الدروس
course cover
تفسير سورة البقرة [من الآية (145) إلى الآية (148) ]
17 Sep 2014
17 Sep 2014

4431

0

0

course cover
تفسير سورة البقرة

القسم الحادي عشر

تفسير سورة البقرة [من الآية (145) إلى الآية (148) ]
17 Sep 2014
17 Sep 2014

17 Sep 2014

4431

0

0


0

0

0

0

0

تفسير قول الله تعالى: {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آَيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (145) الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (147) وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148) }


تفسير قوله تعالى: {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آَيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (145)}

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ولئن أتيت الّذين أوتوا الكتاب بكلّ آية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض ولئن اتّبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنّك إذا لمن الظّالمين}
زعم بعض النحويين، أن " لئن " أجيب بجواب " لو " ؛ لأن الماضي: وليها كما ولي " لو ", فأجيب بجواب " لو ", ودخلت كل واحدة منها على أختها , قال اللّه عزّ وجلّ: {ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرّا لظلّوا من بعده يكفرون}
فجرت مجرى: {ولو أرسلنا ريحاً}, وكذلك قال الأخفش بهذا القول،
قال سيبويه وجميع أصحابه: إن معنى {لظلّوا من بعده يكفرون}: ليظلّنّ , ومعنى (لئن) غير معنى " لو " في قول الجماعة، وإن كان هؤلاء قالوا : إنّ الجواب متفق؛ فإنهم لا يدفعون أن معنى {لئن}ما يستقبل , ومعنى " لو " ماض , وحقيقة معنى " لو " أنها يمتنع بها الشيء لامتناع غيره، تقول: لو أتيتني لأكرمتك، أي: لم تأتني فلم أكرمك، فإنما امتنع إكرامي لامتناع إتيانك.
ومعنى " إن " , و (لئن) أنه يقع الشيء فيهما، لوقوع غيره في المستقبل تقول إن تأتني أكرمك، فالإكرام يقع بوقوع الإتيان فهذه حقيقة معناهما.
فأما التأويل: فإنّ أهل الكتاب قد علموا أن النبي صلى الله عليه وسلم حق , وأن صفته ونبوته في كتابهم، وهم يحققون العلم بذلك , فلا تغني الآيات عند من يجد ما يعرف.
وقوله عزّ وجلّ: {وما بعضهم بتابع قبلة بعض}؛ لأن أهل الكتاب تظاهروا على النبي صلى الله عليه وسلم , واليهود لا تتبع قبلة النصارى، ولا النصارى تتبع قبلة اليهود، وهم مع ذلك في التظاهر على النبي متفقون.
وقوله عزّ وجلّ: {إنّك إذا لمن الظّالمين}أي: أنك لمنهم أن اتبعت أهواءهم, وهذا الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم, ولسائر أمّته؛ لأن ما خوطب به من هذا الجنس, فقد خوطب به الأمة , والدليل على ذلك قوله عزّ وجلّ:{يا أيّها النّبيّ إذا طلّقتم النّساء}, أول الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم, وليس معه لفظ الأمة، وآخره دليل أن الخطاب عام). [معاني القرآن: 1/224]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: ولئن أتيت الآية، أعلم الله تعالى نبيه حين قالت له اليهود: راجع بيت المقدس ونؤمن بك مخادعة منهم أنهم لا يتبعون له قبلة، يعني جملتهم لأن البعض قد اتبع كعبد الله بن سلام وغيره وأنهم لا يدينون بدينه، أي فلا تصغ إليهم، والآية هنا: العلامة، وجاء جواب لئن كجواب «لو» وهي ضدها في أن «لو» تطلب المضي والوقوع و «إن» تطلب الاستقبال لأنهما جميعا يترتب قبلهما معنى القسم، فالجواب إنما هو للقسم، لا أن أحد الحرفين يقع موقع الآخر، هذا قول سيبويه.
وقوله تعالى جلت قدرته وما أنت بتابعٍ قبلتهم لفظ خبر يتضمن الأمر، أي فلا تركن إلى شيء من ذلك، وقوله تعالى: وما بعضهم الآية، قال السدي وابن زيد: المعنى ليست اليهود متبعة قبلة النصارى ولا النصارى متبعة قبلة اليهود، فهذا إعلام باختلافهم وتدابرهم وضلالهم، وقال غيرهما: معنى الآية: وما من أسلم معك منهم بمتبع قبلة من لم يسلم، ولا من لم يسلم بمتبع قبلة من أسلم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والأول أظهر في الأبعاض، وقبلة النصارى مشرق الشمس وقبلة اليهود بيت المقدس.
وقوله تعالى: ولئن اتّبعت الآية، خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد أمته، وما ورد من هذا النوع الذي يوهم من النبي صلى الله عليه وسلم ظلما متوقعا فهو محمول على إرادة أمته لعصمة النبي صلى الله عليه وسلم وقطعنا أن ذلك لا يكون منه فإنما المراد من يمكن أن يقع ذلك منه، وخوطب النبي صلى الله عليه وسلم تعظيما للأمر.
والأهواء جمع هوى، ولا يجمع على أهوية، على أنهم قد قالوا: ندى وأندية. قال الشاعر: [مرة بن محكان]: [البسيط]
في ليلة من جمادى ذات أندية = لا يبصر الكلب في ظلمائها الطّنبا
وهوى النفس إنما يستعمل في الأكثر: فيما لا خير فيه، وقد يستعمل في الخير مقيدا به، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في أسرى بدر: فهوي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر، و «إذا» حرف معناه أن تقرر ما ذكر). [المحرر الوجيز: 1/376-377]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ولئن أتيت الّذين أوتوا الكتاب بكلّ آيةٍ ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابعٍ قبلتهم وما بعضهم بتابعٍ قبلة بعضٍ ولئن اتّبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنّك إذًا لمن الظّالمين (145)}
يخبر تعالى عن كفر اليهود وعنادهم، ومخالفتهم ما يعرفونه من شأن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وأنّه لو أقام عليهم كلّ دليلٍ على صحّة ما جاءهم به، لما اتّبعوه وتركوا أهواءهم كما قال تعالى: {إنّ الّذين حقّت عليهم كلمة ربّك لا يؤمنون * ولو جاءتهم كلّ آيةٍ حتّى يروا العذاب الأليم}[يونس: 96، 97] ولهذا قال هاهنا: {ولئن أتيت الّذين أوتوا الكتاب بكلّ آيةٍ ما تبعوا قبلتك}.
وقوله {وما أنت بتابعٍ قبلتهم وما بعضهم بتابعٍ قبلة بعض} إخبارٌ عن شدّة متابعة الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم لما أمره اللّه تعالى به، وأنّه كما هم مستمسكون بآرائهم وأهوائهم، فهو أيضًا مستمسكٌ بأمر اللّه وطاعته واتّباع مرضاته، وأنّه لا يتّبع أهواءهم في جميع أحواله، وما كان متوجّهًا إلى بيت المقدس؛ لأنّها قبلة اليهود، وإنّما ذلك عن أمر اللّه تعالى. ثمّ حذّر اللّه تعالى عن مخالفة الحقّ الذي يعلمه العالم إلى الهوى؛ فإنّ العالم الحجّة عليه أقوم من غيره. ولهذا قال مخاطبًا للرّسول، والمراد الأمّة: {ولئن أتيت الّذين أوتوا الكتاب بكلّ آيةٍ ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابعٍ قبلتهم وما بعضهم بتابعٍ قبلة بعضٍ ولئن اتّبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنّك إذًا لمن الظّالمين}[البقرة: 145] ). [تفسير ابن كثير: 461/1-462]


تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146)}

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ:{الّذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإنّ فريقا منهم ليكتمون الحقّ وهم يعلمون}: يعني به: علماء اليهود, و (الذين) رفع بالابتداء، وخبر (الذين) : (يعرفونه)، وفي (يعرفونه) قولان:
1- قال بعضهم: يعرفون أن أمر القبلة ,وتحول النبي صلى الله عليه وسلم من قبل بيت المقدس إلى البيت الحرام حق, كما يعرفون أبناءهم.
2- وقيل معنى {يعرفونه}: يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم , وصحة أمره.
وقوله عزّ وجلّ: {وإنّ فريقا منهم ليكتمون الحقّ وهم يعلمون}
أي: يعلمون {أنّه الحق}, أي: يكتمون صفته، ومن لا يعلم أمر النبي صلى الله عليه وسلم , وما جاء به , {وهم يعلمون}, أنّه الحق). [معاني القرآن: 1/225]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: الّذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإنّ فريقاً منهم ليكتمون الحقّ وهم يعلمون (146) الحقّ من ربّك فلا تكوننّ من الممترين (147) ولكلٍّ وجهةٌ هو مولّيها فاستبقوا الخيرات أين ما تكونوا يأت بكم اللّه جميعاً إنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ (148) ومن حيث خرجت فولّ وجهك شطر المسجد الحرام وإنّه للحقّ من ربّك وما اللّه بغافلٍ عمّا تعملون (149)
الّذين في موضع رفع بالابتداء، والخبر يعرفونه، ويصح أن يكون في موضع خفض نعتا للظالمين ويعرفونه في موضع الحال.
وخص الأبناء دون الأنفس وهي ألصق، لأن الإنسان يمر عليه من زمنه برهة لا يعرف فيها نفسه، ولا يمر عليه وقت لا يعرف فيه ابنه، والمراد هنا معرفة الوجه وميزه لا معرفة حقيقة النسب، ولعبد الله بن سلام رضي الله عنه في هذا الموضع كلام معترض يأتي موضعه إن شاء الله، والضمير في يعرفونه عائد على الحق في القبلة والتحول بأمر الله إلى الكعبة، قاله ابن عباس وقتادة وابن جريج والربيع، وقال قتادة أيضا ومجاهد وغيرهما: هو عائد على محمد صلى الله عليه وسلم، أي يعرفون صدقه ونبوته، والفريق الجماعة، وخص لأن منهم من أسلم ولم يكتم، والإشارة بالحق إلى ما تقدم من الخلاف في ضمير يعرفونه، فعم الحق مبالغة في ذمهم، وهم يعلمون ظاهر في صحة الكفر عنادا). [المحرر الوجيز: 1/377-379]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({الّذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإنّ فريقًا منهم ليكتمون الحقّ وهم يعلمون (146) الحقّ من ربّك فلا تكوننّ من الممترين (147)}
يخبر تعالى أنّ علماء أهل الكتاب يعرفون صحّة ما جاءهم به الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم كما يعرفون أبناءهم كما يعرف أحدهم ولده، والعرب كانت تضرب المثل في صحّة الشّيء بهذا، كما جاء في الحديث أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلم قال لرجلٍ معه صغيرٌ:
«ابنك هذا؟» قال: نعم يا رسول اللّه، أشهد به. قال: «أما إنّه لا يجني عليك ولا تجني عليه».
قال القرطبيّ: ويروى أنّ عمر قال لعبد اللّه بن سلامٍ:
«أتعرف محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم كما تعرف ولدك ابنك»، قال: «نعم وأكثر، نزل الأمين من السّماء على الأمين، في الأرض بنعته فعرفته، وإنّي لا أدري ما كان من أمره». قلت:« وقد يكون المراد {يعرفونه كما يعرفون أبناءهم} من بين أبناء النّاس لا يشكّ أحدٌ ولا يتمارى في معرفة ابنه إذا رآه من بين أبناء النّاس كلّهم».
ثمّ أخبر تعالى أنّهم مع هذا التّحقّق والإتقان العلميّ {ليكتمون الحقّ} أي: ليكتمون النّاس ما في كتبهم من صفة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم {وهم يعلمون}). [تفسير ابن كثير: 1/462]


تفسير قوله تعالى: {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (147)}

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {الحقّ من ربّك فلا تكوننّ من الممترين} أي: من الشاكين , والخطاب أيضاً عام , أي: فلا تكونوا من الشاكين).[معاني القرآن: 1/225]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: الحقّ من ربّك، الحقّ رفع على إضمار الابتداء والتقدير هو الحق، ويصح أن يكون ابتداء والخبر مقدر بعده، وقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه الحقّ بالنصب، على أن العامل فيه يعلمون، ويصح نصبه على تقدير: الزم الحق.
وقوله تعالى: فلا تكوننّ من الممترين، الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد أمته، وامترى في الشيء إذا شك فيه، ومنه المراء لأن هذا يشك في قول هذا، وأنشد الطبري- شاهدا على أن الممترين الشاكون- قول الأعشى: [المتقارب]
تدر على اسؤق الممترين = ركضا إذا ما السراب ارجحن
ووهم في ذلك لأن أبا عبيدة وغيره قالوا: الممترون في البيت هم الذين يمرون الخيل بأرجلهم همزا لتجري كأنهم يحتلبون الجري منها، فليس في البيت معنى من الشك كما قال الطبري). [المحرر الوجيز: 1/379]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ ثبّت تعالى نبيّه والمؤمنين وأخبرهم بأنّ ما جاء به الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم هو الحقّ الذي لا مرية فيه ولا شكّ، فقال: {الحقّ من ربّك فلا تكوننّ من الممترين}). [تفسير ابن كثير: 1/462]

تفسير قوله تعالى: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ولكلّ وجهة هو مولّيها فاستبقوا الخيرات أين ما تكونوا يأت بكم اللّه جميعا إنّ اللّه على كلّ شيء قدير}
يقال: هذه جهة و وجهة و وجهة، وكذلك يقال: ضعة ووضعة وضعة.
وقيل في قوله:{هو موليها}, قولان: -
1- قال بعض أهل اللغة , وهو أكثر القول: هو "لكل: المعنى: هو موليها وجهه، أي : وكل أهل وجهة هم الذين ولوا وجوههم إلى تلك الجهة , وقد قرئ أيضاً:هو مولّاها, وهو حسن.
2- وقال قوم: أي اللّه - على ما يزعمون - يولي أهل كل ملة القبلة التي يريد، وكلا القولين جائز، واللّه أعلم.
وقوله عزّ وجلّ:{فاستبقوا الخيرات}أي: فبادروا إلى القبول من الله عزّ وجلّ، وولّوا وجوهكم حيث أمركم أن تولوا.
وقوله عزّ وجلّ: {أين ما تكونوا يأت بكم اللّه جميعاً},أي: يرجعكم إليه.
{إنّ اللّه على كلّ شيء قدير}: فتوفون ما عملتم , وأينما تجزم ما بعدها؛ لأنها إذا وصلت ب " ما " جزمت ما بعد, وكان الكلام شرطاً, وكان الجواب جزماً كالشرط, وإن كانت استفهاماً نحو: أين زيد ؟, فإن أجبته أجبت بالجزم، تقول: أين بيتك أزرك؟, المعنى: إن أعرف بيتك أزرك.
وزعم بعض النحويين أن قوله: {هّل أدلّكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم}, جوابه :{يغفر لكم}
وهذا خطأ لأنه ليست بالدلالة تجب المغفرة , إنما تجب المغفرة بقبولهم ما يؤدي إليهم النبي صلى الله عليه وسلم.
ولكن {يغفر لكم ذنوبكم}جواب {تؤمنون باللّه ورسوله وتجاهدون}: فإنه أمر في لفظ خبر.
المعنى: آمنوا باللّه ورسوله , وجاهدوا , يغفر لكم).[معاني القرآن: 1/225-226]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: ولكلٍّ وجهةٌ الآية، الوجهة: فعلة من المواجهة كالقبلة، وقوله: هو عائد على اللفظ المفرد في «كل»، والمراد به الجماعات.
المعنى: لكل صاحب ملة وجهة هو موليها نفسه، قاله الربيع وعطاء وابن عباس، وقرأ ابن عباس وابن عامر وحده من السبعة هو مولاها، وقالت طائفة: الضمير في هو عائد على الله تعالى، والمعنى: الله موليها إياهم، وقالت فرقة: المعنى في الآية أن للكل دينا وشرعا وهو دين الله وملة محمد وهو موليها إياهم اتبعها من اتبعها وتركها من تركها، وقال قتادة: المراد بالآية أن الصلاة إلى الشام ثم الصلاة إلى الكعبة لكل واحدة منهما وجهة الله موليها إياهم، وحكى الطبري أن قوما قرؤوا لكلٍّ وجهةٌ بإضافة كل إلى وجهة، وخطأها الطبري.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهي متجهة، أي فاستبقوا الخيرات لكل وجهة ولاكموها، ولا تعترضوا فيما أمركم من هذه وهذه، أي إنما عليكم الطاعة في الجميع، وقدم قوله: كلٍّ وجهةٌ على الأمر في قوله: فاستبقوا للاهتمام بالوجهة كما يقدم المفعول، وذكر أبو عمرو الداني هذه القراءة عن ابن عباس رضي الله عنه وسلمت الواو في وجهة ولم تجر كعدة وزنة لأن جهةٌ ظرف وتلك مصادر فسلمت للفرق، وأيضا فليكمل بناء الهيئة كالجلسة، قال أبو علي: ذهب قوم إلى أنه مصدر شذ عن القياس فسلم، ومال قوم إلى أنه اسم ليس بمصدر.
قال غير أبي علي: وإذا أردت المصدر قلت جهة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقد يقال الجهة في الظرف، وحكى الطبري عن منصور أنه قال: نحن نقرؤها «ولكلّ جعلنا قبلة يرضونها».
ثم أمر تعالى عباده باستباق الخيرات والبدار إلى سبيل النجاة، ثم وعظهم بذكر الحشر موعظة تتضمن وعيدا وتحذيرا.
وقوله: يأت بكم اللّه جميعاً يعني به البعث من القبور، ثم اتصف الله تعالى بالقدرة على كل شيء مقدور عليه لتناسب الصفة مع ما ذكر من الإتيان بهم). [المحرر الوجيز: 1/379-381]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ولكلٍّ وجهةٌ هو مولّيها فاستبقوا الخيرات أينما تكونوا يأت بكم اللّه جميعًا إنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ (148)}
قال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: {ولكلٍّ وجهةٌ هو مولّيها} يعني بذلك: أهل الأديان، يقول: لكلٍّ قبلةٌ يرضونها، ووجهة اللّه حيث توجّه المؤمنون.
وقال أبو العالية: لليهوديّ وجهةٌ هو مولّيها، وللنّصرانيّ وجهةٌ هو مولّيها، وهداكم أنتم أيّتها الأمّة الموقنون للقبلة التي هي القبلة. وروي عن مجاهدٍ، وعطاءٍ، والضّحّاك، والرّبيع بن أنسٍ، والسّدّيّ نحو هذا.
وقال مجاهدٌ في الرّواية الأخرى:
«ولكن أمر كلّ قومٍ أن يصلّوا إلى الكعبة».
وقرأ ابن عبّاسٍ، وأبو جعفرٍ الباقر، وابن عامرٍ:
«ولكلٍ وجهةٌ هو مولاها».
وهذه الآية شبيهةٌ بقوله تعالى: {لكلٍّ جعلنا منكم شرعةً ومنهاجًا ولو شاء اللّه لجعلكم أمّةً واحدةً ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى اللّه مرجعكم جميعًا}[المائدة: 48].
وقال هاهنا: {أينما تكونوا يأت بكم اللّه جميعًا إنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ} أي: هو قادرٌ على جمعكم من الأرض، وإن تفرّقت أجسادكم وأبدانكم). [تفسير ابن كثير:
462/1-463]


* للاستزادة ينظر: هنا