24 Aug 2015
تفسير
قوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ
ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ
وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ
يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4) ذَلِكَ أَمْرُ
اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ
سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا (5) أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ
سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا
عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى
يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ
وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ
لَهُ أُخْرَى (6) لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ
عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ
اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ
يُسْرًا (7) }
تفسير
قوله تعالى: (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ
ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ
وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ
يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {واللّائي
يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدّتهنّ ثلاثة أشهرٍ واللّائي لم
يحضن وأولات الأحمال أجلهنّ أن يضعن حملهنّ ومن يتّق اللّه يجعل له من أمره
يسرًا (4) ذلك أمر اللّه أنزله إليكم ومن يتّق اللّه يكفّر عنه سيّئاته
ويعظم له أجرًا (5) }
يقول تعالى مبيّنًا لعدّة الآيسة -وهي الّتي قد انقطع عنها الحيض لكبرها-:
أنّها ثلاثة أشهرٍ، عوضًا عن الثّلاثة قروءٍ في حقّ من تحيض، كما دلّت على
ذلك آية "البقرة" وكذا الصّغار اللّائي لم يبلغن سنّ الحيض أنّ عدّتهنّ
كعدّة الآيسة ثلاثة أشهرٍ؛ ولهذا قال: {واللائي لم يحضن}
وقوله: {إن ارتبتم} فيه قولان:
أحدهما -وهو قول طائفةٍ من السّلف، كمجاهدٍ، والزّهريّ، وابن زيدٍ-: أي إن رأين دمًا وشككتم في كونه حيضًا أو استحاضةً، وارتبتم فيه.
والقول الثّاني: إن ارتبتم في حكم عدّتهنّ، ولم تعرفوه فهو ثلاث أشهرٍ.
وهذا مرويٌّ، عن سعيد بن جبيرٍ. وهو اختيار ابن جريرٍ، وهو أظهر في المعنى،
واحتجّ عليه بما رواه عن أبي كريب وأبي السّائب قالا حدّثنا ابن إدريس،
أخبرنا مطرّفٌ، عن عمرو بن سالمٍ قال: قال أبيّ بن كعبٍ: يا رسول اللّه،
إنّ عددًا من عدد النّساء لم تذكر في الكتاب: الصّغار والكبار وأولات
الأحمال قال: فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدّتهنّ ثلاثة أشهرٍ واللائي لم يحضن وأولات الأحمال أجلهنّ أن يضعن حملهنّ}
ورواه ابن أبي حاتمٍ بأبسط من هذا السّياق فقال: حدّثنا أبي، حدّثنا يحيى
بن المغيرة، أخبرنا جريرٌ، عن مطرّف، عن عمر بن سالمٍ، عن أبيّ بن كعبٍ
قال: قلت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إن ناسًا من أهل المدينة لمّا
أنزلت هذه الآية الّتي في "البقرة" في عدّة النّساء قالوا: لقد بقي من
عدّة النّساء عددٌ لم يذكرن في القرآن: الصّغار والكبار اللّائي قد انقطع
عنهنّ الحيض، وذوات الحمل. قال: فأنزلت الّتي في النّساء القصرى: {واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدّتهنّ ثلاثة أشهرٍ واللائي لم يحضن}
وقوله: {وأولات الأحمال أجلهنّ أن يضعن حملهنّ}
يقول تعالى: ومن كانت حاملًا فعدّتها بوضعه، ولو كان بعد الطّلاق أو الموت
بفواق ناقةٍ في قول جمهور العلماء من السّلف والخلف، كما هو نصّ هذه الآية
الكريمة، وكما وردت به السّنّة النّبويّة. وقد روي عن عليٍّ، وابن عبّاسٍ،
رضي اللّه عنهم أنّهما ذهبا في المتوفّى عنها زوجها أنّها تعتدّ بأبعد
الأجلين من الوضع أو الأشهر، عملًا بهذه الآية الكريمة، والّتي في سورة
"البقرة". وقد قال البخاريّ:
حدّثنا سعد بن حفصٍ، حدّثنا شيبان، عن يحيى قال: أخبرني أبو سلمة قال: جاء
رجلٌ إلى ابن عبّاسٍ -وأبو هريرة جالسٌ-فقال: أفتني في امرأةٍ ولدت بعد
زوجها بأربعين ليلةً. فقال: ابن عبّاسٍ آخر الأجلين. قلت أنا: {وأولات الأحمال أجلهنّ أن يضعن حملهنّ}
قال أبو هريرة: أنا مع ابن أخي -يعني أبا سلمة-فأرسل ابن عبّاسٍ غلامه
كريبًا إلى أمّ سلمة يسألها، فقالت: قتل زوج سبيعة الأسلميّة وهي حبلى،
فوضعت بعد موته بأربعين ليلةً، فخطبت، فأنكحها رسول اللّه صلّى اللّه عليه
وسلّم، وكان أبو السّنابل فيمن خطبها
هكذا أورد البخاري هذا الحديث هاهنا مختصرًا. وقد رواه هو ومسلمٌ وأصحاب الكتب مطوّلًا من وجوهٍ أخر وقال الإمام أحمد:
حدّثنا حمّاد بن أسامة، أخبرنا هشامٌ، عن أبيه، عن المسور بن مخرمة؛ أنّ
سبيعة الأسلميّة توفي عنها زوجها وهي حاملٌ، فلم تمكث إلّا ليالي حتّى
وضعت، فلمّا تعلّت من نفاسها خطبت، فاستأذنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه
وسلّم في النّكاح، فأذن لها أن تنكح فنكحت.
ورواه البخاريّ في صحيحه، ومسلمٌ، وأبو داود، والنّسائيّ، وابن ماجه من طرقٍ عنها كما قال مسلم ابن الحجّاج:
حدّثني أبو الطّاهر، أخبرنا ابن وهبٍ، حدّثني يونس بن يزيد، عن ابن شهابٍ،
حدّثني عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة: أنّ أباه كتب إلى عمر بن عبد
اللّه بن الأرقم الزّهريّ يأمره أن يدخل على سبيعة بنت الحارث الأسلميّة
فيسألها عن حديثها وعمّا قال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حين
استفتته. فكتب عمر بن عبد اللّه يخبره أنّ سبيعة أخبرته أنّها كانت تحت سعد
بن خولة -وكان ممّن شهد بدرًا-فتوفّي عنها في حجّة الوداع وهي حاملٌ، فلم
تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته، فلمّا تعلّت من نفاسها تجمّلت للخطّاب، فدخل
عليها أبو السّنابل بن بعكك فقال لها: مالي أراك متجمّلةً؟ لعلّك ترجين
النّكاح، إنّك واللّه ما أنت بناكحٍ حتّى تمر عليك أربعة أشهرٍ وعشرٌ. قالت
سبيعة: فلمّا قال لي ذلك جمعت عليّ ثيابي حين أمسيت فأتيت رسول اللّه صلّى
اللّه عليه وسلّم فسألته عن ذلك، فأفتاني بأنّي قد حللت حين وضعت حملي،
وأمرني بالتّزويج إن بدا لي.
هذا لفظ مسلمٍ. ورواه البخاريّ مختصرًا ثمّ قال البخاريّ بعد [ذلك، أي: بعد] رواية الحديث الأوّل عند هذه الآية:
وقال سليمان بن حربٍ وأبو النّعمان: حدّثنا حمّاد بن زيدٍ، عن أيّوب، عن
محمّدٍ -هو ابن سيرين-قال: كنت في حلقةٍ فيها عبد الرّحمن بن أبي ليلى،
رحمه اللّه، وكان أصحابه يعظّمونه، فذكر آخر الأجلين، فحدّثت بحديث سبيعة
بنت الحارث عن عبد اللّه بن عتبة، قال: فضمّزلي بعض أصحابه، وقال محمّدٌ:
ففطنت له فقلت: له إنّي لجريءٌ أن أكذب على عبد اللّه وهو في ناحية الكوفة.
قال: فاستحيا وقال: لكنّ عمّه لم يقل ذلك. فلقيت أبا عطيّة مالك بن عامرٍ
فسألته، فذهب يحدّثني بحديث سبيعة، فقلت: هل سمعت عن عبد اللّه شيئًا؟
فقال: كنّا عند عبد اللّه فقال: أتجعلون عليها التّغليظ، ولا تجعلون عليها
الرّخصة؟ نزلت سورة النّساء القصرى بعد الطّولى: {وأولات الأحمال أجلهنّ أن يضعن حملهنّ}
ورواه ابن جريرٍ، من طريق سفيان بن عيينة وإسماعيل بن عليّة، عن أيّوب به
مختصرًا ورواه النّسائيّ في التّفسير عن محمّد بن عبد الأعلى، عن خالدٍ بن
الحارث، عن ابن عونٍ، عن محمّد بن سيرين، فذكره
وقال ابن جريرٍ: حدّثني زكريّا بن يحيى بن أبانٍ المصريّ، حدّثنا سعيد بن
أبي مريم، حدّثنا محمّد بن جعفر، حدّثني ابن شبرمة الكوفيّ، عن إبراهيم، عن
علقمة بن قيسٍ؛ أنّ عبد اللّه بن مسعودٍ قال: من شاء لاعنته، ما نزلت: {وأولات الأحمال أجلهنّ أن يضعن حملهنّ} إلّا بعد آية المتوفّى عنها زوجها. قال: وإذا وضعت المتوفّى عنها زوجها فقد حلّت. يريد بآية المتوفّى عنها زوجها {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجًا يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهرٍ وعشرًا} [البقرة: 234]
وقد رواه النّسائيّ من حديث سعيد بن أبي مريم، به ثمّ قال ابن جريرٍ:
حدّثنا أحمد بن منيع، حدّثنا محمّد بن عبيدٍ، حدّثنا إسماعيل بن أبي خالدٍ،
عن الشّعبيّ قال: ذكر عند ابن مسعودٍ آخر الأجلين، فقال: من شاء قاسمته
باللّه إنّ هذه الآية الّتي في النّساء القصرى نزلت بعد الأربعة الأشهر
والعشر ثمّ قال أجل الحامل أن تضع ما في بطنها.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أحمد بن سنانٍ الواسطيّ، حدّثنا عبد الرّحمن بن
مهديٍّ، عن سفيان، عن الأعمش، عن أبي الضّحى، عن مسروقٍ قال: بلغ ابن
مسعودٍ أنّ عليًّا، رضي اللّه عنه، يقول: آخر الأجلين. فقال: من شاء
لاعنته، إنّ الّتي في النّساء القصرى نزلت بعد البقرة: {وأولات الأحمال أجلهنّ أن يضعن حملهنّ}
ورواه أبو داود وابن ماجه، من حديث أبي معاوية، عن الأعمش
وقال عبد اللّه ابن الإمام أحمد: حدّثني محمّد بن أبي بكرٍ المقدّميّ،
أخبرنا عبد الوهّاب الثّقفيّ، حدّثنا المثنّى، عن عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه،
عن عبد اللّه بن عمرٍو، عن أبيّ بن كعبٍ قال: قلت للنّبيّ صلّى اللّه عليه
وسلّم: {وأولات الأحمال أجلهنّ أن يضعن حملهنّ} المطلقة ثلاثا أو المتوفى عنها ؟ فقال: "هي المطلّقة ثلاثًا والمتوفّى عنها"
هذا حديثٌ غريبٌ جدًّا، بل منكرٌ؛ لأنّ في إسناده المثنّى بن الصّبّاح، وهو
متروك الحديث بمرّة ولكن رواه ابن أبي حاتمٍ بسندٍ آخر، فقال:
حدّثنا محمّد بن داود السّمناني، حدّثنا عمرو بن خالدٍ -يعني:
الحرّانيّ-حدّثنا ابن لهيعة، عن عمرو بن شعيبٍ، عن سعيد بن المسيّب، عن
أبيّ بن كعبٍ، أنّه لمّا نزلت هذه الآية قال لرسول اللّه صلّى اللّه عليه
وسلّم: لا أدري أمشتركةٌ أم مبهمةٌ، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:
"أيّة آيةٍ؟ ". قال: {أجلهنّ أن يضعن حملهنّ} المتوفّى عنها والمطلّقة؟ قال: "نعم".
وكذا رواه ابن جريرٍ، عن أبي كريب، عن موسى بن داود، عن ابن لهيعة، به. ثمّ
رواه عن أبي كريبٍ أيضًا، عن مالك بن إسماعيل، عن ابن عيينة، عن عبد
الكريم بن أبي المخارق أنّه حدّث عن أبيّ بن كعبٍ قال: سألت رسول اللّه
صلّى اللّه عليه وسلّم عن: {وأولات الأحمال أجلهنّ أن يضعن حملهنّ} قال: "أجل، كلّ حاملٍ أن تضع ما في بطنها"
عبد الكريم هذا ضعيفٌ، ولم يدرك أبيّا.
وقوله: {ومن يتّق اللّه يجعل له من أمره يسرًا} أي: يسهّل له أمره، وييسّره عليه، ويجعل له فرجًا قريبًا ومخرجًا عاجلًا).[تفسير القرآن العظيم: 8/148-152]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً * ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً *}.
(4) لَمَّا ذَكَرَ تعالى أنَّ الطلاقَ المأمورَ به يَكُونُ لعِدَّةِ النساءِ، ذَكَرَ العِدَّةَ، فقالَ: {وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ}: بأنْ كُنَّ يَحِضْنَ ثم ارْتفَعَ حَيْضُهُنَّ لكِبَرٍ أو غيرِه ولم يُرْجَ رُجوعُه؛ فإنَّ عِدَّتَها ثلاثةُ أشْهُرٍ، جعَلَ كلَّ شَهْرٍ مقابَلَةَ حَيْضَةٍ.
{وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ}؛ أي: الصِّغارُ اللائِي لم يَأتِهِنَّ الحَيْضُ بعدُ، أو البالغاتُ اللاتِي لم يَأتِهِنَّ حيْضٌ بالكُلِّيَّةِ، فإنَّهنَّ كالآيِساتِ، عدَّتُهُنَّ ثَلاثةُ أشْهُرٍ.
وأمَّا اللائِي يَحِضْنَ، فذكَرَ اللَّهُ عِدَّتَهُنَّ في قولِه: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ}.
وقولُه: {وَأُولاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ}؛ أيْ: عِدَّتُهُنَّ, {أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}؛ أيْ: جميعَ ما في بُطُونِهِنَّ مِن واحدٍ ومُتَعَدِّدٍ، ولا عِبرةَ حينَئذٍ بالأشْهُرِ ولا غيرِها.
{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً}؛ أي: مَنِ اتَّقَى اللَّهَ يَسَّرَ له الأمورَ، وسَهَّلَ عليه كُلَّ عَسيرٍ). [تيسير الكريم الرحمن: 871]
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (4- {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ} وهُنَّ الكِبارُ اللاتي قد انقَطَعَ حَيْضُهُنَّ وأَيِسْنَ منه.
{إِنِ ارْتَبْتُمْ} أيْ: شَكَكْتُم وجَهِلْتُم كيف عِدَّتُهُنَّ.
{فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} لصِغَرِهِنَّ، وعدَمِ بلُوغِهِنَّ سِنَّ الْمَحيضِ، أيْ: فعِدَّتُهُنَّ ثلاثةُ أشْهُرٍ.
{وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} أيْ: إنَّ انتهاءَ عِدَّتِهِنَّ يَتِمُّ بوضْعِ الحمْلِ.
{وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} قالَ الضحَّاكُ: مَن يَتَّقِ اللهَ فيُطَلِّقْ للسنَّةِ، يَجعَلْ له مِن أمْرِه يُسراً في الرَّجعةِ). [زبدة التفسير: 558]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({ذَلِكَ}؛ أي: الحُكْمُ الذي بَيَّنَه اللَّهُ لكُمْ {أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ}؛ لتَمْشُوا عليهِ وتَأْتَمُّوا به وتُعَظِّمُوهُ.
{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً}؛ أيْ: يَندفِعْ عنه المحذورُ ويَحْصُلْ له المطلوبُ). [تيسير الكريم الرحمن: 871]
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (5- {وَيُعْظِمْ لَهُأَجْراً} أيْ: يُعْطِه مِن الأجْرِ في الآخِرَةِ أَجْراً عَظيماً وهو الجنَّةُ). [زبدة التفسير: 558]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلاَ تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاَتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى * لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً *}.
(6) تَقَدَّمَ أنَّ اللَّهَ نَهَى عن إخراجِ الْمُطَلَّقَاتِ عن البُيوتِ، وهنا أمَرَ بإسكانِهِنَّ وَقَدَّرَ إسكانَهُنَّ بالمعروفِ، وهو البيتُ الذي يَسكُنُه مِثلُه ومِثلُها، بحَسَبِ وُجْدِ الزوجِ وعُسْرِه.
{وَلاَ تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ}؛ أيْ: لا تُضَارُّوهُنَّ عندَ سُكناهُنَّ بالقولِ أو الفعْلِ، لأجْلِ أنْ يَمْلَلْنَ فيَخْرُجْنَ مِن البيوتِ قبلَ تَمامِ العِدَّةِ، فتَكونوا أنتُم الْمُخْرِجِينَ لَهُنَّ.
وحاصِلُ هذا أنَّه نَهَى عن إخراجِهنَّ، ونَهاهُنَّ عن الخروجِ، وأَمَرَ بسُكناهُنَّ على وجهٍ لا يَحصُلُ عليهنَّ ضَرَرٌ ولا مَشَقَّةٌ، وذلكَ راجعٌ إلى العُرْفِ.
{وَإِنْ كُنَّ}؛ أي: الْمُطَلَّقَاتُ {أُولاَتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}؛ وذلك لأجْلِ الحَمْلِ الذي في بَطْنِها إنْ كانَتْ بائِناً، ولها ولِحَمْلِها إنْ كانَتْ رَجعِيَّةً، ومُنْتَهَى النفقَةِ إلى وضْعِ الحمْلِ.
فإذَا وضَعْنَ حَمْلَهُنَّ، فإمَّا أنْ يُرْضِعْنَ أولادَهنَّ أو لا؛ {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} الْمُسَمَّاةَ لَهُنَّ إنْ كانَ مُسَمًّى، وإلاَّ فأجْرُ الْمِثْلِ.قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (6- {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم} هذا بيانُ ما يَجِبُ للمُطَلَّقاتِ مِن السُّكْنَى، أيْ: أَسْكِنُوهُنَّ في بعضِ مَكانِ سُكناكُم.
{مِن وُجْدِكُمْ} أيْ: مِن سَعَتِكم وطَاقَتِكم، وهذا في الْمُطَلَّقَةِ الرَّجعِيَّةِ, أمَّا التي طُلِّقَتِ الثالثةَ فإنها لا نَفقةَ لها ولا سُكْنَى.
{وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} في الْمَسكنِ أو النفَقَةِ.
{وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}.
ولا خِلافَ بينَ العُلماءِ في وُجوبِ النَّفَقَةِ والسُّكْنَى للحامِلِ الْمُطَلَّقَةِ.
{فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ} أيْ: أَرْضَعْنَ أولادَكم بعدَ ذلك.
{فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} أيْ: أُجورَ إرضاعِهِنَّ.
{وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ} هو خِطابٌ للأزواجِ والزوجاتِ الذينَ وَقَعَ بينَهم الفِراقُ بالطلاقِ، أيْ: تَشاوَرُوا بينَكم بما هو معروفٌ غيرُ مُنْكَرٍ، ولْيَقْبَلْ بعضُكم مِن بعضٍ المعروفَ والجميلَ في شأنِ الولَدِ، وهذا كما قالَ اللهُ تعالى في الآيةِ (233) مِن سورةِ البَقرةِ: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا}.
{وَإِن تَعَاسَرْتُمْ} أيْ: في أجْرِ الرَّضاعِ فأَبَى الزوجُ أنْ يُعطيَ الأمَّ الأجْرَ الذي تُريدُ، وأَبَتِ الأمُّ أنْ تُرضِعَه إلا بما تُريدُ مِن الأجْرِ.
{فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} أيْ: يَستأجِرُ مُرضِعَةًأُخرى تُرْضِعُ وَلدَه). [زبدة التفسير: 558-559]
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (7- {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ} فيه الأمرُ لأهلِ السَّعَةِ بأنْ يُوَسِّعُوا على الْمُرْضِعات مِن نسائِهم على قدْرِ سَعَتِهم.
{وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} أيْ: كان مُضَيَّقاً عليه في الرزْقِ فَقيراً.
{فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} أيْ: مما أَعطاهُ اللهُ مِن الرزْقِ، ليس عليه غيرُ ذلك.
{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} أيْ: ما أَعطَاها مِن الرزْقِ، فلا يُكَلِّفُ الفقيرَ بأنْ يُنفِقَ ما ليس في وُسْعِه كنَفقةِ الغَنِيِّ.
{سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} أيْ: بعدَ ضِيقٍ وشِدَّةٍ سَعةً وغِنًى). [زبدة التفسير: 559]