تَبَاَرَكَ اْلمُنْزِلُ لِلفُرْقَانِ = عَلَى النَّبِىِّ عَطِرِ الْأَرْدَانِ
مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ = مَعْ سَلَامٍ دَائِمًا يَغْشَاهُ
وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَبَعْدُ = فَهذِهِ مِثْلُ الْجُمَانِ عِقْدُ
ضَمَّنْتُهَا عِلْمًا هُوَ الَّتفْسيرُ = بدَايَةً لِمَنْ بِهِ يَحِيرُ
أَفْرَدْتُهَا نَظْمًا مِنَ النُّقَايَهْ = مُهَذِّبًا نِظَامَهَا فِي غَايَهْ
وَاللهَ أَسْتَهْديِ وَأَسْتَعِينُ = لِأَنَّهُ الْهَادِي وَمَنْ يُعِينُ
إتمام الدراية لقراء النقاية لجلال الدين السيوطي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد
لله سبحانه على نعمه السابغة الشاملة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا
شريك له شهادة بالنجاة من الأهوال كافة، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ذو
الأوصاف الجميلة الكاملة، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبة ومن ناصرَه. (بسم
الله الرحمن الرحيم) أي أبتدىء (الحمد) أي الثناء بالجميل ثابت (لله) عز
وجل (والشكر له ثم الصلاة والسلام على خير نبي أرسله هذه نُقاية) بضم النون
أي خلاصة (مختارة من عدة علوم) هي أربعة عشر علماً (يحتاج الطالب إليها
ويتوقف كل علم ديني عليها) إذ منها ما هو فرض عين وهو أصول الدين والتصوف
ومنها ما هو فرض كفاية إما لذاته وهو التفسير والحديث والفرائض أو لتوقف
غيره عليه وهو الأصول والنحو وما بعدهما، ومنه الطب الذي يعرف به حفظ الصحة
المطلوبة للقيام بالعبادات كالقيام بالمعاش بل أهم (والله أسأل أن ينفع
بها، ويوصل أسباب الخير بسببها).
وبعد
فلما ظهر لي تصويب الملحِّين عليَّ في وضعِ شرحٍ على الكراسة التي سميتها
بالنقاية، وضمنتها خلاصة أربعة عشر علماً، وراعيت فيها غاية الإيجاز
والاختصار، وأودعت في طي ألفاظها ما نشره الناس في الكتب الكبار بحيث لا
يحتاج الطالبُ معها إلى غيرها، ولا يُحرم الفَطِنُ المتأملُ لدقائقِها من
خيرها، بادرت إلى ذلك قصدًا لعموم العائدة، وتمام الفائدة، وإبرازاً لما
أنا باستخراجه أحرى، إذ صاحب البيت بما فيه أدرى، وسميته (إتمام الدارية لقراء النقاية)، والله تعالى أسأل التوفيق والهداية، والاعانة والرعاية.
شرح منظومة الزمزمي للشيخ: عبدالكريم الخضير (مفرغ)
الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد... فتدبر القرآن إن رمتَ الهدى = فالعلم تحتَ تدبر القرآنِ محمدِ عليه صلّى الله = مع سلامِ..... وبعدُ فهذهِ ...... = ............... فساغ لي الشراب وكنت قبلاً = أكاد أغص بالماء الفراتِ جرى الخُلف أما بعد من كان بادئا بها = عُــدَّ أقــوالٌ وداودُ أقرب ضَمَّنْتُها عِلماً هُوَ التَّفْسِيْرُ = ................ ضَمَّنْتُها عِلماً هُوَ التَّفْسِيْرُ = بِدايةً................ ضَمَّنْتُها عِلماً هُوَ التَّفْسِيْرُ = بِدايةً لِمَنْ بِهِ يَحِيْرُ ....................... = مُهَذِّباً نِظَامَها في غَايَةْ ....................... = مُهَذِّباً نِظَامَها في غَايَةْ أظنُ ويظناني أخا = زيدًا وعمرًا أخوين في الرخا
فقد أخبر الله جلّ وعلا عن هذه الأمة أنها خير أمة أخرجت للنّاس؛ لأوصاف
ذكرها في كتابه جلّ وعلا، فالخيرية مربوطةٌ بهذه الأوصاف متى توافرت
ووجِدَت وجِد الوصف المرتب عليها.
فهذه الأمة خير الأمم على الإطلاق، والله - جلّ وعلا - فضَّل بني إسرائيل على العالمين، والمراد بذلك: عالمُ زمانهم،
وإلا فهذه الأمّة بنص القرآن {كنتم خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}
، لجميع النّاس بناءً على مُقَوِّمات ذكرها الله - جلّ وعلا - في كتابه،
وليس ذلك بالدعاوى، ولا لِنَسبهم، ولا لِألوانهم؛ وإنّما لأوصافٍ اتصفوا
بها عُلقت على هذه الخيرية؛ فإذا وجدت هذه الخيرية للعمل بالأوصاف التي
استحقت بها هذا الوصف.
وهذا التكريم من الله - جلّ وعلا - إذا وجدت هذه الخيرية فخير هذه الأمّة -
التي هي خير النّاس - من تعلم القرآن وعَلَمَه، بالنص الصحيح الصريح، حيث
يقول الرسول - عليه الصلاة والسلام - : (خيركم من تعلم القرآن وعلمه).
والقرآن كلام الله جلّ وعلا الـمُنـزل على نبيه - عليه الصلاة والسلام-، الذي هو شَرف هذه الأمّة وذكرها: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ }
يعني: شرف لكَ ولقومك، والنبي - عليه الصلاة والسلام - ترك فينا هذا
الكتاب مع سنّة نبيه - عليه الصلاة والسلام- فإذا تمسكنا بهما هُدينا
وأَمِنَّا من الضلال، وإذا فرّطنا فيهما ضللنا.
والمقصود أن خير هذه الأمّة التي هي خير
النّاس من يتصدى لكتاب الله - جلّ وعلا - تعلمًا وتعليمًا؛ فيتعلم القرآن
بحفظه على الوجه الذي أُنزل عليه، يتلقاه عن شيخه، عن شيخهِ، عن شيخهِ، إلى
محمد - عليه الصلاة والسلام - عن جبريل، عن الله - جلّ وعلا - يتلقاه كما
أُنزل.
كثير من المسلمين يقرأ القرآن لكن لا على الوجه الذي يرضاه الله -جلّ وعلا -
فتجد في قراءته من الأخطاء والأوهام، والتحريف، والتصحيف، واللحن المحيل
للمعنى.
هذا موجود وهو في السابق من العصور المتأخرة أكثر، لا عن السابق في عهد السلف ومن تبعهم بإحسان.
لكن ظهرت العنايةُ بكتاب الله - جلّ وعلا - منذُ ما يزيد على أربعين عامًا
في هذه البلاد، وإن وجدَ قبل ذلك في غيرها من البلدان لكن صار فيه نُقلة
وعناية بحفظ كتاب الله - جلّ وعلا - ووُجد الأثر من وجود هذه الحلْقات،
وهذه الجماعات التي تُعنى بكتاب الله _جلّ وعلا_ وأثمرت الثمار الطيبة.
لكن العناية بحفظ القرآن وتجويده وترتيله وإن كان هنا مطلوباً إلا أنه لا يكفي، فلابد من العناية به بعد ذلك بقراءته على الوجه المأمور به.
كثير من طلاب العلم يقرأ
القرآن، بل يحفظ القرآن، ويُتقن القرآن، ويُجود القرآن فإذا ضمن بذلك أهمل
القرآن ونام عنه فلا تجد في برنامجه اليومي جزء مُقتطع لقراءة القرآن على
الوجه المأمور به، هذا قليل في طلاب العلم فضلاً عن كونه يُعنى بما يُعينه
على فَهم القرآن وتدبره، والنظر في التفاسير المعتبرة المـُتلقاة المؤلفة
من قبل أهل العلم الموثوقين.
بعضهم يكتفي بمجرد حفظ
القرآن وضبطه وتجويده، وبعضهم يزيد على ذلك فيقرأه على قراءات متنوعة ويضمن
لنفسه أنّه أُجيز بالقرآن من عدّة شيوخ ثم ماذا بعد ذلك؟
نعم، هو من أهل القرآن
لعنايته بالقرآن؛ لكن كما قال ابن القيم _رحمه الله تعالى_: (أهل القرآن
الذين هم أهل الله وخاصته هم الذين لهم العناية بتَعَلُّمِ القرآن،
وتَعِليم القرآن، وتدبر القرآن، والعمل بالقرآن وإن لم يحفظوه)
كما يقول ابن القيم - رحمه الله تعالى-: (لكن حفظ القرآن خصيصة من خصائص هذه الأمّة، جاء في وصفها: أن أناجيلها في صدورها، {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ})
حفظ القرآن من خصائص هذه الأمة وإن زعم من زعم من المفتونين أن حفظ القرآن من سيما الخوارج.
أقول: عدم حفظ القرآن من
سيما المبتدعة، تجد آيات في بعض الطوائف علماء كبار يزعمون أنّهم آيات،
ويصفونهم بالأوصاف، ويلقبونهم بالألقاب ومع ذلك لا يُعنون بالقرآن، ولا
يحفظون القرآن؛ لتأويل باطل عندهم.
المقصود أن العناية بحفظ كتاب الله اتجهت إليها عناية طلاب العلم والعلماء
في العصور المتأخرة بالنسبة للعصر الحديث، وكان يندُر أن يوجد حافظ في كل
بلد من البلدان ثمّ بعد ذلك يسر الله - جل و علا - هذه الجماعات التي تُعنى
بتحفيظ القرآن وحصل على يدها الخير الكثير.
إذا نظرنا إلى ما يخدم
القرآن من التفاسير، وسائر كتب علوم القرآن نجد أن نصيب هذه العلوم مع
أنّها متعلقة بأشرف الكلام - وهو كلام الله عز وجلّ - نجد أن نصيبها في
الدروس العامة والخاصة قليل بالنسبة للعلوم الأخرى، والبلدان متفاوتة في
هذا.
بعض البلدان فيها ستمائة درس في الأسبوع من خلال الجدول الـمُعد من قبل
الجهات المعنية، وبعض البلدان فيها ثلاثمائة درس، ومائتين، ومائة درس، وأقل
وأكثر.
لكن لو نَظرتَ في نصيب
القرآن - إذا استثنينا حلقات التحفيظ في دروس المشايخ - وجدنا أن العناية
بالقرآن أقل مما ينبغي، ووجدنا النصيب الأوّفر للسنّة، والعقيدة، والفقه،
وهي جديرة بالاهتمام والعناية؛ لكن كتاب الله - جلّ وعلا - ينبغي أن تكون
العناية به أكثر، وإذا نظرنا من زاوية أخرى وجدنا أن تعليم القرآن وتحفيظ
القرآن لا أقول يَأنَف عنه الكبار من أهل العلم؛ لكنّه لا يوجد في دروسهم.
هل تجد عالم من العلماء
الكبار يُقرأ عليه القرآن ويُحَفِّظ القرآن؟ لا، بل ولا متوسط، ولا من
أساتذة الجامعات، إلا ما ذُكر من أنه في الأحساء اثنين أو ثلاثة من أساتذة
الجامعات يُدرسون تحفيظ القرآن.
ومن يوكل إليهم هذا
التحفيظ إما من المسلمين الوافدين _جزاهم الله خيرًا- وقاموا به خير قيام،
أو من الشباب الذين حفظوا القرآن - جزاهم الله خيرًا ووفقهم - وأسقطوا
واجباً عن الأمّة.
لكن يبقى أن كون العالم
الكبير يتصدّى لهذا الأمر يعطيه في نفوس الشباب قوة؛ لكن ما تجد عالم كبير
يُقرئ النّاس القرآن، أو يُحفِّظ النّاس القرآن، أو حتى يُقرَأ عليه في كتب
التفسير إلا ما نجد في الجداول من قراءة تفسير الحافظ ابن كثير أو تفسير
الشيخ ابن سعدي أو غيرها.
وهذا التقصير في العناية
بالتفسير كما يُعنى بشرح السنّة مثلاً، أو بشرح كتب الفقه، أو بشرح كتب
العقائد = خللٌ ينبغي أن يصلح، وينبغي أن يُعنى النّاس كبارهُم وصغارهم
بكتاب الله - جلّ وعلا - وما يَخدمه من العلوم والدروس.
التأليف في علوم القرآن:
يندر أن تجد متناً يناسب
شرحه في دورة مثلاً كما يوجد في العلوم الأخرى، ففي العلوم الأخر أُلف فيها
للمبتدئين كتب كثيرة سواء في الفقه والعقيدة والحديث...
فتجد فيها كتباً كثيرة تناسب المبتدئين، وتجد كتباً مؤلفة للمتوسطين، كتب أُلفت للمتقدمين.
انظر - يا أخي - إلى كتب علوم القرآن! ما الذي يناسب المبتدئين منها؟
نجد في الدورات عنايةً
بمقدمة شيخ الإسلام ابن تيمية (مقدمة التفسير)، شيخ الإسلام إمام من أئمة
المسلمين يكفي أن هذا الكتاب لشيخ الإسلام، لكن هل هو على طريقة المتون
التي تُعنى بالحدود والأمثلة والتعاريف، وضبط أنواع الفن كالعلوم الأخرى؟
يعني هل نجد متناً في علوم القرآن مثل ما نجد (نخبة الفكر) مثلاً في علوم الحديث؟
أو الكتب التي أُلفت للتدرج في تلقي العقيدة الصحيحة ؟
الجواب: لا نجد إلا ما ندر .
للسيوطي كتاب اسمه: (النُقاية) جمع فيه أربعة عشر علمًا، بَدْأً من علم
أصول الدين، ثمّ علوم القرآن، ثمّ علوم الحديث، ثم علم أصول الفقه،ثم علم
الفرائض، ثم علم النحو، ثم علم التصريف، ثم علم الخط، ثم علم المعاني، ثم
علم البيان، ثم علم البديع، ثم علم التشريح، ثم علم الطب، ثم علم التصوف.
هذا الكتاب اسمه: (النُقاية) بضم النون كالخلاصة، وزنًا ومعنًا.
لكن هذه (النُقاية) هي أربعة عشر متناً في أربعة عشر فنًا على ما ذكرنا، وكلّ واحد من هذه المتون يصلح تدريسه للمبتدئين وإقرائه لهم.
علم أصول الدين في العقائد لكن مع الأسف أنّه جرى على عقيدته التي انتهجها وهي عقيدة الأشعرية.
ثمّ بعد ذلك بدأ بعلم التفسير وسبق لنا في دورة مَضت أن أخذنا من هذا
الكتاب الذي هو النُقاية ما يتعلق بعلم التفسير وشرحناه في دورةٍ انتشرت
أشرطتها وفُرِّغت على أوراق وانتفع بها من انتفع نرجو أن تكون خالصةً لله -
جلّ وعلا - وهي على طريقة المتون، وفيها خمسة وخمسون نوعاً من أنواع علوم
القرآن.
- علم الحديث خلاصة في مصطلح الحديث تحاكي النخبة، بل جلّها مأخوذ من النخبة.
- علم أصول الفقه أيضًا هذا كتاب مختصر جميل يصلح أن يعتمد عليه المبتدئ.
-
علم الفرائض، علم النحو، إلى آخر العلوم، وختمه بعلم التصوف؛ لأنّه سائد
في وقته وله منه نصيب في العلم والعمل، أن يُقَرأ لهذا العلم، وإن كان فيه
ما يلاحظ عليه وعلى غيره.
المقصود أنّ هذا الكتاب
الذي اسمّه النُقاية أَلفه السيوطي ليكون عدة متون لأربعة عشر علمًا، ثمّ
شرحه في شرح مختصر اسمه: (إتمام الدراية بشرح النُقاية).
(منظومة الزمزمي) مأخوذة من النُقاية، يَقول فيها: (أفردتها نظمًا من النُقاية)
أي: من هذا الفن في النقاية.
ما يتعلق بعلم التفسير
وأصول التفسير من النُقاية أفردَهُ الشيخ: جمال الدين القاسمي، وطبعه مع
كتابٍ في أصول الفقه لابن حزم مأخوذ أيضًا من مقدمة (المـُحلَّى)، وكتاب في
أصول الفقه لابن عبد الهادي أسماه (مجمع الأصول)، وهو الذي يُشرح في هذه
الدورة، فهذه المتون مُستَلة من كتب :
- أصول الفقه مأخوذ من:"مقدمة المـُحلى".
- أصول التفسير مأخوذ من: (النُقاية).
-
(مجمع الأصول) سمّاه طابعهُ هكذا، وإلا فالأصل هو مأخوذ من: (مقدمة مُغني
ذوي الأفهام عن الكتب الكثيرة في الأحكام) لابن عبد الهادي.
هذه المـُستلات استلها القاسمي -رحمه الله تعالى -وطبعها ، وراجعها، وصححها، وعلق عليها.
التأليف في علوم القرآن الكريم تأخر جدًا، بعد التأليف في أصول الفقه، وعلوم الحديث.
تقدّمه التأليف في أصول
الفقه وعلوم الحديث بقرون، والسبب في ذلك أن القرآن مضبوط محفوظ، تكفل الله
بحفظه من الزيادة والنقصان، فلم تر الحاجة إلى أن يُؤلف فيه ما يخدمه من
حيث الثبوت وعدمه، أما ما يُحتاج إليه فيما يخدم القرآن وفهم القرآن،
والاستنباط من القرآن فهو موجود أيضًا في كتب أصول الفقه؛ لأن أصول الفقه
فيها مبحث يتعلق بعلوم القرآن وما يخدم القرآن من حيث العام والخاص،
والمطلق والمقيد، والناسخ والمنسوخ ....إلخ.
فالحاجة ليست داعية إلى
التأليف فيه كمثل الحاجة الداعية إلى التأليف في أصول الفقه، أو علوم
الحديث؛ لأنّه مَصون بخلاف السنّة التي وقع فيها الاختلاف ووجد فيها الوضع،
وفيها الدَس، منذ القرن الأول.
فلم يروا الحاجة داعية إلى التأليف فيه فتأخر التأليف جدًا.
* السيوطي يزعم أن أوّل من ألف فيه: جلال الدين البُلقيني المتوفي سنة أربع وعشرين وثمانمائة.
لكن هذا الكلام غير صحيح فقد تقدمه ابن الجوزي المتوفى سنّة سبع وتسعين وخمسمائة بكتابه (فنون الأفنان
- وتقدمه كذلك الطوفي صاحب (الإكسير).
- وتقدمه أبو شامة صاحب (المرشد الوجيز).
- وتقدمه الزَركَشي الذي
أَلف كتاباً يعد أجمع كتب علوم القرآن اسمه (البرهان في علوم القرآن) وإن
كان في الأنواع أقلّ من الإتقان (للسيوطي).
لكن السيوطي في أوّل الأمر لم يطلع على هذه الكتب، فقرّر ما قرّر و إلا فكلّهم قد تقدموه.
والسيوطي نظر في كتاب
(البُلقيني) ونظر في كتب أصول الفقه، وعلوم الحديث وجَرّد ما يخص علوم
القرآن فأَلف في ذلك كتابًا أسماه (التحبير في علم التفسير) ضمنه أكثر من
مائة نوع من أنواع علوم القرآن الكريم، ثمّ بعد ذلك أَلف (الإتقان في علوم
القرآن) جمع فيه الأنواع التي في التحبير وضم بعضها إلى بعض لأنّه يمكن
ضمها، فوصلت عنده إلى الثمانين.
واقتصرَ من هذه الأنواع في
(النُقاية) على خمسة وخمسين نوعًا، وتبعه الناظم في هذا، ولم يذكر جميع
الأنواع التي ذكرها في التحبير مراعاة لحال الطلاب المبتدئين ؛ لأن
النّقاية إنّما أُلفت للمبتدئين، والمبتدئ يحيره تكثير الأنواع ويشوش عليه؛
فلذلك اقتصر على أهم المهمات للمبتدئين.
قال الناظم: (تَبارَكَ): تعاظم ، وتعالى الله -جلّ وعلا-، وهذا الفعل بهذه الصيغة لا يجوز أن يصرف لغير الله جل وعلا.
(المُنْـزِلُ للفُرقانِ): المنزل للفرقان الذي هو: القرآن، كما قال -جلّ وعلا-: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً }.
(المـُنزل): لو أردنا أن نطبق ما جاء في سورة الفرقان {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ}
لقلنا: المـُنَزِّل؛ لأن "المـُنْزِلْ" اسم فاعل من أنّزَلَ،
والمـُنَزِّلْ: اسم فاعل من نَزَّلَ الوارد في سورة الفرقان، تبارك
المـُنْزِل، والأصل أن نقول:المـُنَزِّل؛ لكن النظم يقتضي أن يكون من
(أنْزَلَ).
والمـُنْزِلُ للفرقان هو الله جلّ وعلا، والفرقان هو: القرآن.
(على النبيّ): محمد - عليه الصلاة والسلام- .
والنبيّ في قول الأكثر: إنسان ذكر أوحي إليه بشرع، ولم يُؤمر بتبليغه. والأكثر على النطق به بدون همز، وقد يهمز، وقرئ بالهمز.
محترزات التعريف:
(إنسان) يُخرج غير الإنسان.
(ذكر) يُخرج النساء، وإن زعم بعضهم أن من النساء من كلّفت بأعباء النبوة كمريم؛ لكنه قول مرجوح.
(أوحي إليه بشرع) من قِبَلِ الله - جلّ وعلا -.
(ولم يُؤمر بتبليغه) فإن أُمر بتبليغه فهو رسول.
النبي - عليه الصلاة والسلام - أوحي إليه بالشرع من قِبَلِ الله -جلّ وعلا - وأُمِرَ بالتبليغ كما في قوله تعالى: { بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ}، {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ}، و{قُمْ فَأَنذِرْ } ، فأُمر بالتبليغ فهو رسول إجماعًا.
هو نبيّ أيضًا لأنّه النبوة تدخل في الرسالة؛ فكلّ رسول نبيّ ولا عكس، هذا على قول الأكثر.
(لم يُؤمر بتبليغه) يَرِد
على هذا أنّ الوحي إنّما يُنـزله الله - جلّ وعلا - على لسان الملَك إلى
النبيّ من أجل أن يعمل به بالدرجة الأولى ومن حوله، فعلى قول الجمهور:
(أُوحي إليه بشرع ولم يُؤمر بتلبيغه) يَخرج آدم عليه السلام وهو نبيّ وليس
برسول، لأنه بلغ وعمل بشرعه الذي أوحي إليه.
فآدم نبي؛ لأن نوح هو أوّل الرسل، وقد جاء في حديث الشفاعة ما يدل على ذلك صراحة، وأنّ نوح أوّل المرسلين.
ولو لم يبلِّغ آدم شريعته لم يُؤَاخذ ولَدُه الذي قَتَل أخاه؛ فالمسألة مفترضة في آدم عليه السلام
ولذا يختار شيخ الإسلام -
رحمه الله تعالى - : أن النبيّ من يأتي مُكملاً لشريعة رسول قبله، لا يأتي
بشرع مُستقل، إنما يأتي بشرع مُكمل لشرع رسول قبله.
والرسول هو: الذي يأتي بشرع جديد. لكن يَرد على هذا :
- أن آدم ينبغي أن يكون رسولا؛ لأنّه لم يتقدمه أحد.
- ويَرد عليه أن عيسى عليه السلام ينبغي أن يكون نبيًّا على هذا الحدّ،
- وكذلك إسماعيل عليه السلام
- وغيرهم من الأنبياء الذين أتوا بمكملات.
وقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ} يدل على أن الرسالة تشمل: الرسول والنبيّ؛ فكلٌّ منهما مُرسل وكلٌّ منهما مُنَبأ، كلّهم مُوحى إليه، وكُلّهم مأمورٌ بالتبليغ.
على هذا ما الفرق المحرر بين النبيّ والرسول ؟
على قول الأكثر: - الرسالة أفضل من النبوة.
- وقال بعضهم: هما سِيّان.
- وجَنَح العز بن عبد السلام: إلى تفضيل النبوة على الرسالة.
وعلى كلّ حال إبدال اللفظ
بلفظ آخر، لو قال مثلاً (على الرسول عطرِ الأردانِ) جاز فالنبيّ محمد -عليه
الصلاة والسلام – نبيٌّ نُبئ بإقرأ وأرسل بالمدثر؛ فهو نبيّ رسول، ويجوز
حينئذ أن نقول: (على الرسولِ عطرِ الأردانِ) لأنّه لا يتغير المقصود بذلك :
ذات النبي -عليه الصلاة والسلام -وهي لا تتغير بأحد الوصفين.
النبيُ -عليه الصلاة والسلام - ردّ على البراء في حديث الذكر لمّا قال له: (آمنت بكتابك الذي أنزلت، ورسولك الذي أرسلت قال: ((لا، ونبيّك الذي أرسلت)) ؟
لأنّ هذا ذكر مُتعبد
بلفظه، وإلا فالأصل أن اللفظين إذا دّلا على ذات واحده لا فرق بينهما،
المقصود الذات؛ لكن هنا في الذكر متعبد بتلاوته فلا يُغيَّر لفظ بلفظ.
فلك أن تقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
ولك أن تقول: قال نبيّ الله_صلى الله عليه وسلم_.
وإن كان لفظ الرسالة يُوحي
بالتعدي، بتعدي المقول إلى غيره؛ لكن في الجملة المقصود به: التعبير عن
الذات، ذات النبي_عليه الصلاة والسلام_فسواء قلنا: نبيّ أو رسول؛ ولذا
يُجيز أهل العلم إبدال الرسول بالنبيّ وعكسه في غير ما تُعبد بتلاوته .
(عطرِ الأردانِ): عطر: الرائحة الطيبة التي تفوح من أردانه_عليه الصلاة والسلام_.
(والأردانِ): الأكمام، وأكثر ما تُطلق على الأكمام الواسعة.
فالنبي -عليه الصلاة
والسلام - تفوح من أردانه، وأكمامه الرائحة العطرة الطيبة، وجاء في وصفه
وفي شمائله ما يدّل على ذلك، فبدلاً من أن تفوح الروائح من الأردان
والأكمام الروائح غير الطيبة من سائر البشر؛ لأن منتهى الأردان الآباط،
والآباط في الغالب روائحها ليست طيبة، والنبي -عليه الصلاة والسلام - عطر
الأردان التي هي مظنّة للروائح غير الطيبة؛ فإذا كانت أردانه عطرة، تفوح
رائحة العطر من هذه الجهة من جسده الطاهر الشريف فكيف بغير هذا الموضع؟! .
(مُحَمَّدٍ عليهِ صَلَّى اللهُ): (مُحَمَّدٍ عليهِ صَلَّى اللهُ): محمدٍ، على النبيّ محمد وهذا اسمه - عليه الصلاة والسلام - العَلم، وهذا أشهر أسمائه.
ومن أسمائه: أحمد،
والماحي، والحاشر، والعاقب، نبيّ الرحمة، نبيّ الملحمة، نبيّ المرحمة، فله -
عليه الصلاة والسلام -أسماء كثيرة مجموعة في كتب السيرة والشمائل.
(صلّى الله): الصلاة من الله - جلّ وعلا - على نبيه يُراد بها:
_ الرحمة.
_ أو الثناء عليه في الملأ الأعلى.
_ أو البركة؛ كما في قول ابن عباس: (يصلّون: يبركون).
(صلّى الله مع سلامٍ): لابد من الأمرين: الصلاة والسلام لكي يتم الامتثال الوارد في قوله - جلّ وعلا-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }، والاقتصار على أحدهما لا يتم به الامتثال:
- بل أطلق النووي - رحمه الله تعالى - كراهة أن يخص الصلاة دون السلام، والعكس.
-
وابن حجر يخص الكراهة لمن كان ديدنه ذلك حيث يُصلي فقط، أو يسلم فقط، أما
من كان يصلي أحيانًا ويسلم أحيانًا ويجمع بينهما أحيانًا فالكراهة لا
تتناوله وإن كان خلاف الأولى، ولا يتم الامتثال إلا بالجمع بينهما المأمور
به في آية الأحزاب.
مع (سلامِ دائمًا): دائمًا حال، حال كونه دائم، ولو قال: دائمِ (مع سلامِ دائمِ)، الوصف للسلام جاز.
(يغشاه): يغشى النبيّ -عليه الصلاة والسلام - باستمرار لا ينقطع.
وإذا قيل: دائمًا فهل يغني عن تكرار الصلاة والسلام؟
الجواب: لا يغني، وإن كان
وجودها له أثر، لو قال: صلّى الله عليه وسلم مرّة واحدة لاشك أنّه ينال أجر
هذه المرة؛ لكن من كرر:(صلّى الله عليه وسلم) ، (صلّى الله عليه وسلم)، من
صلى عليه واحدة صلى الله عليه بها عشرًا، لو قال: صلّى الله عليه وسلم
دائمًا.
ولو قال: صلّى الله عليه وسلم مائة مرة فهل ينال أجر ما لو كررها مائة مرّة ؟
أو لهج بها طول عمره؟
كما جاءت الوصية بذلك في حديث الترمذي:( أجعلُ لك صلاتي كلّها
الجواب: لا، لا ينال بذلك هذا الأجر، لمجرد ذكر العدد حتى يُعدد.
الامتثال يتمُ بتمام هذه الحروف، (صلّى الله عليه وسلم) تسمعون بعض النّاس لا يظهر جميع الحروف،
وقل مثل هذا في الكتابة:
بعض النّاس يستعجل فيكتب (صلى الله وسلم) ويترك عليه، وبعضهم يرمز بـ (ص)
وهذا الرمز لا يؤدي الغرض، ولا يرتب عليه الأجر، وكذلك والرمز لكل كلمة
بحرف كما يكتب بعضهم (صلعم) لا يفي بالغرض، ولا يرتب عليه الأجر، ولا يتم
به الامتثال.
وقد ذكر في كتب المصطلح أن أوّل أوّل من كتب (صلعم) قُطعت يده، والله أعلم بصحة القصة
والمقصود: أن مثل هذا لا يتم به الامتثال، ولا يحوز فاعله الأجر المرتب على الصلاة والسلام عليه - عليه الصلاة والسلام-.
(وآله وصحبه): الآل هم:
أتباعه على دينه إلى يوم القيامة، أو أزواجه وذريته، أو من تحرّم عليهم
الصدقة من بنو هاشم، وبن مطلب، أو كلّ مؤمن تقي كما جاء ذلك في بعض
الأحاديث، فالأقوال أربعة.
وفي التشهد: (اللهمّ صلي
على محمد وعلى آل محمد) جاء في بعض الروايات (أزواجه وذريته) فدّل على أن
أزواجه وذريته يدخلون دخولاً أوليًا في الآل، والصلاة والسلام على الآل
تبعًا له - عليه الصلاة والسلام - مطلوبة لأنّهم وصية النبي - عليه الصلاة
والسلام - أوصانا بآله، ولهم على الأمّة حقّ لاسيما من كان منهم على
الجادة، أما من خالف فهذا لا يدخل في هذا الباب، أما من كان على الجادة
منهم فله حقّ على الأمّة، ((الله، الله في أهل بيتي))، ((وأوصيكم)) وأوصى
بهم - عليه الصلاة والسلام - { لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}
، فالوصية بهم ظاهرة ولهم على الأمّة حقّ، ومن حقّه - عليه الصلاة والسلام
- على الأمّة أن يُعنى المسلم بآله، ويحتفي بهم؛ ولذا كان الآل لهم من
الحقّ ما ذُكر فالصحبُ ليسوا دونهم؛ فالدينُ بجملته ما وصلنا إلا عن طريق
الصحابة - رضوان الله عليهم - فلهم أيضًا من الحقّ مثل ما للآل، فإذا صلينا
على النبيّ - عليه الصلاة والسلام - نعطف عليه الآل ونعطف عليهم الصحب،
ولكلٍ حقّ.
أما الاقتصار على الآل دون
الصحب، أو العكس فهذا لا شك أن فيه تفريط في حقّ من لزم حقّه، وهؤلاء أولى
النّاس، بأن يُصلى عليهم ويسلم تبعًا له - عليه الصلاة والسلام -، أما على
سبيل الاستقلال، بأن يصلى على الآل فقط، أو الصحب فقط، أو فلان من النّاس
فقط، تقول: أبو بكر صلى الله عليه وسلم، أو عمر صلى الله عليه وسلم فلم يجر
عليه عمل أهل العلم.
عامة أهل العلم على أن
الصلاة والسلام خاصة بالنبيّ - عليه الصلاة والسلام -فهو عُرف علمي عندهم،
والترضي عن الصحابة، والترحم على من دونهم كذلك
فلا يقال: أبو بكر صلى
الله عليه وسلم، كما أنّه لا يقال: محمد عز وجلّ، وإن كان عزيزًا جليلاً،
النبيّ - عليه الصلاة والسلام - عزيز جليل؛ لكن لا يقال في حقه: (عز وجلّ) ؛
لأن العُرف العلمي عند أهل العلم الذي تواطؤا عليه من صدر الأمّة إلى
آخرها، تخصيص لفظ (عز وجلّ) بالله - جلّ وعلا - والصلاة على النبي - عليه
الصلاة والسلام - كما أُمر بذلك.
والصحابة الترضي كما جاءت النصوص التي تدل على أن الله - جلّ وعلا - رضي عنهم.
والترحم على من دونهم.
يتجاوز بعض النّاس فيقول: الإمام أحمد رضي الله عنه، الشافعي رضي الله عنه؛ لكن العُرف على ما ذكرنا.
شاع وانتشر في بعض الأقطار التي لها أثر بالتشيع تخصيص الآل بالصلاة وعدم الصلاة على الصحابة.
والصنعاني شدد هذه
المسألة، وقال: بوجوب الصلاة على الآل تبعًا لوجوب الصلاة عليه - عليه
الصلاة والسلام - لما جاء في الصلاة الإبراهيمية.
استدل بها على مُطلق
الأحوال، أنّه يُصلى عليهم تبعًا له - عليه الصلاة والسلام -، وكذلك
الشوكاني، وتبعهما صديق حسن خان، وهذا إنما شاع في الأوساط التي فيها
التشيع، وفي البلدان الأخرى من بلدان المسلمين على مرّ العصور بدأً من عصر
التأليف لا تجد من يعطف الآل على النبيّ - عليه الصلاة والسلام - إلا
ويتبعهم الصَحب
وأولئك يقولون: كيف يترك الآل وقد جاء الأمر بالصلاة عليهم الصلاة الإبراهيمية؟ والله - جلّ وعلا - يقول: {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }، ولا يتم امتثال الأمر إلا بقول: (اللهمّ صلّوا على محمد وعلى آل محمد) ، هذه الصفة مُفسرة لما جاء في الحديث.
والجواب: أن هذه الصورة فرد من أفراد المأمور به، وانظر إلى عمل الصحابة ، فهل كان أبو بكر يقول: (صلى الله على محمد وآله)؟
ثم هل العلماء الذين تتابعوا في التأليف من صدر الإسلام كما في كتب السنّة: صحيح البخاري، ومسلم، والمسند، والموطأ وغيرها هل كانوا يقولون: صلّى الله عليه وعلى آله وسلم؟
الجواب: لا
ولكن من يقول بالوجوب يتهم العلماء في جميع العصور بأنّهم كانوا يمالئون الحكام حينما حذفوا الآل
ولكن عند التأمل نجد أن
عصر التدوين كان ازدهاره في العهد العباسي وهو عصر الآل، ولم يكن في عصر
بني أمية فلذلك لم يكونوا يخافون من بني أمية؛ وبنوا العباس من الآل فلم لم
يكتب البخاري وقد روى حديث الصلاة الإبراهيمية: صلّى الله عليه وآله وسلم؟
نقول: هذا خاص بالصلاة الإبراهيمية، وهي فرد من أفراد العام، وذكر فرد من
أفراد العام لا يعني قَصر العام عليه، ولو قلنا بهذا لَزمنا لوازم كثيرة،
ففي قوله تعالى: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ } ، جاء في الحديث (ألا إن القوة الرمي)، فهل يعني ذلك أننا لا نستعد للعدو بغير الرمي؟
أهل العلم ينُصون على أن
التنصيص على بعض أفراد العام لا يقتضي القصر والحصر عليه، وعلى كلّ حال
كلٌّ من الآل والصحب لهم حقٌ على الأمّة فنصلي عليهم تبعًا له - عليه
الصلاة والسلام - ، ونسلم عليهم ونترضى عنهم، ونتولاهم لاسيما من كان منهم
على الجادة، وأما الصحب فكلّهم على الجادة، كلّهم عدول ثقات، والآل باعتبار
أن منهم من تأخر عن زمن الصحابة فصلنا فيهم، فمثلاً علي - رضي الله تعالى
عنه وأرضاه - لا يُنكر فضله، فهو من العشرة المشهود لهم بالجنّة، وهو زوج
بنت النبيّ - عليه الصلاة والسلام -، وصهره، وأخوه، وهو منه بمنزلة هارون
من موسى، وله فضائل لا تعدُّ ولا تحصى.
وأيضًا أبناؤه الحسن
والحسين لا يُنكر فضلهم، وعلي بن الحسين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر
الصادق، كلهم أئمة هدى أعلام ، ولا يُضيرهم أن كُذب عليهم، ووضع عليهم،
وافتري عليهم، فالتبعة على غيرهم؛ ولذا أحاديثهم مُخرجة في كتب أهل السنّة
بدأً من الصحيحين إلى آخر كتب السنّة.
(الواو) هذه يقولون: إنّها
قائمة مقام أما، قائمة مقام أما؛ لكن الاقتداء به - عليه الصلاة والسلام -
حينما كان يقولُها في خُطَبِه وفي رسائلهِ، لا يتم إلا باللفظ الذي قاله -
عليه الصلاة والسلام -.
ففي أكثر من ثلاثين رواية
عنه صلى الله عليه وسلم كان يقول: (أما بعدُ) و(أما):حرف شرط، (بعدُ): قائم
مقام الشرط مبني على الضم؛ لأنّه حُذف المضاف إليه و نُوي معناه.
و(بعد) و(قبل) والجهات الست كلُّها على هذا الحكم؛ فإذا حُذف المضاف مع نيته يُبنى المضاف على الضم: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ} فهنا يُبنى، لكن لو ذكر المضاف إليه :{قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ} فإنه يُعرب.
وإذا حُذف المضاف إليه مع عدم نيتهِ أُعربت مع التنوين:
واختلفوا في أوّل من قال: (أما بعد) على ثمانية أقوال:
ويعقـوبُ أيــوبُ الصـبورُ وآدمٌ = وقسٌ وسحبانٌ وكعبٌ ويعرب
ثمانية؛ لكن المـُرجح عند الجمهور: أنّه داود، وهي فصل الخطاب الذي أُوتيهُ.
(وبعدُ فهذه):
الفاء واقعة في جواب الشرط، الذي قام مقامهُ الواو؛ فـهذهِ إشارة إلى
موجود إما في الأعيان إن كانت المقدمة كُتِبت بعد تمام التأليف، وإلا إلى
ما هو موجدٌ في الأذهان إن كانت المقدمة كُتبت قبل تمام النظم. ويقال هذا
في كلّ المقدمات، الإشارة لا بد أن تكون إلى موجود؛ لكن إن كان الكتاب قد
تمَ نظمه فالإشارة إليه إشارة إلى موجودٍ في الأعيان أي: محسوس، وإن كانت
المقدمة كُتبت قبل تمام الكتاب فالإشارةُ إلى ما في الذهن أي: الذي ينوي
كتابته.
(فَهذِهِ مِثْلُ الجُمَانِ عِقْدُ)
مثل حبات الجمان واللؤلؤ النفيس نظمها عقدا، كانت حبات متناثرة فنظمها مثل ما يُنظم العقد في سلك النظم،.
(عِقدُ) أي: حتى صارت عقداً زان بهذا العقد جِيد التكون العلمي؛ لأنّها لا يُستغنى عنها، في هذا الباب لا سيما فيما يخدمُ القرآن.
(فهذهِ مثلُ الجمان عِقدُ)
يمدحُها ليُغري طالب العلم بها؛ لا لِيَمُنَ بها، أو ليمدحها تبعًا لمدح
نفسه؛ لأن مدح المفعول مدحٌ لفاعله، ومدح الأثر من مدح مُؤثرهِ؛ فإذا مدحت
كتاباً فأنت تمدحه وتمدحُ أيضًا مؤلفهُ، وهو يمدح هذا الكتاب؛ فهل يقتضي
ذلك أنه يمدح نفسه؟
الذي في القلوب لا يعلمه إلا علام الغيوب، قال الله - جلّ وعلا - : {فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ}، وتزكية الكتاب تزكية لصاحبهِ؛ لكن المظنون بأهل العلم أنهم أرادوا الحث على قراءة كتبهم.
وهذا يَستعمِلُهُ ابن القيم كثيرًا إذا بحث واستطرد في مسألة، وأفاض فيها
وبينها، ووضحها، وأجاد فيها قال: (احرص على هذا البحث، علّك لا تجده في
مصنف آخر البتة)، فهو لا يُزكي نفسه، ولا يزكي بحثه بهذا الكلام وإنما أراد
أن يُغري طلاب العلم بهذا الكلام ليفيدوا منه.
هذا هو المظنون بأهل العلم، وأما ما تنطوي عليه القلوب فالله أعلم به ؛ لكن
هناك قرائن تدل على أنّه يمدح لِيُغري، أي أن مرادهم بذلك إغراء طلاب
العلم للإفادة من علمهم لكي تجرى عليهم الأجور؛ لأن من دلّ على خير فله مثل
أجر فاعله،
ومن العمل الذي لا ينقطع
العلم الذي يُنتفع به، فإنه يبقى إلى قيام الساعة بالتسلسل كلّ من يستفيد
منه له أجر ولك مثله، وهكذا وفضل الله - جلّ وعلا - لا ينتهي ولا يحدُّ.
وهذه الأمور نسبية، كنّا
إلى وقت قريب إلى رُبع قرن مثلاُ، لا يطيق الواحد كلمة ثناء عليه من قِبل
غيره، وكنّا نلوم من يسمع الثناء ويُسْكَت، فضلاً عن كون الإنسان يُثني على
نفسه، ثمّ اختلطنا بغيرنا ممن اعتادوا هذا الأمر فتساهلنا فصرنا نسمع
المدح ولا نعترض، والتجربة دلت على أن الإنسان إذا مُدح بما ليس فيه وسكت
وأقرّ لابد أن يسمع من الذم ما ليس فيه، وإذا مُدح بما فيه لأنّه جاء
التوجيه النبوي: ((إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب)) لاسيما في حقّ من يتأثر بالمدح؛ فإذا مُدح بما فيه سمع من الذم ما فيه ولا يظلمُ ربّك أحد.
ثمّ سمعنا من يقبل المدح؛ بل سمعنا من يُثني على نفسه؛ بل سمعنا من يتحايل على غيره ليمدحه، ورأينا من يَغضب إذا لم يُمدح.
جيء بشخص من بلد من بلاد
المسلمين وهو عالم في فنه وإن كان في مسائل الاعتقاد عنده تفريط، وعندما
قال المعرف به: بأنه الشيخ العالم العلامّة الفاعل التارك الذي لا يُضاهيه
في الحديث إلا فلان.
قال ذلك الشخص: يا شيخ فلان لا يَعرف الحديث، فانظر كيف أسقط غيره، وما قصده بذلك.
قال المعرف به: وقد ألف في الحديث وعلومه أربعين كتابًا.
قال: لا يا شيخ سبعين.
هذا أنا حضرتُه بنفسي.
وكنّا نأنف أن نسمع مثل هذا الكلام إلى أن وُجِدَ فينا وبيننا من يغضب إذا لم يُمدح؛ بل الأمرُ أعظم من ذلك:
شخص من الشباب حضر ليلقي محاضرة وأحضر معه سيرته الذاتية وأعطاها المـُقدم من تحت الطاولة، فقرأها المـُقدم
ثمّ لما شَرع هذا المحاضر في المحاضرة قال: هداك الله يا أخي قطعتم عنق صاحبكم!!
وهذا لا يمكن أن يجتمع مع الإخلاص،
والمقصود أن هناك علامات
وبوادر تدل على الإخلاص، وهناك علامات تنافي الإخلاص، والإنسان ابن بيئته
يتأثر بها شاء أم أبى؛ فاختلطنا مع هؤلاء الذين يسمعون المدح ولا ينكرون،
ثمّ أخذوا يمدحون أنفسهم، ثمّ بعد ذلك زاد الأمر، وهذه مُشكلة وهذا خلل
قادح في الإخلاص.
كان الإنسان من كثرة ما يسمع في أوّل الأمر إذا قيل له يا شيخ قال: ما أنا
بشيخ، وهذه مقبولة في أوّل الأمر، ثمّ إذا سمع ما هو أعظم من شيخ رضي بشيخ،
ثمّ إذا سمع بلفظ آخر رضي بما دونه وهكذا....
والإنسان يحتاج إلى تربية للنفس، والله المستعان.
نعُود للدرس
يقول الناظم - رحمه الله تعالى -:
(ضمنتها): يعني جعلتُ في محتواها، وفي ضمنها، أي: جعلتها ظرفًا لعلمٍ فسره بقوله: (هو التفسير) ففسر العلم بأنه هو التفسير
والأصل أن يقول: ضمنتها علم التفسير؛ لكن النظم يقتضي مثل هذا.
(ضمنتها علمًا هو التفسيرُ): هل ما تحتويه هذه المنظومة هو التفسير؟
نستطيع أن نقول: هذا علمُ
التفسير، كما نقول لمصطلح الحديث: (علم الحديث) ، أو (علوم الحديث)، أو
(علوم القرآن) ، أو(علوم التفسير)؛ لكن هل هذا العلم هو التفسير؟
الجواب: لا، إنما يبحثُ
هذا العلم في التفسير على سبيل الإجمال لا على سبيل التفصيل، فيقالُ له:
(علم التفسير) أو (علوم التفسير)أو (علوم القرآن) ، وليس هو التفسير.
التفسير مثل (جامع البيان) للإمام الطبري و (تفسير القرآن العظيم) للحافظ ابن كثير، و التفاسير الأخرى يقالُ لها: التفسير.
لكن الذي معنا (عِلمُ التفسير) وهو معرفةُ القواعدِ الإجمالية المعينة على معرفةِ ما يتعلقُ بالقرآن الكريم، ويأتي بحثُه.
والفرقُ بين التفسير، وعلوم التفسير كالفرق بين الفقه وأصول الفقه، والحديث وعلوم الحديث.
(التفسيرُ): هو من الفَسر، والكشف، والتوضيح، والبيان.
(بدايةً): يعني بداية في هذا العلم، تصلحُ للطالب المبتديء لبنة أولى في هذا الفن.
لمن بهذا العلم (يحير) أي: يحتار فيه لأنّه لم يحصل فيه شيئاً؛ فإذا سمع شيئا لأوّل مرة، وهو لا يدرك أطرافه وأبعاده فإنه يحتار في فهمه وتقريره.
(ويحير) معناها: يحتار،
والأصل يحارُ، من حار يحارُ، وأما يحير فالإتيان به على هذه الصيغة من أجل
الوزن فقط، والفعل" حار يحارُ إذا اضطرب، وتحيَّر إذا لم يدر ماذا يصنع.
(أفردتها): يعني أخذتها، وجعلتُها فردًا مستقلة عن غيرها بعد أن كانت مضمومة إلى غيرها.
(أفردتُها نظمًا): لا نثرًا كالأصل من (النُقاية)
أي: أخذ ما يتعلق بعلوم
التفسير، وعلوم القرآن من كتاب (النُقاية) للسيوطي، وهو الكتاب الذي سبق
وتحدثنا عنه مما يشتمل على أربعة عشر فنًا، أفرد هذا الفن ثمّ نظمه.
وعرفنا أن (النقاية) متون مجموعة لأربعة عشر فناً من الفنون سردناها في أوّل الدرس.
و(النُقاية): بضم النون كالخلاصة وزنًا ومعنى.
نعم ألفاظ هذه المنظومة
مهذبة، ونظمها سلس، فلو يُحفظ الأطفال مثل هذه المنظومات بدلاً من الأناشيد
وما لا يفيدهم ولا يعنيهم، فيحفظون مثل هذه، ويحفظون مثل سلم الوصول
ويكررونها، ويتغنون بها، فإذا كبروا فهموها فهو أفضل لهم بكثير من بعض ما
يحفظونه مما يُتلقى من وسائل الإعلام؛ بل حتى في دروس المدارس يحفظون وتحشى
أذهانهم بمقاطيع لا تفيدهم؛ فلو جُعل مثل هذه المناظيم تُحفظ في الصفوف
الأوّلى لاستفاد منها طلاب العلم الشيء الكثير، وصار لديهم حصيلة علمية وإن
لم يفهموها في أوّل الأمر فيرجى بعد ذلك أن يهيأ لهم من يُوضحُها لهم .
(مُهذبًا نظامها):
نِظامَها: مفعول لاسم الفاعل مُهذب، ولو قال مُهذَّبًا لقلنا (نِظامُها)
ويكون حينئذ إعرابُها: نائب فاعل لاسم المفعول؛ لأن اسم الفاعل واسم
المفعول يعملُ عمل فعله، فاسم الفاعل يرفع فاعلاً، واسم المفعول يرفع نائب
الفاعل.
(في غاية) أي: في غاية من التحرير والتهذيب، والإتقان، وسلاسة النظم، والجمع لما أراده من الخمسةِ والخمسين نوعًا .
واللهَ أَسْتَهدي وأَسْتَعِيْن = لأنَّهُ الهادِي ومَنْ يُعِيْنُ
(والله): منصوب، إن شئت فقل: على التعظيم، وإن شئت فقل: عمل فيه ما بعدهُ، والذي بعدهُ (استهدي واستعينُ) فيكون المعمول واحداً ، والعامل أكثر من واحد نحو:
وهذا هو التنازع.
فما الذي نصب لفظ الجلالة، استهدي أو استعين أو كلاهما؟
أو نقول: العطف على نية
تكرار العامل: والله استهدي، والله استعينُ" فلا يكون تنازع، على خلافٍ بين
أهل العلم في تقديم معمول فِعلي التنازع إذا كان منصوبًا، يختلفون في هذا،
يمنعُهُ جمع من أهل العلم منهم: ابن مالك، ويُجيزهُ آخرون، فهو في هذه
الحيثية لا يجوز أن يكون منصوبًا على التنازع.
(والله أستهدي وأستعينُ): تقديم المعمول يدُلُ على الحصر،كما في قوله - جلّ وعلا - {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} ، {وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ}، هذا يدلُ على الحصر؛ لأنّه قُدم فيه المعمول.
(والله استهدي): ولا استهدي بغيره، (أستعينُ): ولا أستعينُ بغيره؛ (لأنّه الهادي ومن يعينُ) وهذا بيان للسبب مؤكداً بأن
وفتحت همزة (أن) لدخول حرف الجر، حرف الجر يدخل على المفرد، وهذا في تأويل في حكم المفرد.
(لأنّه الهادي): الها
الضمير: معرفة، والهادي الخبر: معرفة، وتعريفُ جزئي الجملة يدلُ على:
الاختصاص أيضًا؛ لأنّه الهادي لا هادي سواه مفاد الجملة؛ لكن لو قال: لأنّه
هادٍ لم تدل على الحصر، فلما عرّف جزئي الجملة دل ذلك على الحصر.
(ومن يُعينُ): لأنّه الهادي والذي يُعينُ، وهو - جلّ وعلا - هو الذي يُعين.
(من): هذه موصولة؛ لأنّه الهادي وهو الذي يُعينُ، فنستعين به لأنّه هو الذي يُعين.
(ومن يعينُ) إذا أردنا أن نجعلها استفهاماً، قدرنا: سواه.
(ومن يُعينُ):يعني سواه، ولسنا بحاجة إلى
التقدير إذا صحَ المعنى دونَهُ؛ لأن ما لا يحتاج إلى تقدير أولى مما يُحتاج
إلى تقدير، فهو -جلّ وعلا - الهادي وحدهُ، والهدايةُ بيدهِ، وقد نفى
الهداية عن نبيهِ - عليه الصلاة والسلام -: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} ،{إِنَّكَ لَا تَهْدِي} فنفاها عن أعظم الخلق، وأشرف الخلق، وأكمل الخلق فمن دونه من باب أولى {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} فضلاً عن أن تهدي من لا تُحب، وأثبتها له في موضع آخر فقال - جلّ وعلا -: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }،
فالهداية المنفية غير الهداية المثبتة:
_ فالهداية المنفية هي:
هداية التوفيق والقبول، فالنبي - عليه الصلاة والسلام - يهدي بمعنى يدل
ويُرشد، وأتباعه يهدون؛ لكن هل يوفِّقون للقبول؟ لا، بدليل أن النبي - عليه
الصلاة والسلام - حرص على هداية عمه، وقال له: ((ياعم قل: لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله))، ولم يقُل ذلك، فما استطاع - عليه الصلاة والسلام - أنه يهديه مع أن عمه خدمه ودافع عنه، وخدم دعوته ولكن كما قال تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}.
_ أما هداية الدلالة والإرشاد فهذه للأنبياء، ولإتباعهم أيضاً ممن يدعو على سبيلهم ممن اتبعهم: {قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي}
، فهم يهدون النّاس بمعنى يدلونهم، ويرشدونهم؛ لكن ليس بأيديهم أن يجعلوا
هؤلاء النّاس المدعوين يقبلون ويهتدون، فهذه بيد الله - جلّ وعلا - وحده.
والأجور إنما رُتِبت على
مجرد بذل السبب؛ فالنتائج بيد الله - جلّ وعلا -، ومن نعم الله - جلّ وعلا
-أنّه علقَ الأجور ورتبها على مجرَّد بذل السبب.
قد يقول قائل: إنّه يدعو النّاس ليل ونهار، سرًّا و جهاراً على كافة المستويات وبشتى الوسائل والطُرق ومع ذلك لم يهتد أحد على يديه!
نقول: ليس عليك هداهم فهذا
الأمر لله وحده، فالقلوب بيده - جلّ وعلا - وإنما عليك أن تبذُل السبب،
وقد بذلت فأجرُك ثابت، وقل مثل هذا في الإنكار،
رجل يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ولم يتغير شيء فهل يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
الجواب: لا، لأن أجرهُ
مُرتب على مُجردِ بذل السبب، أما كون المنكر يرتفع فهو وإن كان مطلوباً إلا
أنه بيد الله - عز وجل - وحده، فليست النتائج بيدك بل هي بيد الله -جلّ
وعلا-.
الزمزمي: ليس بالعالم المشهور الذي دونت
ترجمتهُ وفُصّلتْ، إنّما يوجد في ترجمته كلام مُقتضب كما في (النور
السافر)، وفي (شذرات الذهب)"، وفي (الأعلام) للزركلي، وفي (معجم المؤلفين)
كلام .
وتُرجم له في مُقدمة الشرح، وبالإمكان تعريفهُ بسطرين أو ثلاثة لغرض الكشف اليسير عن حياتهِ.
قالوا في ترجمته: عبد
العزيز بن علي بن عبد العزيز الشيرازي الأصل المكي الشافعي، المعروف
بـ:الزمزمي، لَقبُه: عزّ الدين، ولد سنة: تسعمائة، له مؤلفات مُختصرة منها:
هذه المنظومة الطيبة المباركة في علوم التفسير.
ومنها أيضًا: (فيض الجود على حديث شيبتني هود).
ومنها: (الفتح المبين في مدح شفيع المذنبين).
اختلف في سنة وفاته: فالذي في شذرات الذهب ومعجم المؤلفين: توفي سنة ثلاث وستين وتسعمائة، يعني عن: ثلاث وستين سنة.
والذي في الأعلام للزركلي وبعض المصادر قالوا: توفي سنة ست وسبعين وتسعمائة.
وعلى كل حال وإن لم يُشهر
ويُذكر ويُفصل في ترجمته إلا أن منظومته نافعةٌ جدًا، وإن لم تكن أُصولها
منه؛ لكنه نظم ما في (النُقاية) مما يتعلق بعلوم القرآن، ونظمه جيد وجميل
يُستفاد منه.
سؤال: كيف يقال: النبي من
أُوحي إليه بشرع ولم يُؤمر بتبليغه، وأهل العلم وهم دونهم أمروا بالتبليغ
كما قال جلّ وعلا في شأن ميثاقه على أهل العلم: {لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ}
الجواب: الأمر بالتبليغ
بالنسبة لأهل العلم و علماء هذه الأمّة بمثابة أنبياء بني إسرائيل كما جاء
في ذلك بعض الأحاديث، فالتبليغ على أهل العلم واجب، وأخذ الله الميثاق
عليهم ، ومن باب أولى من كلّف مباشرة من الله - جلّ وعلا -؛ لكن هذا تنـزل
على حدّ قول الجمهور.
والله أعلم، وصلّى الله وبارك على عبده ورسوله نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
نهج التيسير للشيخ: محسن علي المساوي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد
لله الرحمن، خلق الإنسان علمه البيان، والصلاة والسلام على الرسول المؤيد
ببرهان القرآن، سيدنا وحبيبنا محمد، وعلى آله وأصحابه هداة العرفان.
(أما
بعد) فهذه تعليقات ظريفة، وتقريرات طريفة، على نظم التفسير، للعلامة الشيخ
عبد العزيز الزمزمي، تكون كالشرح له في حل ألفاظه، وكالموضح لطلابه في فك
ألغازه، وضعتها للقاصرين أمثالي تبصرة، ولعلها تكون للمنتهين من الأفاضل
تذكرة، فرحم الله امرأ أطلع على عيب أو خطأ فيه، فتأمل بعين الإنصاف، ثم
أصلحه بعد التحقق بيد العفاف، وعذرني في ذلك، إذ هي بضاعة الفقير الضعيف
المعاف، ولقد كنت سميتها "نهج التيسير، على نظم التفسير" راجيا من المولى
القبول، والنفع بها وذلك عند الله يسير، وهو بالإجابة قدير وجدير،
قال: (بسم الله الرحمن الرحيم) أي أنظم.
بدأ
الناظم كتابه بالبسملة اقتداء بالكتاب العزيز، ترتيباً لا نزولاً
وائتماراً، لحث الحديث المشهور، ووفاقاً للسلف والخلف، وطمعاً في الثواب
والبركة، ولم يبتدئ في النظم بالحمدلة، اكتفاء بالبسملة، وعملاً بما في
رواية ((كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه بذكر الله..)).
ثم الكلام على البسملة وما يتعلق بها شهير، قد تكفل به الأئمة الأعلام، فلنكتف بذلك.
قال الناظم (تبارك) وتعالى الله (المنزل) من الإنزال فاعل تبارك (للفرقان) أي القرآن؛ وسمى فرقاناً لأنه فرق بين الحق والباطل، أي ميزهما،
(على النبي) وهو إنسان حر أوحى إليه بشرع، سواء أمر بتبليغه للأمة أم لا، والمراد به هنا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
(عطر الأردان) أي طيب الأصول، قال صلى الله عليه وسلم:
((إن الله خلق الخلق، فجعلني من خيرهم، من خير قرنهم، ثم تخير القبائل،
فجعلني من خير قبيلة، ثم تخير البيوت، فجعلني من خير بيوتهم، فأنا خيرهم
نفسا، وخيرهم بيتاً))، والعطر بفتح فكسر، في الأصل: اسم فاعل من عطر كفرح، يقال عطرت المرأة إذا تطيبت، وهو بالجر صفة للنبي .
والأردان: مضاف إليه وهو جمع ردن، بضم فسكون:
أصل الكم، والمراد هنا، أصل النسب مجازاً بمرتبتين، بأن نقل منه إلى مطلق
الأصل، ثم إلى أصل النسب،
وقوله تبارك إلخ: مقتبس من قوله تعالى: {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده} الآية، وهو نوع من محسنات البديع، ويسوغ إن لم يكن فيه تغيير كما هنا،
وفي قوله الفرقان: براعة استهلال، كما لا يخفى، واعلم أن وصف التبارك جامع
لكل كمال، مستلزم لنفي كل نقص، وحينئذ فيحسن تفسيره في كل مقام بما
يناسبه، كما أفاده الصاوي
(محمد) بالجر: بدل من النبي، وهو في الأصل: اسم مفعول من حمد
بالتشديد، ثم جعل علماً على الحبيب الأعظم صلى الله عليه وسلم وهو أشرف
أسمائه (عليه صلى الله) أي رحمه: لأن الصلاة من الله رحمة (مع سلام) أي تسليم، متعلق بصلى (دائماً) متعلق بقوله (يغشاه) أي يعمه ويستره، صفة لسلام (وآله) بالجر عطفاً على محمد، والأليق بالمراد هنا أعني في مقام الدعاء: كل مؤمن تقي لحديث فيه (وصحبه) بالجر أيضاً عطف على ما عطف عليه آله، وهم اسم جمع، لصاحب، بمعنى الصحابي عند سيبويه، وجمع له عند الأخفش، (وبعد) الواو نائبة عن أما، بدليل لزوم الفاء في جوابه، أي وبعد البسملة والتبارك والصلاة والسلام،
(فهذه) المسائل المصورة في الذهن، أو الخارجة (مثل الجمان) بالرفع، خبر المبتدأ، والجمان بضم الجيم جمع جمانة بضمها أيضاً، كما في المختار، حبة تعمل من الفضة كالدرة، (عقد)
بالرفع: بدل أو خبر بعد خبر، أي كالعقد في حسنها، ففيه تشبيه بليغ،
والعقد: هي القلادة، والمعنى: فهذه المسائل مثل الحبوب المعمولة من الفضة،
مثلاً في حسنها، وهي قد صارت عقداً، ففيه مدح لتأليفه، ترغيباً لطلابه،
ليكثر الانتفاع به، فيكثر له الأجر،
ثم قال (ضمنتها) أي المسائل (علماً) بالنصب، مفعول ثان: أي جعلت تلك المسائل محتوية على علم (هو التفسير): مأخوذ من قولهم ضمنت الشيء كذا: أي جعلته محتوياً عليه
(بداية) بالنصب: مفعول له، أي ابتداء (لمن به) أي بعلم التفسير، متعلق بقوله (يحير)
بفتح حرف المضارعة: أي يتحير ويجهل، والجملة صلة من، والمعنى: جعلت ذلك
لأجل البداية والابتداء لشخص يتحير بعلم التفسير ويجهله؛ لكونه مبتدئاً في
تعلمه.
"تنبيه" ليس في القاموس ولا في المختار ولا في المصباح: يحير، وإنما هو
يحار، بل صرح في المصباح أنه من باب تعب، فليحرر، ثم شرع الناظم في بيان
مأخذ هذا النظم، فقال: (أفردتها) أي جعلت تلك المسائل مفردة مستقلة، (نظما) أي منظوماً، نصب على الحال، وقوله (من النقاية): متعلق بأفردتها، حال كوني (مهذباً) أي منقحاً (نظامها) أي ترتيبها (في غاية)
أي إلى غاية من التهذيب، ففي بمعنى إلى، والنقاية بضم النون كخلاصة وزناً
ومعنى، ثم جعلت علماً على كتاب للسيوطي مشتمل على أربعة عشر علماً، فهذا
النظم أفرده الناظم منها،
(والله) بالنصب مفعول مقدم، على التنازع (أستهدي) أي أطلب الهداية (وأستعين) أي أطلب الإعانة، والمعنى: لا أطلبهما من غيره (لأنه) سبحانه وتعالى (الهادي) أي الدال على الحق (ومن): اسم موصول بمعنى الذي (يعين)
غيره في قضاء الحوائج، أي لا غيره سبحانه وتعالى، فالحصر في الأول أفاده
تقديم ما حقه التأخير، وهو المفعول، وفي الثاني تعريف الجزأين.
"واعلم"
أن تقديم المتنازع فيه المنصوب: أجازه جماعة منهم الرضي، بخلاف المتنازع
فيه المرفوع، فيبعد فيه الجواز، كما في الخضري، والله أعلم.