29 Aug 2018
4: عليّ بن أبي طالب بن عبد المطّلب الهاشمي القرشي (ت:40هـ) رضي الله عنه
رابع
الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وابن عمّ النبي صلى الله
عليه وسلم، ولد قبل البعثة بنحو عشر سنين، وهو أوّل من آمن به من الصبيان،
وهو أوّل من صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم بعد خديجة.
وكان أصغرَ ولدِ أبي طالب، وأمّه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، أسلمت وتوفيت بالمدينة، وهي أوّل هاشمية وَلدت لهاشمي.
لزم عليٌّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، بمكة والمدينة، ولما آخى بين
المهاجرين والأنصار جعل علياً معه؛ وزوّجه ابنته فاطمة، وجعل بيته أوسط
بيوت النبي صلى الله عليه وسلم.
وشهد عليّ بدراً وكان أحد المبارزين فيها، وشهد بيعة الرضوان وكان هو كاتب
صحيفة الصلح بالحديبية، وشهد المشاهد كلها مع النبي صلى الله عليها إلا
غزوة تبوك خلّفه النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة ليصلي بالناس وينوب
عنه في مصالح المسلمين، وقال له: (( أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من
موسى إلا أنه لا نبي بعدي )).
اجتمعت فيه خصال حسنة؛ ومناقب فاضلة؛ في العلم والدعوة والجهاد والقضاء
وحسن الرأي في المعضلات مع ما تقدّم ذكره من كونه من أوائل السابقين إلى
الإسلام.
- فكان مجاهداً بطلاً، لم يُذكر عنه أنه غُلب في مبارزة قطّ.
- وكان من كتّاب النبي صلى الله عليه وسلم، وممن كتب له الوحي.
- وكان ممن جمع القرآن؛ فقد حَبَس نفسه على جمع القرآن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم حتى جمعه.
- وكان من أعلم الناس بالقرآن ونزوله، وأفقههم لأحكامه، وأعلمهم بالقضاء،
يُفزع إليه في حلّ المعضلات، والجواب عن المشكلات، والاجتهاد في النوازل.
- وبعثه النبي صلى الله عليه وسلم رديفاً لأبي بكر سنة 9 هـ، ليؤذّن في
الحجّ ببراءة، وأن لا يحجّ بعد ذلك العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان.
- ثمّ بعثه في رمضان من السنة العاشرة للهجرة أميراً على سريّة إلى اليمن؛
ففتح الله له، وأسلم أكثرهم طواعية، فمكث فيها إلى أن حضر موسم الحجّ فحجّ
مع النبي صلى الله عليه وسلم حجّة الوداع.
- وكان بعد النبي صلى الله عليه وسلّم وزيراً للخلفاء الراشدين الثلاثة ونصيراً لهم، يستشار في النوازل، ويُرجع إليه في المعضلات.
قال سعيد بن المسيب: (كان عمر يتعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو حسن). رواه
عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب فضائل الصحابة لأبيه من طريق ابن عيينة
عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب.
وفضائله كثيرة جداً، أفردها بعض أهل العلم في مؤلفات، ومن أشهرها كتاب "خصائص عليّ" لأبي عبد الرحمن النسائي صاحب السنن.
- قال وهب بن عبد الله الكوفي، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة قال: شهدت عليا
وهو يخطب ويقول: (سلوني عن كتاب الله، فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم
بليل نزلت أم بنهار وأم في سهل، أم في جبل). رواه عبد الرزاق في تفسيره،
وابن عساكر في تاريخ دمشق.
تولّيه الخلافة:
تولّى
الخلافة بعد عثمان بمبايعة كبار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من بايعه
طلحة والزبير وغيرهما، واستوسقت له البيعة ولم ينازعه أحد في الخلافة، وسار على طريقة أسلافه الخلفاء في تعليم القرآن وإقرائه وتدارسه، وكانت
الأمور في عهده غير مستقرّة بسبب آثار فتنة مقتل عثمان، وما جرى بعدها من
الفتن، لكن كان تعليم التفسير وغيره من علوم الشريعة سائراً على الطريقة
المعهودة.
وكان
رضي الله عنه قد قرأ القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ممن يكتب
الوحي، وجمع القرآن في خلافة أبي بكر، وكان من أعلم الصحابة بالقضاء
والتفسير، وفضائله كثيرة.
أحاديث في فضل علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
روي فضل علي بن أبي طالب رضي الله عنه أحاديث
كثيرة حتى أفرد كثيراً منها أبو عبد الرحمن النسائي صاحب السنن في كتاب
سمّاه "خصائص عليّ".
ومن الأحاديث المروية في فضله:
1. قال إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب، أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي بن أبي طالب: (( أنت مني وأنا منك )).
رواه البخاري والترمذي والنسائي في الكبرى وغيرهم.
2. وقال الأعمش، عن عدي بن ثابت، عن زر، قال: قال علي: والذي فلق الحبة،
وبرأ النسمة، إنه لعهد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم إلي: «أن لا يحبني
إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق» رواه أحمد ومسلم والترمذي والنسائي في
الكبرى وغيرهم.
3. وقال الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (إنما
كنا نعرف منافقي الأنصار ببغضهم علياً). رواه أحمد في فضائل الصحابة، وروي
نحوه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
4. وقال أبو حازم سلمة بن دينار: أخبرني سهل رضي الله عنه، يعني ابن سعد،
قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر: «لأعطين الراية غدا رجلا يفتح
على يديه، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله»، فبات الناس ليلتهم أيهم
يعطى، فغدوا كلهم يرجوه، فقال: «أين علي؟»، فقيل يشتكي عينيه، فبصق في
عينيه ودعا له، فبرأ كأن لم يكن به وجع، فأعطاه فقال: أقاتلهم حتى يكونوا
مثلنا؟ فقال: «انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام،
وأخبرهم بما يجب عليهم، فوالله لأن يهدي الله بك رجلا خير لك من أن يكون لك
حمر النعم» رواه البخاري ومسلم، ولهذا الحديث طرق أخرى كثيرة.
5. وقال شعبة، عن الحكم، عن مصعب بن سعد عن سعد بن أبي وقاص قال: خلف رسول
الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب في غزوة تبوك فقال: يا رسول الله
تخلفني في النساء والصبيان؟ فقال: «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من
موسى؟ غير أنه لا نبي بعدي». رواه البخاري ومسلم.
6. وقال إسماعيل بن رجاء الزبيدي، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري قال: كنا
جلوسا ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إلينا قد انقطع شسع نعله،
فرمى بها إلى علي فقال: «إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على
تنزيله» فقال أبو بكر: أنا؟ قال: «لا» قال عمر: أنا قال: «لا، ولكن صاحب
النعل» رواه الإمام أحمد والنسائي في الكبرى، وأبو يعلى والطحاوي، وابن
حبان وغيرهم من طرق عن إسماعيل به.
وهذا الخبر من دلائل النبوة؛ فإنّ الخوارج ظهروا في عهده فقاتلهم.
7. وقال بكير بن الأشج، عن بسر بن سعيد، عن عبيد الله بن أبي رافع، مولى
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الحرورية لما خرجت - وهو مع علي بن أبي
طالب رضي الله عنه- قالوا: "لا حكم إلا لله"، قال علي: "كلمة حق أُريد بها
باطل، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف ناسا، إني لأعرف صفتهم في
هؤلاء: «يقولون الحق بألسنتهم لا يجوز هذا منهم، - وأشار إلى حلقه - من
أبغض خلق الله إليه، منهم أسود إحدى يديه طِبْي شاة أو حلمة ثدي» ".
فلما قتلهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: انظروا، فنظروا فلم يجدوا
شيئا، فقال: ارجعوا فوالله، ما كَذبت ولا كُذبت، مرتين أو ثلاثا، ثم وجدوه
في خربة، فأتوا به حتى وضعوه بين يديه). رواه مسلم والنسائي في السنن
الكبرى وابن حبان، ولهذا الخبر طرق كثيرة.
8. وقال أبو إسحاق السبيعي، عن عمرو بن مرة،
عن عبد الله بن سلمة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: قال لي رسول
الله صلى الله عليه وسلم: (( ألا أعلمك كلمات إذا قلتهن غُفِرَ لك، مع أنه
مغفور لك: لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله العلي العظيم،
سبحان الله رب السماوات السبع، ورب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين)).
رواه الإمام أحمد وابن أبي شيبة والنسائي في الكبرى وابن حبان وابن أبي
عاصم وغيرهم.
ظهور الخوارج في عهد عليّ
لما ظهرت فرقة الخوارج في عهده وكانوا يجادلون
بالقرآن؛ وبلغ عليّا ما نقموا عليه، أمر أن يؤذّن بأن لا يدخل على أمير
المؤمنين إلا رجل قد حمل القرآن؛ فلما أن امتلات الدار من قراء الناس، دعا
بمصحف إمام عظيم، فوضعه بين يديه، فجعل يصكّه بيده ويقول: أيها المصحف،
حدّث الناس، فناداه الناس فقالوا: يا أمير المؤمنين، ما تسأل عنه إنما هو
مداد في ورق، ونحن نتكلم بما روينا منه، فماذا تريد؟
قال: أصحابكم هؤلاء الذين خرجوا، بيني وبينهم كتاب الله عز وجل، يقول الله تعالى في كتابه في امرأة ورجل: {وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما} فأمة محمد صلى الله عليه وسلم أعظم دما وحرمة من امرأة ورجل.
ونقموا علي أن كاتبت معاوية: كتب علي بن أبي
طالب، وقد جاءنا سهيل بن عمرو، ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
بالحديبية، حين صالح قومه قريشا، فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بسم الله الرحمن الرحيم» . فقال: سهيل لا تكتب: بسم الله الرحمن الرحيم. فقال: «كيف نكتب؟» فقال: اكتب باسمك اللهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فاكتب: محمد رسول الله " فقال: لو أعلم أنك رسول الله لم أخالفك. فكتب: هذا ما صالح محمد بن عبد الله قريشا، يقول: الله تعالى في كتابه: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر}.
ثم بعث إليهم عبدَ الله بن عباس، فلمّا توسّط
عسكرهم قام ابن الكواء يخطب الناس، فقال: يا حملة القرآن، إن هذا عبد الله
بن عباس، فمن لم يكن يعرفه فأنا أعرّفه من كتاب الله ما يعرفه به، هذا
ممن نزل فيه وفي قومه: {قوم خصمون} فرُدّوه إلى صاحبه، ولا تواضعوه كتاب الله.
فقام خطباؤهم؛ فقالوا: والله لنواضعنه كتاب
الله، فإن جاء بحق نعرفه لنتبعنه، وإن جاء بباطل لنبكّتنه بباطله؛ فواضعوا
عبد الله الكتاب ثلاثة أيام، فرجع منهم أربعة آلاف كلهم تائب، فيهم ابن
الكوَّاء، حتى أدخلهم على علي الكوفة).
وخبرهم طويل قصّه عبد الله بن شداد بن الهاد
على عائشة رضي الله عنها وكان قد شهد مناظرة ابن عباس للخوارج، والقصة
مروية في مسند الإمام أحمد، ومسند أبي يعلى، ومستدرك الحاكم وسنن البيهقي.
واستشهد
عليّ رضي الله عنه في الكوفة سنة 40هـ. قتله عبد الرحمن بن ملجم المرادي
من الخوارج، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر عليّاً بذلك.
- قال سالم بن أبي الجعد عن عبد الله بن سبع: خطبنا علي قال: «لتخضبنَّ هذِهِ من هذا» يعني لحيته من رأسه.
قالوا: أخبرنا به نقتله.
قال: «إذا تالله تقتلون بي غير قاتلي». رواه أحمد وابن أبي شيبة، وعبد الله
بن سبع مجهول الحال لم يرو عنه غير سالم، وله طرق أخرى يصحّ بها.
-
قال إسماعيل بن أبي خالد: حدثنا عامر [الشعبي] قال: (ما رأيت رجلا أعظمَ
لحيةً من عليٍّ، قد ملأت ما بين منكبيه بيضاء، وفي الرأس زغبات). رواه أبو
حفص الفلاس.
أصحاب عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه
مما
يدلّ على كثرة تعليمه التفسير وجوابه السائلين عن مسائله كثرة المرويات
عنه في التفسير؛ فقد روى عنه خلق كثير من الصحابة والتابعين:
قرئَ
عليه في المدينة وانتفع به، ثم خرج في أوّل خلافته إلى الكوفة، وانتُفع به
هناك انتفاعاً عظيماً، وأكثر من حملَ علمه وأدّاه علماءُ أهل العراق.
قرأ عليه: أبو الأسود الدؤلي، وأبو عبد الرحمن السلمي، وغيرهما.
وروى عنه من الصحابة: ابن عباس، وأبناؤه الحسن والحسين، وابن أخيه عبد الله بن جعفر ، وأبو الطفيل عامر بن واثلة، وواثلة بن الأسقع، وغيرهم.
ومن التابعين: ابنه
محمد المعروف بابن الحنفية، وعَبِيدة السلماني، وأبو عبد الرحمن السلمي،
وقيس بن أبي حازم البجلي، وعلقمة بن قيس النخعي، ومسروق بن الأجدع
الهمداني، وشريح القاضي، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وزرّ بن حبيش، و خالد
بن عرعرة التيمي، وأبو رجاء العطاردي، وأبو وائل شقيق بن سلمة، وأبو عمارة
عبد خير بن يزيد الهمداني.
وممن اختلف في روايته عنه: أبو العالية رفيع بن مهران الرياحي، وعامر الشعبي، وأبو الأحوص عوف بن مالك الجشمي.
وممن أرسل عنه: أبو البختري سعيد بن فيروز الطائي، وقتادة بن دعامة السدوسي، والمسيب بن رافع، وعلي بن الحسين، وسلمة بن كهيل.
وممن روى عنه ممن تكلم فيهم: أبو الصهباء صهيب البكري مولى ابن عباس، ضعفه النسائي، ووثقه ابن حبان.
وممن روى عنه من الضعفاء والمتّهمين: الحارث الأعور، وجابر الجعفي.