21 Aug 2015
* للاستزادة ينظر: هنا
تفسير قوله
تعالى: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ
فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ
الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ
(181)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {لقد سمع اللّه قول الّذين قالوا إنّ اللّه فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حقّ ونقول ذوقوا عذاب الحريق} هؤلاء رؤوساء أهل الكتاب لما نزلت {من ذا الّذي يقرض اللّه قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة}
قالوا: نرى أنّ إله محمد يستقرض منا فنحن إذن أغنياء وهو فقير، وقالوا هذا
تلبيسا على ضعفتهم، وهم يعلمون أن الله عزّ وجلّ: لا يستقرض من عوز، ولكنه
يبلو الأخيار فهم يعلمون أن اللّه سمّى الإعطاء والصّدقة قرضا، يؤكد به -
أن أضعافه ترجع إلى أهله، وهو عزّ وجل يقبض ويبسط أي يوسع ويقتر، فأعلم
اللّه عزّ وجلّ أنه قد سمع مقالتهم، وأعلم أن ذلك مثبت عليهم وأنهم إليه
يرجعون فيجازيهم على ذلك وأنه خبير بعملهم.
وقوله عزّ وجلّ: {سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حقّ ونقول ذوقوا عذاب الحريق}
ومعنى {عذاب الحريق} أي: عذاب محرق - بالنار، لأن العذاب يكون بغير النار.
فأعلم أن مجازاة هؤلاء هذا العذاب.
وقوله{ذوقوا} هذه كلمة تقال للشيء يوئس من العفو يقال ذق ما أنت فيه، أي: لست بمتخلّص منه). [معاني القرآن: 1/493-494]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله
تعالى: لقد سمع اللّه الآية، قال ابن عباس: نزلت بسبب فنحاص اليهودي وذلك
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر الصديق رضي الله عنه إلى بيت
المدراس ليدعوهم فوجد فيه جماعة من اليهود قد اجتمعوا على فنحاص- وهو
حبرهم- فقال أبو بكر له: يا فنحاص اتق الله وأسلم فو الله إنك لتعلم أن
محمدا رسول الله قد جاءكم بالحق من عند الله تجدونه مكتوبا عندكم في
التوراة، فقال فنحاص: والله يا أبا بكر ما بنا إلى الله من حاجة وإنه إلينا
لفقير وإنّا عنه لأغنياء، ولو كان غنيا لما استقرضنا أموالنا كما يزعم
صاحبكم، في كلام طويل غضب أبو بكر منه، فرفع يده فلطم وجه فنحاص وسبه وهمّ
بقتله، ثم منعه من ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: لا تحدث
شيئا حتى تنصرف إليّ، ثم ذهب فنحاص إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشكا فعل
أبي بكر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: ما حملك على ما صنعت؟
قال يا رسول الله: إنه قال قولا عظيما فلم أملك نفسي أن صنعت ما صنعت،
فنزلت الآية في ذلك وقال قتادة: نزلت الآية في حيي بن أخطب، وذلك أنه لما
نزلت من ذا الّذي يقرض اللّه قرضاً حسناً [البقرة: 245] قال: يستقرضنا
ربنا؟ إنما يستقرض الفقير الغني، وقال الحسن بن أبي الحسن ومعمر وقتادة
أيضا وغيرهم: لما نزلت من ذا الّذي يقرض اللّه قرضاً حسناً [البقرة: 245]،
قالت اليهود: إنما يستقرض الفقير من الغني، ولا محالة أن هذا قول صدر أولا
عن فنحاص وحيي وأشباههما من الأحبار ثم تقاولها اليهود، وهو قول يغلط به
الأتباع ومن لا علم عنده بمقاصد الكلام، وهذا تحريف اليهود التأويل على نحو
ما صنعوا في توراتهم وقوله تعالى: قول الّذين كفروا دال على أنهم جماعة.
قرأ حمزة وحده «سيكتب»
بالياء من أسفل على بناء الفعل للمفعول و «قتلهم» برفع اللام عطفا على
المفعول الذي لم يسم فاعله، و «يقول» بالياء من أسفل، وقرأ الباقون بنون
الجمع، فإما أنها نون العظمة، وإما هي للملائكة وما على هذه القراءة مفعولة
بها، و «قتلهم» بنصب اللام عطفا على ما ونقول بالنون على نحو سنكتب
والمعنى في هاتين القراءتين قريب بعضه من بعض، قال الكسائي: وفي قراءة عبد
الله بن مسعود «ويقال ذوقوا» وقال أبو معاذ النحوي في حرف ابن مسعود:
«سنكتب ما يقولون ويقال لهم ذوقوا» وقرأ طلحة بن مصرف «سنكتب ما يقولون»
وحكى أبو عمرو عنه أيضا أنه قرأ «ستكتب» بتاء مرفوعة ما قالوا، بمعنى:
ستكتب مقالتهم، وهذه الآية وعيد لهم، أي سيحصى عليهم قولهم، والكتب فيما
قال كثير من العلماء هو في صحف تقيده الملائكة فيها، وتلك الصحف المكتوبة
هي التي توزن وفيها يخلق الله الثقل والخفة بحسب العمل المكتوب فيها، وذهب
قوم إلى أن الكتب عبارة عن الإحصاء وعدم الإهمال، فعبر عن ذلك بما تفهم
العرب منه غاية الضبط والتقييد، فمعنى الآية: أن أقوال هؤلاء تكتب
وأعمالهم، ويتصل ذلك بأفعال آبائهم من قتل الأنبياء بغير حق ونحوه، ثم يقال
لجميعهم ذوقوا عذاب الحريق وخلطت الآية الآباء مع الأبناء في الضمائر، إذ
الآباء هم الذين طوقوا لأبنائهم الكفر وإذ الأبناء راضون بأفعال الآباء
متبعون لهم، والذوق مع العذاب مستعار، عبارة عن المباشرة، إذ الذوق من أبلغ
أنواعها وحاسته مميزة جدا، والحريق معناه: المحرق فعيل بمعنى مفعل وقيل:
الحريق طبقة من طبقات جهنم). [المحرر الوجيز: 2/432-434]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({لقد
سمع اللّه قول الّذين قالوا إنّ اللّه فقيرٌ ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا
وقتلهم الأنبياء بغير حقٍّ ونقول ذوقوا عذاب الحريق (181) ذلك بما قدّمت
أيديكم وأنّ اللّه ليس بظلامٍ للعبيد (182) الّذين قالوا إنّ اللّه عهد
إلينا ألا نؤمن لرسولٍ حتّى يأتينا بقربانٍ تأكله النّار قل قد جاءكم رسلٌ
من قبلي بالبيّنات وبالّذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين (183) فإن
كذّبوك فقد كذّب رسلٌ من قبلك جاءوا بالبيّنات والزّبر والكتاب المنير
(184)}
قال سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: لمّا نزل قوله: {من ذا الّذي يقرض
اللّه قرضًا حسنًا فيضاعفه له أضعافًا كثيرةً} [البقرة:245] قالت اليهود:
يا محمّد، افتقر ربّك. يسأل عباده القرض؟ فأنزل اللّه: {لقد سمع اللّه قول
الّذين قالوا إنّ اللّه فقيرٌ ونحن أغنياء} الآية. رواه ابن مردويه وابن
أبي حاتمٍ.
وقال محمّد بن إسحاق: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن عكرمة أنّه حدّثه عن
ابن عبّاسٍ، رضي اللّه عنه، قال: دخل أبو بكرٍ الصّدّيق، رضي اللّه عنه،
بيت المدراس، فوجد من يهود أناسًا كثيرًا قد اجتمعوا إلى رجلٍ منهم يقال
له: فنحاص وكان من علمائهم وأحبارهم، ومعه حبرٌ يقال له: أشيع. فقال أبو
بكرٍ: ويحك يا فنحاص اتّق اللّه وأسلم، فواللّه إنّك لتعلم أنّ محمّدًا
رسول اللّه، قد جاءكم بالحقّ من عنده، تجدونه مكتوبًا عندكم في التّوراة
والإنجيل، فقال فنحاص: واللّه -يا أبا بكرٍ-ما بنا إلى اللّه من حاجةٍ من
فقرٍ، وإنّه إلينا لفقيرٌ. ما نتضرّع إليه كما يتضرّع إلينا، وإنّا عنه
لأغنياء، ولو كان عنّا غنيًّا ما استقرض منّا كما يزعم صاحبكم، ينهاكم عن
الرّبا ويعطناه ولو كان غنيًّا ما أعطانا الرّبا فغضب أبو بكرٍ، رضي اللّه
عنه، فضرب وجه فنحاص ضربًا شديدًا، وقال: والّذي نفسي بيده، لولا الّذي
بيننا وبينك من العهد لضربت عنقك يا عدوّ اللّه، فاكذبونا ما استطعتم إن
كنتم صادقين، فذهب فنحاص إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: أبصر
ما صنع بي صاحبك. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لأبي بكرٍ: "ما
حملك على ما صنعت؟ " فقال: يا رسول اللّه، إنّ عدوّ اللّه قد قال قولًا
عظيمًا، زعم أنّ اللّه فقيرٌ وأنّهم عنه أغنياء، فلمّا قال ذلك غضبت للّه
ممّا قال، فضربت وجهه فجحد ذلك فنحاص وقال: ما قلت ذلك فأنزل اللّه فيما
قال فنحاص ردًّا عليه وتصديقًا لأبي بكرٍ: {لقد سمع اللّه قول الّذين قالوا
إنّ اللّه فقيرٌ ونحن أغنياء} الآية. رواه ابن أبي حاتمٍ.
وقوله: {سنكتب ما قالوا} تهديدٌ ووعيدٌ؛ ولهذا قرنه بقوله: {وقتلهم
الأنبياء بغير حقٍّ} أي: هذا قولهم في اللّه، وهذه معاملتهم لرسل اللّه،
وسيجزيهم اللّه على ذلك شرّ الجزاء؛ ولهذا قال: {ونقول ذوقوا عذاب الحريق.
ذلك بما قدّمت أيديكم وأنّ اللّه ليس بظلامٍ للعبيد} أي: يقال لهم ذلك
تقريعًا وتحقيرًا وتصغيرًا). [تفسير القرآن العظيم: 2/176]
تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (182)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله
تعالى: ذلك بما قدّمت أيديكم وأنّ اللّه ليس بظلاّمٍ للعبيد (182) الّذين
قالوا إنّ اللّه عهد إلينا ألاّ نؤمن لرسولٍ حتّى يأتينا بقربانٍ تأكله
النّار قل قد جاءكم رسلٌ من قبلي بالبيّنات وبالّذي قلتم فلم قتلتموهم إن
كنتم صادقين (183)
وقوله تعالى: ذلك بما قدّمت
أيديكم توبيخ وتوقيف داخل فيما يقال لهم يوم القيامة، ويحتمل أن يكون خطابا
لمعاصري النبي عليه السلام يوم نزول الآية، ونسب هذا التقديم إلى اليد إذ
هي الكاسبة للأعمال في غالب أمر الإنسان، فأضيف كل كسب إليها، ثم بين
تعالى: أنه يفعل هذا بعدل منه فيهم ووضع الشيء موضعه، والتقدير: وبأن الله
ليس بظلّامٍ للعبيد وجمع «عبدا» في هذه الآية على عبيد، لأنه مكان تشفيق
وتنجية من ظلم). [المحرر الوجيز: 2/434]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ولهذا
قال: {ونقول ذوقوا عذاب الحريق. ذلك بما قدّمت أيديكم وأنّ اللّه ليس
بظلامٍ للعبيد} أي: يقال لهم ذلك تقريعًا وتحقيرًا وتصغيرًا). [تفسير القرآن العظيم: 2/176] (م)
تفسير قوله
تعالى: {الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا
نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ
قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي
قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (183)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جل ذكره: {الّذين
قالوا إنّ اللّه عهد إلينا ألّا نؤمن لرسول حتّى يأتينا بقربان تأكله
النّار قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبيّنات وبالّذي قلتم فلم قتلتموهم إن
كنتم صادقين}
هذا من نعت (العبيد) الذين قالوا ({حتّى يأتينا بقربان تأكله النّار}أي: عهد إلينا ألا نؤمن لرسول حتى تكون آيته هذه الآية.
فأعلم اللّه - عزّ وجلّ - أنّ أسلافهم قد أتتهم الرسل بالبينات وبالذي طلبوا. فقتلوهم. فقال: (فلم قتلتموهم).
وهم لم يكونوا تولّوا القتل، ولكن رضوا بقتل أولئك الأنبياء فشركوهم في القتل). [معاني القرآن: 1/494-495]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله
تعالى: الّذين قالوا إنّ اللّه عهد إلينا صفة راجعة إلى قوله: الّذين
قالوا إنّ اللّه فقيرٌ وقال الزجاج: الّذين صفة للعبيد، وهذا مفسد للمعنى
والرصف، وهذه المقالة قالتها أحبار يهود مدافعة لأمر النبي صلى الله عليه
وسلم أي إنك لا تأتي بنار فنحن قد عهد إلينا أن لا نؤمن لك، وعهد معناه:
أمر والعهد: أخص من الأمر، وذلك أنه في كل ما يتطاول أمره ويبقى في غابر
الزمان، وتعدى «آمن» في هذه الآية باللام والباء في ضمن ذلك، «وقربان» مصدر
سمي به الشيء الذي يقرب كالرهن، وكان أمر القربان حكما قديما في الأنبياء،
ألا ترى أن ابني آدم قربا قربانا، وذلك أنهم كانوا إذا أرادوا معرفة قبول
الله تعالى لصدقة إنسان أو عمله أو صدق قوله، قرب قربانا شاة أو بقرة ذبيحة
أو بعض ذلك وجعله في مكان للهواء وانتظر به ساعة، فتنزل نار من السماء
فتحرق ذلك الشيء، فهذه علامة القبول، وإذا لم تنزل النار فليس ذلك العمل
بمقبول، ثم كان هذا الحكم في أنبياء بني إسرائيل، وكانت هذه النار أيضا
تنزل لأموال الغنائم فتحرقها، حتى أحلت الغنائم لمحمد صلى الله عليه وسلم
حسب الحديث وروي عن عيسى بن عمر، أنه كان يقرأ «بقربان» بضم الراء وذلك
للإتباع لضمة القاف وليست بلغة، لأنه ليس في الكلام فعلان بضم الفاء
والعين، وقد حكى سيبويه: السلطان بضم اللام، وقال: إن ذلك على الإتباع.
هذا رد عليهم في مقالتهم
وتبيين لإبطالهم، أي: قد جاءكم رسلٌ بالآيات الباهرة البينة، وفي جملتها ما
قلتم من أمر القربان فلم قتلتموهم يا بني إسرائيل المعنى بل هذا منكم تعلل
وتعنت، ولو أتيتكم بالقربان لتعللتم بغير ذلك، والاقتراح لا غاية له، ولا
يجاب كل مقترح، ولم يجب الله مقترحا إلا وقد أراد تعذيبه وأن لا يمهله،
كقوم صالح وغيرهم، وكذلك قيل لمحمد في اقتراح قريش فأبى، وقال: بل أدعوهم
وأعالجهم). [المحرر الوجيز: 2/435-436]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله:
{الّذين قالوا إنّ اللّه عهد إلينا ألا نؤمن لرسولٍ حتّى يأتينا بقربانٍ
تأكله النّار} يقول تعالى تكذيبًا أيضًا لهؤلاء الّذين زعموا أنّ اللّه عهد
إليهم في كتبهم ألّا يؤمنوا برسولٍ حتّى يكون من معجزاته أنّ من تصدّق
بصدقةٍ من أمّته فقبلت منه أن تنزل نارٌ من السّماء تأكلها. قاله ابن
عبّاسٍ والحسن وغيرهما. قال اللّه تعالى: {قل قد جاءكم رسلٌ من قبلي
بالبيّنات} أي: بالحجج والبراهين {وبالّذي قلتم} أي: وبنارٍ تأكل القرابين
المتقبّلة {فلم قتلتموهم} أي: فلم قابلتموهم بالتّكذيب والمخالفة والمعاندة
وقتلتموهم {إن كنتم صادقين} أنّكم تتّبعون الحقّ وتنقادون للرّسل). [تفسير القرآن العظيم: 2/177]
تفسير
قوله تعالى: {فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ
جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (184)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {فإن كذّبوك فقد كذّب رسل من قبلك جاءوا بالبيّنات والزّبر والكتاب المنير}
الزّبر: جمع زبور والزبور كل كتاب ذو حكمة.
ويقال زبرت إذا كتبت. وزبرت إذا قرأت). [معاني القرآن: 1/495]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: فإن كذّبوك فقد كذّب رسلٌ من قبلك جاؤ بالبيّنات والزّبر والكتاب المنير (184)
ثم آنس تعالى نبيه بالأسوة
والقدوة فيمن تقدم من الأنبياء أي: فلا يعظم عليك ذلك، وقرأ ابن عامر: و
«بالزبر» بإعادة باء الجر، وسقوطها على قراءة الجمهور متجه، لأن الواو شركت
الزبر في الباء الأولى فاستغني عن إعادة الباء، وإعادتها أيضا متجهة لأجل
التأكيد، وكذلك ثبتت في مصاحف أهل الشام، وروي أيضا عن ابن عامر إعادة
الباء في قوله: «وبالكتاب المنير» والزّبر: الكتاب المكتوب يقال: زبرت
الكتاب إذا كتبته، وزبرته إذا قرأته، والشاهد لأنه الكتاب قول امرئ القيس:
[الطويل]
لمن طلل أبصرته فشجاني = كخطّ زبور في عسيب يماني؟
وقال الزجّاج: زبرت كتبت، وذبرت بالذال: قرأت، و «المنير»: وزنه مفعل من النور أي سطع نوره). [المحرر الوجيز: 2/436]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ
قال تعالى مسلّيًا لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {فإن كذّبوك فقد كذّب
رسلٌ من قبلك جاءوا بالبيّنات والزّبر والكتاب المنير} أي: لا يوهنك تكذيب
هؤلاء لك، فلك أسوة من قبلك من الرّسل الّذين كذبوا مع ما جاؤوا به من
البيّنات وهي الحجج والبراهين القاطعة {والزّبر} وهي الكتب المتلقّاة من
السّماء، كالصّحف المنزّلة على المرسلين {والكتاب المنير} أي: البين الواضح
الجليّ). [تفسير القرآن العظيم: 2/177]