الدروس
course cover
تفسير سورة الجن [ من الآية (1) إلى الآية (10) ]
19 Jan 2015
19 Jan 2015

25353

0

0

course cover
تفسير جزء تبارك

القسم الثالث

تفسير سورة الجن [ من الآية (1) إلى الآية (10) ]
19 Jan 2015
19 Jan 2015

19 Jan 2015

25353

0

0


0

0

0

0

0

مقدمات تفسير سورة الجن


من تفسير ابن كثير وتفسير السعدي وزبدة التفسير للأشقر



أسماء السورة

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (تفسير سورة الجنّ). [تفسير القرآن العظيم: 8/238]

قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : (تفسيرُ سُورةِ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ). [تيسير الكريم الرحمن: 890]

قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : (تَمَّ تفسيرُ سُورةِ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ، وللهِ الحمْدُ). [تيسير الكريم الرحمن: 892]

قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (سورةُ الْجِنِّ). [زبدة التفسير: 572]


نزول السورة

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وهي مكّيّةٌ). [تفسير القرآن العظيم: 8/238]

قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : (وهي مَكِّيَّةٌ). [تيسير الكريم الرحمن: 890]



* للاستزادة ينظر: هنا

هيئة الإشراف

#2

19 Jan 2015

تفسير قوله تعالى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (2) وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (3) وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا (4) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (5) وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6) وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا (7) وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآَنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا (9) وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (10)}


تفسير قوله تعالى: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا (1) )

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (يقول تعالى آمرًا رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم أن يخبر قومه: أنّ الجنّ استمعوا القرآن فآمنوا به وصدّقوه وانقادوا له، فقال تعالى: {قل أوحي إليّ أنّه استمع نفرٌ من الجنّ فقالوا إنّا سمعنا قرآنًا عجبًا} ). [تفسير القرآن العظيم: 8/238]

قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ( (1 -2) {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً *}؛ أي: {قُلْ} يا أَيُّهَا الرسولُ للناسِ {أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ} صَرَفَهم اللَّهُ إلى رَسولِه لسَمَاعِ آياتِه؛ لِتَقُومَ عليهم الْحُجَّةُ، وتَتِمَّ عليهم النعمةُ، ويَكونوا نُذُراً لقَوْمِهم.


وأَمَرَ اللَّهُ رسولَه أنْ يَقُصَّ نَبَأَهم على الناسِ؛ وذلكَ أنَّهم لَمَّا حَضَرُوه قالوا: أَنْصِتُوا. فلَمَّا أَنْصَتُوا فهِمُوا مَعانِيَهِ، ووَصَلَتْ حَقائِقُه إلى قُلوبِهم.


{فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً}؛ أي: مِن العَجائبِ الغاليةِ، والمطالِبِ العاليةِ). [تيسير الكريم الرحمن: 890]

قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (1-{قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ} المعنى: قلْ يا مُحَمَّدُ لأُمَّتِكَ: أَوْحَى اللهُ إِلَيَّ على لسانِ جِبريلَ.


{أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ} عددٌ منهم إلى قِراءتي للقرآنِ. والسورةُ التي كانَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَقرؤُها عندَما استَمَعُوا إليه هي سورةُ{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} ولم يُرسِلِ اللهُ إليهم رُسُلاً منهم، بل الرسُلُ جميعاً مِن الإنسِ مِن بني آدَمَ.


{فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا} أيْ: قالوا لقَوْمِهم لَمَّا رَجَعُوا إليهم: سَمِعْنا كلامًا مَقروءاً عَجَباً في فَصاحتِه وبَلاغتِه. وقِيلَ: عَجَباً في مَوَاعِظِه. وقيلَ: في بَرَكَتِه). [زبدة التفسير: 572]


تفسير قوله تعالى: (يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (2) )

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {يهدي إلى الرّشد} أي: إلى السّداد والنّجاح، {فآمنّا به ولن نشرك بربّنا أحدًا} وهذا المقام شبيهٌ بقوله تعالى: {وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجنّ يستمعون القرآن} [الأحقاف: 29] وقد قدّمنا الأحاديث الواردة في ذلك بما أغنى عن إعادته هاهنا). [تفسير القرآن العظيم: 8/238]

قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ( (2) {يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ}، والرُّشْدُ: اسمٌ جامعٌ لكلِّ ما يُرْشِدُ الناسَ إلى مَصَالِحِ دِينِهم ودُنياهُمْ، {فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً} فجَمَعُوا بينَ الإيمانِ الذي يَدخُلُ فيه جميعُ أعمالِ الخيرِ، وبينَ التَّقْوَى الْمُتَضَمِّنَةِ لتَرْكِ الشرِّ، وجَعَلُوا السببَ الداعِيَ لهم إلى الإيمانِ وتَوابِعِه، ما عَلِمُوه مِن إرشاداتِ القرآنِ، وما اشْتَمَلَ عليه مِن المصالِحِ والفوائدِ واجتنابِ الْمَضَارِّ؛ فإنَّ ذلك آيةٌ عَظيمةٌ وحُجَّةٌ قاطعةٌ لِمَن اسْتَنَارَ به واهتَدَى بِهَدْيِهِ.


وهذا الإيمانُ النافعُ المُثمِرُ لكلِّ خيرٍ، الْمَبْنِيُّ على هدايةِ القرآنِ، بخِلافِ إيمانِ العوائدِ والْمُرَبِّي والإلْفِ ونحوِ ذلك؛ فإِنَّهُ إيمانُ تَقليدٍ تحتَ خَطَرِ الشُّبُهاتِ والعوارِضِ الكثيرةِ). [تيسير الكريم الرحمن: 890]

قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (2-{يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ} أيْ: إلى الحَقِّ والصوابِ ومَعْرِفَةِ اللهِ.


{فَآمَنَّا بِهِ} أيْ: صَدَّقْنَا به أنه مِن عندِ اللهِ.


{وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً} مِن خَلْقِه، ولا نَتَّخِذَ معه إِلَهًا آخَرَ، آمَنَتِ الجنُّ بسماعِ القرآنِ مَرَّةً واحدةً، وأَدْرَكُوا بعقُولِهم أنه كلامُ اللهِ، ولم يَنتفعْ كُفَّارُ قُريشٍ، لا سيما رؤساؤُهم بسماعِه مَرَّاتٍ، مع كونِ الرسولِ منهم يَتلوهُ عليهم بلسانِهم، لا جَرَمَ صَرَعَهم اللهُ أذَلَّ مَصْرَعٍ, وقَتَلَهم أقْبَحَ مَقْتَلٍ. وفي الآيةِ أنَّ أَعْظَمَ ما في دَعوةِ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تَوحيدُ اللهِ تعالى وخَلْعُ الشرْكِ وأهلِه). [زبدة التفسير: 572]


تفسير قوله تعالى: (وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (3) )

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وأنّه تعالى جدّ ربّنا} قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ في قوله تعالى: {جدّ ربّنا} أي: فعله وأمره وقدرته.


وقال الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: جدّ اللّه: آلاؤه وقدرته ونعمته على خلقه.


وروي عن مجاهدٍ وعكرمة: جلال ربّنا. وقال قتادة: تعالى جلاله وعظمته وأمره. وقال السّدّيّ: تعالى أمر ربّنا. وعن أبي الدّرداء، ومجاهدٌ أيضًا وابن جريجٍ: تعالى ذكره. وقال سعيد بن جبيرٍ: {تعالى جدّ ربّنا} أي: تعالى ربّنا.


فأمّا ما رواه ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن يزيد المقرئ حدّثنا سفيان، عن عمرٍو، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: الجدّ: أبٌ. ولو علمت الجنّ أنّ في الإنس جدًّا ما قالوا: تعالى جدّ ربّنا.


فهذا إسنادٌ جيّدٌ، ولكن لست أفهم ما معنى هذا الكلام؛ ولعلّه قد سقط شيءٌ، واللّه أعلم. وقوله: {ما اتّخذ صاحبةً ولا ولدًا} أي: تعالى عن اتّخاذ الصّاحبة والأولاد، أي: قالت الجنّ: تنزّه الرّبّ تعالى جلاله وعظمته، حين أسلموا وآمنوا بالقرآن، عن اتّخاذ الصّاحبة والولد). [تفسير القرآن العظيم: 8/238-239]

قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا}؛ أي: تَعَالَتْ عَظمتُه وتَقَدَّسَتْ أسماؤُه، {مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلاَ وَلَداً}, فعَلِمُوا مِن جَدِّ اللَّهِ وعَظمتِه ما دَلَّهم على بُطلانِ ما يَزعُمُ أنَّ له صاحبةً أو وَلَداً؛ لأنَّ له العَظَمَةَ والكمالَ في كلِّ صِفةِ كمالٍ، واتِّخاذُ الصاحبةِ والولَدِ يُنافِي ذلك؛ لأنه يُضَادُّ كمالَ الغِنَى). [تيسير الكريم الرحمن: 890]

قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (3-{وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا} ارتَفَعَ عَظمةُ ربِّنا وجَلالُه. وقيلَ: جَدُّه قُدرتُه.


{مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا} أيْ: تعالى جَلالُ ربِّنا وعَظمتُه عن أنْ يَتَّخِذَ {صَاحِبَةً}؛ أيْ: زَوجةً، أو وَلَداً، كما يقولُ الكُفَّارُ الذينَ يَنْسِبونَ إلى اللهِ الصاحبةَ والولَدَ). [زبدة التفسير: 572]


تفسير قوله تعالى: (وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا (4) )

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قالوا: {وأنّه كان يقول سفيهنا على اللّه شططًا} قال مجاهدٌ، وعكرمة، وقتادة، والسّدّيّ: {سفيهنا} يعنون: إبليس، {شططًا} قال السّدّي، عن أبي مالكٍ: {شططًا} أي: جورًا. وقال ابن زيدٍ: ظلمًا كبيرًا.


ويحتمل أن يكون المراد بقولهم: {سفيهنا} اسم جنسٍ لكلّ من زعم أنّ للّه صاحبةً أو ولدًا. ولهذا قالوا: {وأنّه كان يقول سفيهنا} أي: قبل إسلامه {على اللّه شططًا} أي: باطلًا وزورًا). [تفسير القرآن العظيم: 8/239]

قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً}؛ أي: قَوْلاً جائراً عن الصوابِ متَعَدِّياً للحَدِّ، وما حَمَلَه على ذلك إلاَّ سَفَهُهُ وَضَعْفُهُ وضعْفُ عَقْلِه، وإلاَّ فلو كانَ رَزِيناً مُطْمَئِنًّا لعَرَفَ كيف يَقُولُ). [تيسير الكريم الرحمن: 890]

قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (4-{وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا} يُنْكِرُ الجنُّ قولَ مشْرِكِيهِم وسُفَهَائِهم الكَذِبَ على اللهِ مِن دَعْوَى الصاحبةِ والولَدِ وغيرِ ذلك. والشَّطَطُ: الغُلُوُّ في الكُفْرِ، والبُعْدُ عن القَصْدِ، ومُجاوَزَةُ الْحَدِّ). [زبدة التفسير: 572]


تفسير قوله تعالى: (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (5) )

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وأنّا ظننّا أن لن تقول الإنس والجنّ على اللّه كذبًا} أي: ما حسبنا أنّ الإنس والجنّ يتمالئون على الكذب على اللّه في نسبة الصّاحبة والولد إليه. فلمّا سمعنا هذا القرآن وآمنّا به، علمنا أنّهم كانوا يكذبون على اللّه في ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 8/239]

قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ( (5) {وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً}؛ أي: كُنَّا مغْتَرِّينَ قبلَ ذلك، وغَرَّنَا القادَةُ والرؤساءُ مِن الجنِّ والإنسِ، فأَحْسَنَّا بهم الظنَّ وظَنَنَّاهم لا يَتَجَرَّؤُونَ على الكَذِبِ على اللَّهِ.


فلذلك كُنَّا قَبلَ هذا على طَريقِهم، فاليومَ إذ بانَ لنا الحقُّ، رَجَعْنا إليه وانْقَدْنا له، ولم نُبَالِ بقولِ أحَدٍ مِن الناسِ يُعارِضُ الْهُدَى). [تيسير الكريم الرحمن: 890]

قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (5-{وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن تَقُولَ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} أيْ: أنَّا حَسِبْنَا أنَّ الإنسَ والجنَّ كانوا لا يَكْذِبونَ على اللهِ عندَما قالوا بأنَّ له شَريكاً وصاحبةً ووَلداً، فصَدَّقْنَاهم في ذلك ولم يَخْطِرْ ببالِنا أنَّ أَحَداً يَتجرَّأُ على الكَذِبِ على اللهِ، كما صَنَعَ دُعاةُ الإشراكِ باللهِ وسَدَنَةُ الآلهةِ الزائفةِ، حتى سَمِعْنَا القرآنَ، فعَلِمْنَا بُطلانَ قولِهم وبُطلانَ ما كنا نَظُنُّهُ بهم مِن الصدْقِ). [زبدة التفسير: 572]


تفسير قوله تعالى: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6) )

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وأنّه كان رجالٌ من الإنس يعوذون برجالٍ من الجنّ فزادوهم رهقًا (6) وأنّهم ظنّوا كما ظننتم أن لن يبعث اللّه أحدًا (7) }


وقوله: {وأنّه كان رجالٌ من الإنس يعوذون برجالٍ من الجنّ فزادوهم رهقًا} أي: كنّا نرى أنّ لنا فضلًا على الإنس؛ لأنّهم كانوا يعوذون بنا، أي: إذا نزلوا واديًا أو مكانًا موحشًا من البراري وغيرها كما كان عادة العرب في جاهليّتها. يعوذون بعظيم ذلك المكان من الجانّ، أن يصيبهم بشيءٍ يسوؤهم كما كان أحدهم يدخل بلاد أعدائه في جوار رجلٍ كبيرٍ وذمامه وخفارته، فلمّا رأت الجنّ أنّ الإنس يعوذون بهم من خوفهم منهم، {فزادوهم رهقًا} أي: خوفًا وإرهابًا وذعرًا، حتّى تبقوا أشدّ منهم مخافةً وأكثر تعوّذًا بهم، كما قال قتادة: {فزادوهم رهقًا} أي: إثمًا، وازدادت الجنّ عليهم بذلك جراءةً.


وقال الثّوريّ، عن منصورٍ عن إبراهيم: {فزادوهم رهقًا} أي: ازدادت الجنّ عليهم جرأةً.


وقال السّدّيّ: كان الرّجل يخرج بأهله فيأتي الأرض فينزلها فيقول: أعوذ بسيّد هذا الوادي من الجنّ أن أضرّ أنا فيه أو مالي أو ولدي أو ماشيتي، قال: فإذا عاذ بهم من دون اللّه، رهقتهم الجنّ الأذى عند ذلك.


وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو سعيد يحيى بن سعيدٍ القطّان، حدّثنا وهب بن جريرٍ، حدّثنا أبي، حدّثنا الزّبير بن الخرّيت، عن عكرمة قال: كان الجنّ يفرقون من الإنس كما يفرق الإنس منهم أو أشدّ، وكان الإنس إذا نزلوا واديًا هرب الجنّ، فيقول سيّد القوم: نعوذ بسيّد أهل هذا الوادي.


فقال الجنّ: نراهم يفرقون منّا كما نفرق منهم. فدنوا من الإنس فأصابوهم بالخبل والجنون، فذلك قول اللّه: {وأنّه كان رجالٌ من الإنس يعوذون برجالٍ من الجنّ فزادوهم رهقًا}


وقال أبو العالية، والرّبيع، وزيد بن أسلم: {رهقًا} أي: خوفًا. وقال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: {فزادوهم رهقًا} أي: إثمًا. وكذا قال قتادة. وقال مجاهد: زاد الكفار طغيانا.


وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا فروة بن المغراء الكنديّ، حدّثنا القاسم بن مالكٍ -يعني المزنيّ-عن عبد الرّحمن بن إسحاق، عن أبيه، عن كردم بن أبي السّائب الأنصاريّ قال: خرجت مع أبي من المدينة في حاجةٍ، وذلك أوّل ما ذكر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بمكّة، فآوانا المبيت إلى راعي غنمٍ. فلمّا انتصف اللّيل جاء ذئبٌ فأخذ حملًا من الغنم، فوثب الرّاعي فقال: يا عامر الوادي، جارك. فنادى منادٍ لا نراه، يقول: يا سرحان، أرسله. فأتى الحمل يشتدّ حتّى دخل في الغنم لم تصبه كدمةٌ. وأنزل اللّه تعالى على رسوله بمكّة {وأنّه كان رجالٌ من الإنس يعوذون برجالٍ من الجنّ فزادوهم رهقًا}


ثمّ قال: وروي عن عبيد بن عميرٍ، ومجاهدٍ، وأبي العالية، والحسن، وسعيد بن جبيرٍ، وإبراهيم النّخعي، نحوه.


وقد يكون هذا الذّئب الّذي أخذ الحمل -وهو ولد الشّاة-وكان جنّيًّا حتّى يرهب الإنسيّ ويخاف منه، ثمّ ردّه عليه لمّا استجار به، ليضلّه ويهينه، ويخرجه عن دينه، واللّه أعلم). [تفسير القرآن العظيم: 8/239-240]

قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ( (6) {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً}؛ أي: كانَ الإنسُ يَعْبُدُونَ الجِنَّ ويَسْتَعِيذونَ بهم عندَ المخاوِفِ والأفزاعِ، فزَادَ الإنْسُ الجنَّ رَهَقاً؛ أي: طُغياناً وتَكَبُّراً لَمَّا رَأَوُا الإنسَ يَعبُدُونَهم ويَستعِيذُونَ بهم.


ويَحْتَمِلُ أنَّ الضميرَ في زَادُوهُمْ يَرجِعُ إلى الجِنِّ - ضميرُ الواوِ - أي: زادَ الجنُّ الإنسَ ذُعْراً وتَخويفاً لَمَّا رَأَوْهُم يَستعيذونَ بهم ليُلْجِئُوهُم إلى الاستعاذةِ بهم، فكانَ الإِنسِيُّ إذا نَزَلَ بوادٍ مَخُوفٍ قالَ: (أَعوذُ بسَيِّدِ هذا الوادِي مِن سُفهاءِ قومِه) ). [تيسير الكريم الرحمن: 890]

قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (6-{وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ} كان العرَبُ إذا نَزَلَ الرجُلُ بِوَادٍ قالَ: أَعوذُ بسَيِّدِ هذا الوادِي مِن شَرِّ سُفهاءِ قَوْمِه. فيَبِيتُ في جِوَارِه حتى يُصْبِحَ.


{فَزَادُوهُمْ رَهَقاً} أيْ: زادَ رِجالُ الجنِّ مَن تَعَوَّذَ بهم مِن رِجالِ الإنْسِ {رَهَقاً}، أيْ: سَفَهاً وطُغياناً، أيْ: مِن الجنِّ أنفُسِهم على الإنْسِ الْمُستجيرينَ بهم. أو زَادُوهم بَلاءً وضَعْفًا وخَوْفاً). [زبدة التفسير: 572]


تفسير قوله تعالى: (وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا (7) )

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وأنّهم ظنّوا كما ظننتم أن لن يبعث اللّه أحدًا} أي: لن يبعث اللّه بعد هذه المدّة رسولًا. قاله الكلبيّ، وابن جريرٍ). [تفسير القرآن العظيم: 8/240]

قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً}؛ أي: فلَمَّا أَنْكَرُوا البَعْثَ، أَقْدَمُوا على الشِّرْكِ والطُّغيانِ). [تيسير الكريم الرحمن: 890]

قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (7-{وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا} المعنى: وأنَّ الإنْسَ ظَنُّوا كما ظَنَنتُمْ أيها الْجِنُّ أنه لا بَعْثَ ولا جَزاءَ). [زبدة التفسير: 572]


تفسير قوله تعالى: (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8) )

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وأنّا لمسنا السّماء فوجدناها ملئت حرسًا شديدًا وشهبًا (8) وأنّا كنّا نقعد منها مقاعد للسّمع فمن يستمع الآن يجد له شهابًا رصدًا (9) وأنّا لا ندري أشرٌّ أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربّهم رشدًا (10) }


يخبر تعالى عن الجنّ حين بعث اللّه رسوله محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم وأنزل عليه القرآن، وكان من حفظه له أنّ السّماء ملئت حرسًا شديدًا، وحفظت من سائر أرجائها، وطردت الشّياطين عن مقاعدها الّتي كانت تقعد فيها قبل ذلك؛ لئلّا يسترقوا شيئًا من القرآن. فيلقوه على ألسنة الكهنة، فيلتبس الأمر ويختلط ولا يدرى من الصّادق. وهذا من لطف اللّه بخلقه ورحمته بعباده، وحفظه لكتابه العزيز، ولهذا قال الجنّ: {وأنّا لمسنا السّماء فوجدناها ملئت حرسًا شديدًا وشهبًا} ). [تفسير القرآن العظيم: 8/240]

قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ}؛ أي: أَتَيْنَاهَا واخْتَبَرْنَاهَا، {فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً} عن الوُصولِ إلى أَرجائِها والدُّنُوِّ منها، {وَشُهُباً} يُرْمَى بها مَنِ اسْتَرَقَ السمْعَ.


وهذا بخِلافِ عادَتِنا الأُولَى؛ فإنَّا كُنَّا نتَمَكَّنُ مِن الوُصولِ إلى خبَرِ السماءِ). [تيسير الكريم الرحمن: 890]

قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (8-{وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ} أيْ: طَلَبْنا خَبَرَها كما جَرَتْ به عادَتُنا {فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا} مِن الملائكةِ يَحْرُسُونَها على استراقِ السمْعِ, {شَدِيداً} قَوِيًّا {وَشُهُباً} هي نارُ الكواكبِ، كما تَقَدَّمَ بَيانُه في تفسيرِ قولِه: {وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِّلشَّيَاطِينِ} مِن سُورةِ "تَبارَكَ"). [زبدة التفسير: 572]


تفسير قوله تعالى: (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآَنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا (9) )

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وأنّا كنّا نقعد منها مقاعد للسّمع فمن يستمع الآن يجد له شهابًا رصدًا} أي: من يروم أن يسترق السّمع اليوم يجد له شهابًا مرصدًا له، لا يتخطّاه ولا يتعدّاه، بل يمحقه ويهلكه). [تفسير القرآن العظيم: 8/240]

قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِِ} فنَتَلَقَّفُ مِن أخبارِ السماءِ ما شاءَ اللَّهُ، {فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَصَداً}؛ أي: مَرْصَداً له مُعَدًّا لإتلافِه وإحراقِه؛ أي: وهذا له شأنٌ عظيمٌ ونَبَأٌ جَسيمٌ، وجَزَمُوا أنَّ اللَّهَ تعالى أرَادَ أنْ يُحْدِثَ في الأرضِ حادِثاً كبيراً، مِن خيرٍ أو شَرٍّ؛ فلهذا قالوا: {وَأَنَّا لاَ نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً}). [تيسير الكريم الرحمن: 890-891]

قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (9-{وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ} ليَسمعوا مِن الملائكةِ أخبارَ السماءِ, فيُلْقُونَها إلى الكَهَنَةِ، فحَرَسَها اللهُ سُبحانَه عندَ بَعْثِه رَسولَه صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ بالشهُبِ الْمُحْرِقَةِ.


{فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا} أيْ: أُرْصِدَ له ليُرْمَى به، لِمَنْعِه مِن السماعِ). [زبدة التفسير: 572]


تفسير قوله تعالى: (وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (10) )

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وأنّا لا ندري أشرٌّ أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربّهم رشدًا} أي: ما ندري هذا الأمر الّذي قد حدث في السّماء، لا ندري أشرٌّ أريد بمن في الأرض، أم أراد بهم ربّهم رشدًا؟ وهذا من أدبهم في العبارة حيث أسندوا الشّرّ إلى غير فاعلٍ، والخير أضافوه إلى اللّه عزّ وجلّ. وقد ورد في الصّحيح: "والشّرّ ليس إليك". وقد كانت الكواكب يرمى بها قبل ذلك، ولكن ليس بكثيرٍ بل في الأحيان بعد الأحيان، كما في حديث ابن عبّاسٍ بينما نحن جلوسٌ مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا رمي بنجمٍ فاستنار، فقال: "ما كنتم تقولون في هذا؟ فقلنا: كنّا نقول: يولد عظيمٌ، يموت عظيمٌ، فقال: "ليس كذلك، ولكنّ اللّه إذا قضى الأمر في السّماء"، وذكر تمام الحديث، وقد أوردناه في سورة "سبأٍ" بتمامه وهذا هو السّبب الّذي حملهم على تطلّب السّبب في ذلك، فأخذوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها، فوجدوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقرأ بأصحابه في الصّلاة، فعرفوا أنّ هذا هو الّذي حفظت من أجله السّماء، فآمن من آمن منهم، وتمرّد في طغيانه من بقي، كما تقدّم حديث ابن عبّاسٍ في ذلك، عند قوله في سورة "الأحقاف": {وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجنّ يستمعون القرآن} الآية 29. ولا شكّ أنّه لمّا حدث هذا الأمر وهو كثرة الشّهب في السّماء والرّمي بها، هال ذلك الإنس والجنّ وانزعجوا له وارتاعوا لذلك، وظنّوا أنّ ذلك لخراب العالم -كما قال السّدّيّ: لم تكن السّماء تحرس إلّا أن يكون في الأرض نبيٌّ أو دينٌ للّه ظاهرٌ، فكانت الشّياطين قبل محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم قد اتّخذت المقاعد في السّماء الدّنيا، يستمعون ما يحدث في السّماء من أمرٍ. فلمّا بعث اللّه محمّدًا نبيًّا، رجموا ليلةً من اللّيالي، ففزع لذلك أهل الطّائف، فقالوا: هلك أهل السّماء، لمّا رأوا من شدّة النّار في السّماء واختلاف الشّهب. فجعلوا يعتقون أرقّاءهم ويسيّبون مواشيهم، فقال لهم عبد يا ليل بن عمرو بن عميرٍ: ويحكم يا معشر أهل الطّائف. أمسكوا عن أموالكم، وانظروا إلى معالم النّجوم فإن رأيتموها مستقرّةً في أمكنتها فلم يهلك أهل السّماء، إنّما هذا من أجل ابن أبي كبشة -يعني: محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم-وإن أنتم لم تروها فقد هلك أهل السّماء. فنظروا فرأوها، فكفّوا عن أموالهم. وفزعت الشّياطين في تلك اللّيلة، فأتوا إبليس فحدّثوه بالّذي كان من أمرهم، فقال: ائتوني من كلّ أرضٍ بقبضةٍ من ترابٍ أشمّها. فأتوه فشم فقال: صاحبكم بمكّة. فبعث سبعة نفرٍ من جنّ نصيبين، فقدموا مكّة فوجدوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قائمًا يصلّي في المسجد الحرام يقرأ القرآن، فدنوا منه حرصًا على القرآن حتّى كادت كلاكلهم تصيبه، ثمّ أسلموا. فأنزل اللّه تعالى أمرهم على نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وقد ذكرنا هذا الفصل مستقصًى في أوّل البعث من (كتاب السّيرة) المطوّل، واللّه أعلم، وللّه الحمد والمنّة). [تفسير القرآن العظيم: 8/240-241]

قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({وَأَنَّا لاَ نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً}؛ أي: لا بُدَّ مِن هذا أو هذا؛ لأنَّهم رَأَوُا الأمْرَ تَغَيَّرَ عليهم تَغَيُّراً أَنْكَرُوه، فعَرَفُوا بفِطْنَتِهم أنَّ هذا الأمْرَ يُرِيدُه اللَّهُ، ويُحْدِثُه في الأرْضِ.


وفي هذا بيانٌ لأَدَبِهم؛ إذ أَضَافُوا الخيرَ إلى اللَّهِ تعالى, والشرَّ حَذَفُوا فاعلَه؛ تَأَدُّباً معَ اللَّهِ). [تيسير الكريم الرحمن: 891]

قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (10-{وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ} بسببِ هذه الحراسةِ للسماءِ.


{أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} أيْ: خيراً. قالَ ابنُ زيدٍ: قالَ إِبليسُ: لا نَدرِي أَرادَاللهُ بهذا الْمَنْعِ أنْ يُنْزِلَ على أهلِ الأرضِ عَذاباً أو يُرْسِلَ إليهم رَسُولاً). [زبدة التفسير: 572]



* للاستزادة ينظر: هنا