29 Aug 2018
15: عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي (ت:68هـ)
ابن عمّ النبي صلى الله عليه وسلم، وخادمه، وأبو الخلفاء العباسيين.
ولد في شعب بني هاشم، وهم محصورون فيه قبل الهجرة بثلاث سنين.
هاجر مع أبيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم
قبل فتح مكة؛ فلقيه بالجحفة ورسول الله صلى الله عليه وسلم قادم إلى مكة
بجيش الفتح؛ على ما ذكره غير واحد من أهل السير.
ثم لزم رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر
حياته، وكان غلاماً ذكيّا فطناً حافظاً؛ حريصاً على العلم والتفقّه في
الدين؛ وكان من حرصه على العلم أن سأل خالته ميمونة بنت الحارث أمّ
المؤمنين أن يبيت عندها ليلة من الليالي التي يكون رسول الله صلى الله عليه
وسلم عندها ليرى عمله في الليل؛ فأذنت له، والقصّة مروّية في صحيح مسلم.
وهذا يدلّ على أنّه كان يتتبّع هدي النبي صلى الله عليه وسلم جُهده.
وحفظ المفصَّل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالحكمة والفقه في الدين والعلم بالتأويل.
- قال هُشيم: أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما، «جمعت المحكم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم»، فقلت له: وما المحكم؟ قال: «المفصل» رواه البخاري.
- قال هاشم بن القاسم: حدثنا ورقاء، عن عبيد
الله بن أبي يزيد، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الخلاء،
فوضعتُ له وضوءا قال: «من وضع هذا؟»
فأخبر فقال: «اللهم فقهه في الدين»
- وعن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن
جبير عن ابن عباس قال: كنت في بيت ميمونة بنت الحارث؛ فوضعت لرسول الله
صلى الله عليه وسلم طهورا فقال: "من وضع هذا"؟
قالت ميمونة: عبد الله.
فقال صلى الله عليه وسلم: "اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل). رواه أحمد وابن حبان.
- عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ضمني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «اللهم علمه الكتاب» رواه البخاري، وفي رواية في الصحيح أيضاً: «اللهم علمه الحكمة»
- عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير، قال: سُئل ابن عباس: مثل من أنت حين قبض النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: «أنا يومئذ مختون» قال: وكانوا لا يختنون الرجل حتى يدرك). رواه البخاري.
يدرك: يبلغ سنّ الاحتلام.
وفي رواية أنه كان ابن عشر سنين، وقد أعلّها أبو حاتم، والأقرب ما تقدّم.
ومن دلائل حرصه على طلب العلم أنّه لمّا رأى
أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قد توفّي اجتهد في طلب العلم عند كبار أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم.
- قال يعلى بن حكيم، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: «لما
توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت لرجل من الأنصار: يا فلان هلم
فلنسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فإنهم اليوم كثير».
فقال: واعجبا لك يا ابن عباس، أترى الناس
يحتاجون إليك، وفي الناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من ترى؟!!
فتركَ ذلك، وأقبلتُ على المسألة، فإن كان ليبلغني الحديث عن الرجل فآتيه
وهو قائل؛ فأتوسد ردائي على بابه؛ فتسفي الريح على وجهي التراب، فيخرج،
فيراني، فيقول: يا ابن عم رسول الله ما جاء بك؟
ألا أرسلت إلي فآتيك؟
فأقول: لا، أنا أحق أن آتيك. فأسأله عن الحديث.
قال: فبقي الرجل حتى رآني، وقد اجتمع الناس علي؛ فقال: «كان هذا الفتى أعقل مني» رواه الدارمي.
- وقال سليمان الأحول، عن طاووس
بن كيسان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «إن كنت لأسأل
عن الأمر الواحد ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم». رواه الخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
- قال جرير بن عبد الحميد الضبي، عن المغيرة بن مقسم الضبي، قال: قيل لابن عباس كيف أصبت هذا العلم؟
قال: «بلسان سؤول، وقلب عقول». رواه عبد الله بن الإمام أحمد في فضائل الصحابة لأبيه، والبيهقي في المدخل، وفيه انقطاع، ورواه المعافى بن زكريا في الجليس الصالح من طريق الأصمعي، عن عبد الحميد بن الحسن الهلالي، عن مغيرة، عن الشعبي، عن ابن عباس.
- وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن الزهري قال: قال المهاجرون لعمر ألا تدعو أبناءنا كما تدعو ابن عباس؟
قال: «ذاك فتى الكهول! إنَّ له لساناً سؤولاً، وقلباً عقولاً». رواه عبد الرزاق في مصنفه، وأحمد في فضائل الصحابة، وابن أبي شيبة في مصنفه، وغيرهم.
وكان الصحابة يعرفون له حرصه على طلب العلم
وفطنته وذكاءه؛ وكان حسن الخلق متواضعاً لا يؤذي أحداً، ولا يعسّر على أحد،
يأتي العالم في محلّه، ويجلّه ويبجّله، ويتفطّن لما يعنيه في طلب العلم؛
فكان علماء الصحابة يحبّونه ويقرّبونه؛ حتى حصّل علماً كثيراً مباركاً.
- عن أبي بشر اليشكري عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: (كان عمر يأذن لي مع أهل بدر).
- وروى يحيى بن اليمان عن عبد الملك بن سليمان عن سعيد بن جبير قال: قال عمر لابن عباس: (لقد علمت علما ما علمناه). ذكره الذهبي في تاريخ الإسلام وقال: سنده صحيح.
- قال الشعبي: قال ابن عباس: قال لي أبي: يا بني، إن عمر يدنيك، فاحفظ عني ثلاثا: (لا تفشين له سرا، ولا تغتابن عنده أحدا، ولا يجربن عليك كذبا).
- عن عامر بن سعد بن أبي وقاص قال: سمعت أبي يقول: (ما
رأيت أحدا أحضر فهما ولا ألبَّ لبا، ولا أكثر علما، ولا أوسع حلما من
ابن عباس! ولقد رأيت عمر بن الخطاب يدعوه للمعضلات ثم يقول: عندك قد
جاءتك معضلة. ثم لا نجاوز قوله وإن حوله لأهل بدر من المهاجرين والأنصار). رواه ابن سعد في الطبقات عن شيخه الواقدي، والواقدي متكلّم فيه.
- عن الأعمش، عن مسلم بن صبيح، عن مسروق قال: قال عبد الله، «نعم ترجمان القرآن ابن عباس، لو أدرك أسناننا ما عشره منا رجل» رواه أحمد فضائل الصحابة.
قال إبراهيم الحربي: (يقول: (لو أدرك أسناننا): لو كان في السن مثلنا ما بلغ أحدٌ منا عُشْرَه في العلم).
قال ابن كثير: (وقد مات
ابن مسعود رضي الله عنه في سنة اثنتين وثلاثين على الصحيح، وعمر بعده ابن
عباس ستا وثلاثين سنة؛ فما ظنك بما كسبه من العلوم بعد ابن مسعود رضي
الله عنه؟!!).
- قال أبو نعيم: حدثنا صالح بن رستم، عن ابن
أبي مليكة، قال: صحبت ابن عباس من مكة إلى المدينة ومن المدينة إلى مكة،
وكان يصلي [الفريضة] ركعتين؛ فإذا نزل قام شطر الليل، ويرتّل القرآن يقرأ
حرفا حرفا، ويكثر في ذلك من النشيج والنحيب). رواه أحمد في فضائل الصحابة
وابن أبي شيبة في مصنفه والبيهقي في شعب الإيمان.
- وقال
حماد بن زيد: حدثنا أيوب، عن إبراهيم بن ميسرة، عن طاووس قال: (ما رأيت
أحدا أشدَّ تعظيما لمحارم الله من ابن عباس. ولو أشاء أن أبكي إذا ذكرته
لبكيت). رواه ابن سعد.
وكانت له كتب وصحف بقيت بعد وفاته عند مولاه كريب.
- قال
موسى بن عقبة: وضع عندنا كُريب حمل بعير، أو عدل بعير - من كتب ابن عباس؛
فكان علي بن عبد الله بن العباس إذا أراد الكتاب كتب إليه: (ابعث إليَّ
بصحيفة كذا وكذا؛ فينسخها ويبعث إليه بإحداهما). رواه ابن أبي خيثمة.
كُف بصره في آخر عمره، وسكن الطائف، وبها توفّي سنة 68 هـ ، وقد جاوز السبعين.
روي من طرق متعددة أنه لما مات ابن عباس جاء طائر أبيض، فدخل في أكفانه.
مما روي عنه في التفسير:
أ: عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما، في قوله تعالى: {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس} قال: «هي رؤيا عين، أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به إلى بيت المقدس»، قال: {والشجرة الملعونة في القرآن} قال: «هي شجرة الزقوم» رواه البخاري.
ب: منصور، عن مجاهد، عن ابن عباس، {فيما عرضتم به من خطبة النساء} يقول: «إني أريد التزويج، ولوددت أنه تيسر لي امرأة صالحة» رواه البخاري.
ج: عن عمرو بن
دينار، عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كانت في بني إسرائيل
قصاص ولم تكن فيهم الدية، فقال الله لهذه الأمة: {كتب عليكم القصاص في القتلى} - إلى هذه الآية - {فمن عفي له من أخيه شيء} قال ابن عباس: «فالعفو أن يقبل الدية في العمد» قال: {فاتباع بالمعروف} :«أن يطلب بمعروف ويؤدي بإحسان» رواه البخاري.
روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم،
وعن الخلفاء الراشدين وعن عائشة وميمونة وأبيّ بن كعب وابن مسعود وزيد بن
ثابت، وأبي طلحة، وأبي ذر، وأسامة بن زيد، وأبي هريرة، وجماعة من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروى عنه في التفسير خلق
كثير؛ منهم: مجاهد بن جبر، وعكرمة، وعطاء بن أبي رباح، وطاووس بن كيسان،
وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وأربدة التميمي، ومقسم بن بَجَرة،
ويوسف بن مهران، وعطاء بن يسار، وأبو الجوزاء، وزر بن حبيش، ومحمد بن كعب
القرظي، والحكم بن عتيبة، وأبو عثمان النهدي، وأبو العالية الرياحي،
وأبو صالح مولى أم هانئ، وعمرو بن دينار، وأبو الضحى.
وأرسل عنه: الزهري،
والضحاك بن مزاحم، وعلي بن أبي طلحة، والحسن البصري، وابن سيرين،
وقتادة، وأيوب السختياني، ومكحول، وعطاء الخراساني، وابن جريج، ومحمد بن
السائب الكلبي، وأبو نصر الأسدي، والحسن بن عبد الله العرني.