الدروس
course cover
الدرس الخامس: جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه
19 Oct 2016
19 Oct 2016

11234

0

0

course cover
جمع القرآن

القسم الثاني

الدرس الخامس: جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه
19 Oct 2016
19 Oct 2016

19 Oct 2016

11234

0

0


0

0

0

0

0

جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه


كان جمع أبي بكر الصديق رضي الله عنه للقرآن في مصحف واحد رحمةً للأمّة، وسبباً لحفظ القرآن، ورفعة عظيمة لأبي بكر رضي الله عنه.

- قال عبد خير بن يزيد الهمداني: سألت عليا رضي الله عنه عن أوَّل مَن جمع القرآن في المصحف؛ فكان أوَّلَ ما استقبلني به قال: (رحم الله أبا بكر! كان أعظم الناس أجراً في القرآن، هو أول من جمعه بين اللوحين). رواه أبو نعيم في معرفة الصحابة، وابن أبي داوود في المصاحف.

ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه والقطيعي في زياداته على فضائل الصحابة للإمام أحمد بلفظ مقارب.

قال ابن كثير رحمه الله: (وهذا من أحسنِ وأجلِّ وأعظمِ ما فعله الصديق رضي الله عنه).

- وروى البخاري في صحيحه من طريق ابن شهاب الزهري، عن عبيد بن السباق، أن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: (أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده.

قال أبو بكر رضي الله عنه: « إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء بالمواطن، فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن».

قلتُ لعمر: كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

قال عمر: «هذا والله خير» فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر.

قال زيد: قال أبو بكر: « إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه »

فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن.

قلت: كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

قال: « هو والله خير »

فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للَّذي شرَحَ له صدرَ أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.

فتتبعت القرآن أجمعه من العُسُبِ واللخافِ وصدور الرجال، حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع أحد غيره {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم} حتى خاتمة براءة، فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر رضي الله عنه).


أسباب جمع أبي بكر رضي الله عنه للقرآن:

مما يُستخلص من الأثر السابق أن جمع أبي بكر رضي الله عنه للقرآن كان بإشارة من عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما رأى كثرة من قُتِل من القراء في وقعة اليمامة، وقد انقطع الوحي وزال السبب المانع من جمعه في مصحف واحد.

وقد روى ابن أبي داوود في كتاب "المصاحف" من طريق المبارك بن فضالة عن الحسن (أن عمر بن الخطاب سألَ عن آيةٍ من كتاب الله؛ فقيل كانت مع فلان فقُتِل يوم اليمامة؛ فقال: «إنا لله » ، وأمر بالقرآن فجُمِع، وكان أوَّلَ من جمعه في المصحف).

وهو منقطع لأن الحسن لم يدرك السماع من عمر، وهو محمول على أنّه أوّل من أشار بجمعه.

وقد اختلف في عدد القراء الذين قتلوا يوم اليمامة؛ فذكر ابن كثير أنهم نحو خمسمائة، وقيل أكثر من ذلك.

وقد روى البخاري في صحيحه من حديث معاذ بن هشام الدستوائي قال: حدثني أبي، عن قتادة قال: (ما نعلم حيّاً من أحياء العرب أكثر شهيداً أعزَّ يوم القيامة من الأنصار)

قال قتادة: وحدثنا أنس بن مالك أنه قُتِلَ منهم يوم أحد سبعون، ويوم بئر معونة سبعون، ويوم اليمامة سبعون، قال: « وكان بئر معونة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويوم اليمامة على عهد أبي بكر، يوم مسيلمة الكذاب ».

فهذا فيه أنَّ قتلى الأنصار يوم اليمامة سبعون، فإذا أضيف إليهم قتلى المهاجرين، ومن أسلم بعد الفتح من قبائل العرب؛ ربما قاربوا هذا العدد.

وقد روى أهل السير أن القراء قاتلوا يوم اليمامة قتال الأبطال وثبتوا ثباتاً عظيماً بعدما انكشف الناس، وكان عدّتهم بعد انكشاف عامة الجيش نحو ثلاثة آلاف، وعدة أصحاب مسيلمة أضعاف عددهم؛ فثبتوا واستبسلوا حتى فتح الله عليهم ونصرهم.

روى أنس بن مالك أن ثابت بن قيس جاء يوم اليمامة وقد تحنَّطَ ولبس أكفانه، وقد انهزم أصحابه، وقال: (اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء، وأعتذر إليك مما صنع هؤلاء، فبئس ما عوَّدتم أقرانكم، خلُّوا بيننا وبين أقراننا ساعة، ثم حَمَل فقاتل ساعة فقُتل). رواه الحاكم في المستدرك وأصله في صحيح البخاري مختصراً.

قال ابن عبد البر في الاستيعاب: قالَ أنس بن مالك: (لما انكشف الناس يوم اليمامة قلت لثابت بن قيس ابن شماس: ألا ترى يا عمّ، ووجدته قد حسر عن فخذيه وهو يتحنط، فقال: « ما هكذا كنا نقاتل مع رسول الله صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، بئس ما عودتم أقرانكم. وبئس ما عودتم أنفسكم، اللَّهمّ إني أبرأ إليك مما يصنع هؤلاء » ثم قاتل حتى قُتل رضي الله عنه).

وكان من أشهر الذين قتلوا يوم اليمامة من القرّاء: سالم مولى أبي حذيفة، وكان من كبار حملة القرآن، وممن أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بأخذ القرآن عنهم، وكان يؤمّ المسلمين في المدينة قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إليها.

وقُتِلَ معه يوم اليمامة: مولاه أبو حذيفة بن عتبة، وثابت بن قيس بن شماس، وشجاع بن أبي وهب الأسدي وهو من السابقين الأولين إلى الإسلام ممن هاجر إلى الحبشة وشهد بدراً والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعبد الله بن مخرمة العامري كذلك، وعباد بن بشر الأنصاري، وأبو دجانة سماك بن خرشة بن لوذان الخزرجي الأنصاري، وابن عمّه سعد بن حارثة بن لوذان، وعبد الله بن عتيك الأنصاري، وأبو مرثد الغنوي، وأبو عقيل البلوي، ومخرمة بن شريح الحضرمي، وبشير بن سعد أبو النعمان، ومعن بن عدي ابن العجلان أخو عاصم حَمِيّ الدبر، ويزيد بن ثابت الأنصاري أخو زيد بن ثابت، وعبد الله بن سهيل بن عمرو، وعبد الله بن عبد الله بن أبيّ بن سلول، وإياس بن ودفة من بني سالم بن عوف، وثابت بن هزال من بني عمرو بن عوف، وثابت بن خالد من بني النجار، والحارث بن أبي صعصعة من بني النجار، وزيد بن الخطاب العدوي أخو عمر، والسائب بن العوام الأسدي أخو الزبير، وجنادة بن عبد الله المطّلبي، وجبير بن بحينة الأنصاري، ورافع بن سهل بن رافع الأنصاري، وجرول بن العباس الأوسي، وجَزْء بن العباس حليف بني جحجبى، وحاجب بن يزيد الأشهلي، وحبيب بن أسيد الثقفي، وحييّ بن حارثة الثقفي، وحكيم بن حزن المخزومي عمّ سعيد بن المسيّب بن حزن، وقيس بن الحارث بن عديّ الأنصاري عمّ البراء بن عازب، والسائب بن عثمان بن مظعون، والوليد بن عبد شمس المخزومي ابن عمّ خالد بن الوليد، وسعد بن حمار بن مالك الأنصاري، وسلمة بن مسعود بن سنان الأنصاري، وسهيل بن عديّ الأزدي، وعامر بن بكيل الليثي، وعباد بن الحارث ابن جحجبى المعروف بفارس ذي الخرق، وضمرة بن عياض الجهني، وضرار بن الأزور الأسدي وقد ذُكر أنه قاتل قتالاً شديداً حتى قطعت ساقاه كلتاهما؛ فجعل يحبو ويقاتل حتى وطئته الخيل.

وتَتَبُّعُ أسمائهم يطول به المقام، وهؤلاء أكثرهم بدريون من أفاضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجنوده الذين كانوا يقاتلون معه، ومنهم من شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنهم من أصحاب بيعة الرضوان، وعامّتهم من القرّاء، وكانوا كتيبةَ صِدْقٍ ثبتوا حتى نصرهم الله على عدوّهم، وأعزّ بهم الدين.

وذكر ابن عبد البرّ في الاستيعاب عن نافع عن ابن عمر أن زيد بن ثابت شهد وقعة اليمامة وأصابه سهم فلم يضرّه.

وكثيرٌ من هؤلاء إنما لم يشتهر ذكرهم في القرَّاء لتقدّم وفاتهم، وقلّة الرواية عنهم، مع أنَّ لبعضهم من الفضل في القراءة ما ثبتت به بعض الأحاديث الصحيحة ؛ كما صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل سالم مولى أبي حذيفة، وقوله صلى الله عليه وسلم في مخرمة بن شريح: (( ذاك رجل لا يتوسّد القرآن )) أي لا ينام عنه.

ويكفيهم وصف أبي بكر وعمر لهم بالقرَّاء، واشتهار تلقيبهم بذلك لدى الصحابة رضي الله عنهم، وإن كان عددهم غير معروف على وجه التقريب لكنَّهم جماعة كثيرة من القرّاء.


أسباب اختيار زيد بن ثابت لكتابة المصحف:

وكان اختيار أبي بكر رضي الله عنه لزيد بن ثابت دون غيره لكتابة المصحف لأسباب منها:

1. أنه رجل شابّ، وذلك مظنّة قوّته واجتهاده وقدرته على تتبّع القرآن وتحصيل ما كتبه الصحابة رضي الله عنهم وما حفظوه من القرآن.

2. وأنه رجل عاقل، وذلك دليل على رشده وحسن تصرّفه في تعامله مع الرجال واستنساخ ما كتبوه.

3. وأنه أمين غير متّهم، فيُطمئنّ إلى كتابته وجمعه.

4. وأنه كان يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو عارف بطريقة كتابة القرآن، ومات رسول الله صلى الله عليه وسلم راضٍ عن كتابته، وتلك منقبة عظيمة، وهذا السبب أَجَلُّ الأسباب، ولعله إنما أخَّر ذكرَه للبدء بالأسباب المتعلقة بشخصه قبل عمله.

والمتأمّل في هذه الأسباب يدرك حكمة أبي بكر رضي الله عنه في إسناد الأمر إلى أهله، واختيار الرجل الأنسب للمهمّة الجليلة.


كيف كان جمع القرآن في عهد أبي بكر رضي الله عنه؟

دَلَّت الآثار المروية في هذا الباب على أنَّ الذي تولَّى هذا الأمر زيد بن ثابت رضي الله عنه، وأنه كان القائم الأوَّل بأمر الكتابة والجمع بتكليف من أبي بكر رضي الله عنه؛ لكنَّه لم يكن وحده في ذلك الأمر، بل شاركه جماعة من قرّاء الصحابة رضي الله عنهم، فكان تنظيم العمل فيه متقناً، وتعاون قُرَّاءِ الصحابة في جمعه تعاوناً حسناً تحصل الطمأنينة بحجيته وكفايته.

ومن تلك الدلائل:

1- أنَّ الكاتب زيد بن ثابت وهو ممن جمع القرآن حفظاً في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وقد عُرف بذكائه وحفظه وفقهه.

2- وأن أبا بكر كلَّف زيداً وعمر بن الخطاب بالقعود عند باب المسجد، وأمر من كان عنده شيء من القرآن مكتوباً أن يأتي به، وأن يقيم شاهدين على صِحَّةِ ما كتب.

3- وأنَّهم حصّلوا من مجموع ما نَسَخَه الصحابةُ رضي الله عنهم مفرَّقاً نُسْخَةً تامة من القرآن بشهادة رجلين على الأقل في كلِّ آية، مع حفظ الحفاظ منهم للقرآن في صدورهم، وتصديقهم لصحة ما كُتب.

4- وأنَّ أبيَّ بن كعب رضي الله عنه وجماعة من قراء الصحابة كانوا يراجعون المكتوب، ويعرضونه على حفظهم.

5- وأن الصحابة لم يقع بينهم خلاف في جمعهم هذا، وإجماعهم حجّة قاطعة بصواب ما كتبوه.

فهذا الأوجه مما يحصل بها الطمأنينة بصحة ذلك الجمع، وتقوم الحجة به.


ومن الآثار المروية في هذا الباب:

1. ما رواه الزهري عن عبيد بن السباق عن زيد بن ثابت أنه قال: (فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف، وصدور الرجال، حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع أحد غيره، {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم} حتى خاتمة براءة). رواه البخاري في صحيحه.

2. وقال ابن وهب: أخبرني ابن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: لما استحر القتل بالقراء يومئذ فَرَق أبو بكر على القرآن أن يضيعَ فقال لعمر بن الخطاب ولزيد بن ثابت: «اقعدوا على باب المسجد فمن جاءَكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه». رواه ابن أبي داوود في كتاب المصاحف.

3. وقال أبو جعفر الرازي: حدثنا الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبي بن كعب، أنهم جمعوا القرآن في مصاحف في خلافة أبي بكر، فكان رجال يكتبون ويملي عليهم أبي بن كعب، فلما انتهوا إلى هذه الآية من سورة براءة: {ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون}؛ فظنوا أن هذا آخر ما أنزل من القرآن، فقال لهم أبي بن كعب: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأني بعدها آيتين: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم} إلى {وهو رب العرش العظيم}). رواه عبد الله بن الإمام أحمد في مسند أبيه وابن أبي داوود في كتاب المصاحف والضياء في المختارة.

4. وقال ابن شهاب الزهري: (لما أصيب المسلمون باليمامة فزع أبو بكر وخاف أن يهلك من القراء طائفة فأقبل الناس بما كان معهم وعندهم حتى جمع على عهد أبي بكر في الورق فكان أبو بكر أول من جمع القرآن في الصحف). رواه موسى بن عقبة في مغازيه كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في فتح الباري.


وهذه الآثار تدلّ دلالة بيّنة على أنَّ أبا بكر رضي الله عنه قد احتاط في جمع المصحف احتياطاً كبيراً؛ واجتهد في التوثّق من جمعه ومراجعته، وأنَّ زيد بن ثابت رضي الله عنه لم يتفرّد بمراجعة هذا الجمع، بل شاركه فيه بعض قراء الصحابة ومنهم أبيّ بن كعب؛ كما دلّ على ذلك قصة أبي خزيمة الأنصاري رضي الله عنه.


تفسير العُسُبِ واللِّخَافِ والرّقاعِ والأكتافِ والأقتابِ

قال السيوطي: (العُسُب: جمع "عسيب" وهو جريد النخل كانوا يكشطون الخوص ويكتبون في الطرف العريض.

واللخاف: بكسر اللام وبخاء معجمة خفيفة آخره فاء جمع "لخفة" بفتح اللام وسكون الخاء وهي الحجارة الدقاق،

وقال الخطابي: صفائح الحجارة.

والرقاع: جمع "رقعة" وقد تكون من جلد أو رَقٍّ أو كاغد.

والأكتاف: جمع "كَتِف" وهو العظم الذي للبعير أو الشاة كانوا إذا جف كتبوا عليه،

والأقتاب: جمع "قَتَب" هو الخشب الذي يوضع على ظهر البعير ليركب عليه)ا.هـ.


الغرض من جمع أبي بكر

كان الغرض من جمع أبي بكر أن يجمع القرآن كله في مصحف واحد، مع بقاء قراءات الصحابة كلٌّ يقرأ كما عُلّم.

وكانت الآياتُ والسور قبل جمع أبي بكر متفرقة في العسب واللخاف وصدور الرجال، وكانت العمدة على الرواية المحفوظة في الصدور، وإنما جمع المُصحف للتوثيق.

قال الحارث المحاسبي: (كتابة القرآن ليست محدثة فإنه صلَّى الله عليه وسلَّم كان يأمر بكتابته، ولكنه كان مفرقا في الرقاع والأكتاف والعسب).

وقال: (وإنما أمر الصديق بنسخها من مكان إلى مكان، وكان ذلك بمنزلة أوراق وجدت في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها القرآن منتشر فجمعها جامع وربطها بخيط حتى لا يضيع منها شيء)ا.هـ.


موقف الصحابة رضي الله عنهم من جمع أبي بكر الصديق للقرآن:

لم يقع بين الصحابة رضي الله عنهم خلافٌ في جمع أبي بكر للمصحف، وهم متوافرون في المدينة؛ فكان محلّ إجماع.

- قال أبو عبيد القاسم بن سلام: حدثنا عبد الرحمن، عن سفيان، عن السدي، عن عبد خير، عن علي، قال: «رحم الله أبا بكر، كان أول من جمع القرآن».

- وقال يعقوب بن سفيان: حدثنا قبيصة قال: حدثنا سفيان، عن السدي، عن عبد خير قال: سمعت علياً يقول: «أعظم الناس أجرا في المصاحف أبو بكر رحمة الله على أبي بكر هو أول من جمع بين اللوحين» رواه ابن أبي داوود في كتاب "المصاحف" والقطيعي في زياداته على فضائل الصحابة للإمام أحمد.


مصير مصحف أبي بكر:

- قال ابن وهبٍ: أخبرني مالكٌ، عن ابن شهابٍ، عن سالمٍ وخارجة (أنّ أبا بكرٍ الصّدّيق كان جمع القرآن في قراطيس، وكان قد سأل زيد بن ثابتٍ النّظر في ذلك، فأبى حتّى استعان عليه بعمر ففعل، وكانت تلك الكتب عند أبي بكرٍ حتّى توفّي، ثمّ عند عمر حتّى توفّي، ثمّ كانت عند حفصة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ فأرسل إليها عثمان؛ فأبت أن تدفعها إليه حتّى عاهدها ليردّنّها إليها، فبعثت بها إليه؛ فنسخها عثمان في هذه المصاحف، ثمّ ردّها إليها ؛فلم تزل عندها حتّى أرسل مروان فأخذها فحرّقها) رواه ابن أبي داوود في كتاب المصاحف.

- وقال ابن شهاب الزهري: حدثني أنس رضي الله عنه قال: (لما كان مروان أمير المدينة أرسل إلى حفصة يسألها عن المصاحف ليمزّقها وخشي أن يخالف الكتاب بعضه بعضا، فمنعتها إياه).

قال الزهري: فحدثني سالم قال: (لما توفيت حفصة أرسل مروان إلى ابن عمر رضي الله عنهما بعزيمة ليرسلن بها، فساعة رجعوا من جنازة حفصة أرسل بها ابن عمر رضي الله عنهما، فشققها ومزقها مخافة أن يكون في شيء من ذلك خلاف لما نسخ عثمان رضي الله عنه). رواه ابن شبة في تاريخ المدينة، وأبو عبيد في فضائل القرآن، وابن حبان في صحيحه.

قال أبو عبيد: (لم يسمع في شيء من الحديث أن مروان هو الذي مَزَّقَ الصحف إلا في هذا الحديث).

- ورواه ابن أبي داوود في كتاب المصاحف من طريق أبي اليمان قال: أخبرنا شعيب، عن الزهري، أخبرني سالم بن عبد الله: أن مروان كان يرسل إلى حفصة يسألها الصحف التي كتب منها القرآن، فتأبى حفصة أن تعطيه إياها قال سالم: فلما توفيت حفصة ورجعنا من دفنها، أرسل مروان بالعزيمة إلى عبد الله بن عمر ليرسلن إليه بتلك الصحف، فأرسل بها إليه عبد الله بن عمر، فأمر بها مروان فشققت، فقال مروان: «إنما فعلت هذا لأن ما فيها قد كتب وحفظ بالمصحف، فخشيت إن طال بالناس زمان أن يرتاب في شأن هذه الصحف مرتاب، أو يقول إنه قد كان شيء منها لم يكتب».

ورواه عمر بن شبة في تاريخ المدينة من طريق حفص بن عمر الدوري قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر، عن عمارة بن غزية، عن ابن شهاب، عن خارجة بن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: «لما ماتت حفصة أرسل مروان إلى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما بعزيمة، فأعطاه إياها، فغسلها غسلا».


تنبيه:

- قال ابن وهبٍ: أخبرني عمر بن طلحة اللّيثيّ، عن محمّد بن عمرو بن علقمة، عن يحيى بن عبد الرّحمن بن حاطبٍ قال: أراد عمر بن الخطّاب أن يجمع القرآن، فقام في النّاس فقال: (من كان تلقّى من رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم شيئًا من القرآن فليأتنا به، وكانوا كتبوا ذلك في الصّحف والألواح والعسب، وكان لا يقبل من أحدٍ شيئًا حتّى يشهد شهيدان)

فقُتِل وهو يجمع ذلك إليه فقام عثمان بن عفّان فقال: (من كان عنده من كتاب اللّه شيءٌ فليأتنا به وكان لا يقبل من ذلك شيئًا حتّى يشهد عليه شهيدان)

فجاء خزيمة بن ثابتٍ فقال: إنّي قد رأيتكم تركتم آيتين لم تكتبوهما.

قالوا: وما هما؟

قال: تلقّيت من رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: {لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عنتّم حريصٌ عليكم بالمؤمنين رءوفٌ رحيمٌ} إلى آخر السّورة.

قال عثمان: (فأنا أشهد أنّهما من عند اللّه فأين ترى أن نجعلهما؟).

قال: اختم بها آخر ما نزل من القرآن؛ فختُمت بها براءة ). رواه ابن أبي داوود في كتاب المصاحف.

وهذا الخبر ضعيف الإسناد منكر المتن؛ فيه محمد بن عمرو بن علقمة الليثي ليس بالقوي، ويحيى بن عبد الرحمن لم يدرك عمر، ومتنه منكر لمخالفته ما ثبت من أن الجمع كان في عهد أبي بكر رضي الله عنه، وأن المصحف قد تمّ جمعه في حياة أبي بكر رضي الله عنه، وبقي عنده حتى مات.

وكذلك خبر آخر آيتين من سورة التوبة كان في زمن أبي بكر، وكانتا قد وجدتا عند أبي خزيمة وليس خزيمة بن ثابت، ولعله التبس عليه خبر جمع القرآن بعزيمة عمر على جمع السنة ثم عدوله عن ذلك.

عبد العزيز بن داخل المطيري

#2

20 Oct 2016

تسمية المصحف


معنى المصحف:

الأصل في لفظ "المُصحف" ضَمُّ الميمِ لأنه مصدرٌ من أُصْحِفَ؛ فهو مُصحَفٌ، أي جُعل في صحائف مضمومة إلى بعضها، مجموعة بين دفَّتين.

قال الخليل بن أحمد: (وسُمِّيَ المُصْحَفُ مُصْحَفاً لأنَّه أُصْحِفَ، أي جُعِلَ جامعاً للصُحُف المكتوبة بين الدَّفَّتَيْن).

وقال أبو منصور الأزهري وجماعة من اللغويين بنحو هذا القول؛ فهو شبه اتّفاق على مأخذ التسمية.

ثمَّ حُكي فيه كسر الميم وهي لغة تميم، وحكي فيه فتح الميم وهي لغة غير مشتهرة، ذكرها أبو جعفر النحاس.

قال الفراء: (يُقَال: مُصحفٌ ومِصْحَف، كَمَا يُقَال: مُطرَفٌ ومِطرَفٌ، وَقَوله: "مُصحفٌ" مِن أُصْحِفَ، أَي جُمِعت فِيهِ الصُّحُف، وأُطرِف: جُعل فِي طرَفيْه العَلَمان).

قَالَ: (فاستثقلت العربُ الضمة فِي حُرُوفٍ فَكسرتِ الْمِيم، وَأَصلُهَا الضَّم، فَمن ضَمّ جَاءَ بِهِ على أَصلِهِ، وَمن كَسَرَهُ فلاستثقالِه الضمة)ا.هـ.


مبدأ تسمية المصحف:

كانت العربُ أُمّةً أُميَّةً، لا تقرأ ولا تكتب، وأوَّل كتاب باللسان العربي هو القرآن ، ولم يكن للعرب قبل ذلك كتاب معروف بلسانهم، وكانت الكتابة فيهم قليلة جداً، وإنما يكتبون ما يحتاجون إليه من الرسائل والعهود والمواثيق في صحائف متفرقة لا تبلغ أن تكون كتاباً.

وقد اشتهرت بعض صحائفهم، ولها ذكر في أشعارهم، كصحيفة المتلمس، وصحيفة لقيط، والصحيفة الظالمة التي قاطعت فيها بطونُ قريش بني هاشم.

قال المتلمّس في خبر صحيفته:

مَنْ مُبلِغُ الشّعراءِ عن أخَوَيْهِمُ ... خَبَراً، فَتَصْدُقَهُم بذاكَ الأنفُسُ

أودى الذي عَلِقَ الصّحيفَةَ منهما ... ونَجَا حِذارَ حِبائِهِ المُتَلَمّس

ويقصد بالذي عَلِقَ الصحيفة طرفةَ بن العبد البكري؛ فإنَّه ظنَّ أن الملك عمرو بن هند قد كتب له فيها إلى عامل البحرين أن يُجِيزَه ويُحْسِنَ إليه، فإذا هي أَمْرٌ بقَتْلِه وصَلْبِه، وفيها يقول:

أبا منذرٍ كانت غُروراً صحيفتي ... ولم أُعْطِكم في الطَّوْعِ مالي ولا عِرْضي


وقال الممزّق العَبدي يخاطب الملك عمرو بن هند:

أكلفتني أدواء قوم تركتهم ... وإلا تداركني من البحر أغرق

فإن يُتْهِموا أُنجِدْ خِلافاً عليهم ... وإن يُعْمِنوا مُستحقِبي الحربِ أُعْرِق

فلا أنا مولاهم ولا في صحيفةٍ ... كَفَلْتُ عليهم والكفالة تعتق

(يُتهموا): أي يحلّوا بأرض تهامة، و(أُنجد): أي أرحل إلى نجد، و(يُعمنوا) يحلّوا بأرض عُمان، و(أُعرِق) أرحل إلى العِرَاق.


وقال لقيط بن معمر الإيادي في أبيات له بعث بها في صحيفة إلى قومه ينذرهم غزو كسرى:

سلام فى الصّحيفة من لقيط ... إلى مَن بالجزيرةِ من إِيادِ

بأنّ الّليث كسرى قد أتاكم ... فلا يَشْغَلكم سَوْقُ النِّقَادِ

النِّقَاد: صِغَار الغنم.


و"الصحيفة" تُجمع على صُحُف وصَحَائف إذا كانت متفرقة غير مضمومة، فإذا ضُمَّت سُميت مُصحفاً؛ فإذا تعدَّدَتْ أجزاء الكتاب سمّيت تلك الأجزاء "مصاحف".

ولذلك كانت العرب تسمّى كُتُبَ أهلِ الكتابِ "مصاحف"، كما قال امرئ القيس:

قفا نبك من ذكرى حبيب وعرفانِ ... ورسمٍ عَفَتْ آياتُه منذُ أزْمانِ

أتت حِجج بعدي عليها فأصبحت ... كَخَطِّ زَبورٍ في مَصاحفِ رُهبان

وقال أبو مصعب الزهري راوية الموطأ: حدثنا مالك، عن زيد بن أسلم، أنه قال: (جاء كعب الأحبار إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقام بين يديه، فاستخرج من تحت يده مُصْحَفاً، قد تشرَّمَت حواشيه، فقال: يا أمير المؤمنين، في هذه التوراة فأقرؤها؟

فقال عمر: "إن كنت تعلم أنها التوراة التي أُنزلَت على موسى، يومَ طور سَيناء، فاقرأها آناءَ الليلِ وآناءَ النهارِ، وإلا فلا" فراجعه كعب، فلم يزده على ذلك).


وقال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي، عن أم سلمة ابنة أبي أمية بن المغيرة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار النجاشي أمنا على ديننا، وعبدنا الله تعالى لا نؤذى، ولا نسمع شيئا نكرهه)

ثمّ ذكرت خبر احتيال قريش بهداياها إلى النجاشي ليسلّمهم إليها في خبر طويل، وفيه أن النجاشي دعا أساقفته فنشروا مصاحفهم حوله.

وفيه أن جعفر بن أبي طالب كلَّمَه وقرأ عليه سورة مريم، قالت: (فبكى والله النجاشي حتى أخضل لحيته، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مَصَاحِفَهم حين سمعوا ما تلا عليهم). رواه الإمام أحمد في مسنده بإسناد أقلّ درجاته الحسن، رجاله ثقات رجال الصحيحين غير محمد بن إسحاق وقد صرّح بالتحديث، ومن أهل العلم من يصححه أحاديثه في السير.

ومصاحفهم إنما هي كتبهم التي جمعوا صحائفها وضموا بعضها إلى بعض.


ولم أقف على خبر صحيح في أوّل من سمَّى القرآن المكتوب مُصحفاً؛ إلا أنَّ تسميته بهذا الاسم جارية على الأصل في تسمية الصحفِ المجموعة إلى بعضها بين دفتين مصحفاً، ولأجل أنَّ المسلمين لم يكن لهم كتاب غيره اشتهرت تسميته بالمصحف حتى جُعلت علماً عليه.

وهذا نظير أسماء القرآن الأخرى كالكتاب والذكر والفرقان؛ فإنها إذا أطلقت انصرفت إلى القرآن لأجل العهد الذهني في التعريف، وإذا وردت في سياق يراد به غيرها تقيدت به.

وبقي استعمال المصحف للصحف المضمومة بين دفتين بعد ذلك بزمن، حتى قال الجاحظ في كتاب "البيان والتبيين" : (كانت العادة في كتاب الحيوان أن أجعل في كل مصحف من مصاحفها عشر ورقات من مقطّعات الأعراب، ونوادر الأشعار)ا.هـ.


وقد قيل إن تسمية ما كتب من القرآن بالمصحف كانت معروفة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وروي في ذلك أحاديث وآثار لكنها معلولة، ومنها:

1: حديث محمد بن إسحق عن نافع عن ابن عمر: (سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم ينهى أن يسافر بالمصحف إلى أرض العدو). رواه الإمام أحمد والبخاري في خلق أفعال العباد بهذا اللفظ.

وقد رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو).

ومالك أثبت من ابن إسحاق.

وقد روى هذا الحديث عن نافع كلّ من: الليث بن سعد وعبيد الله العمري وأيوب السختياني وجويرية بن أسماء وعبد الله بن دينار، كلهم رووه بلفظ "القرآن" وتفرد محمد بن إسحاق بلفظ "المصحف" فدلّ ذلك على أنه أخطأ في الرواية.


2: وحديث مرزوق بن أبي الهذيل قال: حدثني الزهري قال: حدثني أبو عبد الله الأغر، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علما علمه ونشره، وولدا صالحا تركه، ومصحفا ورثه، أو مسجدا بناه، أو بيتا لابن السبيل بناه، أو نهرا أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته، يلحقه من بعد موته» رواه ابن ماجه وابن خزيمة.

ومداره على مرزوق بن أبي الهذيل الثقفي قال فيه البخاري: (تعرف وتنكر).

فهو مما لا يحتجّ به إذا تفرّد.

وله شاهد رواه ابن خزيمة والبزار والبيهقي في شعب الإيمان من حديث محمد بن عبيد الله العرزمي عن قتادة عن أنس، لكنه مما لا يفرح به فالعرزمي متروك الحديث.

وأعلّ بأنّ المحفوظ في هذا الباب عن أبي هريرة رضي الله عنه ما رواه العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، مرفوعاً: (إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له). رواه مسلم.

وله علَّة في متنه وهي أنَّ صحف القرآن لم تكُن قد أُصحفت في مُصحف على عهد النبي صلى الله عليه وسلم من غير خلاف بين أهل العلم.


3: وحديث عنبسة بن عبد الرحمن الكوفي، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعطوا أعينكم حظها من العبادة» ، قيل: يا رسول الله، ما حظها من العبادة؟، قال: «النظر في المصحف، والتفكر فيه، والاعتبار عند عجائبه» رواه أبو الشيخ في العظمة والبيهقي في شعب الإيمان، وهو ضعيف جداً، بل حكم عليه الألباني بأنه موضوع، من أجل عنبسة الكوفي قال فيه أبو حاتم الرازي: كان يضع الحديث.


وقد روي في منشأ تسمية المصحف آثار واهية لا تصحّ:

منها ما ذكره السيوطي في الإتقان عن ابن أشته أنه أخرج في كتاب المصاحف من طريق موسى بن عقبة عن ابن شهاب أنه قال: لما جمعوا القرآن فكتبوه في الورق قال: أبو بكر التمسوا له اسما فقال بعضهم السفر وقال بعضهم: المصحف فإن الحبشة يسمونه المصحف وكان أبو بكر أول من جمع كتاب الله وسماه المصحف).

وقال السيوطي في موضع آخر: ومن غريب ما ورد في أول من جمعه ما أخرجه ابن أشته في كتاب المصاحف من طريق كهمس عن ابن بريدة قال: "أول من جمع القرآن في مصحف سالم مولى أبي حذيفة، أقسم لا يرتدي برداء حتى يجمعه ثم ائتمروا ما يسمونه. فقال بعضهم: سموه السفر. قال: ذلك اسم تسميه اليهود، فكرهوه، فقال: رأيت مثله بالحبشة يسمى المصحف، فاجتمع رأيهم على أن يسموه المصحف".

إسناده منقطع أيضا وهو محمول على أنه كان أحد الجامعين بأمر أبي بكر).

قلت: لا يصحّ هذا المحمل لأنَّ سالماً قُتل يوم اليمامة قبل الأمر بجمع القرآن.

وقال الزركشي: ذكر المظفري في تاريخه لما جمع أبو بكر القرآن قال سموه فقال بعضهم:

سموه إنجيلا فكرهوه وقال بعضهم سموه السفر فكرهوه من يهود فقال ابن مسعود رأيت للحبشة كتابا يدعونه المصحف فسموه به).

وهذه الأخبار واهية من جهة الإسناد لا يُعوَّل عليها.


أسماء أجزاء المصحف وملحقاته:

ولأجزاء المصحف وملحقاته أسماء يحسن بطالب العلم معرفتها

- فدفّتا المصحف ضمامتاه من جانبيه، قاله الخليل بن أحمد.

- والشَّرَج: عُرى المصاحف.

- والرَّصيع: زرّ عروة المصحف.

- والرَّبعة: الصندوق الذي يوضع فيه المصحف.

وكانت أوراق المصاحف من أُدم رِقَاق.