30 Nov -0001
[أثر الاعتقاد على تناول مسائل التفسير]
[التأليف في العقائد عند أهل السنة]التأليف في العقائد عند أهل السنة مر بمراحل ، وغالباً متقدمو أهل العلم وأئمة السلف إنما التصنيف كان المراد به حاجة الناس إلى التصنيف والتأليف ، فلما ظهرت بدع المعتزلة احتاجوا أن يردوا على المعتزلة ، ولما ظهر الأشاعرة والكلابية احتاجوا أن يردوا عليهم ، فكلما ظهرت بدع احتاجوا أن يردوا ، فغالب مؤلفاتهم مبنية على دفع باطل ظهر في وقتهم ، لذا مثلا: الكلام فيما يتعلق بالقرآن إنما ظهر في بداية القرن الثالث أو نهاية القرن الثاني لما شاعت مقالة المعتزلة ، ولم نجد مثل هذا عند مثل التابعين ، بينما مسائل الإيمان ظهرت مبكراً؛ لأنها ظهرت في أواخر وقت الصحابة.
ومصنفات أهل السنة فيما يتعلق بكتب الاعتقاد عندنا مثل مايُحتاج إليه ألف فيه ، مثل كتاب التوحيد لابن خزيمة جل مسائله هو التوحيد لكن جُلّ مسائله في مسألة الصفات ، لذا بعضهم يستشكل : لماذا كلام السلف أو مؤلفات السلف في توحيد العبادة قليل؟
نقول: لأن صور الانحراف في توحيد العبادة لم تكن في وقتهم، فما احتاجوا إلى أن يؤلفوا فيها ، بينما في القرن السادس و الخامس انتشرت كثير من الصور فكتب من كتب من أهل العلم ، ولعل الإمام ابن تيمية من أبرز من كتب في هذه المسائل.
فمصنفات أهل السنة مبنية على حاجة الناس إلى البيان ودفع باطل ، أما الآن لما بدت العلوم تتمايز صارت مؤلفات العقيدة مبنية بوضوح على ما يتعلق بتلك الأصول الستة ،
إذا قلنا الأصول الستة نبدأ بالأصل الأول: وهو الإيمان بالله.
فأهل العلم يتكلمون على إثبات وجود الله؛ أي أدلة وجود الله عز وجل، ثم يتكلمون عن التوحيد بأقسامه الثلاثة: توحيد الربوبية ، وتوحيد الألوهية ، وتوحيد الأسماء والصفات، وهذا كله الآن سنجده يُتناول في كتب التفسير ، وهذا طبعاً ليس بالأمر السهل الآن، يعني فقط بما يتعلق بمسائل الصفات هي مسائل كبيرة جداً ، الآيات التي تناولت الإيمان ، توحيد الألوهية كثيرة جدا ، الآيات التي تناولت تقرير توحيد الربوبية كثيرة جدا؛ لذا مسائل الإعتقاد في كتب التفسير كثيرة، بل المؤلفات التي تناولها الباحثون فيما يتعلق بآراء أو أقوال المفسر في الاعتقاد كثيرة أيضا.
الأصل الثاني : فيما يتعلق في الإيمان بالكتب والإيمان بالرسل والإيمان باليوم الآخر والإيمان بالقدر.
لعل الخلاف فيها قليل، إلا ما يتعلق بالقدر، والقدر كذلك بعض المؤلفين يجعله آخر الأقسام ، وبعضهم يقدمه يلحقه بالكلام على توحيد الربوبية ؛ لأنه يتعلق بفعل الله عز وجل.
ومعلوم أن توحيد الربوبية هو توحيد الله بأفعاله، فيُقدّم الكلام بالقدر ، والقدر وقع فيه نزاع مبكر وأيضا النزاع فيه شديد، هذا فيما يتعلق بمسائل الاعتقاد التي يشملها مسمى مسائل الاعتقاد -ومعلوم أن تناول هذا كله معناه تناول لأبواب الاعتقاد كاملا وهذا لا يتهيأ في جلسة-.
ما يتعلق بمصدر التلقي عند أهل السنة.
أهل السنة مصدر التلقي عندهم هو الكتاب والسنة والإجماع ، والإجماع هو إجماع الصحابة، فالقرآن هو المصدر الأول فيما يتعلق بالتلقي عند أهل السنة.
وعلى ضوئه سيكون الكلام في مسائل الاعتقاد كثيرة.
النقطة الأخيرة في المقدمات: كتب التفسير.
كتب التفسير المعلوم أنها على قسمين أو على ثلاثة أقسام:
1-كتب التفسير بالمأثور
2-كتب التفسير بالرأي
3- وبعضهم يضع قسما ثالثا للتفسير الإشاري
ولعل هناك تقاسيم أخرى .
الذي يهمنا التنبيه عليه أن ما يتعلق بكتب التفسير بالمأثور: هي في الحقيقة أقرب الكتب لتقرير مسائل الاعتقاد على عقيدة أهل السنة والجماعة ؛ لأن عقيدة أهل السنة والجماعة قائم على الأثر.
وإنما يدخل الإنحراف في هذه الكتب من جهة أن بعض المصنفين تحوي كتبه من الأخبار الواهية والموضوعة شيء كثير ، فهذا المنحى يكون فيه نوع من الانحراف كما نرى عند الواحدي مثلا، وعند بعض المتأخرين وإن كان صنفوا تفاسيرهم بالأسانيد.
أما التفسير بالرأي فمنهم من كان تفسيره على عقيدة أهل السنة والجماعة، ومنهم من كان على مذهب المتكلمين ، وذكرنا مذهب المتكلمين هنا نريد إما على مذهب المعتزلة أو على مذهب الأشاعرة أو على مذهب الماتريدية ، هذا أشهر فرق المتكلمين الذين لهم كتب في التفسير على المذهب المذموم وهو مذهب أهل الكلام.
الخوارج طبعا لهم كتب ، لكن جل كتب الخوارج في حكم المعدوم إلا بعض مايوجد عند الإباضية ، والآن المذهب طبعا حرك عن طريق أباضية عُمان ، فالخليلي مثلا له تفسير كبير.
كذلك فيما يتعلق بالرافضة ، الرافضة لهم تفاسيرهم ، والرافضة كما هو معلوم اهتمامهم بالقرآن أصلا قليل لكنهم يحاولون أن يصوروا أن المذهب متكامل فألف من ألف منهم في التفسير معتمدا على كتب أهل السنة كما بينتها دراسة الدكتور القفاري ، لكنهم إذا جاؤوا فيما يتعلق بمسائل الإمامة وغيرها يقررون مذهبهم ، طبعا الرافضة في مسائل الاعتقاد على مذهب المعتزلة سواء في الصفات سواء في القدر كذلك ، لكنهم في مسائل الإيمان والصحابة لهم مذهبهم الباطل الذي تميزوا به.
كذلك الزيدية وهم أقل انحرافا في مسائل الصحابة عن الرافضة، هم جل أئمتهم وعلماءهم كانوا يتبنون مذهب المعتزلة في سائر أبواب الإعتقاد ولهم تفاسير أيضا موجودة، لكن المذهب الزيدي قائم على الإجتهاد وهذا في الحقيقة جعل يظهر جملة من العلماء أكثر تحريرا وأكثر قبولا للحق ، فاقترب كثيرا لمذهب أهل السنة ، وأما الجهمية والكلابيَّة والكرَّاميَّة فلا أعلم الأن شيء مطبوع لأولئك.
طبعا الماتريدية وهم أبناء عم الأشاعرة؛ أبو المنصور الماتريدي له تفسير كبير مطبوع يقرر معتقده، والتفسير بالرأي كماذكرت هو المنحى الذي أدخل فيه أولئك اعتقاداتهم في تفسيرهم لآيات القرآن، التفسير بالرأي.
لكن الكتب التي تعتمد نجعلها على قسمين :
القسم الأول: الكتب التى خصصت لتقرير مسائل الاعتقاد، كما نراه عند أبي منصور الماتريدي ،كما نراه عند الطوسي من الرافضة، ألفت تلك التفاسير لنصر أقوالهم في الإعتقاد، يذكر أن لأبي الحسن الأشعري له تفسير لكنه غير موجود.
ممن تناول مسائل الإعتقاد بتوسع الفخر الرازي، والفخر الرازي عموما كتبه تحوي شبه كثيرة سواءا على قولهم أو على قول غيرهم ، هو يثير الشبه بكثرة لكن في الجملة كتابه تناول مسائل الاعتقاد بكثرة.
القسم الثاني: جاء فيه تقرير العقائد عرضاً عند مرور المفسر لآيات الصفات أو للآيات التي تتناول العقائد، يجري الكلام في العقائد وهذا تراه في جل كتب التفسير ، ثم يختلف المقام من مفسر لآخر .
على سبيل المثال: من التفاسير المشهورة الموجودة ، كتاب الكشاف للزمخشري ينصر قول المعتزلة ، كتب كثير من المصنفين في العقائد ينتحلون مذهب الأشاعرة فتصير تفاسيرهم تقرر مذهب الأشاعرة أو الماتريدية ، مثل كتاب البيضاوي ،الفخر الرازي -ذكرناه-، وغيره ممن تبنى هذا المعتقد.
ولكن ينبغي أن نعرف أنهم ليسوا على مستوى واحد في تبني المذهب فمنهم من يكون هو في الحقيقة عالم في مسائل الاعتقاد فيقرر على ضوء المعتقد الذي يتبناه، ومنهم من يضطرب .
وأفضل من كتب في ذلك رسالة: ( المفسرون بين التأويل والإثبات في آيات الصفات ) للمغرَّاوي ، أظنها رسالة دكتوراة، وهو كتاب في مجلدين تناول مجموعة من المفسرين في تناولهم لآيات الصفات، وسأتكلم أثناء الكلام على أنواع التوحيد.
نبدأ بالأصل الأول فيما يتعلق بالإيمان بالله، وذكرنا أن الإيمان بالله يشمل الكلام على أولا الكلام في وجود الله ، وأدلة وجود الله ، الأمر الثاني فيما يتعلق بأنواع التوحيد الثلاثة، وبعضهم يلحق القدر كما ذكرت، فأما تناول كتب التفسير أو المفسرون لإثبات وجود الله فيكون فيما يتعلق في الكلام في الآيات المقررة لتوحيد الربوبية، ومع هذا فتيارات الإلحاد التي مرّ بها العالم الإسلامي بعد الغزو الأوروبي للعالم الإسلامي على موجات ، فبعض المفسرين يهتم في بيان هذا الباطل العظيم ، فتناولوا على رد الإلحاد بدلالة العقل ودلالة الفطرة ودلالة الآيات القرآنية على هذا الباطل.
وهذا موجود أيضا، ولكن المشكلة أن بعضهم تأثر بقوّة التيارات الموجودة كما رأينا عند محمد عبده، ومحمد رشيد رضا قبلهم، أيضا تأثروا بالموجات التي كانت عندهم، فصارت عندهم أيضا نوع من الانحرافات العقدية الأخرى.
أما أدلة وجود الله عند المتكلمين فهذا منحى آخر أيضا، هذا أيضا يجر لكلام تفصيلي آخر لا نحتاجه، لكن لا نجده عموما عند المفسرين، لكن نجده لعلّ في كتب العقائد.
أما ما يتعلق بالتوحيد بالأقسام الثلاث، فالآيات التي تناولت ذلك سيتناول المفسرون الكلام في توحيد الربوبية، وهي بعضها جاءت في الكلام على عظيم صنع الله عز وجل لخلقه، أو تقرير بأن الله هو الخالق الرازق، أو تناولت الدعوة إلى النظر والتأمل، هذه كلّها تدخل في باب توحيد الربوبية ، وهي آيات كثيرة ، ما يحتاج أظن أفصل أكثر في بعض ما يتعلق بتوحيد الربوبية ؛ لأن الخلاف فيه محدود، طبعا يظهر عند بعض الفرق مثل الرافضة ، كإضافتهم لبعض أفعال الرب للخلق ، أما فرق الكلام كالجهمية والمعتزلة والأشاعرة فالخلاف هنا قليل، ولا أستحضر بعض المسائل حتى أذكرها كمثال إلا فيما يتعلق بالقدر، وكما ذكرت القدر باب مستقل، هذا فيما يتعلق بكتب التفسير.
أما كتب العقائد ، عندنا في مبحث يتعلق بوجود الله، أدلة وجود الله هذا باب خطير وقع لكثير من فرق الكلام انحراف لأصول عقلية سلّموا بها ، انبنى عليها كثير من الأقوال الباطلة في مسائل الصفات وغيرها، لكن هذا في الحقيقة لا نجده ظاهرا في كتب التفسير.
التوحيد الثاني أو القسم الثاني من أقسام التوحيد هو: توحيد الألوهية، توحيد الألوهية –كما ذكرت- أن الانحراف ظهر متأخرا عن ... في مسألة الاعتقاد، ... القدر ثم مسائل الصفات، ثم ظهر الانحراف في توحيد الألوهية، أو توحيد العبادة، وكما ذكرت أن هذا السبب أننا نجد المصنفات في مسائل الصفات وتوحيد الأسماء والصفات وفي القدر .. وفي الإيمان مبكرا، بينما الكلام في توحيد الألوهية متأخر.
والذي يريد أن يطلع على أقوال المفسرين في مسائل توحيد الألوهية أو توحيد الربوبية ... ، يعني يمرّ هكذا ، يعني يأخذ هكذا : {ولقد بعثنا في كلّ أمّة رسولا أن اعبدوا الله} فينظر كلامهم في ... وإفراد الله ... بالعبادة، حتى في أول السور، في سورة الفاتحة: {إياك نعبد وإياك نستعين} يتأمل في أقوال تلك الفرق، وأنا في الحقيقة مررت على مجموعة من كتب التفسير في هذه الآية بالذات: {إياك نعبد وإياك نستعين} فنجد أنهم في الحقيقة جلّ تلك الكتب لا تخالف في هذا الأصل، وهو وجوب إفراد الله بالعبادة، هذا طبعا سواء المتأخرين منهم والمتقدمين، بل لعلي أستطيع أن أقول حتى الذين عندهم صور من صور الانحراف في توحيد العبادة، هم يقررون عن الآية ... ، يقع لهم انحراف، متى؟ في صور العبادة ، يعني في قوله تعالى: {إياك نعبد وإياك نستعين} يقررون أنه العبادة لا تصلح إلا لله عزوجل بدلالة هذه الآية، وبدلالة الآيات الأخر، ومع هذا نجد أن بعضهم ؛ خاصة المتأخرين منهم عندهم انحرافات عقدية، ولعلهم يردّون على أئمة أهل السنة في الدعوة إلى التوحيد، لكن لا من جهة ردّهم لهذه النصوص، وإنما من جهة أنهم لا يسلمون أن تلك الأفراد هي عبادات لا تصلح إلا لله عزوجل –لعله واضح-، يعني عندنا الآن توحيد العبادة : توحيد الله بأفعال العباد، وأفعال العباد نمثلها نحن بالدعاء، الاستغاثة، الاستعانة، النذر، الذبح، أما ما يتعلق بالأصل الأول وهو أنه لا يستحق العبادة إلا الله هذا نجد المفسرين على تقرير هذا الأصل، الانحراف يقع عند بعضهم أنهم يرون أن تلك الأمور إذا صرفت إلى غير الله ليست هي من الشرك في شيء، لذا أيضا الكلام هنا سيكون في ثنايا كتب التفسير غير ظاهر؛ لأن الآيات جاءت بتقرير توحيد العبادة وهم سيقررون على ضوء ما جاءت من الآيات بهذا التوحيد ومع ذلك يكون الانحراف عند التطبيق، فقوله تعالى: {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي} يقولون هذا ما جاءت بهذا النص الآن، مع هذا هم لا يرون أن الذبح لغير الله شرك مثلا، لكن ليس هذا كلهم.
خلاصة الكلام: أن كتب التفسير الكلام فيما يتعلق بتقرير الانحراف لا يكون بيّن لكنه موجود عند بعض أولئك المفسرين، وأنا ذكرت هنا بعض تلك الأفراد، وجمعت بعض ما يتعلق: الآيات التي تناولت هذا التوحيد سواء الآيات الداعية إلى إفراد الله بالعبادة أو الآيات التي تناولت أنواع العبادة كالدعاء ، والمحبة ، والخوف ، والرجاء ، والرهبة ، والخشوع ، والاستعانة ، والاستعاذة ، والاستغاثة ، والذبح ، والنذر كذلك في الآيات التي بيّنت أركان العبادة من كمال الرجاء وكمال الخوف وكمال المحبة، وكذلك الآيات التي تناولت أن العبادة لا تكون إلا بشرطين الإخلاص والمتابعة، هذا الآن الذي ذكرناه كله لو يمر الإنسان على كتب التفسير يتبيّن لهم ما يتعلّق بأقوالهم في مسائل الاعتقاد لكن كما ذكرت الانحراف لن يكون بيّن لأنهم سيقررون ما تضمنته هذه الآيات ، ومع هذا قد يدخل لبعضهم نوع الانحراف إما فيما يتعلق بالتطبيق أو أن ما عندهم من انحراف لا يلحقونه في مسمّى العبادة التي لا يجوز صرفها إلا لله، مثلا فيما يتعلّق بالكشّاف في كلامه على قوله تعالى: {إياك نعبد وإياك نستعين} يقول: وتقديم المفعول لقصد الاختصاص كقوله تعالى: {قل أفغير الله تأمروني أعبد} وقوله: {قل أغير الله أبغي ربّا} والمعنى: نخصّك بالعبادة ونخصّك بطلب المعونة، والعبادة أقصى غاية الخضوع والتذلل، هذا من الكلام حق.
في البحر المحيط يقول: وفسّرت العبادة في {إياك نعبد} بأنها التذلل والخضوع ، وهو أصل الموضوع، موضوع اللغة، أو الطاعة كقوله تعالى: {لا تعبد الشيطان}، أو التقرب بالطاعة أو الدعاء {إن الذين يستكبرون عن عبادتي} أي: عن دعائي، أو التوحيد {إلا ليعبدون}أي: ليوحدون، وكلها متقاربة المعنى إلى آخر الكلام، وهذا أيضا كلام حق.
الجلالين يقول في قوله تعالى: {إياك نعبد وإياك نستعين} أي: نخصك بالعبادة من توحيد وغيره، ونطلب المعونة على العبادة وغيرها، وهذا أيضا كلام لا اعتراض فيه. والقرطبي يقول في قوله تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله} أي: بأن اعبدوا الله وحده، واجتنبوا الطاغوت؛ أي اتركوا كل معبود دون الله؛ كالشيطان، والكاهن، والصنم، وكل من دعا إلى الضلال.
البيضاوي في قوله تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} يقول يأمر بعبادة الله واجتناب الطاغوت.
الخلاصة: أنهم الآن كما ذكرت يقررون أمور مسلّمة لاشك، وجهات الانحراف عند بعضهم قد تكون من جهة أنهم يرون أن ما يصرف من أنواع العبادات ليس شركا؛ لأنهم يرون أن تلك الانصراف للمخلوق ليس عبادة، وهذه الخطورة في الحقيقة، ولكن كتب التفسير لا تكون متضمنة لتقرير هذا الانحراف بالجملة.
الباب الأخير: هو باب الكلام في توحيد الأسماء والصفات.
هذا في الحقيقة هو الميدان الذي يظهر فيه انحراف كثير من المفسرين عن عقيدة أهل السنة والجماعة، أو عمّا كان عليه الصحابة وأئمّة القرون الثلاثة، فكلّ مفسّر سيأوّل آيات الصفات على مقتضى اعتقاده، فالمعتزلي سينفي جميع الصفات ويحملها على معان أخر، والأشعري سيأوّل أو يحرّف جميع الآيات التي تتناول الصفات؛ ماعدا صفات المعاني السبع التي يقرّون بها، وقل كذلك فيما يتعلّق بالجهميّة أو الكلّابيّة أو الكرّامية، وهذه في الحقيقة هي الفرق التي لهم كلام في مسائل الصفات، فالكرّامية مجسّمة أو مشبهة، لكن هذا المذهب اضمحلّ ومات، ولا يُعلم من يقول به، والمذاهب الباقية الآن عندنا هو مذهب المعتزلة الذي تبنّاه الرافضة ، وتبنّاه الزيدية، وتبنّاه الإباضية، ومذهب الأشاعرة والماتريدية، وهذا في الحقيقة ظاهر في كثير من كتب التفسير المطبوعة، لكن كما ذكرت سابقا أن كتب التفسير أو المفسرون بعضهم في الحقيقة يكون يقرر المذهب؛ لأنه عالم به، وبعضهم يكون عنده نوع من الاضطراب، وهذا الاضطراب مفضي إلى أحد أمرين:
إما أنه غير محرر للمذهب، وهذا يكون في الأزمنة التي انتشرت فيها المذاهب البدعية، فتتبناه كثير من أعيان عصرهم، فتجده هو عالم في الفقه أو عالم في الحديث أو عالم بالنحو، لكن المذهب الرائج في ذاك الوقت مثلا؛ هو مذهب الأشاعرة، فتجده يتأثر، فتارة يغلب عليه ما يعلم من أقوال أهل السنة، فيقول بها، وتارّة يغلب عليه ما هو مشتهر في زمانه ، فيقول به.
والمنحى الآخر، أو الاضطراب الآخر: هو يكون للبعض؛ إذ قد يكون متبني لمذهب أهل السنة، لكنه ينقل عن غيره، ولا يحسن يميّز أن هذا القول منبني على قول المخالفين فيه، هذا أيضا قد يقع، وهذا نجده أحيانا لبعض الأئمة الكبار ممن ينصر الحديث والسنة، ومع هذا قد يقع في بعض الأخطاء العقديّة لقلّة خبرته، أو قلّة اشتغاله ببعض الفروع لرواج المذهب المنحرف في زمانه كما نرى عند السفاريني، والسفاريني صرّح أن الأشاعرة من أهل السنة، وهذا في الحقيقة نوع من الانحراف، وقد يقال أن السفاريني ليس له تفسير، لكن مثلا نجد القاسمي رحمه الله يقع فيه أحيانا، ويقول بعض الأقوال التي لا تجري على قول أهل السنة.
ذكرت أن هناك دراسة للمغراوي تناول مجموعة من المفسرين وأيضا أخذ مجموعة من آيات الصفات، ونقل أقوالهم فيها؛ فبدأ بابن جرير الطبري، ثم البغوي، ثم ابن كثير، ثم صديق خان، ثم القاسمي، ثم رشيد رضا، ثم الشنقيطي، والسعدي، والقرطبي، هذا في المجلد الأول، وكما ذكرت لكم أن الذين فسروا القرآن بالمأثور غالب هذه الكتب تكون مقررة لعقيدة أهل السنة والجماعة؛ فعندنا ابن جرير، والبغوي، وابن كثير، كل تلك الكتب مقررة لعقيدة أهل السنة والجماعة في آيات الصفات وغيرها.
صديق خان متأخر، وتوفي في القرن بعد الألف، يمكن 1300 هــ ، وصديق خان لاشك أنه سيقرر عقيدة أهل السنة؛ لأنه من أعلام السلفية في وقته، لكن أحيانا لا يحرر بعض المسائل فيقع عنده نوع من الأخطاء، وقد نبهّه بعض أهل العلم في زمانه على تلك الأخطاء ورجع رحمه الله، ننظر ماذا يقول المغراوي في كتابه؛ يقول بعد أن تكلم عن صديق خان وأنه تأثّر بالشوكاني وتلامذته، يقول: أما عقيدته في الصفات فكثيرًا ما يثبت مذهب السلف وينصره، ولكنه وقع في تأويل بعض الصفات، ... .
أما القاسمي –وأظن أني قد تكلمت عنه- يقول عنه المغراوي: محمد جمال الدين القاسمي، عقيدته في الأسماء والصفات يعتبر تفسير القاسمي مصدرًا كبيرًا للتعبير عن عقيدة السلفية السهلة السمحة، وهنا أثنى عليه بأنه ينقل عن الإمام ابن تيمية وابن القيم بكثرة، نبّه أنه له فتوى في الاستواء، في الكلام والاستواء، يقول: أثنى عليه في بعض بحوثه، وتكلّم عن كتاب له في تاريخ الجهمية، يقول: أشك في نسبته، لتعارضه فيما يتعلق بمحاسن التأويل، القاسمي له رسالة مفردة تناولت ما يتعلق بعقيدته، وبيّنت بعض الانحراف عنده.
رشيد رضا: فيما يتعلّق بمسائل الصفات يقرر المغراوي أنه سلفي جدّا، يقول: وإن كان يقع في تأويل بعض الصفات؛ كتأويل الإتيان والمجئ.
الشاهد على هذا المنوال ذكر المغراوي أولئك المفسرين، فهو يعرض أقوال هؤلاء المفسرين في آيات الصفات وينظر لمدى نهجهم منهج السلف أو مخالفته.
أيضا تكلم عن الثعلبي، وابن عطية، وابن الجوزي، وفخر الرازي، والبيضاوي، ... وأبو حيان، والثعالبي، والجلالين، والخطيب الشربيني، وأبو السعود، والشوكاني، والألوسي، وإسماعيل .. وسيد قطب، وفريد وجدي، ومحمود حجازي، وطه عاشور، والصابوني -أي المعاصر-.
الكتاب جيّد، لكن –هذا الحق- لا يعطينا صورة واضحة عن أقوالهم؛ لأن اختيار بعض الآيات خاصّة، أنه أحيانا يعرض عند مفسّر ما لا يعرضه عند الآخر، وكان المفترض إمّا أنه دراسة كاملة لمفسّر، وهذا قد لا يتسنى في شخص واحد، وهو الآن المعمول به في النظام البحثي؛ يفرد رسالة كاملة لمفسّر واحد، هذا الصحيح حتى يتميّز مدى اضطرابه أو اتساق مذهبه، وهل هو يضاف لاهل السنة أو هو على مذهب آخر، وما هو هذا الآخر: هل هو المعتزلة، أو هو الأشاعرة، أو غيرهم.
الأمر الثاني: كان المفترض –فيما أتصور- أن تكون آيات الصفات تعرض عند هذا المفسّر كاملة حتى يتبيّن انحرافه أو عدم انحرافه، أما أن تؤخذ آيات عند هذا وآيات أخرى عند آخر، هذا في الحقيقة لا يُعطي هل هو مضطرب في التأويل أو ماشي على نسق واحد، لكن الخلاصة التي نخرج بها: أن عندنا جملة كبيرة من المفسّرين الذين قرّروا مذهب أهل السنة والجماعة، فجلّ من كتب في التفسير المأثور هو مقرر لعقيدة أهل السنة والجماعة، وأشهرهم عندنا: ابن جرير، والبغوي، وابن كثير، ... كذلك عندنا ابن المنذر، وعبدالرزاق، وكتبهم موجودة إما كاملة أو بعضها، وكلها في الحقيقة على عقيدة السلف، كلهم على عقيدة السلف ، لكن أشهرهم الذين ذكرنا.
عندنا بعضهم ممن تأخر في القرن الرابع والخامس تأثّر بالجوّ العام لمّا اشتهرت المسائل الكلامية عند الكلابية، والأشاعرة، فصار لهم أثر حتى على بعض المنتسبين للحديث، أو رواة الأسانيد كما رأينا عند البيهقي، والبيهقي ليس له تفسير.
ابن عساكر: من المشتغلين بعلم الحديث كثير، لكنه في الحقيقة هو حامل لواء الأشاعرة، (صاحب تاريخ دمشق).
السيوطي: له الدر المنثور في التفسير بالمأثور، هو في الحقيقة ينقل عن غيره، أو ينقل الآثار عن الكتب التي ألفت في التفسير بالمأثور، أو بعزوها إلى من خرّجها من أصحاب المسانيد والسنن، فهو عبارة عن نقل آثار فقط، والكلام فيها قليل، بخلاف ابن جرير، فابن جرير له كلام كثير في الاعتقاد، كذلك البغوي، أما غيرهم فالكلام فيه قليل، وهذا مما يكون عن آثار يروونها بأسانيدهم، كما نراه عند عبد الرزاق في التفسير، وكما رأيناه في الجزء الموجود من تفسير ابن المنذر، وهذا في الحقيقة على النسق فيما يتعلق بتفسير السيوطي.
أما التفسير بالرأي فعندنا أيضا جملة من المفسرين الذين كتبوا على مقتضى عقيدة أهل السنة والجماعة، كما رأينا عند ابن السعدي رحمه الله، وكثير من المشايخ المعاصرون كتب على عقيدة أهل السنة والجماعة، بعضهم قد تأثر بالجو العام كما أشرت إليه في كلامي على رشيد رضا والقاسمي.
ومن يستفسر عن فتح القدير للشوكاني:
الشوكاني رحمه الله: كذلك في الجملة يقرر العقائد على عقيدة أهل السنة والجماعة، لكن يحصل له بعض التأويلات؛ يعني نوع من الاضطراب في الحقيقة، وهناك رسالة مفردة عن آراء الشوكاني في الاعتقاد تقع تقريبا في ألف صفحة، والمغراوي -كما ذكرت- ذكر مجموعة من المفسرين الذين كتبوا على عقيدة أهل السنة والجماعة، وتكلّم عن الشوكاني هنا في صفحة 223، يقول عن الشوكاني: رجل سلفي يمدح مذهب السلف ويثني عليه ويذم علم الكلام وأهله، لكنه قد يؤول في بعض المواضع.
كذلك الشنقيطي: لاشك أنه من أئمة أهل السنة المعاصرين، كتابه بناه على عقيدة أهل السنة والجماعة، هذا فيما يتعلق بتوحيد الأسماء والصفات.
هذا تناول موجز للأصل الأول من أصول الاعتقاد وموقف كتب التفسير منها، أو عرضهم لها، وكما ذكرت أن هذا يختلف باختلاف عقيدة المفسر.
الأصل الثاني:
أيضاً سأتكلم عنه بإيجاز وهو مسألة القدر لعلي أكتفي به، -لكن هنا توجد بعض الأسئلة التي تتعلق بهذا-
نجيب عن بعض الأسئلة الموجودة:
الأخت تقول: تُدرس بعض التفاسير على ما فيها من المخالفات العقدية، هل التفاسير الصحيحة تغني عن التفاسير التي فيها مخالفات عقدية؟؟
نقول: نعم لاشك تغني لكن يبقى أن بعض التفاسير التي فيها انحرافات قد تحتوي بعض الفوائد، فمن أراد الكلام في التفسير فقط يكتفي بكتب التفاسير التي لاتحوي هذه الإنحرافات، أما الذي يريد أن يتوسع فلا يمنع أنه يستفيد من تلك الكتب، لكن يحذر في الكلام من كلامهم على مسائل الاعتقاد فمثلا: عندنا من الكتب المهمة التي أهل اللغة يرجعون إليها كتاب الزمخشري، والزمخشري من أئمة المعتزلة وكلامه قبيح في مسائل الإعتقاد حتى أنه يتهكم بأهل السنة فلو قلنا لا ترجعوا إلى كتاب الزمخشري لغضب أهل اللغة علينا، لكن لاشك نحن نقول من أراد التفسير ليس بحاجة الى الزمخشري، إنما بعض المتخصصين في اللغة قد يرون أن عنده من النكت المفيدة التي يستفيدون هم منها، فهنا نقول إنما يستفاد منه ولكن يُحذر من لدغاته والسم الذي قد حواه كتابه، ومع هذا لما حواه من التميز في اللغة خدم كتابه جملة من العلماء فميزوا أقواله في الإعتقاد وردوا عليه في الحقيقة، يعني هناك كتب مفردة في مناقشة الزمخشري في كتابه في مسائل الاعتقاد التي تناولها.
وعلى هذا أقول كذلك في كتب الأشاعرة في تفسير القرآن، فالقرطبي رحمه الله صاحب التفسير المشهور الآن كتابه جميل جداً وتناول مسائل فقهية مفيدة جداً لكنه كثير التأثر بالأشاعرة فيقرر كثير من المسائل على عقيدة الأشاعرة فيحذر من كلامه في العقائد، ويستفاد من كلامه فيما سوى ذلك وهكذا في غيرهما.
تقول الأخت: هل توجد مراجع حول الموضوع؟
أنا ذكرت أن مصنف عن مسائل الإعتقاد في التفسير لاأعرف، إنما المراجع قد يستفاد مما يتعلق بالكتب التي صُنفّت في أقوال المفسرين في الاعتقاد وهي كثيرة، يعني رسائل جامعية كثيرة تناولت أقوال مفسر معين في مسائل الاعتقاد ومن المراجع كتاب المغراوي الذي ذكرته الآن نقلت لكم جملة منه: ( المفسرون بين التأويل والإثبات في آيات الصفات) هذا تناول جزء من مسائل الاعتقاد التي هي آيات الصفات بالذات أو مسائل الصفات بالذات.
فهد الرومي له كتاب جيد في كتب التفسير في القرن الرابع عشر وأيضا تناول كتب أهل السنة وكتب التفاسير التي ألفها الصوفية وألفها الرافضة وميز بينها وتناولها أيضا بإيجاز لكن كلامه بإيجاز، هذا ما يتعلق في المراجع.
ابن عطية: طبعا أنا لا أستحضر فيما يتعلق بأقواله في الاعتقاد كاملة، لكن الذي يُعلم أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أثنى على ابن عطية في الجملة والمعلوم أنه أقرب إلى الأشاعرة من المعتزلة، يبقى أنه تأثر بالزمخشري أو أنه أقرب ؛ هذه يحتاج أراجعها في الحقيقة هل يريد به أنه أقرب إليه في التفسير أو أراد في مسألة الصفات، أنا أستبعد أن يكون ابن عطية أقرب الى الزمخشري فيما يتعلق بالصفات، إنما ابن عطية كتابه يثني عليه الإمام ابن تيمية رحمه الله، وأما مسائل الاعتقاد فهو أقرب الى أقوال الأشاعرة.
وفيما يتعلق بالتفسير بالرأي:
تذكر الأخت تقول: أن ابن كثير ذكر حرمة التفسير بالرأي.
طبعا جاء حديث: ممن قال بالقرآن برأيه، جاء حديث عن الترمذي في سنده ضعف، لكن التفسير بالرأي الوارد فيه الذم، التفسير المبني على الرأي المحض أما الرأي المبني على اجتهاد العالم في معرفة المراد بكلام الله تعالى، بدلالة اللغة وبدلالة النصوص من الكتاب والسنة هذا وإن سمي تفسير بالرأي فهنا لايذم، وإنما المذموم هو الرأي المبني على غير علم.
[كلام المفسرين عن القدر]
لعلي أكتفي فيما يتعلق، والكلام عن القدر في الحقيقة كذلك قريب مما سبق فيما يتعلق بآيات الصفات، الخلاف فيه كبير وتناول المفسرون له على ضوء أقوالهم العقدية التي تبنوها فمن كان من المعتزلة سيتبنى نفي القدر فنراهم ينفون إرادة الله عز وجل الكونية لأفعال العباد مثلا ويفسرونها باللطف والإعانة فقط، ومن كان من الجبرية كما نجده عند الأشاعرة نجدهم في الحقيقة يقررون الجبر وينفون الحكمة حكمة الرب وأثر أفعال المخلوق على وجود الموجودات كقول أبي الحسن فيما يتعلق بالكسب، وهذا ليس موضوع عقدي حتى ندخل في التفاصيل.
الحاصل أن تناولهم القدر ينبني على معتقدهم في القدر، تناولهم للآيات التي تناولت القدر ينبني على أقوالهم فيما يتعلق بالقدر.
أكتفي بذلك وإن كان في أي سؤال وإلا نختم الجلسة، وأعتذر إن كان هناك نوع من قصور لكن هذا في الحقيقة طرح موجز لأن الموضوع بهذا العنوان الكبير صعب أنه يُتناول، فأردت في الحقيقة، وإن كان المفترض أن نأخذ جزئية معينة وننظر إلى كلام المفسرين فيها على اختلاف عقائدهم حتى تكون الصورة واضحة لكن أردت في الحقيقة أن أعطي إضاءة عما يتعلق بنهج المفسرين في مسائل الاعتقاد عموما لعل الفائدة قد حصلت.
أكتفي بذلك شاكر للجميع وأعتذر أيضا عن أي قصور في البيان