17 Sep 2014
تفسير
قول الله تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ
الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163) إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي
الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ
مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا
مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ
بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164)}
تفسير قوله تعالى:{وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإلهكم إله واحد لا إله إلّا هو الرّحمن الرّحيم}
أخبر عزّ وجلّ بوحدانيته , ثم أخبر بالاحتجاج في الدلالة على أنه واحد , فقال:{إنّ في خلق السّماوات والأرض واختلاف اللّيل والنّهار والفلك الّتي تجري في البحر بما ينفع النّاس وما أنزل اللّه من السّماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبثّ فيها من كلّ دابّة وتصريف الرّياح والسّحاب المسخّر بين السّماء والأرض لآيات لقوم يعقلون}). [معاني القرآن: 1/237]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وإلهكم إلهٌ واحدٌ لا إله إلّا هو}
الآية، إعلام بالوحدانية، وواحدٌ في صفة الله تعالى معناه نفي المثيل
والنظير والند، وقال أبو المعالي: هو نفي التبعيض والانقسام، وقال عطاء: «لما نزلت هذه الآية بالمدينة قال كفار قريش بمكة: ما الدليل على هذا؟ وما آيته وعلامته؟» وقال سعيد بن المسيب: «قالوا:
إن كان هذا يا محمد فائتنا بآية من عنده تكون علامة الصدق، حتى قالوا:
اجعل لنا الصفا ذهبا، فقيل لهم: ذلك لكم، ولكن إن كفرتم بعد ذلك عذبتم،
فأشفق رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «دعني أدعهم يوما بيوم»، فنزل عند ذلك قوله تعالى: {إنّ في خلق السّماوات والأرض}»الآية). [المحرر الوجيز: 1/ 397] (م) تفسير
قوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ
اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا
يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ
فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ
دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ
السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164)} قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ( {إنّ
في خلق السّماوات والأرض واختلاف اللّيل والنّهار والفلك الّتي تجري في
البحر بما ينفع النّاس وما أنزل اللّه من السّماء من ماء فأحيا به الأرض
بعد موتها وبثّ فيها من كلّ دابّة وتصريف الرّياح والسّحاب المسخّر بين
السّماء والأرض لآيات لقوم يعقلون} فهذه
الآيات تدل على أنه واحد - عزّ وجلّ - فأما الآية في أمر السماء فمن أعظم
الآية لأنهها سقف بغير عمد، والآية في الأرض عظيمة فيما يرى من سهلها
وجبلها وبحارها. وما فيها من معادن الذهب والفضة والرصاص والحديد اللاتي لا
يمكن أحد أن ينشئ مثلها، وكذلك في تصريف الرياح، وتصريفها أنها تأتي من كل
أفق فتكون شمالا مرة وجنوبا مرة ودبورا مرة وصبا مرة، وتأتي لواقح للسحاب. فهذه الأشياء وجميع ما بث الله في الأرض دالة على أنه واحد. كما قال عزّ وجلّ: {وإلهكم إله واحد} - لا إله غيره لأنه لا يأتي آت بمثل هذه الآيات (إلا واحدا) ). [معاني القرآن: 1/237]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {وإلهكم إلهٌ واحدٌ لا إله إلا هو الرّحمن الرّحيم (163)}
يخبر تعالى عن
تفرّده بالإلهيّة، وأنّه لا شريك له ولا عديل له، بل هو اللّه الواحد الأحد
الفرد الصّمد، الذي لا إله إلّا هو وأنّه الرّحمن الرّحيم. وقد تقدّم
تفسير هذين الاسمين في أوّل السّورة. وفي الحديث عن شهر بن حوشبٍ، عن أسماء
بنت يزيد بن السّكن، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: «اسم اللّه الأعظم في هاتين الآيتين: {وإلهكم إلهٌ واحدٌ لا إله إلا هو الرّحمن الرّحيم} و {الم * اللّه لا إله إلا هو الحيّ القيّوم}[آل عمران: 1، 2]»). [تفسير ابن كثير: 1/ 474]
بها العين والأرآم يمسين خلفة ....... وأطلاؤها ينهضن من كلّ مجثم
وقال الآخر:
ولها بالماطرون إذا ....... أكل النّمل الذي جمعا
خلفة حتّى إذا ارتبعت ....... سكنت من جلّق بيعا
ويحتمل أيضا الاختلاف في هذه الآية أن يراد به اختلاف الأوصاف، واللّيل جمع ليلة وتجمع
ليالي، وزيدت فيها
الياء كما زيدت في كراهية وفراهية، والنّهار يجمع نهرا وأنهرة، وهو من
طلوع الفجر إلى غروب الشمس، يقضي بذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لعدي
بن حاتم: «إنما هو بياض النهار وسواد الليل»، وهذا هو مقتضى الفقه في الإيمان ونحوها، فأما على ظاهر اللغة وأخذه من السعة فهو من وقت الإسفار إذا اتسع وقت النهار كما قال:
ملكت بها كفي فأنهرت فتقها ....... يرى قائم من دونها ما وراءها
وقال الزجاج في كتاب الأنواء: «أول النهار ذرور الشمس» قال: «وزعم النضر بن شميل أن أول النهار ابتداء طلوع الشمس ولا يعد ما قبل ذلك من النهار».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وقول النبي صلى الله عليه وسلم هو الحكم، والفلك السفن»،
وإفراده وجمعه بلفظ واحد، وليست الحركات تلك بأعيانها، بل كأنه بني الجمع
بناء آخر، يدل على ذلك توسط التثنية في قولهم فلكان، والفلك المفرد مذكر،
قال الله تعالى: {في الفلك المشحون} [الشعراء: 119].
{وما ينفع الناس}
هي التجارات وسائر المآرب التي يركب لها البحر من غزو وحج، والنعمة بالفلك
هي إذا انتفع بها، فلذلك خص ذكر الانتفاع إذ قد تجري بما يضر، {وما أنزل اللّه من السّماء من ماءٍ} يعني به الأمطار التي بها إنعاش العالم وإخراج النبات والأرزاق، {وبثّ} معناه فرق وبسط، {ودابّةٍ} تجمع الحيوان كله، وقد أخرج بعض الناس الطير من الدواب، وهذا مردود، وقال الأعشى:
... ... ... ... ....... دبيب قطا البطحاء في كلّ منهل
وقال علقمة بن عبدة:
... ... ... ... ....... صواعقها لطيرهنّ دبيب
{وتصريف الرّياح}
إرسالها عقيما ومقحة وصرا ونصرا وهلاكا، ومنه إرسالها جنوبا وشمالا وغير
ذلك، والرّياح جمع ريح، وجاءت في القرآن مجموعة مع الرحمة مفردة مع العذاب،
إلا في يونس في قوله تعالى: {وجرين بهم بريحٍ طيّبةٍ}[يونس: 22]، وهذا أغلب وقوعها في الكلام، وفي الحديث: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا هبت الريح يقول: اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وذلك لأن ريح العذاب شديدة ملتئمة الأجزاء كأنها جسم واحد، وريح الرحمة لينة متقطعة فلذلك هي رياح وهو معنى {نشرا} »،
وأفردت مع الفلك لأن ريح إجراء السفن إنما هي واحدة متصلة، ثم وصفت بالطيب
فزال الاشتراك بينها وبين ريح العذاب، وهي لفظة من ذوات الواو، يقال ريح
وأرواح، ولا يقال أرياح، وإنما قيل رياح من جهة الكسرة وطلب تناسب الياء
معها، وقد لحن في هذه اللفظة عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير، فاستعمل
الأرياح في شعره ولحن في ذلك، وقال له أبو حاتم: «إن الأرياح لا تجوز»، فقال: «أما تسمع قولهم رياح؟»، فقال أبو حاتم: «هذا خلاف ذلك»، فقال: صدقت ورجع»، وأما القراء السبعة فاختلفوا فقرأ نافع الرّياح في اثني عشر موضعا: هنا وفي الأعراف {يرسل الرّياح}[الآية: 57]، وفي إبراهيم {اشتدت به الرياح}[الآية: 8]، {وفي الحجر الرّياح لواقح}[الآية: 22]، وفي الكهف {تذروه الرّياح}، وفي الفرقان {أرسل الرّياح}[الآية: 22]، وفي النمل {ومن يرسل الرّياح }[الآية: 63]، وفي الروم} [الآيتان: 46، 48] في موضعين، وفي فاطر [الآية: 9] وفي الجاثية [الآية: 5] وفي حم عسق {يسكن الرياح} [الآية: 33]، وقرأ أبو عمرو وعاصم وابن عامر موضعين من هذه بالإفراد:
في إبراهيم وفي حم
عسق، وقرؤوا سائرها كقراءة نافع، وقرأ ابن كثير بالجمع في خمسة مواضع: هنا
وفي الحجر وفي الكهف وفي الروم الحرف الأول وفي الجاثية وتصريف الرّياح
وباقي ما في القرآن بالإفراد، وقرأ حمزة بالجمع في موضعين: في الفرقان وفي
الروم الحرف الأول وأفرد سائر ما في القرآن، وقرأ الكسائي كحمزة وزاد عليه
في الحجر الرّياح لواقح [الآية: 22]،
ولم يختلفوا في توحيد ما ليس فيه ألف ولام، والسّحاب جمع سحابة، سمي بذلك
لأنه ينسحب، كما قالوا حبا لأنه يحبو، قاله أبو علي الفارسي، وتسخيره بعثه
من مكان إلى آخر، فهذه آيات أن الصانع موجود. والدليل العقلي يقوم أن
الصانع للعالم لا يمكن أن يكون إلا واحدا لجواز اختلاف الاثنين فصاعدا).[المحرر الوجيز: 1/ 397-401]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {إنّ
في خلق السّماوات والأرض واختلاف اللّيل والنّهار والفلك الّتي تجري في
البحر بما ينفع النّاس وما أنزل اللّه من السّماء من ماءٍ فأحيا به الأرض
بعد موتها وبثّ فيها من كلّ دابّةٍ وتصريف الرّياح والسّحاب المسخّر بين
السّماء والأرض لآياتٍ لقومٍ يعقلون (164)}
ثمّ ذكر الدّليل
على تفرّده بالإلهيّة بتفرده بخلق السموات والأرض وما فيهما، وما بين ذلك
ممّا ذرأ وبرأ من المخلوقات الدّالّة على وحدانيّته، فقال: {إنّ
في خلق السّماوات والأرض واختلاف اللّيل والنّهار والفلك الّتي تجري في
البحر بما ينفع النّاس وما أنزل اللّه من السّماء من ماءٍ فأحيا به الأرض
بعد موتها وبثّ فيها من كلّ دابّةٍ وتصريف الرّياح والسّحاب المسخّر بين
السّماء والأرض لآياتٍ لقومٍ يعقلون} يقول تعالى: {إنّ في خلق السّماوات والأرض}
تلك في لطافتها وارتفاعها واتّساعها وكواكبها السّيّارة والثّوابت ودوران
فلكها، وهذه الأرض في كثافتها وانخفاضها وجبالها وبحارها وقفارها ووهادها
وعمرانها وما فيها من المنافع {واختلاف اللّيل والنّهار} هذا يجيء ثمّ يذهب ويخلفه الآخر ويعقبه، لا يتأخّر عنه لحظةً، كما قال تعالى: {لا الشّمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا اللّيل سابق النّهار وكلٌّ في فلكٍ يسبحون}[يس: 40] وتارةً يطول هذا ويقصر هذا، وتارةً يأخذ هذا من هذا ثمّ يتقارضان، كما قال تعالى: {يولج اللّيل في النّهار ويولج النّهار في اللّيل}[الحجّ: 61] أي: يزيد من هذا في هذا، ومن هذا في هذا {والفلك الّتي تجري في البحر بما ينفع النّاس}
أي: في تسخير البحر لحمل السّفن من جانبٍ إلى جانبٍ لمعاش النّاس،
والانتفاع بما عند أهل ذلك الإقليم، ونقل هذا إلى هؤلاء وما عند أولئك إلى
هؤلاء {وما أنزل اللّه من السّماء من ماءٍ فأحيا به الأرض بعد موتها} كما قال تعالى: {وآيةٌ
لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبًّا فمنه يأكلون * وجعلنا فيها
جنّاتٍ من نخيلٍ وأعنابٍ وفجّرنا فيها من العيون * ليأكلوا من ثمره وما
عملته أيديهم أفلا يشكرون * سبحان الّذي خلق الأزواج كلّها ممّا تنبت الأرض
ومن أنفسهم وممّا لا يعلمون}[يس: 33-36]{وبثّ فيها من كلّ دابّةٍ} أي: على اختلاف أشكالها وألوانها ومنافعها وصغرها وكبرها، وهو يعلم ذلك كلّه ويرزقه لا يخفى عليه شيءٌ من ذلك، كما قال تعالى: {وما من دابّةٍ في الأرض إلا على اللّه رزقها ويعلم مستقرّها ومستودعها كلٌّ في كتابٍ مبينٍ}[هودٍ: 6]{وتصريف الرّياح}
أي: تارةً تأتي بالرّحمة وتارةً تأتي بالعذاب، تارةً تأتي مبشّرةً بين يدي
السّحاب، وتارةً تسوقه، وتارةً تجمّعه، وتارةً تفرّقه، وتارةً تصرّفه، ثمّ
تارةً تأتي من الجنوب وهي الشّاميّة، وتارةً تأتي من ناحية اليمن وتارةً
صبا، وهي الشّرقيّة التي تصدم وجه الكعبة، وتارةً دبورٌ وهي غربيّةٌ تفد من
ناحية دبر الكعبة والرّياح تسمّى كلّها بحسب مرورها على الكعبة. وقد صنّف
النّاس في الرّياح والمطر والأنواء كتبًا كثيرةً فيما يتعلّق بلغاتها
وأحكامها، وبسط ذلك يطول هاهنا، واللّه أعلم. {والسّحاب المسخّر بين السّماء والأرض} أي: سائرٌ بين السّماء والأرض يسخّر إلى ما يشاء اللّه من الأراضي والأماكن، كما يصرّفه تعالى: {لآياتٍ لقومٍ يعقلون} أي: في هذه الأشياء دلالاتٌ بيّنةٌ على وحدانيّة اللّه تعالى، كما قال تعالى: {إنّ
في خلق السّماوات والأرض واختلاف اللّيل والنّهار لآياتٍ لأولي الألباب *
الّذين يذكرون اللّه قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم ويتفكّرون في خلق
السّماوات والأرض ربّنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النّار}[آل عمران: 190، 191].
وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه: أخبرنا محمّد بن أحمد بن إبراهيم، حدّثنا
أبو سعيدٍ الدّشتكيّ، حدّثني أبي، عن أبيه، عن أشعث بن إسحاق، عن جعفر بن
أبي المغيرة، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: «أتت
قريشٌ محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم فقالوا: يا محمّد إنّما نريد أن تدعو
ربّك أن يجعل لنا الصّفا ذهبًا، فنشتري به الخيل والسّلاح، فنؤمن بك
ونقاتل معك. قال: «أوثقوا لي لئن دعوت ربّي فجعل لكم الصّفا ذهبًا لتؤمننّ بي» فأوثقوا له، فدعا ربّه، فأتاه جبريل فقال: «إنّ ربّك قد أعطاهم الصّفا ذهبًا على أنّهم إن لم يؤمنوا بك عذّبهم عذابًا لم يعذّبه أحدًا من العالمين». قال محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم: «ربّ لا بل دعني وقومي فلأدعهم يومًا بيومٍ»فأنزل اللّه هذه الآية: {إنّ في خلق السّماوات والأرض واختلاف اللّيل والنّهار والفلك الّتي تجري في البحر بما ينفع النّاس} الآية».
ورواه ابن أبي حاتمٍ من وجهٍ آخر، عن جعفر بن أبي المغيرة، به. وزاد في آخره: «وكيف يسألونك عن الصّفا وهم يرون من الآيات ما هو أعظم من الصّفا».
وقال ابن أبي حاتمٍ أيضًا: حدّثنا أبي، حدّثنا أبو حذيفة، حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيح، عن عطاءٍ، قال: «نزلت على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بالمدينة: {وإلهكم إلهٌ واحدٌ لا إله إلا هو الرّحمن الرّحيم} فقال كفّار قريشٍ بمكّة: «كيف يسع النّاس إلهٌ واحدٌ؟ فأنزل اللّه تعالى: {إنّ في خلق السّماوات والأرض واختلاف اللّيل والنّهار والفلك الّتي تجري في البحر بما ينفع النّاس}إلى قوله: {لآياتٍ لقومٍ يعقلون}»
فبهذا يعلمون أنّه إلهٌ واحدٌ، وأنّه إله كلّ شيءٍ وخالق كلّ شيءٍ.
وقال وكيعٌ: حدّثنا سفيان، عن أبيه، عن أبي الضّحى قال: «لمّا نزلت:{وإلهكم إلهٌ واحدٌ}إلى آخر الآية، قال المشركون: «إن كان هكذا فليأتنا بآيةٍ». فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {إنّ في خلق السّماوات والأرض واختلاف اللّيل والنّهار}إلى قوله: {يعقلون}»
ورواه آدم بن أبي إياسٍ، عن أبي جعفرٍ -هو الرّازيّ -عن سعيد بن مسروقٍ، والد سفيان، عن أبي الضّحى، به). [تفسير ابن كثير: 1/ 474-476]
* للاستزادة ينظر: هنا