معايير الإجابة الوافية
بسم الله الرحمن الرحيم
معايير الإجابة الوافية كيف تعرف أنك فهمت المسألة وضبطها ضبطًا جيدًا؟ ومن الترفق كذلك
أن لا يبالغ في الاهتمام بالتفصيلات والدقائق والمسائل الاستطرادية وأن لا
يكثر من الاستشكالات؛ لأن ذلك يورثه النسيان وعدم الضبط والغفلة عن مقاصد
الأبواب والمتون والمسائل المهمة، فيضعف بناؤه العلمي؛ لأنّه لم يحسن
التأسيس والتأصيل ، ولم يبن القواعد العلمية التي يسهل بها فهم تفهم تلك
التفصيلات. رابعًا: أن يكون سائرا على منهج الطلب الذي سار عليه من قبلنا من أهل العلم وصاروا علماء بعد مسيرهم ذلك السير.
الحمد لله، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد:
معايير الإجابة الوافية
- ذكر خلاصة القول تحت كل مسألة، وذلك بما يُظهر صحةَ فهم الطالب للمسألة وضبطه لها، واستيفائه لجميع أطرافها.
- وإذا كانت المسألة متضمنة لأقوال؛ فيعرف تلك الأقوال مع حجة كل قول منها، وعلل الأقوال التي ظهر ضعفها، وترجيح القول الذي ترجّح لديه بالمرجحات المعتبرة؛ فيعتني بجمع تلك الأقوال، وترتيبها، وتنظيمها، لأجل سهولة استيعاب المسائل وفهمها؛ ثم يحصر ذلك كلّه ويلخّصه، ويعبر عنه بعبارة وافية، ملخّصة من فهمه.
- إيراد الأدلة والاستدلال للمسألة التي يحرر الجواب عنها، وإذا كثرت الأدلة فيكتفى بإيراد أهمها.
- العناية
بحسن صياغة الجواب؛ فتكون لغته علمية تشابه كلام أهل العلم، متحققًا من
سلامة جوابه من الأخطاء الإملائية، وركاكة الأسلوب وضعف العبارات، محليّا
جوابه بحسن العرض، وجودة السبك، وعلامات الترقيم.
- تجنّب النسخ واللصق المجرَّد.
والمقصود أن يكون الجواب علميًا محرّرًا منضبطًا بالأصول والقواعد العلمية، وافيًا بأطراف المسألة، فلا يكون جواب الطالب مقتصرًا على ما يدلّ على معرفته ببعض الجواب يصوغه الطالب بأسلوبه.
فوائد مجالس المذاكرة:
1. استذكار المسائل التي درسها الطالب في الدروس السابقة، والتفطّن لما خفي عليه وغاب عنه.
2. تدرّب الطالب على التعبير عن إجابة الأسئلة بأسلوبه، واعتياد الطالب على
تحسين هذا الأسلوب وتمرّنه عليه مرات كثيرة يعينه على محاكاة أساليب
العلماء في الإفتاء والإجابات العلمية المحررة بإذن الله تعالى.
3. تعرّف الطالب المبكّر على جوانب الخطأ والتقصير في إجاباته ليمكنه السعي في معالجتها.
4. تعرّف الطالب على إجابات زملائه الحسنة والمتميّزة علماً وأسلوباً مما يدفعه لمحاولة محاكاتها وتحسين أسلوبه وطريقته في الجواب.
نماذج للإجابات
يمكن للطالب الاستفادة من هذه الأمثلة في تحريره لإجاباته.
التفسير (تفسير الفاتحة)
- السؤال: فسر قوله تعالى: { اهدنا الصراط المستقيم}.
جواب: أي دلّنا وارشدنا للطريق القويم الذي لا اعوجاج فيه، وهو الإسلام، كما جاء في حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ضرب الله مثلاً صراطاً مستقيماً، وعلى جنبتي الصراط سوران، فيهما أبواب مفتحة، وعلى الأبواب ستور مرخاة، وعلى باب الصراط
داع يقول: يا أيها الناس ادخلوا الصراط جميعاً ولا تعرجوا، وداع يدعو من
فوق الصراط، فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئا من تلك الأبواب، قال: ويحك لا
تفتحه، فإنك إن تفتحه تلجه، فالصراط الإسلام، والسوران حدود الله، والأبواب
المفتحة محارم الله، والداعي على رأس الصراط كتاب الله، والداعي من فوق
واعظ الله تعالى في قلب كل مسلم)) فالشاهد من الحديث قوله : (فالصراط
الإسلام).
وأما سؤال الهداية من المهتدي فمعناه: طلب الزيادة من الهداية، وهذا يشمل الهدايةُ إلى الصراط بلزوم دين الإسلام، والهداية في الصراط بالهداية لجميعِ التفاصيل الدينيّةِ علمًا وعملًا.
العقيدة (معالم الدين)
- السؤال: (المسلم قد يكون لديه نفاق يكثر ويقلّ بحسب مبلغ إيمانه وطاعته لله تعالى) اشرح هذه العبارة.
جواب: المسلمون الذين يكون لديهم بعض خصال النفاق على صنفين:
- فمنهم من يقع في بعض أعمال المنافقين من الكذب وإخلاف
الوعد أحيانًا، فيكون قد أذنب ذنبًا، فإن ساءه وقوعه في مثل هذه الذنوب،
فهو دليل على صحة إيمانه، ويُرجى له أن يتوب ويستغفر.
- ومنهم من يكثر وقوعه في أعمال المنافقين، مع قلة ذكره
لله تعالى، وكثرة تجاوزه لحدوده بانتهاك الحرمات والتفريط بالواجبات
والانكباب على الشهوات، وقد يوجد منهم من لا يكاد يصلي إلا على عجلة مع
إساءته في أدائه وتأخيرها إلى وقت الكراهة، وفي الحديث: ((تلك صلاة
المنافق، يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقرها أربعًا
لا يذكر الله إلا قليلًا)) فسمّاه منافقًا لغلبة النفاق على قلبه مع وجود
الإيمان الذي منعه من ترك الصلاة مطلقًا، وهؤلاء على خطر عظيم أن يؤدي بهم
هذا التهاون إلى الانسلاخ من الدين، ومن مات منهم فهو من أهل الكبائر
المتوعدين بالعذاب، ولكنهم لا يخلدون في النار لبقاء إسلامهم.
علم السلوك (حلية طالب العلم)
- السؤال: بين أهمية العمل بالعلم
جواب:
لا يعدّ العالم عالمًا ربانيّا حتى يعمل بعلمه، ومن عمل بعلمه زاده الله هدى وتقوى، قال تعالى: {والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم}
وأورثه علم ما لم يعلم.
وأما إذا لم يعمل العالم بعلمه فإنه آثم مستحقّ لعقوبات عظيمة منها:
- أن يكون من أول تسعر به النار يوم القيامة.,
- أن ذلك يورثه الفشل في طلب العلم ونسيانه وعدم البركة، قال تعالى :{فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به} وهذا النسيان يشمل النسيان الذهني والعملي.
وقد روي عن علي رضي الله عنه أنه قال: هتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل.
من الأخطاء الشائعة في إجابة الأسئلة
1: الاختصار الشديد
فمثلًا: مما ورد في أسئلة الواجب الأول في الحلية:
- السؤال: قال الشيخ بكر أبو زيد لطالب العلم: "تحلَّ بالثبات والتثبت ..." فما الفرق بينهما؟لإجابات التي وردت:
فكان جواب بعض الطلاب: (الثبات : معناه الصبر و المصابرة و أن لا يمل و لا يتضجر)، وهذا اختصار شديد؛ لا يفي بحاجة السائل المفترض.
والجواب الوافي:
الثبات : معناه الصبر و المصابرة و أن لا يمل و لا
يتضجر، بل عليه أن يثبت على مداومة القراءة في الكتب ويتثبّت فيما يقرأ،
ويثبت في الأخذ عن الشيوخ الذين يتلقى عنهم، ويتثبّت في ذلك؛ فلا يأخذ من
من كل كتاب نتفة، أو من كل فن قطعة ثم يترك، فهذا يقطع عليه الأيام بلا
فائدة.
ومن التثبت: التثبت فيما ينقل إليك من الأخبار،
والتثبت فيما يصدر منك من الأحكام؛ فالأخبار إذا نقلت فلا بد أن تتثبت أولا
هل صحت عمن نقلت إليه أو لا ،ثم إذا صحت فلا تحكم، حتى تثبت في الحكم.
وعلاج هذا الخطأ: أن يكون جواب الطالب وافيًا بأطراف المسألة، فلا يكون جوابه مقتصرًا على ما يدلّ على معرفته ببعض الجواب.
2: الأخطاء الإملائية
كعدم التمييز بين همزتي الوصل والقطع (أن، استغفر)،
وعدم التمييز بيت ما يكتب بالتاء المربوطة وما يكتب بالهاء في آخر الكلمة
(الجنة، عليه)، وغير ذلك.
والعلاج: الالتحاق بدورة الإملاء والإحسان في دراسة دروسها (وهي مقررة على طلاب المستوى الأول في الأسبوع الحادي عشر)
3: ضعف الصياغة
بضعف الأسلوب وركاكة العبارات، ووجود الأخطاء الإملائية، وأخطاء علامات الترقيم المخلّة بالمعنى.
والعلاج:
ركاكة التعبير يتجاوزها
الطالب بمحاكاة أهل العلم في كلامهم، فيأخذ من جمل وعبارات أهل العلم في
تحرير إجابته، وبالاستماع إلى كلام الفصحاء من أهل العلم، وقراءة الكتب
الفصيحة التي تمتاز بحسن الأسلوب.
وأخطاء الإملاء وعلامات الترقيم يتجاوزها الطالب بالالتحاق بدورتي الإملاء وعلامات الترقيم بإذن الله.
4. النسخ واللصق المجرّد.
والعلاج: أن يعبّر الطالب عن الجواب بأسلوبه، ولا بأس أن يستفيد من بعض
العبارات الموجودة في الدرس لكن يمنع أن يكون أداؤه مجرّد النسخ واللصق.
إذا أمكنك بعد
إتمامك لدراسة الدرس أن تغلق الكتاب، ثم تبدأ بشرح أهم ما ورد فيه من
المسائل على نفسك، فإذا استطعت أن تفسّرها وتوضّحها لنفسك بصواب وبوضوح
ودون تلكؤ، فإنك تكون قد بدأت في فهم تلك المسائل وأحكمت ضبطها، فيمكنك
بعدها الانتقال إلى غيرها.
أما إذا لاحظت
من نفسك أنك تعبّر عن المسألة بعبارة غير شرعية أو غير علمية كما ترد في
كلام أهل العلم، وذلك بأن يكون في تعبيرك خطأ ما، أو كان فهمك للمسألة فيه
اضطراب أو نقص ما، فينبغي لك مراجعة ما درسته، وعدم الانتقال إلى ما بعده
إلا بعد إحكام هذه المسألة، فتتثبّت من صحة الفهم والحفظ لما درسته وضبط
ذلك كلّه وترسيخه، فإذا عاودت شرح تلك المسألة مرة أخرى على نفسك تمكّنت من
توضيحها وشرحها لنفسك، وإفهامها كذلك لغيرك، وهذا ما يسميه أهل العلم
بمدارسة العلم ومذاكرته.
توضيحات:
- ينبغي أن يتجنّب الطالب الاختصار المخلّ، وليكن جوابه
وافيًا بالمطلوب بيانه في السؤال، نافعا لمن يقرؤه ويسمعه، فيوضّح المسألة
ويبيّنها بيانًا شافيًا دالّا على حسن فهمه وضبطه لها.
- ينبغي أن يحذر الطالب من التنقل بين المتون والشروح
المتقاربة في المستوى؛ لأن ذلك مما يضيّع وقته وجهده فيما لا حاجة له فيه؛
وإنما إذا مرّ بالطالب إشكال في فهم مسألة ما في أثناء دراسته فيرجع لتصحيح
فهمه في تلك المسألة لشرح آخر، ليتمكّن من ضبط المسألة وتحريرها وإحكام
فهمها، مع الالتزام في دراسته بالشروح التي اعتمدت له.
توصيات:
أولها: أعظم صفة يحرص طالب العلم أن يتخلق بها: أن
يكون مخلصا لربّه جلّ وعلا في طلبه للعلم ؛ لأنّ طلب العلم عبادة، فيكون
قصده التعبد لله بهذا العلم، وأن يتخلص من الجهالة ليعبد الله جلّ وعلا على
بصيرة.
ثانيًا: أن يكون رفيقا مترفقا في طلب العلم، ويكون ذلك بأن لا تروم العلم جملة.
قال
ابن شهاب الزهري الإمام التابعي المعروف: ((من رام العلم جملة ذهب عنه
جملة وإنّما العلم يطلب على مرّ الأيام واللّيالي))، فلابد من التدرج،
والتدرج سنة.
ثالثا: أن
يكون مواصلا في طلب العلم، ويجعل للعلم أعزّ أوقاته وأحلاها، فلا يجعل
للعلم الأوقات الميتة، وهي الأوقات التي كلّ فيها ذهنه وضعف فيها فهمه.
خامسًا: العناية بالحفظ وضبط المسائل.
وقال أحد الفضلاء: إياك أن تغترّ
بفهمك ؛ فتستغني به عن كتابةِ العلمِ وتقييدهِ وتلخيصهِ وحفظ المسائلِ
والأقوال، وإلاّ وجدت نفسَك في مكانكَ بعدَ سنوات من بِدئكَ بالطّلب، لم
تُحصِّل عِلمًا مُؤصّلا ، بل غايةَ ما وصلتَ إليه "ثقافة" عامة.
سادسًا: العناية بحفظ الأدلة.
أسأل الله تعالى لنا جميعًا التوفيق والسداد، وأن يخلص
نياتنا ويصلح أعمالنا، وأن ينفعنا بما ورد في هذا الموضوع من توصيات
وتوجيهات لأهل العلم ومن سار على نهجهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
التعليقات ()