الدروس
course cover
تفسير سورة الممتحنة [ من الآية (4) إلى الآية (7) ]
24 Aug 2015
24 Aug 2015

5182

0

0

course cover
تفسير جزء قد سمع

القسم الثاني

تفسير سورة الممتحنة [ من الآية (4) إلى الآية (7) ]
24 Aug 2015
24 Aug 2015

24 Aug 2015

5182

0

0


0

0

0

0

0

تفسير قوله تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5) لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (6) عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (7) }


تفسير قوله تعالى: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قد كانت لكم أسوةٌ حسنةٌ في إبراهيم والّذين معه إذ قالوا لقومهم إنّا برآء منكم وممّا تعبدون من دون اللّه كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدًا حتّى تؤمنوا باللّه وحده إلّا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرنّ لك وما أملك لك من اللّه من شيءٍ ربّنا عليك توكّلنا وإليك أنبنا وإليك المصير (4) ربّنا لا تجعلنا فتنةً للّذين كفروا واغفر لنا ربّنا إنّك أنت العزيز الحكيم (5) لقد كان لكم فيهم أسوةٌ حسنةٌ لمن كان يرجو اللّه واليوم الآخر ومن يتولّ فإنّ اللّه هو الغنيّ الحميد (6) }
يقول تعالى لعباده المؤمنين الّذين أمرهم بمصارمة الكافرين وعداوتهم ومجانبتهم والتّبرّي منهم: {قد كانت لكم أسوةٌ حسنةٌ في إبراهيم والّذين معه} أي: وأتباعه الّذين آمنوا معه {إذ قالوا لقومهم إنّا برآء منكم} أي: تبرّأنا منكم {وممّا تعبدون من دون اللّه كفرنا بكم} أي: بدينكم وطريقكم، {وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدًا} يعني: وقد شرعت العداوة والبغضاء من الآن بيننا وبينكم، ما دمتم على كفركم فنحن أبدًا نتبرّأ منكم ونبغضكم {حتّى تؤمنوا باللّه وحده} أي: إلى أن توحدوا اللّه فتعبدوه وحده لا شريك له، وتخلعوا ما تعبدون معه من الأنداد والأوثان.
وقوله: {إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرنّ لك} أي: لكم في إبراهيم وقومه أسوةٌ حسنةٌ تتأسّون بها، إلّا في استغفار إبراهيم لأبيه، فإنّه إنّما كان عن موعدة وعدها إيّاه، فلمّا تبيّن له أنّه عدوٌّ للّه تبرّأ منه. وذلك أنّ بعض المؤمنين كانوا يدعون لآبائهم الّذين ماتوا على الشّرك ويستغفرون لهم، ويقولون: إنّ إبراهيم كان يستغفر لأبيه، فأنزل اللّه، عزّ وجلّ: {ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبيّن لهم أنّهم أصحاب الجحيم وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدةٍ وعدها إيّاه فلمّا تبيّن له أنّه عدوٌّ للّه تبرّأ منه إنّ إبراهيم لأوّاهٌ حليمٌ} [التّوبة: 113، 114]. وقال تعالى في هذه الآية الكريمة: {قد كانت لكم أسوةٌ حسنةٌ في إبراهيم والّذين معه} إلى قوله: {إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرنّ لك وما أملك لك من اللّه من شيءٍ} أي: ليس لكم في ذلك أسوةٌ، أي: في الاستغفار للمشركين، هكذا قال ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، وقتادة، ومقاتلٌ، والضّحّاك وغير واحدٍ.
ثمّ قال تعالى مخبرًا عن قول إبراهيم والّذين معه، حين فارقوا قومهم وتبرّءوا منهم، فلجئوا إلى اللّه وتضرّعوا إليه فقالوا: {ربّنا عليك توكّلنا وإليك أنبنا وإليك المصير} أي: توكّلنا عليك في جميع الأمور، وسلّمنا أمورنا إليك، وفوّضناها إليك {وإليك المصير} أي: المعاد في الدّار الآخرة).[تفسير القرآن العظيم: 8/87-88]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ( (4) {قَدْ} كانَ {لَكُمْ} يا مَعشَرَ المُؤْمنِينَ، {أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}؛ أيْ: قُدْوةٌ صالحةٌ وائتمامٌ يَنفَعُكُم {فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ} مِن المُؤْمنِينَ؛ لأنَّكم قَدْ أُمِرْتُمْ أنْ تَتَّبِعُوا مِلَّةَ إبراهيمَ حَنيفاً.
{إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءَاءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ}؛ أيْ: إذ تَبَرَّأَ إبراهيمُ عليهِ السلامُ ومَن معَه مِن المُؤْمنِينَ مِن قَوْمِهم الْمُشرِكِينَ ومِمَّا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ، ثُمَّ صَرَّحُوا بعَداوَتِهم غايةَ التصريحِ، فقالوا: {كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا}؛ أيْ: ظَهَرَ وبانَ {بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ}؛ أي: البُغْضُ بالقُلُوبِ وزَوالُ مَوَدَّتِها والعداوةُ بالأَبدانِ.
وليسَ لتلكَ العَدواةِ والبَغْضاءِ وقتٌ ولا حَدٌّ، بل ذلكَ {أَبَداً} ما دُمْتُمْ مُسْتَمِرِّينَ على كُفْرِكم.
{حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}؛ أيْ: فإذا آمَنْتُمْ باللَّهِ وَحْدَه زالتِ العَداوةُ والبَغْضاءُ، وانقَلَبَتْ مَوَدَّةً ووَلايةً؛ فلكم أيُّها المُؤْمنِونَ أُسوةٌ حَسَنةٌ في إبراهيمَ ومَن معَه في القيامِ بالإيمانِ والتوحيدِ، ولَوازمِ ذلكَ ومُقتَضَيَاتِه وفي كلِّ شيءٍ تَعَبَّدُوا به للَّهِ وحْدَه {إِلاَّ} في خَصلةٍ واحدةٍ، وهي: {قُوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ} آزَرَ المُشرِكِ الكافرِ المُعانِدِ حينَ دَعاهُ إلى الإيمانِ والتوحيدِ فامتَنَعَ، فقالَ إبراهيمُ له: {لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَ}: الحالُ أَنِّي لا {أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ}، ولكنِّي أَدْعُو رَبِّي عَسَى أنْ لا أَكُونَ بدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا.
فليسَ لكم أنْ تَقْتَدُوا بإبراهيمَ في هذهِ الحالةِ التي دَعَا بها للمُشرِكِ، فليسَ لكم أنْ تَدْعُوا للمُشرِكينَ وتَقولوا: إنَّا في ذلكَ مُتَّبِعونَ لِمِلَّةِ إبراهيمَ؛ فإِنَّ اللَّهَ ذَكَرَ عُذْرَ إبراهيمَ في ذلك بقولِه: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ} الآيةَ.
ولكم أُسْوةٌ حَسَنةٌ في إِبْراهيمَ ومَن معَه حينَ دَعَوُا اللَّهَ وتَوَكَّلوا عليهِ، وأَنَابُوا إليه، واعتَرَفوا بالعَجْزِ والتَّقْصيرِ، فقَالُوا: {رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا}؛ أي: اعْتَمَدْنَا عليكَ في جَلْبِ ما يَنْفَعُنا ودَفْعِ ما يَضُرُّنا ووَثِقْنا بكَ يا رَبَّنَا في ذلكَ.
{وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا}؛ أيْ: رَجَعْنَا إلى طاعتِكَ ومَرضاتِكَ وجَميعِ ما يُقَرِّبُ إليكَ، فنَحْنُ في ذلكَ ساعونَ، وبفِعْلِ الخَيراتِ مُجتهدونَ، ونَعلَمُ أنَّا إليكَ نَصِيرُ، فسَنَسْتَعِدُّ للقُدومِ عليكَ، ونَعمَلُ ما يُزَلِّفُنا إليك). [تيسير الكريم الرحمن: 856]
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (4- {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} أيْ: خَصلةٌ حَميدةٌ تَقتدونَ بها.
{فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ} يقولُ: أفلا تَأَسَّيْتَ يا حاطِبُ بإبراهيمَ، فتَتَبَرَّأَ مِن أهْلِكَ كما تَبَرَّأَ إبراهيمُ مِن أبيهِ وقومِه {إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ} أيْ: بَريئونَ مِنكم، لسْنَا مِنكم ولستُمْ مِنَّا؛ لكُفْرِكم باللهِ.
{وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ} وهي الأصنامُ, {كَفَرْنَا بِكُمْ} أي: بدِينِكم، أو بأفعالِكم.
{وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا} أيْ: هذا دَأَبُنا معكم ما دُمْتُم على كفْرِكم.
{حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} وتَتركوا ما أنتم عليه مِن الشرْكِ، فإذا فَعلتُم ذلك صارَتْ تلك العَداوةُ مُوالاةً، والبَغضاءُ مَحَبَّةً.
{إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ} أيْ: قد كانتْ لكم أُسوةٌ حَسنةٌ في كلِّ مَقالاتِ إبراهيمَ إلا قولَه لأبيه، فلا تَأْتَسُوا به فتَستغفروا للمُشركينَ؛ فإنه كانَ عن مَوْعِدَةٍ وعَدَها إيَّاه, (فلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أنَّه عدوٌّ للهِ تَبَرَّأَ مِنه) {وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ } أيْ: وما أَدْفَعُ عنك مِن عذابِ اللهِ شيئًا). [زبدة التفسير: 549]

تفسير قوله تعالى: (رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {ربّنا لا تجعلنا فتنةً للّذين كفروا} قال مجاهدٌ: معناه: لا تعذّبنا بأيديهم، ولا بعذابٍ من عندك، فيقولوا: لو كان هؤلاء على حقٍّ ما أصابهم هذا. وكذا قال الضّحّاك.
وقال قتادة لا تظهرهم علينا فيفتتنوا بذلك، يرون أنّهم إنّما ظهروا علينا لحقٍّ هم عليه. واختاره ابن جريرٍ.
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: لا تسلّطهم علينا فيفتنونا.
وقوله: {واغفر لنا ربّنا إنّك أنت العزيز الحكيم} أي: واستر ذنوبنا عن غيرك، واعف عنها فيما بيننا وبينك، {إنّك أنت العزيز الحكيم} أي: الّذي لا يضام من لاذ بجناحك {الحكيم} في أقوالك وأفعالك وشرعك وقدرك).[تفسير القرآن العظيم: 8/88]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ( (5) {رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا}؛ أيْ: لا تُسَلِّطْهم علينا بذُنوبِنا، فيَفْتِنُونا، ويَمْنَعونا مِمَّا يَقْدِرونَ عليهِ مِن أُمورِ الإيمانِ ويَفْتَتِنُونَ أيضاً بأنْفُسِهم؛ فإِنَّهم إذا رَأَوْا لهم الغَلَبَةَ ظَنُّوا أنَّهم على الحقِّ وأنَّا على الباطِلِ فازْدَادُوا كُفْراً وطُغياناً.
{وَاغْفِرْ لَنَا} مَا اقْتَرَفْنَا مِن الذُّنوبِ والسيِّئاتِ، وما قَصَّرْنا به مِن المَأْموراتِ.
{رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ} القاهِرُ لكلِّ شيءٍ، {الْحَكِيمُ} الذي يَضَعُ الأشياءَ مَواضِعَها، فبِعِزَّتِكَ وحِكمتِكَ انصُرْنا على أَعدائِنَا، واغْفِرْ لنا ذُنوبَنا وأَصْلِحْ عُيوبَنَا). [تيسير الكريم الرحمن: 856]
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (5- {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا} قالَ مُجاهِدٌ: لا تُعَذِّبْنا بأَيْدِيهِم، ولا بعذابٍ مِن عنْدِك فيقولوا: لو كان هؤلاءِ على حَقٍّ ما أصابَهم هذا). [زبدة التفسير: 549]

تفسير قوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (6) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى: {لقد كان لكم فيهم أسوةٌ حسنةٌ لمن كان يرجو اللّه واليوم الآخر} وهذا تأكيدٌ لما تقدّم ومستثنًى منه ما تقدّم أيضًا لأنّ هذه الأسوة المثبتة هاهنا هي الأولى بعينها.
وقوله: {لمن كان يرجو اللّه واليوم الآخر} تهييجٌ إلى ذلك كلّ مقرٍّ باللّه والمعاد.
وقوله: {ومن يتولّ} أي: عمّا أمر اللّه به، {فإنّ اللّه هو الغنيّ الحميد} كقوله {إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعًا فإنّ اللّه لغنيٌّ حميدٌ} [إبراهيم: 8].
وقال عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: {الغنيّ} الّذي [قد] كمل في غناه، وهو اللّه، هذه صفته لا تنبغي إلّا له، ليس له كفءٌ، وليس كمثله شيءٌ، سبحان اللّه الواحد القهّار. {الحميد} المستحمد إلى خلقه، أي: هو المحمود في جميع أفعاله وأقواله، لا إله غيره، ولا ربّ سواه).[تفسير القرآن العظيم: 8/88]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ( (6) ثم كَرَّرَ الحثَّ لهم على الاقتداءِ بهم وقالَ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}، وليسَ كلُّ أحَدٍ تَسْهُلُ عليهِ هذهِ الأُسوةُ، وإنَّما تَسْهُلُ على مَن {كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ}؛ فإنَّ الإيمانَ واحتسابَ الأجْرِ والثوابِ يُسَهِّلُ على العبدِ كلَّ عَسيرٍ، ويُقَلِّلُ لَدَيْهِ كلَّ كَثيرٍ، ويُوجِبُ الإكثارَ مِن الاقتداءِ بعِبادِ اللَّهِ الصالِحِينَ والأنبياءِ والمُرسَلِينَ.
فإِنَّه يَرَى نَفْسَه مُفتَقِراً ومُضْطَرًّا إلى ذلكَ غايةَ الاضْطِرارِ.
{وَمَنْ يَتَوَلَّ} عن طاعةِ اللَّهِ والتَّأسِّي برُسُلِ اللَّهِ، فلَنْ يَضُرَّ إلاَّ نفْسَه، ولا يَضُرَّ اللَّهَ شيئاً.
{فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ} الذي له الغِنَى التامُّ المُطْلَقُ مِن جميعِ الوُجوهِ، فلا يَحتاجُ إلى أحَدٍ مِن خَلْقِه بوَجهٍ.
{الْحَمِيدُ} في ذاتِه وأسمائِه وصِفاتِه وأفعالِه، فإِنَّه محمودٌ على ذلك كُلِّه). [تيسير الكريم الرحمن: 856]
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (6- {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} أيْ: لقد كانَ لكم في إبراهيمَ والذين معه قُدوةٌ حَسنةٌ.
{لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} المعنى: أنَّ هذه الأُسوةَ إنما تكونُ لِمَن يَطمعُ في الخيْرِ مِن اللهِ في الدنيا وفي الآخِرةِ.
{وَمَن يَتَوَلَّ} أيْ: يُعرِضَ عن ذلك.
{فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ} عن خلْقِه.
{الْحَمِيدُ} إلى أوليائِه). [زبدة التفسير: 549]

تفسير قوله تعالى: (عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (7) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {عسى اللّه أن يجعل بينكم وبين الّذين عاديتم منهم مودّةً واللّه قديرٌ واللّه غفورٌ رحيمٌ (7) لا ينهاكم اللّه عن الّذين لم يقاتلوكم في الدّين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم وتقسطوا إليهم إنّ اللّه يحبّ المقسطين (8) إنّما ينهاكم اللّه عن الّذين قاتلوكم في الدّين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولّوهم ومن يتولّهم فأولئك هم الظّالمون (9) }
يقول تعالى لعباده المؤمنين بعد أن أمرهم بعداوة الكافرين: {عسى اللّه أن يجعل بينكم وبين الّذين عاديتم منهم مودّةً} أي: محبّةً بعد البغضة، ومودّةً بعد النّفرة، وألفةً بعد الفرقة. {واللّه قديرٌ} أي: على ما يشاء من الجمع بين الأشياء المتنافرة والمتباينة والمختلفة، فيؤلّف بين القلوب بعد العداوة والقساوة، فتصبح مجتمعةً متّفقةً، كما قال تعالى ممتنًّا على الأنصار: {واذكروا نعمة اللّه عليكم إذ كنتم أعداءً فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانًا وكنتم على شفا حفرةٍ من النّار فأنقذكم منها} الآية [آل عمران: 103]. وكذا قال لهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "ألم أجدكم ضلالا فهداكم اللّه بي، وكنتم متفرّقين فألّفكم اللّه بي؟ ". وقال اللّه تعالى: {هو الّذي أيّدك بنصره وبالمؤمنين وألّف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألّفت بين قلوبهم ولكنّ اللّه ألّف بينهم إنّه عزيزٌ حكيمٌ} [الأنفال: 62، 63]. وفي الحديث "أحبب حبيبك هونًا ما، فعسى أن يكون بغيضك يومًا ما. وأبغض بغيضك هونًا ما، فعسى أن يكون حبيبك يومًا ما". وقال الشّاعر:
وقد يجمع الله الشّتيتين بعد ما = يظنان كل الظّنّ ألّا تلاقيا
وقوله تعالى: {واللّه غفورٌ رحيمٌ} أي: يغفر للكافرين كفرهم إذا تابوا منه وأنابوا إلى ربّهم وأسلموا له، وهو الغفور الرّحيم بكلّ من تاب إليه، من أيّ ذنبٍ كان.
وقد قال مقاتل بن حيّان: إنّ هذه الآية نزلت في أبي سفيان، صخر بن حربٍ، فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم تزوّج ابنته فكانت هذه مودّة ما بينه وبينه.
وفي هذا الّذي قاله مقاتلٌ نظرٌ؛ فإنّ رسول تزوّج بأمّ حبيبة بنت أبي سفيان قبل الفتح، وأبو سفيان إنّما أسلم ليلة الفتح بلا خلافٍ. وأحسن من هذا ما رواه بن أبي حاتمٍ حيث قال: قرئ على محمّد بن عزيز: حدّثني سلامة، حدّثني عقيلٌ، حدّثني ابن شهابٍ؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم استعمل أبا سفيان بن حربٍ على بعض اليمن، فلمّا قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أقبل فلقي ذا الخمار مرتدًّا، فقاتله، فكان أوّل من قاتل في الرّدّة وجاهد عن الدّين. قال ابن شهاب: وهو ممن أنزل اللّه فيه: {عسى اللّه أن يجعل بينكم وبين الّذين عاديتم منهم مودّةً واللّه قديرٌ واللّه غفورٌ رحيمٌ}.
وفي صحيح مسلمٍ، عن ابن عبّاسٍ: أنّ أبا سفيان قال: يا رسول اللّه، ثلاثٌ أعطنيهنّ. قال: "نعم". قال: وتؤمّرني أقاتل الكفّار كما كنت أقاتل المسلمين. قال: "نعم". قال: ومعاوية تجعله كاتبًا بين يديك. قال: "نعم". قال: وعندي أحسن العرب وأجمله، أمّ حبيبة بنت أبي سفيان أزوّجكها = الحديث. وقد تقدّم الكلام عليه).[تفسير القرآن العظيم: 8/88-90]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ( (7) ثم أَخْبَرَ تعالى أنَّ هذه العَداوةَ التي أمَرَ اللَّهُ بها المُؤْمنِينَ للمُشْرِكِينَ، ووَصَفَهم بالقيامِ بها، أنَّهم ما دَامُوا على شِرْكِهم وكُفْرِهم، وأنَّهم إنِ انْتَقَلُوا إلى الإيمانِ، فإنَّ الحُكْمَ يَدورُ معَ عِلَّتِه، والْمَوَدَّةَ الإيمانيَّةَ تَرجِعُ؛ فلا تَيْأَسُوا أيُّها المُؤمنونَ مِن رُجوعِهم إلى الإيمانِ.
{عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً} سبَبُها رُجوعُهم إلى الإيمانِ.
{وَاللَّهُ قَدِيرٌ} على كلِّ شيءٍ، ومِن ذلكَ هِدايةُ القُلوبِ وتَقليبُها مِن حالٍ إلى حالٍ، {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} لا يَتَعَاظَمُه ذَنبٌ أنْ يَغفِرَه، ولا يَكْبَرُ عليه عَيْبٌ أنْ يَسْتُرَه.
{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}.
وفي هذهِ الآيةِ إشارةٌ وبِشارةٌ بإسلامِ بعضِ المشرِكِينَ، الذينَ كانوا إذْ ذاكَ أعداءً للمُؤمنِينَ، وقدْ وَقَعَ ذلكَ، وللهِ الحمْدُ والْمِنَّةُ). [تيسير الكريم الرحمن: 856]
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (7- {عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً} أيْ: بينَكم وبينَ مُشْرِكِي مكةَ، وذلك بأنْ يُسْلِموا فيَصيروا مِن أهْلِ دينِكم، وقد أَسْلَمَ قومٌ منهم بعدَ فتْحِ مكةَ وحَسُنَ إسلامُهم, ووَقعَتْ بينَهم وبينَمَن تَقدَّمَهم في الإسلامِ مَوَدَّةٌ,وجَاهَدوا وفَعَلوا الأفعالَ المقرِّبَةَ إلى اللهِ، وتَزَوَّجَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأُمِّ حَبيبةَ بنتِ أبي سُفيانَ، ولكنها لم تَحصُلِ المودَّةُ معه إلا بإسلامِه يومَ الفتْحِ وما بعدَه، وتَرَكَ أبو سُفيانَ العَداوةَ لرسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
أخْرَجَ ابنُ مَرْدُويَهْ عن أبي هُريرةَ قالَ: أوَّلُ مَن قاتَلَ أهلَ الردَّةِ على إقامةِ دِينِ اللهِ أبو سُفيانَ بنُ حرْبٍ" وفيه نَزَلتْ هذه الآيةُ: {عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً}.
{وَاللهُ قَدِيرٌ} أيْ: بَليغُ القُدرةِ قادِرٌ على أنْ يُقبِلَ بقُلوبِ المعاندينَ ليُدْخِلَهم في مَغفِرَتِه ورَحمتِه). [زبدة التفسير: 549]


* للاستزادة ينظر: هنا