29 Aug 2018
7: عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي (ت:32هـ)
كان
مقدَّماً في قراء الصحابة وعلمائهم، من السابقين الأولين إلى الإسلام،
أسلم بمكة وهو غلام، وهاجر إلى الحبشة، ثم إلى المدينة، وشهد بدراً، وهو
الذي أجهز على أبي جهل، ثم شهد المشاهد كلها مع النبي صلى الله عليه وسلم،
وكان شديد القرب منه، يخدمه، ويتعلّم منه، ويكثر الدخول عليه حتى ظُنَّ أنه
من أهل بيته.
وكان حَسَن الوجهِ حسنَ الصوت بقراءة القرآن، حريصاً
على طلب العلم وحفظ القرآن، حفظ من في رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين
سورة، وجمع القرآن في عهده، وعرضه عليه مراراً، حتى روي أنه عرضه عليه في
العام الذي توفي فيه النبي صلى الله عليه وسلم مرتين؛ فأنبأه أنه محسن.
وكان من المعلّمين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم،
بشَّره النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، وشهد له بإحسان القراءة، وكان من
أشبه الصحابة هديا وسمتا بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأعلمهم بنزول
القرآن، وفضائله كثيرة، وثناء الصحابة والتابعين عليه مستفيض، وله وصايا
جليلة أفردها ابن أبي شيبة في باب طويل من كتاب الزهد في مصنفه، وذكر أبو
داوود في كتاب الزهد طائفة منها.
كان من جلساء عمر في المدينة بعد وفاة النبي صلى
الله عليه وسلم، ثم خرج إلى حمص غازياً، ثمّ كتب إليه عمر ينتدبه إلى
الكوفة معلّماً ووزيراً لعمار بن ياسر، وأميناً على بيت المال؛ فكان له أثر
مبارك على أهل الكوفة، أحبّوه وانتفعوا به، وكثر الناس في حلقاته، حتى كان
يدور عليهم، ويحضهم على القرآن، وَكُثَرت كتابةُ المصاحف في الكوفة في
عهده حتى جعل موضعاً في المسجد لعرض المصاحف، وكان يمليها عن ظهر قلبه.
ورُزِقَ أصحابَ صدق حفظوا علمه، ونشروه، فكثرت الروايات عنه جداً، وهو من أكثر من يروى عنهم التفسير من الصحابة رضي الله عنهم.
- قال مسروق بن الأجدع: كنا نأتي عبد الله بن عمرو، فنتحدث إليه؛ فذكرنا يوما عبد الله بن مسعود، فقال: لقد ذكرتم رجلا لا أزال أحبه بعد شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( خذوا القرآن من أربعة: من ابن أم عبد فبدأ به، ومعاذ بن جبل، وأبيّ بن كعب، وسالم مولى أبي حذيفة )). رواه البخاري ومسلم.
- وقال إبراهيم النخعي، عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود، قال: قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي: «أحسنت» رواه البخاري وابن أبي شيبة. - وقال عيسى بن دينار عن أبيه عن عمرو بن الحارث بن المصطلق رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من سره أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد» رواه الإمام أحمد والبخاري في خلق أفعال العباد. - وقال زيد بن وهب: كنت جالسا عند عمر فأقبل عبد الله فدنا منه فأكبَّ عليه، فكلَّمه فلما انصرف قال عمر: «كنيف ملئ علما» رواه أحمد في فضائل الصحابة. وفضائله كثيرة.
- وقال عاصم، عن زر، عن عبد الله بن مسعود رضي الله
عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ بين أبي بكر وعمر رضي الله
عنهما، وعبد الله يصلي، فافتتح بسورة النساء فَسَحَلَها، فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: ((من أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل، فليقرأه على قراءة ابن أم عبد))، ثم قعد، ثم سأل، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((سل تعطه، سل تعطه)).
فقال فيما يقول: (اللهم إني أسألك إيمانا لا يرتد، ونعيما لا ينفد، ومرافقة نبينا محمد في أعلى جنة الخلد)
(فأتى عمر عبد الله ليبشره، فوجد أبا بكر قد سبقه). رواه أحمد والنسائي في السنن الكبرى وابن حبان.
- وقال أبو إسحاق السبيعي، عن الأسود بن يزيد، عن أبي موسى رضي الله عنه، قال: «قدمت أنا وأخي من اليمن؛ فمكثنا حينا ما نرى ابن مسعود وأمَّه إلا من أهل البيت، من كثرة دخولهم ولزومهم له» رواه البخاري.
- وقال الأعمش: حدثنا مسلم [بن صبيح]، عن مسروق، قال: قال عبد الله رضي الله عنه: «والله
الذي لا إله غيره، ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا أنا أعلم أين أنزلت،
ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا أنا أعلم فيم أنزلت، ولو أعلم أحدا أعلم
مني بكتاب الله، تبلغه الإبل لركبت إليه» رواه البخاري.
- وقال حارثة بن مضرب العبدي: قرئ علينا كتاب عمر ههنا [يريد بالكوفة]:
« إني بعثت إليكم عمارا أميراً، وبعبد الله بن مسعود معلما ووزيرا، وهما
من النجباء من أصحاب محمد من أهل بدر فاسمعوا لهما وأطيعوا، وآثرتكم بابن
أم عبد على نفسي، وجعلته على بيت مالكم». رواه أحمد في فضائل الصحابة وابن أبي شيبة في المصنف من طريق سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن حارثة.
- وقال جامع بن شداد المحاربي: أخبرنا عبد الله بن مرداس قال: «كان عبد الله يخطبنا كل خميس فيتكلم بكلمات، فيسكت حين يسكت ونحن نشتهي أن يزيدنا» رواه ابن سعد.
- قال أبو إسحاق السبيعي: أخبرني أبو عبيدة أن ابن مسعود إذا أصبح فخرج، أتاه الناس إلى داره فيقول: «على مكانكم»، ثم يمر بالذين يقرئهم القرآن، فيقول: «يا فلان بأي سورة أنت؟» فيخبرونه، فيقول: «بأي آية فيفتح عليه الآية التي تليها، ثم يقول تعلّمها فإنها خير لك مما بين السماء والأرض».
قال: (فيظن الرجل أنها ليست في القرآن آية خير منها، ثم يمر بالآخر فيقول له مثل ذلك حتى يقول ذلك لكلهم). رواه عبد الرزاق في المصنف والطبراني في المعجم الكبير.
قرأ عليه: معاذ بن جبل، وجماعة من الصحابة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعده.
وقرأ عليه من التابعين: علقمة بن قيس، ومسروق،
والأسود بن يزيد، وزر بن حبيش، وزيد بن وهب، وأبو عمرو الشيباني، وأبو عبد
الرحمن السلمي وجماعة.
وممن روى عنه في التفسير: مسروق
بن الأجدع الهمداني، وأبو وائل شقيق بن سلمة، وعلقمة بن قيس النخعي،
والأسود بن يزيد النخعي، والربيع بن خثيم الثوري، وزر بن حبيش، وعمرو بن
ميمون الأودي، وأبو معمر عبد الله بن سخبرة الأزدي، وأبو الأحوص عوف بن
مالك الجشمي، وأبو الزعراء عبد الله بن هانئ الكندي.
وأرسل عنه: ابنه أبو عبيدة، وأبو عبد
الرحمن السلمي، وعامر الشعبي، والحسن البصري، وقتادة، وأبو الجوزاء،
وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وعبد الله بن الحارث الزبيدي، والمسيب
بن رافع، وأبو البختري، وعطاء بن يسار.
وأما
ما أرسله إبراهيم النخعي فقد اختلف فيه؛ فمن أهل العلم من يصححه لأنه
إنما يروي عن ابن مسعود من طريق الثقات كعلقمة بن قيس والأسود بن زيد.