الدروس
course cover
سيرة قتادة بن دعامة السدوسي (ت:117هـ) رحمه الله
25 Aug 2019
25 Aug 2019

4730

0

0

course cover
سير أعلام المفسرين

القسم الرابع

سيرة قتادة بن دعامة السدوسي (ت:117هـ) رحمه الله
25 Aug 2019
25 Aug 2019

25 Aug 2019

4730

0

0


0

0

0

0

0

سيرة أبي الخطَّاب قتادة بن دعامة السدوسي (ت:117هـ)



اسمه ونسبه:
هو الإمام الفقيه المفسّر الحافظ أبو الخطاب قتادة بن دعامة بن قتادة بن عزيز، يبلغ نسبه إلى سَدوس بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة، من بني بكر بن وائل، من ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان.
فهو عربيّ صليبة، وليس من الموالي، ولد سنة ستين أو إحدى وستين للهجرة، وكان أكمه لا يبصر.
- قال ابن أبي خيثمة: سمعت يحيى بن معين يقول: «ولد قتادة سنة ستين، وكان من سَدوس». رواه أبو القاسم البغوي في الجعديات.
- وقال محمد بن علي الوراق: سمعت أحمد بن حنبل يقول: (مولد قتادة والأعمش واحد). رواه أبو القاسم البغوي في الجعديات.
- وقال أبو حفص الفلاس: (ولد سنة إحدى وستين).

طلبه للعلم:
نشأ بالبصرة، وجالس أنس بن مالك رضي الله عنه، وحفظ عنه حديثاً كثيراً، ثم جالس الحسن البصري مدة طويلة، ولزمه وتفقّه به، وانتفع بمجالسته ومواعظه، وحفظ عنه حديث كثيراً، ووعى عنه مسائل كثيرة.
وارتحل إلى المدينة فلزم سعيد بن المسيّب أيّاماً يسأله عما يُشكل عليه ويحفظ ما يجاب به ويعيه، لأنه كان يسأله عن مسائل درسها عند الحسن البصري وعرف أقواله فيها؛ فكان سعيد بن المسيّب يتعجّب من حفظه وضبطه.
وجاور بمكّة وسمع بها صحيفة جابر بن عبد الله رضي الله عنه قُرئت عليه مرة واحدة فحفظها، وكان يحدّث بها.
ولم يزل متعلّماً حتى مات رحمه الله وهو ابن خمس أوست وخمسين سنة.

- قال معمر بن راشد: قال قتادة: (جالست الحسن اثنتي عشرة سنة، أصلي معه الصبح ثلاث سنين).
قال: (ومثلي أخذ عن مثله). رواه ابن سعد والفسوي وأبو القاسم البغوي.

حفظه وضبطه:
كان قتادة آية في الحفظ والضبط، لا يكاد ينسى ما سمعه، على كثرة ما سمع من الأحاديث والآثار في علوم كثيرة، وكان العلماء يتعجّبون من قوة حفظه، وحسن سرده للأحاديث والآثار.
- قال معمر بن راشد: سمعت قتادة يقول: «ما سمعت أذناي شيئا قط إلا وعاه قلبي». رواه أبو نعيم في الحلية.
- وقال معمر، عن قتادة قال: «تكرير الحديث في المجلس يذهب نوره، وما قلتُ لأحدٍ قطّ أَعِدْ عليَّ» رواه ابن سعد في الطبقات وأبو القاسم البغوي في الجعديات.
قال ابن سعد: يعني ممن أسمع منه.
- وقال روح بن القاسم عن مطر الوراق: (كان قتادة إذا سمع الحديث يختطفه اختطافا).
قال: (وكان إذا سمع الحديث لم يحفظه أخذه العويل والزويل حتى يحفظه). رواهما الفسوي في المعرفة والتاريخ وأبو القاسم البغوي في الجعديات.
- وقال الصَّعق بن حزن: حدثنا زيد أبو عبد الواحد، قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: (ما أتاني عراقي أحفظ من قتادة). رواه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل، وأبو القاسم البغوي في الجعديات.
- وقال معمر بن راشد: قال رجل لابن سيرين: رأيت في المنام حمامة التقمت لؤلؤة فخرجت منها أعظم مما دخلت، ورأيت حمامة أخرى التقمت لؤلؤة وخرجت منها أصغر مما دخلت، ورأيت حمامة أخرى التقمت لؤلؤة فخرجت مثل ما دخلت سواء.
فقال ابن سيرين: (أما الحمامة التي التقمت اللؤلؤة فخرجت أعظم مما دخلت فهو الحسن يسمع الحديث فيجوده بمنطقه، وأما التي خرجت أصغر مما دخلت فذاك محمد بن سيرين يسمع الحديث فيشك فيه وينقص منه، وأما التي خرجت كما دخلت فذاك قتادة أحفظ الناس). رواه أحمد في العلل.
- وقال بكر بن عبد الله المزني: (من سرَّه أن ينظر إلى أحفظ من أدركنا فلينظر إلى قتادة). رواه أبو القاسم البغوي في الجعديات.
- وقال أبو طالب: سمعت أحمد بن حنبل يقول: (كان قتادة أحفظ أهل البصرة، لا يسمع شيئا إلا حفظه، وقرئ عليه صحيفة جابر مرة واحدة فحفظها، وكان سليمان التيمي وأيّوب يحتاجون إلى حفظه، يسألونه، وكان من العلماء، كان له خمس وخمسون سنة يوم مات). رواه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل.
- وقال معمر: قال قتادة لسعيد بن أبي عروبة: (يا أبا النضر! خذ المصحف).
قال: فعرض عليه سورة البقرة، فلم يخطئْ فيها حرفا واحدا.
قال: (يا أبا النضر، أحكمتُ؟).
قال: نعم.
قال: (لأنا لصحيفة جابر بن عبد الله أحفظ مني لسورة البقرة).
قال معمر: (وكانت قُرئت عليه). رواه ابن سعد والفسوي وأبو القاسم البغوي.
- قال أبو القاسم البغوي: (يعني الصحيفة التي يرويها سليمان اليشكري عن جابر).
- وقال الفسوي: سمعت سليمان بن حرب قال: كان سليمان اليشكري جاور بمكة سنةَ جاور جابر بن عبد الله، وكتب عنه صحيفة، ومات قديماً، وبقيت الصحيفة عند أمّه، فطلب أهل البصرة إليها أن تعيرهم فلم تفعل.
فقالوا: فأمكنينا منها حتى نقرأها.
فقالت: أما هذا فنعم.
قال: فحضر قتادة وغيره فقرءوه؛ فهو هذا الذي يقول أصحابنا: حدّث سليمان اليشكري، أو نحو هذا من الكلام).
- وقال عبد الرحمن بن يونس، عن سفيان بن عيينة: (كان قتادة يقصّ بصحيفة جابر، وكان كتبها عن سليمان اليشكري). ذكره أبو الحجاج المزي في تهذيب الكمال.
- وقال سلام بن مسكين: حدثني عمران بن عبد الله قال: لما قدم قتادة على سعيد بن المسيب جعل يسائله أياماً وأكثر؛ فقال له سعيد: أكلَّ ما سألتني عنه تحفظه؟
قال: نعم، سألتك عن كذا فقلت فيه كذا، وسألتك عن كذا فقلت فيه كذا، وقال فيه الحسن كذا.
قال: حتى ردَّ عليه حديثا كثيراً.
قال: يقول سعيد: (ما كنت أظنّ أن الله خلق مثلك!!).
وقال سلام بن مسكين: فحدثت به سعيد بن أبي عروبة، فكان يحدث به.
قال سلام: (وكانت مسائل قد درسها قبل ذلك عند الحسن وغيره، فسأله عنها). رواه ابن سعد.
- وقال عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة أنه أقام عند سعيد بن المسيب ثمانية أيام، فقال له في اليوم الثامن: «ارتحل يا أعمى! فقد نزفتني» رواه ابن سعد، والبخاري في التاريخ الكبير من طريق أحمد بن ثابت عن عبد الرزاق بنحوه إلا أنه قال: (ثلاثة أيام) والأول أرجح.
ورواه أبو القاسم البغوي في الجعديات لكن قال فيه: (فقد أبرمتني). ولعله تصحيف.
- قال أبو هلال الراسبي عن قتادة: أقمت مع سعيد بن المسيب ثمانية أيام أسأله، قال: ما تسألني إلا عن شيء يختلف فيه؟
قال: قلت: (نعم، إنما أسألك عما يختلف فيه). رواه أبو القاسم البغوي في الجعديات.
- قال الذهبي: (وكان أحد من يُضرب المثل بحفظه).

علمه وفضله:
كان قتادة مبرزا في علوم عدة؛ فكان حافظاً للأحاديث والآثار، مفسّراً فقيهاً مفتياً عالماً بالعربية والأنساب والتاريخ.
- قال معمر: سمعت قتادة يقول: «ما في القرآن آية إلا قد سمعت فيها بشيء» رواه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل وأبو القاسم البغوي في الجعديات.
- وقال معمر: قلت للزهري: يا أبا بكر أقتادة أعلم أو مكحول؟ قال: (لا، بل قتادة، وما عند مكحول إلا شيء يسير). رواه ابن أبي حاتم واللفظ له، وابن سعد في الطبقات وفي روايته: قيل للزهري.
- وقال معمر: قال محمد بن سيرين: (قتادة أحفظ الناس، أو من أحفظ الناس). رواه أبو القاسم البغوي في الجعديات.
- وقال سفيان بن عيينة: كان معمر يقول: « لم أر من هؤلاء أفقه من الزهري وحماد وقتادة» رواه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل، وأبو القاسم البغوي في الجعديات.
- وقال أبو حاتم الرازي: سمعت أحمد بن حنبل وذكر قتادة فأطنب في ذكره؛ فجعل ينشر من علمه وفقهه ومعرفته بالاختلاف والتفسير وغير ذلك، وجعل يقول: (عالم بتفسير القرآن، وباختلاف العلماء، ووصفه بالحفظ والفقه).
وقال: (قلما تجد من يتقدَّمه، أما المثل فلعل). رواه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل.
- وقال عبد الرحمن بن مهدي: حدثنا حماد بن زيد عن أبى مسلمة قال: سمعت أبا قلابة وسأله رجل عن شيء فلم يقل فيه شيئا؛ فقال: مَن أسأل؟ أسأل فلانا؟
قال: لا.
قال: أسأل فلانا؟
قال: لا.
قال: أسأل قتادة؟
قال: (نعم، سل قتادة). رواه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل.
- وقال أبو داوود الطيالسي: ذكرَ سفيانُ لشعبة حديثاً لقتادة؛ فقال سفيان: (وكان في الدنيا مثل قتادة؟!!). رواه ابن أبي حاتم.
- وقال عفان بن مسلم: قال لي همام: (كلّ شيء أقول لكم: قال قتادة، فأنا سمعته منه، فإذا كان فيه لحن فأعربوه؛ فإن قتادة كان لا يلحن). رواه ابن سعد في الطبقات وأبو القاسم البغوي في الجعديات.
- وقال ابن حبان: (كان من علماء الناس بالقرآن والفقه وكان من حفاظ أهل زمانه، جالس سعيد بن المسيب أياما؛ فقال له سعيد: قم يا أعمى فقد نزفتني).
- قال الذهبي: (وقد كان قتادة أيضا رأسا في العربية، والغريب، وأيام العرب، وأنسابها،
حتى قال فيه أبو عمرو بن العلاء: كان قتادة من أنسب الناس.
ونقل القفطي في تاريخه أن الرجلين من بني أمية كانا يختلفان في البيت من الشعر، فيبردان بريدا إلى العراق، يسألان قتادة عنه)ا.هـ.
- وقال أيضاً: (كان من أوعية العلم، وممن يضرب به المثل في قوة الحفظ).

ما انتُقد به قتادة رحمه الله:
انتقد أهل العلم قتادةَ في ثلاثة أمور على فضله ومكانته في العلم والضبط والإتقان.
الأمر الأول: قوله في القدر.
والأمر الثاني: تدليسه في بعض الروايات.
والأمر الثالث: تحديثه عن الضعفاء.

الأمر الأول: قوله في القدر
قد استفاض عن قتادة أنه كان يقول بشيء من القدر، بسبب شُبهة عرضت له، فكان يقول: كلّ شيء بقدَر إلا المعاصي، من غير أن ينفي علم الله بالمعصية قبل وقوعها.
وهذا قَدْرٌ من القول بالقدر، وهو بدعة، ومنكر من القول، تعالى الله عن ذلك.
لكنّه أخفّ من قول القدرية نفاة العلم.
وقد اشتدّ إنكار السلف لقول القدرية وتحذيرهم من بدعتهم، وكان الشافعي رحمه الله وبعض الأئمة يقولون: (ناظروا القدريّةَ بالعلم؛ فإن جحدوه كفروا، وإن أقرّوا به خُصموا).

وكان قتادة يعلن قوله بالقدر ولا يخفيه، إلا أنَّ بعض أهل العلم ذكروا أنه لم يكن يدعو إليه، ولا يُخاصم به، وكان القول بالقدر قد شاع في البصرة.
وقد أنكر أهل العلم على قتادة قولَه في القدر حتى هجره بعضهم كما فعل طاووس بن كيسان رحمه الله.
وترك أحاديثَه مالك بن أنس، وكان ينتقد معمر بن راشد في روايته عن قتادة.

والذي عليه أكثر الأئمة قبول روايته والاحتجاج بها، ثمّ استقرّ إجماعهم على ذلك؛ فإنه حافظ صدوق غير متّهم في روايته، وقد تأوّل في بدعته فأخطأ، وهو معظّم للسنّة ومتّبع لها في عامّة أمره، ولازم للجماعة غير مفارق لها.
وكان ينكر على المرجئة والشيعة ومَن يتكلّم في الصحابة حتى كان يُخرج بعضهم من مجلسه،

- قال وكيع: كان سعيد بن أبي عروبة، وهشام الدستوائي وغيرهما يقولون: قال قتادة: (كل شيء بقدر إلا المعاصي). ذكره الذهبي في تاريخ الإسلام.
- وقال ابن سعد في ترجمة قتادة: (كان يقول بشيء من القدر).
- وقال العجلي: (وكان يقول بشيء من القدر، وكان لا يدعو إليه، ولا يتكلم فيه).
- وقال ابن شوذب: (سمعت قتادة يصيح بالقدر في مسجد البصرة صياحاً). رواه الفسوي.
- وقال حنظلة بن أبي سفيان: ( كنت أرى طاووسا إذا أتاه قتادة يسألُه يفرّ).
قال: (وكان قتادة يُتَّهم بالقدر). رواه أبو القاسم البغوي في الجعديات.
- وقال عبد الرزاق: سمعت مالكاً يقول- وسألته عن معمر فقال-: (إنه لولا).
قال: قلت: لولا ماذا؟
قال: (لولا روايته عن قتادة). رواه الفسوي.
- وقال علي بن المديني: قلت ليحيى [القطان]: إن عبد الرحمن [بن مهدي] يقول: اترك من كان رأسا في بدعة يدعو إليها.
قال: كيف نصنع بقتادة، وابن أبي رواد، وعمر بن ذر، وذكر قوماً.
قال يحيى: (إن ترك هذا الضرب ترك ناسا كثيرا). رواه أبو القاسم البغوي في الجعديات.

- وقال الذهبي: (وهو حجة بالإجماع إذا بين السماع، فإنه مدلّس معروف بذلك، وكان يرى القدر - نسأل الله العفو - ومع هذا؛ فما توقَّف أحد في صدقه وعدالته وحفظه، ولعل الله يعذر أمثاله ممن تلبس ببدعة يريد بها تعظيم الباري وتنزيهه، وبذل وسعه، والله حكم عدل لطيف بعباده، ولا يسأل عما يفعل.
ثم إن الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه، وعلم تحريه للحق، واتسع علمه، وظهر ذكاؤه، وعرف صلاحه وورعه واتباعه، يغفر له زللـه، ولا نضلله ونطّرحه وننسى محاسنه.
نعم، ولا نقتدي به في بدعته وخطئه، ونرجو له التوبة من ذلك)ا.هـ.

الأمر الثاني: تدليسه
كان قتادة على جلالة قدره وجودة حفظه ربما وقع منه تدليس، فروي عن بعض المحدثين وأسقط الواسطة بينهما - وقد يكون ضعيفاً - بصيغة ليس فيها تصريح بالسماع.
فأما إذا صرّح بالسّماع فهو ثقة صدوق.
- قال أبو داود الطيالسي عن شعبة قال: كنت أعرف حديث قتادة ما سمع مما لم يسمع، فإذا جاء ما سمع قال: حدثنا أنس بن مالك، وحدثنا الحسن، وحدثنا سعيد، وحدثنا مطرف، وإذا جاء ما لم يسمع كان يقول: قال سعيد بن جبير، وقال أبو قلابة). رواه ابن سعد وأبو القاسم البغوي في الجعديات مختصراً.
- وقال عبد الرحمن بن مهدي: سمعت شعبة يقول: «كنت أتفطّن إلى فمِ قتادة كيف يقول، فإذا قال حدثنا. يعني كتبت» رواه أبو القاسم البغوي في الجعديات.
- وقال وكيع: قال شعبة: كان قتادة يغضب إذا وقفته على الإسناد.
قال: فحدثته يوما بحديث أعجبه، فقال: من حدثك؟
قلت: فلان، عن فلان.
قال: فكان يعده). رواه الفسوي في المعرفة وأبو القاسم البغوي في الجعديات.
- وقال معمر: (كنا نجالس قتادة ونحن أحداث فنسأله عن السند فيقول مشيخة حوله: مه! إنَّ أبا الخطاب سند؛ فيكسرونا عن ذلك). رواه الفسوي وابن سعد وأبو القاسم البغوي.
- وقال ابن حبان: (كان مدلسا).
- وذكر ابن حجر في تهذيب التهذيب عن أبي داوود السجستاني أنه قال: (حدَّث قتادة عن ثلاثين رجلاً لم يسمع منهم).

الأمر الثالث: تحديثه عن الضعفاء
كان قتادة رحمه الله يحدّث عن بعض الضعفاء؛ مع ما حفظه من أحاديث كثيرة عن الثقات.
والتحديث عن الضعفاء لم يكد يسلم منه إلا قلّة من المحدّثين؛ فإنّ الضعيف قد يشتبه أمره على المحدّث ويقدّم حسن الظنّ به مع ما يرى من ظاهر حسن، وبعض الضعفاء يكون ضعفهم من جهة ضعف ضبطهم مع صلاح حالهم، ولا يوقف على خطئهم إلا بجمع الطرق وفحص الأسانيد وأحوال الأداء، ومنهم من لا يتبيّن ضعفه إلا بعد مدّة من الأخذ عنه.
وقد حدّث جماعة من الأئمة عن بعض الضعفاء ثم إنَّ منهم من ترك أحاديث رجالٍ كان قد كتب عنهم لمّا تبيّن له ضعفهم، ومنهم من يعتبر بأحاديث بعض الضعفاء.
والراوي الضعيف إذا صُرّح باسمه تبيّن أمره، لكن ما يحاذره العلماء أن يُدلَّس عن الثقة بإسقاط ذكر الراوي الضعيف، وهذا يوقف عليه غالباً بجمع الطرق مع قرينة صيغة الأداء.

وقد انتقد بعض الأئمة قتادةَ رحمه الله على تحديثه عن بعض الضعفاء.
- قال معتمر بن سليمان، عن أبي عمرو بن العلاء قال: (كان قتادة وعمرو بن شعيب لا يغثّ عليهما شيء، يأخذان عن كل أحد). رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق.
- وقال مغيرة بن مقسم الضبي: قيل للشعبي: رأيت قتادة؟
قال: «نعم، رأيته حاطبَ ليلٍ» رواه الفسوي في المعرفة والتاريخ، وأبو القاسم البغوي في الجعديات.
- وقال سفيان بن عيينة: قال لي عبد الكريم الجزري: (يا أبا محمد، تدري ما حاطب ليل؟)
قال: قلت: لا، إلا أن تخبرنيه.
قال: (هو الرجل يخرج من الليل، فيحتطب، فتقع يده على أفعى، فتقتله، هذا مثل ضربته لك لطالب العلم، إنَّ طالب العلم إذا حمل من العلم ما لا يطيقه قتله علمه، كما قتلت الأفعى حاطب ليل). رواه أبو القاسم البغوي في الجعديات.

أقوال الأئمة النقّاد فيه:
الذي استقرّ عليه كلام الأئمة النقّاد أن قتادة رحمه الله ثقة حافظ، تام الضبط، مقبول الرواية إذا صرّح بالسماع.
- قال ابن سعد: (وكان ثقة مأموناً، حجة في الحديث).
- وقال إسحاق بن منصور، عن يحيى بن معين: (ثقة)
- قال العجلي: (قتادة بن دعامة السدوسي: يكنى أبا الخطاب، بصري، تابعي، ثقة).
- وقال أبو زرعة الرازي: (قتادة من أعلم أصحاب الحسن، ثم يونس بن عبيد).
- وقال أبو حاتم الرازي: (أكبر أصحاب الحسن قتادة، وأثبت أصحاب أنس الزهري ثم قتادة).
- وقال ابن أبي حاتم: (كان قتادة بارعَ العلم، نسيجَ وحده في الحفظ في زمانه، لا يتقدَّمه كبير أحد).
واحتجّ به البخاري ومسلم في صحيحيهما، وأحاديثه في دواوين السنّة كثيرة جداً.

خبر تحديثه بالأسانيد:
- قال حماد بن سلمة: كنا نأتي قتادة، فيقول: بَلَغَنا عن النبي عليه السلام، وبلغنا عن عمر، وبلغنا عن علي، ولا يكاد يُسنِد؛ فلما قدم حماد بن أبي سليمان البصرة جعل يقول: حدثنا إبراهيم وفلان وفلان؛ فبلغ قتادة ذلك، فجعل يقول: سألت مطرفاً، وسألت سعيدَ بن المسيب، وحدثنا أنس بن مالك؛ فأخبر بالإسناد). رواه ابن سعد في الطبقات وهذا لفظه، ورواه الفسوي وزاد: (فقال: حدثنا الحسن، وحدثنا أنس، وحدثنا زرارة، وسألت سعيدا؛ فصبَّ علينا الإسناد؛ فكنا لا نستطيع أن نحفظها.
قال حمّاد: (فكنتُ أحفظ سبعة من ثمانية عشر؛ فكنت أجيء فأكتب الحديث على الباب؛ فإذا جئت حفظته من الباب، فإذا حفظته محوته).

عنايته بالعلم والقرآن:
تقدّم قوله: «ما في القرآن آية إلا قد سمعت فيها بشيء».
- وقال أبو عوانة: «شهدت قتادة يدرس القرآن في رمضان» رواه أبو القاسم البغوي في الجعديات.
- قال سلام بن أبي مطيع: (كان قتادة يختم القرآن في سبع، وإذا جاء رمضان ختم في كل ثلاث، فإذا جاء العشر ختم كل ليلة). ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء.
- وقال مطر الوراق: (ما زال قتادة متعلماً حتى مات). رواه أبو القاسم البغوي في الجعديات.

فقهه وورعه:
- قال عفان بن مسلم: (كان قتادة يقيس على قول سعيد بن المسيب، ثم يرويه عن سعيد بن المسيب).
قال: (وذاك قليل). رواه ابن سعد.
قلت: وهذا هو ما يُعرف باستخراج الأقوال، وهو أن يستخرج قولاً للعالم في مسألة من قول له في مسألة أخرى بطريقة من طرق القياس، وهو جائز بشروط منها أن تدلّ العبارة على أنه قول مستخرج لا منصوص.
- وقال عبد الصمد بن عبد الوارث: حدثنا أبو هلال قال: سألت قتادة عن مسألة، فقال: لا أدري.
فقلت: قل برأيك!
قال: ما قلت برأيي منذ أربعين سنة.
فقلت: ابن كم هو يومئذ؟
قال: (ابن خمسين سنة). رواه ابن سعد والفسوي وأبو القاسم البغوي في الجعديات.
- قال الذهبي: (فدلَّ على أنه ما قال في العلم شيئا برأيه).

بعض أخباره:
- قال العجلي: (وكان ضرير البصر).
- وقال ابن حبان: (من أهل البصرة كنيته أبو الخطاب وكان أعمى).
- وقال عفان بن مسلم: قال لنا قيس بن الربيع: (قدم قتادة الكوفة، فأردنا أن نأتيه، فقيل لنا: إنه يبغض علياً رضي الله عنه؛ فلم نأته، ثم قيل لنا بعدُ: إنه أبعد الناس من هذا، فأخذنا عن رجل عنه). رواه أبو القاسم البغوي في الجعديات.
- وقال خالد بن قيس: قال قتادة: (ما نسيت شيئا قط)
ثم قال: (يا غلام! ناولني نعلي)
قال: (نعلك في رجلك!!). رواه أبو القاسم البغوي في الجعديات، وابن حبان في روضة العقلاء.
قال الذهبي: (هذه الحكاية عبرة، فإن الدعاوي لا تثمر خيراً).
- وقال قرة بن خالد السدوسي: «رأيت خاتم قتادة في يساره» رواه ابن سعد.

أقواله ووصاياه:
أُثر عن قتادة بعض الأقوال المشتهرة عنه، وبعض الوصايا النافعة.
- قال أبو هلال الراسبي: سمعت قتادة يقول: «الحفظ في الصغر كالنقش في الحجر». رواه ابن سعد في الطبقات.
- وقال ضرار بن عمرو، عن قتادة قال: «باب من العلم يحفظه الرجل لصلاح نفسه، وصلاح من بعده أفضل من عبادةِ حول». رواه أبو القاسم البغوي في الجعديات.
- وقال همام، عن قتادة قال: كان يقال: «قلَّ ما ساهر الليل منافق». رواه أبو القاسم البغوي في الجعديات.
- وقال أبو هلال الراسبي: سمعت قتادة يقول: «إذا سرَّك أن يكذب صاحبك فلقّنه» رواه أبو القاسم البغوي في الجعديات.
- وقال أبو هلال الراسبي: قيل لقتادة: يا أبا الخطاب، أنكتب ما نسمع؟
قال: «وما يمنعك أحد أن تكتب، وقد أنبأك اللطيف الخبير أنه قد كتب!! وقرأ: {في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى}). رواه ابن سعد في الطبقات وأبو القاسم البغوي في الجعديات.
- وقال أبو عوانة، عن قتادة قال: ( كان المؤمن لا يرى إلا في ثلاث مواطن: في مسجد يعمره، أو بيت يستره، أو حاجة لا بأس بها). رواه أبو القاسم البغوي في الجعديات.
- وقال أبو هلال الراسبي: سمعت قتادة يقول: «إن الرجل ليشبع من الكلام، كما يشبع من الطعام والشراب» رواه أبو القاسم البغوي في الجعديات.
- وقال أبو هلال، عن قتادة قال: «إنما حدث هذا الإرجاء بعد هزيمة ابن الأشعث». رواه عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب السنة، وأبو القاسم البغوي في الجعديات.
- وقال الأوزاعي: كان يحيى بن أبي كثير وقتادة يقولان: «ليس من الأهواء شيء أخوف عندهم على الأمة من الإرجاء» رواه عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب السنة.

- وقال أبو عوانة، عن قتادة قال: «من منع زكاة ماله سلط الله عليه البناء». رواه أبو القاسم البغوي في الجعديات.
- وقال معمر، عن قتادة قال: «لقد كان يستحب ألا تقرأ الأحاديث التي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا على طهور». رواه أبو القاسم البغوي في الجعديات.

وفاته:
- قال حماد بن زيد قال: (كنا ننتظر قتادة أن يقدم فنسمع منه؛ فمات بواسط؛ فما رأيت أيوب حزن على أحد ما حزن عليه). رواه البخاري في التاريخ الكبير.
- وقال ابن أبي حاتم: (توفى بواسط في الطاعون، وهو ابن ست أو سبع وخمسين، بعد موت الحسن بسبع سنين).
- وقال محمد بن علي الوراق، عن ابن عائشة قال: «مات قتادة بواسط، كان عند خالد بن عبد الله القسري». رواه أبو القاسم البغوي في الجعديات.

وقد اختُلف في سنة وفاته على قولين:
القول الأول: مات سنة سبعة عشرة ومائة، وهو قول أبي نعيم، وعلي بن المديني، وأحمد بن حنبل، وخليفة بن خياط، وموسى بن إسماعيل، وأبي حفص الفلاس، وابن حبان، ورواه الواقدي عن سعيد بن بشير.
والقول الثاني: مات سنة ثماني عشرة ومائة، رواه الواقدي عن ابن علية.

وروي عن يحيى بن سعيد القطان أنه قال: (مات سنة سبع عشرة أو ثماني عشرة ومائة).

وكان موته بواسط، قاله حمّاد بن زيد، وعبيد الله ابن عائشة القرشي، وخليفة بن خياط، وابن أبي حاتم، وابن حبان.
زاد ابن أبي حاتم أنه مات في الطاعون.

- قال أبو طالب: سمعت أحمد بن حنبل يقول: (كان له خمس وخمسون سنة يوم مات). رواه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل.
- قال أبو حفص الفلاس وابن حبان: (وهو ابن ست وخمسين سنة).
- وقال ابن أبي حاتم: (وهو ابن ست أو سبع وخمسين).
- وقال الذهبي: (وله سبع وخمسون سنة).
قلت: موته سنة 117هـ على الصحيح؛ فإن كان ولد سنة 60 فله سبع وخمسون، وإن كان ولد سنة 61 فله ستّ وخمسون، والناس يتجوّزون في حساب الأعمار؛ فمنهم من يجبر الكسر اليسير، ومنهم من يلغي الكسر كلّه، ومنهم من يأخذ بالتقريب في عدد السنين.

من مروياته في التفسير: 

- قال سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة في قوله تعالى: {وهو ألد الخصام} يقول: (شديد القسوة في معصية الله، جَدِلٌ بالباطل، وإذا شئت رأيته عالم اللسان جاهل العمل، يتكلم بالحكمة، ويعمل بالخطيئة). رواه ابن جرير.
- وقال شعبة: سمعت قتادة يحدّث عن زرارة بن أوفى، عن عبد الله بن مسعود في هذه الآية: {يوم يأتي بعض آيات ربك} قال: (طلوع الشمس من مغربها). رواه ابن جرير في تفسيره، وأبو القاسم البغوي في الجعديات.
- وقال سعيد، عن قتادة: ({إني جاعلك للناس إماما} قال: يقتدى بهداك وسنتك). رواه أبو القاسم البغوي في الجعديات.

شيوخه وتلاميذه:
روى قتادة عن: أنس بن مالك، والحسن البصري، وسعيد بن المسيب، وشهر بن حوشب، وأبي العالية،

وعن صالح أبي الخليل ، وهلال بن حصن، وأبي حسان الأعرج، وخلاس بن عمرو، وعزرة، ونوف البكالي

روى قتادة عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، منهم: أنس بن مالك، وأبو الطفيل، وأبو رافع، وعبد الله بن سرجس.
وأرسل عن: عليّ، وابن عباس، وعمران بن الحصين، وأبي سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله، وكعب الأحبار، وأبي الأسود الدؤلي،
وروى عن جماعة من التابعين، منهم: سعيد بن المسيب، وأبو العالية الرياحي، وأبو عثمان النهدي، وعامر بن شراحيل الشعبي، والحسن البصري، ومطرف بن عبد الله بن الشخّير، وزرارة بن أوفى، وسعيد بن جبير، وعكرمة مولى ابن عباس، وسالم بن أبي الجعد، وأبو المليح بن أسامة، وأبو أيوب المراغي واسمه يحيى بن مالك الأزدي، وصفوان بن محرز، ويحيى بن يعمر العدواني، وأبو الشعثاء جابر بن زيد، وأبو الجوزاء الربعي، وأبو مجلز لاحق بن حميد، وأبو قلابة الجرمي، وعمرو البكالي، ونوف بن فضالة البكالي، وخليد العصري، وشهر بن حوشب، وخلاس بن عمرو، وصالح أبي الخليل، وعبد الله بن شقيق، ومعاذة العدوية، وغيرهم.

وروى عنه خلق كثير، وله في تفسير ابن جرير وحده أكثر من خمسة آلاف رواية،وله في تفسير عبد الرزاق من طريق معمر نحو 1700 رواية، وله في غيرهما روايات كثيرة جداً.

وأشهر رواة التفسير عن قتادة: سعيد بن أبي عروبة، ومعمر بن راشد، وهشام الدستوائي، وشعبة بن الحجاج، وسعيد بن بشير، وهمام بن يحيى البصري، وسعيد بن بشير، وشيبان بن عبد الرحمن، وأبو هلال الراسبي، وأبو جعفر الرازي، وحماد بن سلمة، وقرة بن خالد السدوسي، وغيرهم.

- قال ابن أبي خيثمة: سمعت يحيى بن معين يقول: (أثبت الناس في قتادة سعيد بن أبي عروبة، وهشام الدستوائي، وشعبة، ومن حدث من هؤلاء بحديث، فلا تبال أن تسمعه من غيره). رواه أبو القاسم البغوي في الجعديات.