الدروس
course cover
تفسير سورة المجادلة [ من الآية (20) إلى الآية (22) ]
23 Aug 2015
23 Aug 2015

5424

0

0

course cover
تفسير جزء قد سمع

القسم الأول

تفسير سورة المجادلة [ من الآية (20) إلى الآية (22) ]
23 Aug 2015
23 Aug 2015

23 Aug 2015

5424

0

0


0

0

0

0

0

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (20) كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21) لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22) }


تفسير قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (20) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إنّ الّذين يحادّون اللّه ورسوله أولئك في الأذلّين (20) كتب اللّه لأغلبنّ أنا ورسلي إنّ اللّه قويٌّ عزيزٌ (21) لا تجد قومًا يؤمنون باللّه واليوم الآخر يوادّون من حادّ اللّه ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيّدهم بروحٍ منه ويدخلهم جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي اللّه عنهم ورضوا عنه أولئك حزب اللّه ألا إنّ حزب اللّه هم المفلحون (22) }
يقول تعالى مخبرًا عن الكفّار المعاندين المحادّين للّه ورسوله، يعني: الّذين هم في حدٍّ والشّرع في حدٍّ، أي: مجانبون للحقّ مشاقّون له، هم في ناحيةٍ والهدى في ناحيةٍ، {أولئك في الأذلّين} أي: في الأشقياء المبعدين المطرودين عن الصّواب، الأذلّين في الدّنيا والآخرة).[تفسير القرآن العظيم: 8/53]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ( {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ * كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}.
(20-21) هذا وَعْدٌ ووَعيدٌ، وعيدٌ لِمَن حادَّ اللَّهَ ورسولَه بالكفْرِ والمعاصِي أنَّه مَخذولٌ مَذلولٌ لا عَاقِبَةَ له حَمِيدةً، ولا رَايةَ له مَنْصُورةً، ووَعْدٌ لِمَن آمَنَ به وبرُسُلِه واتَّبَعَ ما جاءَ به الْمُرْسَلونَ، فصارَ مِن حِزْبِ اللَّهِ الْمُفْلِحِينَ أنَّ لهم الفتْحَ والنصْرَ والغَلَبَةَ في الدنيا والآخِرَةِ.
وهذا وَعْدٌ لا يُخْلَفُ ولا يُغَيَّرُ؛ فإِنَّه مِن الصادِقِ القَوِيِّ العزيزِ الذي لا يُعْجِزُه شيءٌ يُريدُه). [تيسير الكريم الرحمن: 848]

قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (20- {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ} تَقَدَّمَ معنى الْمُحادَّةِ للهِ ولرسولِه في أوَّلِ هذه السورةِ.


{أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ} مِن جُملةِ مَن أذَلَّه اللهُ مِن الأُمَمِ في الدنيا والآخِرةِ). [زبدة التفسير: 544]


تفسير قوله تعالى: (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {كتب اللّه لأغلبنّ أنا ورسلي} أي: قد حكم وكتب في كتابه الأوّل وقدره الّذي لا يخالف ولا يمانع، ولا يبدّل، بأنّ النّصرة له ولكتابه ورسله وعباده المؤمنين في الدنيا والآخرة، وأن العاقبة للمتّقين، كما قال تعالى: {إنّا لننصر رسلنا والّذين آمنوا في الحياة الدّنيا ويوم يقوم الأشهاد يوم لا ينفع الظّالمين معذرتهم ولهم اللّعنة ولهم سوء الدّار} [غافرٍ: 51، 52] وقال ها هنا {كتب اللّه لأغلبنّ أنا ورسلي إنّ اللّه قويٌّ عزيزٌ} أي: كتب القويّ العزيز أنّه الغالب لأعدائه. وهذا قدرٌ محكمٌ وأمرٌ مبرمٌ، أنّ العاقبة والنّصرة للمؤمنين في الدّنيا والآخرة).[تفسير القرآن العظيم: 8/53-54]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ( {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ * كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}.
(20-21) هذا وَعْدٌ ووَعيدٌ، وعيدٌ لِمَن حادَّ اللَّهَ ورسولَه بالكفْرِ والمعاصِي أنَّه مَخذولٌ مَذلولٌ لا عَاقِبَةَ له حَمِيدةً، ولا رَايةَ له مَنْصُورةً، ووَعْدٌ لِمَن آمَنَ به وبرُسُلِه واتَّبَعَ ما جاءَ به الْمُرْسَلونَ، فصارَ مِن حِزْبِ اللَّهِ الْمُفْلِحِينَ أنَّ لهم الفتْحَ والنصْرَ والغَلَبَةَ في الدنيا والآخِرَةِ.
وهذا وَعْدٌ لا يُخْلَفُ ولا يُغَيَّرُ؛ فإِنَّه مِن الصادِقِ القَوِيِّ العزيزِ الذي لا يُعْجِزُه شيءٌ يُريدُه). [تيسير الكريم الرحمن: 848] (م)

قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (21- {كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} أيْ: قَضَى في سابِقِ علْمِه: لأَغْلِبَنَّ أنا ورُسُلِي بالْحُجَّةِ والقُدرةِ.


{إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} قَوِيٌّ على نصْرِ أوليائِه، غالِبٌ لأعدائِه، لا يَغْلِبُه أحَدٌ). [زبدة التفسير: 544-545]


تفسير قوله تعالى: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى: {لا تجد قومًا يؤمنون باللّه واليوم الآخر يوادّون من حادّ اللّه ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم} أي: لا يوادّون المحادّين ولو كانوا من الأقربين، كما قال تعالى: {لا يتّخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من اللّه في شيءٍ إلا أن تتّقوا منهم تقاةً ويحذّركم اللّه نفسه} [آل عمران: 28] الآية، وقال تعالى: {قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموالٌ اقترفتموها وتجارةٌ تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحبّ إليكم من اللّه ورسوله وجهادٍ في سبيله فتربّصوا حتّى يأتي اللّه بأمره واللّه لا يهدي القوم الفاسقين} [التّوبة: 24]
وقد قال سعيد بن عبد العزيز وغيره: أنزلت هذه الآية {لا تجد قومًا يؤمنون باللّه واليوم الآخر} إلى آخرها في أبي عبيدة عامر بن عبد اللّه بن الجرّاح، حين قتل أباه يوم بدرٍ؛ ولهذا قال عمر بن الخطّاب، رضي اللّه عنه، حين جعل الأمر شورى بعده في أولئك السّتّة، رضي اللّه عنهم: "ولو كان أبو عبيدة حيًّا لاستخلفته".
وقيل في قوله: {ولو كانوا آباءهم} نزلت في أبي عبيدة قتل أباه يوم بدرٍ {أو أبناءهم} في الصّدّيق، همّ يومئذٍ بقتل ابنه عبد الرّحمن، {أو إخوانهم} في مصعب بن عميرٍ، قتل أخاه عبيد بن عميرٍ يومئذٍ {أو عشيرتهم} في عمر، قتل قريبًا له يومئذٍ أيضًا، وفي حمزة وعليٍّ وعبيدة بن الحارث، قتلوا عتبة وشيبة والوليد بن عتبة يومئذٍ، واللّه أعلم.
قلت: ومن هذا القبيل حين استشار رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المسلمين في أسارى بدرٍ، فأشار الصّدّيق بأن يفادوا، فيكون ما يؤخذ منهم قوّةً للمسلمين، وهم بنو العمّ والعشيرة، ولعلّ اللّه أن يهديهم. وقال عمر: لا أرى ما رأى يا رسول اللّه، هل تمكّنّي من فلانٍ-قريبٍ لعمر-فأقتله، وتمكّن عليًّا من عقيلٍ، وتمكّن فلانًا من فلانٍ، ليعلم اللّه أنّه ليست في قلوبنا هوادةٌ للمشركين = القصّة بكاملها.
وقوله: {أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيّدهم بروحٍ منه} أي: من اتّصف بأنّه لا يوادّ من حاد اللّه ورسوله ولو كان أباه أو أخاه، فهذا ممّن كتب اللّه في قلبه الإيمان، أي: كتب له السّعادة وقرّرها في قلبه وزين الإيمان في بصيرته.
وقال السّدّيّ: {كتب في قلوبهم الإيمان} جعل في قلوبهم الإيمان.
وقال ابن عبّاسٍ: {وأيّدهم بروحٍ منه} أي: قوّاهم.
وقوله: {ويدخلهم جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي اللّه عنهم ورضوا عنه} كلّ هذا تقدّم تفسيره غير مرّةٍ.
وفي قوله: {رضي اللّه عنهم ورضوا عنه} سرٌّ بديعٌ، وهو أنّه لمّا سخطوا على القرائب والعشائر في اللّه عوّضهم اللّه بالرّضا عنهم، وأرضاهم عنه بما أعطاهم من النّعيم المقيم، والفوز العظيم، والفضل العميم.
وقوله: {أولئك حزب اللّه ألا إنّ حزب اللّه هم المفلحون} أي: هؤلاء حزب اللّه، أي: عباد اللّه وأهل كرامته.
وقوله: {ألا إنّ حزب اللّه هم المفلحون} تنويهٌ بفلاحهم وسعادتهم ونصرهم في الدّنيا والآخرة، في مقابلة ما أخبر عن أولئك بأنّهم حزب الشّيطان. ثمّ قال: {ألا إنّ حزب الشّيطان هم الخاسرون}
وقد قال بن أبي حاتمٍ: حدّثنا هارون بن حميدٍ الواسطيّ، حدّثنا الفضل بن عنبسة، عن رجلٍ قد سمّاه-يقال هو عبد الحميد بن سليمان، انقطع من كتابي-عن الذيّال بن عبّادٍ قال: كتب أبو حازمٍ الأعرج إلى الزّهريّ: اعلم أنّ الجاه جاهان، جاهٌ يجريه اللّه على أيدي أوليائه لأوليائه، وأنّهم الخامل ذكرهم، الخفيّة شخوصهم، ولقد جاءت صفتهم على لسان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم. "إن اللّه يحبّ الأخفياء الأتقياء الأبرياء، الّذين إذا غابوا لم يفتقدوا، وإذا حضروا لم يدعوا، قلوبهم مصابيح الهدى، يخرجون من كلّ فتنةٍ سوداء مظلمةٍ" فهؤلاء أولياء اللّه تعالى الّذين قال اللّه: {أولئك حزب اللّه ألا إنّ حزب اللّه هم المفلحون}
وقال نعيم بن حمّاد: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن يونس، عن الحسن قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "اللّهمّ، لا تجعل لفاجرٍ ولا لفاسقٍ عندي يدًا ولا نعمةً، فإنّي وجدت فيما أوحيته إليّ: {لا تجد قومًا يؤمنون باللّه واليوم الآخر يوادّون من حادّ اللّه ورسوله} قال سفيان: يرون أنّها نزلت فيمن يخالط السّلطان. ورواه أبو أحمد العسكريّ).[تفسير القرآن العظيم: 8/54-55]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ( {لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
(22) يقولُ تعالى: {لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}؛ أيْ: لا يَجْتَمِعُ هذا وهذا، فلا يَكُونُ العبْدُ مُؤمناً باللَّهِ واليومِ الآخِرِ حقيقةً إلاَّ كانَ عامِلاً على مُقْتضَى إيمانِه ولَوازمِه مِن مَحَبَّةِ مَن قامَ بالإيمانِ ومُوالاتِه، وبُغْضِ مَن لم يَقُمْ به ومُعاداتِه، ولو كانَ أقْرَبَ الناسِ إليه.
وهذا هو الإيمانُ على الحقيقةِ، الذي وُجِدَتْ ثَمَرَتُه والمقصودُ منه، وأهْلُ هذا الوصْفِ هم الذينَ {كَتَبَ} اللَّهُ {فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ}؛ أيْ: رَسَمَه وَثَبَّتَه وغَرَسَه غَرْساً لا يَتَزَلْزَلُ ولا تُؤَثِّرُ فيهِ الشُّبَهُ والشُّكُوكُ، وهم الذينَ قَوَّاهُم اللَّهُ {بِرُوحٍ مِنْهُ}؛ أي: بوَحْيِهِ ومَعُونَتِه ومَدَدِه الإلهيِّ وإحسانِهِ الرَّبَّانِيِّ.
وهم الذينَ لهم الحياةُ الطيِّبَةُ في هذا الدارِ، ولهم جَنَّاتُ النَّعِيمِ في دارِ القَرارِ، التي فيها كلُّ ما تَشتهيهِ الأنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وتَختارُ، ولهم أفضَلُ النعيمِ وأَكْبَرُه، وهو أنَّ اللَّهَ يُحِلُّ عليهم رِضوانَه؛ فلا يَسْخَطُ عليهم أبَداً، ويَرْضَوْنَ عن رَبِّهِم بما يُعطِيهِم مِن أنواعِ الكَراماتِ ووَافِرِ الْمَثوباتِ وجَزيلِ الْهِبَاتِ ورَفيعِ الدرجاتِ؛ بحيثُ لا يَرَوْنَ فَوْقَ ما أَعطاهُم مَوْلاهم غايةً، ولا وَراءَه نِهايةً.
وأمَّا مَن يَزعُمُ أنَّه يُؤْمِنُ باللَّهِ واليومِ الآخِرِ، وهو معَ ذلك مُوَادٌّ لأعداءِ اللَّهِ، مُحِبٌّ لِمَن نَبَذَ الإيمانَ وراءَ ظَهْرِه، فإنَّ هذا إيمانٌ زَعْمِيٌّ لا حَقيقةَ له؛ فإنَّ كُلَّ أمْرٍ لا بُدَّ له مِن بُرْهانٍ يُصَدِّقُه، فمُجَرَّدُ الدَّعْوَى لا تُفيدُ شيئاً ولا يُصَدَّقُ صاحبُها. والحمدُ لِلَّهِ). [تيسير الكريم الرحمن: 848]

قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (22- {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} يُوَادُّونَ؛ أيْ: يُحِبُّونَ ويُوَالُونَ مَن عادَى اللهَ ورسولَه وشاقَّهُما.


{وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} أيْ: ولو كانَ الْمُحَادُّونَ للهِ ورسولِه آباءَ الْمُوَادِّينَ، إلخ.


فإنَّ الإيمانَ يَزْجُرُ عن ذلك ويَمنعُ منه، ورِعايتُه أقْوَى مِن رعايةِ الأُبُوَّةِ والبُنوَّةِ والأُخُوَّةِ والعَشيرةِ.


{أُولَئِكَ} يَعنِي الذينَ لا يُوَادُّونَ مَن حادَّ اللهَ ورَسولَه.


{كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ}: أثْبَتَه، وقِيلَ: جَعَلَه، وقيلَ: جَمَعَه.


{وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} أيْ: قَوَّاهُمْ بنَصْرٍ مِنه على عَدُوِّهِم في الدُّنيا. وسَمَّى نَصْرَه لهم رُوحاً؛ لأنَّ به يَحيَا أمْرُهم.


{وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا} على الأبَدِ.


{رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ} أيْ: قَبِلَ أعمالَهم وأَفاضَ عليهم رَحمتَه العاجلةَ والآجِلَةَ.


{وَرَضُوا عَنْهُ} أيْ: فَرِحُوا بما أَعطاهُم اللهُ عاجِلاً وآجِلاً.


{أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ} أيْ: جُنْدُه الذين يَمْتَثِلونَ أوامِرَه، ويُقاتِلونَ أعداءَه، ويَنصرونَ أولياءَه.


{أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} أيْ: الفائزونَ بسَعادةِ الدنيا والآخِرَةِ.


أخْرَجَ ابنُ أبي حاتمٍ والطبرانِيُّ والحاكمُ: جَعَلَ والدُ أبي عُبيدةَ بنِ الْجَرَّاحِ يَتقصَّدُ لأبي عُبيدةَ يومَ بدْرٍ، وجعَلَ أبو عُبيدةَ يَحيدُ عنه, فلَمَّا أكثَرَ قَصَدَه أبو عُبيدةَ فقَتَلَه، فنَزَلَتْ هذه الآيةُ). [زبدة التفسير: 545]




* للاستزادة ينظر: هنا