16 Nov 2008
حد علم التفسير
عِلْمٌ بِهِ يُبْحَثُ عَنْ أَحْوَالِ = كِتَابِنَا مِنْ جِهَةِ الْإنْزَالِ
وَنَحْوِهِ بالْخَمْسِ وَالْخَمْسِينَا = قَدْ حُصِرَتْ أَنْوَاعُهُ يَقينَا
وَقَدْ حَوَتْهَا سِتَّةٌ عُقُودُ = َوبَعْدَهَا خَاتِمَةٌ تَعُودُ
وَقَبْلَهَا لَا بُدَّ مِنْ مُقَدَِّمَهْ = بِبَعْضِ مَا خُصَِّصَ فِيهِ مُعْلِمَهْ
إتمام الدراية لقراء النقاية لجلال الدين السيوطي
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قالَ
الإمامُ جَلالُ الدِّينِ السُّيُوطِيُّ-رَحِمَهُ اللهُ-: (عِلْمُ
التَّفْسِيرِ: عِلْمٌ يُبْحَثُ فيه عَنْ أَحْوَالِ الكتابِ العَزِيزِ،
ويَنْحَصِرُ فِي مُقَدِّمَةٍ وخَمْسَةٍِ وخَمْسِينَ نَوْعًا).
علم التفسير: علمٌ
يبحَث فيه أحوالُ الكتابِ العزيزِ من جهةِ نزولِهِ وسَنَدِهِ وآدابِهِ
وألفَاظِهِ ومعَانِيهِ المتعلِّقَةِ بألفَاظِهِ والمتعلِّقَةِ بالأحكامِ
وغيرِ ذلكَ.
وهو علمٌ نفيسٌ لم أقفْ على تأليفٍ فيهِ لأحدٍ منَ المتقدِّمينَ حتى جاء شيخ الإسلام جلال الدين البلقينيُّ فدوَّنَه ونقَّحه وهذَّبه ورتَّبه في كتابٍ سمَّاهُ (مواقع العلوم من مواقع النجوم) فأتى بالعجب العجاب، وجعله خمسين نوعا على نمطِ أنواع علوم الحديث.
وقد استدركتُ عليهِ منَ الأنواعِ ضِعْفَ ما ذكَرَه ,وتَتَبَّعْتُ أشياء متعلِّقة بالأنواعِ التي ذكرها مما أهمله ,وأودعتها كتابا سميته (التحبير في علم التفسير) وصدرته بمقدمة فيها حدودٌ مهمةٌ، ونقلت فيها حدوداً كثيرةً للتفسيرِ, ليس هذا موضع بسطِهَا.
شرح الشيخ عبدالكريم الخضير
يقول المؤلف رحمه الله تعالى في حدّ علم التفسير، و(الحدّ):
هو التعريف، وجمعُه حدود، والتعاريف يُعنى بها أهل العلم عنايةً فائقة
يُحررونها، ويُجودونها، ويذكرون القيود المدخلة والمـُخرجة؛ ليكون التعريف
جامعًا مانعًا، ويذكرون المـُحترزات فهم يضبطونها ويُتقنونها.
والعنايةُ
بالحدود والتعاريف وُجِدت في المـُتأخرين أكثر، أما سلف هذه الأمّة فلا
يذكرونها إلا نادرًا؛ لأن المصطلحات لا يختلفون فيها، فلم يتعرضوا لتعريف
الصلاة ولا لتعريف الزكاة، ولا الصوم لأنها أمور عملية معروفة، وتعريف بعض
الأمور وحدّها مما يزيد في غموضها وخفائها ، فبعض الأمور قد تكون معروفة لدى النّاس فإذا عُرّفت ضاعت.
ولو بحثت في مصنفات المتقدمين ما وجدت من التعاريف إلا القليل النادر الذي
تختلف حقيقته الشرعية عن حقيقته العُرفية، فيحتاجون إلى بيانه.
وأما
المـُتأخرون فجعلوا الحدّ ركن أساس في التعليم والتعلُم والتأليف؛ فلا
يتكلمون عن شيء إلا بعد تعريفه، ويقولون: إن الحكم على الشيء فرع عن تصوره،
والتصور لا يكون إلا بالحدّ، لكن قد يكون الشيء مُتصورا في الذهن ؛ فمن
يحتاج لتعريف الماء مثلاً؟
عرّفوا الماء بأنّه: مركب من كذا وكذا وذكروا أشياء جُل النّاس لايعرفُها.
وعرّفوا السماء، وعرّفوا الأرض، وعرّفوا الهواء ... إلى غير ذلك من التعريفات.
كلّ
هذه لا تحتاج إلى تعريف، ولهم تقسيمات للحدود والرسوم؛ لكن سلف هذه الأمّة
لا يُعنون بها، وإذا قامت الحاجة إلى تعليم شيء فلا بد من تعريفه، وإذا كيف
يُتكلم عنه ويُبحث عن حُكمهِ وهو لا يُعرف ؟
يقول في حدّ علم التفسير: علمٌ به يُبحث عن أحوال كتابنا من جهة الإنزالِ ونحوهِ.
(علمٌ
به يُبحث عن أحوال): علم التفسير، وعلوم القرآن، وأصول التفسير تُطلق
ويراد بها علم واحد على ماتقدم نظير إطلاقات علوم الحديث؛ فهذا العلم
(يبحثُ عن أحوال كتابنا):ذكرنا بالأمس عند قوله:
(ضمنتُها علمًا هو التفسيرُ):
أنّه لا يريد بذلك التفسير التفصيلي للآيات، وإنما يريد ما يتعلقُ بالقرآن
إجمالاً، نظير ما يُبحث في أصول الفقه وعلوم الحديث من حيث الإجمال،
فيُبحث به عن الأحوال، وإذا أردنا أن ننظر علوم التفسير أو علوم القرآن مع
التفصيل بعلوم أُخرى قلنا: أن علوم القرآن بمنزلةِ علم النحو الذي يُبحثُ
فيه عن أحوال الكلمة وعوارضها، والتفسير نظير علم الصرف الذي يُبحثُ فيه عن
أجزاء الكلمة وحروفها، ولو أبعدنا قليلاً لقلنا أن علم التفسير وعلوم
القرآن نظير علم الطب يُبحثُ فيه عن أحوال المرض، مسببات المرض وعلاج
المرض.
والتفسير التفصيلي: نظير علم التشريح، هكذا قالوا، والتنظير شبه مُطابق.
قد
يقول قائل: إن من التفسير ما هو إجمالي وليس بتفصيلي؛ فهل يدخل في علوم
القرآن التفسير الموضوعي مثلاً، تجمع آيات تبحث في موضوعٍ واحد؛ فهل
نقول:هذه تدخل في علوم القرآن أو في التفسير؟
ونقول: التفسير ينقسم إلى قسمين:
_ تفسير موضوعي.
_ وتفسير تحليلي.
أو نقول:
_ تفسير إجمالي.
_ وتفسير تفصيلي.
هذه
مُدخلة في التفسير نفسه لا في علم التفسير، المقصود أن علم التفسير، وعلوم
القرآن علم يُبحث به عن أحوال كتابنا الذي هو القرآن العزيز من جهة نزوله
ونحوهِ مما يُذكر في العقود الستة:
العقد الأوّل: يقول: ما يرجع إلى النزول زمانًا ومكانًا.
والنزول، والإنزال، والتنزيل بمعنى واحد، من جهة إنزاله، هل هو:
_ مكي ولا مدني.
_ سفري ولا حضري.
_ صيفي ولا شتائي.
_ ليلي ولا نهاري.
من
جهة وقت إنزاله، ومن جهة مكان إنزاله، وكيفية النزول لأنواع الوحي مثلاً،
وغير ذلك مما يتعلق بالقرآن من المسائل والأنواع التفصيلية التي يأتي ذكرها
إن شاء الله تعالى ؛ ولذا قال:
........................... = ..... مِنْ جِهَةِ الإِنْـزَالِ
ونَحْوِهِ ، بالخَمْسِ والخَمْسِينا = قَـدْ حُصِرَتْ أَنواعُهُ يَقينا
........ بالخَمْسِ والخَمْسِينا = قَـدْ حُصِرَتْ أَنواعُهُ يَقينا
ونَحْوِهِ ، بالخَمْسِ والخَمْسِينا = قَـدْ حُصِرَتْ أَنواعُهُ يَقينا
وقَدْ حَــوَتْهُ سِـتَّةٌ عُقُودُ = ......................
وقَدْ حَــوَتْهُ سِـتَّةٌ عُقُودُ = وبَعـدَهـا ...........
.................=...........خاتِمَـةٌ تَعُودُ
وقَدْ حَــوَتْهُ سِـتَّةٌ عُقُودُ = وبَعـدَهـا خاتِمَـةٌ تَعُودُ
وقَبْلَها لا بُـدَّ مِنْ مُقَـدِّمَةْ = .....................
وقَبْلَها لا بُـدَّ مِنْ مُقَـدِّمَةْ = .....................
......................... = بِبَعْضِ ما خُصِّصَ فيهِ مُعْلِمَةْ
ونَحْوِهِ ، بالخَمْسِ والخَمْسِينا = قَدْ حُصِرَتْ أَنواعُهُ يَقينا
وقَدْ حَوَتْهُ سِتَّةٌ عُقُودُ = وبَعدَهــا خاتِمَةٌ تَعُودُ
وقَبْلَها ............ = ....................
من بعد حمد الله ذي الآلاء =.....................
وقَبْلَها لا بُـدَّ مِنْ مُقَـدِّمَةْ = بِبَعْضِ ما خُصِّصَ فيهِ مُعْلِمَةْ
فحيث جـاء الفعل والضمـير = لواحدٍ ومــن لـه مستـور
كقال، أو أطلقت لفظ: الشيخ = ما أريد إلا ابن الصلاح مطلق
وإن يكن لاثنين نحو التـزما... = ...........................
وقَبْلَها لا بُـدَّ مِنْ مُقَـدِّمَةْ = بِبَعْضِ ما خُصِّصَ فيهِ مُعْلِمَةْ
وقَبْلَها لا بُـدَّ مِنْ مُقَـدِّمَةْ = بِبَعْضِ ما خُصِّصَ فيهِ مُعْلِمَةْ
نهج التيسير للشيخ: محسن علي المساوي
حد علم التفسير
أي
علم أصول التفسير، هو مأخوذ من قولهم: فسرت الشيء: إذا بينته، وسمي العلم
المذكور تفسيراً، لأنه يبين القرآن ويوضحه، قال في النقاية، وهو علم نفيس،
لم أقف على تأليف فيه لأحد المتقدمين، حتى جاء شيخ الإسلام جلال الدين
البلقيني.
فدونه
ونقحه، وهذبه ورتبه في كتاب سماه "مواقع العلوم من مواقع النجوم" فأتى
بالعجب العجاب، وجعله خمسين نوعاً، على نمط، أنواع علوم الحديث، وقد
استدركت عليه من الأنواع ضعف ما ذكره، وتتبعت أشياء متعلقة بالأنواع التي
ذكرها، مما أهمله، وأودعتها كتاباً سميته "التحبير، في علم التفسير"،
وصدرته بمقدمة فيها حدود مهمة، ونقلت فيها حدوداً كثيرة للتفسير ليس هذا
موضع بسطها، فكان ابتداء استنباط هذا العلم من البلقيني، وتمامه على يدي،
وهكذا كل مستنبط يكون قليلاً ثم يكثر، وصغيراً ثم يكبر (علم به) أي فيه وهو يتعلق بقوله (يبحث) بالبناء للمفعول: أي تعريف علم التفسير، علم يبحث فيه أي في ذلك العلم (عن أحوال كتابنا) معاشر المسلمين، أي الكتاب المنزل إلى نبينا، وهو القرآن، فالإضافة للتشريف (من جهة الإنزال) أي نزوله كمكية أو مدنية أو سفرية أو نحوها، والجار والمجرور: حال وبيان للأحوال.
(ونحوه)
بالجر: عطفاً على الإنزال، وذلك كسنده وأدائه وألفاظه، ومعانيه المتعلقة
بألفاظه، والمتعلقة بالأحكام، وغير ذلك، واعلم أن هذا الحد لعلم التفسير،
بمعنى أصوله الذي هو كمصطلح الحديث، لا بمعنى التبيين والتوضيح لألفاظ
القرآن، فإنه كما قال الصاوي: علم بأصول يعرف بها معاني كلام الله، على حسب
الطاقة البشرية (بالخمس والخمسينا) متعلق بحصرت والألف للإطلاق (قد حصرت) أي جمعت (أنواعه) حصراً (يقينا، وقد حوتها) أي شملت تلك الأنواع الخمس والخمسين (ستة) بالرفع على الفاعلية (عقود) بالرفع أيضاً على البدلية من ستة، والعقود: جمع عقد، وهي القلادة، شبه الناظم كل جملة من المسائل بالعقد في حسنها، (وبعدها) أي الستة العقود (خاتمة تعود) وترجع مقاصدها إلى تلك الأنواع (وقبلها) أي الستة العقود (لا بد) أي لا محالة (من مقدمه) مبينة بعض الأحكام والمسائل التي اختص بها علم التفسير وذلك: كتعريف القرآن، والآية، والسورة، وغيرها كما قال الناظم (ببعض ما خصص فيه) أي في علم التفسير (معلمه) من الإعلام: أي مشعرة، وهو صفة لمقدمة، والله أعلم.