الدروس
course cover
تفسير القرآن بلغة العرب | النوع التاسع: البديع
9 May 2016
9 May 2016

10334

0

1

course cover
طرق التفسير

القسم الرابع

تفسير القرآن بلغة العرب | النوع التاسع: البديع
9 May 2016
9 May 2016

9 May 2016

10334

0

1


0

0

0

0

1

تفسير القرآن بلغة العرب
النوع التاسع: البديع


المراد بالبديع
علم البديع من علوم العربية التي عني بها جماعة من المفسّرين واللغويين ، وهو علم لطيف يعرّف صاحبه بمحاسن الألفاظ ولطائف المعاني، وحسن دلالة تلك الألفاظ على المعاني، ويكشف للمفسّر عن معانٍ بديعة لطيفة قد لا يتفطّن لها كثير من الناس، وهو من العلوم التي يستعان بها على استخراج الأوجه التفسيرية؛ لكثرة أدواته العلمية وتنوّعها.

وكلام العلماء في البديع يقع على معنيين:
المعنى الأول: التعبير المبتكر الذي لم يُسبق إليه المتكلّم، أو الذي تقدّم فيه المتكلم على من سبقه؛ ففاقهم حسناً وسبكاً، ببراعته في انتزاع المعنى وعبارته عنه عبارة حسنة تقع موقعها في نفوس السامعين.
وقد عقد ابن عاشور فصلاً في مقدّمة تفسيره في "مبتكرات القرآن" نبه فيه على أصولها وبعض أنواعها.
والمعنى الثاني: ما يسمّيه المتأخرون من علماء البلاغة "المحسنات المعنوية واللفظية"، وفيهما أنواع كثيرة لا تحصر.

بديع القرآن:
كلام العلماء في بديع القرآن له أصول وأمثلة مأثورة عن أصحاب القرون الأولى، لكن لم ينشأ التأليف المفرد في بديع القرآن إلا في القرون المتأخرة.
وأمّا أصل العناية به فكان قديماً من وقت تنزّل الوحي وحلاوة ألفاظ القرآن وبديع دلالتها على المعاني تأخذ بالألباب، وتبهر الفصحاء، ولها سلطان عجيب على من له ذوق في البيان وحظّ من الفصاحة والمعرفة بلسان العرب.
- وقد قال فيه عتبة بن ربيعة: (إنّ له لحلاوة وإنّ عليه لطلاوة). وقد فسّرت الطلاوة بالحسن والبهجة والوضاءة.
- وذكر جماعة من العلماء أنّ أعرابياً سمع رجلاً يقرأ: {فلمّا استيأسوا منه خلصوا نجيّا} فأقسم أنّه لا يقوله بشر.
قال أبو هلال العسكري: ( وقوله تعالى: {فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا} تحيّر فى فصاحته جميع البلغاء، ولا يجوز أن يوجد مثله فى كلام البشر).
- وقد ذكر الماوردي وجماعة من المفسّرين عن الأصمعي أنه قال لأعرابية: ما أفصحك! ، فقالت: (أتعدّ فصاحة بعد قول الله عز وجل: {وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين} فجمع في آية واحدة: أمرين، ونهيين، وخبرين، وبشارتين)ا.هـ.
ولم أجد هذا الخبر فيما طبع من كتب الأصمعي، وهي عبارة صحيحة في نفسها، وهذه الآية يعدّها أهل البديع من بديع الإيجاز.
قال ابن أبي الإصبع عن بديع الإيجاز في كتابه "تحبير التحرير" : (إذا وصلت في هذا الباب إلى قوله تعالى: {وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين} فإنه سبحانه أتى في هذه الآية الكريمة بأمرين، ونهيين، وخبرين متضمنين بشارتين، في أسهل نظم، وأحسن لفظ، وأوجز عبارة، ولم يخرج الكلام عن الحقيقة في شيء من ذلك)ا.هـ.
- ومن بديع الإيجاز أيضاً قول الله تعالى: {ولكم في القصاص حياة} وقد ذكر ابن أبي الإصبع سبعة أنواع من البديع في هذه الجملة، وكانت العرب في الجاهلية تتمثّل في تحسين القَصاص بقولهم: "القتل أنفى للقتل" ورُوي أنّ هذه العبارة مترجمة عن مقولة لأردشير ملك الفرس.
قال ابن معصوم: (وقوله تعالى: {ولكم في القصاص حياة} .. معناه كثير ولفظه يسير، لأن معناه أن الإنسان إذا علم أنه متى قَتَل قُتِل كان ذلك داعيا قويا له إلى أن لا يقدم على القتل، فارتفع بالقتل الذي هو القصاص، كثير من قتل الناس بعضهم لبعض؛ فكان ارتفاع القتل حياة لهم، وقد فُضّلت هذه الجملة على أوجز ما كان عند العرب في هذا المعنى، وهو قولهم: "القتل أنفى للقتل" بعشرين وجها أو أكثر)ا.هـ.
والكلام في أنواع بديع القرآن يطول جداً.

عناية المفسّرين ببديع القرآن
لجماعة من المفسّرين عناية بذكر بعض الأمثلة على بديع القرآن في مقدّمات تفاسيرهم، وفي بعض الآيات التي يشتهر خبر بديعها، ولبعض مَن كتب في إعجاز القرآن ومتشابهه وبلاغته عناية بذكر أمثلة من بديع القرآن، كما في إعجاز القرآن للخطابي والرمّاني، والإيجاز والإعجاز لأبي منصور الثعالبي، ودلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرجاني، وغيرها.

وأوّل من علمتُه عُني بتتبّع أنواع البديع في القرآن ابنُ أبي الإصبع المصري(ت:654هـ)، وألّف في ذلك كتابه المعروف "بديع القرآن"، وهو كتاب اختصّ به ما في القرآن من أمثلة البديع التي وقف عليها أو استخرجها، وجعله تتمّة لكتابه "تحرير التحبير"، وأمضى في إعداد كتابه هذا سنوات طويلة من عمره حتى ذكر أنه جعله وظيفة عمره في شبابه ومشيبه، يقرأ ما ألّف في البديع وينقل وينقد، ويباحث العلماء في مسائله، ويحاور الأذكياء والأدباء، ويسأل كلّ من عرف عنايته بتدبّر القرآن، حتى اجتمع له في سنوات عمره من المعرفة بأنواع البديع ما لخّصه وشرحه في كتابه المذكور.
ثمّ ذكر بدر الدين الزركشي (ت:795هـ) في البرهان، وجلال الدين السيوطي(ت:911هـ) في الإتقان أمثلة كثيرة لبديع القرآن.
ولم يزل المصنّفون يزيد بعضهم على بعض في أنواع البديع، حتى أفردت في بعض الأنواع مؤلفات مختصة بها تشرح معناها، وتجمع أمثلتها، وتبيّن أصولها وفصولها.

نشأة علم البديع
كانت أكثر عناية علماء اللغة المتقدمين بالبديع المعنوي؛ فيستملحون ما يؤثر عن العرب من بدائع العبارات التي تجمع لطافة المعنى وحسن اللفظ، ويشتدّ إعجابهم بما يفيد على وجازة لفظه وحلاوته على اللسان معنى يطول شرحه وتقصّيه؛ فكانوا يستعذبون مثل قول طرفة بن العبد:
وفي الحي أحوى ينفض المرد شادن ... مُظاهر سمطي لؤلؤ وزبرجد
فشبَّه المرأة بغزال لعوب قد استغنى عن لبن أمّه؛ فهو ينفض ورق الأراك برَوقيه من الأمن والشبع، وجمع في الشطر الثاني في أربع مفردات وَصْف عِقْدين لبستهما تلك المرأة متظاهرين أي أحدهما فوق الآخر، الأول من لؤلؤ والآخر من زبرجد، والسِّمطُ هو الخيط الذي نُظمت فيه الجواهر.
فكان قوله: "مظاهر سمطي لؤلؤ وزبرجد" حسناً بديعاً لاختصاره ووفائه ببيان المعنى بما يغنيه عن طول الشرح، ويجنّبه إملال السامع.

ومثله قول امرئ القيس في وصف العُقاب:
كأنَّ قلوبَ الطير رطْباً ويابساً .. لدى وكرها العُنَّاب والحشف البالي

فشبّه في بيت واحد شيئين بشيئين مختلفين على نسق بديع موجز؛ فشبّه قلوب الطير الرطبة الملقاة لدى وكر العُقاب بالعُنَّاب، وشبَّه القلوب التي أيبسها تصرّم الأيام بالحَشف البالي، وهو التمر اليابس المتشقق.
وقد عدّ المبرّدُ هذا البيتَ أحسن ما جاء من التشبيه في الشعر بإجماع الرواة.
وقد حاول جماعة من الشعراء أن يأتوا بمثله فتعسّر عليهم، حتى نُقل عن بشار بن برد أنه لم يزل يحاول أن يأتي بمثله إلى أن قال في قصيدته المشهورة:
كأنَّ مثارَ النَّقع فوقَ رُؤوسنا ... وَأَسيافنا لَيلٌ تهاوى كَواكِبهُ
فشبَّه شيئين بشيئين في بيت واحد، وأحسن في هذا البيت.

وقريب من هذا النوع قول لبيد بن ربيعة العامري:
وجلا السيول عن الطلول كأنّها .. زُبُرٌ تجدُّ متونها أقلامها
فشبَّه تجلية السيول لمعالم الأطلال من بعدما درست من السوافي والرياح بالكتُب التي تجدد الأقلامُ ما في متونها من الكتابة التي انمحى بعضها.

ولم يزل الشعراء والبلغاء يتنافسون في الإتيان بأنواع من البديع لتكون أقرب لبلوغ المأرب، وأعذب في السمع، وأسير في الناس.
فإذا ما أصاب الشاعر منهم معنى لم يسبق إليه سابق، وكساه لفظاً حسنا يروق السامع، عدّ ذلك مفخرة له ومأثرة.
ومن ذلك ما استحسنه رواة الشعر من قول نُصيب بن رباح في مدح الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك:
أقول لركب صادرين لقيتهم ... قفا ذات أوشال ومولاك قارب
قفوا خبّروني عن سليمان إنني ... لمعروفه من أهل ودَّان طالب
فعاجوا فأثنوا بالذي أنت أهله ... ولو سكتوا أثنت عليك الحقائبُ
قال المبرّد: (وهذا في باب المدح حسن ومتجاوزٌ ومبتدَع لم يُسبق إليه).

وربما استعذبوا بيتاً من الشعر فلهجوا به زمناً حتى يسمعوا في بابه أحسن منه معنى أو أعذب لفظاً، ومن ذلك قول النابغة الذبياني:
ولست بمستبق أخاً لا تلمّه .. على شعث أي الرجال المهذب

فلم يزل هذا البيتُ يُتمثّل به حتى قال بشار بن برد بائيته المشهورة وفيها:
إذا كنتَ في كلّ الأمور معاتباً .. صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه

فكان هذا البيت أعذب وأجود، فسار في الناس وتمثّلوا به، وبعده قوله:
فعش واحداً أو صل أخاك فإنّه .. مقارف ذنب تارة ومجانبه
إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى .. ظمئت وأيّ الناس تصفو مشاربه

وقد قال قبله الحارث بن ضابئ البرجمي:
وفي الشك تفريط وفي الحزم قوة ... ويخطئ في الحدس الفتى ويصيب
و لستَ بمستبقٍ صديقاً ولا أخاً ... إذا لم تعدَّ الشيء وهو يَريب

لكنّه لم يشتهر كشهرة بيت النابغة ولا بيت بشار بن برد.

ومن بديع التصوير في المدح قول زهير بن أبي سلمى في مدح حصن بن حذيفة الفزاري:
تراه إذا ما جئته متهللا .. كأنّك تعطيه الذي أنت سائله

فقال الحطيئة في المدح:
كَسوبٌ ومتلاف متى ما سألتَه ... تهلَّل واهتزّ اهتزاز المهنَّدِ

ثم جاء أبو تمام فتمّم هذا المعنى وأوغل فيه إلى مدى بعيد بديع فقال في مدح المعتصم:
ولو لم يكن في كفّه غير نفسه .. لجاد بها فليتّق اللهَ سائله

وفي باب آخر من المدح قال الحطيئة فأحسن:
هم القوم الذين إذا ألمَّت ... من الأيام مُظلمة أضاؤوا
فكان هذا البيت بديعا لما فيه من حسن التشبيه وجودة المقابلة.

ومن البدائع في الوصف قول قيس بن الخطيم:
تبدت لنا كالشمس تحت غمامة .. بدا حاجب منها وضنّت بحاجب

وقول عديّ بن الرقاع العاملي:
تزجي أغنّ كأنّ إبرة روقه .. قلم أصاب من الدواة مدادها
وقد أشاد العلماء بتشبيهه هذا.

ومن البدائع في الحكمة قول عوف بن الأحوص:
وإني لتراك الضغينة قد أرى .. ثراها من المولى فلا أستثيرها
مخافة أن تجني عليّ وإنما .. يهيج كبيرات الأمور صغيرها

ولأجل وجازة ألفاظ الأبيات البديعة، وعذوبتها على اللسان، وحسن دلالتها على المعنى المراد تمثّل بها الناس، وسارت فيهم مسير الأمثال.

وكان البديع في أشعار الشعراء المتقدّمين مطبوعاً غير متكلَّف؛ فربما سُمعت القصيدة الطويلة فيستعذب منها البيت والبيتان، ثم لما كان في القرن الثاني والثالث وما بعدهما أولع الشعراء بالبديع؛ وتكلّفوه حتى كثر في أشعارهم واستسمج بعضَه جماعةٌ من النقّاد لما فيه من التكلّف والتعقيد، وأشادوا ببعضه.

وكان من هؤلاء الشعراء: بشار بن برد مولى بني عُقيل (ت:167هـ)، وأبو نواس الحسن بن هانئ الحكمي (ت:198هـ)، ومسلم بن الوليد الأنصاري المعروف بصريع الغواني (ت:208هـ) ، وأبو تمام حبيب بن أوس الطائي(ت:231هـ) وإسحاق بن إبراهيم الموصلي (ت:235هـ)، وإبراهيم بن العباس الصولي(ت:243هـ)، ومروان ابن أبي حفصة مولى بني أمية (ت:282هـ)، وأبو الحسن عليّ بن العباس المعروف بابن الرومي(ت:283هـ)، وأبو عبادة الوليد بن عبيد الطائي المعروف بالبحتري (ت:283هـ) وأضرابهم من الشعراء المولدين.

فكان لهؤلاء من العناية بالبديع والتفنن فيه ما أذاع أشعارهم وأشاعها؛ وبرعوا في الوقوف على المعاني الدقيقة والتعبير عنها بالألفاظ الأنيقة؛ وكشفوا بتفننهم وتنافسهم وجودة قرائحهم عن كثير من أنواع البديع وأدواته وأساليبه.
وكان بعضُهم ربما سُبق إلى معنى لطيف فنسج على منواله وزاده تحبيراً، ولذلك أمثلة كثيرة:
منها: قول إبراهيم الصولي في وصف اجتماع القرب والبعد على حالتين مختلفتين:
دَنَت بأناس عن تَنَاءٍ ديارُهم .. وشطّ بليلى عن دنوّ مزارها
وإنّ مقيمات بمنعرج اللوى .. لأقرب من ليلى وهاتيك دارها

فقال ابن الرومي في رثاء أحد أبنائه:
طواه الرَّدَى عنّي فأضحى مزاره .. بعيداً على قرب قريباً على بُعْدِ

والمقصود من ذكر هذه الأمثلة تقريب تصوّر المراد بالبديع ، وأسباب عناية الشعراء به؛ وكثير من الناس يستغنون بالأمثلة عن كثير من الشرح والتوضيح.

ثمّ شاع في القرن الخامس وما بعده تكلّف البديع وإنهاك الخطاب بكثرته حتى صار اللفظ قائداً للمعنى مستجلباً له، وعاد الكلام أشبه بالألغاز، وأبعد عن صنعة البيان.
وقد عاب علماءُ البلاغة تكلّف البديع، وحذروا منه، وأبانوا عن إضراره ببيان المعنى، وانحرافه بحال الخطاب عن المقصد الأسمى وهو البيان والتفهيم.
قال عبد القاهر الجرجاني (ت:471هـ) : (قد تجد في كلام المتأخرين الآنَ كلاماً حَمَل صاحبَه فرطُ شَغَفِه بأمورٍ ترجع إلى ما له اسمٌ في البديع إلى أن ينسى أنَّه يتكلّم ليُفهِم، ويقول ليُبين، ويُخيَّل إليه أنه إذا جَمَعَ بين أقسام البديع في بيت فلا ضير أن يقع ما عَنَاهُ في عمياء، وأنْ يُوقع السامعَ من طَلَبه في خَبْطِ عَشْوَاءِ، وربَّمَا طَمَسَ بكثرة ما يتكلَّفه على المعنى وأفسده)ا.هـ.

التأليف في البديع:
للعلماء أربع طرق في تصنيف بدائع الشعراء والبلغاء:
الطريقة الأولى: تصنيفها على أسماء الشعراء والبلغاء وطبقاتهم، وما ينتقى من أشعارهم وأخبارهم، وفيها كتبٌ لم يكن الغرض من تأليفها النصّ على ما يسمّى بالبديع، لكنها من مظانّ الوقوف على بدائع الشعراء، منها: "فحولة الشعراء" للأصمعي، و"طبقات فحول الشعراء" لابن سلام الجمحي، و"الشعر والشعراء" لابن قتيبة، و"معجم الأدباء" لياقوت الحموي.
ويلحق بهذه الطريقة المنتخبات من الأشعار كـ"المفضليات" للمفضل الضبيّ، و"الأصمعيات" للأصمعي، و"جمهرة أشعار العرب" لأبي زيد القرشي، و"المرقّصات والمطربات" لأبي الحسن المغربي، وغيرها.
هذه الكُتب ينتقى فيها أجود أشعار الشعراء وأشهرها.

والطريقة الثانية: تصنيفها على المعاني وأغراض الشعر:
- فأمّا الأغراض الكبار كالحماسة، والرثاء، والمدح، والهجاء، والوصف، والنسيب؛ فالكتب المصنفة فيها كثيرة، ومن أمثلها: حماسة أبي تمام، وحماسة البحتري، وحماسة الخالديَّين وهما سعيد ومحمد ابنا هاشم الخالدي من أدباء القرن الرابع الهجري وكتابهما مطبوع، وحماسة الزوزني(ت:431هـ)، وحماسة ابن الشجري(ت:542هـ)، والحماسة البصرية لأبي الحسن البصري(ت:659هـ)، وغيرها.
- وأما المعاني فمن أجود ما ألّف فيها كتاب "المعاني الكبير" لابن قتيبة، و"عيون الأخبار" له، و"ديوان المعاني" لأبي هلال العسكري.
وكثير من كتب الأمالي ومجالس الأدباء يُعنى فيها بحشد ما يُستحسن من بدائع الأشعار.

والطريقة الثالثة: تصنيفها على أساليب البديع وأدواته اللفظية والمعنوية، وهي طريقة ابتكرها الخليفة العباسي عبد الله بن المعتزّ (ت:296هـ) في أواخر القرن الثالث الهجري، وكان شاعراً أديباً ناقداً حسن المعرفة بالشعر ومعانيه، فألّف كتابه الذي سمّاه "البديع" ثم تتابع التأليفُ على هذه الطريقة حتى كثرت المؤلفات في البديع وتنوّعت.
وقد ذكر في كتابه هذا سبقه إلى التأليف فيه فقال: (وما جمع فنون البديع ولا سبقني إليه أحد وألفته سنة أربع وسبعين ومائتين)ا.ه.

والطريقة الرابعة: نظم أمثلة البديع في قصائد عرفت فيما بعد بالبديعيات، وهي طريقة ابتدأها يحيى بن عبد المعطي الزواوي (ت:628هـ) المعروف بابن معطي، وهو صاحب أوّل ألفية في النحو، ثمّ نظم على منواله علي بن عثمان الإربلّي(670هـ) فزاد في أنواع البديع، ثمّ ابتكر صفيّ الدين الحلّي(ت:750هـ) بديعية عارض بها بردة البوصيري (ت:696هـ) وضمّنها أنواعاً كثيرة من البديع، ثمّ كثرت البديعيات بعده.

المؤلفات المفردة في البديع:
المؤلّفات المفردة في البديع كثيرة، ومن أشهرها:
1. البديع، لعبد الله بن المعتزّ بن المتوكّل بن المعتصم بالله العباسي (ت:296هـ)، وقد جعل كتابه على قسمين:
- قسم اشتمل على خمسة أبواب من البديع وهي: الاستعارة، والتجنيس، والمطابقة، وردّ العجز على الصدر، وما سمّاه بالمذهب الكلامي تبعاً للجاحظ.
- وقسم سمّاه المحسّنات وذكر من أنواعها: الالتفات والاعتراض، وحسن الابتداء وهو ما يسمّيه المتأخرون براعة الاستهلال، وحسن الخروج من معنى إلى معنى وهو ما يسمّيه المتأخرون حسن التخلّص، وتأكيد المدح بما يشبه الذمّ، وحسن التضمين، والتعريض والكناية، والإفراط في الصفة، وحسن التشبيه، وإعنات الشاعر نفسه وهو ما سمّي فيما بعد بلزوم ما لا يلزم.
وهذه الأنواع منها يتعلّق بالمعاني، ومنها ما يتعلّق بالألفاظ، وقد ذكر لعدد من تلك الأنواع أمثلة من القرآن والحديث وأقوال الصحابة والبلغاء.
وما ذكره في كتابه من الأنواع شامل لفروع علم البلاغة غير مختصة بما اصطلح عليه عند المتأخّرين بالبديع.

2. نقد الشعر، لأبي الفرج قدامة بن جعفر البغدادي (ت:337هـ) وقيل (ت:328هـ)، وكان فيلسوفاً نصرانياً فأسلم على يد المكتفي بالله، وبرع في الأدب ونقد الشعر، وتقدّم في علم المنطق، وقد أدرك ابنَ قتيبة وأبا سعيد السكري والمبرّد وثعلب وطبقتهم، وعمل كاتباً في دواوين الخلافة بدار السلام مدّة طويلة من عمره، وكانت للخلفاء العباسيين عناية ظاهرة بالأدب والشعر، وله كتب كثيرة من أشهرها: "نقد الشعر"، و"جواهر الألفاظ" ، و"الخراج وصناعة الكتابة" وهي مطبوعة، وله كتب أخرى غير مطبوعة - فيما أعلم - منها: "صناعة الجدل" ، و"زهر الربيع" و"نزهة القلوب" و"السياسة" و"الرد على ابن المعتز فيما عاب به أبا تمام".
وقد ذكر قدامة بن جعفر في كتابه "نقد الشعر" أنواعاً من البديع لم يذكرها ابن المعتزّ، ومما زاده: الترصيع، والتتميم، والتكافؤ، وصحة التقسيم، وصحة المقابلة، وغيرها.
وكثير من هذه التسميات جارية مجرى الاصطلاح الذي قد لا يتبيّن معناه إلا بالوقوف على شرحه ومثاله.

3. "حلية المحاضرة"، لأبي علي محمد بن الحسن الحاتمي (ت:388هـ)، وهو كتاب بديع في بابه، يدلّ على عنايته ببديع الشعر وكثرة اشتغاله به، وقد ذكر في كتابه هذا من أنواع البديع ما لم يذكره ابن المعتزّ ولا قدامة بن جعفر، وكان مما زاده: الترديد، والتسهيم، والتتبيع، والتبليغ، والاستطراد، والحشو البديع، وغيرها.

4. "كتاب الصناعتين"، لأبي هلال الحسن بن عبد الله بن سهل العسكري (ت: بعد 395هـ)، وأراد بالصناعتين صناعة الكتابة وصناعة الشعر، واشتمل كتابه على عشرة أبواب في علم البلاغة، وأفرد منها باباً في البديع ذكر منه خمسة وثلاثين نوعاً.
وأبو هلال العسكري معتزليّ متفنّن في العلوم إلا أنّ العناية بالشعر غلبت عليه.

5. "العمدة في محاسن الشعر وآدابه"، لأبي علي الحسن بن رشيق القيرواني الأزدي (ت: 463 هـ) وقد ذكر في كتابه هذا أنواعاً كثيرة من البديع.

6. "البديع في نقد الشعر"، للأمير أبي المظفّر أسامة بن مرشد ابن منقذ الشيزري(ت:584هـ) ، وكان شاعراً أديباً حسن الذوق والمعرفة بالشعر، ذكر عن نفسه أنه يحفظ عشرين ألف بيت من الشعر الجاهلي، وكان من أمراء الحرب في زمانه قاد الحملات ضدّ الصليبيين، وقاتل قتال الأبطال، وله أخبار مأثورة، ووقائع مذكورة، وأشعار مستحسنة، واختيارات مستعذبة، وكتب كثيرة من أشهرها: "المنازل والديار"، و"لباب الآداب"، و"العصا"، و"البديع في نقد الشعر"، وهي كتب مطبوعة، وله غيرها مما لم يطبع.
وقد ذكر في كتابه هذا من أنواع البديع ما لم يُذكر في الكتب قبله، وكان حسن الانتقاء للأمثلة والشواهد، بصيراً بلطائف المعاني ومآخذ الشعراء وعلل الاختيار، على أنّ ابن أبي الإصبع المصري قد انتقده انتقاداً شديداً.

7. "المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر"، لأبي الفتح نصر الله بن محمد ابن الأثير الجزري الموصلي(ت: 637هـ)، وكان وزيراً كاتباً، وله كتب أخرى في الترسّل والكتابة ونقد الشعر، وقد اشتهر كتابه "المثل السائر" شهرة كبيرة، وذكر فيه أنواعاً كثيرة من البديع.

8. "تحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر وبيان إعجاز القرآن"، لأبي محمد عبد العظيم بن عبد الواحد ابن أبي الإصبع المصري(ت:654هـ)، وكتابه هذا من أجلّ كتب البديع وأجمعها، وقد قال في مقدّمته: (ولقد وقفت من هذا العلم على أربعين كتاباً منها ما هو منفرد به، وما هذا العلم أو بعضه داخل في بعضه)ا.هـ.
وقد عني بهذا العلم عناية بالغة حتى جعله وظيفة عمره، وذكر في مقدّمة كتابه أنه جمع فيه ستين نوعاً من أنواع البديع أضافها إلى الثلاثين المتحصّلة من جمع ابن المعتزّ وقدامة بن جعفر؛ فصار مجموع أنواع البديع في كتابه هذا تسعين نوعاً، شرحها ومثّل لها، وحرّر كتابه وحبّره؛ فكان من أجمع كتب البديع وأنفعها، غير أنّ ما ذكره من أنواع البديع منه ما هو معدود من علم البيان، ومنه ما هو معدود من علم المعاني، ولم يشتهر فصل "علم البديع" عنهما إلا بعده بزمن؛ إذ قصره المتأخرون على المحسّنات المعنوية واللفظية.
ثمّ إنّ ابن أبي الإصبع لم يزل مشتغلاً بالبديع مدة طويلة من عمره في شبيبته ومشيبه، وذكر أنه ذاكر به عقلاء العلماء، وأذكياء الفضلاء، ونبلاء البلغاء، وكلّ من له عناية بتدبّر القرآن.
وذكر في مقدّمة كتابه "بديع القرآن" أنه تحصّل له مما جمع ممن تقدّمه خمسة وستون نوعاً، واستنبط هو واحداً وثلاثين نوعاً؛ فبلغ المجموع مائة وستة وعشرين نوعاً من أنواع البديع، ثمّ أفرد ما يختص بالقرآن منها فكان مائة نوع وثمانية أنواع.
قال: (فاستنبطت واحداً وثلاثين باباً لم أُسبق في غلبة ظنّي إلى شيء منها، إلا أن يوجد في زوايا الكتب شيء من ذلك لم أقف عليه؛ فأكون أنا ومن سبقني متواردين عليه، وما إخال ذلك إن شاء الله تعالى)ا.ه.
قال صفيّ الدين الحلّي: (سُلّم له منها عشرون، وباقيها مسبوق إليه أو متداخل عليه، وكتابه المسمّى "التحرير" أصحّ كتاب أُلّف في هذا العلم لأنّه لم يتّكل على النقل دون النقد)ا.هـ.

وتعداد الأنواع التي ذكرها يطول، وكثير منه يحتاج إلى شرح وتمثيل.
ولابن أبي الإصبع عناية ظاهرة بالبديع ولطائف معاني القرآن، وله كتاب لم يطبع فيما أعلم سمّاه "الخواطر السوانح في كشف أسرار الفواتح" أي فواتح القرآن، وقد لخّصه السيوطي في "الإتقان" وفي "معترك الأقران في إعجاز القرآن".
وله أبيات حسنة في وصف بديع القرآن من قصيدة له في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها قوله:
وآيته العظمى بلاغة ما به .. أتى من كتابٍ فضله ليس يُجحد
تفرّد في عصر البيان بيانه .. بأسلوبه إذ نظمه متفرّد
وفي نظمه بعد الغرابة معجز .. محاسنه لم تنحصر فتُحدّد
هدى الناسَ منه للبديع بديعُه .. فصاغوا حُليّ القول منه وقلّدوا
بمعنى يزين المرءُ منه كلامه .. فيحلو بأسماع الورى حين يُورَدُ
ويُضحي لما يأتي به أيّ رونق .. يُعظّمه المصغي له ويُمجّد
وجاء سَليماً نظمُه من معايب .. بلا سقطة فيه لمن يتفقّدُ

9. الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز، للمؤيد باللَّه يحيى بن حمزة العلويّ (ت: 745هـ)، وقد ضمّنه أنواعاً كثيرة من البديع.

10. "زهر الربيع في شواهد البديع"، لمحمد بن قرقماس بن عبد الله الناصري(ت:882هـ)، وهو كتاب لطيف ذكر فيه ثلاثة وأربعين باباً من أبواب البديع، ومثّل لها بأمثلة من نظمه.

11. القول البديع في علم البديع، لزين الدين مرعي بن يوسف الكرمي الحنبلي (ت:1033هـ) من فقهاء الحنابلة المعروفين، وله كتاب "دليل الطالب" تخرّج به جماعة من الفقهاء.

فهذه أشهر الكتب في البديع، وأكثرها في بديع الشعر، ومنهم من يمثّل لبعض الأوجه من الآيات والأحاديث وأقوال الفصحاء.

ولبعض مَن كتب في علوم البلاغة عناية بذكر أنواع البديع على تفاوت بينهم في ذلك، فذكر بعضَ أنواعه عبد القاهر الجرجاني(ت:471هـ) في كتابه أسرار البلاغة من غير أن يميّزه بقسم.
ثم أتى بعده أبو يعقوب يوسف بن أبي بكر السكاكي(ت:626هـ) وهو تلميذ الحاتمي صاحب "حلية المحاضرة" ، فألّف كتابه "مفتاح العلوم"، وحصر فيه البلاغة في علمي المعاني والبيان إلا أنّه ألحق بهما محلقاً في الفصاحة والمحسنات المعنوية واللفظية؛ وذكر منها تسعة وعشرين نوعاً استمدها من كتاب "نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز" للفخر الرازي؛ فكان هذا الفصل ممهّداً لتقسيم علوم البلاغة إلى ثلاثة أقسام: المعاني والبيان والبديع.
ثمّ أتى بدر الدين محمد بن محمد بن عبد الله ابن مالك الطَّائي الأندلسي (ت: 686هـ) ، المعروف بابن الناظم، وهو ابن صاحب الألفية المشهورة في النحو؛ فألّف كتابه "المصباح في المعاني والبيان والبديع"، فكان أوّلَ من عُرف أنّه صرّح بجعل علم البديع قسيماً لعلمي المعاني والبيان، ثم اشتهر هذا التقسيم في كتب البلاغة.

البديعيات
البديعيات جمع بديعية، وهي القصيدة المرصّعة بأنواع البديع.
وكان الشعراء المحدثون في القرن الثاني والثالث والرابع على تنافسهم في البديع وأنواعه لم يُعرف عنهم أنهم تصدّوا لنظم أنواع البديع بأمثلتها في قصائد مقصدها التعريف بأنواع البديع، وإنما كان الذي فشا فيهم الإكثار من البديع في تحلية قصائدهم التي لها مقاصد أخرى، حتى أتى يحيى بن عبد المعطي الزواوي (ت:628هـ) فنظم أنواع البديع وشواهده في منظومة سمّاها "البديع في علم البديع" قال في مطلعها:
يقول ابن معطٍ قلت لا متعاطياً .. مقالة من يرجو الرضا والتعاطيا
أتيت بأبيات البديع شواهداً .. أضمّ إليها في نظيمي الأساميا
- ثمّ نظم أمين الدين علي بن عثمان السليماني الإربلّي(670هـ) قصيدة من ستة وثلاثين بيتا ضمّنها أنواعاً من البديع، قال في مطلعها:
بعضَ هذا الدّلال والإدلال ... حالي الهجر والتّجنّب حالي
حرت إذ حزت رَبع قلبي وإذْ لا ... لي صبر أكثرت من إذلالي

- ثمّ ابتكر صفيّ الدين عبد العزيز بن سرايا الطائي الحلّي(ت:750هـ) بديعية في المديح النبوي عارض بها بردة البوصيري (ت:696هـ) سمّاها "الكافية البديعية في علوم البلاغة ومحاسن البديع" ، وهي مائة وخمسة وأربعون بيتاً تشتمل على مائة وواحد وخمسين نوعاً من أنواع البديع، ومطلعها:
إن جئت سلعا فسل عن جيرة العلم .. واقرا السلام على عُرْب بذي سلم
وشَرَحَ بديعيته هذه في كتاب طبعه مجمع اللغة العربية بدمشق.
وهي قصيدة فيها فوائد بديعية إلا أنه شانها بالغلو في المدح فلذلك ينبغي أن يحذر مما فيها من مجاوزة الحدّ في مدح النبي صلى الله عليه وسلم.
وبديعية الحلّي شاعت وذاعت في عصره وبعد عصره وعارضها جماعات من الشعراء حتى جاوزوا المائة، ومنهم من زاد عليه في أنواع البديع.
ومن أشهر ما عورضت به بديعية الحلّي:
1. بديعية ابن جابر، وهو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن علي بن جابر الأندلسي، وتعرف أيضاً ببديعية الأعمى ، لأنه كان كفيف البصر، وقد سمّاها "الحلة السيرا في مدح خير الورى"، وهي معدودة من أجود البديعيات نظماً حتى فضّلها بعضهم على بديعية الحلّي، ومما قال فيها:
عُج بي عَلَيهِم فَعُجبي مِن جَفاءِ فَتىً ** جازَ الدِّيارَ وَلَم يُلمِم بِرَبعِهِمِ
دَع عَنكَ سَلمى وَسَل ما بِالعَقيق جَرى ** وَأُمَّ سَلعاً وَسَل عَن أَهلِهِ القُدُمِ
وكان له صديق كالأخ أو هو أقرب من حسن ملازمته له في أسفاره ورحلاته، وقيامه بشؤونه، ومؤانسته له، اسمه أحمد بن يوسف الرعيني الأندلسي(ت779هـ)، فاصطحبا في رحلاتهما من الأندلس إلى الشام مروراً بمصر يسمعان القراءات والحديث ويدرسان النحو وعلوم العربية، حتى عُرفا بالأعمى والبصير، وكان ابن يوسف أديباً ناقداً ، فشرح بديعية صديقه في كتاب حافل سمّاه "طراز الحلة وشفاء الغلة"، وهو مطبوع
ولم يتفرَّقا حتى تزوّج ابنُ جابر بعد استقراره في حلب، فغادرها ابن يوسف ومات قبله بسنة.

2. بديعية عز الدين علي بن الحسين الموصلي (ت:789هـ) ، وسمّاها: "التوصل بالبديع إلى التوسل بالشفيع"، والتزم فيها أن يودع كل بيت اسم النوع البديعي الذي فيه، بالتورية أو الاستخدام أو التنبيه، لكنّه أنهك بهذا الالتزام قصيدته وأذهب رونقها، ومطلعها:
براعة تستهل الدمع في العلم … عبارة عن نداء المفرد العلم

3. بديعية شهاب الدين أحمد العطار (ت: 794هـ) ، سمّاها، "الفتح الإلّي في مطارحة الحلّي".
4. بديعيَّة عيسى بن حجاج بن عيسى بن شداد السعدي (ت:807هـ) ، وهي رائية، شرحها مجد الدين إسماعيل الحنفي شيخ الحافظ السخاوي.
5. بديعيات زين الدين شعبان بن محمد بن داوود الآثاري الموصلي (ت:828هـ)، وهي ثلاث بديعيات: كبرى ووسطى وصغرى.
6. بديعية أبي بكر علي بن حجة الحموي (ت: 837هـ) ، و"سماها "تقديم أبي بكر" ، وشرحها شرحاً حافلاً في كتاب سمّاه "خزانة الأدب وغاية الأرب"، وهو مطبوع.
7. بديعية جلال الدين السيوطي (ت:911هـ) ، وقد سماها "نظم البديع في مدح خير شفيع"

8. بديعية عائشة بنت يوسف الباعونية (ت: 923هـ) ، وقد شرحت بديعيتها في كتاب سمّته "الفتح المبين في مدح الأمين".

9. بديعية الحميدي، وهو عبد الرحمن بن أحمد بن علي الحميدي (ت:1005هـ ) ، وسماها: "فتح البديع بشرح تمليح البديع بمدح الشفيع"

10.بديعية ابن معصوم، وهو علي بن أحمد بن محمد ابن معصوم الهندي (ت:1119هـ)، وقد اشتملت على مائتي نوع من البديع، وله شرح حافل عليها سماه "أنوار الربيع في أنواع البديع"، وهو مطبوع.

فهذه عشر بديعيات، وأكثرها لها شروح مطبوعة، وأقرب فوائدها التعريف بأنواع البديع بالشرح والتمثيل، وأما نظم عامة تلك البديعيات فهو منتقد عند أهل البلاغة من جهة ضعف صنعة الشعر فيها وكثرة إنهاك الأبيات بتكلّف البديع، وكون الألفاظ قائدة للمعاني على عكس غاية البيان، وقد يُنتخب من بعض تلك البديعيات أبيات حسنة قليلة في جنب كثير لا يستساغ، مع ما في بعضها من الغلوّ في المدح إلى درجة وصف النبي صلى الله عليه وسلم ببعض خصائص الربوبية، وسؤاله الحاجات، وهذا من الشرك الأكبر والعياذ بالله.

فائدة علم البديع للمفسّر
ينبغي أن يكون للمفسّر نصيب وافرٌ من علوم البلاغة، ومنها علم البديع، وهو من العلوم التي لا يحاط بها لتفاضل القرائح والفهوم في إدراك أنواعه وأمثلته، ولذلك لم يزل العلماء يزيد بعضهم على بعض فيها؛ حتى إنّ ابن أبي الإصبع لما بلغ مائة وعشرين نوعاً أمسك الفكر عن التوغّل في أنواع البديع، وزاد عليه صفيّ الدين الحلّي ثلاثين نوعاً.
وقال أبو يعقوب السكاكي بعد أن ذكر تسعة وعشرين نوعاً من البديع: (فلك أن تستخرج من هذا القبيل ما شئت، وتلقب كلا من ذلك بما أحببت)ا.هـ.
ولم يزل أهل البديع يزيد بعضهم على بعض في أنواعه حتى أوصلها ابن معصوم إلى مائتي نوع في بديعيته.
وقد يتواردون على أنواع من البديع 
فيختلفون في تسمية بعضها والحقيقة واحدة.

وقد يظهر للناظر الفَطِن من أنواع البديع ما لا يجده في كتب البديع، على أنّي أوصي المفسّر بأن يأخذ من أنواع البديع بما ظهر نفعه وتيسّر فهمه، وأن لا يتوغّل فيه توغّل المتكلّفين.
وليكن غرض المفسّر منه ما يعينه على استخراج الأوجه التفسيرية والمعاني اللطيفة، لأنّ علم البديع إذا أوتي الناظرُ فيه حسنَ ذوق، ولطافة ذهن، وقدرة على الاستخراج والتبيين توصّل به إلى أوجه بديعة في التفسير قد لا يتفطّن لها كثير من الناس، فتفيده في التدبّر واستحضار معاني الآيات ولوازم المعاني.

وسأضرب أمثلة بعون الله تعالى على نوعين من أنواع البديع تبيّن فائدة هذا العلم للمفسّر:
النوع الأول: الاحتباك ، وهو افتعال من الحبك ، وهو شدّة الإحكام في حسن وبهاء، وكلّ ما أُجيد عمله فهو: محبوك، وتقول العرب: فرس محبوكة إذا كانت تامّة الخلق شديدة الأسر، ومنه يقال: لشدّ الإزار وإحكامه: الاحتباك.
والمراد بالاحتباك عند أهل البديع أن يقابَل بين جملتين مقابلة غير متطابقة؛ فيحذف من الجملة الأولى ما يقابل الثانية، ويحذف من الثانية ما يقابل الأولى، فتدلّ بما ذكرت على ما حذفت، ويحتبك اللفظ والمعنى بإيجاز بديع.
ولذلك سمّاه بدر الدين الزركشي(ت:795هـ) "الحذف المقابلي"، وهو من أجود أنواع البديع المعنوي، وله أمثلة كثيرة في القرآن:
منها: قول الله تعالى: {أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} ، فدلّ على الاحتباكِ في هذهِ الآيةِ المقابلةُ بين جزاء وحال، والمتبادر إلى الذهن أن يُقابَل بين جزاء وجزاء ، وأن يقابل بين حال وحال؛ فالخروج عن المتبادر لا يكون إلا لفائدة بلاغية؛ فكان تقدير الكلام على هذا المعنى: أفمن يأتي خائفاً يوم القيامة ويلقى في النار خير أمّ من يأتي آمناً ويدخل الجنّة.

والناظر في أمثلة الاحتباك التي يذكرها بعض المفسّرين وأهل البديع يتبيّن له إمكان تقسيم الاحتباك إلى درجتين:
- احتباك ثنائي التركيب، ومثاله ما تقدّم.
- واحتباك ثلاثي التركيب، وهو بديع جداً، ومن أمثلته قول الله تعالى في سورة الفاتحة: {صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين}
ففي هذه الآية نوع عزيز من أنواع الاحتباك أشار إليه ابن عاشور رحمه الله.
وشَرْحُ كلامه: أنّ التقابلَ في هذه الآية ثلاثي التركيب ففيه:
1. مقابلة بين الإنعام والحرمان.
2. ومقابلة بين الرضا والغضب.
3. ومقابلة بين الهدى والضلال.
وتقدير الكلام بما يتّضح به هذا المعنى: {اهدنا الصراط المستقيم . صراط الذين أنعمت عليهم} فهديتَهم ورضيت عنهم {غير المغضوب عليهم} الذين حرموا نعمتك وضلّوا، {ولا الضالّين} الذين حرموا نعمتك وغضبت عليهم.

وقد اعتنى بهذا النوع جماعة من العلماء كبدر الدين الزركشي في كتابه البرهان في علوم القرآن، وبرهان الدين البقاعي في "نظم الدرر"، وجلال الدين السيوطي في "التحبير" و"الإتقان" و"معترك الأقران"، والألوسي في "روح المعاني"، وابن عاشور في "التحرير والتنوير"؛ وأفرده البقاعي بمؤلّف سمّاه "الإدراك لفنّ الاحتباك"، وأُفردت فيه رسائل علمية في هذا العصر.

النوع الثاني: حسن التقسيم، ويسميه بعض أهل البديع صحة التقسيم، وهو على نوعين: لفظي ومعنوي وقد يجتمعان.
فالتقسيم اللفظي: تقسيم الكلام إلى جمل يسيرة متسّقة متآلفة.
ومنه قوله تعالى: { إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14)}.
ومن أمثلة هذا النوع في الشعر قول الخنساء في رثاء أخيها صخر:
حَمّالُ ألوِيَةٍ هَبّاطُ أودِيَةٍ .. شَهّادُ أنْدِيَةٍ للجَيشِ جَرّارُ
وهذا البيت فيه مع التقسيم اللفظي بديع لفظي آخر وهو الترصيع.

والتقسيم المعنوي: هو استيفاء أقسام المُقسَّم نصّاً أو تنبيهاً، وهو كثير جداً في القرآن الكريم.
ومن أمثلته قول الله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32)}
فإنّه استوفى ذكر أقسام أمّة الاستجابة فجعلها على ثلاثة أقسام:
1. المحسنين.
2. والمقتصدين .
3. وظالمي أنفسهم، وهم الذين لديهم أصل الإيمان لكنّهم مقترفون لذنوب لم يتوبوا منها.
ولا تخرج أقسام أتباع الرسل عن هذه الأقسام الثلاثة، ولكلّ قسم حظّه من الاصطفاء بقدر حظّه من الاستجابة.

ومن أمثلته أيضاً: قول الله تعالى: { الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ}
فاستوفت الآية أقسام حالات العبد.

والتقسيم له أصل في النصوص، ومن دلائله حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: {الحمد لله رب العالمين}، قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: {الرحمن الرحيم} ، قال الله تعالى: أثنى علي عبدي، وإذا قال: {مالك يوم الدين}، قال: مجدني عبدي؛ فإذا قال: {إياك نعبد وإياك نستعين} قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: {اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل). رواه مسلم في صحيحه.
فهذا الحديث نصّ على التقسيم، وهو تقسيم معنوي جليل القدر.
قال ابن عاشور: (في هذا الحديث تنبيه على ما في نظم فاتحة الكتاب من خصوصية التقسيم إذ قسم الفاتحة ثلاثة أقسام. وحسن التقسيم من المحسنات البديعية).ا.هـ.

ومما ينبغي أن يُعلم أنّ التقسيم المعنوي منه ظاهر وخفيّ.
- فالتقسيم الظاهر ما تقدّمت أمثلته، وهو ما ذُكرت أقسامه نصّا أو كان التنبيه فيه على ما حذف ظاهراً.
- والتقسيم الخفيّ ما احتيج فيه إلى استنباط واستخراج، وله دلائل تدلّ عليه، وهو باب عظيم من أبواب تدبّر القرآن، وأمثلته في القرآن كثيرة جداً، يتفاضل العلماء في استخراجها، وإدراك موارد التقسيم فيها.
ومن أكثر من رأيت له عناية بهذا الباب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ فله براعة ظاهرة في استخراج هذا الأنواع، والكشف عن موارد التقسيم وبيانها، إلا أنّ كلامه في بعض المواضع كالتنبيه وفتح الباب للمتأمّل حتى يدرك ما وراء عبارته.
ومن ذلك قوله في رسالة "أمراض القلوب وشفائها": (العلم النافع هو أصل الهدى، والعمل بالحق هو الرشاد، وضد الأول هو الضلال، وضد الثاني هو الغيّ، والضلال: العمل بغير علم، والغي: اتباع الهوى، قال تعالى: {والنجم إذا هوى . ما ضل صاحبكم وما غوى} فلا ينال الهدى إلا بالعلم ولا ينال الرشاد إلا بالصبر )ا.هـ.
فهذا الكلام يُستفاد منه التنبّه لما في الآية من تقسيم معنويّ خفيّ، وقد بيّن مورد التقسيم، وهو العلم والعمل، وهذا المورد أصل لكثير من التقسيمات المعنوية في القرآن الكريم.
فقوله تعالى: {ما ضلّ صاحبكم وما غوى} فيه استيفاء الردّ على الإيرادات المحتملة لمنكري خبره صلى الله عليه وسلم عن المعراج.
فقوله: {ما ضلّ} ينفي عنه القول بغير علم.
وقوله: {وما غوى} ينفي عنه إرادة الإخبار بخلاف الحقّ الذي يعلمه.
فإذا كان ما يعلمه حقاً، وأخبر بهذا الحقّ؛ فلا بدّ أن يكون كلامه حقّاً؛ فقامت الحجّة بصدقه؛ لأنّ الحقّ لا يتخلّف عن الخبر إلا بأحد أمرين:

  • أن يكون المُخبر غير عارف بالحقّ، وهذا هو الضلال.

  • أو أن يكون عارفاً به لكن لا يريد الإخبار به، وهذا هو الغيّ.

فاستوفى بهذا التقسيم الحجّة على صدق خبره صلّى الله عليه وسلم.
وزادهم بيانا بذكره بلفظ {صاحبكم} للإشارة إلى أنّكم تعرفون صدقه، وعقله، ورشده، وأنه ليس بالمتّهم عندكم، وقد لبث فيكم عمراً تدعونه الصادق الأمين؛ فهو صاحبكم الذي تعرفونه، وما ضلّ ، وما غوى.

- ونظير هذا قوله تعالى: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين وكفى بربك هاديا ونصيرا}
فجمع الله تعالى في هذه الآية التكفّل بما يحتاجه الداعي إليه، وهما يرجعان إلى أمرين: الهداية والنصر؛ فبالهداية يعرف الحقّ من الباطل، ويسير على الصراط المستقيم، وبالنصر يعان على عدوّه ويتمّ له مقصده، وتحسن عاقبته.
وتقديم الهداية على النصر في هذه الآية من باب تقديم العلم على العمل، لأن الهداية من ثمرات العلم، والنصر من ثواب العمل.

  • ومن ألطف الأمثلة على التقسيم المعنوي قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159)}

  • فجمع الله في هذه الآية أصلي علم السلوك، وهما: البيّنات والهدى، وحاجة الناس إليهما ماسّة، بل هي أشدّ من حاجتهم إلى الطعام والشراب، لأنّه لا نجاة من العذاب ولا طمع في الثواب إلا بهما؛ فمن كتمهما كان أقبح وأضرّ ممن يمنع الطعام والشراب مع تيسّره.

  • وكتمان البينات يكون بإخفاء الحقّ ولبسه بالباطل، وتضليل الناس، وصدّهم عن الحق.

  • وكتمان الهدى يكون بترك العمل بالحقّ.

فلا يعرف الناس حقاً يتبيّنون به الصواب من الخطأ، ولا يرون قدوة يأتسون بها، ويبصرون صلاح حالها؛ فيقع الناس في عمياء بين دعاة فتنة يضلّونهم، أو علماء سوء تدعوهم ألسنتهم إلى الحق، وتدعوهم أفعالهم إلى الباطل.
ولذلك كانت هذه الآية من أشدّ الآيات على العلماء لأنّهم يدركون أنّه لا نجاة لهم إلا بالعلم والعمل؛ فبالعلم الصحيح يتحقّق التبيّن ويُعرف الحقّ من الباطل، وبالعمل بهذا العلم يتحقّق الهدى؛ فإنّ العالم لا يكون مهتدياً حتى يعمل بعلمه.
فرجع مورد التقسيم إلى أصلي العلم والعمل.
والأمثلة على هذا النوع كثيرة جداً، والموفّق اللبيب يستخرج بهذا النوع علماً غزيراً مباركاً، ولو أُفرد فيه مؤلَّف لكان مجلداً كبيراً.



والمقصود في هذا المقام التنبيه إلى فائدة علم البديع للمفسّر، وذكر بعض الأمثلة الموضّحة لفائدته من غير تطويل.