الدروس
course cover
تفسير سورة آل عمران[من الآية (123) إلى الآية (128) ]
21 Aug 2015
21 Aug 2015

3887

0

0

course cover
تفسير سورة آل عمران

القسم الثامن

تفسير سورة آل عمران[من الآية (123) إلى الآية (128) ]
21 Aug 2015
21 Aug 2015

21 Aug 2015

3887

0

0


0

0

0

0

0

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126) لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ (127) لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128)}



تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {ولقد نصركم اللّه ببدر وأنتم أذلّة فاتّقوا اللّه لعلّكم تشكرون}
معنى {أذلّة}: عددكم قليل، وكان المسلمون في تلك الحرب ثلاثمائة وبضعة عشر.
وكانوا في يوم أحد سبعمائة، والكفار في يوم أحد ثلاثة آلاف.

وكانوا في يوم حنين اثني عشر ألفا فأعلم اللّه - جلّ وعزّ - أنهم حينما ألزموا الطاعة أنه ينصرهم، وهم قليل وعدوهم أضعافهم، وفي يوم أحد نزل بهم ما نزل لمخالفة أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - في أن جاوزوا ما أمروا به، فجعل الله ذلك لهم عقوبة لئلا يجبنوا وجاء في بعض الخبر: {الفرار من الزحف كفر}.
ومعناه عندي واللّه أعلم - من فعل الكفار، لا أنه يخرج الإنسان من الإيمان إلى الكفر.
وقد عفا الله فيه، فقال: {ومن يولّهم يومئذ دبره إلّا متحرّفا لقتال أو متحيّزا إلى فئة فقد باء بغضب من اللّه ومأواه جهنّم}.
وأذلّة: جميع ذليل، والأصل في فعيل إذا كان صفة أن يجمع على فعلاء، نحو ظريف وظرفاء، وشريك وشركاء، ولكن فعلاء أجتنب في التضعيف.
لو قيل جللاء وقللاء في جليل وقليل، لاجتمع حرفان من جنس واحد، فعدل به إلى أفعلة من جمع الأسماء في فعيل، نحو جريب وأجربة.

وقفيز وأقفزة). [معاني القرآن: 1/466]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: ولقد نصركم اللّه ببدرٍ وأنتم أذلّةٌ فاتّقوا اللّه لعلّكم تشكرون (123) إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدّكم ربّكم بثلاثة آلافٍ من الملائكة منزلين (124) بلى إن تصبروا وتتّقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربّكم بخمسة آلافٍ من الملائكة مسوّمين (125)
لما أمر الله تعالى بالتوكل عليه، ذكر بأمر «بدر» الذي كان ثمرة التوكل على الله والثقة به، فمن قال من المفسرين إن قول النبي صلى الله عليه وسلم للمؤمنين: ألن يكفيكم. كان في غزوة بدر، فيجيء التذكير بأمر «بدر» وبأمر الملائكة وقتالهم فيه مع المؤمنين، محرضا على الجد والتوكل على الله، ومن قال: إن قول النبي صلى الله عليه وسلم: ألن يكفيكم الآية، إنما كان في غزوة أحد، كان قوله تعالى: ولقد نصركم اللّه ببدرٍ إلى تشكرون اعتراضا بين الكلام جميلا، والنصر ببدر هو المشهور الذي قتل فيه صناديد قريش، وعلى ذلك اليوم انبنى الإسلام، وكانت «بدر» يوم سبعة عشر من رمضان يوم جمعة لثمانية عشر شهرا من الهجرة، و «بدر» ماء هنالك سمي به الموضع، وقال الشعبي: كان ذلك الماء لرجل من جهينة يسمى بدرا فبه سمي، قال الواقدي: فذكرت هذا لعبد الله بن جعفر ومحمد بن صالح فأنكراه وقالا: بأي شيء سميت الصفراء والجار وغير ذلك من المواضع؟ قال وذكرت ذلك ليحيى بن النعمان الغفاري فقال: سمعت شيوخا من بني غفار يقولون: هو ماؤنا ومنزلنا وما ملكه أحد قط يقال له بدر، وما هو من بلاد جهينة إنما هي بلاد غفار، قال الواقدي: فهذا المعروف عندنا، وقوله تعالى: وأنتم أذلّةٌ معناه قليلون، وذلك أنهم كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر أو أربعة عشر رجلا، وكان عدوهم ما بين التسعمائة إلى الألف، وأذلّةٌ جمع ذليل، واسم الذل في هذا الموضع مستعار، ولم يكونوا في أنفسهم إلا أعزة، ولكن نسبتهم إلى عدوهم وإلى جميع الكفار في أقطار الأرض يقتضي عند التأمل ذلتهم، وأنهم مغلوبون، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم: اللهم إن تهلك هذه العصابة لم تعبد، وهذه الاستعارة كاستعارة الكذب في قوله في الموطأ، كذب كعب، وكقوله كذب أبو محمد، وكاستعارة المسكنة لأصحاب السفينة على بعض الأقوال، إذ كانت مسكنتهم بالنسبة إلى الملك القادر الغاصب، ثم أمر تعالى المؤمنين بالتقوى، ورجاهم بالإنعام الذي يوجب الشكر، ويحتمل أن يكون المعنى: اتقوا الله عسى أن يكون تقواكم شكرا على النعمة في نصره ببدر). [المحرر الوجيز: 2/342-343]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ولقد نصركم اللّه ببدرٍ وأنتم أذلّةٌ فاتّقوا اللّه لعلّكم تشكرون} أي: يوم بدرٍ، وكان في جمعةٍ وافق السّابع عشر من رمضان، من سنة اثنتين من الهجرة، وهو يوم الفرقان الّذي أعزّ اللّه فيه الإسلام وأهله، ودمغ فيه الشّرك وخرّب محله، [هذا] مع قلّة عدد المسلمين يومئذٍ، فإنّهم كانوا ثلاثمائةٍ وثلاثة عشر رجلًا فيهم فرسان وسبعون بعيرا، والباقون مشاة، ليس معهم من العدد جميع ما يحتاجون إليه، وكان العدوّ يومئذٍ ما بين التّسعمائةٍ إلى الألف في سوابغ الحديد والبيض، والعدّة الكاملة والخيول المسوّمة والحليّ الزّائد، فأعزّ اللّه رسوله، وأظهر وحيه وتنزيله، وبيّض وجه النّبيّ وقبيله، وأخزى الشّيطان وجيله ولهذا قال تعالى -ممتنا على عباده المؤمنين وحزبه المتّقين: {ولقد نصركم اللّه ببدرٍ وأنتم أذلّةٌ} أي: قليلٌ عددكم ليعلموا أنّ النّصر إنّما هو من عند اللّه، لا بكثرة العدد والعدد؛ ولهذا قال في الآية الأخرى: {ويوم حنينٍ إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئًا [وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثمّ ولّيتم مدبرين. ثمّ أنزل اللّه سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودًا لم تروها وعذّب الّذين كفروا وذلك جزاء الكافرين. ثمّ يتوب اللّه من بعد ذلك على من يشاء] واللّه غفورٌ رحيمٌ} [التّوبة: 25 -27].
وقال الإمام أحمد: حدّثنا محمّد بن جعفر، حدّثنا شعبة، عن سماك قال: سمعت عياضا الأشعريّ قال: شهدت اليرموك وعلينا خمسة أمراء: أبو عبيدة، ويزيد بن أبي سفيان، وابن حسنة، وخالد بن الوليد، وعياضٌ -وليس عياضٌ هذا الّذي حدّث سماكًا-قال: وقال عمر، رضي اللّه عنه: إذا كان قتالٌ فعليكم أبو عبيدة. قال: فكتبنا إليه إنّه قد جاش إلينا الموت، واستمددناه، فكتب إلينا: إنّه قد جاءني كتابكم تستمدّونني وإنّي أدلّكم على من هو أعزّ نصرًا، وأحصن جندًا: اللّه عزّ وجلّ، فاستنصروه، فإنّ محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم قد نصر يوم بدرٍ في أقلّ من عدّتكم، فإذا جاءكم كتابي فقاتلوهم ولا تراجعوني. قال فقاتلناهم فهزمناهم أربعة فراسخ، قال: وأصبنا أموالًا فتشاورنا، فأشار علينا عياضٌ أن نعطي عن كلّ ذي رأسٍ عشرةً. قال: وقال أبو عبيدة: من يراهنني؟ فقال شابٌّ: أنا، إن لم تغضب. قال: فسبقه، فرأيت عقيصتي أبي عبيدة تنقزان وهو خلفه على فرسٍ عري.
وهذا إسنادٌ صحيحٌ وقد أخرجه ابن حبّان في صحيحه من حديث بندار، عن غندر، بنحوه، واختاره الحافظ الضّياء المقدسيّ في كتابه.
وبدر محلّة بين مكّة والمدينة، تعرف ببئرها، منسوبةٌ إلى رجلٍ حفرها يقال له: "بدر بن النّارين". قال الشّعبيّ: بدرٌ بئرٌ لرجلٍ يسمّى بدرًا.
وقوله: {فاتّقوا اللّه لعلّكم تشكرون} أي: تقومون بطاعته).
[تفسير القرآن العظيم: 2/111-112]


تفسير قوله تعالى: {إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: إذ تقول العامل في إذ فعل مضمر، ويحتمل أن يكون العامل نصركم وهذا على قول الجمهور: إن هذا القول من النبي صلى الله عليه وسلم كان ببدر قال الشعبي والحسن بن أبي الحسن وغيرهما إن هذا كان ببدر، قال الشعبي بلغ المؤمنين أن كرز بن جابر بن حسل المحاربي محارب فهر، قد جاء في مدد للمشركين، فغم ذلك المؤمنين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للمؤمنين عن أمر الله تعالى، هذه المقالة فصبر المؤمنون واتقوا، وهزم المشركون وبلغت الهزيمة كرزا ومن معه فانصرفوا ولم يأتوا من فورهم، ولم يمدّ المؤمنون بالملائكة، وكانت الملائكة بعد ذلك تحضر حروب النبي صلى الله عليه وسلم مددا، وهي تحضر حروب المسلمين إلى يوم القيامة.

قال القاضي: وخالف الناس الشعبي في هذه المقالة، وتظاهرت الروايات بأن الملائكة حضرت بدرا وقاتلت، ومن ذلك قول أبي أسيد مالك بن ربيعة، لو كنت معكم الآن ببدر ومعي بصري لأريتكم الشعب الذي خرجت منه الملائكة، لا أشك ولا أتمارى، ومنه حديث الغفاري وابن عمه اللذين سمعا من الصحابة، أقدم حيزوم فانكشف قناع قلب أحدهما فمات مكانه، وتماسك الآخر، وقال ابن عباس: لم تقاتل الملائكة في يوم من الأيام إلا يوم بدر، وكانوا يكونون في سائر الأيام عددا ومددا لا يضربون، ومن ذلك قول أبي سفيان بن الحارث لأبي لهب: ما هو إلا أن لقينا القوم فمنحناهم أكتافنا يقتلون ويأسرون، وعلى ذلك فو الله ما لمت الناس، لقينا رجالا بيضا على خيل بلق بين السماء والأرض ما تليق شيئا ولا يقوم لها شيء، ومن ذلك أن أبا اليسر كعب بن عمرو الأنصاري أحد بني سلمة أسر يوم بدر العباس بن عبد المطلب وكان أبو اليسر رجلا مجموعا وكان العباس رجلا طويلا جسيما فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
لقد أعانك عليه ملك كريم، الحديث بطوله، وقد قال بعض الصحابة: كنت يوم بدر أتبع رجلا من المشركين لأضربه بسيفي فلما دنوت منه وقع رأسه قبل أن يصل سيفي إليه فعلمت أن ملكا قتله، وقال قتادة ابن دعامة: أمد الله المؤمنين يوم بدر بخمسة آلاف من الملائكة، قال الطبري: وقال آخرون: إن الله وعد المؤمنين يوم بدر أن يمدهم في حروبهم كلها إن صبروا واتقوا، فلم يفعلوا ذلك إلا في يوم الأحزاب، فأمدهم حين حاصروا قريظة، ثم أدخل تحت هذه الترجمة عن عبد الله بن أبي أوفى أنه قال: حاصرنا قريظة مدة فلم يفتح علينا فرجعنا، فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دعا بغسل يريد أن يغسل رأسه، إذ جاءه جبريل عليه السلام فقال: وضعتم أسلحتكم ولم تضع الملائكة أوزارها فلف رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه بخرقة ولم يغسله، ونادى فينا فقمنا كالين متعبين، حتى أتينا قريظة والنضير، فيومئذ أمدنا الله بالملائكة بثلاثة آلاف، وفتح لنا فتحا يسيرا، فانقلبنا بنعمة من الله وفضل، وقال عكرمة: كان الوعد يوم بدر، فلم يصبروا يوم أحد ولا اتقوا، فلم يمدوا ولو مدوا لم يهزموا، وقال الضحاك: كان هذا الوعد والمقالة للمؤمنين يوم أحد، ففر الناس وولوا مدبرين فلم يمدهم الله، وإنما مدوا يوم بدر بألف من الملائكة مردفين، وقال ابن زيد: قال المسلمون لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وهم ينتظرون المشركين: يا رسول الله أليس يمدنا الله كما أمدنا يوم بدر؟ فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: ألن يكفيكم الآية وإنما أمدهم يوم بدر بألف قال ابن زيد: فلم يصبروا، وقوله تعالى: ألن يكفيكم تقرير على اعتقادهم الكفاية في هذا العدد من الملائكة، ومن حيث كان الأمر بينا في نفسه أن الملائكة كافية، بادر المتكلم إلى الجواب ليبني ما يستأنف من قوله عليه فقال: بلى وهي جواب المقررين، وهذا يحسن في الأمور البينة التي لا محيد في جوابها، ونحوه قوله تعالى: قل أيّ شيءٍ أكبر شهادةً قل اللّه [الأنعام: 19] وفي مصحف أبي بن كعب، «ألا يكفيكم» وقد مضى القول في قوله: ويمدّهم في طغيانهم [البقرة: 15] وقرأ الحسن بن أبي الحسن: «بثلاثة آلاف»، يقف على الهاء، وكذلك «بخمسة آلاف»، ووجه هذه القراءة ضعيف، لأن المضاف والمضاف إليه يقتضيان الاتصال، إذ هما كالاسم الواحد، وإنما الثاني كمال للأول، والهاء إنما هي أمارة وقف، فيقلق الوقف في موضع إنما هو للاتصال، لكن قد جاء نحو هذا للعرب في مواضع، فمن ذلك ما حكاه الفراء أنهم يقولون: أكلت لحما، شاة، يريدون لحم شاة فمطلوا الفتحة حتى نشأت عنها ألف، كما قالوا في الوقف، قالا: يريدون قال: ثم مطلوا الفتحة في القوافي ونحوها من مواضع الروية والتثبت، ومن ذلك في الشعر قول الشاعر: [عنترة]: [الرجز]:
ينباع من ذفرى غضوب جسرة يريد ينبع فمطل ومنه قول الآخر: [الرجز]
أقول إذ جرت على الكلكال = يا ناقتا ما جلت من مجال
يريد على الكلكل، فمطل ومنه قول الآخر: [لابن هرمة]: [الوافر]
فأنت من الغوائل حين ترمي = ومن ذمّ الرجال بمنتزاح
يريد بمنتزح، قال أبو الفتح: فإذا جاز ان يعترض هذا التمادي بين أثناء الكلمة الواحدة، جاز التمادي والتأني بين المضاف والمضاف إليه إذ هما في الحقيقة اثنان، وقرأ ابن عامر وحده: «منزّلين» بفتح النون والزاي مشددة، وقرأ الباقون: منزلين بسكون النون وفتح الزاي مخففة، وقرأ ابن أبي عبلة: «منزّلين» بفتح النون وكسر الزاي مشددة، معناها: ينزلون النصر، وحكى النحاس قراءة ولم ينسبها: «منزلين» بسكون النون وكسر الزاي خفيفة، وفسرها بأنهم ينزلون النصر). [المحرر الوجيز: 2/343-347]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدّكم ربّكم بثلاثة آلافٍ من الملائكة منزلين (124) بلى إن تصبروا وتتّقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربّكم بخمسة آلافٍ من الملائكة مسوّمين (125) وما جعله اللّه إلا بشرى لكم ولتطمئنّ قلوبكم به وما النّصر إلا من عند اللّه العزيز الحكيم (126) ليقطع طرفًا من الّذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين (127) ليس لك من الأمر شيءٌ أو يتوب عليهم أو يعذّبهم فإنّهم ظالمون (128) وللّه ما في السّماوات وما في الأرض يغفر لمن يشاء ويعذّب من يشاء واللّه غفورٌ رحيمٌ (129)}
اختلف المفسّرون في هذا الوعد: هل كان يوم بدر أو يوم أحد؟ على قولين:
أحدهما: أنّ قوله: {إذ تقول للمؤمنين} متعلّقٌ بقوله: {ولقد نصركم اللّه ببدرٍ} وروي هذا عن الحسن البصريّ، وعامرٍ الشّعبيّ، والرّبيع بن أنسٍ، وغيرهم. واختاره ابن جريرٍ.
قال عبّاد بن منصورٍ، عن الحسن في قوله: {إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدّكم ربّكم بثلاثة آلافٍ من الملائكة} قال: هذا يوم بدر. رواه ابن أبي حاتمٍ، ثمّ قال:
حدّثنا أبي، حدّثنا موسى بن إسماعيل، حدّثنا وهيب عن داود، عن عامرٍ -يعني الشّعبيّ-أنّ المسلمين بلغهم يوم بدرٍ أنّ كرز بن جابرٍ يمدّ المشركين، فشقّ ذلك عليهم، فأنزل اللّه: {ألن يكفيكم أن يمدّكم ربّكم بثلاثة آلافٍ من الملائكة منزلين} إلى قوله: {مسوّمين} قال: فبلغت كرزًا الهزيمة، فلم يمدّ المشركين ولم يمدّ اللّه المسلمين بالخمسة.
وقال الرّبيع بن أنسٍ: أمدّ اللّه المسلمين بألفٍ، ثمّ صاروا ثلاثة آلافٍ، ثمّ صاروا خمسة آلافٍ.
فإن قيل: فما الجمع بين هذه الآية -على هذا القول-وبين قوله تعالى في قصّة بدرٍ: {إذ تستغيثون ربّكم فاستجاب لكم أنّي ممدّكم بألفٍ من الملائكة مردفين [وما جعله اللّه إلا بشرى ولتطمئنّ به قلوبكم وما النّصر إلا من عند اللّه] إنّ اللّه عزيزٌ حكيمٌ} [الأنفال:9، 10] فالجواب: أنّ التّنصيص على الألف هاهنا لا ينافي الثّلاثة الآلاف فما فوقها، لقوله: {مردفين} بمعنى يردفهم غيرهم ويتبعهم ألوفٌ أخر مثلهم. وهذا السّياق شبيهٌ بهذا السّياق في سورة آل عمران. فالظّاهر أنّ ذلك كان يوم بدرٍ كما هو المعروف من أنّ قتال الملائكة إنّما كان يوم بدرٍ، واللّه أعلم، قال سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة: أمدّ الله المؤمنين يوم بدر بخمسة آلاف.
القول الثّاني: أنّ هذا الوعد متعلق بقوله: {وإذ غدوت من أهلك تبوّئ المؤمنين مقاعد للقتال} وذلك يوم أحد. وهو قول مجاهدٍ، وعكرمة، والضّحّاك، والزّهريّ، وموسى بن عقبة وغيرهم. لكن قالوا: لم يحصل الإمداد بالخمسة الآلاف؛ لأنّ المسلمين فرّوا يومئذٍ -زاد عكرمة: ولا بالثّلاثة الآلاف؛ لقوله: {بلى إن تصبروا وتتّقوا} فلم يصبروا، بل فرّوا، فلم يمدّوا بملكٍ واحدٍ).
[تفسير القرآن العظيم: 2/112-113]


تفسير قوله تعالى: {بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125)}

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ( {بلى إن تصبروا وتتّقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربّكم بخمسة آلاف من الملائكة مسوّمين}
وقوله جلّ وعزّ: {ويأتوكم من فورهم هذا}أي: من وجههم، و"هذا " نعت نفورهم، و {يمددكم} جواب الجزاء يقال أمددت الجيش بعدد، وأمد الجرح إذا صارت فيه المدّة، يمد فهو ممدّ، ومدّ النهر ومدّه نهر آخر.
وقوله جلّ وعزّ: (مسوّمين) قرئت (مسوّمين) و (مسوّمين) ومعنى (مسوّمين): أخذ من السّومة، وهي العلامة، كانوا يعلمون بصوفة أو بعمامة أو ما أشبه ذلك.
و(مسوّمين): معلّمين.
وجائز أن يكون مسوّمين: قد سوّموا خيلهم وجعلوها سائمة).
[معاني القرآن: 1/466-467]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وبلى - جواب للنفي الذي في ألن وقد تقدم معناه، ثم ذكر تعالى الشرط الذي معه يقع الإمداد وهو الصبر، والتقى. و «الفور»: النهوض المسرع إلى الشيء مأخوذ من فور القدر والماء ونحوه، ومنه قوله تعالى: وفار التّنّور [هود: 40] فالمعنى ويأتوكم في نهضتكم هذه، قال ابن عباس: من فورهم هذا: معناه من سفرهم هذا، قال الحسن والسدي: معناه، من وجههم هذا، وقاله قتادة، وقال مجاهد وعكرمة وأبو صالح مولى أم هاني: من غضبهم هذا.
قال القاضي: وهذا تفسير لا يخص اللفظة قد يكون «الفور» لغضب ولطمع ولرغبة في أجر، ومنه الفور في الحج والوضوء، وقرأ أبو عمرو وابن كثير وعاصم: «مسوّمين»، بكسر الواو، وقرأ الباقون: «مسوّمين» بفتح الواو، فأما من قرأ بفتح الواو فمعناه: معلمين بعلامات، قال أبو زيد الأنصاري: «السومة» العلامة تكون على الشاة وغيرها يجعل عليها لون يخالف لونها لتعرف، وروي أن الملائكة أعلمت يومئذ بعمائم بيض، حكاه المهدوي عن الزجّاج، إلا جبريل عليه السلام فإنه كان بعمامة صفراء على مثال عمامة الزبير بن العوام، وقاله ابن إسحاق، وقال مجاهد: كانت خيلهم مجزوزة الأذناب والأعراف معلمة النواصي والأذناب بالصوف والعهن، وقال الربيع: كانت سيماهم أنهم كانوا على خيل بلق، وقال عباد بن حمزة بن عبد الله بن الزبير: نزلت الملائكة في سيما الزبير عليهم عمائم صفر، وقال ذلك عروة وعبد الله ابنا الزبير: وقال عبد الله: كانت ملاءة صفراء فاعتم الزبير بها، ومن قرأ: «مسوّمين» بكسر الواو، فيحتمل من المعنى مثل ما تقدم، أي هم قد أعلموا أنفسهم بعلامة وأعلموا خيلهم، ورجح الطبري وغيره هذه القراءة، بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمسلمين يوم بدر: سوّموا فإن الملائكة قد سوّمت، فهم على هذا مسومون، وقال كثير من أهل التفسير: إن معنى «مسوّمين» بكسر الواو أي هم قد سوموا خيلهم: أي أعطوها سومها من الجري والقتال والإحضار فهي سائمة، ومنه سائمة الماشية، لأنها تركت وسومها من الرعي، وذكر المهدوي هذا المعنى في «مسوّمين» بفتح الواو أي أرسلوا وسومهم.
قال القاضي: وهذا قلق: وقد قاله ابن فورك أيضا). [المحرر الوجيز: 2/347-348]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {بلى إن تصبروا وتتّقوا} يعني: تصبروا على مصابرة عدوّكم وتتّقوني وتطيعوا أمري.
وقوله: {ويأتوكم من فورهم هذا} قال الحسن، وقتادة، والرّبيع، والسّدّي: أي من وجههم هذا. وقال مجاهدٌ، وعكرمة، وأبو صالحٍ: أي من غضبهم هذا. وقال الضّحّاك: من غضبهم ووجههم. وقال العوفيّ عن ابن عبّاسٍ: من سفرهم هذا. ويقال: من غضبهم هذا.
وقوله: {يمددكم ربّكم بخمسة آلافٍ من الملائكة مسوّمين} أي: معلّمين بالسّيما.
وقال أبو إسحاق السّبيعي، عن حارثة بن مضرّب، عن عليّ بن أبي طالبٍ، رضي اللّه عنه، قال: كان سيما الملائكة يوم بدرٍ الصّوف الأبيض، وكان سيماهم أيضًا في نواصي خيلهم.
رواه ابن أبي حاتمٍ، ثمّ قال: حدّثنا أبو زرعة، حدّثنا هدبة بن خالدٍ، حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن محمّد بن عمرو بن علقمة، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة في هذه الآية: {مسوّمين} قال: بالعهن الأحمر.
وقال مجاهدٌ: {مسوّمين} أي: محذّقة أعرافها، معلّمة نواصيها بالصّوف الأبيض في أذناب الخيل.
وقال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ، قال: أتت الملائكة محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم مسوّمين بالصّوف، فسوم محمّدٌ وأصحابه أنفسهم وخيلهم على سيماهم بالصّوف.
وقال عكرمة وقتادة {مسوّمين} أي: بسيما القتال، وقال مكحولٌ: {مسوّمين} بالعمائم.
وروى ابن مردويه، من حديث عبد القدّوس بن حبيب، عن عطاء بن أبي رباحٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في قوله: {مسوّمين} قال: "معلّمين. وكان سيما الملائكة يوم بدر عمائم سود، ويوم حنين عمائم حمر".
وروى من حديث حصين بن مخارق، عن سعيدٍ، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عبّاسٍ قال: لم تقاتل الملائكة إلّا يوم بدرٍ.
وقال ابن إسحاق: حدّثني من لا أتّهم، عن مقسم، عن ابن عبّاسٍ قال: كان سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيض قد أرسلوها في ظهورهم، ويوم حنينٍ عمائم حمرا. ولم تضرب الملائكة في يومٍ سوى يوم بدرٍ، وكانوا يكونون فيما سواه من الأيّام عددًا ومددًا لا يضربون.
ثمّ رواه عن الحسن بن عمارة، عن الحكم، عن مقسم عن ابن عبّاسٍ، فذكر نحوه.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا الأحمسي حدّثنا وكيع، حدّثنا هشام بن عروة، عن يحيى بن عبّادٍ: أنّ الزّبير [بن العوّام] رضي اللّه عنه، كان عليه يوم بدرٍ عمامةٌ صفراء معتجرًا بها، فنزلت الملائكة عليهم عمائم صفر.
رواه ابن مردويه من طريق هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد الله بن الزّبير، فذكره).
[تفسير القرآن العظيم: 2/113-114]


تفسير قوله تعالى: {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {وما جعله اللّه إلّا بشرى لكم ولتطمئنّ قلوبكم به وما النّصر إلّا من عند اللّه العزيز الحكيم}
وما جعل ذكر المدد إلا بشرى لكم ولتمكنوا في حربكم). [معاني القرآن: 1/467]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: وما جعله اللّه إلاّ بشرى لكم ولتطمئنّ قلوبكم به وما النّصر إلاّ من عند اللّه العزيز الحكيم (126) ليقطع طرفاً من الّذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين (127) ليس لك من الأمر شيءٌ أو يتوب عليهم أو يعذّبهم فإنّهم ظالمون (128) وللّه ما في السّماوات وما في الأرض يغفر لمن يشاء ويعذّب من يشاء واللّه غفورٌ رحيمٌ (129)
الضمير في جعله اللّه عائد على الإنزال والإمداد، و «البشرى» مصدر واللام في ولتطمئنّ متعلقة بفعل مضمر يدل عليه جعله، ومعنى الآية: وما كان هذا الإمداد إلا لتستبشروا به وتطمئن به قلوبكم وتروا حفاية الله بكم، وإلا فالكثرة لا تغني شيئا إلا أن ينصر الله، وقوله: وما النّصر يريد للمؤمنين، وكذلك أيضا هي الإدالة للكفار من عند الله). [المحرر الوجيز: 2/349]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وما جعله اللّه إلا بشرى لكم ولتطمئنّ قلوبكم به} أي: وما أنزل اللّه الملائكة وأعلمكم بإنزالها إلّا بشارةً لكم وتطييبًا لقلوبكم وتطمينًا، وإلّا فإنّما النّصر من عند اللّه، الّذي لو شاء لانتصر من أعدائه بدونكم، ومن غير احتياجٍ إلى قتالكم لهم، كما قال تعالى بعد أمره المؤمنين بالقتال: {ذلك ولو يشاء اللّه لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعضٍ والّذين قتلوا في سبيل اللّه فلن يضلّ أعمالهم. سيهديهم ويصلح بالهم. ويدخلهم الجنّة عرّفها لهم.} [محمّدٍ:4-6]. ولهذا قال هاهنا: {وما جعله اللّه إلا بشرى لكم ولتطمئنّ قلوبكم به وما النّصر إلا من عند اللّه العزيز الحكيم} أي: هو ذو العزّة الّتي لا ترام، والحكمة في قدره والإحكام). [تفسير القرآن العظيم: 2/114]

تفسير قوله تعالى: {لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ (127)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {ليقطع طرفا من الّذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين} أي: لينقل قطعة منهم.
(أو يكبتهم)أي: يهزمهم، قال أبو عبيدة: يقال كبته اللّه لوجهه، أي: صرعه الله لوجهه، والخائب الذي لم ينل ما أمّل). [معاني القرآن: 1/467]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (واللام في قوله: ليقطع متعلقة بقوله وما النّصر إلّا من عند اللّه وعلى هذا لا يكون قطع الطرف مختصا بيوم، اللهم إلا أن تكون الألف واللام في «النصر» للعهد، وقيل: العامل فيه «ولقد نصركم» حكاه ابن فورك وهو قلق، لأن قوله: أو يكبتهم لا يترتب عليه، وقد يحتمل أن تكون اللام في قوله ليقطع متعلقة ب جعله، فيكون قطع الطرف إشارة إلى من قتل ببدر، على ما قال الحسن وابن إسحاق وغيرهم، أو إلى من قتل بأحد على ما قال السدي، وقتل من المشركين ببدر سبعون، وقتل منهم يوم أحد اثنان وعشرون رجلا، وقال السدي: قتل منهم ثمانية عشر والأول أصح، و «الطرف» الفريق، ومتى قتل المسلمون كفارا في حرب فقد قطعوا طرفاً، لأنه الذي وليهم من الكفار فكأن جميع الكفار رقعة وهؤلاء المقتولون طرف منها أي حاشية، ويحتمل أن يكون قوله تعالى: ليقطع طرفاً بمنزلة ليقطع دابرا وقوله:
أو يكبتهم معناه: أو يخزيهم، والكبت الصرع لليدين، وقال النقاش وغيره: التاء بدل من دال كبته أصله كبده أي فعل به يؤذي كبده، وإذا نصر الله على أمة كافرة فلا بد من أحد هذين الوجهين، إما أن يقتل منهم أو يخيبوا، فذلك نوع من الهزم). [المحرر الوجيز: 2/349]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى: {ليقطع طرفًا من الّذين كفروا} أي: أمركم بالجهاد والجلاد، لما له في ذلك من الحكمة في كلّ تقديرٍ، ولهذا ذكر جميع الأقسام الممكنة في الكفّار المجاهدين. فقال: {ليقطع طرفًا} أي: ليهلك أمّةً {من الّذين كفروا أو يكبتهم} أي: يخزيهم ويردّهم بغيظهم لمّا لم ينالوا منكم ما أرادوا؛ ولهذا قال: {أو يكبتهم فينقلبوا} أي: يرجعوا {خائبين} أي: لم يحصلوا على ما أمّلوا). [تفسير القرآن العظيم: 2/114]

تفسير قوله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذّبهم فإنّهم ظالمون}
أنزل عليه ذلك - صلى الله عليه وسلم - لأنه في يوم أحد شجّ وكسرت رباعيته فقال وهو يمسح الدم عن وجهه: كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم، فأعلمه اللّه جلّ وعزّ - أن فلاحهم ليس إليه وأنه ليس له من الأمر شيء إلا أن يبلغ الرسالة ويجاهد حتى يظهر الدين، وأن ثوابه على اللّه - جلّ وعزّ - في ذلك.
ونصب {أو يتوب}على ضربين:
جائز أن يكون: عطفا على قوله: ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم أو يتوب عليهم أو يعذبهم.
والوجه الثاني: على النصب بأو إذ كانت في معنى إلا أن.
فالمعنى: ليس لك من الأمر شيء أي: ليس يؤمنون إلا أن يتوب الله عليهم، أو حتى يتوب الله عليهم). [معاني القرآن: 1/467-468]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: ليس لك من الأمر شيءٌ توقيف على أن الأمر كله لله، وهذا التوقيف يقتضي أنه كان بسبب من جهة النبي صلى الله عليه وسلم وروي في ذلك أنه لما هزم أصحابه وشج في وجهه، حتى دخلت بعض حلق الدرع في خده وكسرت رباعيته وارتث بالحجارة حتى صرع لجنبه، تحيز عن الملحمة، وجعل يمسح الدم من وجهه ويقول: لا يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم، هكذا لفظ الحديث من طريق أنس بن مالك، وفي بعض الطرق، وكيف يفلح؟ وفي بعضها أن سالما مولى أبي حذيفة كان يغسل الدم عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فأفاق وهو يقول: كيف بقوم فعلوا هذا بنبيهم وهو يدعوهم إلى الله؟
فنزلت الآية، بسبب هذه المقالة.
قال القاضي: وكأن النبي صلى الله عليه وسلم لحقه في تلك الحال يأس من فلاح كفار قريش، فمالت نفسه إلى أن يستأصلهم الله ويريح منهم، فروي أنه دعا عليهم أو أستأذن في أن يدعو عليهم، وروى ابن عمر وغيره: أنه دعا على أبي سفيان والحارث بن هشام وصفوان بن أمية باللعنة، إلى غير هذا من معناه، فقيل له بسبب ذلك، ليس لك من الأمر شيءٌ أي عواقب الأمور بيد الله، فامض أنت لشأنك ودم على الدعاء إلى ربك، قال الطبري وغيره من المفسرين: قوله: أو يتوب عليهم عطف على يكبتهم.
قال القاضي: فقوله: ليس لك من الأمر شيءٌ اعتراض أثناء الكلام، وقوله: أو يتوب معناه: فيسلمون، وقوله: أو يعذّبهم معناه: في الآخرة بأن يوافوا على الكفر، قال الطبري وغيره: ويحتمل أن يكون قوله أو يتوب بمعنى حتى يتوب أو إلى أن يتوب فيجيء بمنزلة قولك: لا أفارقك أو تقضيني حقي، وكما تقول: لا يتم هذا الأمر أو يجيء فلان، وقوله تعالى: ليس لك من الأمر شيءٌ ليس باعتراض على هذا التأويل، وإنما المعنى الإخبار لمحمد عليه السلام أنه ليس يتحصل له من أمر هؤلاء الكفار شيء يؤمله إلا أن يتوب الله عليهم فيسلموا، فيرى محمد عليه السلام أحد أمليه فيهم، أو يعذبهم الله بقتل في الدنيا، أو بنار في الآخرة أو بهما، فيرى محمد صلى الله عليه وسلم الأمل الآخر، وعلى هذا التأويل فليس في قوله: ليس لك من الأمر شيءٌ ردع كما هو في التأويل الأول، وذلك التأويل الأول أقوى، وقرأ أبي بن كعب، «أو يتوب أو يعذب» برفع الباء فيهما، المعنى: أو هو يتوب، ثم قرر تعالى ظلم هؤلاء الكفار.
ثم أكد معنى قوله ليس لك من الأمر شيءٌ بالقول العام وذكر الحجة الساطعة في ذلك وهي ملكه الأشياء، إذ ذلك مقتض أن يفعل بحق ملكه ما شاء، لا اعتراض عليه ولا معقب لحكمه، وذكر أن الغفران أو التعذيب إنما هو بمشيئته وحسب السابق في علمه). [المحرر الوجيز: 2/350-351]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ اعترض بجملةٍ دلّت على أنّ الحكم في الدّنيا والآخرة له وحده لا شريك له، فقال: {ليس لك من الأمر شيءٌ} أي: بل الأمر كلّه إليّ، كما قال: {فإنّما عليك البلاغ وعلينا الحساب} [الرّعد:40] وقال {ليس عليك هداهم ولكنّ اللّه يهدي من يشاء} [البقرة:272]. وقال {إنّك لا تهدي من أحببت ولكنّ اللّه يهدي من يشاء} [القصص:56].
قال محمّد بن إسحاق في قوله: {ليس لك من الأمر شيءٌ} أي: ليس لك من الحكم شيءٌ في عبادي إلّا ما أمرتك به فيهم.
ثمّ ذكر تعالى بقيّة الأقسام فقال: {أو يتوب عليهم} أي: ممّا هم فيه من الكفر ويهديهم بعد الضّلالة {أو يعذّبهم} أي: في الدّنيا والآخرة على كفرهم وذنوبهم؛ ولهذا قال: {فإنّهم ظالمون} أي: يستحقّون ذلك.
وقال البخاريّ: حدّثنا حبّان بن موسى، أخبرنا عبد اللّه، أخبرنا معمر، عن الزّهريّ، حدّثني سالمٌ، عن أبيه: أنّه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول، إذا رفع رأسه من الرّكوع في الرّكعة الثّانية من الفجر اللّهمّ العن فلانًا وفلانًا" بعد ما يقول: "سمع الله لمن حمده، ربّنا ولك الحمد" فأنزل اللّه تعالى {ليس لك من الأمر شيءٌ [أو يتوب عليهم أو يعذّبهم فإنّهم ظالمون]}.
وهكذا رواه النّسائيّ، من حديث عبد اللّه بن المبارك وعبد الرّزّاق، كلاهما، عن معمر، به.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا أبو النّضر، حدّثنا أبو عقيلٍ -قال أحمد: وهو عبد اللّه بن عقيلٍ، صالح الحديث ثقةٌ-قال: حدّثنا عمر بن حمزة، عن سالمٍ، عن أبيه قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "اللّهمّ العن فلانا، اللّهمّ العن الحارث بن هشام، اللّهمّ العن سهيل بن عمرو، اللّهمّ العن صفوان بن أميّة". فنزلت هذه الآية: {ليس لك من الأمر شيءٌ أو يتوب عليهم أو يعذّبهم فإنّهم ظالمون} فتيب عليهم كلّهم.
وقال أحمد: حدّثنا أبو معاوية الغلابي، حدّثنا خالد بن الحارث، حدّثنا محمّد بن عجلان، عن نافعٍ، عن عبد اللّه؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يدعو على أربعةٍ قال: فأنزل اللّه: {ليس لك من الأمر شيءٌ [أو يتوب عليهم أو يعذّبهم فإنّهم ظالمون]} قال: وهداهم اللّه للإسلام.
وقال محمّد بن عجلان، عن نافعٍ، عن ابن عمر قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يدعو على رجالٍ من المشركين يسمّيهم بأسمائهم، حتّى أنزل اللّه: {ليس لك من الأمر شيءٌ} الآية.
وقال البخاريّ أيضًا: حدّثنا موسى بن إسماعيل، حدّثنا إبراهيم بن سعد، عن ابن شهابٍ، عن سعيد بن المسيّب، وأبي سلمة بن عبد الرّحمن، عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان إذا أراد أن يدعو على أحدٍ -أو يدعو لأحدٍ-قنت بعد الرّكوع، وربّما قال -إذا قال: "سمع اللّه لمن حمده، ربّنا ولك الحمد-: "اللّهمّ انج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشامٍ، وعيّاش بن أبي ربيعة، والمستضعفين من المؤمنين، اللّهمّ اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم سنين كسنيّ يوسف". يجهر بذلك، وكان يقول -في بعض صلاته في صلاة الفجر-: "اللّهمّ العن فلانًا وفلانًا" لأحياءٍ من أحياء العرب، حتّى أنزل اللّه {ليس لك من الأمر شيءٌ} الآية.
وقال البخاريّ: قال حميد وثابتٌ، عن أنس بن مالكٍ: شجّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يوم أحد، فقال: "كيف يفلح قومٌ شجّوا نبيّهم؟ ". فنزلت: {ليس لك من الأمر شيءٌ} وقد أسند هذا الحديث الّذي علّقه البخاريّ رحمه اللّه.
وقال البخاريّ: في غزوة أحد: حدّثنا يحيى بن عبد اللّه السّلميّ، حدّثنا عبد اللّه -أخبرنا معمر، عن الزّهريّ، حدّثني سالم بن عبد اللّه، عن أبيه أنّه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول -إذا رفع رأسه من الرّكوع، في الرّكعة الأخيرة من الفجر-: "اللّهمّ العن فلانًا وفلانًا وفلانًا" بعد ما يقول: "سمع الله لمن حمده، ربّنا ولك الحمد". فأنزل اللّه: {ليس لك من الأمر شيءٌ} [إلى قوله: {فإنّهم ظالمون}].
وعن حنظلة بن أبي سفيان قال: سمعت سالم بن عبد اللّه قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يدعو على صفوان بن أميّة، وسهيل بن عمرٍو، والحارث بن هشامٍ، فنزلت: {ليس لك من الأمر شيءٌ [أو يتوب عليهم أو يعذّبهم] فإنّهم ظالمون}.
هكذا ذكر هذه الزّيادة البخاريّ معلّقةً مرسلةً مسندةٌ متّصلةٌ في مسند أحمد متّصلةٌ آنفًا.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا هشيم، حدّثنا حميد، عن أنسٍ، رضي اللّه عنه أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كسرت رباعيته يوم أحد، وشجّ في جبهته حتّى سال الدّم على وجهه، فقال: "كيف يفلح قومٌ فعلوا هذا بنبيّهم، وهو يدعوهم إلى ربّهم، عزّ وجلّ". فأنزل اللّه تعالى: {ليس لك من الأمر شيءٌ أو يتوب عليهم أو يعذّبهم فإنّهم ظالمون}
انفرد به مسلمٌ، فرواه [عن] القعنبيّ، عن حمّاد، عن ثابتٍ، عن أنسٍ، فذكره.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا ابن حميدٍ، حدّثنا يحيى بن واضحٍ، حدّثنا الحسين بن واقدٍ، عن مطرٍ، عن قتادة قال: أصيب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يوم أحدٍ وكسرت رباعيته، وفرق حاجبه، فوقع وعليه درعان والدّم يسيل، فمرّ به سالمٌ مولى أبي حذيفة، فأجلسه ومسح عن وجهه، فأفاق وهو يقول: "كيف بقومٍ فعلوا هذا بنبيّهم، وهو يدعوهم إلى الله؟ " فأنزل اللّه: {ليس لك من الأمر شيءٌ [أو يتوب عليهم أو يعذّبهم فإنّهم ظالمون]}.
وكذا رواه عبد الرّزّاق، عن معمر، عن قتادة، بنحوه، ولم يقل: فأفاق).
[تفسير القرآن العظيم: 2/114-116]



* للاستزادة ينظر: هنا