الدروس
course cover
تفسير سورة البقرة [من الآية (153) إلى الآية (158) ]
17 Sep 2014
17 Sep 2014

6216

0

0

course cover
تفسير سورة البقرة

القسم الحادي عشر

تفسير سورة البقرة [من الآية (153) إلى الآية (158) ]
17 Sep 2014
17 Sep 2014

17 Sep 2014

6216

0

0


0

0

0

0

0

تفسير قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ (154) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157) إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158) }



تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {يا أيّها الّذين آمنوا استعينوا بالصّبر والصّلاة إنّ اللّه مع الصّابرين (153)}
{يا أيّها} نداء مفرد مبهم , و {الذين} في موضع رفع صفة لـ{أيّها}, هذا مذهب الخليل, وسيبويه.
وأما مذهب الأخفش, فالذين صلة لأي , وموضع الذين رفع بإضمار الذكر العائد على أي , كأنّه على مذهب الأخفش بمنزلة قولك: يا من الذين، أي: يا من هم الذين.
و " ها " لازمة لأي عوض عما حذف منها للإضافة، وزيادة في التنبيه.
وأي في غير النداء لا يكون فيها " هاء " , ويحذف معها الذكر العائد عليها، تقول أضرب أيّهم أفضل، وأيّهم هو أفضل, تري:د الذي هو أفضل .
وأجاز المازني أن تكون صفة , أي: نصباً, فأجاز: يا أيها الرجل أقبل، وهذه الإجازة غير معروفة في كلام العرب،
ولم يجز أحد من النحويين هذا المذهب قبله، ولا تابعة عليه أحد بعده , فهذا مطروح مرذول لمخالفته كلام العرب, والقرآن, وسائر الأخبار.
ومعنى {استعينوا بالصبر والصلاة} أي: بالثبات على ما أنتم عليه, وإن نالكم فيه مكروه في العاجل، فإن الله مع الصابرين.
وتأويل إن اللّه معهم أي يظهر دينه على سائر الأديان.
لأن من كان الله معه , فهو الغالب, كما قال عزّ وجلّ: {فإنّ حزب اللّه هم الغالبون}.
ومعنى: استعينوا بالصلاة، أي: أنكم إذا صليتم , تلوتم في صلاتكم ما تعرفون به فضل ما أنتم عليه, فكان ذلك لكم عوناً). [معاني القرآن: 1/229]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ويا حرف نداء و «أيّ» منادى و «ها» تنبيه، وتجلب «أي» فيما فيه الألف واللام لأن في حرف النداء تعريفا ما، فلو لم تجلب «أي» لاجتمع تعريفان، وقال قوم: «الصبر»: الصوم، ومنه قيل لرمضان: شهر الصبر، وتقدم معنى الاستعانة بالصبر والصلاة، واختصاره أنهما رادعان عن المعاصي.
وقوله تعالى: {إنّ اللّه مع الصّابرين} معناه بمعونته وإنجاده، فهو على حذف مضاف، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت: «اهجهم وروح القدس معك»، وكما قال: «ارموا وأنا مع بني فلان»، الحديث). [المحرر الوجيز: 1/ 385]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {يا أيّها الّذين آمنوا استعينوا بالصّبر والصّلاة إنّ اللّه مع الصّابرين (153) ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل اللّه أمواتٌ بل أحياءٌ ولكن لا تشعرون (154)}
لمّا فرغ تعالى من بيان الأمر بالشّكر شرع في بيان الصّبر، والإرشاد إلى الاستعانة بالصّبر والصّلاة، فإنّ العبد إمّا أن يكون في نعمةٍ فيشكر عليها، أو في نقمةٍ فيصبر عليها؛ كما جاء في الحديث: «عجبًا للمؤمن. لا يقضي اللّه له قضاءً إلّا كان خيرًا له: إن أصابته سرّاء، فشكر، كان خيرًا له؛ وإن أصابته ضرّاء فصبر كان خيرًا له».
وبيّن تعالى أنّ أجود ما يستعان به على تحمّل المصائب الصّبر والصّلاة، كما تقدّم في قوله: {واستعينوا بالصّبر والصّلاة وإنّها لكبيرةٌ إلا على الخاشعين}[البقرة: 45]. وفي الحديث كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا حزبه أمرٌ صلّى. والصّبر صبران، فصبرٌ على ترك المحارم والمآثم وصبرٌ على فعل الطّاعات والقربات. والثّاني أكثر ثوابًا لأنّه المقصود. كما قال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: «الصّبر في بابين، الصّبر للّه بما أحبّ، وإن ثقل على الأنفس والأبدان، والصّبر للّه عمّا كره وإن نازعت إليه الأهواء. فمن كان هكذا، فهو من الصّابرين الّذين يسلّم عليهم، إن شاء اللّه».
وقال عليّ بن الحسين زين العابدين: «إذا جمع اللّه الأوّلين والآخرين ينادي منادٍ: أين الصّابرون ليدخلوا الجنّة قبل الحساب؟ قال: فيقوم عنق من النّاس، فتتلقّاهم الملائكة، فيقولون: إلى أين يا بني آدم؟ فيقولون: إلى الجنّة. فيقولون: وقبل الحساب؟ قالوا: نعم، قالوا: ومن أنتم؟ قالوا: الصّابرون، قالوا: وما كان صبركم؟ قالوا: صبرنا على طاعة اللّه، وصبرنا عن معصية اللّه، حتّى توفّانا اللّه. قالوا: أنتم كما قلتم، ادخلوا الجنّة، فنعم أجر العاملين».
قلت: ويشهد لهذا قوله تعالى: {إنّما يوفّى الصّابرون أجرهم بغير حسابٍ}[الزّمر: 10].
وقال سعيد بن جبيرٍ: «الصّبر اعتراف العبد للّه بما أصاب منه، واحتسابه عند اللّه رجاء ثوابه، وقد يجزع الرّجل وهو متجلّد لا يرى منه إلّا الصّبر»).[تفسير ابن كثير: 1/ 466]


تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ (154)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل اللّه أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون (154)}: بإضمار مكنيهم، أي: لا تقولوا هم أموات، فنهاهم اللّه أن يسمّوا من قتل في سبيل الله ميتاً, وأمرهم بأن يسموهم شهداء فقال:{بل أحياء عند ربّهم يرزقون}, فأعلمنا أن من قتل في سبيل اللّه حي.
فإن قال قائل: فما بالنا نرى جثة غير متصرفة؟, فإن دليل ذلك : مثل ما يراه الإنسان في منامه، وجثته غير متصرفة على قدر ما يرى ,واللّه عزّ وجلّ قد توفى نفسه في نومه , فقال تعالى:
{اللّه يتوفّى الأنفس حين موتها والّتي لم تمت في منامها}, وينتبه المنتبه من نومه , فيدركه الانتباه , وهو في بقية من ذلك، فهذا دليل أن أرواح الشهداء جائز أن تفارق أجسامهم، وهم عند اللّه أحياء، فالأمر فيمن قتل في سبيل الله لا يجب أن يقال له : ميت , لكن يقال له: شهيد , وهو عند الله حي.
وقد قيل فيها قول غير هذا , وهذا القول الذي ذكرته آنفا هو الذي أختاره, قالوا : معنى الأموات , أي: لا تقولوا هم أموات في دينهم، بل قولوا : إنهم أحياء في دينهم.
وقال أصحاب هذا القول: دليلنا والله أعلم - قوله: {أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في النّاس كمن مثله في الظّلمات ليس بخارج منها}, فجعل المهتدي حياً, وانّه حين كان على الضلالة كان ميتا، والقول الأول أشبه بالدين, وألصق بالتفسير.
قوله عزّ وجلّ: {ولنبلونكم بشي من الخوف والجوع}
اختلف النحويون في فتح هذه الواوي:
فقال سيبويه: إنها مفتوحة لالتقاء السّاكنين.
وقالّ غيره من أصحابه: أنها مبنية على الفتح، وقد قال سيبويه في لام يفعل؛ لأنها مع ذلك قد تبنى على الفتحة، فالذين قالوا من أصحابه إنها مبنية على الفتح غير خارجين من قول له,وكلا القولين جائز). [معاني القرآن: 1/229-230]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل اللّه أمواتٌ} الآية، سببها أن الناس قالوا فيمن قتل ببدر وأحد مات فلان ومات فلان، فكره الله أن تحط منزلة الشهداء إلى منزلة غيرهم، فنزلت هذه الآية، وأيضا:
فإن المؤمنين صعب عليهم فراق إخوانهم وقراباتهم فنزلت الآية مسلية لهم، تعظم منزلة الشهداء، وتخبر عن حقيقة حالهم، فصاروا مغبوطين لا محزونا لهم، ويبين ذلك من حديث أم حارثة في السير، والفرق بين الشهيد وغيره إنما هو الرزق، وذلك أن الله تعالى فضلهم بدوام حالهم التي كانت في الدنيا فرزقهم.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك أن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تعلق من ثمر الجنة، وروي أنهم في قبة خضراء، وروي أنهم في قناديل من ذهب، إلى كثير من هذا، ولا محالة أنها أحوال لطوائف أو للجميع في أوقات متغايرة، وجمهور العلماء على أنهم في الجنة، ويؤيده قول النبي صلى الله عليه وسلم لأم حارثة: «إنه في الفردوس»، وقال مجاهد: «هم خارج الجنة ويعلقون من شجرها»، وأمواتٌ رفع بإضمار الابتداء والتقدير هم أموات، ولا يجوز إعمال القول فيه لأنه ليس بينه وبينه تناسب كما يصح في قولك قلت كلاما وحجة.
وقوله ولكن لا تشعرون أي قبل أن نشعركم). [المحرر الوجيز: 1/ 385-386]

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله تعالى: {ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل اللّه أمواتٌ بل أحياءٌ} يخبر تعالى أنّ الشّهداء في برزخهم أحياءٌ يرزقون، كما جاء في صحيح مسلمٍ: «إنّ أرواح الشّهداء في حواصل طيرٍ خضرٍ تسرح في الجنّة حيث شاءت ثمّ تأوي إلى قناديل معلّقة تحت العرش، فاطّلع عليهم ربّك اطّلاعة، فقال: ماذا تبغون؟ فقالوا: يا ربّنا، وأيّ شيءٍ نبغي، وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدًا من خلقك؟ ثمّ عاد إليهم بمثل هذا، فلمّا رأوا أنّهم لا يتركون من أن يسألوا، قالوا: نريد أن تردّنا إلى الدّار الدّنيا، فنقاتل في سبيلك، حتّى نقتل فيك مرّةً أخرى؛ لما يرون من ثواب الشّهادة -فيقول الرّبّ جلّ جلاله: إنّي كتبت أنّهم إليها لا يرجعون».
وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد، عن الإمام الشّافعيّ، عن الإمام مالكٍ، عن الزّهريّ، عن عبد الرّحمن بن كعب بن مالكٍ، عن أبيه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «نسمة المؤمن طائرٌ تعلق في شجر الجنّة، حتّى يرجعه اللّه إلى جسده يوم يبعثه».
ففيه دلالةٌ لعموم المؤمنين أيضًا، وإن كان الشّهداء قد خصّصوا بالذّكر في القرآن، تشريفًا لهم وتكريمًا وتعظيمًا). [تفسير ابن كثير: 1/ 466-467]

تفسير قوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) }
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ولنبلونّكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثّمرات وبشّر الصّابرين (155)}
ولم يقل بأشياء، فإنما جاء على الاختصار، والمعنى يدل على أنّه , وشيء من الخوف , وشيء من الجوع , وشيء من نقص الأموال والأنفس، وإنما جعل الله هذا لابتلاء ؛ لأنه أدعى لمن جاء بعد الصحابة , ومن كان في عصر صلى الله عليه وسلم إلى أتباعهم ؛ لأنهم يعلمون أنه لا يصبر على هذه الأشياء إلا من قد وضح له الحق , وبان له البرهان، -واللّه عزّ وجلّ يعطيهم ما ينالهم من المصائب في العاجل والآجل، وما هو أهم نفعاً لهم , فجمع بهذا الدلالة على البصيرة , وجوز الثواب للصابرين على ذلك الابتلاء , فقال عزّ وجلّ:
{وبشّر الصّابرين}: بالصلاة عليهم من ربّهم , والرحمة, وبأنهم المهتدون). [معاني القرآن: 1/231]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ولنبلونّكم} الآية، أمر تعالى بالاستعانة بالصبر وأخبر أنه مع الصابرين، ثم اقتضت الآية بعدها من فضل الشهداء ما يقوي الصبر عليهم ويخفف المصيبة، ثم جاء بعد ذلك من هذه الأمور التي لا تتلقى إلا بالصبر أشياء تعلم أن الدنيا دار بلاء ومحن، أي فلا تنكروا فراق الإخوان والقرابة، ثم وعد الصابرين أجرا، وقال عطاء والجمهور: «إن الخطاب في هذه الآية لأمة محمد صلى الله عليه وسلم»، وقيل: الخطاب لقريش وحل ذلك بهم فهي آية للنبي صلى الله عليه وسلم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «والأول أظهر»، {ولنبلونّكم بشيءٍ} معناه لنمتحننكم، وحركت الواو لالتقاء الساكنين، وقيل: الفعل مبني وهو مع النون الثقيلة بمنزلة خمسة عشر، والخوف يعني من الأعداء في الحروب، والجوع الجدب والسنة، وأما الحاجة إلى الأكل فإنما اسمها الغرث، وقد استعمل فيه المحدثون الجوع اتساعا، ونقص الأموال: بالجوائح والمصائب، والأنفس: بالموت والقتل، والثّمرات: بالعاهات ونزع البركة، فالمراد بشيء من هذا وشيء من هذا فاكتفى بالأول إيجازا ولذلك وحد، وقرأ الضحاك بأشياء على الجمع، والمعنى قريب بعضه من بعض، وقال بعض العلماء: إنما المراد في هذه الآية مؤن الجهاد وكلفه، فالخوف من العدو والجوع به وبالأسفار إليه ونقص الأموال بالنفقات فيه والأنفس بالقتل والثمرات بإصابة العدو لها أو بالغفلة عنها بسبب الجهاد).[المحرر الوجيز: 1/ 386-387]

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {ولنبلونّكم بشيءٍ من الخوف والجوع ونقصٍ من الأموال والأنفس والثّمرات وبشّر الصّابرين (155) الّذين إذا أصابتهم مصيبةٌ قالوا إنّا للّه وإنّا إليه راجعون (156) أولئك عليهم صلواتٌ من ربّهم ورحمةٌ وأولئك هم المهتدون (157)}
أخبر تعالى أنّه يبتلي عباده المؤمنين أي: يختبرهم ويمتحنهم، كما قال تعالى: {ولنبلونّكم حتّى نعلم المجاهدين منكم والصّابرين ونبلو أخباركم}[محمّدٍ: 31] فتارةً بالسّرّاء، وتارةً بالضّرّاء من خوفٍ وجوعٍ، كما قال تعالى: {فأذاقها اللّه لباس الجوع والخوف}[النّحل: 112] فإنّ الجائع والخائف كلٌّ منهما يظهر ذلك عليه؛ ولهذا قال: لباس الجوع والخوف. وقال هاهنا: {بشيءٍ من الخوف والجوع} أي: بقليلٍ من ذلك {ونقصٍ من الأموال} أي: ذهاب بعضها {والأنفس} كموت الأصحاب والأقارب والأحباب {والثّمرات} أي: لا تغلّ الحدائق والمزارع كعادتها. كما قال بعض السّلف: فكانت بعض النّخيل لا تثمر غير واحدةٍ. وكلّ هذا وأمثاله ممّا يختبر اللّه به عباده، فمن صبر أثابه اللّه ومن قنط أحلّ اللّه به عقابه. ولهذا قال: {وبشّر الصّابرين}
وقد حكى بعض المفسّرين أنّ المراد من الخوف هاهنا: خوف اللّه، وبالجوع: صيام رمضان، ونقص الأموال: الزّكاة، والأنفس: الأمراض، والثّمرات: الأولاد. وفي هذا نظرٌ، واللّه أعلم). [تفسير ابن كثير: 1/467]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (فقال عزّ وجلّ: {الّذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنّا للّه وإنّا إليه راجعون}, أي: نحن وأموالنا للّه , ونحن عبيده يصنع بنا ما شاء، وفي ذلك صلاح لنا وخير.
{وإنّا إليه راجعون}أي: نحن مصدقون بأنا نبعث , ونعطي الثواب على تصديقنا، والصبر على ما ابتلانا به).[معاني القرآن: 1/231]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم وصف تعالى الصابرين الذين بشرهم بقوله: {الّذين إذا أصابتهم مصيبةٌ}
الآية، وجعل هذه الكلمات ملجأ لذوي المصائب وعصمة للممتحنين لما جمعت من المعاني المباركة، وذلك توحيد الله والإقرار له بالعبودية والبعث من القبور واليقين بأن رجوع الأمر كله إليه كما هو له، وقال سعيد بن جبير: «لم يعط هذه الكلمات نبي قبل نبينا، ولو عرفها يعقوب لما قال يا أسفا على يوسف».
وروي أن مصباح رسول الله صلى الله عليه وسلم انطفأ ذات ليلة فقال: إنّا للّه وإنّا إليه راجعون، فقيل: أمصيبة هي يا رسول الله؟، فقال: «نعم كل ما آذى المؤمن فهي مصيبة» ). [المحرر الوجيز: 1/ 387-388]

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ بينّ تعالى من الصّابرون الّذين شكرهم، قال: {الّذين إذا أصابتهم مصيبةٌ قالوا إنّا للّه وإنّا إليه راجعون} أي: تسلّوا بقولهم هذا عمّا أصابهم، وعلموا أنّهم ملك لله يتصرف في عبيده بما يشاء، وعلموا أنّه لا يضيع لديه مثقال ذرّة يوم القيامة، فأحدث لهم ذلك اعترافهم بأنّهم عبيده، وأنّهم إليه راجعون في الدّار الآخرة. ولهذا أخبر تعالى عمّا أعطاهم على ذلك فقال: {أولئك عليهم صلواتٌ من ربّهم} أي: ثناءٌ من اللّه عليهم ورحمةٌ.
قال سعيد بن جبيرٍ: «أي أمنةٌ من العذاب»{وأولئك هم المهتدون} قال أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب: «نعم العدلان ونعمت العلاوة»{أولئك عليهم صلواتٌ من ربّهم ورحمةٌ} فهذان العدلان {وأولئك هم المهتدون} فهذه العلاوة، وهي ما توضع بين العدلين، وهي زيادةٌ في الحمل وكذلك هؤلاء، أعطوا ثوابهم وزيدوا أيضًا.
وقد ورد في ثواب الاسترجاع، وهو قول {إنّا للّه وإنّا إليه راجعون} عند المصائب أحاديث كثيرةٌ. فمن ذلك ما رواه الإمام أحمد:
حدّثنا يونس، حدّثنا ليثٌ -يعني ابن سعدٍ -عن يزيد بن عبد اللّه بن أسامة بن الهاد، عن عمرو بن أبي عمرو، عن المطّلب، عن أمّ سلمة قالت: «أتاني أبو سلمة يومًا من عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: «لقد سمعت من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قولًا سررت به. قال: «لا يصيب أحدًا من المسلمين مصيبةٌ فيسترجع عند مصيبته، ثمّ يقول: «اللّهمّ أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرًا منها، إلّا فعل ذلك به». قالت أمّ سلمة: «فحفظت ذلك منه، فلمّا توفّي أبو سلمة استرجعت وقلت: «اللّهمّ أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرًا منه، ثمّ رجعت إلى نفسي فقلت: «من أين لي خيرٌ من أبي سلمة؟ » فلمّا انقضت عدّتي استأذن عليّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم -وأنا أدبغ إهابًا لي -فغسلت يدي من القرظ وأذنت له، فوضعت له وسادة أدمٍ حشوها ليفٌ، فقعد عليها، فخطبني إلى نفسي، فلمّا فرغ من مقالته قلت: «يا رسول اللّه، ما بي ألّا يكون بك الرّغبة، ولكنّي امرأةٌ، فيّ غيرة شديدةٌ، فأخاف أن ترى منّي شيئًا يعذّبني اللّه به، وأنا امرأةٌ قد دخلت في السّنّ، وأنا ذات عيالٍ، فقال: «أمّا ما ذكرت من الغيرة فسوف يذهبها اللّه، عزّ وجلّ عنك. وأمّا ما ذكرت من السّن فقد أصابني مثل الذي أصابك، وأمّا ما ذكرت من العيال فإنّما عيالك عيالي». قالت: «فقد سلّمت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم». فتزوّجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت أمّ سلمة بعد: «أبدلني اللّه بأبي سلمة خيرًا منه، رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم».
وفي صحيح مسلمٍ، عنها أنّها قالت: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول: «ما من عبدٍ تصيبه مصيبةٌ فيقول:{إنّا للّه وإنّا إليه راجعون}اللّهمّ أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها، إلا آجره اللّه من مصيبته، وأخلف له خيرًا منها» قالت: فلمّا توفي أبو سلمة قلت كما أمرني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأخلف اللّه لي خيرًا منه: رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا يزيد، وعبّاد بن عبّادٍ قالا حدّثنا هشام بن أبي هشامٍ، حدّثنا عبّاد بن زيادٍ، عن أمّه، عن فاطمة ابنة الحسين، عن أبيها الحسين بن عليٍّ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «ما من مسلمٍ ولا مسلمة يصاب بمصيبةٍ فيذكرها وإن طال عهدها -وقال عبّادٌ: قدم عهدها -فيحدث لذلك استرجاعًا، إلّا جدّد اللّه له عند ذلك فأعطاه مثل أجرها يوم أصيب».
ورواه ابن ماجه في سننه، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن وكيع، عن هشام بن زيادٍ، عن أمّه، عن فاطمة بنت الحسين، عن أبيها الحسين.
وقد رواه إسماعيل بن علية، ويزيد بن هارون، عن هشام بن زيادٍ عن أبيه، كذا عن، فاطمة، عن أبيها.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا يحيى بن إسحاق السّالحينيّ، أخبرنا حمّاد بن سلمة، عن أبي سنانٍ قال: «دفنت ابنًا لي، فإنّي لفي القبر إذ أخذ بيدي أبو طلحة -يعني الخولانيّ -فأخرجني، وقال لي: ألا أبشّرك؟ قلت: بلى. قال: حدّثني الضّحّاك بن عبد الرّحمن بن عرزب، عن أبي موسى، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «قال اللّه:يا ملك الموت، قبضت ولد عبدي؟ قبضت قرّة عينه وثمرة فؤاده؟ قال نعم. قال: فما قال؟ قال: حمدك واسترجع، قال: ابنو له بيتًا في الجنّة، وسمّوه بيت الحمد».
ثمّ رواه عن عليّ بن إسحاق، عن عبد اللّه بن المبارك. فذكره. وهكذا رواه التّرمذيّ عن سويد بن نصرٍ، عن ابن المبارك، به. وقال: حسنٌ غريبٌ. واسم أبي سنانٍ: عيسى بن سنانٍ). [تفسير ابن كثير: 1/ 467-469]

تفسير قوله تعالى:{أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {أولئك عليهم صلوات من ربّهم ورحمة وأولئك هم المهتدون}
والصلاة في اللغة على ضربين:
1-أحدهما الركوع , والسجود،
2- والآخر: الرحمة ,والثناء , والدعاء,
فصلاة الناس على الميت إنما معناها: الدعاء , والثناء على الله صلاة،
والصلاة من اللّه عزّ وجلّ على أنبيائه, وعباده, معناها: الرحمة لهم، والثناء عليهم، وصلاتنا الركوع , والسجود كما وصفنا, والدعاء صلاة, قال الأعشى:
عليك مثل الذي صليت فاغتمضي= نوماً فإن لجنب المرء مضطجعا
ويروى مثل الذي صليت، فمن قال عليك مثل الذي صليت، فمعناه: أنه يأمرها بأن تدعو له مثل الذي دعا لها, أي: تعيد الدعاء له, ومن روى عليك مثل الذي صليت؛ فهو رد عليها.
كأنه قال عليك مثل دعائك، أن ينالك من الخير مثل الذي أردت لي بهذه , ودعوت به لي.
وقال الشاعر:
صلى على يحيى وأشياعه = ربّ كريم وشفيع مطاع
المعنى: عليه الرحمة من اللّه , والثناء الجميل.
وأصل هذا كله عندي من اللزوم, يقال: صلي, وأصلى, واصطلى، إذا لزم, ومن هذا ما يصلى في النار، أي أنه يلزم.
وقال أهل اللغة في الصلاة: هي من الصّلوين، وهما مكتنفاًذنب الناقة, وأول موصل الفخذ من الإنسان، وكأنهما في الحقيقة مكتنف العصعص, والأصل عندي القول الأول.
ألا ترى أن الاسم للصيام هو: الإمساك عن الطعام والشراب،
وأصل الصيام: الثبوت على الإمساك عن الطعام،
وكذلك الصلاة: إنما هي لزوم ما فرض اللّه، والصلاة من أعظم الفرض الذي أمر بلزومه,
وأما المصلي الذي يأتي في أثر السابق من الخيل , فهو مسمى من الصلوين لا محالة، وهما مكتنفاذنب الفرس، فكأنة يأتي مع ذلك المكان.
قال الشاعر في الصيام الذي هو ثبوت على القيام:
خيل صيام وخيل غير صائمة= تحت العجاج وخيل تعلك اللجما
وقوله تعالى: {وإنّا إليه راجعون}
الأكثرون في قوله:{إنّا للّه}, تفخيم الألف ولزوم الفتح, وقد قيل: وهو كثير في كلام العرب: إنّ اللّه بإمالة الألف إلى الكسر، وكان ذلك في هذا الحرف بكثرة الاستعمال، وزعم بعض النحويين أن النون كسرت، ولم يفهم ما قاله القوم, إنما الألف ممالة إلى الكسرة.
وزعم أن هذا مثل قولهم:" الحمد لله "، فهذا صواب , أعني : قولهم (إنّا للّه) بالكسر , وقولهم " الحمد لله من أعظم الخطأ، فكيف يكون ما هو صواب بإجماع كالخطأ).[معاني القرآن: 1/232-233]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {أولئك عليهم صلواتٌ من ربّهم ورحمةٌ} الآية، نعم من الله على الصابرين المسترجعين، وصلوات الله على عبده: عفوه ورحمته وبركته وتشريفه إياه في الدنيا والآخرة، وكرر الرحمة لما اختلف اللفظ تأكيدا، وهي من أعظم أجزاء الصلاة منه تعالى، وشهد لهم بالاهتداء.
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين قرأ هذه الآية: «نعم العدلان ونعم العلاوة» أراد بالعدلين الصلاة والرحمة وبالعلاوة الاهتداء). [المحرر الوجيز: 1/ 388]

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {أولئك عليهم صلواتٌ من ربّهم} أي: ثناءٌ من اللّه عليهم ورحمةٌ.
قال سعيد بن جبيرٍ: «أي أمنةٌ من العذاب»{وأولئك هم المهتدون} قال أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب: «نعم العدلان ونعمت العلاوة»{أولئك عليهم صلواتٌ من ربّهم ورحمةٌ} فهذان العدلان {وأولئك هم المهتدون} فهذه العلاوة، وهي ما توضع بين العدلين، وهي زيادةٌ في الحمل وكذلك هؤلاء، أعطوا ثوابهم وزيدوا أيضًا). [تفسير ابن كثير: 1/ 468] (م)

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {إنّ الصّفا والمروة من شعائر اللّه فمن حجّ البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطّوّف بهما ومن تطوّع خيرا فإنّ اللّه شاكر عليم}
الصفا في اللغة: الحجارة الصلبة الصلدة التي لا تنبت شيئا، وهو جمع , واحدته: ضفاة وصفا، مث:ل حصاة وحصى،
والمروة والمرو: الحجارة اللينة.
وهذان الموضعان من شعائر اللّه، أي: من أعلام متعبداته , وواحدة الشعائر : شعيرة، والشعائر كلى ما كان من موقف , أو مسعى, أوذبح.
وإنما قيل شعائر : لكل علم لما تعبد به؛ لأن قولهم شعرت به: علمته، فلهذا سمّيت الأعلام التي هي متعبّدات شعائر.
وقوله عزّ وجلّ: {فمن حجّ البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطّوّف بهما}
وإنما كان المسلمون اجتنبوا الطواف بينهما لأن الأوثان كانت قبل الإسلام منصوبة بينهما، فقيل إنّ نصب الأوثان بيتهما قبل الإسلام لا يوجب اجتنابهما؛ لأن البيت الحرام والمشاعر طهّرت بالإسلام من الأوثان وغيرها.
فأعلم اللّه عزّ وجلّ أن هذين من شعائره , وأنه لا جناح في الطواف بينهما , وأن من تطوع بذلك, فاللّه شاكر عليم.
والشكر من الله عزّ وجلّ: المجازاة والثناء الجميل، والحج والعمرة يكونان فرضا وتطوعا - والطواف بالبيت مجراه مجرى الصلاة إلا أنه يطوف بالبيت الحاجّ والمعتمر، وغير الحاجّ والمعتمر، ومعنى قولهم حججت في اللغة قصدت، وكل قاصد شيئا فقد حجّه، وكذلك كل قاصد شيئا فقد اعتمره، قال الشاعر:
يحج مأمومة في قعرها لجف... قاست الطبيب قذاها كالمغاريد
وقال الشاعر في قوله اعتمر أي قصد:
لقد سما ابن معمر حين اعتمر... مغزى بعيدا من بعيد وضبر
وقوله عزّ وجلّ: {فلا جناح عليه أن يطّوّف بهما}
أي: لا إثم عليه،
والجناح: أخذ من جنح إذا مال, وعدل عن القصد, وأصل ذلك من جناح الطائر، و{أن يطّوّف بهما}, فيه غير وجه:
يجوز: أن يطوّف, وأن يطوّف، وأن يطوف بهما، فمن قرأ: أن يطوّف بهما, أراد: أن يتطوف , فأدمغت التاء في الطاء لقرب المخرجين،
ومن قرأ: أن يطوّف بهما, فهو من طوّف إذا أكثرا التّطواف.
وفي قوله عزّ وجلّ: {ومن تطوّع خيراً}, وجهان:-
إن شئت قلت:{ومن تطوّع خيراً} على لفظ المضي , ومعناه: الاستقبال؛ لأن الكلام شرط وجزاء, فلفظ الماضي فيه يؤول إلى معنى الاستقبال,
ومن قرأ: يطّوّع, فالأصل يتطوع , فأدغمت التاء في الطاء, ولست تدغم حرفاً من حرف إلا قلبته إلى لفظ المدغم فيه).[معاني القرآن: 1/233-235]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {إنّ الصّفا والمروة من شعائر اللّه فمن حجّ البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطّوّف بهما ومن تطوّع خيراً فإنّ اللّه شاكرٌ عليمٌ (158) إنّ الّذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات والهدى من بعد ما بيّنّاه للنّاس في الكتاب أولئك يلعنهم اللّه ويلعنهم اللاّعنون (159) إلاّ الّذين تابوا وأصلحوا وبيّنوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التّوّاب الرّحيم (160)}
الصّفا والمروة: جبيلان بمكة، والصّفا جمع صفاة، وقيل: هو اسم مفرد جمعه صفى وأصفاء، وهي الصخرة العظيمة، قال الراجز:
... ... ... ... ....... مواقع الطّير على الصّفى
وقيل: من شروط الصفا البياض والصلابة، والمروة واحدة المرو، وهي الحجارة الصغار التي فيها لين، ومنه قول الذي أصاب شاته الموت من الصحابة «فذكيتها بمروة»، ومنه قيل الأمين: «اخرجني إلى أخي فإن قتلني فمروة كسرت مروة، وصمصامة قطعت صمصامة»، وقد قيل في المرو: إنها الصلاب.
قال الشاعر:
وتولّى الأرض خفّا ذابلا ....... فإذا ما صادف المرو رضخ
والصحيح أن المرو الحجارة صليبها ورخوها الذي يتشظى وترق حاشيته، وفي هذا يقال المرو أكثر، وقد يقال في الصليب، وتأمل قول أبي ذؤيب:
حتى كأني للحوادث مروة ....... بصفا المشقر كل يوم تقرع
وجبيل الصّفا بمكة صليب، وجبيل المروة إلى اللين ماهق، فبذلك سميا، قال قوم: ذكر الصّفا لأن آدم وقف عليه، ووقفت حواء على المروة فانثت لذلك.
وقال الشعبي: «كان على الصفا صنم يدعى إسافا، وعلى المروة صنم يدعى نائلة»، فاطرد ذلك في التذكير والتأنيث وقدم المذكر، ومن شعائر اللّه معناه من معالمه ومواضع عبادته، وهي جمع شعيرة أو شعارة، وقال مجاهد: «ذلك راجع إلى القول»، أي مما أشعركم الله بفضله، مأخوذ من تشعرت إذا تحسست، وشعرت مأخوذ من الشعار وهو ما يلي الجسد من الثياب، والشعار مأخوذ من الشعر، ومن هذه اللفظة هو الشاعر، وحجّ معناه قصد وتكرر، ومنه قول الشاعر:
وأشهد من عوف حلولا كثيرة ....... يحجّون سبّ الزّبرقان المزعفرا
ومنه قول الآخر: يحج مأمومة في قعرها لجف واعتمر زار وتكرر مأخوذ من عمرت الموضع، وال جناح الإثم والميل عن الحق والطاعة، ومن اللفظة الجناح لأنه في شق، ومنه قيل للخبا جناح لتمايله وكونه كذي أجنحة، ومنه: {وإن جنحوا للسّلم فاجنح لها}[الأنفال: 61]، ويطّوّف أصله يتطوف سكنت التاء وأدغمت في الطاء.
وقرأ أبو السمال «أن يطاف» وأصله يطتوف تحركت الواو وانفتح ما قبلها فانقلبت ألفا فجاء يطتاف أدغمت التاء بعد الإسكان في الطاء على مذهب من أجاز إدغام الثاني في الأول، كما جاء في مدكر، ومن لم يجز ذلك قال قلبت التاء طاء ثم أدغمت الطاء في الطاء، وفي هذا نظر لأن الأصلي أدغم في الزائد وذلك ضعيف.
وروي عن ابن عباس وأنس بن مالك وشهر بن حوشب أنهم قرؤوا «أن لا يتطوف»، وكذلك في مصحف عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب «أن لا يطوف»، وقيل: «أن لا يطوف» بضم الطاء وسكون الواو.
وقوله تعالى: {إنّ الصّفا والمروة من شعائر اللّه} خبر يقتضي الأمر بما عهد من الطواف بهما.
وقوله: {فلا جناح} ليس المقصد منه إباحة الطواف لمن شاء، لأن ذلك بعد الأمر لا يستقيم، وإنما المقصد منه رفع ما وقع في نفوس قوم من العرب من أن الطواف بينهما فيه حرج، وإعلامهم أن ما وقع في نفوسهم غير صواب، واختلف في كيفية ذلك فروي أن الجن كانت تعرف وتطوف بينهما في الجاهلية
فكانت طائفة من تهامة لا تطوف بينهما في الجاهلية لذلك، فلما جاء الإسلام تحرجوا من الطواف.
وروي عن عائشة رضي الله عنها أن ذلك في الأنصار وذلك أنهم كانوا يهلون لمناة التي كانت بالمشلل حذو قديد ويعظمونها فكانوا لا يطوفون بين إساف ونائلة إجلالا لتلك، فلما جاء الإسلام تحرجوا فنزلت هذه الآية، وروي عن الشعبي أن العرب التي كانت تطوف هنالك كانت تعتقد ذلك السعي إجلالا لإساف ونائلة، وكان الساعي يتمسح بإساف فإذا بلغ المروة تمسح بنائلة وكذلك حتى تتم أشواطه، فلما جاء الإسلام كرهوا السعي هنالك إذ كان بسبب الصنمين.
واختلف العلماء في السعى بين الصفا والمروة فمذهب مالك والشافعي أن ذلك فرض ركن من أركان الحج لا يجزي تاركه أو ناسيه إلا العودة، ومذهب الثوري وأصحاب الرأي أن الدم يجزىء تاركه وإن عاد فحسن، فهو عندهم ندب، وروي عن أبي حنيفة: إن ترك أكثر من ثلاثة أشواط فعليه دم، وإن ترك ثلاثة فأقل فعليه لكل شوط إطعام مسكين، وقال عطاء: «ليس على تاركه شيء لا دم ولا غيره»، واحتج عطاء بما في مصحف ابن مسعود «أن لا يطوف بهما» وهي قراءة خالفت مصاحف الإسلام، وقد أنكرتها عائشة رضي الله عنها في قولها لعروة حين قال لها: «أرأيت قول الله: فلا جناح عليه أن يطّوّف بهما؟ فما نرى على أحد شيئا ألا يطوف بهما» قالت: «يا عروة كلا لو كان ذلك لقال: فلا جناح عليه ألا يطوف بهما».
وأيضا فإن ما في مصحف ابن مسعود يرجع إلى معنى أن يطوف وتكون «لا» زائدة صلة في الكلام، كقوله:{ما منعك ألّا تسجد}[الأعراف: 12]، وكقول الشاعر:
ما كان يرضى رسول الله فعلهم ....... والطّيبان أبو بكر ولا عمر
أي وعمر
وكقول الآخر:
وما ألوم البيض أن لا تسخرا ....... ... ... ... ...
ومذهب مالك وأصحابه في العمرة أنها سنة إلا ابن حبيب فإنه قال بوجوبها.
وقرأ قوم من السبعة وغيرهم «ومن يطوع» بالياء من تحت على الاستقبال والشرط، والجواب في قوله فإنّ، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم «تطوع» على بابه في المضي، ف من على هذه القراءة بمعنى الذي، ودخلت الفاء في قوله فإنّ للإبهام الذي في من، حكاه مكي، وقال أبو علي: يحتمل «تطوع» أن يكون في موضع جزم ومن شرطية، ويحتمل أن تكون من بمعنى الذي والفعل صلة لا موضع له من الإعراب، والفاء مؤذنة أن الثاني وجب لوجوب الأول، ومن قال بوجوب السعي قال: معنى تطوّع أي زاد برا بعد الواجب، فجعله عاما في الأعمال، وقال بعضهم: معناه من تطوع بحج أو عمرة بعد حجة الفريضة، ومن لم يوجب السعي قال: المعنى من تطوع بالسعي بينهما، وفي قراءة ابن مسعود «فمن تطوع بخير»، ومعنى شاكرٌ أي يبذل الثواب والجزاء، عليمٌ بالنيات والأعمال لا يضيع معه لعامل بر ولا غيره عمل). [المحرر الوجيز: 1/ 388-394]

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {إنّ الصّفا والمروة من شعائر اللّه فمن حجّ البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطّوّف بهما ومن تطوّع خيرًا فإنّ اللّه شاكرٌ عليمٌ (158)}
قال الإمام أحمد: حدّثنا سليمان بن داود الهاشميّ، أخبرنا إبراهيم بن سعدٍ، عن الزّهريّ، عن عروة، عن عائشة قالت: «قلت: أرأيت قول الله تعالى: {إنّ الصّفا والمروة من شعائر اللّه فمن حجّ البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطّوّف بهما}» قلت: «فواللّه ما على أحدٍ جناحٌ أن لا يطّوف بهما؟ » فقالت عائشة: «بئسما قلت يا ابن أختي إنّها لو كانت على ما أوّلتها عليه كانت: فلا جناح عليه ألّا يطّوف بهما، ولكنّها إنّما أنزلت أنّ الأنصار كانوا قبل أن يسلموا كانوا يهلّون لمناة الطّاغية، التي كانوا يعبدونها عند المشلّل. وكان من أهلّ لها يتحرّج أن يطوّف بالصّفا والمروة، فسألوا عن ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقالوا: يا رسول اللّه، إنّا كنّا نتحرّج أن نطّوف بالصّفا والمروة في الجاهليّة. فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {إنّ الصّفا والمروة من شعائر اللّه}إلى قوله: {فلا جناح عليه أن يطّوّف بهما} قالت عائشة: ثمّ قد سنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الطّواف بهما، فليس لأحدٍ أن يدع الطّواف بهما». أخرجاه في الصّحيحين.
وفي روايةٍ عن الزّهريّ أنّه قال: «فحدّثت بهذا الحديث أبا بكر بن عبد الرّحمن بن الحارث بن هشامٍ، فقال: «إنّ هذا العلم، ما كنت سمعته، ولقد سمعت رجالًا من أهل العلم يقولون إنّ النّاس -إلّا من ذكرت عائشة -كانوا يقولون: إنّ طوافنا بين هذين الحجرين من أمر الجاهليّة. وقال آخرون من الأنصار: إنّما أمرنا بالطّواف بالبيت، ولم نؤمر بالطّواف بين الصّفا والمروة، فأنزل اللّه تعالى: {إنّ الصّفا والمروة من شعائر اللّه} قال أبو بكر بن عبد الرّحمن: «فلعلّها نزلت في هؤلاء وهؤلاء».
ورواه البخاريّ من حديث مالكٍ، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة بنحو ما تقدّم. ثمّ قال البخاريّ: حدّثنا محمّد بن يوسف، حدّثنا سفيان، عن عاصم بن سليمان قال: «سألت أنسًا عن الصّفا والمروة قال: كنّا نرى ذلك من أمر الجاهليّة، فلمّا جاء الإسلام أمسكنا عنهما، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {إنّ الصّفا والمروة من شعائر اللّه}».
وذكر القرطبيّ في تفسيره عن ابن عبّاسٍ قال: «كانت الشّياطين تفرّق بين الصّفا والمروة اللّيل كلّه، وكانت بينهما آلهةٌ، فلمّا جاء الإسلام سألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، عن الطّواف بينهما، فنزلت هذه الآية». وقال الشّعبيّ: «كان إسافٌ على الصّفا، وكانت نائلة على المروة، وكانوا يستلمونهما فتحرّجوا بعد الإسلام من الطّواف بينهما، فنزلت هذه الآية». قلت: وذكر ابن إسحاق في كتاب السّيرة أنّ إسافًا ونائلة كانا بشرين، فزنيا داخل الكعبة فمسخا حجرين فنصبتهما قريش تجاه الكعبة ليعتبر بهما النّاس، فلمّا طال عهدهما عبدا، ثمّ حوّلا إلى الصّفا والمروة، فنصبا هنالك، فكان من طاف بالصّفا والمروة يستلمهما، ولهذا يقول أبو طالبٍ، في قصيدته المشهورة:
وحيث ينيخ الأشعرون ركابهم ....... بمفضى السّيول من إساف ونائل
وفي صحيح مسلمٍ من حديث جابرٍ الطويل، وفيه:أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم لما فرغ من طوافه بالبيت، عاد إلى الرّكن فاستلمه، ثمّ خرج من باب الصّفا، وهو يقول: {إنّ الصّفا والمروة من شعائر اللّه} ثمّ قال: «أبدأ بما بدأ اللّه به». وفي رواية النّسائيّ:«ابدؤوا بما بدأ اللّه به».
وقال الإمام أحمد: حدّثنا شريحٌ، حدّثنا عبد اللّه بن المؤمّل، عن عطاء بن أبي رباحٍ، عن صفيّة بنت شيبة، عن حبيبة بنت أبي تجراة قالت: «رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يطوف بين الصّفا والمروة، والنّاس بين يديه، وهو وراءهم، وهو يسعى حتّى أرى ركبتيه من شدّة السّعي يدور به إزاره، وهو يقول: «اسعوا، فإنّ اللّه كتب عليكم السّعي».
ثمّ رواه الإمام أحمد، عن عبد الرّزّاق، أخبرنا معمر، عن واصلٍ -مولى أبي عيينة -عن موسى بن عبيدة عن صفيّة بنت شيبة، أنّ امرأةً أخبرتها أنّها سمعت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بين الصّفا والمروة يقول: «كتب عليكم السّعي، فاسعوا».
وقد استدلّ بهذا الحديث على مذهب من يرى أنّ السّعي بين الصّفا والمروة ركنٌ في الحجّ، كما هو مذهب الشّافعيّ، ومن وافقه وروايةً عن أحمد وهو المشهور عن مالكٍ. وقيل: إنّه واجبٌ، وليس بركنٍ فإن تركه عمدًا أو سهوًا جبره بدمٍ وهو روايةٌ عن أحمد وبه تقول طائفةٌ وقيل: بل مستحبٌّ، وإليه ذهب أبو حنيفة والثّوريّ والشّعبيّ وابن سيرين، وروي عن أنسٍ وابن عمر وابن عبّاسٍ، وحكي عن مالكٍ في العتبيّة، قال القرطبيّ: واحتجّوا بقوله: {فمن تطوّع خيرًا}. وقيل: بل مستحبٌّ. والقول الأوّل أرجح، لأنّه عليه السّلام طاف بينهما، وقال: «لتأخذوا عنّي مناسككم». فكلّ ما فعله في حجته تلك واجبٌ لا بدّ من فعله في الحجّ، إلّا ما خرج بدليلٍ، واللّه أعلم وقد تقدّم قوله عليه السّلام: «اسعوا فإنّ اللّه كتب عليكم السّعي».
فقد بيّن اللّه-تعالى -أنّ الطّواف بين الصّفا والمروة من شعائر اللّه، أي: ممّا شرع اللّه تعالى لإبراهيم الخليل في مناسك الحجّ، وقد تقدّم في حديث ابن عبّاسٍ أنّ أصل ذلك مأخوذٌ من تطواف هاجر وتردادها بين الصّفا والمروة في طلب الماء لولدها، لمّا نفد ماؤها وزادها، حين تركهما إبراهيم -عليه السّلام -هنالك ليس عندهما أحدٌ من النّاس، فلمّا خافت الضّيعة على ولدها هنالك، ونفد ما عندها قامت تطلب الغوث من اللّه، عزّ وجلّ، فلم تزل تردّد في هذه البقعة المشرّفة بين الصّفا والمروة متذلّلةً خائفةً وجلةً مضطرّةً فقيرةً إلى اللّه، عزّ وجلّ، حتّى كشف اللّه كربتها، وآنس غربتها، وفرّج شدّتها، وأنبع لها زمزم التي ماؤها طعام طعمٍ، وشفاء سقمٍ، فالسّاعي بينهما ينبغي له أن يستحضر فقره وذلّه وحاجته إلى اللّه في هداية قلبه وصلاح حاله وغفران ذنبه، وأن يلتجئ إلى الله، عزّ وجلّ، ليزيح ما هو به من النّقائص والعيوب، وأن يهديه إلى الصّراط المستقيم وأن يثبّته عليه إلى مماته، وأن يحوّله من حاله الذي هو عليه من الذّنوب والمعاصي، إلى حال الكمال والغفران والسّداد والاستقامة، كما فعل بهاجر -عليها السّلام.
وقوله: {فمن تطوّع خيرًا} قيل: زاد في طوافه بينهما على قدر الواجب ثامنةً وتاسعةً ونحو ذلك. وقيل: يطوف بينهما في حجّة تطوّعٍ، أو عمرة تطوّعٍ. وقيل: المراد تطوّع خيرًا في سائر العبادات. حكى ذلك فخر الدّين الرّازيّ، وعزى الثّالث إلى الحسن البصريّ، واللّه أعلم. وقوله: {فإنّ اللّه شاكرٌ عليمٌ} أي: يثيب على القليل بالكثير {عليمٌ} بقدر الجزاء فلا يبخس أحدًا ثوابه و{لا يظلم مثقال ذرّةٍ وإن تك حسنةً يضاعفها ويؤت من لدنه أجرًا عظيمًا}[النّساء: 40] ). [تفسير ابن كثير: 1/ 469-472]




* للاستزادة ينظر: هنا