن يقولون: إن القرآن كلام الله؛ فلمّا حدثت فتنة القول بخلق القرآن صرّحوا ببيان أنه غير مخلوق.
ومن توقّف في كون القرآن مخلوقاً أو غير مخلوق عدّوه واقفيًّا وهجروه؛ لأنَّ من واجب الإيمان بالقرآن اعتقادَ أنّه كلام الله تعالى، وكلام الله صفة من صفاته، وصفات الله لا تكون مخلوقة.
قال أبو داود السجستاني: سمعت أحمد يُسأل: هل لهم رخصة أن يقول الرجل: القرآن كلام الله، ثم يسكت؟
فقال: (ولم يسكت؟! لولا ما وقع فيه الناس كان يسعه السكوت، ولكن حيث تكلموا فيما تكلموا، لأي شيء لا يتكلمون؟!!).
أي: حيث تكلم أهل الأهواء وقالوا: إن القرآن مخلوق وفتنوا العامَّةَ بذلك، وفتنوا بعضَ الولاةِ والقضاةِ بذلك: وَجَبَ التصريحُ بأنَّ القرآن كلام الله غير مخلوق، بياناً للحقّ، ودفعاً للَّبس.
قال ابن تيمية رحمه الله: (لم يَقُلْ أحدٌ مِن السَّلَفِ: إنَّ القرآنَ مخلوقٌ أو قديمٌ، بل الآثارُ متواتِرةٌ عنهم بأنَّهم يقولون: القرآنُ كلامُ اللَّهِ، ولمَّا ظَهَرَ مَن قال: إنَّه مخلوقٌ، قالوا رداًّ لكلامِه: إنَّه غيرُ مخلوقٍ)ا.هـ.