الدروس
course cover
مقدمة في ذكر أوصاف القرآن العامة الجامعة
16 May 2015
16 May 2015

5567

0

0

course cover
خلاصة تفسير القرآن

القسم الأول

مقدمة في ذكر أوصاف القرآن العامة الجامعة
16 May 2015
16 May 2015

16 May 2015

5567

0

0


0

0

0

0

0

مقدمة في ذكر أوصاف القرآن العامة الجامعة


قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السَّعْدِيُّ (ت: 1376هـ): (بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد، فقد كنت كتبت كتابا في تفسير القرآن مبسوطا مطولا، يمنع القراء من الاستمرار بقراءته، ويفتر العزم عن نشره، فأشار علي بعض العارفين الناصحين أن أكتب كتابا غير مطول، يحتوي على خلاصة ذلك التفسير، ونقتصر فيه على الكلام على بعض الآيات التي نختارها وننتقيها من جميع مواضيع علوم القرآن ومقاصده، فاستعنت الله على العمل على هذا الرأي الميمون، لأمور كثيرة منها: أنه بذلك يكون متيسرا على المشتغلين، معينا للقارئين، ومنها: أن القرآن العظيم ليس كغيره من الكتب في الترتيب والتبويب، لأنه بلغ في البلاغة نهايتها، وفي الحسن غايته، وفي الأسلوب البديع، والتأثير العجيب ما هو أكبر الأدلة على أنه كلام الله، وتنزيل من حكيم حميد، فتجده في آية واحدة يجمع بين الوسائل والمقاصد، وبين الدليل والمدلول، وبين الترغيب والترهيب، وبين العلوم الأصولية والفروعية، وبين العلوم الدينية والدنيوية والأخروية، وبين الأغراض المتعددة والمقاصد النافعة، ويعيد المعاني النافعة على العباد، ليتم علمهم، وتكمل هدايتهم، ويستقيم سيرهم على الصراط المستقيم، علما وعملا.

فالوقوف على تفسير بعض القرآن يعين أعظم عون على معرفة باقيه، والله جعله مثاني تثنى فيه العلوم النافعة، والمعاني الجليلة الكاملة، وهذا من تيسيره تعالى لكتابه، قال تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر: 17]

ومما يدعو إلى هذا ما تحتوي عليه هذه المقدمة المذكورة بقولنا:

مقدمة

في ذكر أوصاف القرآن العامة الجامعة

قد وصف الله كتابه بأوصاف جليلة عظيمة تنطبق على جميعه، وتدل أكبر دلالة على أنه الأصل والأساس لجميع العلوم النافعة، والفنون المرشدة لخير الدنيا والآخرة:

وصفه بالهدى والرشد، والفرقان، وأنه مبين وتبيان لكل شيء؛ فهو في نفسه هدى، ويهدي الخلق لجميع ما يحتاجونه من أمور دينهم ودنياهم، ويرشدهم إلى كل طريق نافع، ويفرق لهم بين الحق والباطل، والهدى والضلال، وبين أهل السعادة والشقاوة بذكر أوصاف الفريقين، وفيه بيان الأصول والفروع بذكر أدلتها النقلية والعقلية، فوصفه بهذه الأوصاف المطلقة العامة التي لا يشذ عنها شيء في آيات كثيرة.

وقيد هدايته في بعض الآيات بعدة قيود: قيد هدايته بأنه هدى للمؤمنين المتقين؛ لقوم يعقلون، ويتفكرون، ولمن قصده الحق، وهذا بيان منه تعالى لشرط هدايته؛ وهو أن المحل لا بد أن يكون قابلا وعاملا، فلا بد لهدايته من عقل وتفكير وتدبر لآياته؛ فالمعرض الذي لا يتفكر ولا يتدبر آياته لا ينتفع به، ومن ليس قصده الحق ولا غرض له في الرشاد، بل قصده فاسد، وقد وطن نفسه على مقاومته ومعارضته، ليس له من هدايته نصيب؛ فالأول حرم هدايته لفقد الشرط، والثاني لوجود المانع؛ فأما من أقبل عليه، وتفكر في معانيه وتدبرها بحسن فهم، وحسن قصد، وسلم من الهوى، فإنه يهتدي به إلى كل مطلوب، وينال به كل غاية جليلة ومرغوب.

ووصفه بأنه رحمة، وهي الخير الديني والدنيوي والأخروي المترتب على الاهتداء بالقرآن، فكل من كان أعظم اهتداء به فله من الرحمة والخير والسعادة والفلاح بحسب ذلك.

ووصفه بأنه نور، وذلك لبيانه وتوضيحه العلوم النافعة، والمعاني الكاملة، وأن به يخرج العبد من جميع الظلمات: ظلمات الجهل والكفر والمعاصي والشقاء، إلى نور العلم واليقين والإيمان والطاعة والرشاد المتنوع.

ووصفه بأنه شفاء لما في الصدور، وذلك يشمل جميع أمراض القلوب؛ فهو يوضح أمراض القلوب ويشخصها، ويرشد العباد إلى كل وسيلة يحصل بها زوالها وشفاؤها، فيذكر لهم أمراض الجهل والشكوك والحيرة وأسباب ذلك، ويرشدهم إلى قلعها بالعلوم النافعة واليقين الصادق، وسلوك الطرق الصحيحة المزيلة لهذه العلل، ويذكر لهم أمراض الشهوات والغي، ويبين لهم أسبابها وعلاماتها وآثارها الضارة، ويذكر لهم ما به تعالج من المواعظ والتذكر والترغيب والترهيب، والمقابلة بين الأمور، وترجيح ما ترجحت مصلحته العاجلة والآجلة.

ووصفه بأنه كله محكم، وكله متشابه في الحسن، وبعضه متشابه من وجه، محكم من وجه آخر.

فأما وصفه في عدة آيات أنه كله محكم، فلبلاغته وبيانه التام، واشتماله على غاية الحكمة في تنزيل الأمور منازلها، ووضعها مواضعها، وأنه متفق غير مختلف، ليس فيه اختلاف ولا تناقض بوجه من الوجوه.

وأما حسنه فلما فيه من البيان التام لجميع الحقائق، ولأنه بين أحسن المعاني النافعة في العقائد والأخلاق والآداب والأعمال، فهي في غاية الحسن لفظا ومعنى، وآثارها أحسن الآثار، وكل هذه المعاني المثناة في القرآن يشهد بعضها لبعض في الحسن والكمال، ويصدق بعضها بعضا.

وأما وصفه بأن منه آيات محكمات هن أم الكتاب، وأخر متشابهات، فالمتشابهات هي التي يقع الإشكال في دلالتها لسبب من الأسباب اللفظية والعبارات المركبة، فأمر الله بردها إلى المحكمات الواضحة، بينة المعاني، التي هي نص في المراد؛ فإذا ردت المتشابهات إلى المحكمات صارت كلها محكمات، وزال الشك والإشكال، وحصل البيان للهدى من الضلال.

ووصفه بأنه كله صلاح، ويهدي إلى الإصلاح، وإلى أقوم الأمور وأرشدها وأنفعها في كل شيء من دون استثناء، وهذا الوصف المحيط لا يخرج عنه شيء، فهو إصلاح للعقائد والقلوب، وللأخلاق والأعمال، ويهدي إلى كل صلاح ديني ودنيوي بحيث تقوم به الأمور، وتعتدل به الأحوال، ويحصل به الكمال المتنوع من كل وجه بالإرشاد إلى كل وسيلة نافعة تؤدي إلى المقاصد والغايات المطلوبة، فلا سبيل إلى الهداية والصلاح والإصلاح لجميع الأمور إلا بسلوك الطرق التي أرشد إليها القرآن، وحث العباد عليها.

فمتى عرفت أن القرآن العظيم موصوف كله بهذه الأوصاف التي هي أعلى الأوصاف وأكملها وأتمها وأنفعها للعباد، وأنه أعيدت فيه هذه المعاني الجليلة، ومزجت فيه مزجا عجيبا غريبا في كماله وحسنه، فهمت أن طالب العلم إذا وقف على تفسير بعض الآيات تدرب بها، وتوسل بها إلى معرفة بقية الآيات.

لهذه الأسباب وغيرها رأينا أن المصلحة تدعو إلى الاقتصار على خلاصة ذلك التفسير؛ راجين من الرب أن يتم نعمته، وأن يحصل به المقصود؛ ورأينا أن الأحسن أن نذكر كل موضوع على حدته، لما فيه من التقريب والسهولة وجمع المعاني التي من فن واحد في موضع واحد؛ مع أنه - كما تقدم - لا بد أن يدخل في آيات الأصول كثير من الفروع، وفي آيات الفروع كثير من الأصول، ويدخل فيها من الترغيب والترهيب والقصص شيء كثير؛ وهذا المزج العجيب من كمال القرآن وعظم تأثيره، فإنه كتاب تعليم يزيل الجهالات المتنوعة، وكتاب تربية يقوم الأخلاق والأعمال، فهو يعلم ويقوم ويهذب ويؤدب بأعلى ما يكون من الطرق، التي لا يمكن للحكماء والعقلاء أن يقترحوا مثلها، ولا ما يقاربها). [تيسير اللطيف المنان: 1/3-8]