الدروس
course cover
تفسير سورة البقرة [من الآية (208) إلى الآية (210) ]
17 Sep 2014
17 Sep 2014

4300

0

0

course cover
تفسير سورة البقرة

القسم الخامس عشر

تفسير سورة البقرة [من الآية (208) إلى الآية (210) ]
17 Sep 2014
17 Sep 2014

17 Sep 2014

4300

0

0


0

0

0

0

0

تفسير قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (209) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (210)}




تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208)}

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {يا أيّها الّذين آمنوا ادخلوا في السّلم كافّة ولا تتّبعوا خطوات الشّيطان إنّه لكم عدوّ مبين}

{كافة} بمعنى: الجميع الإحاطة،

فيجوز أن يكون معناه: ادخلوا جميعا،

ويجوز أن يكون معناه: ادخلوا في السلم كله، أي: في جميع شرائعه، ويقال السلم والسلم -

{جميعا}، ويعني به: الإسلام والصلح، وفيه ثلاث لغات:

يقال: السّلم، والسّلم، والسّلم، وقد قرئ به:{ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام}.

ومعنى{كافة}في اشتقاق اللغة: ما يكف الشيء من آخره، من ذلك كفة القميص، يقال لحاشية القميص كفة، وكل مستطيل فحرفه كفه، ويقال في كل مستدير كفّه، وذلك نحو كفّة الميزان، ويقال إنّما سميت كفّة الثوب لأنها تمنعه أن ينتشر، وأصل الكف المنع، ومن هذا قيل لطرف اليد " كف " لأنها يكف بها عن سائر البدن، وهي الراحة مع الأصابع، ومن هذا قيل رجل مكفوف، أي قد كف بصره من أن ينظر

فمعنى الآية: ابلغوا في الإسلام إلى حيث تنتهي شرائعه، فكفوا من أن تعدوا شرائعه.

أو: ادخلوا كلكم حتى يكف عن عدد وأحد لم يدخل فيه.

وقيل في معنى الآية: أن قوما من اليهود أسلموا فأقاموا على تحريم السبت وتحريم أكل لحوم الإبل، فأمرهم اللّه عزّ وجلّ - أن يدخلوا في جميع شرائع الإسلام

وقال بعض أهل اللغة: جائز أن يكون أمرهم - وهم مؤمنون - أن يدخلوا في الإيمان، أي بأن يقيموا على الإيمان ويكونوا فيما يستقبلون عليه كما قال: {يا أيّها الّذين آمنوا آمنوا باللّه ورسوله والكتاب الّذي نزّل على رسوله والكتاب الّذي أنزل من قبل}، وكلا القولين جائز لأن الله عزّ وجلّ، قد أمر بالإقامة على الإسلام فقال: {ولا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون}.

وقوله عزّ وجلّ: {ولا تتبعوا خطوات الشيطان}أي: لا تقتفوا آثاره، لأنّ ترككم شيئا من شرائع الإسلام اتباع الشيطان.

{خطوات}جمع خطوة، وفيها ثلاث لغات:

خطوات، وخطوات، وخطوات، وقد بيّنّا العلة في هذا الجمع فيما سلف (من الكتاب) ). [معاني القرآن: 1/279-280]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم أمر تعالى المؤمنين بالدخول في السلم، وقرأ ابن كثير ونافع والكسائي «السلم» بفتح السين، وقرأ الباقون بكسرها في هذا الموضع، فقيل: هما بمعنى واحد، يقعان للإسلام وللمسالمة.
وقال أبو عمرو بن العلاء: «السّلم بكسر السين الإسلام، وبالفتح المسالمة»، وأنكر المبرد هذه التفرقة، ورجح الطبري حمل اللفظة على معنى الإسلام، لأن المؤمنين لم يؤمروا قط بالانتداب إلى الدخول في المسالمة، وإنما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم أن يجنح للسلم إذا جنحوا لها، وأما أن يبتدىء بها فلا.
واختلف بعد حمل اللفظ على الإسلام من المخاطب؟ فقالت فرقة: جميع المؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم، والمعنى أمرهم بالثبوت فيه والزيادة من التزام حدوده، ويستغرق كافّةً حينئذ المؤمنين وجميع أجزاء الشرع، فتكون الحال من شيئين، وذلك جائز، نحو قوله تعالى: فأتت به قومها تحمله [مريم: 27]، إلى غير ذلك من الأمثلة.
وقال عكرمة: «بل المخاطب من آمن بالنبي من بني إسرائيل كعبد الله بن سلام وغيره». وذلك أنهم ذهبوا إلى تعظيم يوم السبت وكرهوا لحم الجمل وأرادوا استعمال شيء من أحكام التوراة وخلط ذلك بالإسلام فنزلت هذه الآية فيهم، ف كافّةً على هذا لإجزاء الشرع فقط.
وقال ابن عباس: «نزلت الآية في أهل الكتاب»، والمعنى يا أيها الذين آمنوا بموسى وعيسى ادخلوا في الإسلام بمحمد كافة، ف كافّةً على هذا لإجزاء الشرع وللمخاطبين على من يرى السلم الإسلام، ومن يراها المسالمة يقول: أمرهم بالدخول في أن يعطوا الجزية، وكافّةً معناه جميعا، والمراد بالكافة الجماعة التي تكف مخالفها، وقيل: إن كافّةً نعت لمصدر محذوف، كأن الكلام: دخله كافة، فلما حذف المنعوت بقي النعت حالا، وتقدم القول في خطوات، والألف واللام في الشّيطان للجنس، وعدوٌّ يقع على الواحد والاثنين والجميع، ومبينٌ يحتمل أن يكون بمعنى أبان عداوته وأن يكون بمعنى بان في نفسه أنه عدو، لأن العرب تقول: بان الأمر وأبان بمعنى واحد). [المحرر الوجيز: 1/504-506]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({يا أيّها الّذين آمنوا ادخلوا في السّلم كافّةً ولا تتّبعوا خطوات الشّيطان إنّه لكم عدوٌّ مبينٌ (208) فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البيّنات فاعلموا أنّ اللّه عزيزٌ حكيمٌ (209)}
يقول تعالى آمرًا عباده المؤمنين به المصدّقين برسوله: أن يأخذوا بجميع عرى الإسلام وشرائعه، والعمل بجميع أوامره، وترك جميع زواجره ما استطاعوا من ذلك.
قال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ، ومجاهدٍ، وطاوسٍ، والضّحّاك، وعكرمة، وقتادة، والسّدّي، وابن زيدٍ، في قوله: {ادخلوا في السّلم} يعني: الإسلام.
وقال الضّحّاك، عن ابن عباس، وأبو العالية، والربيع بن أنس: {ادخلوا في السّلم} يعني: الطّاعة. وقال قتادة أيضًا: الموادعة.
وقوله: {كافّةً} قال ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، وأبو العالية، وعكرمة، والرّبيع، والسّدّيّ، ومقاتل بن حيّان، وقتادة والضّحّاك: جميعًا، وقال مجاهدٌ: أي اعملوا بجميع الأعمال ووجوه البرّ.
وزعم عكرمة أنّها نزلت في نفرٍ ممّن أسلم من اليهود وغيرهم، كعبد اللّه بن سلامٍ، وثعلبة وأسد بن عبيد وطائفةٍ استأذنوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في أن يسبتوا، وأن يقوموا بالتّوراة ليلًا. فأمرهم اللّه بإقامة شعائر الإسلام والاشتغال بها عمّا عداها. وفي ذكر عبد اللّه بن سلامٍ مع هؤلاء نظرٌ، إذ يبعد أن يستأذن في إقامة السّبت، وهو مع تمام إيمانه يتحقّق نسخه ورفعه وبطلانه، والتّعويض عنه بأعياد الإسلام.
ومن المفسّرين من يجعل قوله: {كافّةً} حالًا من الدّاخلين، أي: ادخلوا في الإسلام كلّكم. والصّحيح الأوّل، وهو أنّهم أمروا [كلّهم] أن يعملوا بجميع شعب الإيمان وشرائع الإسلام، وهي كثيرةٌ جدًّا ما استطاعوا منها. وقال ابن أبي حاتمٍ: أخبرنا عليّ بن الحسين، أخبرنا أحمد بن الصّبّاح، أخبرني الهيثم بن يمانٍ، حدّثنا إسماعيل بن زكريّا، حدّثني محمّد بن عونٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: {يا أيّها الّذين آمنوا ادخلوا في السّلم كافّةً} -كذا قرأها بالنّصب -يعني مؤمني أهل الكتاب، فإنّهم كانوا مع الإيمان باللّه مستمسكين ببعض أمر التّوراة والشّرائع التي أنزلت فيهم، فقال اللّه: {ادخلوا في السّلم كافّةً} يقول: ادخلوا في شرائع دين محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم ولا تدعوا منها شيئًا وحسبكم بالإيمان بالتّوراة وما فيها.
وقوله: {ولا تتّبعوا خطوات الشّيطان} أي: اعملوا الطّاعات، واجتنبوا ما يأمركم به الشّيطان فـ {إنّما يأمركم بالسّوء والفحشاء وأن تقولوا على اللّه ما لا تعلمون} [البقرة: 169]، و {إنّما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السّعير} [فاطرٍ: 6]؛ ولهذا قال: {إنّه لكم عدوٌّ مبينٌ} قال مطرّف: أغشّ عباد اللّه لعبيد اللّه الشّيطان). [تفسير ابن كثير: 1/565-566]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (209)}

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البيّنات فاعلموا أنّ اللّه عزيز حكيم}

يقال زل يزل زلا وزللا جميعا، ومزلّة، وزل - في الطين زليلا، ومعنى {زللتم} تنحيتم عن القصد والشرائع.

{فاعلموا أنّ اللّه عزيز حكيم}.

ومعنى {عزيز}: لا يعجزونه ولا يعجزه شيء.

ومعنى{حكيم}أي: حكيم فيما فطركم عليه، وفيما شرع لكم من دينه). [معاني القرآن: 1/280]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البيّنات فاعلموا أنّ اللّه عزيزٌ حكيمٌ (209) هل ينظرون إلاّ أن يأتيهم اللّه في ظللٍ من الغمام والملائكة وقضي الأمر وإلى اللّه ترجع الأمور (210) سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آيةٍ بيّنةٍ ومن يبدّل نعمة اللّه من بعد ما جاءته فإنّ اللّه شديد العقاب (211) زيّن للّذين كفروا الحياة الدّنيا ويسخرون من الّذين آمنوا والّذين اتّقوا فوقهم يوم القيامة واللّه يرزق من يشاء بغير حسابٍ (212)
قرأ جمهور الناس «زللتم» بفتح اللام، وقرأ أبو السمال «زللتم» بكسرها، وأصل الزلل في القدم ثم يستعمل في الاعتقادات والآراء وغير ذلك، والمعنى ضللتم وعجتم عن الحق، والبيّنات محمد وآياته ومعجزاته إذا كان الخطاب أولا لجماعة المؤمنين، وإذا كان الخطاب لأهل الكتابين، فالبينات ما ورد في شرائعهم من الإعلام بمحمد صلى الله عليه وسلم والتعريف به، وعزيزٌ صفة مقتضية أنه قادر عليكم لا تعجزونه، ولا تمتنعون منه، وحكيمٌ أي محكم فيما يعاقبكم به لزللكم.
وحكى النقاش أن كعب الأحبار لما أسلم كان يتعلم القرآن، فأقرأه الذي كان يعلمه: فاعلموا أن الله غفور رحيم، فقال كعب: إني لأستنكر أن يكون هكذا، ومر بهما رجل، فقال كعب: كيف تقرأ هذه الآية؟، فقرأ الرجل: فاعلموا أنّ اللّه عزيزٌ حكيمٌ، فقال كعب: هكذا ينبغي). [المحرر الوجيز: 1/506]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البيّنات} أي: عدلتم عن الحقّ بعد ما قامت عليكم الحجج، فاعلموا أنّ اللّه عزيزٌ [أي] في انتقامه، لا يفوته هاربٌ، ولا يغلبه غالبٌ. حكيمٌ في أحكامه ونقضه وإبرامه؛ ولهذا قال أبو العالية وقتادة والرّبيع بن أنسٍ: عزيزٌ في نقمته، حكيمٌ في أمره. وقال محمّد بن إسحاق: العزيز في نصره ممّن كفر به إذا شاء، الحكيم في عذره وحجّته إلى عباده). [تفسير ابن كثير: 1/566]

تفسير قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (210)}

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {هل ينظرون إلّا أن يأتيهم اللّه في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر وإلى اللّه ترجع الأمور}

قال أهل اللغة معناه: يأتيهم اللّه بما وعدهم من العذاب، والحساب كما قال: {فأتاهم اللّه من حيث لم يحتسبوا} أي: آتاهم بخذلانه إياهم.

و{ظلل} جمع ظلّة. و{الملائكة}تقرأ على وجهين:

بالضم والكسر.

فمن قرأ الملائكة بالرفع، فالمعنى ينظرون إلا أن يأتيهم اللّه والملائكة، والرفع هو الوجه المختار عند أهل اللغة في القراءة،

ومن قرأ والملائكة، فالمعنى هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام وظلل من الملائكة.

ومعنى {وقضي الأمر}أي: فرغ لهم ما كانوا يوعدون.

ومعنى{وإلى اللّه ترجع الأمور}

وترجع الأمور - يقرأان جميعا – تردّ فإن قال قائل أليست الأمور - الآن وفي كل وقت - راجعة إلى الله عزّ وجلّ، فالمعنى في هذا: الإعلام في أمر الحساب والثواب والعقاب، أي إليه تصيرون فيعذب من يشاء ويرحم من يشاء). [معاني القرآن: 1/280-281]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: هل ينظرون الآية، الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وهل من حروف الابتداء كأما، وينظرون معناه ينتظرون. والمراد هؤلاء الذين يزلون، والظلل جمع ظلة وهي ما أظل من فوق، وقرأ قتادة والضحاك «في ظلال»، وكذلك روى هارون بن حاتم عن أبي بكر عن عاصم هنا، وفي الحرفين في الزمر. وقال عكرمة: ظللٍ طاقات، وقرأ الحسن ويزيد بن القعقاع وأبو حيوة «والملائكة» بالخفض عطفا على الغمام، وقرأ جمهور الناس بالرفع عطفا على اللّه، والمعنى يأتيهم حكم الله وأمره ونهيه وعقابه إياهم، وذهب ابن جريج وغيره إلى أن هذا التوعد هو بما يقع في الدنيا.
وقال قوم: بل هو توعد بيوم القيامة، وقال قوم: قوله إلّا أن يأتيهم اللّه وعيد بيوم القيامة، وأما الملائكة فالوعيد هو بإتيانهم عند الموت، والغمام أرق السحاب وأصفاه وأحسنه، وهو الذي ظلل به بنو
وقال النقاش: «هو ضباب أبيض»، وفي قراءة ابن مسعود «إلا أن يأتيهم الله والملائكة في ظلل من الغمام»، وقضي الأمر معناه وقع الجزاء وعذب أهل العصيان، وقرأ معاذ بن جبل «وقضاء الأمر»، وقرأ يحيى بن يعمر «وقضى الأمور» بالجمع، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي «ترجع» على بناء الفعل للفاعل، وقرأ الباقون «ترجع» على بنائه للمفعول، وهي راجعة إليه تعالى قبل وبعد، وإنما نبه بذكر ذلك في يوم القيامة على زوال ما كان منها إلى الملوك في الدنيا). [المحرر الوجيز: 1/507]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({هل ينظرون إلا أن يأتيهم اللّه في ظللٍ من الغمام والملائكة وقضي الأمر وإلى اللّه ترجع الأمور (210)}
يقول تعالى مهدّدًا للكافرين بمحمّدٍ صلوات اللّه وسلامه عليه: {هل ينظرون إلا أن يأتيهم اللّه في ظللٍ من الغمام والملائكة} يعني: يوم القيامة، لفصل القضاء بين الأوّلين والآخرين، فيجزي كلّ عاملٍ بعمله، إن خيرًا فخيرٌ، وإن شرًّا فشرٌّ، ولهذا قال: {وقضي الأمر وإلى اللّه ترجع الأمور} كما قال: {كلا إذا دكّت الأرض دكًّا دكًّا* وجاء ربّك والملك صفًّا صفًّا* وجيء يومئذٍ بجهنّم يومئذٍ يتذكّر الإنسان وأنّى له الذّكرى} [الفجر: 21 -23]، وقال: {هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربّك أو يأتي بعض آيات ربّك يوم يأتي بعض آيات ربّك} الآية [الأنعام: 158].
وقد ذكر الإمام أبو جعفر بن جريرٍ هاهنا حديث الصّور بطوله من أوّله، عن أبي هريرة، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. وهو حديثٌ مشهورٌ ساقه غير واحدٍ من أصحاب المسانيد وغيرهم، وفيه: "أنّ النّاس إذا اهتمّوا لموقفهم في العرصات تشفّعوا إلى ربّهم بالأنبياء واحدًا واحدًا، من آدم فمن بعده، فكلّهم يحيد عنها حتّى ينتهوا إلى محمّدٍ، صلوات اللّه وسلامه عليه، فإذا جاؤوا إليه قال: أنا لها، أنا لها. فيذهب فيسجد للّه تحت العرش، ويشفع عند اللّه في أن يأتي لفصل القضاء بين العباد، فيشفّعه اللّه، ويأتي في ظلل من الغمام بعد ما تنشقّ السّماء الدّنيا، وينزل من فيها من الملائكة، ثمّ الثّانية، ثمّ الثّالثة إلى السّابعة، وينزل حملة العرش والكروبيّون، قال: وينزل الجبّار، عزّ وجلّ، في ظلل من الغمام والملائكة، ولهم زجل من تسبيحهم يقولون: سبحان ذي الملك والملكوت، سبحان ربّ العرش ذي الجبروت سبحان الحيّ الذي لا يموت، سبحان الذي يميت الخلائق ولا يموت، سبّوح قدّوسٌ، ربّ الملائكة والرّوح، قدّوسٌ قدّوسٌ، سبحان ربّنا الأعلى، سبحان ذي السّلطان والعظمة، سبحانه أبدًا أبدًا".
وقد أورد الحافظ أبو بكر بن مردويه هاهنا أحاديث فيها غرابةٌ واللّه أعلم؛ فمنها ما رواه من حديث المنهال بن عمرٍو، عن أبي عبيدة بن عبد اللّه بن مسعودٍ، عن مسروقٍ، عن ابن مسعودٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "يجمع اللّه الأوّلين والآخرين لميقات يومٍ معلومٍ، قيامًا شاخصةً أبصارهم إلى السّماء، ينتظرون فصل القضاء، وينزل اللّه في ظلل من الغمام من العرش إلى الكرسيّ".
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو زرعة، حدّثنا أبو بكر بن عطاء بن مقدّمٍ، حدّثنا معتمر بن سليمان، سمعت عبد الجليل القيسي، يحدّث عن عبد اللّه بن عمرٍو: {هل ينظرون إلا أن يأتيهم اللّه في ظللٍ من الغمام} الآية، قال: يهبط حين يهبط، وبينه وبين خلقه سبعون ألف حجاب، منها: النّور، والظّلمة، والماء. فيصوّت الماء في تلك الظّلمة صوتًا تنخلع له القلوب.
قال: وحدّثنا أبي: حدّثنا محمّد بن الوزير الدّمشقيّ، حدّثنا الوليد قال: سألت زهير بن محمّدٍ، عن قول اللّه: {هل ينظرون إلا أن يأتيهم اللّه في ظللٍ من الغمام} قال: ظللٌ من الغمام، منظومٌ من الياقوت مكلّل بالجوهر والزبرجد.
وقال ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ {في ظللٍ من الغمام} قال: هو غير السّحاب، ولم يكن قطّ إلّا لبني إسرائيل في تيههم حين تاهوا.
وقال أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية: {هل ينظرون إلا أن يأتيهم اللّه في ظللٍ من الغمام والملائكة} [قال]: يقول: والملائكة يجيئون في ظللٍ من الغمام، واللّه تعالى يجيء فيما يشاء -وهي في بعض القراءة: "هل ينظرون إلّا أن يأتيهم اللّه والملائكة في ظلل من الغمام" وهي كقوله: {ويوم تشقّق السّماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا} [الفرقان: 25] ). [تفسير ابن كثير: 1/566-568]



* للاستزادة ينظر: هنا