14 Oct 2014
بسم الله الرحمن الرحيم
تفريغ محاضرة: مسائل الاعتقاد في التفسير
لفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الرحمن بن صالح الذيب حفظه الله.
شارك في التفريغ من طالبات المجموعة الثالثة: منيرة، منيرة محمد، أفنان زياد، هِند، سبق المفردون.
راجعته الأستاذة: ليلى باقيس.
جزاهم الله خير الجزاء وبارك في أوقاتهم وأعمالهم وتقبل منهم.
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى وصحبه وسلم ...
لا شك أن العنوان : (مسائل الاعتقاد في التفسير) عنوان كبير؛ لأن جلّ مسائل الاعتقاد تناولتها كتب التفسير ؛ لأن كتب التفسير مبناها على إيضاح كلام الله تعالى، ومعلوم أن مسائل العقيدة مبنية على الأدلة النقلية ، وما من مسألة من مسائل الاعتقاد عند أهل السنة إلا لها دليل إما من الكتاب و السنة أو أحدهما.
فينبني على ذلك أن غالب مسائل الاعتقاد ستكون مطروحة في كتب التفسير ، وإنما الاختلاف سيكون باعتبار منهج المفسر في تناوله لهذه المسائل ، وقد بنيت المحاضرة على خطة نسير عليها :
نبدأ بمقدمات حتى تكون واضحة للمستمعين، ثم ننتقل إلى صلب العنوان الذي هو: (مسائل الاعتقاد في كتب التفسير).
أولا: المقدمات: سأتناول ما يتعلق ببعض المصطلحات التي ستتكرر أثناء المحاضرة.
الأمر الآخر: منهج أهل السنة في تناولهم مسائل الاعتقاد وترتيبها ؛ لأن من المعلوم أن كتب العقائد تختلف فأهل السنة لهم منهج في تناول مسائل الاعتقاد يخالفه -إن صح التعبير- أهل الكلام أوالمبتدعة في تناولهم لتلك المسائل.
الثالث: مصادر التلقي عند أهل السنة.
الرابع: الكلام في كتب التفسير على وجه الإجمال.
ثم سنتكلم عن صلب العنوان الذي هو مسائل الاعتقاد في كتب التفسير.
وهناك ملحق بهذا العنوان: وهو أثر توجهات المفسرين العقدية على تفسيرهم للآيات القرآنية، وأحسب أن الوقت يمكن لا يسعفنا لتناول هذا الملحق، فنكتفي بالمقدمات وبعنوان المحاضرة.
أول تلك المقدمات: هو بعض المصطلحات.
أول هذه المصطلحات: هو لفظ العقيدة: ما المراد بالعقيدة؟
فالعقيدة لها تعريف لغوي وتعريف اصطلاحي، وخلاصة ما يتعلق بالدلالة اللغوية للعقيدة: أنها تدل على الإحكام والإبرام، وأما في التعريف الاصطلاحي للعقيدة: فهو الإيمان الجازم الذي لا يتطرق إليه شك.
فإذا قلنا عقيدة السنّي كذا فهي الأمور التي يؤمن بها هذا السنيّ لا يتطرق إليها الشك، وإذا قلنا عقيدة المعتزلي كذا ، فهي الأمور التي يجزم بها هذا المعتزلي ، وإذا قلنا عقيدة النصراني كذلك ، فبه يتبين أن العقيدة قد تكون حق وقد تكون العقيدة باطلة بحسب هذا المعتقِد ، لكن هي عنده لا يتطرق إليها شك ، أما في نفس الأمر فقد تكون معتقدات لا يتطرق إليها الشك باعتبار ذات المعتقَد لأنها حق، وقد يكون لا يتطرق إليها شك باعتبار المعتقِد لأنه ظن أنها حق ، خلاصة هذا ما يتعلق بالتعريف ، تعريف العقيدة واصطلاحا.
المصطلح الثاني: أهل السنة.
السنة: الطريقة والسيرة في اللغة ، واصطلاحاً الهدي الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه علمًا وعملًا.
فإذا قيل أهل السنة: فالمراد هم من كان على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
وهذا التقييد أو الإيضاح يخلّصنا من إشكال: وهو ادّعاء بعض الفرق المنحرفة أنهم هم أهل السنة، دعوى الفرق أنهم يعملون بالكتاب والسنة يدعيها كثير منهم ، لكن كلهم في الحقيقة يتفقون أنهم ليسوا في المعتقد على ما كان عليه الصحابة ، وأئمة التابعين ، على سبيل المثال : الأشاعرة وهم لعلهم من أشهر الفرق التي تدعي لنفسها أنهم أهل السنة ، يصرّحون بأنهم ليسوا على مذهب السلف في المعتقد ، فيجعلون مذهب السلف التفويض ، ويجعلون مذهب الخلف هو التأويل أو البيان ، ثم يغرقون في الثناء على مذهب الخلف ويجعلون مذهب السلف أنه فقط فيه السلامة من الوقوع في الخطأ ، فهم يصرّحون أنهم ليسوا على مذهب السلف؛ بمعنى أنهم ليسوا على ما كان عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
فعرفنا أن تعريف أهل السنة إذا قيل هم من كان على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأئمة القرون الثلاثة، بهذا يخرج كثير ممن يدعي أنهم هم أهل السنة.
لفظ الجماعة: أهل السنة والجماعة يذكر بعض أهل العلم أنه ظهر متأخّرًا ، الجماعة تدل على نوع من الاجتماع ؛ لأن أهل البدع كلهم أهل خروج في الحقيقة، الخوارج وغير الخوارج.
فصار هذا المصطلح أيضا من العلامات الفارقة لأهل السنة أو لأتباع السلف الصالح عن غيرهم.
ظهر هذا المصطلح متأخرا ، من أقدم النصوص عندنا أنه نُسب لابن عباس في تأويل قوله تعالى: {يوم تبيض وجوه وتسود وجوه} جاء عن ابن عباس أنه قال: تبيض وجوه أهل السنة والجماعة، لكن في سند هذا الأثر ، وهذا الأثر رواه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة من طريق مجاشع بن عمرو عن ميسرة بن عبد رب عن عبد الكريم الجزري عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، ومجاشع متكلم فيه ، ومع هذا نقول ورود الأثر يدل على تقدم استخدام أو استعمال هذا المصطلح ؛ لأن مجاشع في طبقة أتباع التابعين ، فلو دُري أنه هو من وضع هذا الأثر فأيضا يدل على أن المصطلح موجود.
عندنا نص آخر من أئمة أتباع التابعين استخدام لهذا المصطلح أيضا فقد جاء عن عمرو بن قيس المولائي أنه قال: "إذا رأيت الشاب أول ما ينشأ مع أهل السنة الجماعة فارجه" وعمرو بن قيس توفي 146 هــ.
فالمصطلح ظهر في أوائل القرن الثاني أو في منتصفه، وهو لفظ الجماعة، هذا فيما يتعلق بالمصطلح الثاني الذي نتناوله.
المصطلح الثالث هو: مصطلح أهل الكلام
مصطلح أهل الكلام في الحقيقة ظهر مبكرا عند سلف هذه الأمة على وجه الذم ، وظهر شائعا منتشرا عند متأخري هذه الأمة على وجه الثناء والمدح ، وهذه من المفارقات في الحقيقة، فالنصوص عن أئمة أهل العلم هو ذم الكلام وذم علم الكلام ، جاء عن أبي يوسف عن الشافعي ، ومع هذا صار هذا المصطلح هو المصطلح الشائع لعلم العقيدة عند كثير من الجامعات الشرعية في كثير من أقطار العالم الإسلامي ، فما هو علم الكلام ومن هم أهل الكلام ؟
علم الكلام الآن من خلال ما طرحنا ، يتبين أنه عند السلف له معنى وعند المتأخرين له معنى آخر ، فنأخذ على سبيل المثال السفاريني في (لوامع الأنوار البهية) يعرفه بأنه: العلم بالعقائد الدينية عن الأدلة اليقينية -وهذا في الحقيقة له مدلول سنتكلم عنه بعد قليل-.
لكن كذلك عندنا على سبيل المثال: تعريف لابن خلدون، و تعريف الإيجي , فمثلا الإيجي يقول : هو علم يُقتدر معه على إثبات العقائد الدينية بإيراد الحجج ودفع الشبه.
وابن خلدون يقول : هو علم يتضمن الحجاج عن العقائد الإيمانية بالأدلة العقلية ، والرد على المبتدعة المنحرفين عن الاعتقادات عن مذهب السلف وأهل السنة .
الآن التعاريف الثلاثة كلها تعطي نوع ثناء لهذا العلم ، وهي تشترك في أن فائدة هذا العلم هو الدفاع عن العقائد الإيمانية أو العقائد الدينية ، فهم كأنهم يدعون أن العقائد الدينية أو اليقينية ثبتت أولا ، ودوفع عنها عن طريق هذا العلم ، ففائدة هذا العلم في هذه التعاريف هو الدفاع عن هذه العقائد لذا صار عندهم في الحقيقة من العلوم الممدوحة ، والسفاريني لما قال العلم بالعقائد الدينية عن الأدلة اليقينية ، واضح أن الآن عندهم إشارة أن هناك أدلة ظنية وأدلة يقينية ، وهذه الإشارة أوضحها في الحقيقة ابن خلدون حين قال : بالأدلة العقلية.
فالمتكلمون عموما قد ردوا جل الأدلة النقلية ، فعندهم في الحقيقة جميع الأحاديث ، ومعروف أن الأحاديث إما متواتر وإما آحاد ، والأحاديث الآحاد كلها ظنية عندهم فردوها ، وما يتعلق بالقرآن والأدلة المتواترة أيضا ما سلمت في الحقيقة لأن دلالتها عندهم ظنية فصار التعلق بها أيضا ضعيف ، لم يبقَ لهم إلا الأدلة العقلية ، فجعلوا العقل حكم على النقل ، وهذا في الحقيقة ما أشار إليه ابن خلدون ، أو عبر عنه السفاريني بقوله : الأدلة اليقينية.
لا شك أن وصف دلالة العقل بأنه يقيني وصف غير صادق فيما يتعلق بالأخبار الغيبية ، العقائد أمرها مبني على الغيب ، والغيب في الحقيقة لا يعرف إلا عن طريق الخبر الصادق ، فإذا عطلنا هذا الخبر الصادق اتكلنا على عقولنا ، لذا نجد الآن أشهر الفرق الكلامية هم الجهمية ثم المعتزلة ثم الكلاّبية بشطريها الأشاعرة والماتريدية ، كلهم في الحقيقة يدعون أن العقل يؤيد ما قرروه من أمور الاعتقاد ، ومع هذا التباين بينهم أشد من التباين بين المشرق والمغرب ، فأي عقل نتبع أو نهتدي به لأن أمور الغيب أمور ليست في الحقيقة ، عقل الإنسان محدود له حد معين ، بعض أهل العلم شبه إعمال العقل في مسائل الغيب كالرجل الذي يدخل في كهف مظلم ، فالكهف المظلم لن تستطيع أن تستخدم رؤيا العين لمعرفة ما فيه ، فلن تستطيع معرفة ما فيه إلا عن طريق نور الوحي الذي يكشف لك ما يتعلق بأمور الغيب ، أما أولئك فاتكلوا على عقولهم فصارت هذه الانحرافات العظيمة في مسائل الاعتقاد ، فهذا التعريف غير صحيح؛ لأنهم لم يدافعوا عن العقائد التي دل عليها الكتاب والسنة بالأدلة العقلية ، هم في الحقيقة أثبتوا العقائد الإيمانية بالأدلة العقلية ، وهذا محل الخطورة في الحقيقة؛ لذا نستطيع أن نقول أن هذا التعريف غير صحيح ، والصحيح أن يقال أن علم الكلام: هو العلم الذي بنى مسائل الاعتقاد على دلالة العقول دون الاهتداء بوحي الكتاب والسنة وكلام أئمة السلف الصالح ، فهذا التعريف هو محل للذم ، ومن المشهور قول أبي يوسف صاحب أبي حنيفة رحمه الله : العلم بالكلام هو الجهل ، وقول الشافعي : حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال ويطاف بين القبائل أو قال العشائر ويقال هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة .
مسمى علم الكلام كما ذكرت أنه يطلق على مجموعة فرق ، أشهر تلك الفرق ، -طبعا تناولي للفرق أحتاجه لأني سأتكلم في مسائل الاعتقاد عن أقوالهم في بعض هذه المسائل-