16 May 2015
علوم التوحيد والعقائد والأصول
بيان ما تشتمل عليه الفاتحة
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السَّعْدِيُّ (ت: 1376هـ): (1 - {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ - الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ - الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ - مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ - إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ - اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ - صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 1 - 7]
أي: أبتدئ بكل اسم لله تعالى، لأن لفظ " اسم " مفرد مضاف، فيعم جميع أسماء الله الحسنى؛ فيكون العبد مستعينا بربه، وبكل اسم من أسمائه على ما يناسبه من المطالب، وأجل ما يستعان به على عبادة الله؛ وأجل ذلك الاستعانة على قراءة كلام الله، وتفهم معانيه، والاهتداء بهديه.
(الله) هو المألوه المستحق لإفراده بالمحبة والخوف والرجاء وأنواع العبادة كلها، لما اتصف به من صفات الكمال، وهي التي تدعو الخلق إلى عبادته والتأله له.
{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1] اسمان دالان على أنه تعالى ذو الرحمة الواسعة العظيمة التي وسعت كل شيء، وعمت كل مخلوق، وكتب الرحمة الكاملة للمتقين المتبعين لأنبيائه ورسله؛ فهؤلاء لهم الرحمة المطلقة المتصلة بالسعادة الأبدية، ومن عداهم محروم من هذه الرحمة الكاملة، لأنه الذي دفع هذه الرحمة وأباها بتكذيبه للخبر، وتوليه عن الأمر، فلا يلومن إلا نفسه.
واعلم أن من القواعد المتفق عليها بين سلف الأمة وأئمتها ما دل عليه الكتاب والسنة من الإيمان بأسماء الله كلها، وصفاته جميعها، وبأحكام تلك الصفات؛ فيؤمنون - مثلا - بأنه رحمن رحيم: ذو الرحمة العظيمة التي اتصف بها، المتعلقة بالمرحوم، فالنعم كلها من آثار رحمته، وهكذا يقال في سائر الأسماء الحسنى؛ فيقال عليم: ذو علم عظيم، يعلم به كل شيء، قدير: ذو قدرة يقدر على كل شيء، فإن الله قد أثبت لنفسه الأسماء الحسنى، والصفات العليا، وأحكام تلك الصفات، فمن أثبت شيئا منها ونفى الآخر كان مع مخالفته للنقل والعقل متناقضا مبطلا.
{الْحَمْدُ لِلَّهِ} [الفاتحة: 2] الحمد هو الثناء على الله بصفات الكمال، وبأفعاله الدائرة بين الفضل والعدل، المشتملة على الحكمة التامة؛ ولا بد في تمام حمد الحامد من اقتران محبة الحامد لربه وخضوعه له، فالثناء المجرد من محبة وخضوع ليس حمدا كاملا.
{رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] الرب هو المربي جميع العالمين بكل أنواع التربية، فهو الذي خلقهم ورزقهم وأنعم عليهم بالنعم الظاهرة والباطنة، وهذه التربية العامة لجميع الخلق، برهم وفاجرهم، بل المكلفون منهم وغيرهم.
وأما التربية الخاصة لأنبيائه وأوليائه، فإنه مع ذلك يربي إيمانهم فيكمله لهم، ويدفع عنهم الصوارف والعوائق التي تحول بينهم وبين صلاحهم وسعادتهم الأبدية، وتيسيرهم لليسرى وحفظهم من جميع المكاره، وكما دل ذلك على انفراد الرب بالخلق والتدبير والهداية وكمال الغنى، فإنه يدل على تمام فقر العالمين إليه بكل وجه واعتبار، فيسأله من في السماوات والأرض - بلسان المقال والحال - جميع حاجاتهم، ويفزعون إليه في مهماتهم.
{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4] المالك هو من اتصف بالصفات العظيمة الكاملة التي يتحقق بها الملك، التي من آثارها أنه يأمر وينهى، ويثيب ويعاقب، ويتصرف في العالم العلوي والسفلي التصرف التام المطلق بالأحكام القدرية والأحكام الشرعية، وأحكام الجزاء، فلهذا أضاف ملكه ليوم الدين مع أنه المالك المطلق في الدنيا والآخرة؛ فإنه يوم القيامة الذي يدين الله فيه العباد بأعمالهم خيرها وشرها، ويرتب عليها جزاءها، وتشاهد الخليقة - من آثار ملكه وعظمته وسعته، وخضوع الخلائق كلها لعظمته وكبريائه، واستواء الخلق في ذلك اليوم على اختلاف طبقاتهم في نفوذ أحكامه عليهم - ما يعرفون به كمال ملكه، وعظمة سلطانه.
{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] أي: نخصك يا ربنا وحدك بالعبادة والاستعانة، فلا نعبد غيرك، ولا نستعين بسواك؛ فالعبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال والأقوال، الظاهرة والباطنة، فهي القيام بعقائد الإيمان وأخلاقه وأعماله محبة لله وخضوعا له، والاستعانة هي الاعتماد على الله في جلب المنافع ودفع المضار مع الثقة به في حصول ذلك، وهذا التزام من العبد بعبودية ربه، وطلب من ربه أن يعينه على القيام بذلك، وبذلك يتوسل إلى السعادة الأبدية والنجاة من جميع الشرور، فلا سبيل لذلك إلا بالقيام بعبادة الله والاستعانة به، وعلم بذلك شدة افتقار العبد لعبادة الله والاستعانة به.
{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 6] أي: دلنا وأرشدنا، ووفقنا للعلم بالحق والعمل به، الذي هو الصراط المستقيم، المعتدل الموصل إلى الله وإلى جنته وكرامته، وهذا يشمل الهداية إلى الصراط، وهي التوفيق للزوم دين الإسلام، وترك ما سواه من الأديان الباطلة، ويشمل الهداية في الصراط وقت سلوكه علما وعملا؛ فهذا الدعاء من أجمع الأدعية وأنفعها للعبد، ولهذا أوجبه الله ويسره، وهذا الصراط هو طريق و {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 7] بالنعمة التامة المتصلة بالسعادة الأبدية، وهم الأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون، {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 7] وهم الذين عرفوا الحق وتركوه كاليهود ونحوهم، {وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] الذين ضلوا عن الحق كالنصارى ونحوهم.
فهذه السورة على إيجازها قد جمعت علوما جمة، تضمنت أنواع التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية يؤخذ من قوله: {رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] وتوحيد الألوهية من قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] فهو المألوه بعبادته والاستعانة به، وتوحيد الأسماء والصفات بأن يثبت لله صفات الكمال كلها التي أثبتها لنفسه، وأثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم.
وقد دل على ذلك إثبات الحمد لله؛ فإن الأسماء الحسنى والصفات العليا وأحكامها كلها محامد ومدائح لله تعالى، وتضمنت إثبات الرسالة في قوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 6] لأنه الطريق الذي عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك فرع عن الإيمان بنبوته ورسالته، وتضمنت إثبات الجزاء، وأنه بالعدل، وذلك مأخوذ من قوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4]
وتضمنت إثبات مذهب أهل السنة والجماعة في القدر، وأن جميع الأشياء بقضاء الله وقدره، وأن العبد فاعل حقيقة، ليس مجبورا على أفعاله، وهذا يفهم من قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] فلولا أن مشيئة العبد مضطر فيها إلى إعانة ربه وتوفيقه لم يسأل الاستعانة.
وتضمنت أصل الخير ومادته، وهو الإخلاص الكامل لله في قول العبد: إياك نعبد وإياك نستعين.
ولما كانت هذه السورة بهذه العظمة والجلالة أوجبها الشارع على المكلفين في كل ركعة من صلاتهم فرضا ونفلا؛ وفيها تعليم الله لعباده كيف يحمدونه ويثنون عليه، ويمجدونه بمحامده، ثم يسألون ربهم جميع مطالبهم.
ففيها دليل على افتقارهم إلى ربهم في الأمرين: مفتقرين إليه في أن يملأ قلوبهم من محبته ومعرفته، ومفتقرين إليه في أن يقوم بمصالحهم يوفقهم لخدمته، والحمد لله رب العالمين). [تيسير اللطيف المنان: 1/9-13]
بيان ما تشتمل عليه آية: {قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم ...... } الآية
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السَّعْدِيُّ (ت: 1376هـ): (2 -
{قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى
إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا
أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ
بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 84] هذه الآية الكريمة لها شأن كبير؛ كان -
عليه الصلاة والسلام - يقرؤها كثيرا في الركعة الأولى من سنة الصبح، وقد
اشتملت على جميع ما يجب الإيمان به، فإن الإيمان الشرعي هو تصديق القلب
التام وإقراره بهذه الأصول، المتضمن لأعمال الجوارح ولأعمال القلوب؛ وهو
بهذا الاعتبار يدخل فيه الإسلام، وتدخل فيه الأعمال الصالحة كلها؛ فهي
إيمان، وهي من آثار الإيمان، فإذا أطلق الإيمان دخل فيه ما ذكر، وكذلك إذا
أطلق الإسلام فإنه يدخل فيه الإيمان، فإذا قرن بين الإسلام والإيمان فسر
الإيمان بما في القلب من العقائد الصحيحة والإرادات الصالحة، وفسر الإسلام
بالأعمال الظاهرة. وكذلك إذا جمع بين الإيمان والعمل الصالح،
الإيمان لما في الباطن، والعمل الصالح هو الظاهر، ومع إطلاق الإيمان يدخل
فيه العمل الصالح، كما في كثير من الآيات؛ فقوله تعالى: {قُلْ آمَنَّا
بِاللَّهِ} [آل عمران: 84] ) إلخ، أي: قولوا ذلك بألسنتكم متواطئة عليها
قلوبكم، وهذا هو القول التام الذي يترتب عليه الثواب والجزاء؛ فكما أن
النطق باللسان بدون اعتقاد القلب ليس بإيمان، بل هو نفاق، فكذلك القول
الخالي من عمل القلب عديم التأثير قليل الفائدة. وفي قوله: (قُلْ) إشارة إلى الإعلان
بالعقيدة والصدع بها والدعوة لها؛ إذ هي أصل الدين وأساسه، وفي مثل قوله:
(آمنا) - وما أشبهها من الآيات التي يضاف الفعل فيها إلى ضمير الجمع -
إشارة إلى أنه يجب على الأمة الاعتصام بحبل الله جميعا، والحث على
الائتلاف، والنهي عن الافتراق، وأن المؤمنين كالجسد الواحد، عليهم السعي
لمصالحهم كلها جميعا، والتناصح التام. وفيه دلالة على جواز إضافة الإنسان إلى
نفسه الإيمان على وجه التقييد، بأن يقول: أنا مؤمن بالله؛ كما يقول: آمنت
بالله، بل هذا الأخير من أوجب الواجبات، كما أمر الله به أمرا حتما، بخلاف
قول العبد: أنا مؤمن، ونحوه، فإنه لا يقال إلا مقرونا بالمشيئة لما فيه من
تزكية النفس؛ لأن الإيمان المطلق يشمل القيام بالواجبات وترك المحرمات، فهو
كقوله: أنا متق أو ولي أو من أهل الجنة، وهذا التفريق هو مذهب محققي أهل
السنة والجماعة. فقوله: {آمَنَّا بِاللَّهِ} [آل عمران:
84] أي: بأنه واجب الوجود، واحد أحد فرد صمد، متصف بكل صفة كمال، منزه عن
كل نقص، مستحق لإفراده بالعبودية كلها، وهو يتضمن الإخلاص التام. {وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا} [آل عمران:
84] يدخل فيه: الإيمان بألفاظ الكتاب والسنة ومعانيهما، كما قال تعالى:
{وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [النساء: 113]
{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ
إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] فيدخل في هذا الإيمان بما تضمنه كتاب الله
وسنة رسوله: من أسماء الله وصفاته وأفعاله، وصفات رسله، واليوم الآخر
والغيوب كلها، والإيمان بما تضمنه الكتاب والسنة أيضا: من الأحكام الشرعية:
الأمر والنهي وأحكام الجزاء، وغير ذلك. {وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ}
[البقرة: 136] إلخ: فيه الإيمان بجميع الكتب المنزلة على جميع الأنبياء،
والإيمان بالأنبياء عموما، وخصوصا ما نص عليهم منهم في الآية الكريمة
وغيرها، لشرفهم ولكونهم أتوا بالشرائع الكبار، فمن براهين الإسلام ومحاسنه،
وأنه دين الله الحق: الأمر بالإيمان بكل كتاب أنزله الله، وكل رسول أرسله
الله مجملا ومفصلا؛ فكل من ادعى أنه على دين حق كاليهود والنصارى ونحوهم
فإنهم يتناقضون، فيؤمنون ببعض ويكفرون ببعض، فيبطل كفرهم وتكذيبهم تصديقهم،
ولهذا أخبر عنهم أنهم الكافرون حقا، وأنه لا سبيل يسلك إلى الله إلا سبيل
الإيمان بجميع الرسل، وبجميع الكتب المنزلة على الرسل. وفي قوله تعالى: {وَمَا أُوتِيَ
النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ} [البقرة: 136] برهان على أن الأنبياء وسائط
بين الله وبين خلقه في تبليغ دينه، وأنه ليس لهم من الأمر شيء؛ وفي الإخبار
بأنه من ربهم بيان أن من كمال ربوبيته لعباده التربية التامة أنه أرسل
إليهم رسله، وأنزل عليهم كتبه، ليعلموهم ويزكوهم ويخرجوهم من الظلمات إلى
النور، وأنه لا يليق بربوبيته وحكمته أن يتركهم سدى، لا يؤمرون ولا ينهون،
ولا يثابون ولا يعاقبون. ويفهم من الآية الكريمة الفرق بين
الأنبياء الصادقين، وبين من يدعي النبوة من الكاذبين؛ فإن الأنبياء يصدق
بعضهم بعضا، ويشهد بعضهم لبعض، ويكون كل ما جاءوا به متفقا لا يتناقض، لأنه
من عند الله، محكم منتظم، وأما الكذبة فإنهم لا بد أن يتناقضوا في أخبارهم
وأوامرهم ونواهيهم، ويعلم كذبهم بمخالفته لما يدعو إليه الأنبياء
الصادقون. فلما بين تعالى جميع ما يجب الإيمان به،
عموما وخصوصا، وكان القول لا يغني عن العمل، قال: {وَنَحْنُ لَهُ
مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 84] أي: خاضعون لعظمته، منقادون لعبادته بباطننا
وظاهرنا، مخلصون له بذلك؛ فإن تقديم المعمول على العامل يدل على الحصر. فهذه الأصول المذكورة في هذه الآية قد أمر
الله بها في كتابه في عدة آيات من القرآن إجمالا وتفصيلا، وأثنى على
القائمين بها، وأخبر بما يترتب عليها من الخير والثواب؛ وأنها تكمل العبد
وترقيه في عقائده وأخلاقه وآدابه، وتجعله عدلا معتبرا في معاملاته، وتوجب
له خير الدنيا والآخرة، ويحيا بها الحياة الطيبة في الدارين، وتجلب له
السعادتين، وتدفع عنه شرور الدنيا والآخرة، وقد أخبر في هذه السورة أن
الرسول والمؤمنين قاموا بهذه الأصول علما وتصديقا وإقرارا، وعملا ودعوة
وهداية وإرشادا، فكتب أهل العلم المصنفة في العقائد كلها تفصيل لما في هذه
الآية الكريمة). [تيسير اللطيف المنان: 1/13-16]
آية الكرسي وبيان الشفاعة ولمن هي
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السَّعْدِيُّ (ت: 1376هـ): (3 - {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة: 255]
أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الآية أعظم آيات القرآن على الإطلاق، وأنها تحفظ قارئها من الشياطين والشرور كلها، لما احتوت عليه من معاني التوحيد والعظمة، وسعة صفات الكمال لله تعالى؛ فأخبر أنه الله الذي له جميع معاني الألوهية، وأنه لا يستحق الألوهية غيره، فألوهية غيره وعبادة غيره باطلة ضارة في الحال والمآل؛ وعبادته وحده لا شريك له هي الحق الموصلة إلى كل كمال؛ وأنه الحي كامل الحياة، فمن كمال حياته أنه السميع البصير القدير، المحيط علمه بكل شيء، الكامل من كل وجه.
ف {الْحَيُّ} [البقرة: 255] يتضمن جميع الصفات الذاتية، و {الْقَيُّومُ} [البقرة: 255] الذي قام بنفسه، واستغنى عن جميع المخلوقات، وقام بها فأوجدها وأبقاها، وأمدها بكل ما تحتاج إليه في بقائها؛ ف {الْقَيُّومُ} [البقرة: 255] يتضمن جميع صفات الأفعال، ولهذا ورد أن اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255] فإن هذين الاسمين الكريمين يدخل فيهما جميع الكمالات الذاتية والفعلية.
ومن كمال حياته وقيوميته أنه {لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ} [البقرة: 255] أي: نعاس، {وَلَا نَوْمٌ} [البقرة: 255] لأنهما يعرضان للمخلوق الذي يعتريه الضعف والعجز والانحلال، وينزه عنهما ذو العظمة والكبرياء والجلال.
وأخبر أنه مالك لجميع ما في السماوات وما في الأرض، فكلهم عبيده ومماليكه، لا يخرج أحد منهم عن هذا الوصف اللازم؛ فهو المالك لجميع الممالك، وهو الذي اتصف بصفات الملك الكامل، والتصرف التام النافذ، والسلطان والكبرياء.
ومن تمام ملكه أنه لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه؛ فكل الوجهاء والشفعاء عبيد له، مماليك لا يقدمون على الشفاعة لأحد حتى يأذن لهم: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الزمر: 44]
ولا يشفعون إلا لمن ارتضاه الله، ولا يرضى إلا عمن قام بتوحيده واتباع رسله، فمن لم يتصف بهذا فليس له في الشفاعة نصيب، وأسعد الناس بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم من قال: «لا إله إلا الله خالصا من قلبه» .
ثم أخبر عن علمه الواسع المحيط، وأنه يعلم ما بين أيدي الخلائق من الأمور المستقبلة التي لا نهاية لها {وَمَا خَلْفَهُمْ} [البقرة: 255] من الأمور الماضية التي لا حد لها، وأنه لا تخفى عليه خافية، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام: 59] وأن الخلق لا يحيط أحد منهم بشيء من علم الله، ولا معلوماته إلا بما شاء منهما، وهو ما أطلعهم عليه من الأمور الشرعية والقدرية، وهو جزء يسير جدا بالنسبة إلى علم الباري، تضمحل العلوم كلها في علم الباري ومعلوماته، كما قال أعلم المخلوقات، وهم الرسل والملائكة: {سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} [البقرة: 32]
ثم أخبر عن عظمته وجلاله، وأن كرسيه وسع السماوات والأرض، وأنه قد حفظهما بما فيهما من العوالم بالأسباب والنظامات التي جعلها الله في مخلوقاته مع ذلك فلا يؤوده - أي: يثقله - حفظهما، لكمال عظمته وقوة اقتداره وسعة حكمته في أحكامه.
{وَهُوَ الْعَلِيُّ} [البقرة: 255] بذاته على جميع مخلوقاته، فهو الرفيع الذي باين جميع مخلوقاته؛ وهو العلي بعظمة صفاته، الذي له كل صفة كمال، ومن تلك الصفات أكملها ومنتهاها، وَهُوَ الْعَلِيُّ الذي قهر جميع المخلوقات، ودانت له كل الموجودات، وخضعت له الصعاب، وذلت له الرقاب.
{الْعَظِيمُ} [البقرة: 255] الجامع لجميع صفات العظمة والكبرياء والمجد، الذي تحبه القلوب، وتعظمه الأرواح، ويعرف العارفون أن عظمة كل موجود - وإن جلت عن الصفة - فإنها مضمحلة في جانب عظمة العلي العظيم، فتبارك الله ذو الجلال والإكرام.
فآية احتوت على هذه المعاني التي هي أجل المعاني وأفرضها على العباد، يحق أن تكون أعظم آيات القرآن، ويحق لمن قرأها متدبرا متفقها أن يمتلئ قلبه أن اليقين والعرفان والإيمان، وأن يكون بذلك محفوظا من شرور الشيطان، وقد نعت الباري نفسه الكريمة بهذه الأوصاف في عدة آيات من كتابه). [تيسير اللطيف المنان: 1/17-19]
الطريق إلى العلم بأنه لا إله إلا الله
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السَّعْدِيُّ (ت: 1376هـ): (4 - {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: 18]
هذه أجل الشهادات على الإطلاق؛ فإنها صدرت من الملك العظيم، ومن ملائكته وأنبيائه وأهل العلم على أجل مشهود عليه؛ وهو توحيد الله وقيامه بالقسط، وذلك يتضمن الشهادة على جميع أحكام الشرع، وأحكام الجزاء؛ فإن الدين أصله وقاعدته توحيد الله، وإفراده بالعبادة، والاعتراف بانفراده بصفات العظمة والكبرياء والمجد والعز والجلال، وبنعوت الجود والبر والرحمة والإحسان والجمال، وبكماله المطلق الذي لا يحصي أحد من الخلق أن يحيطوا بشيء منه، أو يبلغوه، أو يصلوا إلى الثناء عليه، بل هو كما أثنى على نفسه، وفوق ما يثني عليه عباده.
وأما القسط فهو العدل الكامل؛ والله تعالى هو القائم بالعدل في شرعه وخلقه وجزائه؛ فإن العبادات الشرعية والمعاملات وتوابعها، والأمر والنهي كله عدل وقسط، لا ظلم فيه بوجه من الوجوه، بل هو في غاية الإحكام والانتظام، في غاية الحكمة، والجزاء على الأعمال كله دائر بين فضل الله وإحسانه على الموحدين المؤمنين به، وبين عدله في عقوبة الكافرين والعاصين، فإنه لم يهضمهم شيئا من حسناتهم، ولم يعذبهم بغير ما كسبوا: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164]
قال تعالى: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ} [الأنعام: 19] فتوحيد الله ودينه قد ثبت ثبوتا لا ريب فيه، وهو أعظم الحقائق وأوضحها؛ وقد شهد الله له بذلك بما أقام من الآيات والبراهين والحجج المتنوعة عليه، ومن شهادته تعالى أنه أقام أهل العلم العارفين بهذه الشهادة، فإنهم المرجع للعباد في تحقيق كل حق، وإبطال كل باطل، لما خصهم الله به من العلم الصحيح، واليقين التام، والمعرفة الراسخة.
وهذا من جملة فضائل العلم وأهله، فإن الله جعلهم وسائط بينه وبين عباده، يبلغونهم توحيده ودينه، وشرائعه الظاهرة والباطنة؛ وأمر الناس بسؤالهم والرجوع إلى قولهم، وأنهم هم الأئمة المتبوعون، وغيرهم تابع لهم في الدنيا والآخرة، ولهذا لهم الكلمة الرفيعة حتى في الآخرة، لما ذكر تعالى اختصام الخلق واختلافهم ذكر القول الفصل في ذلك، الصادر من أهل العلم: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [الروم: 56]
وفي هذا دليل على كمال عدل أهل العلم؛ فإن الله استشهد بهم على عباده، وذلك تعديل منه لهم، وفي هذا من الشرف وعلو المكانة ما لا يخفى.
5 - {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} [محمد: 19]
العلم لا بد فيه من إقرار القلب، ومعرفته بمعنى ما طلب منه علمه، ولا يتم ذلك إلا بالعمل بمقتضى ذلك العلم في كل مقام بحسبه؛ وهذا العلم الذي أمر الله به فرض عين على كل إنسان، لا يسقط عن أحد كائنا من كان.
والضرورة إلى هذا العلم والعمل بمقتضاه - من تمام التأله لله - فوق كل ضرورة، والعلم بالشيء يتوقف على معرفة الطريق المفضي إلى معرفته وسلوكها.
والطريق إلى العلم بأنه {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [البقرة: 163] على وجه الإجمال والعموم أمور:
أحدها: - وهو أعظمها وأوضحها وأقواها - تدبر أسماء الله وصفاته وأفعاله الدالة على كماله وعظمته وجلاله؛ فإن معرفتها توجب العلم بأنه لا يستحق الألوهية سواه، وتوجب بذل الجهد في التأله والتعبد لله الكامل، الذي له كل حمد ومجد وجلال وجمال.
الثاني: العلم بأنه الرب المنفرد بالخلق والرزق والتدبير، فبذلك يعلم أنه المنفرد بالألوهية.
الثالث: العلم بأنه المنفرد بالنعم الظاهرة والباطنة الدينية والدنيوية، فإن ذلك يوجب تعلق القلب به محبة وإنابة، والتأله له وحده لا شريك له.
الرابع: ما يراه العباد ويسمعونه من الثواب لأوليائه القائمين بتوحيده من النصر لرسله وأتباعهم، ومن النعم العاجلة المشاهدة، ومن عقوبته لأعدائه المشركين به، فإن هذا برهان على أنه وحده المستحق للألوهية.
الخامس: معرفة أوصاف الأوثان والأنداد التي عبدت مع الله، واتخذت آلهة، وأنها فقيرة إلى الله من كل وجه، ناقصة من كل وجه، لا تملك لنفسها، ولا لمن عبدها نفعا ولا ضرا، ولا موتا ولا حياة ولا نشورا؛ فالعلم بذلك يعلم به بطلان إلهيتها، وأن ما يدعون من دون الله هو الباطل، وأن الله هو الإله الحق المبين.
السادس: اتفاق كتب الله على ذلك، وتواطؤها عليه.
السابع: اتفاق الأنبياء والرسل والعلماء الربانيين على ذلك، وشهادتهم به، وهم خواص الخلق، وأكملهم أخلاقا وعقولا وعلما ويقينا.
الثامن: ما أقامه الله من الأدلة والآيات الأفقية والنفسية، التي تدل على التوحيد أعظم دلالة وأوضحها، وتنادي عليه بلسان المقال ولسان الحال، بما أودعها من لطائف صنعته وبديع حكمته وغرائب خلقه.
التاسع: ما أودعه الله في شرعه من الآيات المحكمة والأحكام الحسنة والحقوق العادلة والخير الكثير، وجلب المنافع كلها ودفع المضار، ومن الإحسان المتنوع، وذلك يدل أكبر دلالة أنه الله الذي لا يستحق العبادة سواه، وأن شريعته التي نزلت على ألسنة رسله شاهدة بذلك.
فهذه الطرق التي لا تحصى أنواعها وأفرادها قد أبدأها الله في كتابه وأعادها، ونبه بها العباد على هذا المطلوب الذي هو أعظم المطالب وأجل الغايات، فمن سلك طريقا من هذه الطرق أفضت به إلى العلم واليقين بأنه لا إله إلا هو، وكلما ازداد العبد سلوكا لهذه الطرق، ورغبة فيها ومعرفة ازداد يقينه ورسخ إيمانه، وكان الإيمان في قلبه أرسخ من الجبال، وأحلى من كل لذيذ وأنفس من كل نفيس.
والطريق الأعظم الجامع لذلك كله تدبر القرآن العظيم والتأمل في آياته، فإنه الباب الأعظم إلى العلم بالتوحيد، ويحصل به من تفاصيله وجمله ما لا يحصل من غيره.
وقوله: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد: 19] أي: اطلب من ربك المغفرة لذنبك بأن تفعل الأسباب التي تحصل بها المغفرة: من الدعاء بالمغفرة والتوبة النصوح، وفعل الحسنات الماحية، وترك الذنوب، والعفو عن الخلق والإحسان إليهم، ومن ذلك الاستغفار لهم، فلهذا قال: {وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: 19] فهذا من ثمرات الإيمان بسبب إيمانهم كان لهم حق على كل مسلم أن يدعو لهم بالمغفرة.
وإذا كان العبد مأمورا بالاستغفار للمؤمنين والمؤمنات فمن لوازم ذلك أن يكون ناصحا لهم، يحب لهم من الخير ما يحب لنفسه، ويكره لهم من الشر ما يكره لنفسه، ويحثهم على الخير، وينهاهم عن الشر، ويعفو عن معايبهم ومساويهم، ويحرص على اجتماعهم اجتماعا تتألف به قلوبهم، ويزول ما بينهم من الأحقاد المفضية للمعاداة والشقاق، فإنه بالائتلاف تقل الذنوب، وبالافتراق تكثر الشرور والمعاصي، {وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} [محمد: 19] أي: تصرفاتكم وحركاتكم وذهابكم ومجيئكم، وما إليه تنتهون وبه تستقرون، فهو المحيط بكم في كل أحوالكم؛ وهذا فيه التخويف والترغيب من الجزاء على الأعمال حسنها وسيئها.
6 - {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ - هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ - هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الحشر: 22 - 24]
هذه الآيات الكريمة قد اشتملت على كثير من أسماء الله الحسنى التي عليها مدار التوحيد والاعتقاد، فأخبر أنه المألوه الذي لا يستحق العبادة سواه؛ وذلك لكماله العظيم وإحسانه الشامل، وتدبيره العام وحكمه الشاملة، فهو الإله الحق، وما سواه فعبوديته باطلة، لأنه خال من الكمال، ومن الأفعال التي فيها النفع والضر.
ووصف نفسه بالعلم المحيط بما حضر وغاب، وما مضى وما يستقبل وما هو حاضر، وما في العالم العلوي وما في العالم السفلي، وما ظهر وما بطن، فلا تخفى عليه خافية في مكان من الأمكنة، ولا زمان من الأزمنة.
ومن كمال علمه وقدرته أنه يعلم ما تنقص الأرض من الأموات، وما تفرق من أجزائهم، وما استحال من حال إلى حال؛ أحاط علما بذلك على وجه التفصيل، فلا يعجزه إعادتهم للبعث والجزاء.
ووصف نفسه بأنه {الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [الحشر: 22] الذي وسعت رحمته الخليقة بأسرها، وملأت الوجود كله؛ ووصف نفسه بأنه {الْمَلِكُ} [الحشر: 23] وهو الذي له الملك التام المطلق، له صفات الملك التي هي نعوت العظمة والكبرياء والعز والسلطان، وله التصرف المطلق في جميع الممالك، الذي لا ينازعه فيه منازع، والموجودات كلها عبيده وملكه، ليس لهم من الأمر شيء.
وأخبر أنه {الْقُدُّوسُ السَّلَامُ} [الحشر: 23] أي: المقدس المعظم، السالم من جميع العيوب والنقائص المنافية لكماله، {الْمُؤْمِنُ} [الحشر: 23] المصدق لرسله وأنبيائه بما جاؤوا به من الآيات البينات والبراهين القاطعات والحجج الواضحات، الذي له العلم كله، ويعلم من أوصافه المقدسة ونعوته العظيمة ما لا يعلمه بشر ولا ملك، ويحب نفسه وما هو عليه من الجلال والجمال، {الْعَزِيزُ} [الحشر: 23] الذي له العزة كلها، عزة القوة والقدرة، فهو القوي المتين، وعزة القهر والغلبة لكل مخلوق، فكلهم نواصيهم بيده، وليس لهم من الأمر شيء، وعزة الامتناع الذي تمنع بعزته عن كل مخلوق، فلا يعارض ولا يمانع، وليس له نديد ولا ضديد، {الْجَبَّارُ} [الحشر: 23] الذي قهر جميع المخلوقات، ودانت له الموجودات، واعتلى على الكائنات، وجبر بلطفه وإحسانه القلوب المنكسرات، {الْمُتَكَبِّرُ} [الحشر: 23] عن النقائص والعيوب، وعن مشابهة أحد من خلقه، ومماثلتهم لعظمته وكبريائه، {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الحشر: 23] وهذا تنزيه عام عن كل ما وصفه به من أشرك به ولم يقدره حق قدره.
{هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ} [الحشر: 24] لجميع المخلوقات، {الْبَارِئُ} [الحشر: 24] بحكمته ولطفه لجميع البريات، {الْمُصَوِّرُ} [الحشر: 24] بحسن خلقه لجميع الموجودات، أعطى كل شيء خلقه، ثم هدى كل مخلوق وكل عضو لما خلق له وهيئ له.
فالله تعالى قد تفرد بهذه الأوصاف المتعلقة بخلقه، لم يشاركه في ذلك مشارك، وهذا من براهين توحيده، وأن من تفرد بالخلق والبرء والتصوير فهو المستحق للعبودية ونهاية الحب وغاية الخضوع، {لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الحشر: 24] وقد ورد في الحديث الصحيح: «إن لله تسعة وتسعين اسما؛ مائة إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة» - يعني: أحصى ألفاظها وحفظها وعقلها وتعبد لله بها -، فهو تعالى الذي له كل اسم حسن، وكل صفة جلال وكمال، فيستحق من عباده كل إجلال وتعظيم وحب وخضوع، {يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الحشر: 24] يعني: من المكلفين والحيوانات والأشجار والجمادات، {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [الإسراء: 44] {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الحشر: 24] في خلقه وشرعه.
7 - بسم الله الرحمن الرحيم {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ - اللَّهُ الصَّمَدُ - لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ - وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 1 - 4]
أي: (قل) قولا جازما فيه، معتقدا له، عارفا بمعناه، عاملا بمقتضاه من الإيمان بالله والتعظيم والخضوع، {هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] أي: الذي انحصرت فيه الأحدية، وهي التفرد بكل صفة كمال، الذي لا يشاركه في ذلك مشارك؛ الذي له الأسماء الحسنى والصفات العلى والأفعال المقدسة والتصرف المطلق، {اللَّهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص: 2] أي: السيد الذي قد انتهى سؤدده؛ العليم الذي قد كمل علمه، الحليم الذي قد كمل في حلمه، وفي قدرته وفي جميع أوصاف كماله، ولأجل هذا صمدت له المخلوقات كلها، وقصدته في كل حاجاتها، وفزعت إليه الخليقة في مهماتها وملماتها.
فالصمد هو الذي صمدت له المخلوقات لما اتصف به من جميع الكمالات، ومن كماله أنه {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} [الإخلاص: 3] لأنه الغني المالك، فاتخاذ الولد ينافي ملكه وغناه، {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 4] أي: ليس له مكافئ ولا مثيل في أسمائه وصفاته وأفعاله، تبارك وتعالى.
فهذه السورة أصل عظيم من أصول الإيمان، وقد تضمنت توحيد الأسماء والصفات، ومن لوازم ذلك توحيد الإلهية، وأن المتفرد بالوحدانية من كل وجه، الذي ليس له مثيل بوجه من الوجوه، هو الذي لا تنبغي العبادة إلا له، لا إله إلا هو.
8 - {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 163] يخبر الله تعالى، وهو أصدق القائلين، أنه {إِلَهٌ وَاحِدٌ} [البقرة: 163] أي: متوحد منفرد في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله؛ فليس له شريك، ولا سمي له، ولا كفو ولا مثل ولا نظير ولا خالق ولا مدبر غيره.
فإذا تقرر أنه كذلك فهو المستحق لأن يؤله ويعبد بجميع أنواع العبادة، ولا يشرك به أحد من خلقه، لأنه {الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 163] المتصف بالرحمة العظيمة التي لا يماثلها رحمة أحد، فقد وسعت كل شيء، وعمت كل حي.
فبرحمته وجدت المخلوقات، وبرحمته حصلت لها أنواع الكمالات، وبرحمته اندفع عن العباد كل نقمة، وبرحمته عرف عباده نفسه بصفاته وآلائه، وبين لهم كل ما يحتاجونه من أمور دينهم ومصالح دنياهم بإرسال الرسل وإنزال الكتب.
فإذا علم أن ما بالعباد من نعمة دقت أو جلت فمن الله، وأن أحدا من المخلوقين لا ينفع أحدا، علم أنه لا يستحق العبادة إلا المتفرد بالنعم، الدافع للمكاره، وتعين على العباد أن يفردوه بالمحبة، والخوف والرجاء والتعظيم والتوكل، وغير ذلك من أنواع الطاقات، وإن من أظلم الظلم وأقبح القبيح وأعظم الضلال أن يعدل عن عبادته إلى عبادة العبيد، وأن يشرك المخلوقين من تراب بالرب العظيم، وأن يسوى المخلوق العاجز القاصر الناقص من كل وجه بالرب الخالق المدبر القوي، الذي قهر كل شيء، وخضعت له الرقاب.
ففي هذه الآية إثبات وحدانية البارئ وإلهيته، وتقريرها بنفيها عن غيره من المخلوقين، والاستدلال على ذلك بتفرده بالرحمة، التي من آثارها جميع البر والإحسان في الدنيا والآخرة، ثم ذكر الأدلة التفصيلية بقوله: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [البقرة: 164]). [تيسير اللطيف المنان: 1/19-28]
آيات كونية تدل على وحدانية الله
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السَّعْدِيُّ (ت: 1376هـ): (9 - {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [البقرة: 164]
أخبر تعالى أن في هذه المخلوقات العظيمة آيات، أي: أدلة، على وحدانية الباري وإلهيته، وعظيم سلطانه ورحمته، وسائر صفاته، وآية على البعث والجزاء لقوم يعقلون؛ أي: لهم عقول يعملونها فيما خلقت له؛ فعلى حساب ما من الله على عبده من العقل، وصرفه في التفكر في الآيات ينتفع بها ويعرفها ويعقلها بعقله وفكره وتدبره؛ ففي خلق السماوات، في ارتفاعها واتساعها وإحكامها وإتقانها، وما جعل الله فيها من الشمس والقمر والنجوم وجريانها بانتظام عجيب، لمصالح العباد.
وفي خلق الأرض؛ وجعلها مهادا للخلق يمكنهم القرار عليها، والانتفاع بما عليها والاعتبار؛ ما يدل ذلك على انفراد الله بالخلق والتدبير، وبيان قدرته العظيمة التي بها خلقها، وحكمته التي بها أتقنها وأحسنها ونظمها، وعلمه ورحمته التي بها أودع ما أودع فيها من منافع الخلق ومصالحهم وضروراتهم وحاجاتهم؛ وفي ذلك أبلغ دليل وبرهان على كماله من كل وجه، وأن يفرد بالعبادة لانفراده بالخلق والتدبير والقيام بشؤون عباده.
وفي (اختلاف الليل والنهار) وهو: تعاقبهما على الدوام إذا ذهب أحدهما خلفه الآخر؛ وفي اختلافهما في الحر والبرد والتوسط، وفي الطول والقصر والتوسط، وما ينشأ عن ذلك من الفصول التي بها انتظام مصالح الآدميين وحيواناتهم وأشجارهم وزروعهم والنوابت كلها، كل ذلك بتدبير وتسخير تحير في حسنه العقول، ويعجز عن إدراك كنهه الرجال الفحول، وذلك يدل على قدرة مصرفها وسعة علمه وشمول حكمته، وعموم رحمته ولطفه الشامل، وعظمته وكبريائه وسلطانه العظيم، يضطر العباد إلى معرفة ربهم، وإخلاص العبادة له وحده لا شريك له.
وفي (الفلك التي تجري في البحر) وهي: السفن والمراكب ونحوها مما ألهم الله عباده صنعتها، وأقدرهم عليها بتيسير أسبابها، ثم سخر لها هذا البحر العظيم والرياح التي تحملها بما فيها من الركاب والأموال والبضائع التي هي من منافع الناس، وبها تنتظم معايشهم.
فمن الذي ألهمهم صنعتها وأقدرهم عليها، وخلق لهم من الآلات المتنوعة ما به يعملونها؟ أم من الذي سخر لها هذا البحر تجري فيه - بإذنه وتسخيره - الرياح؟ أم من الذي خلق للمراكب البرية والبحرية والهوائية النار والمعادن المتنوعة المعينة على حملها وحمل ما فيها من الأموال الثقيلة جدا؟
فهل هذه الأمور حصلت صدفة واتفاقا؟ أم استقل بعملها وخلق أسبابها هذا المخلوق الضعيف العاجز الذي خرج من بطن أمه لا يعلم شيئا، وليس له قدرة على شيء، ثم أعطاه خالقه القدرة وعلمه ما لم يكن يعلم؟ أم تقول: - والحق تقول -: بل المسخر لذلك الرب الواحد، العظيم العليم الحكيم القدير؛ الذي لا يعجزه شيء، ولا يمتنع عليه شيء، بل الأشياء كلها قد دانت لربوبيته، واستكانت لعظمته، وخضعت لجبروته؛ وغاية العبد الضعيف أن جعله الله جزءا من أجزاء الأسباب التي بها وجدت هذه الأمور العظام، فهذا يدل على رحمة الله وعنايته بعباده، ويدعو العباد إلى أن يعبدوه وحده لا شريك له، وينيبوا إليه في كل حال.
{وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ} [البقرة: 164] وهو المطر النازل من السحاب، {فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [البقرة: 164] فأظهرت أنواع الأقوات وأصناف الأشجار والنباتات التي لا يمكن للعباد أن يعيشوا بدونها.
أليس ذلك برهانا على قدرة من أنزله وأخرج به ما أخرج، وعلى رحمته ولطفه بعباده، وشدة افتقار الخليقة إليه في كل أحوالهم، وهو يحدوهم إلى إخلاص الدين له والإنابة إليه، والقيام بعبوديته ظاهرا وباطنا؟
وكذلك هو دليل على إحياء الله للموتى كما قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [فصلت: 39]
وقد ذكر الله هذا البرهان على البعث في عدة آيات، كما ذكر ابتداء الخلق برهانا على إعادته، وكما ذكر كمال علمه وقدرته، وخلق السماوات والأرض، وأنه جعل للعباد من الشجر الأخضر نارا برهانا بينا على البعث.
وقوله: {وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ} [البقرة: 164] أي: نشر في أقطار الأرض من الدواب المتنوعة، وسخرها للآدميين ينتفعون بها من وجوه كثيرة، ومع هذا فهو قائم بأرزاقها، متكفل بأقواتها، فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها، ويعلم مستقرها ومستودعها.
وفي تصريف الرياح آيات عظيمة على وحدانية الله وتفرده بالكمال المطلق، فتارة تكون باردة وحارة وبين ذلك، وجنوبا وشمالا، ودبورا (أي: غربية) ، وبين ذلك، وتارة تثير السحاب، وتارة تؤلف بينه، وتارة تلقحه وتدره، وتارة تمزقه وتزيل ضرره، وتارة ترسل بالرحمة، وتارة ترسل بالعذاب، فمن الذي صرفها هذا التصريف، ورتب عليها من المنافع للعباد كثيرا إلا العزيز الحكيم، الرحيم اللطيف بعباده، المستحق للمحبة والثناء والشكر والحمد من الحقيقة؟
وفي تسخير السحاب بين السماء والأرض على خفته ولطافته يحمل الماء الكثير، فيسوقه الله إلى حيث يشاء، ويجعله حياة للبلاد والعباد، ويروي به التلول والوهاد، وينزله على الخلق وقت حاجتهم إليه، ويصرف عنهم ضرره، فينزله رحمة ولطفا، ويصرفه عناية وعطفا.
فما أعظم سلطانه وأغزر إحسانه وألطف امتنانه، أليس من أقبح القبيح وأظلم الظلم أن يتمتع العباد برزقه ويعيشوا ببره، وهم يستعينون بذلك على مساخطه ومعاصيه؟ ومع ذلك من كمال حلمه وعفوه وصفحه يوالي عليهم الإحسان، خيره إليهم على الدوام نازل، وشرهم إليه في كل وقت صاعد.
والحاصل أنه كلما تدبر العاقل في هذه المخلوقات، وتغلغل فكره في بدائع الكائنات، علم أنها خلقت للحق وبالحق، وأنها صحائف آيات، وكتب براهين ودلالات على جميع ما أخبر به عن نفسه ووحدانيته، وما أخبرت به الرسل من اليوم الآخر، وأنها مدبرات مسخرات، ليس لها تدبير ولا استعصاء على مدبرها ومصرفها، فتعرف أن العالم العلوي والسفلي كلهم إليه مفتقرون، وإليه صامدون، وأنه الغني بالذات عن جميع المخلوقات، فلا إله إلا هو، ولا رب سواه.
ولنقتصر على هذا الأنموذج من الآيات المتعلقة بالتوحيد، مع ما دخل في ضمنها من الإيمان بالجزاء والبعث، وبالرسل والكتب، وقد قرن الله ذلك بأدلته وبراهينه الموصلة إلى العلم التام، واليقين الراسخ، وبذلك يعلم أن هذه الأصول الثلاثة متلازمة: التوحيد والرسالة والمعاد، كما أن في ضمن الآيات المتعلقة بالجزاء شيئا كثيرا من متعلقات التوحيد والرسالة، فسبحان من جعل في كلامه الهدى والرشاد، وإصلاح العباد). [تيسير اللطيف المنان: 1/28-32]
فصل
منة الله على الناس ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السَّعْدِيُّ (ت: 1376هـ): (فصل 10 - {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو
عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ
وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [آل
عمران: 164] هذه المنة التي امتن الله بها على عباده
المؤمنين أكبر المنن، بل هي أصلها؛ وهي الامتنان عليهم بهذا الرسول الكريم،
الذي جمع الله به جميع المحاسن الموجودة في الرسل؛ ومن كماله العظيم هذه
الآثار التي جعلها الله نتيجة رسالته، التي بها كمال المؤمنين علما وعملا،
وأخلاقا وآدابا، وبها زال عنهم كل شر وضرر، فبعثه الله من أنفسهم وأنفسهم
وقبيلتهم، يعرفون نسبه أشرف الأنساب، وصدقه وأمانته وكماله الذي فاق به
الأولين والآخرين، ناصحا لهم مشفقا، حريصا على هدايتهم. {يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ} [آل عمران:
164] فيعلمهم ألفاظها، ويشرح لهم معانيها، {وَيُزَكِّيهِمْ} [آل عمران:
164] أي: يطهرهم من الشرك والمعاصي والرذائل وسائر الخصال الذميمة، ويزكيهم
أيضا أي: ينميهم، فيحثهم على الأخلاق الجميلة، فإن التزكية تتضمن هذين
الأمرين: التطهير من المساوئ، والتنمية بالمحاسن؛ {وَيُعَلِّمُهُمُ
الْكِتَابَ} [آل عمران: 164] وهو القرآن، {وَالْحِكْمَةَ} [آل عمران: 164]
وهي السنة. فالكتاب والسنة بهما أكمل الله للرسول
وأمته الدين، وبهما حصل العلم بأصول الدين وفروعه، وبهما حصلت جميع العلوم
النافعة، وما يترتب عليها من الخيرات، وزوال الشرور، وبهما حصل العلم
اليقيني بجميع الحقائق النافعة، وبهما الهداية والصلاح للبشر. فمحمد صلى الله عليه وسلم هو الإمام
الأعظم المعلم لهذين الأمرين، اللذين ينابيع العلوم كلها تتفجر من معينهما،
فعلم صلى الله عليه وسلم أمته الكتاب والحكمة، وأوقفهم على حكم الأحكام
وأسرارها، فكانت حياته كلها - أقواله وأفعاله وتقريراته وهديه، وأخلاقه
الظاهرة والباطنة، وسيرته الكاملة المتنوعة في كل فن من الفنون - تعليما
منه للمؤمنين، وشرحا للكتاب والحكمة، فجمع لهم بين تعليم الأحكام الأصولية
والفروعية، وما به تدرك وتنال، والطرق التي تفضي إليها عقلا ونقلا وتفكيرا
وتدبرا، واستخراجا للعلوم الكونية من مظانها وينابيعها، وبين لهم فوائد ذلك
كله وثمراته، وشرح لهم الصراط المستقيم، اعتقاداته وأخلاقه وأعماله، وما
لسالكه عند الله من الخير العاجل والآجل، وما على المنحرف عنه من العقاب
والضرر العاجل والآجل. فكان خيار المؤمنين بهذا التعليم الصادر
من النبي الكريم مباشرة، وتبليغا من العلماء الربانيين الراسخين في العلم،
ومن الهداة المهديين، ومن أكابر الصديقين، وحصل لسائر المؤمنين من هذا
التعليم نصيب وافر من الخير العظيم على حسب طبقاتهم ومنازلهم، وذلك فضل
الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم، فخرجوا بهذا التعليم من جميع
الضلالات، وانجالت عنهم الشرور المتنوعة والجهالات، وتم لهم النور الكامل،
وانقشعت عنهم الظلمات. فيا لها من نعمة لا يقدر قدرها، ولا يحصي المؤمنون كنه شكرها). [تيسير اللطيف المنان: 1/32-34]
دحض شبهات الكفار على الرسول
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السَّعْدِيُّ (ت: 1376هـ): (11 - {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا - وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا - قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان: 4 - 6]
ذكر الله تعالى في هذا قدح المكذبين لمحمد صلى الله عليه وسلم، وإدلاءهم بهذه الشبه التي يعلمون ويعلم الناس بطلانها، فزعموا أنه افترى هذا القرآن، وأنه ساعده على ذلك قوم آخرون، فرد الله عليهم هذه المقالة المنتهية في القبح بأن هذا ظلم عظيم، وجراءة يعجب السامع كيف سولت لهم أنفسهم هذا القول الهراء، وأنه من الزور والظلم؛ فإنهم قد كانوا يعرفون بلا شك صدقه وأمانته التي لا يلحقه فيها أحد، وأنه لم يجتمع بأحد من أهل العلم، ولا رحل في طلبه، وقد نشأ بين أمة أمية في غاية الجهل والضلال، وقد جاءهم بهذا الكتاب العظيم الذي لم يطرق العالم أعظم منه، ولا أعلى معاني وأغزر علما، ولا أبلغ من ألفاظه ومعانيه، وأتم من حكمه وحكمه ومبانيه.
وقد تحدى أقصاهم وأدناهم، وأفرادهم وجماعتهم، وأولهم وآخرهم أن يأتي بمثله أو بعشر سور من مثله، أو بسورة واحدة من مثله؛ وصرح لهم أنهم إن أتوا بشيء من مثله فهم صادقون، وهم أهل الفصاحة والبلاغة في الكلام، فعجزوا غاية العجز عن معارضته والإتيان بمثله، واتضح لهم ولغيرهم عيهم وعجزهم، وتبين بطلان دعواهم.
وكل من حاول أن يأتي بكلام يعارض به ما جاء به الرسول صار كلامه ضحكة للصبيان فضلا عن أهل النظر والعقول، وكل شبهة يدلون بها في معارضة الرسول من حين يوجه لها النظر الصحيح تضمحل وتزهق، {إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: 81]
ومن جراءتهم أنهم قالوا: إن هذا القرآن الذي جاء به محمد أساطير الأولين، اكتتبها من كتب الأولين المسطورة، فهي تملى عليه بكرة وأصيلا، فيا ويحهم! من الذي عندهم في بطن مكة يمليها؟ وهل يوجد في ذلك الوقت في مكة أو ما حولها كتب تملى؟ ولو فرض وقدر أنه يوجد أحد، لم يختص محمد وحده بالأخذ عنه؟
ولما كانت هذه مقالة زور وافتراء، لا يخفى كذبها على أحد، تشبثوا وقالوا: كان محمد يجلس إلى قين حداد في مكة فارسي فيتعلم منه، فلهذا قال عنهم: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحل: 103] بالغ في البيان والبلاغة نهايتها وغايتها.
فلا يمكن الجمع بين النقيضين: أن يتعلمه من هذا الأبكم أعجمي اللسان، الذي لم يعرف عنه علم يرجع إليه، ولا معرفة يتميز بها، وهذا القرآن الذي جاء به مع كمال بلاغته حوى علوم الأولين والآخرين.
ولما كان هذا القول الذي قالوه، والمكابرة التي تجرءوا عليها قد علم الموافق والمخالف كذبها وافتراءها، وكان جميع أعداء الرسول لهم ورثة، يقومون بالعداوة للرسول والدين، ويعطونها حقها ولو جلبت عليهم ما جلبت من الدخول في الكذب والافتراء والمكابرة، وقد عرف هؤلاء الأعداء المتأخرون مكابرة إخوانهم الذين باشروا تكذيب الرسول، ورأوا أن مقالتهم قد بطلت واضمحلت، وبان زورها لكل أحد، صاغها هؤلاء المكذبون بعبارة موهوها، وظنوا أنها بهذا التمويه تروج، فزعموا - وما أسمجه وأكذبه من زعم - أن محمدا كان يتعلم من نفسه؛ وأنه كان يخلو بالطبيعة: السماء والأرض والشمس والقمر والنجوم، فيعطيها لبه، ويناجيها بقلبه، فيخيل إليه أصناف التخاييل، فيأتي بها إلى الناس زاعما أنها من وحي الله على يد جبريل، وأن هذه التخيلات من الأمور العالية التي يعتاد الإتيان بها أهل الرأي والحجى.
ولما رأوا آثارها الجليلة في الإسلام وأهله، وتعاليمه وتقويمه للأمم، وبهرهم هذا النور العظيم لجأوا إلى هذا التحذلق الذي منتهاه وغايته أنهم صوروا النبي صلى الله عليه وسلم ورقوه إلى رجل من الطبيعيين، كما قال هذا القول الباطل أحد ملاحدة الإفرنسيين، وتلقاها عنه بعض الملاحدة العصريين، وهو مبني على إنكار وجود رب العالمين، وأنه ما ثم إلا عمل الطبيعة، وقد علم الناس أن هذا القول المزور أعظم مكابرة ومباهتة من قول الأولين، وأن هذا الافتراء الذي ولدوه بعد مئات السنين أوضح ضلالا وظلما وجراءة ووقاحة من زور الأولين، وأن هؤلاء الأراذل الذين أعجبوا بآرائهم وتاهوا بعقولهم قد بين الله كذبهم فيما قالوه، وأن عقولا ولدت هذه الأقوال المؤتفكة والخيالات الفاسدة والمقالات الفاسدة لعقول سافلة وآراء ساقطة، يعرف فسادها بنتائجها ومكابرتها، وإنكارها أجلى الحقائق، ولهذا قال تعالى: {قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الفرقان: 6]
فالرب القادر العظيم، الذي أحاط علمه بجميع الأسرار، وعلم أحوال العباد حاضرها ومستقبلها، فأنزله لهدايتهم، وجعله منارا وعلما يهتدي به المهتدون في كل وقت وحين.
فجميع الحقائق التي دعا إليها هذا الرسول وهذا القرآن حقائق ثابتة نافعة للعباد، لا يأتي من الحقائق ما يغيرها، ومحال أن يأتي شيء أصلح منها أو مثلها أو يقاربها: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: 50]
ومن كمال علمه وقدرته أنه لو تقول عليه أحد بمثل هذه المقالة لعاجله بالعقوبة، فلما أيد من جاء بها بنصره وحججه، ورأى العباد آياته في الآفاق وفي أنفسهم، التي يتبين بها أنه الحق، وما سواه ضلال، علم بذلك أن هذا الرسول أصدق الخلق وأنصحهم وأبرهم وأعلمهم وأخشاهم وأتقاهم لربه، وأن أعداءه المكذبين له أكذب الخلق وأغشهم، وأعظمهم جهلا وضلالا وغيا وفسادا في كل زمان ومكان.
ومن مكابرة أعداء الرسول أنهم جعلوا يتناقضون في مقالاتهم، ويتفننون في إفكهم المكشوف كذبه، فمنهم من قال: إنه مجنون، ومنهم من قال: ساحر وكاهن، ومنهم من قال: مسحور، ومنهم من قال: لو كان صادقا لجاءت الملائكة تؤيده، ولو كان صادقا لأغناه الله عن المشي في الأسواق، وجعل له جنات وأنهارا وأموالا كثيرة. . وكل يعلم أن هذه الأقوال - مع تناقضها - ليست من الشبه فضلا عن كونها من الحجج، ولهذا قال تعالى معجبا: {انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا} [الإسراء: 48]
ومثل هذه الأقوال التي يذكرها الله عن المكذبين للرسول هي بنفسها تدل على كذبهم ومكابرتهم قبل أن يعرف بطلانها من الأدلة الأخرى، وإذا وزنت هذه الأقوال الجارية من الأولين رأيت نظيرها وأقبح منها جارية من الملاحدة المتأخرين؛ ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة: 33]
فما جاء به الرسول من الهدى في جميع أبواب العلوم النافعة، والدين الحق الذي هو الصلاح المطلق، أكبر الأدلة على أنه رسول الله حقا، وأكبر الأدلة على إبطال كل ما ناقضه من أقوال المؤتفكين؛ والحمد لله رب العالمين.
12 - {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ - مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ - وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ - وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ - فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ - بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ - إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القلم: 1 - 7]
يقسم تعالى بالقلم، وهو اسم جنس شامل للأقلام التي تكتب بها أنواع العلوم، ويسطر بها المنثور والمنظوم، وذلك أن القلم، وما يسطر به من أنواع الكلام من آياته العظيمة التي تستحق أن يقسم بها على براءة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم مما نسبه إليه أعداؤه من الجنون، فنفى عنه ذلك بنعمة ربه عليه وإحسانه، إذ من عليه بالعقل الكامل والرأي السديد، والكلام الفصل الذي هو من أحسن ما جرت به الأقلام وسطره الأنام، وهذا هو السعادة في الدنيا.
ثم ذكر سعادته في الآخرة فقال: {وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ} [القلم: 3] أي: لأجرا عظيما - كما يفيده التنكير - غير مقطوع، بل هو دائم متتابع مستمر، وذلك لما أسلفه صلى الله عليه وسلم من المقامات العالية في الدين والأخلاق الرفيعة؛ ولهذا قال: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4] فعلا صلى الله عليه وسلم بخلقه العظيم على جميع الخلق، وفاق الأولين والآخرين، وكان خلقه العظيم - كما فسرته به عائشة رضي الله عنها - هذا القرآن الكريم، وذلك نحو قوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199] {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} [آل عمران: 159] {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128]
وما أشبهها من الآيات الدالات على اتصافه صلى الله عليه وسلم بمكارم الأخلاق، والآيات التي فيها الحث على كل خلق جميل، فكان أول الخلق امتثالا لها وسبقا إليها وإلى تكميلها، فكان له منها أكملها وأجلها وأعلاها، وهو في كل خصلة منها في الذروة العليا، فكان سهلا لينا قريبا من الناس، مجيبا لدعوة من دعاه، قاضيا لحاجة من استقضاه، جابرا لقلب من سأله، لا يحرمه ولا يرده خائبا، وإذا أراد أصحابه أمرا وافقهم عليه، وتابعهم فيه إذا لم يكن في ذلك محذور، وإن عزم على أمر لم يستبد به دونهم، بل يشاورهم ويؤامرهم، وكان يقبل من محسنهم، ويعفو عن مسيئهم، ولم يكن يعاشر جليسا إلا أتم عشرة وأحسنها، فكان لا يعبس في وجهه، ولا يغلظ له في كلامه، ولا يطوي عنه بشره، ولا يمسك عليه فلتات لسانه، ولا يؤاخذه بما يصدر منه من جفوة، بل يحسن إليه غاية الإحسان، ويحتمله غاية الاحتمال صلى الله عليه وسلم.
فلما أنزله الله بأعلى المنازل، وكان أعداؤه يقولون: إنه مجنون مفتون قال: {فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ - بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ} [القلم: 5 - 6] وقد تبين أنه كان أهدى الناس وأكملهم وأنفعهم لنفسه ولغيره، وأن أعداءه أضل الناس للناس، وأنهم هم الذين فتنوا عباد الله، وأضلوهم عن سبيله، وكفى بعلم الله بذلك، فإنه المحاسب المجازي و {هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القلم: 7]
وفيه تهديد للضالين، ووعد للمهتدين، وبيان لحكمة الله في هدايته من يصلح للهداية دون غيره). [تيسير اللطيف المنان: 1/34-40]
فصل
وجوب الإيمان بالآخرة ووصف ما فيها
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السَّعْدِيُّ (ت: 1376هـ): (فصل
13 - {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر: 68]- إلى آخر السورة الكريمة -[الزمر: 68 وما بعدها] .
من أهم أصول الإيمان: الإيمان باليوم الآخر، وهو الإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله بعد الموت من فتنة القبر ونعيمه وعذابه، وأحوال يوم القيامة وما يكون فيه، ومن صفات الجنة والنار، وصفات أهلهما.
فالإيمان باليوم الآخر هو الإيمان بذلك كله جملة وتفصيلا، أما أحوال القبر وفتنته وعذابه ونعيمه وتفاصيل ذلك، فقد تواترت به الأحاديث الصحيحة والحسنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما هو معروف، والقرآن أشار إليه في عدة آيات، وأما ما يكون بعد ذلك فإذا أراد الملك القادر بعث العباد وحشرهم وجزاءهم (نُفِخَ فِي الصُّورِ) وهو: قرن عظيم لا يعلم عظمه إلا الذي خلقه، كما ورد في حديث الصور المشهور، أو نفخ في الصور على وجه لا يعلم كنهه إلا الله نفخة الصعق والفزع، انزعج لهذا أهل السماوات والأرض وصعقوا إلا من شاء الله من خلقه، {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى} [الزمر: 68] نفخة البعث، {فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ} [الزمر: 68] من أجداثهم كاملي الخلقة، ينظرون ما يستقبلهم من هذه الحياة الأخروية التي يجازى فيها العباد بأعمالهم، حسنها وسيئها.
أما المؤمنون الطائعون فيقومون مطمئنين طامعين في فضل ربهم ورحمته، مستبشرين بثوابه وعفوه ومغفرته، يحشرون إلى موقف القيامة وفدا مكرمين، وأما المجرمون فيقومون فزعين خائفين متحسرين، يدعون بالويل والثبور، يقولون: يا ويلنا، من بعثنا من مرقدنا؟ فيساقون إلى جهنم وردا.
فحينئذ تكثر القلاقل والأهوال، ويشيب الولدان من هول ذلك اليوم وفظاعته: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج: 2]
{يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ - وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ - وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ - لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ - وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ - ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ - وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ - تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ - أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ} [عبس: 34 - 42]
{وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا - الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا} [الفرقان: 25 - 26]
وتكور الشمس والقمر، وتنثر النجوم، فتذهب هذه الأنوار المشاهدة، وتشرق الأرض بنور ربها، وينزل الله لفصل القضاء بين عباده، ومحاسبتهم على أعمالهم.
أما المؤمنون: فيحاسبهم حسابا يسيرا يقرهم بذنوبهم، ثم يغفرها ويسترها عن الخلائق، ويضاعف لهم الحسنات، ويعطيهم من فضله وإحسانه ما لا تبلغه أعمالهم، ويعطون كتبهم بأيمانهم إكراما واحتراما، كما تبيض وجوههم، وتثقل موازينهم؛ ويغتبطون بذلك، ويستبشرون به، فيقولون لإخوانهم ومعارفهم ومحبيهم: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ - إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ - فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} [الحاقة: 19 - 21] الآيات [الحاقة: 19 - 21 وما بعدها] .
ويساقون إلى الجنة زمرا، كل طائفة منهم مع نظرائهم في الخير بحسب طبقاتهم وسبقهم، كما يردون في عرصات القيامة حوض نبيهم، فيشربون منه شربة هنيئة لا يظمأون بعدها، ويمرون على الصراط على قدر أعمالهم كلمح البصر، وكالبرق الخاطف، وكأجاويد الخيل والإبل، وكسعي الرجال، وكمشيهم، ودون ذلك.
فإذا عبروا على الصراط وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار، فيقتص بعضهم من بعض مظالم وتبعات كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة، حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم فتلقاهم خزنة الجنة، يسلمون عليهم، ويهنونهم بالنجاة من العذاب وحصول الخير والثواب والخلود الأبدي بسبب طيبهم، ولهذا قالوا: {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ} [الزمر: 73] أي: طابت قلوبكم بالعقائد الصحيحة الصادقة، والأخلاق الجميلة، وألسنتكم بذكر الله والثناء عليه، وجوارحكم بخدمته والقيام بطاعته: {فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر: 73]
فإذا دخلوها ورأوا ما فيها من النعيم المقيم، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، حمدوا الله على منته عليهم بالسوابق والإيمان والأعمال الصالحة، وبإنجاز ما وعدهم به على ألسنة رسله، وعلى أن الله أورثهم الجنة يتبوءون من خيراتها حيث يشاءون وأنى يشاءون مما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين من نعيم القلوب والأرواح، ومن نعيم الأبدان والأجسام: {عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ - مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ - يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ - بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ - لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ - وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ - وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ - وَحُورٌ عِينٌ - كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} [الواقعة: 15 - 23] خيرات الأخلاق، حسان الوجوه، قد جمع الله لهن حسن البواطن والظواهر، فهن سرور النفس، وقرة النواظر.
وتمام ذلك أن الله يحل عليهم رضوانه فلا يسخط عليهم أبدا، وأنه يقال لهم: (إن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا، وإن لكم أن تصحوا فلا تمرضوا أبدا، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا) ، فلهم كل ما يشاءون فيها وتتعلق به أمانيهم، ولهم فوق ذلك مما لم تبلغه أمانيهم، ولهم نعيم أعلى من ذلك كله، وهو التمتع بالنظر إلى وجهه الكريم، وسماع خطابه، والابتهاج برضاه وقربه، والسرور بمحبته، وذكره وحمده، والثناء عليه وشكره، مما يشاهدون من كثرة الخيرات، وسوابغ النعم والهبات، وزيادة النعيم وتواصله، ومما يزدادون من معرفته والأنس به، فتبارك الله ذو الجلال والإكرام.
وأما الكافرون المجرمون: فيحاسبهم الله على ما أسلفوه من الجرائم، ويقرعهم ويخزيهم بين الخلائق، ويعطون كتبهم من وراء ظهورهم بشمائلهم، وتسود منهم الوجوه، وتخف موازينهم، ويساقون إلى جهنم جياعا عطاشا منزعجين مرعوبين زمرا، كل طائفة تحشر مع نظيرها من أهل الشر: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} [الزمر: 71] في وجوههم، ففاجأهم حرها المفظع، وحل بهم الفزع الأكبر الذي لا يشبهه فزع، وتلقتهم خزنة الجحيم، يوبخونهم على ما قدموه، وقالوا لهم: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى} [الزمر: 71] قد جاءتنا الرسل، وبلغتنا النذر، فما كان منا إليهم إلا الاستهزاء بهم والتكذيب، فلو كان لنا أسماع واعية، وعقول نافعة ما وصلنا إلى هذه الدار، بل خالفنا المنقول والمعقول: {فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك: 11]
ما أشد شقاءهم وعناءهم؛ ينوع عليهم العذاب أنواعا، فتارة يعذبون بالسعير المحرق لظواهرهم وبواطنهم، كلما نضجت جلودهم بدلوا جلودا غيرها، وتارة بالزمهرير الذي قد بلغ برده أن يهري اللحوم ويكسر العظام، وتارة بالجوع المفرط والعطش المفظع، وإذا استغاثوا لذلك أغيثوا بعذاب آخر، ولون من الشقاء ينسي ما سبقه، فيغاثون بطعام ذي غصة؛ بشجرة الزقوم التي تخرج في أصل الجحيم، وثمرها في غاية المرارة والنتن والحرارة، إذا وصلت بطونهم غلت فيها كغلي الحميم الذي يوقد عليه في النار.
{وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ} [الكهف: 29] إذا قرب إليها فلا يدعهم العطش مع ذلك أن يتناولوها، فإذا وصلت إلى بطونهم قطعت أمعاءهم، ولا يزالون في عذاب متنوع شديد، لا يفتر عنهم العذاب ساعة، ولا يرجون رحمة ولا فرجا، يتمنون الممات ليستريحوا، فينادون مالكا (رئيس خزنة النار) : {يا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف: 77] فيقول لهم: {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} [الزخرف: 77] فلا تلوموا إلا أنفسكم لما أسلفتموه من الجرائم: {لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} [الزخرف: 78]
وينادون أهل الجنة مستغيثين بهم: {أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ} [الأعراف: 50] فيقول لهم أهل الجنة: {إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ} [الأعراف: 50] وينادون ربهم فيقولون: {رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ - رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} [المؤمنون: 106 - 107] فيجيبهم الله: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: 108] فحينئذ ييأسون من كل خير، ومن كل فرج وراحة، ويتيقنون أنه الخلود الدائم والعذاب الأبدي والشقاء المستمر. . فنسأل الله الجنة، وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ به من النار، وما قرب إليها من قول وعمل). [تيسير اللطيف المنان: 1/40- 45]
فصل
وجوب الإيمان بالملائكة والرد على منكريهم
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السَّعْدِيُّ (ت: 1376هـ): (فصل
14 - {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ - يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء: 19 - 20]
الإيمان بالملائكة أحد أصول الإيمان، ولا يتم الإيمان بالله وكتبه ورسله إلا بالإيمان بالملائكة، وقد وصفهم الله بأكمل الصفات، وأنهم في غاية القوة على عبادة الله والرغبة العظيمة فيها، وأنهم يسبحون الليل والنهار لا يفترون، وأنهم لا يستكبرون عن عبادته، بل يرونها من أعظم نعمه عليهم، وأنهم لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون.
ففي هذا بيان كمال محبتهم لربهم، وقوة إنابتهم إليه، ونشاطهم التام في طاعته، وأنهم لا يعصونه طرفة عين، وهم الوسائط بينه وبين رسله، وخصوصا جبريل أفضلهم وأعظمهم وأقواهم وأرفعهم عند الله منزلة؛ فإنه ذو: {قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ - مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ} [التكوير: 20 - 21]
{وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} [التكوير: 24] {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ - نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ - عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} [الشعراء: 192 - 194]
وكما أنهم الوسائط بينه وبين عباده في تبليغ الوحي والشرائع إلى الأنبياء، فهم الوسائط في التدبيرات القدرية؛ فإن الله وصفهم بأنهم المدبرات أمرا، فكل طائفة منهم قد وكله على عمل هو قائم به بإذن الله، فمنهم: الموكلون بالغيث والنبات، والموكلون بحفظ العباد مما يضرهم، وبحفظ أعمالهم وكتابتها؛ والموكلون بقبض الأرواح، وبتصوير الأجنة في الأرحام، وكتابة ما يجري عليها في الحال والمآل، والموكلون على الجنة والنار، ومنهم حملة العرش ومن حوله من الملائكة المقربين، إلى غير ذلك مما وصفوا به في الكتاب والسنة.
فيجب الإيمان بهم إجمالا وتفصيلا، وكثير من سور القرآن فيها ذكر الملائكة والخبر عنهم، فعلينا أن نؤمن بذلك كله، ولا تكاد تجد أحدا ينكر وجود الملائكة إلا الزنادقة المنكرين لوجود ربهم، ومن تستر بالإسلام منهم فإنه ينكر الملائكة حقيقة، وينكر خبر الله ورسوله عنهم، ويفسر الملائكة تفسيرا وتحريفا خبيثا، فيزعم أن الملائكة هي القوى الخيرية والصفات الحسنة الموجودة في الإنسان، وأن الشياطين هي القوى الشريرة فيه، وغرضهم من هذا التحريف دفع الشنعة عنهم، وقد ازدادوا بهذا التحريف شرا إلى شرهم، وراج هذا التحريف الخبيث على بعض الذين يحسنون الظن بهؤلاء الزنادقة، وليس عندهم بصيرة في أديان الرسل وإن أظهروا تعظيمهم، فإن زنادقة الفلاسفة أعظم في قلوبهم من الرسل، وكفى بالعبد ضلالا وغيا أن يصل إلى هذه الحال، ونعوذ بالله من مضلات الفتن.
ولم تزل بهم هذه الجرأة والخضوع لأقوال جهلة الزنادقة حتى فسروا الملائكة بذلك التحريف، وحتى زعم بعضهم أن سجود الملائكة لآدم ليس حقيقة، وإنما ذلك تسخير الله للآدميين جميع ما في الأرض من القوى والمعادن وغيرها، فأنكر ما هو معلوم بالضرورة بخبر الله الصريح في كتابه وخبر رسوله، وقال هذه المقالة التي فيها - مع تكذيب الله ورسوله - تسوية كفار الآدميين وفجرتهم وأولهم وآخرهم بآدم، ومضمون ذلك بل صريح قولهم: إن الملائكة سجدت لجميع الآدميين برهم وفاجرهم؛ فأين قول الناس في موقف القيامة: يا آدم أنت الذي خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته. .؟
ولولا أن مثل هذه التحريفات والتكذيب لله ورسوله موجود في كتب من يشار إليهم بالعلم لم يكن بنا حاجة إلى دفع هذا القول الجريء، الذي يعلم كل مسلم لم تغيره العقائد الباطلة بطلانه.
ولنقتصر على هذا المقدار من الإشارة إلى العقائد المتعلقة بالتوحيد والرسالة واليوم الآخر والجزاء - وإن كان القرآن معظمه في تقرير هذه الأصول العظيمة - لشدة الحاجة والضرورة إليها في كل وقت وحال، ولكن حصل - ولله الحمد - التنبيه الذي يحصل به المقصود، ويعين على غيره، والله أعلم). [تيسير اللطيف المنان: 1/45-47]
فصل
في ذكر الفوائد والثمرات المترتبة على التحقق بهذه العقائد الجليلة
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السَّعْدِيُّ (ت: 1376هـ): (فصل
في ذكر الفوائد والثمرات المترتبة على التحقق بهذه العقائد الجليلة
اعلم أن خير الدنيا والآخرة من ثمرات الإيمان الصحيح، وبه يحيا العبد حياة طيبة في الدارين، وبه ينجو من المكاره والشرور، وبه تخف الشدائد، وتدرك جميع المطالب، ولنشر إلى هذه الثمرات على وجه التفصيل، فإن معرفة فوائد الإيمان وثمراته من أكبر الدواعي إلى التزود منه.
فمن ثمرات الإيمان: أنه سبب رضا الله الذي هو أكبر شيء، فما نال أحد رضا الله في الدنيا والآخرة إلا بالإيمان وثمراته، بل صرح الله به في كتابه في مواضع كثيرة، وإذا رضي الله عن العبد قبل اليسير من عمله ونماه، وغفر الكثير من زلَلِه ومحاه.
ومنها: أن ثواب الآخرة ودخول الجنة والتنعم بنعيمها، والنجاة من النار وعقابها، إنما يكون بالإيمان، فأهل الإيمان هم أهل الثواب المطلق، وهم الناجون من جميع الشرور.
ومنها: أن الله يدفع ويدافع عن الذين آمنوا شرور الدنيا والآخرة، فيدفع عنهم كيد شياطين الإنس والجن، ولهذا قال تعالى: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [النحل: 99]
ولما ذكر إنجاءه ذا النون قال: {وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء: 88] أي: من الشدائد والمكاره إذا وقعوا فيها، والإيمان بنفسه وطبيعته يدفع الإقدام على المعاصي، وإذا وقعت من العبد دفع عقوباتها بالمبادرة إلى التوبة، كما قال صلى الله عليه وسلم: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن» . .) إلى آخر الحديث.
فبين أن الإيمان يدفع وقوع الفواحش، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف: 201]
ومنها: أن الله وعد المؤمنين القائمين بالإيمان حقيقة بالنصر، وأحقه على نفسه، فمن قام بالإيمان ولوازمه ومتمماته فله النصر في الدنيا والآخرة، وإنما ينتصر أعداء المؤمنين عليهم إذا ضيعوا الإيمان، وضيعوا حقوقه وواجباته المتنوعة.
ومنها: أن الهداية من الله للعلم والعمل ولمعرفة الحق وسلوكه هي بحسب الإيمان والقيام بحقوقه، قال تعالى: {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ} [المائدة: 16]
ومعلوم أن اتباع رضوان الله - الذي هو حقيقة الإخلاص - هو روح الإيمان وساقه الذي يقوم عليه، وقال تعالى: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن: 11] فهذه هداية عملية، هداية توفيق وإعانة على القيام بوظيفة الصبر عند حلول المصائب إذا علم أنها من عند الله فرضي وسلم وانقاد.
ومنها: أن الإيمان يدعو إلى الزيادة من علومه وأعماله الظاهرة والباطنة؛ فالمؤمن بحسب إيمانه لا يزال يطلب الزيادة من العلوم النافعة، ومن الأعمال النافعة ظاهرا وباطنا، وبحسب قوة إيمانه يزيد إيمانه ورغبته وعمله؛ كما قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} [الحجرات: 15]
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال: 2]
{فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [التوبة: 124]
ومنها: أن المؤمنين بالله وبكماله وعظمته وكبريائه ومجده أعظم الناس يقينا وطمأنينة وتوكلا على الله، وثقة بوعده الصادق، ورجاء لرحمته، وخوفا من عقابه، وأعظمهم إجلالا لله ومراقبة، وأعظمهم إخلاصا وصدقا، وهذا هو صلاح القلوب، لا سبيل إليه إلا بالإيمان.
ومنها: أنه لا يمكن للعبد أن يقوم بالإخلاص لله ولعباد الله ونصيحتهم على وجه الكمال إلا بالإيمان، فإن المؤمن تحمله عبودية الله، وطلب التقرب إلى الله، ورجاء ثوابه، والخشية من عقابه على القيام بالواجبات التي لله، والتي لعباد الله.
ومنها: أن المعاملات بين الخلق لا تتم وتقوم إلا على الصدق والنصح وعدم الغش بوجه من الوجوه، وهل يقوم بها على الحقيقة إلا المؤمنون؟
ومنها: أن الإيمان أكبر عون على تحمل المشقات، والقيام بأعباء الطاعات، وترك الفواحش التي في النفوس داع قوي إلى فعلها، فلا تتم هذه الأمور إلا بقوة الإيمان.
ومنها: أن العبد لا بد أن يصاب بشيء من الخوف والجوع، ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، وهو بين أمرين: إما أن يجزع ويضعف صبره، فيفوته الخير والثواب، ويستحق على ذلك العقاب، ومصيبته لم تقلع ولم تخف، بل الجزع يزيدها. وإما أن يصبر فيحظى بثوابها، والصبر لا يقوم إلا على الإيمان؛ وأما الصبر الذي لا يقوم على الإيمان كالتجلد ونحوه فما أقل فائدته، وما أسرع ما يعقبه الجزع، فالمؤمنون أعظم الناس صبرا ويقينا وثباتا في مواضع الشدة.
ومنها: أن الإيمان يوجب للعبد قوة التوكل على الله، لعلمه وإيمانه أن الأمور كلها راجعة إلى الله ومندرجة في قضائه وقدره، وأن من اعتمد عليه كفاه، ومن توكل على الله فقد توكل على القوي العزيز القهار، ومع أنه يوجب قوة التوكل فإنه يوجب السعي والجد في كل سبب نافع، لأن الأسباب النافعة نوعان: دينية ودنيوية، فالأسباب الدينية: هي إيمان، وهي من لوازم الإيمان.
والأسباب الدنيوية قسمان:
سبب: معين على الدين، ويحتاج إليه الدين، فهو أيضا من الدين كالسعي في القوة المعنوية والمادية التي فيها قوة المؤمنين.
وسبب: لم يوضع في الأصل معينا على الدين، ولكن المؤمن لقوة إيمانه ورغبته فيما عند الله من الخير يسلك إلى ربه، وينفذ إليه مع كل سبب وطريق، فيستخرج من المباحات بنيته وصدق معرفته ولطف علمه بابا يكون به معينا على الخير، مجما للنفس، مساعدا لها على القيام بحقوق الله وحقوق عباده الواجبة والمستحبة، فيكون هذا المباح حسنا في حقه، عبادة لله، لما صحبه من النية الصادقة، حتى أن بعض المؤمنين الصادقين في إيمانهم ومعرفتهم ربما نوى في نومه وراحاته ولذاته التقوي على الخير، وتربية البدن لفعل العبادات، وتقويته على الخير، وكذلك في أدويته وعلاجاته التي يحتاجها؛ وربما نوى في اشتغاله في المباحات أو بعضها الاشتغال عن الشر، وربما نوى بذلك جذب من خالطه وعاشره بمثل الأمور على فعل خير أو انكفاف عن شر.
وربما نوى بمعاشرته الحسنة إدخال السرور والانبساط على قلوب المؤمنين، ولا ريب أن ذلك كله من الإيمان ولوازمه، ولما كان الإيمان بهذا الوصف قال تعالى في عدة آيات من كتابه: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة: 23]
ومنها: أن الإيمان يشجع العبد، ويزيد الشجاع شجاعة، فإنه لاعتماده على الله العزيز الحكيم ولقوة رجائه وطمعه فيما عنده تهون عليه المشقات، ويقدم على المخاوف واثقا بربه، راجيا له، راهبا من نزوله من عينه لخوفه من المخلوقين؛ ومن الأسباب لقوة الشجاعة أن المؤمن يعرف ربه حقا، ويعرف الخلق حقا، فيعرف أن الله هو النافع الضار، المعطي المانع، الذي لا يأتي بالحسنات إلا هو، ولا يدفع السيئات إلا هو، وأنه الغني من جميع الوجوه، وأنه أرحم بعباده من الوالدة بولدها، وألطف به من كل أحد، وأن الخلق بخلاف ذلك كله؛ ولا ريب أن هذا داع قوي عظيم يدعو إلى قوة الشجاعة، وقصر خوف العبد ورجائه على ربه، وأن ينتزع من قلبه خوف الخلق ورجاءهم وهيبتهم.
ومنها: أن الإيمان هو السبب الأعظم لتعلق القلب بالله في جميع مطالبه الدينية والدنيوية؛ والإيمان القوي يدعو إلى هذا المطلب الذي هو أعلى الأمور على الإطلاق، وهو غاية سعادة العبد؛ وفي مقابلة هذا يدعو إلى التحرر من رق القلب للمخلوقين، ومن التعلق بهم؛ ومن تعلق بالخالق دون المخلوق في كل أحواله حصلت له الحياة الطيبة، والراحة الحاضرة، والتوحيد الكامل، كما أن من عكس القضية نقص إيمانه وتوحيده، وانفتحت عليه الهموم والغموم والحسرات.
ولا ريب أن هذين الأمرين تبع لقوة الإيمان وضعفه، وصدقه وكذبه، وتحققه حقيقة أو دعواه والقلب خال منه.
ومنها: أن الإيمان يدعو إلى حسن الخلق مع جميع طبقات الناس، كما فال النبي صلى الله عليه وسلم: «أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا» ، وجماع حسن الخلق: أن يتحمل العبد الأذى منهم، ويبذل إليهم ما استطاع من المعروف القولي والبدني والمالي، وأن يخالقهم بحسب أحوالهم بما يحبون إذا لم يكن في ذلك محذور شرعي، وأن يدفع السيئة بالتي هي أحسن، ولا يقوم بهذا الأمر إلا المؤمنون الكمل؛ قال تعالى: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت: 35]
وإذا ضعف الإيمان أو نقص أو انحرف أثر ذلك في أخلاق العبد انحرافا بحسب بعده عن الإيمان.
ومنها: أن الإيمان الكامل يمنع من دخول النار بالكلية، كما منع صاحبه في الدنيا من عمل المعاصي، ومن الإصرار على ما وقع منه منها، والإيمان الناقص يمنع الخلود في النار وإن دخلها كما تواترت بذلك النصوص بأنه يخرج من النار من كان معه مثقال حبة خردل من إيمان.
ومنها: أن الإيمان يوجب لصاحبه أن يكون معتبرا عند الخلق أمينا، ويوجب للعبد العفة عن دماء الناس وأموالهم وأعراضهم؛ وفي الحديث «المؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم» ؛ وأي شرف دنيوي أبلغ من هذا الشرف الذي يبلغ بصاحبه أن يكون من الطبقة العالية من الناس، لقوة إيمانه، وتمام أمانته، ويكون محل الثقة عندهم، وإليه المرجع في أمورهم، وهذا من ثمرات الإيمان الجليلة الحاضرة.
ومنها: أن قوي الإيمان يجد في قلبه من ذوق حلاوته ولذة طعمه واستحلاء آثاره، والتلذذ بخدمة ربه، وأداء حقوقه وحقوق عباده - التي هي موجب الإيمان وأثره - ما يزري بلذات الدنيا كلها بأسرها، فإنه مسرور وقت قيامه بواجبات الإيمان ومستحباته، ومسرور بما يرجوه ويؤمله من ربه من ثوابه وجزائه العاجل والآجل، ومسرور بأنه ربح وقته الذي هو زهرة عمره وأصل مكسبه، ومحشو قلبه أيضا من لذة معرفته بربه ومعرفته بكماله وكمال بره، وسعة جوده وإحسانه ولذة محبته والإنابة إليه الناشئة عن معرفته بأوصافه، وعن مشاهدة إحسانه ومننه.
فالمؤمن يتقلب في لذات الإيمان وحلاوته المتنوعة، ولهذا كان الإيمان مسليا عن المصيبات مهونا للطاعات، ومانعا من وقوع المخالفات، جاعلا إرادة العبد وهواه تبعا لما يحبه الله ويرضاه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به».
ومنها: أن الإيمان هو السبب الوحيد للقيام بذروة سنام الدين، وهو: الجهاد البدني والمالي والقولي، جهاد الكفار بالسيف والسنان، وجهاد الكفار والمنافقين والمنحرفين في أصول الدين وفروعه بالحكمة والحجة والبرهان، فكلما قوي إيمان العبد علما ومعرفة وإرادة وعزيمة قوي جهاده، وقام بكل ما يقدر عليه بحسب حاله ومرتبته، فنال الدرجة العالية والمنزلة الرفيعة، وإذا ضعف الإيمان ترك العبد مقدوره من الجهاد القولي بالعلم والحجة والنصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وضعف جهاده البدني لعدم الحامل له على ذلك، ولهذا قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحجرات: 15]
فصادق الإيمان يحمله صدقه على القيام بهذه المرتبة التي هي مرتبة الطبقتين العاليتين بعد النبيين: طبقة الصديقين المجاهدين بالعلم والحجة والتعليم والنصيحة، وطبقة الشهداء الذين قاتلوا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا من دون قتل؛ وهذا كله من ثمرات الإيمان ومن تمامه وكماله؛ وبالجملة فخير الدنيا والآخرة كله فرع عن الإيمان ومترتب عليه، والهلاك والنقص إنما يكون بفقد الإيمان ونقصه؛ والله المستعان). [تيسير اللطيف المنان: 1/47-54]