29 Aug 2018
8: أبو الدرداء عويمر بن زيد بن قيس الخزرجي الأنصاري (ت:32هـ)
حكيم الأمّة، قيل اسمه عامر، وعويمر لقب،
واشتهر بكنيته، وهو أخو عبد الله بن رواحة لأمّه، واجتهد عبد الله في
ترغيبه في الإسلام حتى أسلم بعد بدر، وشهد أحداً وأبلى فيها بلاء حسناً،
وشهد ما بعدها من المشاهد، وآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سلمان
الفارسي، وقرأ على النبي صلى الله عليه وسلم وأقبل على القرآن حتى جمعه في
عهده صلى الله عليه وسلم، واجتهد في العلم والعمل وأكثر على نفسه حتى أمره
سلمان الفارسي بالاقتصاد، وأقرّ النبي صلى الله عليه وسلم سلمان. وكان
أبو الدرداء من العلماء الحكماء، والعبّاد الزهّاد، كثير التفكر
والاعتبار، وكان ينطق بالحكمة، ويعظ المواعظ البليغة، ويوصي الوصايا
الجليلة.
انتدبه عمر إلى حمص لتعليم القرآن، ثم إلى دمشق
فاستقرّ بها وولي قضاءها في إمارة معاوية، وكثر طلابه في الشام جداً، حتى
روي أنه طلب مرة أن يُعدّوا فعدّوهم فزادوا على ألف وستمائة، وكان يجعل على
كلّ عشرة عريفاً، فإذا أحكم القارئ منهم انتقل إليه فعرض عليه.
وروي أنّ عبد الله بن عامر اليحصبي وهو أحد القراء السبعة كان عريف عشرة عنده.
- قال يزيد بن عميرة: لما حضر معاذ بن جبل الموت قيل له: يا أبا عبد الرحمن أوصنا، قال: أجلسوني؛ فقال:
(إن العلم والإيمان مكانهما من ابتغاهما وجدهما - يقول ثلاث مرات -
فالتمسوا العلم عند أربعة رهط: عند عويمر أبي الدرداء، وعند سلمان الفارسي،
وعند عبد الله بن مسعود، وعند عبد الله بن سلام الذي كان يهوديا، ثم أسلم؛
فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إنه عاشر عشرة في الجنة
"). رواه أحمد والترمذي والنسائي في السنن الكبرى من طريق معاوية بن صالح عن ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس الخولاني عن يزيد به.
- قال أبو عبيد الله مُسْلِم بن مِشْكَم كاتبُ أبي الدرداء: قال لي أبو الدرداء: اعدد من يقرأ عندنا يعني في مجلسنا هذا.
قال: (فعددت ألفا وستمائة ونيفا؛
فكانوا يقرأون ويتسابقون عشرة عشرة، لكل عشرة منهم مقرئ، وكان أبو الدرداء
قائما يستفتونه في حروف القرآن، يعني المقرئين فإذا أحكم الرجل من العشرة
القراءة تحول إلى أبي الدرداء، وكان أبو الدرداء يبتدئ في كل غداة إذا
انفتل من الصلاة؛ فيقرأ جزءا من القرآن، وأصحابه محدقون به يسمعون ألفاظه؛
فإذا فرغ من قراءته جلس كل رجل منهم في موضعه، وأخذ على العشرة الذين
أضيفوا إليه، وكان ابنُ عامر مقدما فيهم). رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق من طريق الوليد بن مسلم قال: حدثنا سعيد بن عبد العزيز، عن أبي عبيد الله مسلم بن مشكم، ورجاله ثقات.
- وقال سويد بن عبد العزيز التنوخي:(
كان أبو الدرداء إذا صلى الغداة في جامع دمشق اجتمع الناس للقراءة عليه،
فكان يجعلهم عشرة عشرة، ويجعل على كل عشرة منهم عريفاً، ويقف هو قائماً في
المحراب يرمقهم ببصره، وبعضهم يقرأ على بعض، فإذا غلط أحدهم رجع إلى
عريفهم، فإذا غلط عريفهم رجع إلى أبي الدرداء، فسأله عن ذلك.
وكان ابن عامر عريفاً على
عشرة، وكان كبيراً فيهم، فلما مات أبو الدرداء خلفه ابن عامر، وقام مقامه
مكانه، وقرأ عليه جمعيهم، فاتخذه أهل الشام إماماً، ورجعوا إلى قراءته). ذكره علم الدين السخاوي في "جال القراء".
اختلف في سنة وفاة أبي الدرداء على أقوال، وأكثر العلماء على أنه توفي سنة 32هـ، بعد ابن مسعود.
- روى أبو قلابة الجرمي عن أبي الدرداء أنه قال: (نزل القرآن على ست آيات: آية مبشرة، وآية منذرة، وآية فريضة، وآية تأمرك، وآية تنهاك، وآية قصص وأخبار). رواه يحيى بن سلام البصري.
قرأ على أبي الدرداء: زوجته أمّ الدرداء الصغرى،
واسمها جهيمة الوصابية، وخليد بن سعد السلاماني، وراشد بن سعد الحبراني،
وخالد بن معدان، وعبد الله بن عامر اليحصبي على خلاف فيه.
وممن روى عنه في التفسير: فضالة
بن عبيد، وأم الدرداء، وأبو إدريس الخولاني، وسعيد بن المسيب، وعلقمة بن
قيس، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، ومحمد بن المنكدر، ومرثد بن سمي الخولاني،
وجبير بن نفير، ومعدان بن أبي طلحة، وميمون بن مهران، وعبادة بن نسي، وصالح
بن نبهان مولى التوأمة بنت أمية بن خلف، وحميد بن عقبة، وعبد الرحمن بن
سابط، ولقمان بن عامر الوصابي، وعطاء بن يسار المدني، وأبو صالح السمان،
وخليد بن عبد الله العصري، وعبد الرحمن بن مسعود الفزاري.
وممن اختلف في روايته عنه: عبد الرحمن بن سابط الجمحي، وأبو قلابة الجرمي.
وممن أرسل عنه: قتادة السدوسي، وعمرو بن دينار، ومكحول الدمشقي.
وممن روى عنه من الضعفاء: عبد الله بن يزيد بن آدم، وشهر بن حوشب.