22 Jul 2022
تفسير
قوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا
وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا
نُكْرًا (8) فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا
خُسْرًا (9) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ
يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آَمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ
إِلَيْكُمْ ذِكْرًا (10) رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِ اللَّهِ
مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ
الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ
صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ
خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا (11)
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ
يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)
}
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (8- {وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ} أيْ: وكثيرٌ مِن أهْلِ القُرى عَصَوْا أمْرَ اللهِ ورُسُلَه وأَعْرَضُوا.
{فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا}: حاسَبَها اللهُ بأعمالِها التي عَمِلَتْها في الدنيا {وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُّكْرًا} أي: عَذَّبْنا أهْلَها عَذاباً عَظيماً مُنْكَراً في الآخِرَةِ، وفي الدنيا بالجوعِ والقحْطِ والسيفِ والخسْفِ والْمَسْخِ). [زبدة التفسير: 559] قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (9- {فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا} أيْ: عاقبةَ ثِقَلِ العذابِ الذي هو جزاءُ كُفْرِها.
{وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً} أيْ: هَلاكاً في الدنيا وعَذاباً في الآخِرَةِ فَخَسِروا أموالَهم وأَهْلَهم وأَنفُسَهم). [زبدة التفسير: 559] قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (10-11- { أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا} وهو عذابُ النارِ, {فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُوْلِي الْأَلْبَابِ} أيْ: يا أُولِي العقولِ الراجحةِ، أيْ: هذه الأمَّةُ المحمديَّةُ.
{الَّذِينَ آمَنُوا}
أيْ: أسْلَمُوا للهِ واتَّبَعُوا محمَّداً صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ،
فكُونوا صادقينَ في إِيمانِكم، ولا تَكُونُوا مِثلَ مَن عَتَا مِن الأُمَمِ
قَبْلَكم، فتُحَاسَبوا أشَدَّ الحسابِ، وتُعَذَّبُوا مِن جِنْسِ ذلك
العذابِ.
{قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا}: الذكْرُ هو القرآنُ العظيمُ, وقيلَ: هو هنا الرسولُ نفْسُه؛ ولذلك قالَ تعالى: {رَسُولاً} أيْ: أَنْزَلَ إليكم قُرآناً: أَرسلَ إليكم رَسولاً بهذا القرآنِ). [زبدة التفسير: 559] قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : ( {قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا}: الذكْرُ هو القرآنُ العظيمُ, وقيلَ: هو هنا الرسولُ نفْسُه؛ ولذلك قالَ تعالى: {رَسُولاً} أيْ: أَنْزَلَ إليكم قُرآناً: أَرسلَ إليكم رَسولاً بهذا القرآنِ.
{يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ} تُبَيِّنُ للناسِ ما يَحتاجونَ إليه مِن الأحكامِ {لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}
أيْ: لِيُخْرِجَ اللهُ بالآياتِ الذين آمَنُوا وعَمِلُوا الصالحاتِ مِن
ظُلُمَاتِ الضَّلالةِ إلى نُورِ الهدايةِ، ومِن ظُلماتِ الكُفْرِ إلى نُورِ
الإيمانِ). [زبدة التفسير: 559] قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (12- {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ}
أيْ: وخَلَقَ مِن الأرضِ مِثلَهُنَّ، يَعنِي سَبعاً مِن الأَرَضينَ، وفي
الحديثِ الصحيحِ المرفوعِ تأكيدُ ذلك، وهو ما جاءَ في الصحيحينِ مِن قولِ
النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((مَنْ ظَلَمَ شِبْراً فِي الْأَرْضِ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ)).
{يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ}
أيْ: يَتنزَّلُ الأمرُ مِن السماواتِ السبْعِ إلى الأَرَضينَ السبعِ،
فيُنْزِلُ المطَرَ ويُخرِجُ النباتَ، ويَأتِي بالليلِ والنهارِ، والصيفِ
والشتاءِ). [زبدة التفسير: 559]
تفسير
قوله تعالى: (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا
وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا
نُكْرًا (8) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وكأيّن
من قريةٍ عتت عن أمر ربّها ورسله فحاسبناها حسابًا شديدًا وعذّبناها
عذابًا نكرًا (8) فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسرًا (9) أعدّ اللّه
لهم عذابًا شديدًا فاتّقوا اللّه يا أولي الألباب الّذين آمنوا قد أنزل
اللّه إليكم ذكرًا (10) رسولًا يتلو عليكم آيات اللّه مبيّناتٍ ليخرج
الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات من الظّلمات إلى النّور ومن يؤمن باللّه
ويعمل صالحًا يدخله جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدًا قد
أحسن اللّه له رزقًا (11) }
يقول تعالى متوعّدًا لمن خالف أمره، وكذّب رسله، وسلك غير ما شرعه، ومخبرًا عمّا حلّ بالأمم السّالفة بسبب ذلك، فقال: {وكأيّن من قريةٍ عتت عن أمر ربّها ورسله} أي: تمرّدت وطغت واستكبرت عن اتّباع أمر اللّه ومتابعة رسله، {فحاسبناها حسابًا شديدًا وعذّبناها عذابًا نكرًا} أي: منكرًا فظيعًا).[تفسير القرآن العظيم: 8/155]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : (
{وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ
فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُكْراً *
فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً *
أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي
الأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً *
رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى
النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ
جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً
قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً * اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ
سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ
لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ
قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً}.
(8-10) يُخْبِرُ
تعالى عن إهلاكِه الأُمَمَ العَاتِيَةَ والقُرونَ الْمُكَذِّبَةَ
للرُّسُلِ، وأنَّ كَثْرَتَهم وقُوَّتَهم لم تُغْنِ عنهم شيئاً حينَ جَاءَهم
الحِسابُ الشديدُ والعذابُ الأليمُ، وأنَّ اللَّهَ أَذاقَهم مِن العذابِ
ما هو مُوجِبُ أعمالِهم السيِّئَةِ، ومعَ عذابِ الدنيا، فإنَّ اللَّهَ
أعَدَّ لهم في الآخِرَةِ عَذاباً شديداً). [تيسير الكريم الرحمن: 872]
تفسير قوله تعالى: (فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا (9) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {فذاقت وبال أمرها} أي: غبّ مخالفتها، وندموا حيث لا ينفعهم النّدم، {وكان عاقبة أمرها خسرًا (9) أعدّ اللّه لهم عذابًا شديدًا} أي: في الدّار الآخرة، مع ما عجّل لهم في الدّنيا).[تفسير القرآن العظيم: 8/155]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ((8-10)
يُخْبِرُ تعالى عن إهلاكِه الأُمَمَ العَاتِيَةَ والقُرونَ الْمُكَذِّبَةَ
للرُّسُلِ، وأنَّ كَثْرَتَهم وقُوَّتَهم لم تُغْنِ عنهم شيئاً حينَ
جَاءَهم الحِسابُ الشديدُ والعذابُ الأليمُ، وأنَّ اللَّهَ أَذاقَهم مِن
العذابِ ما هو مُوجِبُ أعمالِهم السيِّئَةِ، ومعَ عذابِ الدنيا، فإنَّ
اللَّهَ أعَدَّ لهم في الآخِرَةِ عَذاباً شديداً). [تيسير الكريم الرحمن: 872] (م)
تفسير
قوله تعالى: (أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا
اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آَمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ
إِلَيْكُمْ ذِكْرًا (10) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {وكان عاقبة أمرها خسرًا (9) أعدّ اللّه لهم عذابًا شديدًا} أي: في الدّار الآخرة، مع ما عجّل لهم في الدّنيا.
ثمّ قال بعد ما قصّ من خبر هؤلاء: {فاتّقوا اللّه يا أولي الألباب} أي: الأفهام المستقيمة، لا تكونوا مثلهم فيصيبكم ما أصابهم يا أولي الألباب، {الّذين آمنوا} أي: صدّقوا باللّه ورسله، {قد أنزل اللّه إليكم ذكرًا} يعني: القرآن. كقوله {إنّا نحن نزلنا الذّكر وإنّا له لحافظون} [الحجر: 9] ).[تفسير القرآن العظيم: 8/155]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ( (8-10)
يُخْبِرُ تعالى عن إهلاكِه الأُمَمَ العَاتِيَةَ والقُرونَ الْمُكَذِّبَةَ
للرُّسُلِ، وأنَّ كَثْرَتَهم وقُوَّتَهم لم تُغْنِ عنهم شيئاً حينَ
جَاءَهم الحِسابُ الشديدُ والعذابُ الأليمُ، وأنَّ اللَّهَ أَذاقَهم مِن
العذابِ ما هو مُوجِبُ أعمالِهم السيِّئَةِ، ومعَ عذابِ الدنيا، فإنَّ
اللَّهَ أعَدَّ لهم في الآخِرَةِ عَذاباً شديداً). [تيسير الكريم الرحمن: 872] (م)
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ( {فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ}؛
أيْ: يا ذَوِي العُقولِ التي تَفهَمُ عن اللَّهِ آياتِه وعِبَرَه، وأنَّ
الذي أهْلَكَ القُرونَ الماضيةَ بتَكذيبِهم، أنَّ مَن بعدَهم مِثلُهم، لا
فَرْقَ بينَ الطائفتَيْنِ). [تيسير الكريم الرحمن: 872]
تفسير
قوله تعالى: (رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ
لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ
إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ
جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا
قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا (11) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {رسولا يتلو عليكم آيات اللّه مبيّناتٍ} قال بعضهم: {رسولا} منصوبٌ على أنّه بدل اشتمالٍ وملابسةٍ؛ لأنّ الرّسول هو الّذي بلّغ الذّكر.
وقال ابن جريرٍ: الصّواب أنّ الرّسول ترجمةٌ عن الذّكر، يعني تفسيرًا له ولهذا قال تعالى: {رسولا يتلو عليكم آيات اللّه مبيّناتٍ} أي في حال كونها بيّنةً واضحةً جليّةً {ليخرج الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات من الظّلمات إلى النّور} كقوله تعالى {كتابٌ أنزلناه إليك لتخرج النّاس من الظّلمات إلى النّور} [إبراهيم: 1] وقال تعالى {اللّه وليّ الّذين آمنوا يخرجهم من الظّلمات إلى النّور}
[البقرة: 257] أي من ظلمات الكفر والجهل إلى نور الإيمان والعلم وقد سمّى
اللّه تعالى الوحي الّذي أنزله نورًا لما يحصل به من الهدى كما سمّاه روحًا
لما يحصل به من حياة القلوب فقال: تعالى {وكذلك
أوحينا إليك روحًا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن
جعلناه نورًا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنّك لتهدي إلى صراطٍ مستقيمٍ} [الشّورى: 52] وقوله: {ومن يؤمن باللّه ويعمل صالحًا يدخله جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدًا قد أحسن اللّه له رزقًا} قد تقدّم تفسير مثل هذا غير مرّة بما أغنى عن إعادته).[تفسير القرآن العظيم: 8/155-156]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : (
(11) ثم ذَكَّرَ عِبادَه المُؤْمِنِينَ بما أَنزَلَ عليهم مِن كتابِه الذي
أَنْزَلَه على رَسولِه محمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ لِيُخْرِجَ
الخَلْقَ مِن ظُلُماتِ الجَهْلِ والكُفْرِ والْمَعْصيةِ إلى نُورِ العلْمِ
والإيمانِ والطاعةِ، فمِن الناسِ مَن آمَنَ به ومِنهم مَن لم يُؤْمِنْ به
{وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً} مِن الواجباتِ والْمُستَحَبَّاتِ؛ {يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ}, فيها مِن النَّعيمِ الْمُقيمِ ما لا عينٌ رَأَتْ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطَرَ على قَلْبِ بَشَرٍ، {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً}؛ أيْ: ومَنْ لم يُؤمِنْ باللَّهِ ورسولِه، فأُولئكَ أصحابُ النارِ هم فيها خالدونَ). [تيسير الكريم الرحمن: 872]
تفسير
قوله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ
مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ
عِلْمًا (12) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {اللّه
الّذي خلق سبع سمواتٍ ومن الأرض مثلهنّ يتنزّل الأمر بينهنّ لتعلموا أنّ
اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ وأنّ اللّه قد أحاط بكلّ شيءٍ علمًا (12) }
يقول تعالى مخبرًا عن قدرته التّامّة وسلطانه العظيم ليكون ذلك باعثًا على تعظيم ما شرع من الدّين القويم {الله الّذي خلق سبع سماواتٍ} كقوله تعالى إخبارًا عن نوحٍ أنّه قال لقومه {ألم تروا كيف خلق الله سبع سماواتٍ طباقًا} [نوحٍ: 15] وقال تعالى {تسبّح له السّماوات السّبع والأرض ومن فيهنّ} [الإسراء: 44]. وقوله تعالى {ومن الأرض مثلهنّ}
أي سبعًا أيضًا، كما ثبت في الصّحيحين "من ظلم قيد شبر من الأرض طوّقه من
سبع أرضين " وفي صحيح البخاريّ "خسف به إلى سبع أرضين " وقد ذكرت طرقه
وألفاظه وعزوه في أوّل" البداية والنّهاية" عند ذكر خلق الأرض وللّه الحمد
والمنّة.
ومن حمل ذلك على سبعة أقاليم فقد أبعد النّجعة، وأغرق في النّزع وخالف
القرآن والحديث بلا مستندٍ. وقد تقدّم في سورة الحديد عند قوله: {هو الأوّل والآخر والظّاهر والباطن}
[الآية: 3] ذكر الأرضين السّبع، وبعد ما بينهنّ وكثافة كلّ واحدةٍ منهنّ
خمسمائة عامٍ وهكذا قال ابن مسعودٍ وغيره، وكذا في الحديث الآخر "ما
السّماوات السّبع وما فيهنّ وما بينهنّ والأرضون السّبع وما فيهنّ وما
بينهنّ في الكرسيّ إلّا كحلقةٍ ملقاةٍ بأرض فلاةٍ". وقال ابن جريرٍ حدّثنا
عمرو بن عليٍّ، حدّثنا وكيع حدّثنا الأعمش عن إبراهيم بن مهاجر عن مجاهدٍ،
عن ابن عبّاسٍ في قوله: {سبع سماواتٍ ومن الأرض مثلهنّ} قال لو حدّثتكم بتفسيرها لكفرتم وكفركم تكذيبكم بها.
وحدّثنا ابن حميدٍ حدّثنا يعقوب بن عبد اللّه بن سعدٍ القميّ الأشعريّ عن
جعفر بن أبي المغيرة الخزاعيّ عن سعيد بن جبيرٍ، قال: قال رجلٌ لابن عبّاسٍ
{الله الّذي خلق سبع سماواتٍ ومن الأرض مثلهنّ}
الآية. فقال: ابن عبّاسٍ ما يؤمّنك إن أخبرتك بها فتكفر. وقال ابن جريرٍ
حدّثنا عمرو بن عليٍّ ومحمّد بن المثنّى قالا حدّثنا محمّد بن جعفرٍ حدّثنا
شعبة عن عمرو بن مرّة عن أبي الضّحى عن ابن عبّاسٍ في هذه الآية {الله الّذي خلق سبع سماواتٍ ومن الأرض مثلهنّ} قال عمرٌو قال في كلّ أرضٍ مثل إبراهيم ونحو ما على الأرض من الخلق.
وقال ابن المثنّى في حديثه في كل سماء إبراهيم وقد وروى البيهقيّ في كتاب
الأسماء والصّفات هذا الأثر عن ابن عبّاسٍ بأبسط من هذا [السّياق] فقال:
أنا أبو عبد اللّه الحافظ حدّثنا أحمد بن يعقوب حدّثنا عبيد بن غنّامٍ
النّخعيّ أنا عليّ بن حكيمٍ حدّثنا شريكٍ عن عطاء بن السّائب عن أبي الضّحى
عن ابن عبّاسٍ قال {الله الّذي خلق سبع سماواتٍ ومن الأرض مثلهنّ} قال سبع أرضين في كلّ أرضٍ نبيٌّ كنبيّكم وآدم كآدم ونوحٌ كنوحٍ وإبراهيم كإبراهيم وعيسى كعيسى.
ثمّ رواه البيهقيّ من حديث شعبة عن عمرو بن مرّة عن أبي الضّحى عن ابن عبّاسٍ في قول اللّه عزّ وجلّ {الله الّذي خلق سبع سماواتٍ ومن الأرض مثلهنّ} قال في كلّ أرضٍ نحو إبراهيم عليه السّلام.
ثمّ قال البيهقيّ إسناد هذا عن ابن عبّاسٍ صحيحٌ وهو شاذٌّ بمرّة لا أعلم لأبي الضّحى عليه متابعًا واللّه أعلم
قال الإمام أبو بكرٍ عبد اللّه بن محمّد بن أبي الدّنيا القرشيّ في كتابه
التّفكّر والاعتبار حدّثني إسحاق بن حاتمٍ المدائنيّ حدّثنا يحيى بن سليمان
عن عثمان بن أبي دهرسٍ قال بلغني أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم
انتهى إلى أصحابه وهم سكوتٌ لا يتكلّمون فقال: "ما لكم لا تتكلمون؟ "فقال:
وا نتفكّر في خلق اللّه عزّ وجلّ قال "فكذلك فافعلوا تفكّروا في خلق اللّه
ولا تتفكّروا فيه فإنّ بهذا المغرب أرضًا بيضاء نورها ساحتها -أو قال
ساحتها نورها -مسيرة الشّمس أربعين يومًا بها خلق اللّه تعالى لم يعصوا
اللّه طرفة عينٍ قطّ "قالوا فأين الشّيطان عنهم؟ قال "ما يدرون خلق
الشّيطان أم لم يخلق؟ "قالوا أمن ولد آدم؟ قال "لا يدرون خلق آدم أم لم
يخلق؟ "
وهذا حديثٌ مرسلٌ وهو منكرٌ جدًّا وعثمان بن أبي دهرشٍ ذكره ابن أبي حاتمٍ
في كتابه فقال: روى عن رجلٍ من آل الحكم بن أبي العاص وعنه سفيان بن عيينة
ويحيى بن سليمٍ الطّائفيّ وابن المبارك سمعت أبي يقول ذلك).[تفسير القرآن العظيم: 8/156-157]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : (
(12) ثم أَخْبَرَ تعالى أنَّه خَلَقَ السماواتِ والأرضَ ومَن فِيهنَّ
والأَرَضِينَ السبْعَ ومَن فيهنَّ وما بَينَهُنَّ، وأَنْزَلَ الأمرَ، وهو
الشرائعُ والأحكامُ الدِّينيَّةُ، التي أَوْحَاهَا إلى رُسُلِه؛ لتذكيرِ
العِبادِ ووَعْظِهم، وكذلك الأوامرُ الكونيَّةُ والقَدَريَّةُ التي
يُدَبِّرُ بها الخَلْقَ؛ كلُّ ذلك لأجْلِ أنْ يَعرِفَه العِبادُ ويَعلَمُوا
إحاطَةَ قُدرتِه بالأشياءِ كُلِّها، وإحاطةَ عِلْمِه بجَميعِ الأشياءِ.
فإذا عرَفُوه بأسمائِه الْحُسْنَى وأوصافِه
الْمُقَدَّسَةِ، عبَدُوه وأَحَبُّوه وقامُوا بحَقِّه، فهذهِ الغايةُ
المَقْصودةُ مِن الخَلْقِ والأمْرِ: مَعرِفَةُ اللَّهِ وعِبادتُه، فقَامَ
بذلك الْمُوَفَّقونَ مِن عِبادِ اللَّهِ الصالحِينَ، وأَعْرَضَ عن ذلكَ
الظالمونَ الْمُعْرِضونَ.
تَمَّ تَفسيرُها والحمْدُ للهِ). [تيسير الكريم الرحمن: 872]
* للاستزادة ينظر: هنا