24 Aug 2015
تفسير قوله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9) }
تفسير
قوله تعالى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ
فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ
وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله تعالى: {لا ينهاكم اللّه عن الّذين لم يقاتلوكم في الدّين ولم يخرجوكم من دياركم} أي لا ينهاكم عن الإحسان إلى الكفرة الّذين لا يقاتلونكم في الدّين، كالنّساء والضّعفة منهم، {أن تبرّوهم} أي: تحسنوا إليهم {وتقسطوا إليهم} أي: تعدلوا {إنّ اللّه يحبّ المقسطين}.
قال الإمام أحمد: حدّثنا أبو معاوية، حدّثنا هشام بن عروة، عن فاطمة بنت
المنذر، عن أسماء -هي بنت أبي بكرٍ، رضي اللّه عنهما-قالت: قدمت أمّي وهي
مشركةٌ في عهد قريشٍ إذ عاهدوا، فأتيت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقلت:
يا رسول اللّه، إنّ أمّي قدمت وهي راغبةٌ، أفأصلها؟ قال: "نعم، صلي أمّك"
أخرجاه.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا عارمٌ، حدّثنا عبد اللّه بن المبارك، حدّثنا مصعب
بن ثابتٍ، حدّثنا عامر بن عبد اللّه بن الزّبير، عن أبيه قال: قدمت قتيلة
على ابنتها أسماء بنت أبي بكرٍ بهدايا: صناب وأقطٌ وسمنٌ، وهي مشركةٌ، فأبت
أسماء أن تقبل هديتها تدخلها بيتها، فسألت عائشة النّبيّ صلّى اللّه عليه
وسلّم، فأنزل اللّه، عزّ وجلّ: {لا ينهاكم اللّه عن الّذين لم يقاتلوكم في الدّين} إلى آخر الآية، فأمرها أن تقبل هديّتها، وأن تدخلها بيتها.
وهكذا رواه ابن جريرٍ وابن أبي حاتمٍ، من حديث مصعب بن ثابتٍ، به. وفي
روايةٍ لأحمد وابن جريرٍ: "قتيلة بنت عبد العزّى بن [عبد] أسعد، من بني
مالك بن حسلٍ. وزاد ابن أبي حاتمٍ: "في المدّة الّتي كانت بين قريشٍ، ورسول
اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم".
وقال أبو بكرٍ أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزّار: حدّثنا عبد اللّه بن
شبيبٍ، حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدّثنا أبو قتادة العدويّ، عن ابن أخي
الزّهريّ، عن الزّهريّ، عن عروة، عن عائشة وأسماء أنّهما قالتا: قدمت علينا
أمّنا المدينة، وهي مشركةٌ، في الهدنة الّتي كانت بين قريشٍ وبين رسول
اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقلنا: يا رسول اللّه، إنّ أمّنا قدمت علينا
المدينة راغبةً، أفنصلها؟ قال: "نعم، فصلاها".
ثمّ قال: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن الزّهريّ، عن عروة، عن عائشة إلّا من هذا الوجه.
قلت: وهو منكرٌ بهذا السّياق؛ لأنّ أمّ عائشة هي أمّ رومان، وكانت مسلمةً
مهاجرةً وأمّ أسماء غيرها، كما هو مصرّحٌ باسمها في هذه الأحاديث المتقدّمة
واللّه أعلم.
وقوله: {إنّ اللّه يحبّ المقسطين}
تقدّم تفسير ذلك في سورة "الحجرات"، وأورد الحديث الصّحيح: "المقسطون على
منابر من نورٍ عن يمين العرش، الّذين يعدلون في حكمهم، وأهاليهم، وما
ولوا").[تفسير القرآن العظيم: 8/90-91]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : (
(8) ولَمَّا نَزَلَتْ هذه الآياتُ الكريماتُ الْمُهَيِّجَةُ على عَداوةِ
الكافرِينَ؛ وقَعَتْ مِن المُؤمنِينَ كلَّ مَوقِعٍ، وقامُوا بها أَتَمَّ
القِيامِ، وتَأَثَّمُوا مِن صِلةِ بعضِ أقارِبِهم المشرِكِينَ، وظَنُّوا
أنَّ ذلكَ داخِلٌ فيما نَهَى اللَّهُ عنه، فأَخْبَرَهم اللَّهُ أنَّ ذلكَ
لا يَدخُلُ في الْمُحَرَّمِ، فقالَ: {لاَ
يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ
وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا
إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}؛
أيْ: لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عن البِرِّ والصِّلةِ والمُكَافأةِ
بالمَعْروفِ والقِسْطِ للمُشرِكِينَ مِن أقارِبِكم وغيرِهم؛ حيثُ كانوا
بحالٍ لم يَنْتَصِبوا لقِتالِكم في الدِّينِ والإخراجِ مِن دِيارِكم، فليسَ
عليكم جُناحٌ أنْ تَصِلُوهم؛ فإنَّ صِلَتَهم في هذهِ الحالةِ لا مَحذورَ
فيها ولا تَبِعَةَ.
كما قالَ تعالى في الأَبَوَيْنِ الكافِرَيْنِ إذا كانَ وَلَدُهما مُسْلِماً: {وَإِنْ
جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ
تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} ). [تيسير الكريم الرحمن: 856-857]
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (8- {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ} أيْ: لا يَنهاكم عن هؤلاءِ {أَن تَبَرُّوهُمْ}: تَفعلوا معهم ما هو مِن البِرِّ؛ كصِلَةِ الرَّحِمِ، ونفْعِ الجارِ، والضيافةِ.
{وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ}:
وتَعْدِلوا فيما بينَكم وبينَهم بأداءِ ما لهم مِن الحقِّ؛ كالوفاءِ لهم
بالوعْدِ، وإيتاءِ الأمانةِ، وأداءِ أثمانِ ما تَشترُونَه منهم كامِلَةً
غيرَ منقوصةٍ.
{إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}
أي: العادلينَ، ومعنى الآيةِ أنَّ اللهَ سُبحانَه لا يَنهَى عن بِرِّ أهلِ
العهدِ مِن الكفَّارِ الذين عاهَدوا المؤمنينَ على تَرْكِ القتالِ، وعلى
أنْ لا يُظاهِرُوا الكفَّارَ عليهم، ولا يَنْهَى عن مُعامَلَتِهم
بالعدْلِ). [زبدة التفسير: 549-550]
تفسير
قوله تعالى: (إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ
فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى
إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ
الظَّالِمُونَ (9) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {إنّما ينهاكم اللّه عن الّذين قاتلوكم في الدّين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولّوهم}
أي: إنّما ينهاكم عن موالاة هؤلاء الّذين ناصبوكم العداوة، فقاتلوكم
وأخرجوكم، وعاونوا على إخراجكم، ينهاكم اللّه عن موالاتهم ويأمركم
بمعاداتهم. ثمّ أكّد الوعيد على موالاتهم فقال: {ومن يتولّهم فأولئك هم الظّالمون} كقوله {يا
أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا اليهود والنّصارى أولياء بعضهم أولياء بعضٍ
ومن يتولّهم منكم فإنّه منهم إنّ اللّه لا يهدي القوم الظّالمين} [المائدة: 51] ).[تفسير القرآن العظيم: 8/91]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ( (9) وقولُه: {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ}؛ أيْ: لأَجْلِ دِينِكم؛ عَداوةً لدِينِ اللَّهِ ولِمَنْ قامَ به، {وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا}؛ أيْ: عاوَنوا غيرَهم, {عَلَى إِخْرَاجِكُمْ}.
نَهاكم اللَّهُ {أَنْ تَوَلَّوْهُمْ}
بالنُّصْرَةِ والموَدَّةِ بالقولِ والفعْلِ، وأمَّا بِرُّكُم وإحسانُكم
الذي ليسَبِتَوَلٍّ للمُشرِكِينَ فلَمْ يَنْهَكُم اللَّهُ عنه، بلْ ذلكَ
داخِلٌ في عُمومِ الأمْرِ بالإحسانِ إلى الأقارِبِ وغيرِهم مِن
الآدَمِيِّينَ وغيرِهم.
{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ}: مِنكم .
{فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}،
وذلك الظلْمُ يكونُ بحَسَبِ التَّوَلِّي؛ فإنْ كانَ تَوَلِّياً تامًّا
كانَ ذلك كُفْراً مُخْرِجاً عن دائرةِ الإسلامِ، وتحتَ ذلك مِن الْمَراتِبِ
ما هو غَليظٌ وما هو دُونَه). [تيسير الكريم الرحمن: 857]
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (9- {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ} وهم صَناديدُ الكفْرِ مِن قريشٍ, وأشباهُهم ممن هُمْ حَرْبٌ على المسلمينَ.
{وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ} أيْ: عَاوَنوا الذينَ قاتَلُوكُم وأَخرَجُوكم على ذلك، وهم سائرُ أهلِ مَكَّةَ، ومَن دخَلَ مَعهم في عهْدِهم, {أَن تَوَلَّوْهُمْ} أيْ: أنْ تَتَّخِذوهم أولياءَ وتُناصِرُوهم. {وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} لأنهم تَوَلَّوْا مَن يَستحِقُّ العَداوةَ؛ لكونِه عَدُوًّا للهِ ولرسولِه ولكتابِه). [زبدة التفسير: 550]
* للاستزادة ينظر: هنا