كلمة في أسباب نجاح العمل الدعوي الجماعي
بسم الله الرحمن الرحيم
أسباب نجاح العمل الدعوي الجماعي
إن الحمد لله نحمده , و نستعينه , و نستهديه , و نعوذ بالله من شرور أنفسنا , و من سيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له , و من يضلل فلا هادي له .
و أشهد أن لا إله إلا
الله وحده لا شريك له , و أن محمداً عبده و رسوله, بلغ الرسالة , و أدى
الأمانة , و نصح الأمة , و جاهد في الله حق الجهاد حتى أتاه اليقين , فصلى
الله عليه, و على آله, و أصحابه, و أزواجه, و من سار بهديه, و اتبع سنته
إلى يوم الدين . إن الدعوة إلى الله تشريف و تكليف, و لا ينال شرفها إلا من قام بتكاليفها، وإذا قامت جماعة المسلمين بأمر الدعوة إلى الله تعالى على منهج صحيح فإنها تحتاج إلى أمرين هما : 1- التخلص والحماية من الآفات التي تضعف جهود القائمين عليها, و هذه الآفات على قسمين : أ- آفات تعتري القائمين
بها من الاختلاف والتنازع, والمعاصي الظاهرة والباطنة كالعجب والرياء
وإرادة الدنيا بعمل الآخرة ونحو ذلك مما يعتري بعض المنتسبين إلى الدعوة. ب- وآفات من كيد أعداء الأمة في الداخل و الخارج من المنافقين و الكفار. 2- التأييد و الإمداد بما يقويها , و ينميها. فإذا اكتمل الأمران نجحت الدعوة لأنها كالنبات يحتاج إلى ما يغذيه و يقويه, و يحتاج إلى ما يحميه من الآفات . و من شأن أعداء الدين :
الكيد, و الخديعة, و المكر والتعاون على الإثم والعدوان, و من شأن
المؤمنين النصيحة, و الصدق, و الإخلاص, والنصرة الصادقة والتعاون على البر
والتقوى. و هذا التناصح الصادق بين
المؤمنين سبب كبير لدفع كيد الأعداء , و لذلك امتن الله عز و جل على
النبي صلى الله عليه و سلم بهذا الأمر . فقال تعالى في سورة الأنفال التي نزلت بعد غزوة بدر :{
وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره و بالمؤمنين و
ألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم و لكن
الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم } فتآلف قلوب المؤمنين سبب من أسباب النصر كما أن تنازعهم واختلافهم سبب من أسباب الفشل والهزيمة كما قال الله عز و جل : { و لا تنازعوا فتفشلوا و تذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين } فالأمر يستدعي الصبر و التآلف لتنجح الدعوة إلى الله, و يحصل فيها التوفيق والثبات والنصر والتمكين . ولما بعث النبي صلى الله عليه و سلم معاذ بن جبل وأبا موسى الأشعري - رضي الله عنهما- إلى اليمن حملهما بوصية عظيمة فقال صلى الله عليه و سلم : (( يسرا و لا تعسرا ، و بشرا و لا تنفرا ، و تطاوعا و لا تختلفا)). فما أعظم هذه الوصية! و ما أجملها ! و ما أيسرها للحفظ والفهم والامتثال ! وما أعظم بركتها على من اهتدى بها. و لذا وجب علينا أن نحفظها , ونعمل بها ؛ فحينما تكون جماعة من المؤمنين على أمر جامع فإنه يجب عليهم التطاوع وعدم التخالف . والأمر هنا للوجوب ؛ والتطاوع
معناه أن يطيع بعضهم بعضاً بالمعروف و أما من أمر بأمر فيه تعدي لحدود
الله فلا طاعة له , و هو آثم في أمره, و يجب أن يناصح فيه . و كل من اتبع رضوان الله تعالى فإن الله يعطيه ما يرضيه , و من تواضع لله رفعه , و من ترك شيئاً لله عوضه خيراً منه . و من أحب أن يكون له فضل في أمر من
الأمور؛ فإنه إذا اتبع رضوان الله تعالى فإن الله يعطيه و لا يحرمه، بل
يختار الله له ما هو خير له وأنفع , ويفتح له من أبواب فضله ما لم يكن
يختر له على بال . قال الله تعالى : {وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعاً حسناً إلى أجلٍ مسمىً و يؤت كل ذي فضلٍ فضله } فتأملوا قوله تعالى في هذه الآية {ويؤت كل ذي فضل فضله}
, فلا يخسر مع الله أحد اتبع رضوانه , و إذا كان الإنسان على فضلٍ في أمر
من الأمور فإنه باتباعه لرضوان الله تعالى يزداد فضلاً . و في مسند الإمام أحمد , وسنن أبي داود من حديث معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال: (( الإسلام يزيد ولا ينقص)),
أي يزيد أهلَه من الخير ولا ينقصهم، وفي إسناد هذا الحديث انقطاع بين
التابعي والصحابي ؛ فإن معناه صحيح , و تشهد له الآية السابقة, و آيات
وأحاديث أخرى. ومن أخذ بهذا الأمر, و كان على يقين منه
علم أنه متى صدق مع الله؛ فإن الله يصدقه, و إذا ابتلي فصرف عنه بعض الفضل
علم أن الله يعوضه خيراً منه إن اتبع رضوانه سبحانه و تعالى . فإذا أردنا أن نمتثل هذه الوصايا, ونوقعه
على حالنا في المعهد فعلينا أن نحرص على التآلف و نبذل أسبابه, و أن يكون
اجتماعنا لله , و عملنا لله , و أن نكون صادقين في نصرة دين الله جل و
علا , و قد قال الله تعالى : {إن تنصروا الله ينصركم} فنتطاوع و لا نتخالف, و نُيسر و لا نعسر , نُيسر على الطلاب وييسر بعضنا على بعض, و نبشر و لا ننفر . فالأمة بحاجة للتبشير بالخير في الدنيا و
الآخرة , فنحن نبشر بما بشر الله به و بما بشر به النبي صلى الله عليه و
سلم , و نحن عندما أمرنا بالتبشير فهمنا من ذلك أن الله قد وعدنا بما
أمرنا أن نبشر به، والله لا يخلف الميعاد. والناس في ظلمات الهموم والأحزان
والمعاصي يتطلعون إلى من ينقذهم؛ فذكر فضل الأعمال الصالحة , وما يترتب
عليها من الثواب الدنيوي والأخروي يعد نوعاً مهماً من أنواع التبشير. و لنحرص على اجتناب التنفير , و أوله
تنفير بعضنا لبعض , والتنفير قد يقع لأسباب معلومة ، فقد ينشأ عن سوء تصرف
, و قد يقع لخطأ غير مقصود . و هذا و هذا ينبغي أن يعالج, ومن وسائل المعالجة: أولاً: أن نوصي من عَرف من نفسه أنه قد
يقع منه ما ينفر - حتى و لو لم يكن متعمداً - أن يتبع السيئة الحسنة فإنها
تمحوها , فيعمل من الأعمال التي تحمل معنى التبشير ما يسد الخلل , و يكمل
النقص . ثانياً: أن نوصي من ينتقده أو ينفُر لأقل سبب بوصايا من أهمها: - أن نفوره يوهن الجماعة , و يضعف التآلف الذي يريده الله تعالى؛ و الذي هو من أهم أسباب النصر. - و الوصية الثانية ألا يفترض المثالية
في إخوانه, فمن ساءك اليوم منه عمل قد تسرك منه غداً أعمال, و من أخطأ في
حقك و انتقص من قدرك, فلا تدري لعله بحلمك يقوم مقاماً يكون فيه نصر لك و
نفع قد لا يقومه غيره . فإذا كنت ستنفر من كل من يصدر عنه عمل منفر , فقل أن يبقى لك صاحب, و قد قال الله تعالى :{خذ العفو و أمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} و قد قال بشار بن برد : إذا كنت في كل الأمور معاتبا = صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه فعش واحداً أو صل أخاك فإنه = مقارف ذنب تارةً ومجانبه إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى = ظمئتَ وأي الناس تصفو مشاربه؟! ومِن أكثر ما يعكر صفو الأخوة : سوء الظن, ومَن أكثر الشكَّ في إخوانه وأصدقائه فرَّط فيهم . و قد قال الحارث بن ضابئ البرجمي : و في الشك تفريط وفي الحزم قوة = و يخطئ في الحدس الفتى و يصيب و لست بمستبقٍ صديقاً و لا أخا ً= إذا لم تعدَّ الشيء وهو يَريب و قال النابغة الذبياني : و لست بمستبق أخاً لا تلمُّه = على شعثٍ أي الرجال المهذب؟! أسأل الله أن يجعل
اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً, و تفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً, و ألا
يجعل منا و لا بيننا شقياً و لا محروماً . و صلى الله و سلم على نبينا محمد, و على آله, و صحبه أجمعين
التعليقات ()