الدروس
course cover
تفسير سورة البقرة [من الآية (277) إلى الآية (281) ]
22 Jan 2015
22 Jan 2015

5145

0

0

course cover
تفسير سورة البقرة

القسم العشرون

تفسير سورة البقرة [من الآية (277) إلى الآية (281) ]
22 Jan 2015
22 Jan 2015

22 Jan 2015

5145

0

0


0

0

0

0

0

تفسير قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (277) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279) وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280) وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281)}


تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (277)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ولما انقضى ذكرهم عقب بذكر ضدهم ليبين ما بين الحالين فقال: {إنّ الّذين آمنوا} الآية، وقد تقدم تفسير مثل ألفاظ هذه الآية، وخص الصّلاة والزّكاة بالذكر وقد تضمنهما عمل الصّالحات تشريفا لهما، وتنبيها على قدرهما، إذ هما رأس الأعمال الصلاة في أعمال البدن، والزكاة في أعمال المال). [المحرر الوجيز: 2/ 101]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى مادحًا للمؤمنين بربّهم، المطيعين أمره، المؤدّين شكره، المحسنين إلى خلقه في إقامة الصّلاة وإيتاء الزّكاة، مخبرًا عمّا أعدّ لهم من الكرامة، وأنّهم يوم القيامة من التّبعات آمنون، فقال: {إنّ الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات وأقاموا الصّلاة وآتوا الزّكاة لهم أجرهم عند ربّهم ولا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون} ). [تفسير ابن كثير: 1/ 716]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ):(وقوله عزّ وجلّ: {يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه وذروا ما بقي من الرّبا إن كنتم مؤمنين}
نزلت في قوم من أهل الطائف كانوا صولحوا على أن وضع عنهم ما كان عليهم من الربا، وجعل لهم أن يأخذوا ما لهم من الربا وكان لهم على قوم من قريش مال فطالبوهم عند المحل بالمال والربا فقالت تلك الفرقة ما بالنا من أشقى الناس يؤخذ منا الربا الذي قد وضع عن سائر الناس، فأمر الله عز وجلّ - بترك هذه البقية، وأعلم أن من كان مؤمنا قبل عن اللّه أمره ومن أبى فهو حرب، أي كافر، فقال: {فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من اللّه ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون}). [معاني القرآن: 1/359]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه وذروا ما بقي من الرّبا إن كنتم مؤمنين (278) فإن لم تفعلوا فأذنوا بحربٍ من اللّه ورسوله وإن تبتم فلكم رؤس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون (279)}
سبب هذه الآية أنه كان الربا بين الناس كثيرا في ذلك الوقت، وكان بين قريش وثقيف ربا، فكان لهؤلاء على هؤلاء. فلما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قال في خطبته في اليوم الثاني من الفتح: «ألا كل ربا في الجاهلية موضوع، وأول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب»، فبدأ صلى الله عليه وسلم بعمه وأخص الناس به، وهذه من سنن العدل للإمام أن يفيض العدل على نفسه وخاصته، فيستفيض حينئذ في الناس، ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة واستعمل على مكة عتاب بن أسيد، فلما استنزل أهل الطائف بعد ذلك إلى الإسلام اشترطوا شروطا، منها ما أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها ما لم يعطه، وكان في شروطهم أن كل ربا لهم على الناس فإنهم يأخذونه، وكل ربا عليهم فهو موضوع، فيروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرر لهم هذه ثم ردها الله بهذه الآية، كما رد صلحه لكفار قريش في رد النساء إليهم عام الحديبية.
وذكر النقاش رواية: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن يكتب في أسفل الكتاب لثقيف لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم، فلما جاءت آجال رباهم بعثوا إلى مكة للاقتضاء، وكانت الديون لبني المغيرة وهم بنو عمرو بن عمير من ثقيف، وكانت لهم على بني المغيرة المخزوميين فقال بنو المغيرة لا تعطي شيئا فإن الربا قد وضع، ورفعوا أمرهم إلى عتاب بن أسيد بمكة، فكتب به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت الآية، وكتب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عتاب فعلمت بها ثقيف فكفت»، هذا سبب الآية على اختصار مجموع مما روى ابن إسحاق وابن جريج والسدي وغيرهم.
فمعنى الآية، اجعلوا بينكم وبين عذاب الله وقاية بترككم ما بقي لكم من ربا وصفحكم عنه. وقوله: {إن كنتم مؤمنين} شرط محض في ثقيف على بابه، لأنه كان في أول دخولهم في الإسلام وإذا قدرنا الآية فيمن تقرر إيمانه فهو شرط مجازي على جهة المبالغة، كما تقول لمن تريد إقامة نفسه: إن كنت رجلا فافعل كذا، وحكى النقاش عن مقاتل بن سليمان أنه قال: «إن في هذه الآية بمعنى إذ».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وهذا مردود لا يعرف في اللغة»، وقال ابن فورك: «يحتمل أنه يريد يا أيّها الّذين آمنوا بمن قبل محمد من الأنبياء»، ذروا ما بقي من الرّبا إن كنتم مؤمنين بمحمد، إذ لا ينفع الأول إلا بهذا وهذا مردود بما روي في سبب الآية). [المحرر الوجيز: 2/ 101-103]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه وذروا ما بقي من الرّبا إن كنتم مؤمنين (278) فإن لم تفعلوا فأذنوا بحربٍ من اللّه ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون (279) وإن كان ذو عسرةٍ فنظرةٌ إلى ميسرةٍ وأن تصدّقوا خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون (280) واتّقوا يومًا ترجعون فيه إلى اللّه ثمّ توفّى كلّ نفسٍ ما كسبت وهم لا يظلمون (281)}
يقول تعالى آمرًا عباده المؤمنين بتقواه، ناهيًا لهم عمّا يقرّبهم إلى سخطه ويبعدهم عن رضاه، فقال:
{يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه} أي: خافوه وراقبوه فيما تفعلون {وذروا ما بقي من الرّبا} أي: اتركوا ما لكم على النّاس من الزّيادة على رؤوس الأموال، بعد هذا الإنذار {إن كنتم مؤمنين} أي: بما شرع اللّه لكم من تحليل البيع، وتحريم الرّبا وغير ذلك.
وقد ذكر زيد بن أسلم، وابن جريج، ومقاتل بن حيّان، والسّدّيّ:
«أنّ هذا السّياق نزل في بني عمرو بن عميرٍ من ثقيفٍ، وبني المغيرة من بني مخزومٍ، كان بينهم ربًا في الجاهليّة، فلمّا جاء الإسلام ودخلوا فيه، طلبت ثقيفٌ أن تأخذه منهم، فتشاوروا وقالت بنو المغيرة: لا نؤدّي الرّبا في الإسلام فكتب في ذلك عتّاب بن أسيدٍ نائب مكّة إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فنزلت هذه الآية فكتب بها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إليه: {يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه وذروا ما بقي من الرّبا إن كنتم مؤمنين * فإن لم تفعلوا فأذنوا بحربٍ من اللّه ورسوله} فقالوا: نتوب إلى اللّه، ونذر ما بقي من الرّبا، فتركوه كلّهم» ). [تفسير ابن كثير: 1/ 716]


تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ( {فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من اللّه ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون}
وقال بعضهم قآذنوا، فمن قال {فأذنوا}: فالمعنى: أيقنوا ومن قال (قآذنوا)كان معناه: فأعلموا كل من لم يترك الربا أنّه حرب.
يقال قد آذنته بكذا وكذا، أوذنه إيذانا إذا أعلمته وقد أذن له يأذن إذنا إذا علم به). [معاني القرآن: 1/359]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم توعدهم تعالى إن لم يذروا الربا بحرب من الله ومن رسوله وأمته، والحرب داعية القتل، وروى ابن عباس أنه يقال يوم القيامة لأكل الربا: خذ سلاحك للحرب، وقال ابن عباس أيضا: «من كان مقيما على الربا لا ينزع عنه فحق على إمام المسلمين أن يستنيبه، فإن نزع وإلا ضرب عنقه»، وقال قتادة: «أوعد الله أهل الربا بالقتل فجعلهم بهرجا أينما ثقفوا»، ثم ردهم تعالى مع التوبة إلى رؤوس أموالهم، وقال لهم: لا تظلمون في أخذ الربا ولا تظلمون
في أن يتمسك بشيء من رؤوس أموالكم، فتذهب أموالكم. ويحتمل أن يكون لا تظلمون في مطل، لأن مطل الغني ظلم، كما قال صلى الله عليه وسلم.
فالمعنى أن يكون القضاء مع وضع الربا. وهكذا سنة الصلح، وهذا أشبه شيء بالصلح ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أشار على كعب بن مالك في دين ابن أبي حدرد بوضع الشطر، فقال كعب:
نعم يا رسول الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للآخر: «قم فاقضه»، فتلقى العلماء أمره بالقضاء سنة في المصالحات، وقرأ الحسن «ما بقي» بكسر القاف وإسكان الياء، وهذا كما قال جرير:

هو الخليفة فارضوا ما رضي لكم ....... ماضي العزيمة ما في حكمه جنف

ووجهها أنه شبه الياء بالألف، فكما لا تصل الحركة إلى الألف فكذلك لم تصل هنا إلى الياء، وفي هذا نظر، وقرأ أبو السمال من «الرّبو» بكسر الراء المشددة وضم الباء وسكون الواو، وقال أبو الفتح: شذ هذا الحرف في أمرين:
أحدهما الخروج من الكسر إلى الضم بناء لازما، والآخر وقوع الواو بعد الضمة في آخر الاسم، وهذا شيء لم يأت إلا في الفعل، نحو يغزو ويدعو وأما ذو الطائية بمعنى الذي فشاذة جدا، ومنهم من يغير واوها إذا فارق الرفع، فيقول رأيت ذا قام، ووجه القراءة أنه فخم الألف انتحاء بها الواو التي الألف بدل منها على حد قولهم، الصلاة والزكاة وهي بالجملة قراءة شاذة، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع وابن عامر والكسائي: «فأذنوا» مقصورة مفتوحة الذال، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر: «فآذنوا» ممدودة مكسورة الذال.
قال سيبويه: «آذنت أعلمت»، وأذنت ناديت وصوت بالإعلام قال: وبعض يجري آذنت مجرى أذنت، قال أبو علي: «من قال: «فأذنوا» فقصر، معناه فاعلموا الحرب من الله»، قال ابن عباس وغيره من المفسرين: «معناه فاستيقنوا الحرب من الله تعالى».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وهي عندي من الإذن، وإذا أذن المرء في شيء فقد قرره وبنى مع نفسه عليه، فكأنه قال لهم فقرروا الحرب بينكم وبين الله ورسوله، ملزمهم من لفظ الآية أنهم مستدعو الحرب والباغون بها، إذ هم الآذنون بها وفيها، ويندرج في هذا المعنى الذي ذكرته علمهم بأنهم حرب وتيقنهم لذلك»، قال أبو علي: «ومن قرأ «فآذنوا» فمد، فتقديره فأعلموا من لم ينته عن ذلك بحرب، والمفعول محذوف، وقد ثبت هذا المفعول في قوله تعالى:{فقل آذنتكم على سواءٍ}[الأنبياء: 109]وإذا أمروا بإعلام غيرهم علموا هم لا محالة، قال: ففي إعلامهم علمهم، وليس في علمهم إعلامهم غيرهم، فقراءة المد أرجح، لأنها أبلغ وآكد» قال الطبري: «قراءة القصر أرجح لأنها تختص بهم، وإنما أمروا على قراءة المد بإعلام غيرهم».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «والقراءتان عندي سواء لأن المخاطب في الآية محضور بأنه كل من لم يذر ما بقي من الربا، فإن قيل لهم: «فأذنوا» فقد عمهم الأمر، وإن قيل لهم: «فآذنوا» بالمد فالمعنى أنفسكم وبعضكم بعضا، وكأن هذه القراءة تقتضي فسحا لهم في الارتياء والتثبيت أي فأعلموا نفوسكم هذا ثم انظروا في الأرجح لكم، ترك الربا أو الحرب»، وقرأ جميع القراء «لا تظلمون» بفتح التاء و «لا تظلمون» بضمها وقد مضى تفسيره.
وروى المفضل عن عاصم: لا «تظلمون» بضم التاء في الأولى وفتحها في الثانية. قال أبو علي: «وتترجح قراءة الجماعة فإنها تناسب قوله: {فإن تبتم} في إسناد الفعلين إلى الفاعل فيجيء «تظلمون» بفتح التاء أشكل بما قبله» ). [المحرر الوجيز: 2/ 103-105]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقد ذكر زيد بن أسلم، وابن جريج، ومقاتل بن حيّان، والسّدّيّ: «أنّ هذا السّياق نزل في بني عمرو بن عميرٍ من ثقيفٍ، وبني المغيرة من بني مخزومٍ، كان بينهم ربًا في الجاهليّة، فلمّا جاء الإسلام ودخلوا فيه، طلبت ثقيفٌ أن تأخذه منهم، فتشاوروا وقالت بنو المغيرة: لا نؤدّي الرّبا في الإسلام فكتب في ذلك عتّاب بن أسيدٍ نائب مكّة إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فنزلت هذه الآية فكتب بها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إليه: {يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه وذروا ما بقي من الرّبا إن كنتم مؤمنين * فإن لم تفعلوا فأذنوا بحربٍ من اللّه ورسوله} فقالوا: نتوب إلى اللّه، ونذر ما بقي من الرّبا، فتركوه كلّهم».
وهذا تهديدٌ شديدٌ ووعيدٌ أكيدٌ، لمن استمرّ على تعاطي الرّبا بعد الإنذار، قال ابن جريجٍ: قال ابن عبّاسٍ:
«{فأذنوا بحربٍ}أي: استيقنوا بحربٍ من اللّه ورسوله». وتقدّم من رواية ربيعة بن كلثومٍ، عن أبيه، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عباس قال: «يقال يوم القيامة لآكل الرّبا: خذ سلاحك للحرب. ثمّ قرأ:{فإن لم تفعلوا فأذنوا بحربٍ من اللّه ورسوله}» .
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ:
«{فإن لم تفعلوا فأذنوا بحربٍ من اللّه ورسوله}فمن كان مقيمًا على الرّبا لا ينزع عنه فحقٌّ على إمام المسلمين أن يستتيبه، فإن نزع وإلّا ضرب عنقه».
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا عليّ بن الحسين، حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، حدّثنا عبد الأعلى، حدّثنا هشام بن حسّان، عن الحسن وابن سيرين، أنّهما قالا:
«واللّه إنّ هؤلاء الصّيارفة لأكلة الرّبا، وإنّهم قد أذنوا بحربٍ من اللّه ورسوله، ولو كان على النّاس إمامٌ عادلٌ لاستتابهم، فإن تابوا وإلّا وضع فيهم السّلاح». وقال قتادة: «أوعدهم اللّه بالقتل كما تسمعون، وجعلهم بهرجا أينما أتوا، فإيّاكم وما خالط هذه البيوع من الرّبا؛ فإنّ اللّه قد أوسع الحلال وأطابه، فلا تلجئنّكم إلى معصيته فاقةٌ». رواه ابن أبي حاتمٍ. وقال الرّبيع بن أنسٍ: «أوعد اللّه آكل الرّبا بالقتل». رواه ابن جريرٍ.
وقال السّهيليّ:
«ولهذا قالت عائشة لأمّ محبّة، مولاة زيد بن أرقم، في مسألة العينة: أخبريه أنّ جهاده مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قد بطل، إلّا أن يتوب، فخصّت الجهاد؛ لأنّه ضدّ قوله:{فأذنوا بحربٍ من اللّه ورسوله} قال: وهذا المعنى ذكره كثيرٌ. قال: ولكنّ هذا إسناده إلى عائشة ضعيفٌ».
ثمّ قال تعالى:
{وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون} أي: بأخذ الزّيادة {ولا تظلمون} أي: بوضع رؤوس الأموال أيضًا، بل لكم ما بذلتم من غير زيادةٍ عليه ولا نقصٍ منه.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا محمّد بن الحسين بن إشكابٍ، حدّثنا عبيد اللّه بن موسى، عن شيبان، عن شبيب بن غرقدة البارقيّ، عن سليمان بن الأحوص عن أبيه قال: خطب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في حجّة الوداع فقال:
«ألا إنّ كلّ ربًا كان في الجاهليّة موضوعٌ عنكم كلّه، لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون، وأوّل ربًا موضوعٍ ربا العبّاس بن عبد المطّلب، موضوعٌ كلّه» كذا وجدته: سليمان بن الأحوص.
وقد قال ابن مردويه: حدّثنا الشّافعيّ، حدّثنا معاذ بن المثنّى، أخبرنا مسدّدٌ، أخبرنا أبو الأحوص، حدّثنا شبيب بن غرقدة، عن سليمان بن عمرٍو، عن أبيه قال: سمعت رسول اللّه صلّى الله عليه وسلم يقول:
«ألا إنّ كلّ ربًا من ربا الجاهليّة موضوعٌ، فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون».
وكذا رواه من حديث حمّاد بن سلمة، عن عليّ بن زيدٍ، عن أبي حرّة الرّقاشيّ، عن عمرٍو -هو ابن خارجة –فذكره).
[تفسير ابن كثير: 1/ 716-717]


تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدّقوا خير لكم إن كنتم تعلمون}أي: وإن وقع (ذو عسرة)، ولو قرئت، وإن كان ذا عسرة لجاز أي وإن كان المدين الذي عليه الدّين ذا عسرة، ولكن لا يخالف المصحف والرفع على أن، {إن كان} على معنى إن وقع ذو عسرة - ورفع {فنظرة إلى ميسرة} على فعلى الّذي تعاملونه نظرة أي تأخير، يقال بعته بيعا بنظرة.
ومن قال: فناظرة إلى ميسرة ففاعلة من أسماء المصادر نحو (ليس لوقعتها كاذبة) ونحو {تظنّ أن يفعل بها فاقرة}
وإن شئت قلت إلى ميسرة فأما من قرأ (إلى ميسره) على جهة الإضافة إلى الهاء فمخطئ، لأن "ميسر" مفعل وليس في الكلام مفعل.
وزعم البصريون أنهم لا يعرفون مفعلا إنما يعرفون مفعلة.
فأمرهم اللّه بتأخير رأس المال بعد إسقاط الربا، إذا كان المطالب معسرا، وأعلمهم أن الصدقة برأس المال عليه أفضل.
فقال: {وأن تصدّقوا خير لكم إن كنتم تعلمون} ). [معاني القرآن: 1/359-360]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وإن كان ذو عسرةٍ فنظرةٌ إلى ميسرةٍ وأن تصدّقوا خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون (280) واتّقوا يوماً ترجعون فيه إلى اللّه ثمّ توفّى كلّ نفسٍ ما كسبت وهم لا يظلمون (281)}
حكم الله تعالى لأرباب الربا برؤوس الأموال عند الواجدين للمال، ثم حكم في ذي العسرة بالنظرة إلى حالة اليسر. قال المهدوي: «وقال بعض العلماء هذه الآية ناسخة لما كان في الجاهلية من بيع من أعسر بدين»، وحكى مكي: «أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به في صدر الإسلام».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «فإن ثبت فعل النبي صلى الله عليه وسلم فهو نسخ، وإلا فليس بنسخ»، و «العسرة» ضيق الحال من جهة عدم المال ومنه جيش العسرة، والنظرة التأخير، والميسرة مصدر بمعنى اليسر، وارتفع ذو عسرةٍ ب كان التامة التي هي بمعنى وجد وحدث. هذا قول سيبويه وأبي علي وغيرهما، ومن هنا يظهر أن الأصل الغنى ووفور الذمة، وأن العدم طارئ حادث يلزم أن يثبت. وقال بعض الكوفيين، حكاه الطبري: «بل هي كان الناقصة والخبر محذوف، تقديره وإن كان من غرمائكم ذو عسرةٍ وارتفع قوله: {فنظرةٌ} على خبر ابتداء مقدر، تقديره فالواجب نظرة، أو فالحكم نظرة».
قال الطبري: «وفي مصحف أبي بن كعب: وإن كان ذو عسرةٍ على معنى وإن كان المطلوب»، وقرأ الأعمش «وإن كان معسرا فنظرة». قال أبو عمرو الداني عن أحمد بن موسى: «وكذلك في مصحف أبي بن كعب»، قال مكي والنقاش: «وعلى هذا يختص لفظ الآية بأهل الربا، وعلى من قرأ وإن كان ذو عسرةٍ بالواو فهي عامة في جميع من عليه دين». قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وهذا غير لازم».
وحكى المهدوي أن في مصحف عثمان، «فإن كان» بالفاء ذو عسرةٍ بالواو، وقراءة الجماعة نظرة بكسر الظاء، وقرأ مجاهد وأبو رجاء والحسن: «فنظرة» بسكون الظاء، وكذلك قرأ الضحاك، وهي على تسكين الظاء من نظرة، وهي لغة تميمية، وهم الذين يقولون: كرم زيد بمعنى كرم، ويقولون: كبد في كبد، وكتف في كتف، وقرأ عطاء بن أبي رباح «فناظرة» على وزن فاعلة، وقال الزجّاج: «هي من أسماء المصادر، كقوله تعالى:{ليس لوقعتها كاذبةٌ}[الواقعة: 2]وكقوله تعالى:{تظنّ أن يفعل بها فاقرةٌ}[القيامة: 25]، وكخائنة الأعين وغيره»، وقرأ نافع وحده «ميسرة» بضم السين، وقرأ باقي السبعة وجمهور الناس «ميسرة» بفتح السين على وزن مفعلة، وهذه القراءة أكثر في كلام العرب، لأن مفعلة بضم العين قليل.
قال أبو علي: «قد قالوا: مسربة ومشربة، ولكن مفعلة بفتح العين أكثر في كلامهم»، وقرأ عطاء بن أبي رياح أيضا ومجاهد: «فناظره إلى ميسره» على الأمر في «ناظره» وجعلا الهاء ضمير الغريم، وضما السين من «ميسره» وكسرا الراء وجعلا الهاء ضمير الغريم، فأما ناظره ففاعله من التأخير، كما تقول: سامحه، وأما ميسر فشاذ، قال سيبويه: «ليس في الكلام مفعل»، قال أبو علي: «يريد في الآحاد، فأما في الجمع فقد جاء قول عدي بن زيد:

أبلغ النّعمان عنّي مألكا ....... أنّه قد طال حبسي وانتظار

وقول جميل:

بثين الزمي- لا- إنّ- لا- إن لزمته ....... على كثرة الواشين أيّ معون

فالأول جمع مالكة، والآخر جمع معونة»، وقال ابن جني: «إن عديا أراد مالكة فحذف، وكذلك جميل أراد أي معونة، وكذلك قول الآخر: «ليوم روع أو فعال مكرم» «أراد مكرمة»، فحذف قال: ويحتمل أن تكون جموعا كما قال أبو علي».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «فإن كان ميسر جمع ميسرة فيجري مجرى هذه الأمثلة، وإن كان قارئه أراد به الإفراد فذلك شاذ»، وقد خطأه بعض الناس، وكلام سيبويه يرده، واختلف أهل العلم: هل هذا الحكم بالنظرة إلى الميسرة: واقف على أهل الربا أو هو منسحب على كل ذي دين حال؟
فقال ابن عباس وشريح: «ذلك في الربا خاصة، وأما الديون وسائر الأمانات فليس فيها نظرة، بل تؤدى إلى أهلها»، وكأن هذا القول يترتب إذا لم يكن فقر مدقع وأما مع الفقر والعدم الصريح، فالحكم هي النظرة ضرورة، وقال جمهور العلماء: «النظرة إلى الميسرة حكم ثابت في المعسر سواء كان الدين ربا أو من تجارة في ذمة أو من أمانة»، فسره الضحاك.
وقوله تعالى: {وأن تصدّقوا} ابتداء وخبره خيرٌ، «وندب الله تعالى بهذه الألفاظ إلى الصدقة على المعسر وجعل ذلك خيرا من إنظاره»، قاله السدي وابن زيد والضحاك وجمهور الناس. وقال الطبري: «وقال آخرون معنى الآية وأن تصدقوا على الغني والفقير خير لكم»، ثم أدخل الطبري تحت هذه الترجمة أقوالا لقتادة وإبراهيم النخعي لا يلزم منها ما تضمنته ترجمته، بل هي كقول جمهور الناس، وليس في الآية مدخل للغني، وقرأ جمهور القراء: «تصّدقوا» بتشديد الصاد على الإدغام من تتصدقوا. وقرأ عاصم «وأن تصدقوا» بتخفيف الصاد وفي مصحف عبد الله بن مسعود «وأن تصدقوا» بفك الإدغام.
وروى سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب أنه قال: «كان آخر ما أنزل من القرآن آية الربا، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يفسرها لنا، فدعوا الربا والريبة». وقال ابن عباس: «آخر ما نزل آية الربا».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «ومعنى هذا عندي أنها من آخر ما نزل، لأن جمهور الناس وابن عباس والسدي والضحاك وابن جريج وغيرهم، قال: آخر آية قوله تعالى: {واتّقوا يوماً ترجعون فيه إلى اللّه} »). [المحرر الوجيز: 2/ 105-109]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وإن كان ذو عسرةٍ فنظرةٌ إلى ميسرةٍ وأن تصدّقوا خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون}: يأمر تعالى بالصّبر على المعسر الّذي لا يجد وفاءً، فقال: {وإن كان ذو عسرةٍ فنظرةٌ إلى ميسرة} أي: لا كما كان أهل الجاهليّة يقول أحدهم لمدينه إذا حلّ عليه الدّين: إمّا أن تقضي وإمّا أن تربي.
ثمّ يندب إلى الوضع عنه، ويعد على ذلك الخير والثّواب الجزيل، فقال:
{وأن تصدّقوا خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون} أي: وأن تتركوا رأس المال بالكلّيّة وتضعوه عن المدين. وقد وردت الأحاديث من طرقٍ متعدّدةٍ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، بذلك:
فالحديث الأوّل عن أبي أمامة أسعد بن زرارة النّقيب: قال الطّبرانيّ: حدّثنا عبد اللّه بن محمّد بن شعيبٍ الرّجّانيّ حدّثنا يحيى بن حكيمٍ المقوّم، حدّثنا محمّد بن بكرٍ البرسانيّ، حدّثنا عبد اللّه بن أبي زيادٍ، حدّثني عاصم بن عبيد اللّه، عن أبي أمامة أسعد بن زرارة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «من سرّه أن يظلّه اللّه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه، فلييسّر على معسرٍ أو ليضع عنه».
حديثٌ آخر عن بريدة: قال الإمام أحمد: حدّثنا عفّان، حدّثنا عبد الوارث، حدثنا محمد بن جحادة، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه قال: سمعت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «من أنظر معسرًا فله بكلّ يومٍ مثله صدقةٌ». قال: ثمّ سمعته يقول: «من أنظر معسرًا فله بكلّ يومٍ مثلاه صدقةٌ». قلت: سمعتك -يا رسول اللّه -تقول: «من أنظر معسرًا فله بكلّ يومٍ مثله صدقةٌ». ثمّ سمعتك تقول: «من أنظر معسرًا فله بكلّ يومٍ مثلاه صدقةٌ»؟! قال: «له بكلّ يومٍ مثله صدقةٌ قبل أن يحلّ الدّين، فإذا حلّ الدّين فأنظره، فله بكلّ يومٍ مثلاه صدقةٌ».
حديثٌ آخر عن أبي قتادة الحارث بن ربعيٍّ الأنصاريّ: قال الإمام أحمد: حدّثنا عفّان حدّثنا حمّاد بن سلمة، أخبرنا أبو جعفرٍ الخطميّ، عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ أنّ أبا قتادة كان له دينٌ على رجلٍ، وكان يأتيه يتقاضاه، فيختبئ منه، فجاء ذات يومٍ فخرج صبيٌّ فسأله عنه، فقال: نعم، هو في البيت يأكل خزيرةً فناداه: يا فلان، اخرج، فقد أخبرت أنّك هاهنا فخرج إليه، فقال: ما يغيّبك عنّي؟ فقال: إنّي معسرٌ، وليس عندي. قال: آللّه إنّك معسرٌ؟ قال: نعم. فبكى أبو قتادة، ثمّ قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «من نفّس عن غريمه -أو محا عنه -كان في ظلّ العرش يوم القيامة». ورواه مسلمٌ في صحيحه.
حديثٌ آخر عن حذيفة بن اليمان: قال الحافظ أبو يعلى الموصليّ: حدّثنا الأخنس أحمد بن عمران حدّثنا محمّد بن فضيلٍ، حدّثنا أبو مالكٍ الأشجعيّ، عن ربعي بن حراشٍ، عن حذيفة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أتى اللّه بعبدٍ من عبيده يوم القيامة، قال: ماذا عملت لي في الدّنيا؟ فقال: ما عملت لك يا ربّ مثقال ذرّةٍ في الدّنيا أرجوك بها، قالها ثلاث مرّاتٍ، قال العبد عند آخرها: يا ربّ، إنّك أعطيتني فضل مالٍ، وكنت رجلًا أبايع النّاس وكان من خلقي الجواز، فكنت أيسّر على الموسر، وأنظر المعسر. قال: فيقول اللّه، عزّ وجلّ: أنا أحقّ من ييسّر، ادخل الجنّة».وقد أخرجه البخاريّ، ومسلمٌ، وابن ماجه -من طرقٍ -عن ربعيّ بن حراشٍ، عن حذيفة. زاد مسلمٌ: وعقبة بن عامرٍ وأبي مسعودٍ البدريّ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بنحوه. ولفظ البخاريّ.
حدّثنا هشام بن عمّارٍ، حدّثنا يحيى بن حمزة، حدّثنا الزّهريّ، عن عبد اللّه بن عبد اللّه أنّه سمع أبا هريرة رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال:
«كان تاجرٌ يداين النّاس، فإذا رأى معسرًا قال لفتيانه: تجاوزوا عنه، لعلّ اللّه يتجاوز عنّا، فتجاوز اللّه عنه».
حديثٌ آخر عن سهل بن حنيفٍ: قال الحاكم في مستدركه: حدّثنا أبو عبد اللّه محمّد بن يعقوب، حدّثنا يحيى بن محمّد بن يحيى، حدّثنا أبو الوليد هشام بن عبد الملك، حدّثنا عمرو بن ثابتٍ، حدّثنا عبد اللّه بن محمّد بن عقيلٍ، عن عبد اللّه بن سهل بن حنيفٍ، أنّ سهلًا حدّثه، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال: «من أعان مجاهدًا في سبيل اللّه أو غازيًا، أو غارمًا في عسرته، أو مكاتبًا في رقبته، أظلّه اللّه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه» ثمّ قال: صحيح الإسناد، ولم يخرّجاه.
حديثٌ آخر عن عبد اللّه بن عمر: قال الإمام أحمد: حدّثنا محمّد بن عبيدٍ، عن يوسف بن صهيبٍ، عن زيدٍ العمّيّ، عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «من أراد أن تستجاب دعوته، وأن تكشف كربته، فليفرّج عن معسرٍ»، انفرد به أحمد.
حديثٌ آخر عن أبي مسعودٍ عقبة بن عمرٍو: قال الإمام أحمد: حدّثنا يزيد بن هارون، أخبرنا أبو مالكٍ، عن ربعيّ بن حراشٍ، عن حذيفة: «أنّ رجلًا أتى به اللّه عزّ وجلّ، فقال: ماذا عملت في الدّنيا؟ فقال له الرّجل: ما عملت مثقال ذرّةٍ من خيرٍ أرجوك بها، فقالها له ثلاثًا، وقال في الثّالثة: أي ربّ كنت أعطيتني فضلًا من المال في الدّنيا، فكنت أبايع النّاس، فكنت أتيسّر على الموسر، وأنظر المعسر. فقال تبارك وتعالى نحن أولى بذلك منك، تجاوزوا عن عبدي. فغفر له». قال أبو مسعودٍ: «هكذا سمعت من النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم»، وهكذا رواه مسلمٌ من حديث أبي مالكٍ سعد بن طارقٍ به.
حديثٌ آخر عن عمران بن حصينٍ: قال الإمام أحمد: حدّثنا أسود بن عامرٍ، أخبرنا أبو بكرٍ، عن الأعمش، عن أبي داود، عن عمران بن حصينٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «من كان له على رجلٍ حقٌّ فأخّره كان له بكلّ يومٍ صدقةٌ».
غريبٌ من هذا الوجه وقد تقدّم عن بريدة نحوه.
حديثٌ آخر عن أبي اليسر كعب بن عمرٍو: قال الإمام أحمد: حدّثنا معاوية بن عمرٍو، حدّثنا زائدة، عن عبد الملك بن عميرٍ، عن ربعيٍّ، قال: حدّثني أبو اليسر، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «من أنظر معسرًا أو وضع عنه أظلّه اللّه، عزّ وجلّ، في ظلّه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه».
وقد أخرجه مسلمٌ في صحيحه من وجهٍ آخر، من حديث عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصّامت، قال:
«خرجت أنا وأبي نطلب العلم في هذا الحيّ من الأنصار قبل أن يهلكوا، فكان أوّل من لقينا أبا اليسر صاحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ومعه غلامٌ له معه ضمامةٌ من صحفٍ، وعلى أبي اليسر بردةٌ ومعافريٌّ، وعلى غلامه بردةٌ ومعافريٌّ فقال له أبي: يا عمّ، إنّي أرى في وجهك سفعةً من غضبٍ؟ قال أجل، كان لي على فلان بن فلانٍ الحراميّ مالٌ، فأتيت أهله فسلّمت، فقلت: أثمّ هو؟ قالوا: لا فخرج عليّ ابنٌ له جفرٌ فقلت: أين أبوك؟ فقال: سمع صوتك فدخل أريكة أمّي. فقلت: اخرج إليّ فقد علمت أين أنت؟ فخرج، فقلت: ما حملك على أن اختبأت منّي؟ قال: أنا واللّه أحدّثك ثمّ لا أكذبك؛ خشيت -واللّه -أن أحدّثك فأكذبك، وأن أعدك فأخلفك، وكنت صاحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وكنت -الله -معسرًا قال: قلت: آللّه؟ قال: قلت: آللّه، قال: الله. قلت: آللّه؟ قال: اللّه. قال: فأتى بصحيفته فمحاها بيده، ثمّ قال: فإن وجدت قضاءً فاقضني، وإلّا فأنت في حلٍّ، فأشهد بصر عينيّ -ووضع أصبعيه على عينيه -وسمع أذنيّ هاتين، ووعاه قلبي -وأشار إلى مناط قلبه -رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو يقول: «من أنظر معسرًا، أو وضع عنه أظلّه اللّه في ظلّه». وذكر تمام الحديث.
حديثٌ آخر عن أمير المؤمنين عثمان بن عفّان: قال عبد اللّه بن الإمام أحمد في مسند أبيه حدّثني أبو يحيى البزّاز محمّد بن عبد الرّحيم، حدّثنا الحسن بن بشر بن سلمٍ الكوفيّ، حدّثنا العبّاس بن الفضل الأنصاريّ، عن هشام بن زيادٍ القرشيّ، عن أبيه، عن محجنٍ مولى عثمان، عن عثمان، قال: سمعت رسول اللّه، صلّى اللّه عليه وسلّم، يقول: «أظلّ اللّه عينًا في ظلّه، يوم لا ظلّ إلّا ظلّه من أنظر معسرًا، أو ترك لغارمٍ».
حديثٌ آخر عن ابن عبّاسٍ: قال الإمام أحمد: حدّثنا عبد اللّه بن يزيد، حدّثنا نوح بن جعونة السّلميّ الخراسانيّ، عن مقاتل بن حيّان، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: «خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى المسجد، وهو يقول بيده هكذا -وأومأ عبد الرّحمن بيده إلى الأرض-: «من أنظر معسرًا أو وضع له، وقاه اللّه من فيح جهنّم، ألا إنّ عمل الجنّة حزنٌ بربوةٍ -ثلاثًا -ألا إنّ عمل النّار سهلٌ بسهوةٍ، والسّعيد من وقي الفتن، وما من جرعةٍ أحبّ إلى اللّه من جرعة غيظٍ يكظمها عبدٌ، ما كظمها عبدٌ للّه إلّا ملأ اللّه جوفه إيمانًا» تفرّد به أحمد.
طريقٌ أخرى: قال الطّبرانيّ: حدّثنا أحمد بن محمّدٍ البوراني قاضي الحديثة من ديار ربيعة، حدّثنا الحسين بن عليٍّ الصّدائي، حدّثنا الحكم بن الجارود، حدّثنا ابن أبي المتّئد -خال ابن عيينة -عن أبيه، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:
«من أنظر معسرًا إلى ميسرته أنظره اللّه بذنبه إلى توبته»). [تفسير ابن كثير: 1/ 717-720]


تفسير قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {واتّقوا يوما ترجعون فيه إلى اللّه ثمّ توفّى كلّ نفس ما كسبت وهم لا يظلمون} هذا يوم القيامة، ويقال إنها آخر آية نزلت من كتاب اللّه جلّ وعزّ.
كذا جاء في التفسير). [معاني القرآن: 1/360]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وروى سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب أنه قال: «كان آخر ما أنزل من القرآن آية الربا، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يفسرها لنا، فدعوا الربا والريبة». وقال ابن عباس: «آخر ما نزل آية الربا».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «ومعنى هذا عندي أنها من آخر ما نزل، لأن جمهور الناس وابن عباس والسدي والضحاك وابن جريج وغيرهم، قال: آخر آية قوله تعالى: {واتّقوا يوماً ترجعون فيه إلى اللّه} ».
وقال سعيد بن المسيب: «بلغني أن أحدث القرآن بالعرش آية الدين»، وروي أن قوله عز وجل: {واتّقوا} نزلت قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بتسع ليال، ثم لم ينزل بعدها شيء، وروي بثلاث ليال، وروي أنها نزلت قبل موته بثلاث ساعات، وأنه قال عليه السلام: «اجعلوها بين آية الربا وآية الدين»، وحكى مكي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «جاءني جبريل فقال اجعلها على رأس مائتين وثمانين آية، من البقرة».
وقوله تعالى: {واتّقوا يوماً ترجعون فيه إلى اللّه} إلى آخر الآية، وعظ لجميع الناس وأمر يخص كل إنسان، ويوماً منصوب على المفعول لا على الظرف. وقرأ أبو عمرو بن العلاء «ترجعون» بفتح التاء وكسر الجيم، وقرأ باقي السبعة «ترجعون» بضم التاء وفتح الجيم، فمثل قراءة أبي عمرو {إنّ إلينا إيابهم}[الغاشية: 25] ومثل قراءة الجماعة {ثمّ ردّوا إلى اللّه}[الأنعام: 62]{ولئن رددت إلى ربّي}[الكهف: 36] المخاطبة في القراءتين بالتاء على جهة المبالغة في الوعظ والتحذير، وقرأ الحسن «يرجعون» بالياء على معنى يرجع جميع الناس.
قال ابن جني: «كأن الله تعالى رفق بالمؤمنين على أن يواجههم بذكر الرجعة إذ هي مما تنفطر له القلوب. فقال لهم: واتّقوا يوماً، ثم رجع في ذكر الرجعة إلى الغيبة رفقا بهم»، وقرأ أبي بن كعب «يوما تردون» بضم التاء، وجمهور العلماء على أن هذا اليوم المحذر منه هو يوم القيامة والحساب والتوفية، وقال قوم هو يوم الموت، والأول أصح بحكم الألفاظ في الآية، وفي قوله: {إلى اللّه} مضاف محذوف تقديره إلى حكم الله وفصل قضائه، وقوله: {وهم} رد على معنى كل نفس لا على اللفظ إلا على قراءة الحسن «يرجعون»، فقوله: {وهم} رد على ضمير الجماعة في «يرجعون»، وفي هذه الآية نص على أن الثواب والعقاب متعلق بكسب الإنسان. وهذا رد على الجبرية). [المحرر الوجيز: 2/ 108-110]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى يعظ عباده ويذكّرهم زوال الدّنيا وفناء ما فيها من الأموال وغيرها، وإتيان الآخرة والرّجوع إليه تعالى ومحاسبته تعالى خلقه على ما عملوا، ومجازاته إيّاهم بما كسبوا من خيرٍ وشرٍّ، ويحذّرهم عقوبته، فقال: {واتّقوا يومًا ترجعون فيه إلى اللّه ثمّ توفّى كلّ نفسٍ ما كسبت وهم لا يظلمون}
وقد روي أنّ هذه الآية آخر آيةٍ نزلت من القرآن العظيم، فقال ابن لهيعة: حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قال:
«آخر ما نزل من القرآن كلّه{واتّقوا يومًا ترجعون فيه إلى اللّه ثمّ توفّى كلّ نفسٍ ما كسبت وهم لا يظلمون}وعاش النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بعد نزول هذه الآية تسع ليالٍ، ثمّ مات يوم الاثنين، لليلتين خلتا من ربيعٍ الأوّل». رواه ابن أبي حاتمٍ.
وقد رواه ابن مردويه من حديث المسعوديّ، عن حبيب بن أبي ثابتٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال:
«آخر آيةٍ نزلت:{واتّقوا يومًا ترجعون فيه إلى اللّه}». وقد رواه النّسائيّ، من حديث يزيد النّحويّ، عن عكرمة، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ، قال: «آخر شيءٍ نزل من القرآن:{واتّقوا يومًا ترجعون فيه إلى اللّه ثمّ توفّى كلّ نفسٍ ما كسبت وهم لا يظلمون}».
وكذا رواه الضّحّاك، والعوفي، عن ابن عبّاسٍ، وروى الثّوريّ، عن الكلبيّ، عن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال:
«آخر آيةٍ أنزلت:{واتّقوا يومًا ترجعون فيه إلى اللّه}فكان بين نزولها وبين موت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم واحدٌ وثلاثون يومًا».
وقال ابن جريجٍ: قال ابن عبّاسٍ:
«آخر آيةٍ نزلت: {واتّقوا يومًا ترجعون فيه إلى اللّه} الآية».
قال ابن جريجٍ: يقولون:
«إنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عاش بعدها تسع ليالٍ، وبدئ يوم السّبت ومات يوم الاثنين»، رواه ابن جريرٍ.
ورواه عطيّة عن أبي سعيدٍ، قال:
«آخر آيةٍ أنزلت:{واتّقوا يومًا ترجعون فيه إلى اللّه ثمّ توفّى كلّ نفسٍ ما كسبت وهم لا يظلمون}»). [تفسير ابن كثير: 1/ 720-721]



* للاستزادة ينظر: هنا