23 Aug 2015
تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (14) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (15) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (16) لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (17) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ (18) اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (19) }
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (14- {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً} أيْ: وَالَوْهُمْ؛ هم المنافقونَ تَوَلَّوُا اليهودَ.
{غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ} المغضوبُ عليهم هم اليهودُ.
{مَا هُم مِّنكُمْ وَلاَ مِنْهُمْ} كما قالَ اللهُ فيهم: {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاَءِ وَلاَ إِلَى هَؤُلاَءِ} ويُحتمَلُ أنهم اليهودُ، أيْ يقولُ للمؤمنينَ: ليس اليهودُ مِنكم ولا مِن المنافقينَ، فلِماذا لا يَتَوَلاَّهم المنافقونَ؟
{وَيَحْلِفُونَ عَلَى الكَذِبِ} أيْ: يَحْلِفون أنهم مُسلِمون، أو يَحلِفون إنهم ما نَقَلُوا الأخبارَ إلى اليهودِ.
{وَهُمْ يَعْلَمُونَ} أيْ: يَعلمونَ بُطلانَ ما حَلَفُوا عليه، وأنه كذِبٌ لا حقيقةَ له). [زبدة التفسير: 544] قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (15- {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا} بسببِ هذا التَّوَلِّي والْحَلِفِ على الباطلِ.
{إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} مِن الأعمالِ القَبيحةِ). [زبدة التفسير: 544] قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (16- {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً}
وهي ما كانوا يَحْلِفون عليه مِن الكذِبِ بأنهم مِن المسلمينَ؛ تَوَقِّيًا
مِن القتْلِ بالكفْرِ، فجَعَلُوا هذه الأَيمانَ وِقايةً وسُتْرَةً دُونَ
دِمائِهم، فآمَنَتْ ألْسِنَتُهم مِن خَوْفِ القتْلِ ولم تؤمِنْ قُلُوبُهم.
{فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللهِ} أيْ: مَنَعوا الناسَ عن الإسلامِ؛ بسَببِ ما يَصْدُرُ عنهم مِن التَّثبيطِ، وتَهوينِ أمْرِ المسلمينَ وتضعيفِ شَوْكَتِهم.
{فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ} أيْ: يُهينُهم ويُخزِيهم). [زبدة التفسير: 544] قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (18- {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ}
أيْ: يَحْلِفونَ للهِ يومَ القِيامةِ على الكَذِبِ كما يَحلِفونَ لكم في
الدنيا، فيَقولون: واللهِ رَبِّنا ما فعَلْنا ذلك. وهذا مِن شِدَّةِ
شَقَاوَتِهم، فإنَّ الحقائقَ يومَ القِيامةِ قد انْكَشَفَتْ، وصارَتِ
الأمورُ مَعلومةً بضَرورةِ المشاهَدَةِ.
{وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ}
أيْ: يَحسَبُونَ في الآخِرَةِ أنهم بتلك الأيمانِ الكاذبةِ على شيءٍ مما
يَجلِبُ نَفْعاً أو يَدفَعُ ضَرراً, كما كانوا يَحْسَبونَ ذلك في الدنيا).
[زبدة التفسير: 544] قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (19- {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ} أيْ: غَلَبَ عليهم واستَعْلَى واستولَى وأحاطَ بهم.
{فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللهِ} أيْ: فتَرَكُوا أوامِرَه والعمَلَ بطاعاتِه.
{أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ} أيْ: جُنودُه وأَتباعُه ورَهْطُه.
{أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ}
لأنهم باعُوا الجنةَ بالنارِ والهُدَى بالضلالةِ، وكَذَبُوا على اللهِ
وعلى نَبِيِّهِ، وحَلَفُوا الأيمانَ الفاجرةَ, فسَوفَ يَخْسَرونَ في الدنيا
والآخِرَةِ). [زبدة التفسير: 544]
* للاستزادة ينظر: هنا
تفسير
قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ
اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى
الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (14) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (يقول تعالى منكرًا على المنافقين في موالاتهم الكفّار في الباطن، وهم في نفس الأمر لا معهم ولا مع المؤمنين، كما قال تعالى: {مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل اللّه فلن تجد له سبيلا} [النّساء: 143] وقال ها هنا: {ألم تر إلى الّذين تولّوا قومًا غضب اللّه عليهم} يعني: اليهود، الّذين كان المنافقون يمالئونهم ويوالونهم في الباطن. ثمّ قال: {ما هم منكم ولا منهم} أي: هؤلاء المنافقون، ليسوا في الحقيقة لا منكم أيّها المؤمنون، ولا من الّذين تولّوهم وهم اليهود.
ثمّ قال: {ويحلفون على الكذب وهم يعلمون}
يعني: المنافقين يحلفون على الكذب وهم عالمون بأنّهم كاذبون فيما حلفوا،
وهي اليمين الغموس، ولا سيّما في مثل حالهم اللّعين، عياذًا باللّه منه
فإنّهم كانوا إذا لقوا الّذين آمنوا قالوا: آمنّا، وإذا جاءوا الرّسول
حلفوا باللّه [له] أنّهم مؤمنون، وهم في ذلك يعلمون أنّهم يكذبون فيما
حلفوا به؛ لأنّهم لا يعتقدون صدق ما قالوه، وإن كان في نفس الأمر مطابقًا؛
ولهذا شهد اللّه بكذبهم في أيمانهم وشهادتهم لذلك).[تفسير القرآن العظيم: 8/51-52]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({أَلَمْ
تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا
هُمْ مِنْكُمْ وَلاَ مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ
يَعْلَمُونَ * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ سَاءَ
مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا
عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ
أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولَئِكَ
أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ
جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ
أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ * اسْتَحْوَذَ
عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ
الشَّيْطَانِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ *}.
(14-15) يُخْبِرُ تعالى عن شَناعةِ حالِ
المُنافقِينَ، الذينَ يَتَوَلَّوْنَ الكافرِينَ مِن اليَهودِ والنَّصارَى
وغيرِهم مِمَّنْ غَضِبَ اللَّهُ عليهم، ونَالُوا مِن لَعْنَةِ اللَّهِ
أَوْفَى نَصيبٍ، وأنَّهم لَيْسُوا مِن المُؤمنِينَ ولا مِن الكافرِينَ: {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاَءِ وَلاَ إِلَى هَؤُلاَءِ},
فلَيْسُوا مُؤْمنِينَ ظاهِراً وبَاطِناً؛ لأنَّ باطنَهم معَ الكُفَّارِ،
ولا معَ الكُفَّارِ ظاهِراً وبَاطِناً؛ لأنَّ ظاهِرَهم معَ المُؤْمنِينَ.
وهذا وَصْفُهم الذي
نَعَتَهم اللَّهُ به، والحالُ أنَّهم يَحْلِفُونَ على ضِدِّه الذي هو
الكذِبُ، فيَحلِفونَ أنَّهم مُؤمنونَ، والحالُ أنَّهم لَيسوا مُؤمنِينَ،
فجَزاءُ هؤلاءِ الْخَوَنَةِ الفَجَرَةِ الكَذَبَةِ أنَّ اللَّهَ أعَدَّ لهم
عَذاباً شَديداً، لا يُقادَرُ قَدْرُه ولا يُعْلَمُ وَصْفُه). [تيسير الكريم الرحمن: 847]
تفسير قوله تعالى: (أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (15) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال: {أعدّ اللّه لهم عذابًا شديدًا إنّهم ساء ما كانوا يعملون}
أي: أرصد اللّه لهم على هذا الصّنيع العذاب الأليم على أعمالهم السّيّئة،
وهي موالاة الكافرين ونصحهم، ومعاداة المؤمنين وغشّهم؛ ولهذا قال تعالى {اتّخذوا أيمانهم جنّةً فصدّوا عن سبيل اللّه} ).[تفسير القرآن العظيم: 8/52]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ((14-15)
يُخْبِرُ تعالى عن شَناعةِ حالِ المُنافقِينَ، الذينَ يَتَوَلَّوْنَ
الكافرِينَ مِن اليَهودِ والنَّصارَى وغيرِهم مِمَّنْ غَضِبَ اللَّهُ
عليهم، ونَالُوا مِن لَعْنَةِ اللَّهِ أَوْفَى نَصيبٍ، وأنَّهم لَيْسُوا
مِن المُؤمنِينَ ولا مِن الكافرِينَ: {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاَءِ وَلاَ إِلَى هَؤُلاَءِ},
فلَيْسُوا مُؤْمنِينَ ظاهِراً وبَاطِناً؛ لأنَّ باطنَهم معَ الكُفَّارِ،
ولا معَ الكُفَّارِ ظاهِراً وبَاطِناً؛ لأنَّ ظاهِرَهم معَ المُؤْمنِينَ.
وهذا وَصْفُهم الذي
نَعَتَهم اللَّهُ به، والحالُ أنَّهم يَحْلِفُونَ على ضِدِّه الذي هو
الكذِبُ، فيَحلِفونَ أنَّهم مُؤمنونَ، والحالُ أنَّهم لَيسوا مُؤمنِينَ،
فجَزاءُ هؤلاءِ الْخَوَنَةِ الفَجَرَةِ الكَذَبَةِ أنَّ اللَّهَ أعَدَّ لهم
عَذاباً شَديداً، لا يُقادَرُ قَدْرُه ولا يُعْلَمُ وَصْفُه). [تيسير الكريم الرحمن: 847] (م)
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}؛ حيثُ عَمِلُوا بما يُسْخِطُ اللَّهَ ويُوجِبُ عليهم العُقوبةَ واللعْنَةَ). [تيسير الكريم الرحمن: 847]
تفسير قوله تعالى: (اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (16) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {اتّخذوا أيمانهم جنّةً فصدّوا عن سبيل اللّه}
أي: أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر، واتّقوا بالأيمان الكاذبة، فظنّ كثيرٌ
ممّن لا يعرف حقيقة أمرهم صدقهم فاغترّ بهم، فحصل بهذا صدٌّ عن سبيل اللّه
لبعض النّاس {فلهم عذابٌ مهينٌ} أي: في مقابلة ما امتهنوا من الحلف باسم اللّه العظيم في الأيمان الكاذبة الحانثة).[تفسير القرآن العظيم: 8/52]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ( (16) {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً}؛
أيْ: تُرْساً ووِقايةً يَتَّقُونَ بها مِن لَوْمِ اللَّهِ ورسولِه
والمُؤمنِينَ، فبِسببِ ذلكَ صَدُّوا أنْفُسَهم وغيرَهم عن سبيلِ اللَّهِ،
وهو الصِّراطُ الذي مَن سَلَكَه أفْضَى به إلى جَنَّاتِ النعيمِ، ومَن
صَدَّ عنه فليسَ إلاَّ الصِّراطُ الْمُوصِلُ إلى الْجَحيمِ.
{فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ}؛
حيثُ استَكْبَرُوا عن الإيمانِ باللَّهِ والانقيادِ لآياتِه؛ أهانَهم
بالعذابِ السَّرْمَدِيِّ الذي لا يَفْتُرُ عنهم ساعةً ولا هم يُنْظَرُونَ).
[تيسير الكريم الرحمن: 847]
تفسير
قوله تعالى: (لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ
مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
(17) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال: {لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من اللّه شيئًا} أي: لن يدفع ذلك عنهم بأسًا إذا جاءهم، {أولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون} ).[تفسير القرآن العظيم: 8/52]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ( (17) {لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً}؛ أيْ: لا تَدْفَعُ عنهم شيئاً مِن العَذابِ، ولا تُحَصِّلُ لهم قِسْطاً مِن الثوابِ، {أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ} الْمُلازِمُونَ لها، الذينَ لا يَخْرُجُونَ عنها، و {هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} ). [تيسير الكريم الرحمن: 847]
تفسير
قوله تعالى: (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ
كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا
إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ (18) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال: {يوم يبعثهم اللّه جميعًا} أي: يحشرهم يوم القيامة عن آخرهم فلا يغادر منهم أحدًا، {فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنّهم على شيءٍ}
أي: يحلفون باللّه عزّ وجلّ، أنّهم كانوا على الهدى والاستقامة، كما كانوا
يحلفون للنّاس في الدّنيا؛ لأنّ من عاش على شيءٍ مات عليه وبعث عليه،
ويعتقدون أنّ ذلك ينفعهم عند اللّه كما كان ينفعهم عند النّاس، فيجرون
عليهم الأحكام الظّاهرة؛ ولهذا قال: {ويحسبون أنّهم على شيءٍ} أي: حلفهم ذلك لربّهم، عزّ وجلّ.
ثمّ قال منكرًا عليهم حسبانهم {ألا إنّهم هم الكاذبون} فأكّد الخبر عنهم بالكذب.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا ابن نفيلٍ، حدّثنا زهيرٌ، عن سماك
بن حربٍ، حدّثني سعيد بن جبير؛ أنّ ابن عبّاسٍ حدّثه: أنّ النّبيّ صلّى
اللّه عليه وسلّم كان في ظلّ حجرةٍ من حجره، وعنده نفرٌ من المسلمين قد كان
يقلص عنهم الظّلّ، قال: "إنّه سيأتيكم إنسانٌ ينظر بعيني شيطانٍ، فإذا
أتاكم فلا تكلّموه". فجاء رجلٌ أزرق، فدعاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه
وسلّم فكلّمه، فقال؛ "علام تشتمني أنت وفلانٌ وفلانٌ؟ "-نفرٌ دعاهم
بأسمائهم-قال: فانطلق الرّجل فدعاهم، فحلفوا له واعتذروا إليه، قال فأنزل
اللّه، عزّ وجلّ: {فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنّهم على شيءٍ ألا إنّهم هم الكاذبون}
وهكذا رواه الإمام أحمد من طريقين، عن سماكٍ، به ورواه ابن جريرٍ، عن محمّد
بن المثنّى، عن غندر، عن شعبة، عن سماكٍ، به نحوه وأخرجه أيضًا من حديث
سفيان الثّوريّ، عن سماكٍ، بنحوه. إسنادٌ جيّدٌ ولم يخرّجوه.
وحال هؤلاء كما أخبر اللّه تعالى عن المشركين حيث يقول: {ثمّ لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا واللّه ربّنا ما كنّا مشركين انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضلّ عنهم ما كانوا يفترون} [الأنعام: 23، 24] ).[تفسير القرآن العظيم: 8/52-53]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : (
(18) ومَن عاشَ على شيءٍ ماتَ عليهِ، فكَمَا أنَّ المُنافقِينَ في الدنيا
يُمَوِّهُونَ على المُؤْمنِينَ ويَحْلِفونَ لهم أنَّهم مُؤمنونَ، فإذا كانَ
يومُ القِيامةِ وبَعَثَهم اللَّهُ جَميعاً؛ حَلَفُوا للهِ كما حَلَفُوا
للمُؤمنِينَ، ويَحْسَبُونَ في حَلِفِهم هذا {أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ}؛
لأنَّ كُفْرَهم ونِفاقَهم وعَقائِدَهم الباطلةَ لم تَزَلْ تَرْسَخُ في
أَذهانِهم شَيئاً فَشيئاً، حتى غَرَّتْهُم وظَنُّوا أنَّهم على شيءٍ
يُعْتَدُّ بهِ ويُعَلَّقُ عليه الثوابُ، وهم كاذِبونَ في ذلك.
ومِن المعلومِ أنَّ الكَذِبَ لا يَرُوجُ على عالِمِ الغَيبِ والشَّهادةِ). [تيسير الكريم الرحمن: 847-848]
تفسير
قوله تعالى: (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ
اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ
هُمُ الْخَاسِرُونَ (19) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال: {استحوذ عليهم الشّيطان فأنساهم ذكر اللّه} أي: استحوذ على قلوبهم الشّيطان حتّى أنساهم أن يذكروا اللّه، عزّ وجلّ، وكذلك يصنع بمن استحوذ عليه؛ ولهذا قال أبو داود:
حدثنا أحمد ابن يونس، حدّثنا زائدة، حدّثنا السّائب بن حبيش، عن معدان بن
أبي طلحة اليعمري، عن أبي الدّرداء: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم
يقول: "ما من ثلاثةٍ في قريةٍ ولا بدو، لا تقام فيهم الصّلاة إلّا قد
استحوذ عليهم الشّيطان، فعليك بالجماعة، فإنّما يأكل الذّئب القاصية". قال
زائدةٌ: قال السّائب: يعني الصّلاة في الجماعة.
ثمّ قال تعالى: {أولئك حزب الشّيطان} يعني: الّذين استحوذ عليهم الشّيطان فأنساهم ذكر اللّه. ثمّ قال تعالى: {ألا إنّ حزب الشّيطان هم الخاسرون} ).[تفسير القرآن العظيم: 8/53]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : (
(19) وهذا الذي جَرَى عليهم مِن استحواذِ الشيطانِ الذي اسْتَوْلَى عليهم
وزَيَّنَ لهم أعمالَهم وأَنساهُم ذِكْرَ اللَّهِ، وهو العدُوُّ الْمُبينُ -
لا يُريدُ بهم إِلاَّ الشَّرَّ، إِنَّما يَدْعُو حِزْبَه ليَكُونُوا مِن
أصحابِ السَّعِيرِ.
{أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} الذينَ خَسِرُوا دِينَهم ودُنياهم وأنْفُسَهم وأَهْلِيهم). [تيسير الكريم الرحمن: 848]