21 Aug 2015
* للاستزادة ينظر: هنا
تفسير
قوله تعالى: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا
أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ
اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ
رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا
وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ما
كان اللّه ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتّى يميز الخبيث من الطّيّب
وما كان اللّه ليطلعكم على الغيب ولكنّ اللّه يجتبي من رسله من يشاء فآمنوا
باللّه ورسله وإن تؤمنوا وتتّقوا فلكم أجر عظيم}
يروى في التفسير: أن الكفار قالوا للنبي - صلى
الله عليه وسلم - تخبرنا بأن الإنسان في النار حتى إذا صار من أهل ملّتك
قلت إنه من أهل الجنة، فأعلم اللّه عزّ وجلّ - أن حكم من كفر أن يقال له:
إنه من أهل النار، ومن آمن فهو - ما آمن وأقام على إيمانه وأدّى ما افترض
عليه - من أهل الجنة، أعلم أن المؤمنين وهم (الطيّب) مميزّون من الخبيث، أي: مخلّصون.
وقوله عزّ وجلّ: {وما كان اللّه ليطلعكم على الغيب} أي:
ما كان اللّه ليعلمكم من " يصير منكم مؤمنا بعد كفره، لأن الغيب إنما يطلع
عليه الرسل لإقامة البرهان، لأنهم رسل وأن ما أتوا به من عند اللّه، وقد
قيل في التفسير: ما بالنا نحن لا نكون أنبياء، فأعلم اللّه أن ذلك إليه،
وأنه يختار لرسالاته من يشاء). [معاني القرآن: 1/492]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (واختلف
المفسرون في معنى قوله تعالى: ما كان اللّه ليذر فقال مجاهد وابن جريج
وابن إسحاق وغيرهم: الخطاب للمؤمنين، والمعنى: ما كان الله ليدع المؤمنين
مختلطين بالمنافقين مشكلا أمرهم، يجري المنافق مجرى المؤمن، ولكنهم ميز
بعضهم من بعض، بما ظهر من هؤلاء وهؤلاء في أحد من الأفعال والأقوال، وقال
قتادة والسدي: الخطاب للكفار، والمعنى: حتى يميز المؤمنين من الكافرين
بالإيمان والهجرة، وقال السدي وغيره: قال الكفار في بعض جدلهم: أنت يا محمد
تزعم في الرجل منا أنه من أهل النار، وأنه إذا اتبعك من أهل الجنة، فكيف
يصح هذا؟ ولكن أخبرنا بمن يؤمن منا وبمن يبقى على كفره، فنزلت الآية، فقيل
لهم: لا بد من التمييز وما كان اللّه ليطلعكم على الغيب فيمن يؤمن ولا فيمن
يبقى كافرا ولكن هذا رسول مجتبى فآمنوا به. فإن آمنتم نجوتم وكان لكم أجر،
وأما مجاهد وابن جريج وأهل القول، فقولهم في تأويل قوله تعالى: وما كان
اللّه ليطلعكم على الغيب أنه في أمر «أحد» أي ما كان الله ليطلعكم على أنكم
تهزمون، فكنتم تكعون عن هذا. وأيضا فما كان ليطلعكم على المنافقين تصريحا
بهم وتسمية لهم، ولكن هذا بقرائن أفعالهم وأقوالهم في مثل هذا الموطن،
وحتى- في قوله: حتّى يميز غاية مجردة، لأن الكلام قبلها معناه: الله يخلص
ما بينكم بابتلائه وامتحانه حتى يميز، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن
عامر وعاصم: «حتى يميز» - بفتح الياء وكسر الميم وتخفيف الياء، وكذلك
«ليميز»، وقرأ حمزة والكسائي: «حتى يميّز» و «ليميز الله» بضم الياء
والتشديد، قال يعقوب بن السكيت: مزت وميزت، لغتان بمعنى واحد، قال أبو علي:
وليس ميزت بمنقول من مزت، بدليل أن ميزت لا يتعدى إلى مفعولين وإنما يتعدى
إلى مفعول واحد كمزت، كما أن «ألقيت» ليس بمنقول من لقي، إنما هو بمعنى
أسقطت، والغيب هنا: ما غاب عن البشر مما هو في علم الله من الحوادث التي
تحدث ومن الأسرار التي في قلوب المنافقين، ومن الأقوال التي يقولونها إذا
غابوا عن الناس، قال الزجّاج وغيره: روي أن بعض الكفار قال: لم لا يكون
جميعنا أنبياء؟ فنزلت هذه الآية، ويجتبي- معناه: يختار ويصطفي، وهي من جبيت
الماء والمال، وباقي الآية بين والله المستعان). [المحرر الوجيز: 2/429-430]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ
قال تعالى: {ما كان اللّه ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتّى يميز
الخبيث من الطّيّب} أي: لا بد أن يعقد سببًا من المحنة، يظهر فيه وليّه،
ويفتضح فيه عدوّه. يعرف به المؤمن الصّابر، والمنافق الفاجر. يعني بذلك يوم
أحدٍ الّذي امتحن به المؤمنين، فظهر به إيمانهم وصبرهم وجلدهم [وثباتهم]
وطاعتهم للّه ولرسوله صلّى اللّه عليه وسلّم، وهتك به ستر المنافقين، فظهر
مخالفتهم ونكولهم عن الجهاد وخيانتهم للّه ولرسوله [صلّى اللّه عليه وسلّم]
ولهذا قال: {ما كان اللّه ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتّى يميز
الخبيث من الطّيّب}.
قال مجاهدٌ: ميّز بينهم يوم أحدٍ. وقال قتادة: ميّز بينهم بالجهاد والهجرة.
وقال السّدّي: قالوا: إن كان محمّدٌ صادقًا فليخبرنا عمّن يؤمن به منّا
ومن يكفر. فأنزل اللّه: {ما كان اللّه ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتّى
[يميز الخبيث من الطّيّب} أي: حتّى] يخرج المؤمن من الكافر. روى ذلك كلّه
ابن جريرٍ:
ثمّ قال: {وما كان اللّه ليطلعكم على الغيب} أي: أنتم لا تعلمون غيب اللّه
في خلقه حتّى يميز لكم المؤمن من المنافق، لولا ما يعقده من الأسباب
الكاشفة عن ذلك.
ثمّ قال: {ولكنّ اللّه يجتبي من رسله من يشاء} كقوله {عالم الغيب فلا يظهر
على غيبه أحدًا إلا من ارتضى من رسولٍ فإنّه يسلك من بين يديه ومن خلفه
رصدًا} [الجنّ:26، 27].
ثمّ قال: {فآمنوا باللّه ورسله} أي: أطيعوا اللّه ورسوله واتّبعوه فيما شرع لكم {وإن تؤمنوا وتتّقوا فلكم أجرٌ عظيمٌ} ). [تفسير القرآن العظيم: 2/173]
تفسير
قوله تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ
اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ
سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ولا
يحسبنّ الّذين يبخلون بما آتاهم اللّه من فضله هو خيرا لهم بل هو شرّ لهم
سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة وللّه ميراث السّماوات والأرض واللّه بما
تعملون خبير} هذا يعني به:
علماء اليهود الذين بخلوا بما آتاهم اللّه من علم نبوة النبي - صلى الله
عليه وسلم - ومشاقته وعداوته وقد قيل إنهم الذين يبخلون بالمال فيمنعون
الزكاة.
قال أهل العربية، المعنى: لا يحسبن الذين يبخلون البخل هو خيرا لهم.
ودل (يبخلون) على البخل. و (هو) ههنا فصل، وهو الذي يسميه الكوفيون العماد، وقد فسرناه إلا أنا أغفلنا فيه شيئا نذكره ههنا:
زعم سيبويه أن هو، وهما، وهم، وأنا، وأنت، ونحن
- وهي، وسائر هذه الأشياء إنما تكون فصولا مع الأفعال التي تحتاج إلى اسم
وخبر ولم يذكر سيبويه الفصل مع المبتدأ والخبر، ولو تأول متأول أن ذكره
الفصل ههنا يدل على أنه جائز في المبتدأ أو الخبر كان ذلك غير ممتنع.
قال أبو إسحاق: والذي أرى أنا في هذه {ولا يحسبن الذين يبخلون} بالياء، ويكون الاسم محذوفا.
وقد يجوز {ولا تحسبن الذين يبخلون}، على معنى: ولا تحسبن بخل الذين يبخلون، ولكن حذف البخل من ههنا فيه قبح، إلا أن حذفه من قولك: {ولا يحسبن الذين يبخلون} قد دل يبخلون فيه على البخل، كما تقول: من كذب كان شرّا له، والقراءة بالتاء عندي لا تمنع، فيكون مثل {وأسأل القرية} أي: أهل القرية، فكذلك يكون معنى هذا: لا تحسبن بخل الباخلين خيرا لهم.
وقوله عزّ وجلّ: {وللّه ميراث السّماوات والأرض}أي: اللّه
يغني أهلهما فيغنيان بما فيهما، ليس لأحد فيهما ملك فخوطب القوم بما
يعقلون، لأنهم يجعلون ما رجع إلى الإنسان ميراثا إذا كان ملكا له). [معاني القرآن: 1/492-493]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله
تعالى: ولا يحسبنّ الّذين يبخلون بما آتاهم اللّه من فضله هو خيراً لهم بل
هو شرٌّ لهم سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة وللّه ميراث السّماوات
والأرض واللّه بما تعملون خبيرٌ (180) لقد سمع اللّه قول الّذين قالوا إنّ
اللّه فقيرٌ ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حقٍّ ونقول
ذوقوا عذاب الحريق (181)
لّقد سمع الله قول
الّذين قالوا إنّ الله فقير ونحن أغنياء القراءات في قوله تعالى: ولا
يحسبنّ الّذين يبخلون كالتي تقدمت آنفا في قوله ولا يحسبنّ الّذين كفروا
سواء، وقال السدي وجماعة من المتأولين: الآية نزلت في البخل بالمال
والإنفاق في سبيل الله وأداء الزكاة المفروضة ونحو ذلك، قالوا: ومعنى:
سيطوّقون ما بخلوا هو الذي ورد في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أنه قال: ما من ذي رحم يأتي ذا رحمه فيسأله عن فضل ما عنده فيبخل به عليه
إلا خرج له يوم القيامة شجاع أقرع من الناس يتلمظ حتى يطوقه. والأحاديث في
مثل هذا من منع الزكاة واكتناز المال كثيرة صحيحة. وقال ابن عباس: الآية
إنما نزلت في أهل الكتاب وبخلهم ببيان ما علمهم الله من أمر محمد صلى الله
عليه وسلم، وقال ذلك مجاهد وجماعة من أهل التفسير، وقوله تعالى سيطوّقون
على هذا التأويل معناه سيحملون عقاب ما بخلوا به، فهو من الطاقة كما قال
تعالى: وعلى الّذين يطيقونه [البقرة: 184] وليس من التطويق، وقال إبراهيم
النخعي: سيطوّقون سيجعل لهم يوم القيامة طوق من نار، وهذا يجري مع التأويل
الأول الذي ذكرته للسدي وغيره، وقال مجاهد: سيكلفون أن يأتوا بمثل ما بخلوا
به يوم القيامة، وهذا يضرب مع قوله: إن البخل هو بالعلم الذي تفضل الله
عليهم بأن علمهم إياه وإعراب قوله تعالى: الّذين يبخلون رفع في قراءة من
قرأ «يحسبن» بالياء من أسفل والمفعول الأول مقدر بالصلة تقديره «ولا يحسبن
الذين يبخلون بما آتاهم من فضله بخلهم هو خيرا»، والمفعول الثاني خيرا، وهو
فاصلة وهي العماد عند الكوفيين، ودل قوله: يبخلون على هذا البخل المقدر
كما دل السفيه على السفه في قول الشاعر: [الوافر]
إذ نهي السّفيه جرى إليه = وخالف، والسّفيه إلى خلاف
فالمعنى جرى إلى
السفه، وأما من قرأ «تحسبن» بالتاء من فوق ففي الكلام حذف مضاف هو المفعول
الأول، تقديره ولا تحسبن يا محمد بخل الذين يبخلون خيرا لهم، قال الزّجاج:
وهي مثل وسئل القرية [يوسف: 82] وقوله تعالى: وللّه ميراث السّماوات خطاب
على ما يفعله البشر دال على فناء الجميع وأنه لا يبقى مالك إلا الله تعالى
وإن كان ملكه تعالى على كل شيء لم يزل، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «والله بما
يعملون» بالياء من أسفل على ذكر الذين يبخلون ويطوقون، وقرأ الباقون
بالتاء من فوق، وذلك على الرجوع من الغيبة إلى المخاطبة لأنه قد تقدم وإن
تؤمنوا وتتّقوا [آل عمران: 179]). [المحرر الوجيز: 2/430-432]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله:
{ولا يحسبنّ الّذين يبخلون بما آتاهم اللّه من فضله هو خيرًا لهم بل هو
شرٌّ لهم} أي: لا يحسبنّ البخيل أنّ جمعه المال ينفعه، بل هو مضّرة عليه في
دينه -وربّما كان-في دنياه.
ثمّ أخبر بمآل أمر ماله يوم القيامة فقال: " سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة " قال البخاريّ:
حدّثنا عبد اللّه بن منيرٍ، سمع أبا النّضر، حدّثنا عبد الرّحمن -هو ابن
عبد اللّه بن دينارٍ-عن أبيه، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة قال: قال رسول
اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "من آتاه الله مالا فلم يؤدّ زكاته مثّل له
شجاعًا أقرع له زبيبتان، يطوّقه يوم القيامة، يأخذ بلهزمتيه -يعني
بشدقيه-يقول: أنا مالك، أنا كنزك" ثمّ تلا هذه الآية: {ولا يحسبنّ الّذين
يبخلون بما آتاهم اللّه من فضله هو خيرًا لهم بل هو شرٌّ لهم} إلى آخر
الآية.
تفرّد به البخاريّ دون مسلمٍ من هذا الوجه، وقد رواه ابن حبّان في صحيحه من
طريق اللّيث بن سعدٍ، عن محمّد بن عجلان، عن القعقاع بن حكيمٍ، عن أبي
صالحٍ، به.
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا حجين بن المثنّى، حدّثنا عبد العزيز بن
عبد اللّه بن أبي سلمة، عن عبد اللّه بن دينارٍ، عن ابن عمر، عن النّبيّ
صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "إنّ الّذي لا يؤدّي زكاة ماله يمثّل الله له
ماله يوم القيامة شجاعًا أقرع له زبيبتان، ثمّ يلزمه يطوّقه، يقول: أنا
كنزك، أنا كنزك".
وهكذا رواه النّسائيّ عن الفضل بن سهلٍ، عن أبي النّضر هاشم بن القاسم، عن
عبد العزيز بن عبد اللّه بن أبي سلمة، به ثمّ قال النّسائيّ: ورواية عبد
العزيز، عن عبد اللّه بن دينارٍ، عن ابن عمر، أثبت من رواية عبد الرّحمن،
عن أبيه عبد اللّه بن دينارٍ، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة.
قلت: ولا منافاة بينهما فقد يكون عند عبد اللّه بن دينارٍ من الوجهين،
واللّه أعلم. وقد ساقه الحافظ أبو بكر بن مردويه من غير وجهٍ، عن أبي
صالحٍ، عن أبي هريرة. ومن حديث محمّد بن أبي حميدٍ، عن زيادٍ الخطميّ، عن
أبي هريرة، به.
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا سفيان، عن جامعٍ، عن أبي وائلٍ، عن عبد
اللّه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم؛ قال: " ما من عبدٍ لا يؤدّي
زكاة ماله إلّا جعل له شجاعٌ أقرع يتبعه، يفرّ منه وهو يتبعه فيقول: أنا كن
". ثمّ قرأ عبد اللّه مصداقه من كتاب اللّه: {سيطوّقون ما بخلوا به يوم
القيامة}.
وهكذا رواه التّرمذيّ والنّسائيّ وابن ماجه، من حديث سفيان بن عيينة، عن
جامع بن أبي راشدٍ، زاد التّرمذيّ: وعبد الملك بن أعين، كلاهما عن أبي
وائلٍ شقيق بن سلمة، عن عبد اللّه بن مسعودٍ، به. ثمّ قال التّرمذيّ: حسنٌ
صحيحٌ. وقد رواه الحاكم في مستدركه، من حديث أبي بكر بن عيّاشٍ وسفيان
الثّوريّ، كلاهما عن أبي إسحاق السّبيعي، عن أبي وائلٍ، عن ابن مسعودٍ، به
ورواه ابن جريرٍ من غير وجه، عن ابن مسعود، موقوفا.
حديثٌ آخر: قال الحافظ أبو يعلى: حدّثنا أميّة بن بسطام، حدّثنا يزيد بن
زريع، حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن معدان بن أبي
طلحة، عن ثوبان، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم؛ قال: " من ترك بعده
كنزا مثّل له شجاعًا أقرع يوم القيامة له زبيبتان، يتبعه ويقول: من أنت؟
ويلك. فيقول: أنا كنزك الّذي خلّفت بعدك فلا يزال يتبعه حتّى يلقمه يده
فيقضمها، ثمّ يتبعه سائر جس". إسناده جيّدٌ قويٌّ ولم يخرّجوه.
وقد رواه الطّبرانيّ عن جرير بن عبد اللّه البجلي ورواه ابن جريرٍ وابن
مردويه من حديث بهز بن حكيمٍ، عن أبيه، عن جدّه، عن النّبيّ صلّى اللّه
عليه وسلّم قال: "لا يأتي الرّجل مولاه فيسأله من فضل ماله عنده، فيمنعه
إيّاه، إلّا دعي له يوم القيامة شجاعٌ يتلمّظ فضله الّذي منع". لفظ ابن
جريرٍ.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا ابن المثنّى، حدّثنا عبد الأعلى، حدّثنا داود، عن
أبي قزعة، عن رجلٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "ما من ذي رحمٍ
يأتي ذا رحمه، فيسأله من فضلٍ جعله الله عنده، فيبخل به عليه، إلّا أخرج له
من جهنّم شجاعٌ يتلمّظ، حتّى يطوّقه".
ثمّ رواه من طريقٍ أخرى عن أبي قزعة -واسمه حجير بن بيان-عن أبي مالكٍ العبديّ موقوفًا. ورواه من وجهٍ آخر عن أبي قزعة مرسلًا.
وقال العوفي عن ابن عبّاسٍ: نزلت في أهل الكتاب الّذين بخلوا بما في أيديهم من الكتب المنزّلة أن يبيّنوها.
رواه ابن جريرٍ. والصّحيح الأوّل، وإن دخل هذا في معناه. وقد يقال: [إنّ] هذا أولى بالدّخول، واللّه أعلم.
وقوله: {وللّه ميراث السّماوات والأرض} أي: فأنفقوا ممّا جعلكم مستخلفين
فيه، فإنّ الأمور كلّها مرجعها إلى اللّه عزّ وجلّ. فقدّموا لكم من أموالكم
ما ينفعكم يوم معادكم {واللّه بما تعملون خبيرٌ} أي: بنياتكم وضمائركم). [تفسير القرآن العظيم: 2/174-176]