24 Aug 2015
مقدمات تفسير سورة الممتحنة
من تفسير ابن كثير وتفسير السعدي وزبدة التفسير للأشقر
أسماء السورة
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (تفسير سورة الممتحنة).[تفسير القرآن العظيم: 8/82]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : (تَفْسِيرُ سُورةِ الْمُمْتَحَنَةِ). [تيسير الكريم الرحمن: 854]
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (سورةُ الْمُمْتَحَنَةِ). [زبدة التفسير: 548]
نزول السورة
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وهي مدنيّةٌ).[تفسير القرآن العظيم: 8/82]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : (وهي مَدَنِيَّةٌ). [تيسير الكريم الرحمن: 854]
أسباب النزول
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (كان
سبب نزول صدر هذه السّورة الكريمة قصّة حاطب بن أبي بلتعة، وذلك أنّ
حاطبًا هذا كان رجلًا من المهاجرين، وكان من أهل بدرٍ أيضًا، وكان له بمكّة
أولادٌ ومالٌ، ولم يكن من قريشٍ أنفسهم، بل كان حليفًا لعثمان. فلمّا عزم
رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على فتح مكّة لمّا نقض أهلها العهد، فأمر
النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم المسلمين بالتّجهيز لغزوهم، وقال:
"اللّهمّ، عمّ عليهم خبرنا". فعمد حاطبٌ هذا فكتب كتابًا، وبعثه مع امرأةٍ
من قريشٍ إلى أهل مكّة، يعلمهم بما عزم عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه
وسلّم [من غزوهم]، ليتّخذ بذلك عندهم يدًا، فأطلع اللّه رسوله على ذلك
استجابةً لدعائه. فبعث في أثر المرأة فأخذ الكتاب منها، وهذا بيّنٌ في هذا
الحديث المتّفق على صحّته.
قال الإمام أحمد:
حدثنا سفيان، عن عمرو، أخبرني حسن بن محمّد بن عليٍّ، أخبرني عبيد اللّه بن
أبي رافعٍ -وقال مرّة: إنّ عبيد اللّه بن أبي رافعٍ أخبره: أنّه سمع
عليًّا، رضي اللّه عنه، يقول: بعثني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنا
والزّبير والمقداد، فقال: "انطلقوا حتّى تأتوا روضة خاخٍ، فإنّ بها ظعينة
معها كتابٌ، فخذوه منها". فانطلقنا تعادى بنا خيلنا حتّى أتينا الرّوضة،
فإذا نحن بالظّعينة، قلنا: أخرجي الكتاب. قالت: ما معي كتابٌ. قلنا:
لتخرجنّ الكتاب أو لنلقين الثّياب. قال: فأخرجت الكتاب من عقاصها، فأخذنا
الكتاب فأتينا به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فإذا فيه: من حاطب بن
أبي بلتعة إلى ناسٍ من المشركين بمكّة، يخبرهم ببعض أمر رسول اللّه صلّى
اللّه عليه وسلّم. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "يا حاطب، ما
هذا؟ ". قال: لا تعجل عليّ، إنّي كنت امرأً ملصقًا في قريشٍ، ولم أكن من
أنفسهم، وكان من معك من المهاجرين لهم قراباتٌ يحمون أهليهم بمكّة، فأحببت
إذ فاتني ذلك من النّسب فيهم أن أتّخذ فيهم يدًا يحمون بها قرابتي، وما
فعلت ذلك كفرًا ولا ارتدادًا عن ديني ولا رضى بالكفر بعد الإسلام. فقال
رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّه صدقكم". فقال عمر: دعني أضرب عنق
هذا المنافق. فقال: "إنّه قد شهد بدرًا، ما يدريك لعلّ اللّه اطّلع إلى أهل
بدرٍ فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم".
وهكذا أخرجه الجماعة إلّا ابن ماجه، من غير وجهٍ، عن سفيان بن عيينة، به. وزاد البخاريّ في كتاب "المغازي": فأنزل اللّه السّورة: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء}. وقال في كتاب التّفسير: قال عمرٌو: ونزلت فيه: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء} قال: " لا أدري الآية في الحديث أو قال عمرٌو". قال البخاريّ: قال عليٌّ -يعني: ابن المدينيّ-: قيل لسفيان في هذا: نزلت {لا تتّخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء}؟ فقال سفيان: هذا في حديث النّاس، حفظته من عمرٍو، ما تركت منه حرفًا، وما أرى أحدًا حفظه غيري.
وقد أخرجاه في الصّحيحين من حديث حصين بن عبد الرّحمن، عن سعد بن عبيدة، عن
أبي عبد الرّحمن السّلميّ، عن عليٍّ قال: بعثني رسول اللّه صلّى اللّه
عليه وسلّم وأبا مرثد، والزّبير بن العوّام، وكلّنا فارسٌ، وقال: انطلقوا
حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها امرأةً من المشركين معها كتابٌ من حاطبٍ إلى
المشركين: فأدركناها تسير على بعيرٍ لها حيث قال رسول اللّه صلّى اللّه
عليه وسلّم فقلنا: الكتاب؟ فقالت: ما معي كتابٌ. فأنخناها فالتمسنا فلم نر
كتابًا، فقلنا: ما كذب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم! لتخرجنّ الكتاب
أو لنجردنك. فلمّا رأت الجدّ أهوت إلى حجزتها وهي محتجزة بكساءٍ فأخرجته.
فانطلقنا بها إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال عمر: يا رسول
اللّه، قد خان اللّه ورسوله والمؤمنين، فدعني فلأضرب عنقه. فقال: "ما حملك
على ما صنعت؟ ". قال: واللّه ما بي إلّا أن أكون مؤمنًا باللّه ورسوله،
أردت أن تكون لي عند القوم يدٌ يدفع اللّه بها عن أهلي ومالي، وليس أحدٌ من
أصحابك إلّا له هنالك من عشيرته من يدفع اللّه به عن أهله وماله. فقال:
"صدق، لا تقولوا له إلّا خيرًا". فقال عمر: إنّه قد خان اللّه ورسوله
والمؤمنين، فدعني فلأضرب عنقه. فقال: "أليس من أهل بدرٍ؟ " فقال: "لعلّ
اللّه قد اطّلع إلى أهل بدرٍ فقال: اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة -أو:
قد غفرت لكم". فدمعت عينا عمر، وقال: اللّه ورسوله أعلم.
هذا لفظ البخاريّ في "المغازي" في غزوة بدرٍ، وقد روي من وجهٍ آخر عن عليٍّ قال ابن أبي حاتمٍ:
حدّثنا عليّ بن الحسن الهسنجاني، حدّثنا عبيد بن يعيش، حدّثنا إسحاق بن
سليمان الرّازيّ، عن أبي سنان -هو سعيد بن سنانٍ-عن عمرو بن مرة الجملي، عن
أبي البختريّ الطّائيّ، عن الحارث، عن عليٍّ قال: لمّا أراد النّبيّ صلّى
اللّه عليه وسلّم أن يأتي مكّة، أسرّ إلى أناسٍ من أصحابه أنّه يريد مكّة،
فيهم حاطب بن أبي بلتعة وأفشى في النّاس أنّه يريد خيبر. قال: فكتب حاطب بن
أبي بلتعة إلى أهل مكّة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يريدكم.
فأخبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: فبعثني رسول اللّه صلّى اللّه
عليه وسلّم وأبا مرثد، وليس منا رجل إلا وعند فرسٌ، فقال: "ائتوا روضة
خاخٍ، فإنّكم ستلقون بها امرأةً معها كتابٌ، فخذوه منها". فانطلقنا حتّى
رأيناها بالمكان الّذي ذكر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. فقلنا لها:
هات الكتاب. فقالت: ما معي كتابٌ. فوضعنا متاعها وفتّشناها فلم نجده في
متاعها، فقال أبو مرثدٍ: لعلّه ألّا يكون معها. فقلت: ما كذب رسول اللّه
صلّى اللّه عليه وسلّم ولا كذبنا. فقلنا لها: لتخرجنّه أو لنعرينّك. فقالت:
أما تتّقون اللّه؟! ألستم مسلمين؟ فقلنا: لتخرجنّه أو لنعرينّك. قال عمرو
بن مرّة: فأخرجته من حجزتها. وقال حبيب بن أبي ثابتٍ: أخرجته من قبلها.
فأتينا به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فإذا الكتاب من حاطب بن أبي
بلتعة. فقام عمر فقال: يا رسول اللّه، خان اللّه ورسوله، فائذن لي فلأضرب
عنقه. فقال رسول اللّه: "أليس قد شهد بدرًا؟ ". قالوا: بلى. وقال عمر: بلى،
ولكنّه قد نكث وظاهر أعداءك عليك. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:
"فلعل الله اطلع إلى على أهل بدرٍ فقال: اعملوا ما شئتم، إنّي بما تعملون
بصيرٌ". ففاضت عينا عمر وقال: اللّه ورسوله أعلم. فأرسل رسول اللّه صلّى
اللّه عليه وسلّم إلى حاطبٍ فقال: "يا حاطب، ما حملك على ما صنعت؟ ". فقال:
يا رسول اللّه، إنّي كنت امرأً ملصقًا في قريشٍ، وكان لي بها مالٌ وأهلٌ،
ولم يكن من أصحابك أحدٌ إلّا وله بمكّة من يمنع أهله وماله، فكتبت إليهم
بذلك وواللّه-يا رسول اللّه-إنّي لمؤمنٌ باللّه ورسوله. فقال رسول اللّه
صلّى اللّه عليه وسلّم: "صدق حاطبٌ، فلا تقولوا لحاطبٍ إلّا خيرًا". قال
حبيب بن أبي ثابتٍ: فأنزل اللّه: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء تلقون إليهم بالمودّة} الآية.
وهكذا رواه ابن جريرٍ عن ابن حميدٍ عن مهران، عن أبي سنانٍ -سعيد بن
سنانٍ-بإسناده مثله. وقد ذكر ذلك أصحاب المغازي والسّير، فقال محمّد بن
إسحاق بن يسار في السّيرة.
حدّثني محمّد بن جعفر بن الزّبير، عن عروة بن الزّبير وغيره من علمائنا
قال: لمّا أجمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المسير إلى مكّة، كتب
حاطب بن أبي بلتعة كتابًا إلى قريشٍ يخبرهم بالّذي أجمع عليه رسول اللّه
صلّى اللّه عليه وسلّم من الأمر في السّير إليهم، ثمّ أعطاه امرأةً -زعم
محمّد بن جعفرٍ أنّها من مزينة، وزعم غيره أنّها: سارة، مولاةٌ لبني عبد
المطّلب-وجعل لها جعلا على أن تبلّغه قريشًا فجعلته في رأسها، ثمّ فتلت
عليه قرونها، ثمّ خرجت به. وأتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الخبر من
السّماء بما صنع حاطبٌ، فبعث عليّ بن أبي طالبٍ والزّبير بن العوّام فقال:
"أدركا امرأةً قد كتب معها حاطبٌ بكتابٍ إلى قريشٍ، يحذّرهم ما قد أجمعنا
له من أمرهم".
فخرجا حتّى أدركاها بالخليفة -خليفة بني أبي أحمد-فاستنزلاها بالخليفة،
فالتمسا في رحلها فلم يجدا شيئًا، فقال لها عليّ بن أبي طالبٍ: إنّي أحلف
باللّه ما كذب رسول اللّه وما كذبنا ولتخرجنّ لنا هذا الكتاب أو لنكشفنّك.
فلمّا رأت الجدّ منه قالت: أعرض. فأعرض، فحلّت قرون رأسها، فاستخرجت الكتاب
منها، فدفعته إليه. فأتى به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فدعا رسول
اللّه حاطبًا فقال: "يا حاطب ما حملك على هذا؟ ". فقال: يا رسول اللّه، أما
واللّه إنّي لمؤمنٌ باللّه ورسوله ما غيّرت ولا بدّلت، ولكنّي كنت امرأً
ليس لي في القوم من أهلٍ ولا عشيرةٍ، وكان لي بين أظهرهم ولد وأهلٌ
فصانعتهم عليهم فقال عمر بن الخطّاب: يا رسول اللّه، دعني فلأضرب عنقه،
فإنّ الرّجل قد نافق. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "وما يدريك
يا عمر! لعلّ اللّه قد اطّلع إلى أصحاب بدرٍ يوم بدرٍ فقال: اعملوا ما
شئتم، فقد غفرت لكم". فأنزل اللّه، عزّ وجلّ، في حاطبٍ: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء تلقون إليهم بالمودّة} إلى قوله: {قد
كانت لكم أسوةٌ حسنةٌ في إبراهيم والّذين معه إذ قالوا لقومهم إنّا برآء
منكم وممّا تعبدون من دون اللّه كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة
والبغضاء أبدًا حتّى تؤمنوا باللّه وحده} [الممتحنة: 4] إلى آخر القصّة.
وروى معمر، عن الزّهريّ، عن عروة نحو ذلك. وهكذا ذكر مقاتل بن حيّان: أنّ
هذه الآيات نزلت في حاطب بن أبي بلتعة: أنّه بعث سارة مولاة بني هاشمٍ،
وأنّه أعطاها عشرة دراهم، وأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعث في
أثرها عمر بن الخطّاب وعليّ بن أبي طالبٍ، رضي اللّه عنهما، فأدركاها
بالجحفة = وذكر تمام القصّة كنحو ما تقدّم. وعن السّدّيّ قريبًا منه. وهكذا
قال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ، ومجاهدٍ وقتادة، وغير واحدٍ: أنّ هذه الآيات
نزلت في حاطب بن أبي بلتعة).[تفسير القرآن العظيم: 8/82-85]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : (ذَكَرَ
كثيرٌ مِن الْمُفَسِّرِينَ رَحِمَهم اللَّهُ أنَّ سَبَبَ نُزولِ هذهِ
الآياتِ الكريماتِ في قِصَّةِ حاطِبِ بنِ أبي بَلْتَعَةَ، حينَ غَزَا
النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ غَزاةَ الفتْحِ، فكتَبَ حاطِبٌ إلى
المُشرِكِينَ مِن أهْلِ مَكَّةَ يُخْبِرُهُم بِمَسيرِ رسولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عليه وسَلَّمَ إليهم؛ لِيَتَّخِذَ بذلك يَداً عندَهم، لا شَكًّا
ونِفاقاً، وأرْسَلَه معَ امرأةٍ.
فأُخْبِرَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه
وسَلَّمَ بشأنِه، فأَرْسَلَ إلى المرأةِ قبلَ وُصولِها وأخَذَ منها
الكتابَ، وعاتَبَ حاطِباً؛ فاعتذَرَ بعُذْرٍ قَبِلَه النبيُّ صَلَّى
اللَّهُ عليه وسَلَّمَ). [تيسير الكريم الرحمن: 855]
* للاستزادة ينظر: هنا
تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (1) إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (2) لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (3) }
تفسير
قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي
وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ
كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ
وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ
خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ
إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا
أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ
(1) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (فقوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء تلقون إليهم بالمودّة وقد كفروا بما جاءكم من الحقّ}
يعني: المشركين والكفّار الّذين هم محاربون للّه ولرسوله وللمؤمنين،
الّذين شرع اللّه عداوتهم ومصارمتهم، ونهى أن يتّخذوا أولياء وأصدقاء
وأخلّاء، كما قال {يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا اليهود والنّصارى أولياء بعضهم أولياء بعضٍ ومن يتولّهم منكم فإنّه منهم} [المائدة: 51].
وهذا تهديدٌ شديدٌ ووعيدٌ أكيدٌ، وقال تعالى: {يا
أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا الّذين اتّخذوا دينكم هزوًا ولعبًا من
الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفّار أولياء واتّقوا اللّه إن كنتم
مؤمنين} [المائدة: 57] وقال تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا للّه عليكم سلطانًا مبينًا} [النّساء: 144]. وقال تعالى: {لا
يتّخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من
اللّه في شيءٍ إلا أن تتّقوا منهم تقاةً ويحذّركم اللّه نفسه}
[آل عمران: 28]؛ ولهذا قبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عذر حاطبٍ
لمّا ذكر أنّه إنّما فعل ذلك مصانعةً لقريشٍ، لأجل ما كان له عندهم من
الأموال والأولاد.
ويذكر هاهنا الحديث الّذي رواه الإمام أحمد:
حدّثنا مصعب بن سلّامٍ، حدّثنا الأجلح، عن قيس بن أبي مسلمٍ، عن ربعي بن
حراشٍ، سمعت حذيفة يقول: ضرب لنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أمثالًا
واحدًا وثلاثةً وخمسةً وسبعةً، وتسعةً، وأحد عشر -قال: فضرب لنا منها
مثلًا وترك سائرها، قال: "إنّ قومًا كانوا أهل ضعفٍ ومسكنةٍ، قاتلهم أهل
تجبّرٍ وعداءٍ، فأظهر اللّه أهل الضّعف عليهم، فعمدوا إلى عدوهم فاستعملوهم
وسلّطوهم، فأسخطوا اللّه عليهم إلى يوم يلقونه".
وقوله: {يخرجون الرّسول وإيّاكم}
هذا مع ما قبله من التّهييج على عداوتهم وعدم موالاتهم؛ لأنّهم أخرجوا
الرّسول وأصحابه من بين أظهرهم، كراهةً لما هم عليه من التّوحيد وإخلاص
العبادة للّه وحده؛ ولهذا قال: {أن تؤمنوا باللّه ربّكم} أي: لم يكن لكم عندهم ذنبٌ إلّا إيمانكم باللّه ربّ العالمين، كقوله: {وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا باللّه. العزيز الحميد} [البروج: 8]، وكقوله {الّذين أخرجوا من ديارهم بغير حقٍّ إلا أن يقولوا ربّنا اللّه} [الحجّ: 40].
وقوله: {إن كنتم خرجتم جهادًا في سبيلي وابتغاء مرضاتي}
أي: إن كنتم كذلك فلا تتّخذوهم أولياء، إن كنتم خرجتم مجاهدين في سبيلي
باغين لمرضاتي عنكم فلا توالوا أعدائي وأعداءكم، وقد أخرجوكم من دياركم
وأموالكم حنقًا عليكم وسخطًا لدينكم.
وقوله: {تسرّون إليهم بالمودّة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم} أي: تفعلون ذلك وأنا العالم بالسّرائر والضّمائر والظّواهر {ومن يفعله منكم فقد ضلّ سواء السّبيل} ).[تفسير القرآن العظيم: 8/85-86]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : (وهذهِ
الآياتُ فيها النَّهْيُ الشديدُ عن مُوالاةِ الكُفَّارِ مِن المُشركِينَ
وغيرِهم، وإلقاءِ الْمَوَدَّةِ إليهم، وأنَّ ذلكَ مُنافٍ للإيمانِ ومخالِفٌ
لِمِلَّةِ إبراهيمَ الخليلِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ، ومُناقِضٌ للعقْلِ
الذي يُوجِبُ الحَذَرَ كلَّ الحذَرِ مِن العدُوِّ الذي لا يُبْقِي مِن
مَجهودِه في العَداوةِ شيئاً، ويَنتهِزُ الفُرْصةَ في إيصالِ الضرَرِ إلى
عَدُوِّهِ.
(1) فقالَ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}؛
أي: اعْمَلُوا بِمُقتضَى إيمانِكم مِن وَلايةِ مَن قامَ بالإيمانِ
ومُعاداةِ مَن عادَاهُ؛ فإنَّه عَدُوٌّ للهِ وعَدُوٌّ للمُؤمنِينَ.
فـ {لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ}؛
أيْ: تُسارِعونَ في مَوَدَّتِهم والسعْيِ في أسبابِها؛ فإنَّ المَودَّةَ
إذا حَصَلَتْ تَبِعَتْها النُّصْرةُ والْمُوالاةُ، فخَرَجَ العبْدُ مِن
الإيمانِ وصارَ مِن جُملةِ أهْلِ الكُفْرانِ، وانفَصَلَ عن أهلِ الإيمانِ.
وهذا الْمُتَّخِذُ للكافِرِ وَلِيًّا عادِمُ
الْمُروءَةِ أيضاً؛ فإنَّه كيفَ يُوَالِي أعْدَى أعدائِه، الذي لا يُريدُ
له إلاَّ الشرَّ، ويُخالِفُ رَبَّه ووَلِيَّه الذي يُريدُ به الخيرَ،
ويَأمُرُه به ويَحُثُّه عليه.
ومِمَّا يَدْعُو المُؤمِنَ أيضاً إلى مُعاداةِ
الكُفَّارِ أنَّهم قدْ كَفَرُوا بما جاءَ المُؤمنِينَ مِن الحقِّ، ولا
أعظَمَ مِن هذهِ الْمُخالَفَةِ والْمُشَاقَّةِ؛ فإِنَّهم قدْ كفَرُوا
بأصْلِ دينِكم، وزَعَمُوا أنَّكم ضُلاَّلٌ على غيرِ هُدًى، والحالُ أنَّهم
كَفَرُوا بالحقِّ الذي لا شَكَّ فيه ولا مِرْيَةَ.
ومَن رَدَّ الحقَّ فمُحالٌ أنْ يُوجَدَ له
دليلٌ أو حُجَّةٌ تَدُلُّ على صِحَّةِ قولِه، بل مُجَرَّدُ العلْمِ بالحقِّ
يَدُلُّ على بُطْلانِ قَولِ مَن رَدَّهُ وفَسادِه.
ومِن عَداوتِهم البَليغةِ أنَّهم {يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ} أيُّها المؤمنونَ مِن دِيارِكم ويُشَرِّدُونَكم مِن أوطانِكم، ولا ذَنْبَ لكم في ذلكَ عندَهم إلاَّ أنَّكم تُؤمنونَ {بِاللَّهِ رَبِّكُمْ}
الذي يَتَعيَّنُ على الخَلْقِ كلِّهم القيامُ بعُبودِيَّتِه؛ لأنَّه
رَبَّاهُم، وأنْعَمَ عليهم بالنِّعَمِ الظاهرةِ والباطنةِ، وهو اللَّهُ
تعالى.
فلَمَّا أَعْرَضُوا عن هذا الأمْرِ الذي هو أوْجَبُ الواجباتِ وقُمْتُمْ به؛ عادَوْكُم وأَخْرَجُوكم مِن أجْلِه مِن دِيارِكم.
فأيُّ دِينٍ وأيُّ مُروءَةٍ وعَقْلٍ يَبقَى معَ
العَبْدِ إذا وَالَى الكُفَّارَ الذينَ هذا وَصْفُهم في كُلِّ زَمانٍ أو
مكانٍ، ولا يَمْنَعُهم منه إلاَّ خَوْفٌ أو مانِعٌ قَوِيٌّ.
{إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي}؛
أيْ: إنْ كانَ خُروجُكم مَقصودَكم به الجهادُ في سبيلِ اللَّهِ لإعلاءِ
كَلِمَةِ اللَّهِ وابتغاءِ رِضاهُ؛ فاعْمَلُوا بِمُقْتَضَى هذا مِن
مُوالاةِ أولياءِ اللَّهِ ومُعاداةِ أعدائِه؛ فإنَّ هذا مِن أعْظَمِ
الجهادِ في سبيلِه، ومِن أعْظَمِ ما يَتقَرَّبُ بهِ الْمُتقَرِّبونَ إلى
اللَّهِ، ويَبْتَغُونَ به رِضاهُ.
{تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ}؛ أيْ: كيفَ تُسِرُّونَ الْمَوَدَّةَ للكافرِينَ وتُخْفُونَها، معَ عِلْمِكم أنَّ اللَّهَ عالِمٌ بما تُخْفُونَ وما تُعلِنونَ.
فهو وإنْ خَفِيَ على المُؤمنِينَ فلا يَخْفَى على اللَّهِ تعالى، وسيُجازِي العِبادَ بما يَعْلَمُه مِنهم مِن الخيرِ والشرِّ، {وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ}؛ أيْ: مُوالاةَ الكافرِينَ بعدَما حَذَّرَكم اللَّهُ منها, {فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ}؛ لأنَّه سَلَكَ مَسْلَكاً مُخالِفاً للشرْعِ والعَقْلِ والمُروءَةِ الإنسانيَّةِ). [تيسير الكريم الرحمن: 855]
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (1- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ}
نَزَلَتْ في حاطِبِ بنِ أبي بَلْتَعَةَ حينَ كتَبَ إلى مُشركِي قُريشٍ
يُخْبِرُهم بِمَسيرِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إليهم، وذلك في
غَزوةِ فتْحِ مكَّةَ سنةَ ثمانٍ مِن الهجرةِ، والآيةُ تدُلُّ على النهيِ عن
مُوالاةِ الكُفَّارِ بوَجْهٍ مِن الوجوهِ.
{تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} أيْ: تُوَصِّلونَ إليهم أخبارَ النبيِّ بسببِ المودَّةِ التي بينَكم وبينَهم.
{وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ} أيْ: كَفَرُوا باللهِ والرسولِ وما جاءَكم به مِن القرآنِ والهدايةِ الإلهيَّةِ.
{يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ} أيْ: أَخْرَجوه وإيَّاكُم مِن مكَّةَ؛ لكُفْرِهم بما جاءَكم مِن الحقِّ، فكيف تُوَادُّونَهم؟! {أَن تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ} أيْ: يُخْرِجونكم بسببِ إيمانِكم باللهِ، أو كَراهةَ أنْ تُؤْمِنُوا.
{إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي} أيْ: إنْ كُنتمْ كذلك فلا تَتَّخِذوا عَدُوِّي وعَدُوَّكُم أولياءَ.
{تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} أيْ: تُسِرُّون إليهم الأخبارَ بسببِ الْمَوَدَّةِ.
{وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ} أيْ: أعلَمُ مِن كلِّ أحَدٍ بما تَفعلونَه مِن إرسالِ الأخبارِ إليهم.
{وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ}: أخطَأَ طريقَ الحقِّ والصوابِ، وضَلَّ عن قَصْدِ السبيلِ). [زبدة التفسير: 548-549]
تفسير
قوله تعالى: (إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا
إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ
تَكْفُرُونَ (2) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداءً ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسّوء} أي: لو قدروا عليكم لما اتّقوا فيكم من أذًى ينالونكم به بالمقال والفعال. {وودّوا لو تكفرون} أي: ويحرصون على ألّا تنالوا خيرًا، فهم عداوتهم لكم كامنةٌ وظاهرةٌ، فكيف توالون مثل هؤلاء؟ وهذا تهييجٌ على عداوتهم أيضًا).[تفسير القرآن العظيم: 8/86]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ( (2) ثُمَّ بَيَّنَ تعالى شِدَّةَ عَداوَتِهِم؛ تَهْيِيجاً للمُؤْمنِينَ على عَداوَتِهم.
{إِنْ يَثْقَفُوكُمْ}؛ أي: يَجِدُوكم وتَسْنَحْ لهم الفُرصةُ في أَذاكُم, {يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً}: ظاهرِينَ.
{وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ} بالقتْلِ والضَّرْبِ ونحوِ ذلك، {وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ}؛ أيْ: بالقولِ الذي يَسُوءُ؛ مِن شَتْمٍ وغيرِه، {وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ}؛ فإنَّ هذا غايةُ ما يُرِيدونَ مِنكم). [تيسير الكريم الرحمن: 855-856]
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (2- {إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً} أيْ: إنهم إنْ يَلْقَوْكُم ويُصادِفُوكم يُظْهِروا لكم ما في قلوبِهم مِن العداوةِ.
{وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ} أيْ: يَمُدُّوا إليكم أيْدِيَهُم بالضرْبِ ونحوِه، وأَلْسِنَتَهم بالشَّتْمِ ونحوِه.
{وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ}: تَمَنَّوُا ارتدادَكم ورُجوعَكم إلى الكفْرِ). [زبدة التفسير: 549]
تفسير
قوله تعالى: (لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
(3) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل بينكم واللّه بما تعملون بصيرٌ}
أي: قراباتكم لا تنفعكم عند اللّه إذا أراد اللّه بكم سوءًا، ونفعهم لا
يصل إليكم إذا أرضيتموهم بما يسخط اللّه، ومن وافق أهله على الكفر ليرضيهم
فقد خاب وخسر وضلّ عمله، ولا ينفعه عند اللّه قرابته من أحدٍ، ولو كان
قريبًا إلى نبيٍّ من الأنبياء. قال الإمام أحمد:
حدّثنا عفّان، حدّثنا حمّاد، عن ثابتٍ، عن أنسٍ، أنّ رجلًا قال: يا رسول
اللّه: أين أبي؟ قال: "في النّار" فلمّا قفّى دعاه فقال: "إنّ أبي وأباك في
النّار".
ورواه مسلمٌ وأبو داود، من حديث حمّاد بن سلمة، به).[تفسير القرآن العظيم: 8/86-87]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : (
(3) فإنِ احْتَجَجْتُم وقُلْتُم: نُوالِي الكُفَّارَ لأجْلِ القَرابةِ
والأموالِ، فلَنْ تُغنِيَ عنكم أموالُكم ولا أولادُكم مِن اللَّهِ شيئاً، {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}؛ فلذلكَ حَذَّرَكُم مِن مُوالاةِ الكافرِينَ الذينَ تَضُرُّكُم مُوالاتُهم). [تيسير الكريم الرحمن: 856]
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (3- {لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ}
أيْ:إنَّ أولادَكم وأقاربَكم لن يَنفعوكُم يومَ القِيامةِ حتى تُوَالُوا
الكفارَ لأجْلِهم، كما وَقَعَ في قِصَّةِ حاطِبِ بنِ أبي بَلْتَعَةَ، بل
الذي يَنفعُكم هو ما أمَرَكم اللهُ به مِن مُعاداةِ الكُفَّارِ وَجِهَادِهم
وتَرْكِ مُوالاتِهم, {يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ}: يَفْرُقُ بينَكم، فيُدْخِلُ أهْلَ طاعتِه الجنَّةَ، وأهْلَ مَعصيتِه النارَ). [زبدة التفسير: 549]
* للاستزادة ينظر: هنا