23 Aug 2015
تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (8) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (9) إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (10) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (قال ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ [في قوله] {ألم تر إلى الّذين نهوا عن النّجوى}
قال: اليهود وكذا قال مقاتل بن حيّان، وزاد: كان بين النّبيّ صلّى اللّه
عليه وسلّم وبين اليهود موادعةٌ، وكانوا إذا مرّ بهم رجلٍ من أصحاب النّبيّ
صلّى اللّه عليه وسلّم جلسوا يتناجون بينهم، حتّى يظنّ المؤمن أنّهم
يتناجون بقتله-أو: بما يكره المؤمن-فإذا رأى المؤمن ذلك خشيهم، فترك طريقه
عليهم. فنهاهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن النّجوى، فلم ينتهوا
وعادوا إلى النّجوى، فأنزل اللّه: {ألم تر إلى الّذين نهوا عن النّجوى ثمّ يعودون لما نهوا عنه}. وقال
ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا إبراهيم بن المنذر الحزاميّ، حدّثني
سفيان بن حمزة، عن كثيرٍ عن زيدٍ، عن ربيح بن عبد الرّحمن بن أبي سعيدٍ
الخدريّ، عن أبيه، عن جدّه قال: كنّا نتناوب رسول اللّه صلّى اللّه عليه
وسلّم، نبيت عنده؛ يطرقه من اللّيل أمرٌ وتبدو له حاجةٌ. فلمّا كانت ذات
ليلةٍ كثر أهل النّوب والمحتسبون حتّى كنّا أنديةً نتحدّث، فخرج علينا رسول
اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: "ما هذا النّجوى؟ ألم تنهوا عن
النّجوى؟ ". قلنا: تبنا إلى اللّه يا رسول اللّه، إنّا كنا في ذكر المسيح،
فرقا منه. فقال: "ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي منه؟ ". قلنا: بلى يا
رسول اللّه. قال: "الشّرك الخفيّ، أن يقوم الرّجل يعمل لمكان رجلٍ". هذا
إسنادٌ غريبٌ، وفيه بعض الضّعفاء وقوله: {ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصيت الرّسول}
أي: يتحدّثون فيما بينهم بالإثم، وهو ما يختصّ بهم، والعدوان، وهو ما
يتعلّق بغيرهم، ومنه معصية الرّسول ومخالفته، يصرون عليها ويتواصون بها. وقوله: {وإذا جاءوك حيّوك بما لم يحيّك به اللّه} قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا
أبو سعيدٍ الأشجّ، حدّثنا بن نميرٍ، عن الأعمش، [عن مسلمٍ] عن مسروقٍ، عن
عائشة قالت: دخل عليّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يهود فقالوا:
السّام عليك يا أبا القاسم. فقالت عائشة: وعليكم السام و [اللعنة] قالت:
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "يا عائشة، إنّ اللّه لا يحبّ
الفحش ولا التّفحّش". قلت: ألا تسمعهم يقولون: السام عليك؟ فقال رسول الله:
"أو ما سمعت أقول وعليكم؟ ". فأنزل اللّه: {وإذا جاءوك حيّوك بما لم يحيّك به اللّه} وفي
روايةٍ في الصّحيح أنّها قالت لهم: عليكم السّام والذّام واللّعنة. وأنّ
رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "إنّه يستجاب لنا فيهم، ولا يستجاب
لهم فينا" وقال
ابن جريرٍ: حدّثنا بشرٌ، حدّثنا يزيد، حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن أنس بن
مالكٍ: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بينما هو جالسٌ مع أصحابه، إذ
أتى عليهم يهوديٌّ فسلّم عليهم، فردّوا عليه، فقال نبيّ اللّه صلّى اللّه
عليه وسلّم: "هل تدرون ما قال؟ ". قالوا: سلّم يا رسول اللّه. قال: "بل
قال: سامٌ عليكم، أي: تسامون دينكم". قال رسول اللّه: "ردّوه". فردّوه
عليه. فقال نبيّ اللّه: "أقلت: سامٌ عليكم؟ ". قال: نعم. فقال رسول اللّه
صلّى اللّه عليه وسلّم: "إذا سلّم عليكم أحدٌ من أهل الكتاب فقولوا: عليك"
أي: عليك ما قلت وأصل حديث أنسٍ مخرّجٌ في الصّحيح، وهذا الحديث في الصّحيح عن عائشة، بنحوه وقوله: {ويقولون في أنفسهم لولا يعذّبنا اللّه بما نقول}
أي: يفعلون هذا، ويقولون ما يحرّفون من الكلام وإيهام السّلام، وإنّما هو
شتمٌ في الباطن، ومع هذا يقولون في أنفسهم: لو كان هذا نبيًّا لعذّبنا
اللّه بما نقول له في الباطن؛ لأنّ اللّه يعلم ما نسرّه، فلو كان هذا نبيّا
حقًّا لأوشك أن يعاجلنا اللّه بالعقوبة في الدّنيا، فقال اللّه تعالى: {حسبهم جهنّم} أي: جهنّم كفايتهم في الدّار الآخرة {يصلونها فبئس المصير} وقال
الإمام أحمد: حدّثنا عبد الصّمد، حدّثنا حمّادٌ، عن عطاء بن السّائب، عن
أبيه، عن عبد اللّه بن عمرٍو؛ أنّ اليهود كانوا يقولون لرسول اللّه صلّى
اللّه عليه وسلّم: سامٌ عليك، ثمّ يقولون في أنفسهم: {لولا يعذّبنا اللّه بما نقول}؟، فنزلت هذه الآية: {وإذا جاءوك حيّوك بما لم يحيّك به اللّه ويقولون في أنفسهم لولا يعذّبنا اللّه بما نقول حسبهم جهنّم يصلونها فبئس المصير} إسنادٌ حسن ولم يخرجوه وقال العوفي، عن بن عبّاسٍ: {وإذا جاءوك حيّوك بما لم يحيّك به اللّه} قال: كان المنافقون يقولون لرسول اللّه إذا حيّوه: "سامٌ عليك"، قال اللّه: {حسبهم جهنّم يصلونها فبئس المصير} ). [تفسير القرآن العظيم: 8/42-44] النَّجْوَى
هِيَ التَّنَاجِي بينَ اثنيْنِ فأَكثَرَ، وقدْ تَكُونُ في الْخَيْرِ
وتَكُونُ في الشَّرِّ، فأَمَرَ اللَّهُ المُؤمنِينَ أنْ يَتَنَاجَوْا
بِالْبِرِّ، وهو اسمٌ جامِعٌ لكلِّ خَيْرٍ وطاعةٍ وقِيامٍ بحقِّ اللَّهِ
وحقِّ عِبادِه.
{والتَّقْوَى}
وهي هنا اسمٌ جامِعٌ لتَرْكِ جَميعِ الْمَحارِمِ والْمَآثِمِ؛ فالمُؤمِنُ
يَمْتَثِلُ هذا الأمْرَ الإِلَهِيَّ؛ فلا تَجِدُه مُناجِياً ومُتَحَدِّثاً
إلاَّ بما يُقَرِّبُه إلى اللَّهِ ويُباعِدُه مِن سَخَطِهِ، والفاجِرُ
يَتَهَاوَنُ بأمْرِ اللَّهِ ويُناجِي بالإثْمِ والعُدْوانِ ومَعصيةِ
الرَّسولِ؛ كالْمُنافقِينَ الَّذينَ هذا دَأْبُهم وحالُهم معَ الرسولِ
صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ.
قالَ تعالى: {وَإِذَا جَاؤُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ}؛ أيْ: يُسِيئُونَ الأدَبَ في تَحِيَّتِهم لكَ.
{وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ}؛ أيْ: يُسِرُّونَ فيها ما ذَكَرَه عالِمُ الغَيْبِ والشَّهادةِ عنهم، وهو قولُهم: {لَوْلاَ يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ}، ومعنَى ذلكَ أنَّهم يَتهاوَنونَ بذلكَ، ويَستَدِلُّونَ بعَدَمِ تَعجيلِ العُقوبةِ عليهم أنَّ ما يَقولُونَه غيرُ مَحذورٍ.
قالَ تعالى في بيانِ أنَّه يُمْهِلُ ولا يُهْمِلُ: {حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ}؛ أيْ: تَكْفِيهِمْ جَهَنَّمُ التي جَمَعَتْ كلَّ عذابٍ وشَقاءٍ عليهم، تُحيطُ بهم ويُعَذَّبونَ بها؛ فبِئسَ المصيرُ.
وهؤلاءِ الْمَذْكورونَ:
- إمَّا أُناسٌ
مِن المُنافقِينَ، يُظْهِرونَ الإيمانَ ويُخاطِبُونَ الرسولَ صَلَّى
اللَّهُ عليه وسَلَّمَ بهذا الْخِطابِ الذي يُوهِمُونَ أنَّهم أَرَدُاوا
بهِ خَيْراً، وهم كَذَبَةٌ في ذلكَ.
- وإمَّا أُناسٌ
مِن أهْلِ الكتابِ الذينَ إذا سَلَّمُوا على رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عليهِ وسَلَّمَ قالوا: السَّامُ عليكَ يا مُحَمَّدُ. يَعْنُونَ الموتَ). [تيسير الكريم الرحمن: 845-846] قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) :(8- {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ}:
كان اليهودُ إذا مَرَّ بهم الرجُلُ مِن المؤمنينَ، تنَاجَوْا بينَهم حتى
يَظُنَّ المؤمنُ شَرًّا، فنَهاهم اللهُ فلم يَنتَهُوا فنَزَلَتْ: {وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ} أيْ: بغِيبَةِ المؤمنينَ وأَذاهم ونحوِ ذلك؛ كالكَذِبِ والظلْمِ.
{وَالْعُدْوَانِ} ما فيه عُدوانٌ على المؤمنينَ.
{وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ}: مُخالَفَتِهِ.
{وَإِذَا جَاؤُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ}
المرادُ بها اليهودُ؛ كانوا يَأتونَ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ
فيَقولونَ: السَّامُ عليك. يُريدونَ بذلك السلامَ ظَاهراً وهم يَعْنُونَ
الموتَ باطِناً، فيقولُ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ:
((عَلَيْكُمْ)).
{وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ} أيْ: فيما بينَهم.
{لَوْلاَ يُعَذِّبُنَا اللهُ بِمَا نَقُولُ}
أيْ يَقولون: لو كان محمَّدٌ نَبيًّا لعَذَّبَنا اللهُ بما يَتضمَّنُه
قولُنا مِن الاستخفافِ به. وقيلَ: المعنى: لو كان نَبيًّا لاستُجِيبَ له
فينَا حيثُ يقولُ: ((عَلَيْكُمْ)). ولَوَقَعَ علينا الموتُ عندَ ذلك.
{حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ} عَذاباً، أيْ: يَكفيهِمْ عَذابُها عن الموتِ الحاضِرِ.
{يَصْلَوْنَهَا} يَدخلونَها.
{فَبِئْسَ الْمَصِيرُ} أيْ: الْمَرْجِعُ، وهو جَهَنَّمُ). [زبدة التفسير: 543] قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({يا
أيّها الّذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية
الرّسول وتناجوا بالبرّ والتّقوى واتّقوا اللّه الّذي إليه تحشرون (9)
إنّما النّجوى من الشّيطان ليحزن الّذين آمنوا وليس بضارّهم شيئًا إلّا
بإذن اللّه وعلى اللّه فليتوكّل المؤمنون (10) }
ثمّ قال اللّه مؤدّبًا عباده المؤمنين ألّا يكونوا مثل الكفرة والمنافقين: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصيت الرّسول} أي: كما يتناجى به الجهلة من كفرة أهل الكتاب ومن مالأهم على ضلالهم من المنافقين، {وتناجوا بالبرّ والتّقوى واتّقوا اللّه الّذي إليه تحشرون} أي: فيخبركم بجميع أعمالكم وأقوالكم الّتي أحصاها عليكم، وسيجزيكم بها.
قال الإمام أحمد: حدّثنا بهز وعفّان قالا أخبرنا همّامٌ، حدّثنا قتادة، عن
صفوان بن محرز قال: كنت آخذًا بيد ابن عمر، إذ عرض له رجلٌ فقال: كيف سمعت
رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول في النّجوى يوم القيامة؟ قال: سمعت
رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "إنّ اللّه يدني المؤمن فيضع عليه
كنفه ويستره من النّاس، ويقرّره بذنوبه، ويقول له: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف
ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ حتّى إذا قرّره بذنوبه ورأى في نفسه أن قد هلك،
قال: فإنّي قد سترتها عليك في الدّنيا، وأنا أغفرها لك اليوم. ثمّ يعطى
كتاب حسناته، وأمّا الكفّار والمنافقون فيقول الأشهاد: هؤلاء الّذين كذبوا
على ربّهم، ألا لعنة اللّه على الظّالمين".
أخرجاه في الصّحيحين، من حديث قتادة). [تفسير القرآن العظيم: 8/44] قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) :(9- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ} كما يَفعلُه اليهودُ والمنافقونَ.
{وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى} أيْ: بالطاعةِ وتَرْكِ الْمَعصيةِ.
{وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} فيَجزِيكُم بأعمالِكم). [زبدة التفسير: 543] قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى: {إنّما النّجوى من الشّيطان ليحزن الّذين آمنوا وليس بضارّهم شيئًا إلا بإذن اللّه وعلى اللّه فليتوكّل المؤمنون} أي: إنّما النّجوى-وهي المسارّة-حيث يتوهّم مؤمنٌ بها سوءًا {من الشّيطان ليحزن الّذين آمنوا} يعني: إنّما يصدر هذا من المتناجين عن تسويل الشّيطان وتزيينه، {ليحزن الّذين آمنوا}
أي: ليسوءهم، وليس ذلك بضارّهم شيئًا إلّا بإذن اللّه، ومن أحسّ من ذلك
شيئًا فليستعذ باللّه وليتوكّل على اللّه، فإنّه لا يضرّه شيءٌ بإذن اللّه.
وقد وردت السّنة بالنّهي عن التّناجي حيث يكون في ذلك تأذٍ على مؤمنٍ، كما
قال الإمام أحمد: حدّثنا وكيعٌ وأبو معاوية قالا حدّثنا الأعمش، عن أبي
وائلٍ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:
"إذا كنتم ثلاثةً فلا يتناجينّ اثنان دون صاحبهما، فإنّ ذلك يحزنه".
وأخرجاه من حديث الأعمش
وقال عبد الرّزّاق، أخبرنا معمر، عن أيّوب، عن نافعٍ، عن ابن عمر قال: قال
رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون
الثّالث إلّا بإذنه؛ فإنّ ذلك يحزنه". انفرد بإخراجه مسلمٌ عن أبي الرّبيع
وأبي كاملٍ، كلاهما عن حمّاد بن زيدٍ، عن أيّوب، به). [تفسير القرآن العظيم: 8/44-45] قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) :(10- {إِنَّمَا النَّجْوَى} يَعنِي: بالإثمِ والعُدوانِ ومَعصيةِ الرسولِ.
{مِنَ الشَّيْطَانِ} لا مِن غيرِه، أيْ: مِن تَزيينِه وتَسويلِه.
{لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا} أيْ: لأجْلِ أنْ يُوقِعَهم في الْحُزْنِ بما يَحْصُلُ لهم مِن التَّوَهُّمِ أنها في مَكيدةٍ يُكادونَ بها.
{ولَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئاً} أيْ: وليس الشيطانُ، أو التَّناجِي الذي يُزَيِّنُه الشيطانُ، بضَارِّ المؤمنينَ شَيئاً مِن الضَّرَرِ.
{إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ} أيْ: بمشيئتِه.
{وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}
أيْ: يَكِلُونَ أمْرَهم إليه، ويُفَوِّضُونَه في جميعِ شُؤُونِهم،
ويَستعيذونَ باللهِ مِن الشيطانِ، ولا يُبالُونَ بما يُزَيِّنُه مِن
النَّجْوَى، وأخْرَجَ البخاريُّ ومسلِمٌ وغيرُهما عن ابنِ مسعودٍ قالَ:
قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((إِذَا كُنتُمْ ثَلاَثَةً فَلاَ يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الثَّالِثِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ)) ). [زبدة التفسير: 543]
تفسير
قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ
يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ
وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا
لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا
يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا
فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (8) )
(8-9) {أَلَمْ تَرَ
إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا
عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ
وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ
وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ
حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (8) يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإثْمِ
وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ
وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}.
تفسير قوله
تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا
تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ
وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ
تُحْشَرُونَ (9) )
تفسير قوله
تعالى: (إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ
آَمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى
اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (10) )
(10) يقولُ تعالى: {إِنَّمَا النَّجْوَى}؛
أيْ: تَناجِي أعداءِ المُؤْمنِينَ بالمُؤْمنِينَ بالْمَكْرِ والْخَديعةِ
وطَلَبِ السُّوءِ مِن الشيطانِ, الذي كَيْدُه ضعيفٌ، ومَكْرُه غيرُ مُفيدٍ.
{لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا}. هذا غايةُ هذا الْمَكْرِ ومَقصودُه.
{وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئاً إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ}؛ فإنَّ اللَّهَ تعالى وَعَدَ المُؤمنِينَ بالكِفايةِ والنصْرِ على الأعداءِ، وقالَ تعالى: {وَلاَ يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ}.
فأعداءُ اللَّهِ ورسولِه والمُؤمنِينَ مَهْمَا تَنَاجَوْا ومَكَرُوا،
فإنَّ ضَرَرَ ذلك عائدٌ إلى أنْفُسِهم، ولا يَضُرُّ المُؤمنِينَ إلاَّ شيءٌ
قَدَّرَه اللَّهُ وقَضاهُ.
{وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}؛ أيْ: ليَعْتَمِدُوا عليهِ ويَثِقُوا بِوَعْدِه؛ فإنَّ مَن تَوَكَّلَ على اللَّهِ كَفاهُ، وكَفاهُ أمْرَ دِينِه ودُنياهُ). [تيسير الكريم الرحمن: 846]
* للاستزادة ينظر: هنا