الدروس
course cover
تفسير القرآن بالسنة
26 Apr 2016
26 Apr 2016

19739

0

0

course cover
طرق التفسير

القسم الأول

تفسير القرآن بالسنة
26 Apr 2016
26 Apr 2016

26 Apr 2016

19739

0

0


0

0

0

0

0

تفسير القرآن بالسنة


أجل طرق التفسير بعد تفسير القرآن بالقرآن تفسير القرآن بالسنة، والسنة وحي من الله جلّ وعلا؛ لقول الله تعالى عن نبيّه صلى الله عليه وسلم: {وما ينطق عن الهوى . إن هو إلا وحي يوحى}.
وقد روى الإمام أحمد وأبو داوود من حديث حريز بن عثمان، عن عبد الرحمن بن أبي عوف، عن المقدام بن معدي كرب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلّوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرّموه، ألا لا يحل لكم لحم الحمار الأهلي، ولا كل ذي ناب من السبع..». الحديث.
وفي رواية عند أحمد: «يوشك أحدكم أن يكذِّبَني وهو متكّئ على أريكته يحدَّث بحديثي، فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإنَّ ما حرَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما حرم الله».
قال حسان بن عطية المحاربي: «كان جبريل عليه السلام ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن، ويعلمه إياها كما يعلمه القرآن» رواه الدارمي وابن بطة.

وقال ابنُ كثير: (وقوله تعالى: {وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ} يعني القرآنَ، {وَالحِكْمَةَ} يعني السنة، قاله الحسنُ وقتادة ومقاتلُ بنُ حيان وأبو مالك).
وقال الشافعي: (فذكر الله الكتابَ وهو القرآن، وذكرَ الحكمةَ، فسمعتُ مَن أرضَى مِن أهل العلم بالقرآن يقول: الحكمة: سنة رسول الله).

أنواع السنة
والسنة مبيّنة للقرآن، وشارحة له، وهي على ثلاثة أنواع: قول النبي صلى الله عليه وسلم، وفعله، وإقراره، وكلّ ما أفهمَ بيانَ مرادِ اللهِ عز وجلّ في كتابه من ذلك بنصّ صريح فهو تفسير نبويٌّ للقرآن.
فمثال التفسير القولي: قول النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير قول الله تعالى: {إن قرآن الفجر كان مشهودا} قال: «تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار» رواه الترمذي
من حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه، وأصله في الصحيحين.
- ومن أمثلته أيضاً ما رواه معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قيل لبني إسرائيل: {وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم} فبدلوا، فدخلوا الباب يزحفون على أستاههم، وقالوا: حبة في شعرة» رواه البخاري ومسلم.
ورواه الترمذي أيضاً ولفظه: (قال: "دخلوا متزحفين على أوراكهم" أي منحرفين).
قال الترمذي:(وبهذا الإسناد عن النبي صلى الله عليه وسلم: {فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم} قال: قالوا: حبة في شعرة).

والتفسير العملي له أمثلة كثيرة:
- منها: تفسير النبي صلى الله عليه وسلم لمعنى إقامة الصلاة المأمور بها في قول الله تعالى: {وأقيموا الصلاة} وقوله: {أقم الصلاة} بأدائه للصلاة أداءً بيّن فيه أركانها وواجباتها وشروطها وآدابها، وقال لأصحابه: «صلّوا كما رأيتموني أصلّي» رواه البخاري من حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه.
- ومنها: تفسيره صلى الله عليه وسلم لمعنى إتمام الحجّ المأمور به في قوله تعالى: {وأتمّوا الحجّ والعمرة لله} بأدائه لمناسك الحج على الوجه الذي رضيه الله تعالى، وأمر أصحابه أن يأخذوا عنه مناسكهم.
- وكذلك كثير من العبادات والمعاملات التي ورد الأمر بها في القرآن فإنّ هدي النبي صلى الله عليه وسلم تفسير عملي لمراد الله تعالى بها.

ومثال التفسير بالإقرار:
- إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لعمر لما نزل قول الله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114)} في شأن رجلٍ أذنب ذنباً.
فقال الرجل: يا رسول الله، أهي في خاصة، أو في الناس عامة؟
فقال عمر: (لا، ولا نعمة عين لك، بل هي للناس عامة).
فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وقال: «صدق عمر» والحديث في مسند الإمام أحمد من طريق يوسف بن مهران عن ابن عباس عن عمر.
- وإقراره لعمرو بن العاص لما تيمم من الجنابة في شدة البرد؛ كما في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داوود من حديث عمران بن أبي أويس عن عبد الرحمن بن جبير المصري، عن عمرو بن العاص قال: احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل؛ فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت، ثم صليت بأصحابي الصبح فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب؟» فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت: إني سمعت الله يقول: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما} فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا).

وتفسير النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن واجب القبول بالشروط المعتبرة لقبول الحديث وهي صحة الإسناد، وسلامة الحديث من الشذوذ والعلة القادحة.
فإذا صحّ التفسير عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجز لأحد مخالفته.
والسنة لا تعارض القرآن أبداً، ومَن توهّم التعارض فهو لخطئه في فهم الآية، أو فهم الحديث، أو أنّ الحديث غير صحيح أو أنّ أحدهما منسوخ.
قال ابن القيم رحمه الله: (السنة مع القرآن على ثلاثة أوجه:
أحدها: أن تكون موافقة له من كل وجه؛ فيكون توارد القرآن والسنة على الحكم الواحد من باب توارد الأدلة وتظافرها.
الثاني: أن تكون بيانا لما أريد بالقرآن وتفسيرا له.
الثالث: أن تكون موجبة لحكم سكت القرآن عن إيجابه أو محرمة لما سكت عن تحريمه.
ولا تخرج عن هذه الأقسام؛ فلا تعارض القرآن بوجه ما، فما كان منها زائدا على القرآن فهو تشريع مبتدأ من النبي صلى الله عليه وسلم، تجب طاعته فيه، ولا تحل معصيته، وليس هذا تقديما لها على كتاب الله، بل هو امتثال لما أمر الله به من طاعة رسوله)ا.هـ.

- أنواع الأحاديث المتعلقة بالتفسير.
والأحاديث النبوية التي يوردها المفسّرون في تفاسيرهم على نوعين:
النوع الأول: أحاديث تفسيرية ، فيها نصّ على معنى الآية أو معنى متّصل بالآية.
ومن أمثلة هذا النوع حديث أبي هريرة وحديث أبي موسى الأشعري في تفسير قول الله تعالى: {يوم يُكشف عن ساق}.
وهذه الآية في تفسيرها قولان مشهوران مأثوران عن السلف:
أحدهما: أن المراد ساق الله تعالى وهو التفسير النبوي صح تفسير الآية به من حديث أبي هريرة وحديث أبي موسى الأشعري، وهو قول عبد الله بن مسعود وإبراهيم النخعي ورواية عن قتادة.
- فأما حديث أبي هريرة فرواه الدارمي في سننه وابن أبي عاصم في كتاب السنة، كلاهما من طريق محمد بن إسحاق قال أخبرني سعيد بن يسار قال: سمعت أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : «إذا جمع الله العباد في صعيد واحد نادى مناد ليلحق كل قوم بما كانوا يعبدون؛ فيلحق كل قوم بما كانوا يعبدون، ويبقى الناس على حالهم؛ فيأتيهم فيقول: ما بال الناس ذهبوا وأنتم ها هنا؟
فيقولون: ننتظر إلهنا.
فيقول: هل تعرفونه؟
فيقولون: إذا تعرَّف إلينا عرفناه؛ فيكشف لهم عن ساقه؛ فيقعون سجودا وذلك قول الله تعالى { يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون } ويبقى كل منافق فلا يستطيع أن يسجد ثم يقودهم إلى الجنة).
والحديث حسن الإسناد قد صرَّح فيه ابن إسحاق بالتحديث عندهما، وقد صرح فيه بتفسير الآية وتلك حجة قاطعة للنزاع.
- وأما حديث أبي موسى الأشعري فرواه ابن أبي عاصم في السنة من طريق علي بن زيد عن عمارة القرشي عن أبي بردة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث طويل وفيه: (فينظرون إلى الله تبارك وتعالى ، فيخرون له سجدا ، ويبقى قوم في ظهورهم مثل صياصي البقر ، فيريدون أن يسجدوا فلا يقدرون على ذلك ، وهو قول الله تعالى: {يوم يكشف عن ساق ، ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون}
- وأما أثر ابن مسعود فرواه عبد الرزاق وابن جرير ومحمد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة، والدارقطني في كتاب الرؤية.
وأما حديث أبي سعيد المشهور في الصحيحين فليس فيه تصريح بتفسير الآية به، ومع هذا فقد فسر الآية به بعض السلف لأن ذكر الساق في الآية ورد مجملاً وقد بينته السنة كما فعل البخاري في صحيحه حيث بوب باباً في كتاب التفسير باب يوم يكشف عن ساق، ثم ذكر فيه حديث أبي سعيد الخدري.
وقد قال بهذا القول محمد بن نصر المروزي وابن جزي في التسهيل، وابن القيم.
القول الثاني: المعنى "يكشف عن كرب وشدة" وهو قول ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة، ورواية عن قتادة، وهو قول تحتمله اللغة لولا ما صح من التفسير النبوي.
- وكثير من مفسري أهل السنة ذكروا القولين كما فعل ابن جرير والبغوي وابن كثير وغيرهما مع تسليمهم وإيمانهم بما صح من أحاديث صفة الساق على ما يليق بجلال الله وعظمته.
وأما المعتزلة والأشاعرة فقد سلكوا مسلك التأويل في الآية والأحاديث.

فهذا مثال على النوع الأول من الأحاديث التي يذكرها المفسرون في تفاسيرهم، وهي الأحاديث التفسيرية التي فيها نصّ على التفسير.
والنوع الآخر: أحاديث ليس فيها نصّ على معنى الآية لكن يمكن أن تفسّر الآية بها بنوع من أنواع الاجتهاد، وهذا الاجتهاد قد يكون ظاهر الصحّة والدلالة على المراد، وقد يكون فيه بعد، وقد يكون محلّ نظر واحتمال.
ومن أمثلة هذا النوع ما في الصحيحين وغيرهما من حديث عبد الله بن طاووس بن كيسان، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: ما رأيت شيئا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اللسان المنطق، والنفس تمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك كله ويكذبه».
فهذا الحديث ليس فيه نصّ على لفظ اللمم، لكن فهم منه ابن عباس معنى اللمم.

والعلماء يتفاضلون في استنباط المعاني المتصلة بالآيات من الأحاديث تفاضلاً كبيراً، والمتأمّل في الأحاديث التي ينتزع منها العلماء معاني تتصل بتفسير الآيات يجد أنه من المتعذر الإحاطة بجمع الأحاديث التي لها صلة بالتفسير، وأن المؤلفات التي ألّفت في محاولة جمع التفسير النبوي لا يمكن أن تحيط به.

اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم في التفسير
النبي صلى الله عليه وسلم هو إمام المجتهدين، واجتهاده في التفسير كاجتهاده في غيره من مسائل الدين، فيجتهد في فهم النص، وفيما لا نصّ فيه، لكنه معصوم من أن يُقَرَّ على خطأ.
فإن أصاب في اجتهاده أقرّه الله، كما أقرّه الله على اجتهاده إذ شرب اللبن لمّا خيره جبريل بين اللبن والخمر، واجتهاده في قتال الكفار يوم أحد خارج المدينة، واجتهاده في ترك هدم البيت وإعادة بنائه على قواعد إبراهيم.
وما أخطأ فيه فإنّ الله تعالى يبيّن له ولا يقرّه على خطئه، وذلك كاجتهاده في أخذه الغنائم يوم بدر قبل الإثخان في قتل الكفار، واجتهاده في التصدي لأكابر الكفار وإعراضه عن الأعمى، واجتهاده في إذنه لبعض المنافقين في التخلف عن غزوة العسرة.
وفي صحيح البخاري ومسند الإمام أحمد وسنن الترمذي والنسائي من حديث ابن عباس قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: " لما توفي عبد الله بن أبي دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة عليه؛ فقام إليه فلما وقف يريد الصلاة تحولت حتى قمت في صدره فقلت: يا رسول الله! أعلى عدو الله عبد الله بن أبي القائل يوم كذا: كذا وكذا؟ يعدّ أيامه.
قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتبسم حتى إذا أكثرتُ قال: أخّر عني يا عمر! إني خيرت فاخترت وقد قيل لي: {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم}، لو أعلم أني لو زدت على السبعين غفر له لزدت».
قال: ثم صلى عليه ومشى معه؛ فقام على قبره حتى فرغ منه.
قال: فعجب لي وجرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ورسوله أعلم؛ فو الله ما كان إلا يسيرا حتى نزلت هاتان الآيتان: {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون}.
قال: فما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده على منافق ولا قام على قبره حتى قبضه الله).


خصائص التفسير النبوي.
مما ينبغي أن يُعلم أن تفسير النبي صلى الله عليه وسلم له خصائص امتاز بها عن غيره من التفاسير:
1. فمن ذلك: أنه تفسير معصوم من الخطأ ابتداء أو إقراراً؛ فكلّ ما صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير القرآن فهو حجّة لا خطأ فيه.
والنبي صلى الله عليه وسلم قد يجتهد في التفسير كما يجتهد في سائر الأحكام لكنه معصوم من أن يُقرّ على خطأ في بيان ما أنزل الله إليه.
2. ومن ذلك: أن تفسير النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن قد يكون معه تخصيص لدلالة اللفظ أو توسيع لها ، وكلّ ذلك حجّة عنه صلى الله عليه وسلم.
ومن أمثلة ذلك:
أ- حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}». رواه مسلم.
ب- وحديث يَعْلَى بن أُمَية قال: سألتُ عمر بن الخطاب قلت: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} وقد أمنَ الناس؟ فقال لي عمر: عجبتُ مما عجبت منه فسألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ فقال: "صدَقةٌ تَصَدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته". رواه مسلم.
3. ومن ذلك: أن تفسير النبي صلى الله عليه وسلم قد يكون معه إخبار عن مغيّبات لا تُعلم إلا بالوحي، ولذلك أمثلة كثيرة:
منها: حديث علقمة بن مرثد، عن سعد بن عبيدة، عن البراء بن عازب رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أقعد المؤمن في قبره أتي، ثم شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فذلك قوله: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت}». متفق عليه.
ومنها: حديث سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أحب الله عبدا نادى جبريل: إني قد أحببت فلانا فأحبه، قال: فينادي في السماء، ثم تنزل له المحبة في أهل الأرض، فذلك قول الله: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا}، وإذا أبغض الله عبدا نادى جبريل: إني قد أبغضت فلانا، فينادي في السماء ثم تنزل له البغضاء في الأرض». رواه أحمد والترمذي وأصله في الصحيحين.
ومنها: حديث الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يجيء نوح وأمته، فيقول الله تعالى، هل بلغتَ؟ فيقول: نعم أي رب.
فيقول لأمته: هل بلغكم؟
فيقولون: لا، ما جاءنا من نبي.
فيقول لنوح: من يشهد لك؟
فيقول: محمد صلى الله عليه وسلم وأمته.
فنشهد أنه قد بلغ، وهو قوله جل ذكره: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس} والوسط العدل». رواه البخاري.
وهذا النوع من التفسير لا يبلغه علم أحد من البشر إلا بالوحي الذي أوحاه الله إلى نبيه صلى الله عليه وسلم.

مسائل في التفسير النبوي
ومما ينبغي أن يعلم أن التفسير النبوي قد يكون فيه تنبيه على بعض أفراد العام، وإلحاق النظير بنظيره، أو التنبيه لما هو أولى منه بالحكم، ولذلك أمثلة منها:
1. تفسير الغاسق بالقمر في حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: قالت عائشة أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فأراني القمر حين طلع ؛ فقال: «تعوذي بالله من شر هذا الغاسق إذا وقب». رواه أحمد والنسائي في السنن الكبرى.
وهذا تنبيه على شرّ لغاسق من جملة الغواسق قد يُغفل عنه، واسم الغاسق أعمّ من ذلك.
قال ابن جرير: (الليلُ إذا دخل في ظلامه: غاسق، والنجم إذا أفل: غاسق، والقمر: غاسق إذا وقب، ولم يخصِّص بعضَ ذلك، بل عمَّ الأمرَ بذلك؛ فكلُّ غاسق فإنه صلى الله عليه وسلم كان يؤمر بالاستعاذة من شرّه إذا وقب) ا.هـ.
2. وتفسير المسجد الذي أسس على التقوى بأنه مسجده صلى الله عليه وسلم، مع أن سياق الآية في مسجد قباء، ففي الصحيحين من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه، قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت بعض نسائه، فقلت: يا رسول الله، أي المسجدين الذي أسس على التقوى؟
قال: فأخذ كفا من حصباء، فضرب به الأرض، ثم قال: «هو مسجدكم هذا» لمسجد المدينة).
وفي صحيح البخاري من حديث الزهري عن عروة في خبر قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة قال: (فلبث رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة، وأسس المسجد الذي أسس على التقوى، وصلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ركب راحلته، فسار يمشي معه الناس حتى بركت عند مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة).
وبنو عمرو بن عوف هم أهل قباء.
وقد روى سعيد بن منصور عن عمار الدهني أنه قال: دخلت مسجد قباء أصلي فيه، فالتفتُّ عن يميني فأبصرني أبو سلمة بن عبد الرحمن؛ فقال: (أحببتَ أن تصلي في المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم؟).
وأبو سلمة هو راوي الحديث المتقدّم في أن المسجد الذي أسس على التقوى هو المسجد النبوي ، لكن هذا محمول على أنه للتنبيه على أن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أولى بهذه الفضيلة من مسجد قباء.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (قد ثبت عنه في الصحيحين أنه كان يأتي قباء كل سبت راكبا وماشيا، وذلك أن الله أنزل عليه: {لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه} وكان مسجده هو الأحق بهذا الوصف، وقد ثبت في الصحيح أنه سئل عن المسجد المؤسس على التقوى؛ فقال: « هو مسجدي هذا » يريد أنه أكمل في هذا الوصف من مسجد قباء، ومسجد قباء أيضا أسس على التقوى، وبسببه نزلت الآية).
وقال أيضاً: (فأراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن لا يظن ظان أن ذاك هو الذي أسس على التقوى دون مسجده فذكر أن مسجده أحق بأن يكون هو المؤسس على التقوى فقوله: {لمسجد أسس على التقوى} يتناول مسجده ومسجد قباء ويتناول كل مسجد أسس على التقوى بخلاف مساجد الضرار).
وقال أيضاً: (ثبت في الصحيح عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتي قباء كل سبت راكبًا وماشيًا، كان يقوم في مسجده يوم الجمعة، ويقوم في قباء يوم السبت؛ لقوله تعالى: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ} وهذا يتناول مسجده، ومسجدَ قباء، ومسجدُه أحق بذلك من مسجد قباء، كما ثبت في الصحيح أنه سُئل عن المسجد الذي أسس على التقوى فقال: «هُوَ مَسْجِدِي هَذَا» أي: هو أحق بهذا الوصف من غيره، كما قال لأهل الكساء: علي، وفاطمة، وحسن، وحسين: «اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا» أي: هم أحق بذلك من غيرهم، والحصر يكون حصرًا للكمال كما تقول: عبد الله العالم، وإلا فالقرآن يدلّ على أن مسجد قباء أسس على التقوى، وعلى أن أزواجه من أهل بيته)ا.هـ.

متى يصار إلى التفسير بالسنة.
الأخذ بالسنة مع القرآن فرض واجب، ولا يجوز ترك الاحتجاج بالسنة متى عُلم بها، وعلى طالب علم التفسير أن يطلب البيان النبوي من مظانّه ما أمكنه ذلك.
وأما الحديث الذي يرويه الحارث بن عمرو ابن أخي المغيرة بن شعبة، عن أناس من أهل حمص من أصحاب معاذ بن جبل، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يبعث معاذا إلى اليمن قال: «كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟»
قال: أقضي بكتاب الله.
قال: «فإن لم تجد في كتاب الله؟».
قال: فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: «فإن لم تجد في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا في كتاب الله؟»
قال: أجتهد رأيي، ولا آلو؛ فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره، وقال: «الحمد لله الذي وفق رسولَ رسولِ الله لما يرضي رسولَ الله» رواه أحمد والدارمي وأبو داوود والترمذي وغيرهم.
فهذا الحديث ضعفه جماعة من أهل العلم لأجل انقطاع إسناده وجهالة حال الحارث بن عمرو، ولأجل علّة في متنه.
قال الترمذي: (هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وليس إسناده عندي بمتصل).
وذكر البخاري هذا الحديث في ترجمة الحارث بن عمرو في التاريخ الكبير وقال: ("لا يصح، ولا يعرف إلا بهذا، مرسل).
وأما علة المتن؛ فإنّه فُهم منه أنه لا يقضي بالسنة إلا إذا لم يجد شيئاً في كتاب الله، ومن فهم هذا من أهل العلم أعلّ الحديث به؛ فإنّ طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم واجبة بكل حال، ولا تكون موقوفة على حال عدم وجود نص من القرآن، بل يجب الأخذ بالقرآن والسنة معاً؛ فالسنة مبيّنة للقرآن، وقد تخصص عمومه، وتقيّد مطلقه، واختلف في نسخ السنة للقرآن، والصحيح جوازه، لكن ليس له مثال يخلو من اعتراض وجيه.
ومن أهل العلم من لم يفهم من هذا الحديث هذا المعنى المستنكر الذي ذكره من اعترض على متن الحديث، واستدلوا بهذا الحديث على تقديم النص على الرأي، وعلى ترتيب الأدلة، فالقرآن أشرف رتبة من السنة، والسنة تابعة للقرآن مبيّنة له، والترتيب عندهم ترتيبٌ ذِكْري لا ترتيب احتجاجي، فإن السنة حجّة في جميع الأحوال، وإذا اجتمع في المسألة دليل من القرآن ودليل من السنة قدّم دليل القرآن، وجعل دليل السنة كالبيان له، والاجتهاد في فهم النص ملازم له.

التحذير من فتنة القرآنيين
وقد ضلّ في هذا الباب طائفة تلقّبوا بالقرآنيين، زعموا الاكتفاء بالقرآن، وأنّ الأخذ بالسنة غير لازم، وضلوا بذلك ضلالاً مبيناً، فأحدثوا في صفة الصلاة وسائر العبادات بدعاً شنيعة زعموا أنهم استدلوا على كيفيتها بالقرآن من غير حاجة إلى السنة، منها أنّ بعضهم يسجد على ذقنه لا على جبهته احتجاجاً بقول الله تعالى: {يخرون للأذقان سجدا} ولهم في هذا الباب ضلالات كثيرة.
وزعموا أنه لا حاجة إلى البحث في صحيح الأحاديث وضعيفها؛ لأن الأخذ بالسنة غير لازم مع وجود القرآن.
وهذه الطائفة من صنائع الإنجليز بأرض الهند في القرن التاسع عشر الميلادي، وكان زعيمها رجل يقال له: أحمد خان؛ بدأ توجهه بالتفسير العقلي للقرآن، والإعراض عن الاحتجاج بالسنة، ثم تلاه عبد الله جكرالوي في الباكستان، وأسس جماعة أهل الذكر والقرآن ودعا إلى اعتبار القرآن المصدر الوحيد لأحكام الشريعة.
وتتابع لهذه الطائفة رموز وجمعيات أسّست لخدمتهم، ونشر أفكارهم، وغرضها محاولة هدم الدين الإسلامي بأيدي المنتسبين إليه.
وفي مصر تزعَّم هذه الطائفةَ رجلٌ يقال له: أحمد صبحي منصور ، وكان مدرّساً في الأزهر ففُصِل منه بسبب إنكاره للسنة، ثم انتقل إلى أمريكا وأسس المركز العالمي للقرآن الكريم، وبثَّ أفكاره من هناك، وله أتباع ومناصرون في مصر وخارجها.
ولهذه الطائفة شبهات وطرق في محاولة التشكيك في السنة، تلقفوا كثيراً منها عن المستشرقين.
والمقصود أن تفسير القرآن بالسنة أصل من أصول التفسير التي يجب الأخذ بها، وأن تفسير القرآن بالسنة منه تفسير نصّي، ومنه تفسير اجتهادي، يجتهد فيه المفسّر في انتزاع الدلالة من الحديث على التفسير.
والاجتهاد على مراتب؛ فمنه اجتهاد ظاهر الصحة لقوّة دلالته على التفسير، ومنه اجتهاد خاطئ لعلّة من العلل التي يظهر بها لأهل العلم أن المجتهد قد أخطأ في اجتهاده، ومتى تبيّن خطأ القول وجب ردّه، ومن الاجتهاد ما هو محلّ نظر وتأمّل.

تفاوت رتب الأحاديث المروية في التفسير
والأحاديث المروية في التفسير منها أحاديث صحيحة، ومنها دون ذلك، بل مما يروى في التفسير ما هو مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما ما يروى عن الإمام أحمد رحمه الله أنه قال: (ثلاثة كتب ليس فيها أصول: المغازي، والملاحم، والتفسير). رواه ابن عدي في الكامل، ورويت عنه هذه الكلمة من أوجه أخرى بألفاظ مقاربة.
فإن مراد الإمام أحمد رحمه الله هو انتقاد ما شاع في عصره من الكتب المؤلفة في هذه العلوم الثلاثة، كتفسير الكلبي ومقاتل بن سليمان ، ومغازي الواقدي وسيف بن عمر ونحو هذه الكتب، وبيان تضمنها لكثير من الأقوال المرسلة التي لا أصل لها، وكثير من الأخبار الباطلة التي تروى بأسانيد واهية، وهذا لا يعني أنه لا يصح في التفسير والمغازي والملاحم أحاديث وآثار؛ هذا بعيد عن مراد الإمام أحمد، فإنه قد صح من ذلك شيء كثير لكنه متفرق في مصنفات متعددة وقد روى هو رحمه الله في مسنده أحاديث وآثاراً صحيحة وحسنة في هذه العلوم الثلاثة.
ومعرفة تأريخ هذه المقولة مهم جداً في معرفة مراده؛ وذلك لأن بعض طلاب العلم قد ينصرف ذهنه إلى أن المراد به مثل تفسير ابن جرير وابن أبي حاتم وعبد بن حميد وغيرها وما جمعه أصحاب الكتب الستة من الأحاديث والآثار في التفسير وهذه كلها إنما كتب عامّتها بعد الإمام أحمد، وهي أمثل ما كتب في التفسير بالمأثور، ومع هذا تضمن بعضها أخباراً لا تثبت، وأخرى يحتاج الناظر فيها إلى التدقيق والتمحيص لتمييز الصحيح من الضعيف.

وتمييز الصحيح من الضعيف والباطل من واجب أهل الحديث، وطالب علم التفسير إذا أمكنه أن يعرف الصحيح من الضعيف فالواجب عليه أن يتوقّى اعتماد الأحاديث الضعيفة في التفسير، وليستعن على معرفة علل التضعيف بأقوال الأئمة النقاد الذين هم أهل هذا الشأن، وليتعلم من طريقتهم ما يمكّنه أن يسير على منهجهم.
ومن قصر عن ذلك فليقلّد عالماً من أهل الحديث يستفيد منه معرفة الصحيح من الضعيف من مرويات التفسير.

أنواع الضعف في المرويات:
والضعف في المرويات إما أن يكون من جهة الإسناد، وإما أن يكون من جهة المتن:
أ: فأما ضعف الإسناد فهو على درجتين:
إحداهما: الضعف الشديد، وهو ما يكون من رواية متروكي الحديث من الكذابين، والمتّهمين بالكذب، وكثيري الخطأ في الرواية؛ فهؤلاء رواياتهم لا تتقوّى بتعدد الطرق، ولا يُعوَّل عليها.
والأخرى: الضعف غير الشديد، وهو ما يقبل التقوية بتعدد الطرق، وهو على أنواع؛ فمنه ما يكون من رواية الراوي ضعيف الضبط، وما يكون من رواية بعض المدلسين، وبعض الانقطاع في الإسناد، ونحو ذلك من العلل التي توجب ضعف الإسناد في نفسه، لكنَّها لا تمنع تقويته بتعدد الطرق؛ فما تعدّدت طرقه واختلفت مخارجه ولم يكن في متنه نكارة فيحكم بصحته.
وإن لم تتعدّد طرقه ولم يكن في المتن نكارة من أهل العلم من رأى التوسّع في رواياته في الفضائل ونحوها؛ ومنهم من يشدّد، لكن جرى عمل أكثر أهل العلم على الاستئناس بها في التفسير؛ فقد تُعضد بأصل من أصول التفسير أو استنباط صحيح؛
ويقع في بعض الأسانيد خلاف بين اهل العلم في تصحيحها وتضعيفها، وأمّا ما كان شديد الضعف في الإسناد أو منكر المتن فلا يقبل.

ب: وأما المتون التي تُروى بالأسانيد الضعيفة فهي على ثلاثة أنواع:
النوع الأول: متون صحيحة المعنى لا نكارة فيها، قد دلّت عليها أدلّة أخرى، فيكون في الأدلة الصحيحة ما يُغني عن الاستدلال بما روي بالأسانيد الضعيفة، وقد تُصحح بعض مرويات هذا النوع إذا كان الإسناد غير شديد الضعف.
والنوع الثاني: ما يُتوقّف في معناه فلا يُنفى ولا يُثبت إلا بدليل صحيح، فمرويّات هذا النوع تُردُّ حكماً لضعف إسنادها؛ لكن لا يقتضي ذلك نفي المتن ولا إثباته؛ إلا أن يظهر لأحد من أهل العلم وجه من أوجه الاستدلال المعتبرة فيخرج من هذا النوع ويحكم بنفيه أو إثباته، ومن لم يتبيّن له الحكم فيكل علمَ ذلكَ إلى الله تعالى.
والنوع الثالث: ما يكون في متنه نكارة أو مخالفة لما صحّ من النصوص أو مجازفة بكلام عظيم لا يُحتمل من ضعفاء الرواة؛ فهذا حكمه الردّ.

وقد يقع في بعض المرويات ما يتردد بين نوعين، وما يختلف فيه أهل العلم تصحيحاً وتضعيفاً.



روابط مهمة:
- البيان النبوي للقرآن