الدروس
course cover
الدرس الأول: مقدمات في تفسير المعوِّذتين
17 Oct 2012
17 Oct 2012

9296

0

0

course cover
تفسير المعوذتين

القسم الأول

الدرس الأول: مقدمات في تفسير المعوِّذتين
17 Oct 2012
17 Oct 2012

17 Oct 2012

9296

0

0


0

0

0

0

0

مقدمات في تفسير المعوذتين



عناصر الدرس:
مقدمات تفسير المعوذتين
خطبة تفسير المعوذتين
بيان معنى المعوذتين
- بيان المراد بالمعوذات
- ورود تقديم النفث على القراءة والعكس

فضائل المعوذتين
متى نزلت المعوذتان؟
ما قيل في نزول المعوذتين بسبب حادثة سحر النبي صلى الله عليه وسلم
- الذي سحر النبي صلى الله عليه وسلم هو لبيد بن الأعصم وكان يهوديا منافقاً من بني زريق
- إنكار المعتزلة لحادثة سَحْر النبي صلى الله عليه وسلم ، والرد عليهم.
- أثر السحر على النبي صلى الله عليه وسلم.
- مدّة لبث النبي صلى الله عليه وسلم مسحوراً
- التنبيه على ضعف بعض الروايات الواردة في هذه الحادثة وتضمّنها زيادات منكرة.


الملف الأول:

حفظ الملف


الملف الثاني:

حفظ الملف

أول عشر ذي الحجة 1433هـ

عبد العزيز بن داخل المطيري

#2

17 Oct 2012

خطبة تفسير المعوّذتين


الحمد لله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء رحمة وعلماً، وتمّت كلمته صدقاً وعدلا، لا مبدل لكلماته، ولا مغير لسنته، ولا رادّ لفضله، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، جعل لكل شيء قدْراً، ولكل قدَر أجلاً، ولكل تقدير منه حكمة، وأعطى كل شيء خلقه ثم هدى، بيده ملكوت كل شيء، وهو على كل شيء قدير، تعالى بأسمائه وصفاته عما يشرك المشركون، ويظن الجاهلون، لا يخفى عليه شيء، ولا يعجزه شيء، ولا يشغله شأن عن شأن، يعلم السر وأخفى، فلا تخفى عليه وساوس النفوس، ولا خطرات القلوب، ولا ما كان ولا ما سيكون.
لا تواري منه سماء سماء، ولا أرض أرضاً، ولا بحر ما في قعره، ولا جبل ما في وعره،

يا من يرى مد البعوض جناحها ..... في ظلمة الليل البهيم الأليل

ويرى نياط عروقها في نحـــــــرها ..... والمخّ في تلك العظام النحل
امنن علي بتوبـــــــــــــة تمحــــــو بها ..... ما كــــان مني في الزمان الأول

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
اللهم اهدنا بالقرآن، وبما آتيت نبيك من التبيان، واجعل لنا من لدنك فرقاناً ونوراً نمشي به على صراط مستقيم.

اللهم أدخلنا في رحمة منك وفضل، واهدنا إليك صراطاً مستقيماً، وارزقنا من لدنك رزقاً كريماً.
ربنا عليك توكلنا، وإليك أنبنا، وإليك المصير.
أما بعد:
فهذه دروس ملخّصة في هدايات المعوذتين، نتدارسها في هذه الأيام الفاضلة، ونسأل الله عز وجلّ أن يمنّ علينا بحسن القصد والقول والعمل، وحسن الفهم والبيان، وحسن الدعوة إليه والجهاد في سبيله بما يحب، وكما يحب إنه سميع مجيب.

عبد العزيز بن داخل المطيري

#3

17 Oct 2012

معنى المعوِّذَتين

المعوِّذتان هما سورتا الفلق والناس {قل أعوذ برب الفلق} ، و{قل أعوذ برب الناس}.
وتسميتهما بالمعوذتين مشهورة من عهد النبي صلى الله عليه وسلم ففي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه سلم إذا أوى إلى فراشه نفث في كفيه بـ{قل هو الله أحد} وبالمعوذتين جميعاً ثم يمسح بهما وجهه وما بلغت يداه من جسده).
وفي جامع الترمذي وسنن ابن ماجة والنسائي من حديث سعيد الجُريريّ عن أبي نضرة العبدي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من الجانّ وعين الإنسان حتى نزلت المعوذتان؛ فلما نزلتا أخذ بهما ، وترك ما سواهما).
وفي هذه التسمية أحاديث أخرى وآثارٌ عن الصحابة والتابعين.
وإذا قيل المعوذات فالمراد: سور الإخلاص والفلق والناس، كما في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مَرِضَ أحد من أهله نفث عليه بالمعوّذات؛ فلما مرض مرضه الذي مات فيه جعلت أنفث عليه وأمسحه بيد نفسه لأنها كانت أعظمَ بركةً من يدي).
وفي صحيح البخاري وغيره من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوّذات وينفث.
قالت: (فلمَّا اشتدَّ وجعه كنت أقرأ عليه وأمسح بيده رجاء بركتها).
وقد ورد في الأحاديث ما يفيد مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على قراءة المعوذات والرقية بها؛ ففي صحيح البخاري أيضاً من حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كلَّ ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما ؛ فقرأ فيهما: {قل هو الله أحد}، و{قل أعوذ برب الفلق}، و{قل أعوذ برب الناس} ؛ ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده؛ يبدأ بهما على رأسه ووجهه، وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات.
وفي هذا اللفظ ما يفيد هذا الترتيب: يجمع كفيه، ثم ينفث فيهما، ثم يقرأ مباشرة ، ثم يمسح جسده، فتكون الرقية على الكفين وما فيهما من الريق الذي نفثه.
وفي مسند الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله إذا أراد النوم جمع يديه فينفث فيهما ثم يقرأ {قل هو الله أحد} و {قل أعوذ برب الفلق} و{قل أعوذ برب الناس} ، ثم يمسح بهما وجهه ورأسه وسائر جسده).
قال عُقيل -راوي هذا الحديث عن ابن شهاب الزهري-: ورأيت ابن شهاب يفعل ذلك.
وفي صحيح البخاري عن معمر أنه سأل الزهري: كيف ينفث؟ قال: (كان ينفث على يديه ثم يمسح بهما وجهه).
وهذا كما تقدم لتبلغ الرقية الريق الذي في الكفين ثم يمسح جسده بما قد قرئ عليه من الريق وباطن الكفين.
وقد ورد عن الصحابة العمل بالأمرين: تقديم النفث على القراءة وهو الأكثر، وورد تقديم القراءة على النفث، وفي ذلك آثار عن الصحابة لا نطيل بذكرها.
فجاء عن ابن مسعود وحنظلة بن حذيم وغيرهما تقديم النفث على القراءة.
وجاء عن أبي سعيد الخدري وعلاقة بن صحار رضي الله عنهما تقديم القراءة على النفث.
وأسأل الله أن ييسر دورة أخرى في الرقية وأحكامها وطرقها وما روي فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين وأئمة الإسلام في ذلك فالحاجة ماسة إلى بيان الهدى في مسائل الرقى التي عمّت بها البلوى.
ولعل هذه الدروس تجلي جوانب مهمة فيما يتعلق بما يحتاجه العبد في التعوذ من الشرور والآفات، وأنواع ما يحول بينه وبين الخير والفضل والبركات، وما هو الهدي النبوي في التخلص من الآفات والشرور وكيف يحصّن العبد نفسه منها، وكيف دلت المعوّذتان على ذلك كله.

عبد العزيز بن داخل المطيري

#4

17 Oct 2012

فضل المعوذتين

فالمعوّذتان كرامة من الله تعالى لهذه الأمة، لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور مثلهما.
بل ثبت في صحيح مسلم من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: ((ألم تر آيات أُنزلتِ الليلة لم ير مثلهنَّ قط؟! {قل أعوذ برب الفلق} و{قل أعوذ برب الناس})).

-وفي مسند الإمام أحمد وسنن النسائي عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: (اتبعت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وهو راكبٌ فوضعت يدي على قدمه؛ فقلت: أقرئني يا رسول الله سورة هود وسورة يوسف.
فقال: ((لن تقرأ شيئا أبلغ عند الله من {قل أعوذ برب الفلق} و{قل أعوذ برب الناس})) ).
وفي رواية عند النسائي والحاكم : (قال: ((يا عقبة اقرأ بـ{قل أعوذ برب الفلق} فإنك لن تقرأ سورة أحب إلى الله عز وجل وأبلغ عنده منها؛ فإن استطعت أن لا تفوتك فافعل)) ).
ففي هذه الرواية تخصيص لسورة الفلق بمزيد فضل.
- وفي مسند الإمام أحمد وصحيح ابن خزيمة بسند صحيح عن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه، قال: بينا أنا أقود برسول الله صلى الله عليه وسلم في نَقْب من تلك النقاب؛ إذ قال لي: « يا عقبة ! ألا تركب؟! ».
قال: فأجللت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أركب مركبه.
ثم قال: «يا عُقيب ! ألا تركب؟!».
قال: فأشفقت أن تكون معصية.
قال: فنزل الرسول صلى الله عليه وسلم وركبت هُنيَّة ، ثم ركب.
ثم قال: «يا عقيب ! ألا أعلمك سورتين من خير سورتين قرأ بهما الناس؟!».
قال: قلت : بلى يا رسول الله
قال: فأقرأني {قل أعوذ برب الفلق} و {قل أعوذ برب الناس}.
ثم أقيمت الصلاة ، فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ بهما، ثم مرَّ بي؛ قال: «كيف رأيت يا عقيب؟! اقرأ بهما كلما نِمْتَ ، وكلما قُمْتَ».
قوله: ((اقرأ بهما كلما نِمت)): أي كلما أردت النوم.
- وعن عقبة بن عامر أيضاً قال: بينا أنا أسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الجحفة والأبواء إذ غشيتنا ريح وظلمة شديدة؛ فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ بـ(أعوذ برب الفلق) و(أعوذ برب الناس) ويقول: ((يا عقبة ، تعوَّذ بهما؛ فما تعوَّذ متعوِّذ بمثلهما)).
قال: (وسمعته يؤمنا بهما في الصلاة).
وهذا الحديث رواه أبو داوود والطحاوي والطبراني وغيرهم كلهم من طريق محمد بن إسحاق عن سعيد المقبري عن أبيه عن عقبة، وهذا إسناد حسن وعنعة ابن إسحاق هنا محتملة لأنه موثق في سعيد المقبري، والحديث صححه الألباني.
- وعن عبد الله بن خبيب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في المعوذتين: ((ما تعوّذ الناس بأفضل منهما)). رواه النسائي.
- وعن فروة بن مجاهد اللخمي عن عقبة بن عامر قال: لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: (( يا عقبة بن عامر! صل من قطعك، وأعط من حرمك، واعف عمن ظلمك)).
قال: ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: ((يا عقبة بنَ عامر! املُك لسانك، وابك على خطيئتك، وليسعك بيتك)).
قال: ثم لقيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال لي: ((يا عقبة بنَ عامر! ألا أعلمك سوراً ما أنزلت في التوراة ولا في الزبور ولا في الإنجيل ولا في الفرقان مثلهن؟!! لا يأتين عليك ليلة إلا قرأتهن فيها {قل هو الله أحد} و{قل أعوذ برب الفلق} و{قل أعوذ برب الناس})).
قال عقبة: (فما أتت علي ليلة إلا قرأتهن فيها، وحقَّ لي أن لا أدَعَهنَّ وقد أمرني بهن رسول الله صلى الله عليه و سلم).
وكان فروة بن مجاهد إذا حدث بهذا الحديث يقول: (ألا فَرُبَّ من لا يملك لسانه، أو لا يبكي على خطيئته، ولا يسعه بيته). رواه أحمد وصححه الألباني.
وفروة بن مجاهد هذا من العبَّاد الزهاد؛ قال عنه البخاري: (كانوا لا يشكّون أنه من الأبدال).
فللمعوذتين شأن رفيع، وفضائل عظيمة، وهدايات جليلة، وبركات كثيرة، حريٌّ بالمؤمن اللبيب أن لا يحرم نفسه من التعرض لذلك كله، وأن يرغب فيما رغّب فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم،وأنت ترى الناس ينساقون إلى ما يُمدح لهم اسياقاً عجيباُ، وربّما تكلّفوا فيه التكاليف،؛ فكلام الله تعالى أحق أن يُعظّم، وثناء النبي صلى الله عليه وسلم أولى أن يُنساق إليه، فهو أصدق الناس وأعلم الناس، وما ينطق عن الهوى، وقد رغّب في المعوّذتين ترغيباً عظيماً، وكان يواظب على قراءتهما والرقية بهما ويأمر بذلك.
فالنبي صلى الله عليه وسلم هو أحقّ من عرف قدر المعوذتين، وقبل كرامة الله تعالى لهذه الأمة بهما، وأيقن بعظيم هذه المنّة، وبلّغ الأمة بذلك أبلغ بيان.
ولا ينبغي لعاقل تبلغه هذه الأحاديث في فضائل المعوّذتين ثم يزهد في دراستهما والتعرف على ما فيهما من الهدايات العظيمة.
قال عقبة بن عامر رضي الله عنه: (أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ بالمعوذات في دبر كل صلاة). رواه أحمد والنسائي.
ولهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن خبيب: (( {قل هو الله أحد}، والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاثاً تكفيك من كل شيء)).
وكان النبي صلى الله عليه وسلم ربما أوتر بالمعوذت، وكان يقرأ بهما في الصلاة.
وفي الباب أحاديث عن عائشة وجابر بن عبد الله وعبد الله بن أنيس وغيرهم.
فينبغي لنا أن نتعلمها ونتدبرها ونتفكر فيها حتى ننال من فضل الله عز وجل وبركاته خيراً كثيراً عظيماً مباركاً فيه، ونحصّن أنفسنا بإذن الله تعالى من شرور عظيمة وآفات كثيرة على نور وهدى من الله تعالى.

عبد العزيز بن داخل المطيري

#5

17 Oct 2012

متى نزلت المعوذتان؟

الصحيح أن المعوذتين مدنيتان؛ ويدل على ذلك حديثان صحيحان:
الأول: حديث عقبة بن عامر في صحيح مسلم وسنن النسائي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: ((ألم تر آيات أُنزلتِ الليلة لم ير مثلهنَّ قط؟! {قل أعوذ برب الفلق} و{قل أعوذ برب الناس})).
وعقبة بن عامر الجهني ممن أسلم بعد الهجرة.
وقول النبي صلى الله عليه سلم له: ((أنزلت الليلة)) يدل على حداثة نزولها عند التحديث.
والحديث الآخر: حديث أبي سعيد الخدري المتقدم آنفاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ من الجان وعين الإنسان حتى نزلت المعوذتان فلما نزلتا أخذهما وترك ما سواهما.
وأبو سعيد الخدري رضي الله عنه من صغار الأنصار من لدات أنس بن مالك وعبد الله بن عمر قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهو غلام.
فالصحيح أن المعوذتين مدنيتان، وقد قال بذلك من المفسرين والقراء: الثعلبي وأبو عمرو الداني وأبو معشر الطبري والبغوي وابن كثير وغيرهم.

وذهب بعض المفسرين إلى أنهما مكيتان، وهو قول ضعيف لا يصح.
وممن قال بذلك: الزجاج والواحدي وأبو المظفر السمعاني وابن عطية وابن عاشور.

ومن المفسرين من حكى الخلاف ولم يرجّح.

عبد العزيز بن داخل المطيري

#6

17 Oct 2012

ما قيل في نزول المعوذتين بسبب حادثة سحر النبي صلى الله عليه وسلم


وأما نزول المعوذتين بسبب حادثة سحر النبي صلى الله عليه وسلم ففيه خلاف؛ وقد فصلت القول فيه في كتاب جمهرة التفاسير ؛ فليطالعه من شاء.
لكن الخلاصة أن الحادثة صحيحة لكن نزول المعوذتين بسبب تلك الحادثة فيه خلاف ولبس.
وأمثل ما يستدل به على ذلك هو ما رواه عبد بن حميد والطحاوي من طريق أحمد بن يونس عن أبي معاوية عن الأعمش عن يزيد بن حيّان عن زيد بن الأرقم قال: (سحر النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجل من اليهود.
قال: فاشتكى فأتاه جبريل فنزل عليه بالمعوذتين، قال: إن رجلاً من اليهود سحرك ، والسحر في بئر فلان.
قال: فأرسل علياً فجاء به.
قال: فأمره أن يحلّ العُقد وتُقرأ آية؛ فجعل يقرأ ويحلّ حتى قام النبي صلى الله عليه وسلم كأنما أُنشِطَ من عقال).
وهذا الحديث رجاله ثقات، لكن ذكر نزول المعوذتين والرقية بهما من ذلك تفرد به أحمد بن يونس، وهو إمام ثقة، لكن خالفه جماعة من الأئمة الثقات رووا هذا الحديث من غير هذه الزيادة.
فذكر نزول المعوذتين هنا والرقية بهما من السحر، مما تفرّد بذكره أحمد بن يونس وهو إمام ثقة، لكنه خولف في هذه الزيادة فقد حدَّث بهذا الحديث عن أبي معاوية: أحمد بن حنبل وابن أبي شيبة وهناد بن السري ولم يذكروا هذه الزيادة.
والحديث له نحو أربع طرق كلها ليس فيها ذكر هذه الزيادة.
فمن اعتبر هذه الزيادة مخالفة؛ حكم عليها بالشذوذ لمخالفة أحمد بن يونس بقية الرواة عن أبي معاوية ثم مخالفة هذه الزيادة لطرق الحديث الأخرى، ومن اعتبرها من باب زيادة الثقة؛ صححها كما فعل الألباني .


وأما حادثة سَحر اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم فهي صحيحة ثابتة ، فقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من دواوين السنة المعروفة من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (سَحَرَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم رجلٌ من بني زُريق يقال له: لبيد بن الأعصم، حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُخيَّل إليه أنَّه يفعل الشيءَ وما فعله حتى كان ذات ليلة وهو عندي لكنه دعا ودعا ؛ ثم قال: (( يا عائشة أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه، أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي؛ فقال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرجل؟
فقال: مطبوب.
قال: من طبه؟
قال: لبيد بن الأعصم.
قال: في أي شيء؟
قال: في مشط ومشاطة وجُفّ طلع نخلة ذكر.
قال: وأين هو؟
قال: في بئر ذروان)).
فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناس من أصحابه فجاء فقال: ((يا عائشة كأنّ ماءها نقاعة الحناء، أو كأن رؤوس نخلها رؤوس الشياطين)).
قلت: يا رسول الله؛ أفلا أستخرجه.
قال: ((قد عافاني الله ؛ فكرهت أن أثوّر على الناس فيه شراً))
فأمر بها فدفنت.
والحديث رواه جمع من الأئمة في مصنفاتهم وهو حديث صحيح لا مطعن فيه.
وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: (سَحَرَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ من اليهود). رواه أحمد وعبد بن حميد والطحاوي والطبراني؛ بإسناد صحيح؛ وقد صححه الحافظ العراقي، وقال الألباني: هو على شرط مسلم.


في الحديث الأول أن الذي سحره رجل من بني زريق.
وفي الحديث الثاني: الذي سحره رجل من اليهود.


والجمع بينهما ما بينته روايات صحيحة في الصحيحين وغيرهما عن عائشة رضي الله عنها قالت: (سحر رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يهوديٌّ من يهود بني زريق).
وبنو زريق بطن مشهور من الخزرج وهم من الأنصار، وقد أسلم أكثرهم بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم.
وكان لهم مسجد معروف في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ؛ ففي صحيح البخاري من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل التي لم تضمر من ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق.
وكان كل من الأوس والخزرج لهم حلفاء من اليهود في الجاهلية، وكان بعض الأوس والخزرج قد تهوّد.
قال ابن عباس: (كانت المرأة تكون مِقْلاتاً فتجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تهوِّده [تلتمس بذلك طول بقائه، فجاء الإسلام ، وفيهم منهم] فلما أُجليت بنو النضير كان فيهم من أبناء الأنصار؛ فقالوا : لا ندع أبناءنا؛ فأنزل الله عز وجل: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الْغَيِّ} [فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خيروا أصحابكم ، فإن اختاروكم ، فهم منكم ، وإن اختاروهم ، فهم منهم))]). رواه أبو داود والسياق له، والطحاوي وما بين المعكوفين له، ورواه أيضاً البيهقي وابن حبان بألفاظ مقاربة.
وقال مجاهد: (كان ناس من الأنصار مسترضعين في بني قريظة فثبتوا على دينهم؛ فلما جاء الإسلام أراد أهلوهم أن يكرهوهم على الإسلام فنزلت {لا إكراه في الدين}). رواه ابن جرير وابن أبي حاتم.
فقول اليهود: (لا ندع أبناءنا) يريدون أبناءهم من الرضاعة، ممن أرضعوهم فتهودوا من الأوس والخزرج قبل مجيء الإسلام.
فلذلك كان لبيد بن الأعصم يهودياً وهو من بني زريق.
وفي رواية في صحيح البخاري أن الذي سحره لبيد بن الأعصم رجل من بني زريق حليف ليهود كان منافقاً.
فيكون هذا الخبيث قد جمع أوصاف الخبث؛ فهو يهودي منافق ساحر.
وقول عائشة: (حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُخيَّل إليه أنَّه يفعل الشيءَ وما فعله) جاء مفسراً من رواية أخرجها البخاري في صحيحه من طريق سفيان بن عيينة عن ابن جريج عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُحِرَ حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن.
قال سفيان: وهذا أشد ما يكون من السحر إذا كان كذا.


وقد أنكر هذه الحادثة بعض المعتزلة ، وزعموا أن الإقرار بها قدح في عصمة النبي صلى الله عليه وسلم ، وفيه موافقة للكفار في قولهم فيما حكى الله عنهم: {وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً}.


وأجاب أهل العلم عن إيراد المعتزلة بأن المسحور في هذه الآية المراد به الذي أصابه جنون بسبب السحر فخبَّله السحر وأذهب عقله، أمَّا الذي لم يؤثر السحر في عقله وإدراكه ومنطقه فغير مراد هنا ولا حجة لهم في المنع من تصديق قوله بسبب هذا السحر.
والسحر الذي وقع للنبي صلى الله عليه وسلم غير مؤثر في عقله وتبليغه الرسالة بلا خلاف بين أهل العلم.
قال السهيلي (ت:581هـ): (الحديث ثابت خرَّجه أهل الصحيح ، ولا مطعن فيه من جهة النقل، ولا من جهة العقل، لأن العصمة إنما وجبت لهم في عقولهم وأديانهم، وأما أبدانهم فإنهم يُبتلون فيها، ويُخلَصُ إليهم بالجراحة والضرب والسموم والقتل، والأُخذة التي أُخِّذَها رسول الله صلى الله عليه من هذا الفنِّ ، إنما كانت في بعض جوارحه دون بعض) ا.هـ.
الأُخذَة: السحر.

قال ابن القيم: (اتفق أصحاب الصحيحين على تصحيح هذا الحديث، ولم يتكلم فيه أحد من أهل الحديث بكلمة واحدة، والقصة مشهورة عند أهل التفسير والسنن والحديث والتاريخ والفقهاء ، وهؤلاء أعلم بأحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأيامه من المتكلمين) ا.هـ.
يقصد بالمتكلمين: المعتزلة، وهم الذين اشتهر عنهم إنكار هذه القصة.

ومِنَ المعتزلة ومَن وافقهم في بعض أصولهم من ينكر هذه الحادثة لإنكاره حقيقة السحر أصلاً كما فعل ذلك الجصاص والنحاس، ونُقِل ذلك عن القاضي عبد الجبار وأبي بكر الأصم.
ومنهم من أعرض عن ذكرها في تفسيره كما فعل الزمخشري.
والماوردي حكى القولين وتوقف، وهو موافق للمعتزلة في بعض أصولهم.

ولا خلاف بين السلف في ثبوت هذه القصة ، كما أنه لا خلاف في أنها غير مؤثرة في تبليغه صلى الله عليه وسلم للرسالة.


وأما مدة لبث النبي صلى الله عليه وسلم مسحوراً فقد اختلف فيها على أقوال، وقد روى الإمام أحمد من حديث رباح بن زيد عن معمر بن راشد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (لبث رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أشهر يرى أنه يأتي ولا يأتي...) وذكرت الحديث.
ورجاله ثقات.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح: (ووقع في رواية أبي ضمرة عند الإسماعيلي فأقام أربعين ليلة، وفي رواية وهيب عن هشام عند أحمد ستة أشهر، ويمكن الجمع بأن تكون الستة أشهر من ابتداء تغير مزاجه، والأربعين يوما من استحكامه) ا.هـ.
وأما ما رواه عبد الرزاق في مصنفه من طريق عطاء الخراساني عن يحيى بن يَعْمَر البصريّ، قال: (حُبِس رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عائشة سنة). فلا يصحّ.
وروي في تفاصيل هذه الحادثة أمور لا تصح وفيها زيادات منكرة اشتهرت في بعض كتب التفسير، كالحديث الذي يرويه محمد بن عبيد الله العرزمي عن أبي بكر بن محمد عن عمرة عن عائشة عند البيهقي في دلائل النبوة وغيره ولا يصح، فالعرزمي متروك الحديث، وكذلك الحديث الذي يرويه الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس عند البيهقي أيضاً، وقد جمع الثعلبي هاتين الروايتين والرواية الصحيحة المعروفة من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة وأدخل بعضها في بعض وساقها مساقاً واحداً اختصاراً، وشاع نقل ذلك في كتب التفسير بعده، وقد تضمن ذلك السياق زيادات منكرة، نبّه عليها ابن كثير رحمه الله وأعلى درجته.