الدروس
course cover
تفسير سورة آل عمران[من الآية (187) إلى الآية (189) ]
21 Aug 2015
21 Aug 2015

4594

0

0

course cover
تفسير سورة آل عمران

القسم الثاني عشر

تفسير سورة آل عمران[من الآية (187) إلى الآية (189) ]
21 Aug 2015
21 Aug 2015

21 Aug 2015

4594

0

0


0

0

0

0

0

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (187) لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (188) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (189)}


تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (187)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإذ أخذ اللّه ميثاق الّذين أوتوا الكتاب لتبيّننّه للنّاس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون}
{لتبيّننّه للنّاس}وليبيننه بالياء والتاء:
فمن قال ليبيننه بالياء، فلأنهم غيب.
ومن قال بالتاء حكى المخاطبة التي كانت في وقت أخذ الميثاق، والمعنى أن اللّه أخذ منهم الميثاق ليبينن أمر نبوة النبي - صلى الله عليه وسلم -.
{فنبذوه وراء ظهورهم}
معنى {نبذوه}:رموا به يقال للذي يطرح الشيء ولا يعبأ به: قد جعلت هذا الشيء بظهر، وقد رميته بظهر.
قال الفرزدق:
تميم بن قيس لا تكوننّ حاجتي... بظهر فلا يعيا عليّ جوابها
أي: لا تتركنها لا يعبأ بها.
وأنبأ اللّه عما حمل اليهود الذين كانوا رؤساء على كتمان أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: {واشتروا به ثمنا قليلا} أي: قبلوا على ذلك الرشا، وقامت لهم رياسة اكتسبوا بها، فذلك حملهم على الكفر بما يخفونه). [معاني القرآن: 1/496-497]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: وإذ أخذ اللّه ميثاق الّذين أوتوا الكتاب الآية، توبيخ لمعاصري النبي صلى الله عليه وسلم، ثم هو مع ذلك خبر عام لهم ولغيرهم. والعامل في إذ فعل مقدر تقديره اذكر، وأخذ هذا الميثاق وهو على ألسنة الأنبياء أمة بعد أمة، وقال ابن عباس والسدي وابن جريج: الآية في اليهود خاصة، أخذ الله عليهم الميثاق في أمر محمد فكتموه ونبذوه، قال مسلم البطين: سأل الحجاج بن يوسف جلساءه عن تفسير هذه الآية فقام رجل إلى سعيد بن جبير فسأله فقال له: نزلت في يهود أخذ الميثاق عليهم في أمر محمد فكتموه، وروي عن ابن عباس أنه قرأ «وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لتبيننه» فيجيء قوله فنبذوه عائدا على الناس الذين بين الأنبياء لهم، وقال قوم من المفسرين: الآية في اليهود والنصارى، وقال جمهور من العلماء: الآية عامة في كل من علمه الله علما، وعلماء هذه الأمة داخلون في هذا الميثاق، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار، وقد قال أبو هريرة: إني لأحدثكم حديثا، ولولا آية في كتاب الله ما حدثتكموه ثم تلا إنّ الّذين يكتمون ما أنزل اللّه من الكتاب [البقرة: 174] وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر: «ليبيننه للناس ولا يكتمونه»، بالياء من أسفل فيهما، وقرأ الباقون وحفص وعاصم بالتاء من فوق فيهما، وكلا القراءتين متجه، والضمير في الفصلين عائد على الكتاب، وفي قراءة ابن مسعود «لتبينونه» دون النون الثقيلة، وقد لا تلزم هذه النون لام القسم، قاله سيبويه، و «النبذ»: الطرح، وقوله تعالى: وراء ظهورهم، استعارة لما يبالغ في اطراحه، ومنه واتّخذتموه وراءكم ظهريًّا [هود: 92]، ومنه قول الفرزدق: [الطويل]
تميم بن مرّ لا تكوننّ حاجتي = بظهر فلا يعبى عليّ جوابها
ومنه بالمعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تجعلوني كقدح الراكب. أراد عليه السلام، لا تجعلوا ذكري وطاعتي خلف أظهركم، وهو موضع القدح ومنه قول حسان: [الطويل] (كما نيط خلف الراكب القدح الفرد)
والتشبيه بالقدح إنما هو في هيئته لا في معناه، لأن الراكب يحتاجه، ومحله من محلات الراكب جليل، والثمن القليل: هو مكسب الدنيا. وباقي الآية بين.
قال أبو محمد: والظاهر في هذه الآية أنها نزلت في اليهود، وهم المعنيون ثم إن كل كاتم من هذه الأمة يأخذ بحظه من هذه المذمة ويتصف بها). [المحرر الوجيز: 2/439-441]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وإذ أخذ اللّه ميثاق الّذين أوتوا الكتاب لتبيّننّه للنّاس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنًا قليلا فبئس ما يشترون (187) لا تحسبنّ الّذين يفرحون بما أتوا ويحبّون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنّهم بمفازةٍ من العذاب ولهم عذابٌ أليمٌ (188) وللّه ملك السّماوات والأرض واللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ (189)}
هذا توبيخٌ من اللّه وتهديدٌ لأهل الكتاب، الّذين أخذ عليهم العهد على ألسنة الأنبياء أن يؤمنوا بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، وأن ينوّهوا بذكره في النّاس ليكونوا على أهبة من أمره، فإذا أرسله اللّه تابعوه، فكتموا ذلك وتعوّضوا عمّا وعدوا عليه من الخير في الدّنيا والآخرة بالدّون الطّفيف، والحظّ الدّنيويّ السّخيف، فبئست الصّفقة صفقتهم، وبئست البيعة بيعتهم.
وفي هذا تحذير للعلماء أن يسلكوا مسلكهم فيصيبهم ما أصابهم، ويسلك بهم مسلكهم، فعلى العلماء أن يبذلوا ما بأيديهم من العلم النّافع، الدّالّ على العمل الصّالح، ولا يكتموا منه شيئًا، فقد ورد في الحديث المرويّ من طرقٍ متعدّدةٍ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: "من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجامٍ من نارٍ").
[تفسير القرآن العظيم: 2/180-181]

تفسير قوله تعالى: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (188)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {لا تحسبنّ الّذين يفرحون بما أتوا ويحبّون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنّهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم}
هؤلاء قوم من أهل الكتاب دخلوا على النبي - صلى الله عليه وسلم - وخرجوا من عنده فذكروا لمن كان رآهم في ذلك الوقت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أتاهم بأشياء قد عرفوها.
فحمدهم من شاهدهم من المسلمين على ذلك، وأبطنوا خلاف ما أظهروا وأقاموا بعد ذلك على الكفر، فأعلم اللّه - عزّ وجلّ - النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرهم وأعلمه أنهم ليسوا بمفازة من العذاب أي ليسوا ببعد من العذاب.
ووقعت {فلا تحسبنهم} - مكررة لطول القصة.
والعرب تعيد إذا طالت القصة في حسبت وما أشبهها، إعلاما أن الذي جرى متصل بالأول، وتوكيدا للأول، فنقول: لا تظنن زيدا إذا جاءك وكلمك بكذا وكذا - فلا تظننه صادقا، تعيد - فلا تظنن توكيدا - ولو قلت لا تظن زيدا إذا جاءك وحدثك بكذا وكذا صادقا جاز، ولكن التكرير أوكد وأوضح للقصة). [معاني القرآن: 1/497-498]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: لا تحسبنّ الّذين يفرحون بما أتوا ويحبّون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنّهم بمفازةٍ من العذاب ولهم عذابٌ أليمٌ (188) وللّه ملك السّماوات والأرض واللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ (189) إنّ في خلق السّماوات والأرض واختلاف اللّيل والنّهار لآياتٍ لأولي الألباب (190)
اختلف المفسرون في المراد بقوله تعالى: الّذين يفرحون فقال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه وابن زيد وجماعة: الآية نزلت في المنافقين، وذلك أنهم كانوا إذا خرج النبي صلى الله عليه وسلم للغزو تخلفوا عنه، فإذا جاء اعتذروا إليه وقالوا: كانت لنا أشغال ونحو هذا، فيظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم القبول ويستغفر لهم، ففضحهم الله تعالى بهذه الآية، فكانوا يفرحون بما يأتونه ويفعلونه من التخلف والاعتذار، ويحبون أن يقال لهم: إنهم في حكم المجاهدين لكن العذر حبسهم، وقالت جماعة كثيرة من المفسرين إنما نزلت الآية في أهل الكتاب أحبار اليهود ثم اختلفوا فيما هو الذي أتوه وكيف أحبوا المحمدة فقال ابن عباس رضي الله عنه: أتوا إضلال أتباعهم عن الإيمان بمحمد وفرحوا بذلك لدوام رياستهم الدنيوية، وأحبوا أن يقال عنهم: إنهم علماء بكتاب الله ومتقدم رسالاته، وقال ابن عباس أيضا والضحاك والسدي: أتوا أنهم تعاقدوا وتكاتبوا من كل قطر بالارتباط إلى تكذيب محمد صلى الله عليه وسلم والدفع في صدر نبوته، وأحبوا أن يقال عنهم: إنهم أهل صلاة وصيام وعبادة، وقالوا هم ذلك عن أنفسهم، وقال مجاهد: فرحوا بإعجاب أتباعهم بتبديلهم تأويل التوراة، وأحبوا حمدهم إياهم على ذلك، وهم في الحقيقة لم يفعلوا شيئا نافعا ولا صحيحا بل الحق أبلج، وقال سعيد بن جبير: الآية في اليهود، فرحوا بما أعطى الله آل إبراهيم من النبوءة والكتاب، فهم يقولون: نحن على طريقهم ويحبون أن يحمدوا بذلك وهم ليسوا على طريقتهم، وقراءة سعيد بن جبير: «أوتوا» بمعنى أعطوا بضم الهمزة والتاء، وعلى قراءته يستقيم المعنى الذي قال. وقال ابن عباس أيضا: إن الآية نزلت في قوم سألهم النبي عليه السلام عن شيء فكتموه الحق وقالوا له غير ذلك، ففرحوا بما فعلوا وأحبوا أن يحمدوا بما أجابوا، وظنوا أن ذلك قد قنع به واعتقدت صحته، وقال قتادة: إن الآية في يهود خيبر، نافقوا على النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين مرة، وقالوا: نحن معكم وعلى رأيكم وردء لكم وهم يعتقدون خلاف ذلك، فأحبوا الحمد على ما أظهروا وفرحوا بذلك، وقال الزجّاج: نزلت الآية في قوم من اليهود، دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم وكلموه في أشياء ثم خرجوا، فقالوا لمن لقوا من المسلمين: إن النبي أخبرهم بأشياء قد عرفوها فحمدهم المسلمون على ذلك وطمعوا بإسلامهم وكانوا قد أبطنوا خلاف ما أظهروا للمسلمين وتمادوا على كفرهم، فنزلت الآية فيهم وقرأ جمهور الناس: «أتوا» بمعنى فعلوا، كما تقول أتيت أمر كذا، وقرأ مروان بن الحكم وإبراهيم النخعي: «آتوا» بالمد، بمعنى أعطوا بفتح الهمزة والطاء.
قال أبو محمد: وهي قراءة تستقيم على بعض المعاني التي تقدمت، وقرأ سعيد بن جبير وأبو عبد الرحمن السلمي، «أوتوا» بمعنى أعطوا، وقد تقدمت مع معناها وقرأ أبو عمرو وابن كثير، لا يحسبن الذين يفرحون «فلا يحسبنهم» بالياء من تحت فيهما وبكسر السين وبرفع الباء في يحسبنهم، قال أبو علي: الّذين رفع بأنه فاعل «يحسب»، ولم تقع «يحسبن» على شيء، وقد تجيء هذه الأفعال لغوا لا في حكم الجمل المفيدة نحو قول الشاعر: [الطويل]
وما خلت أبقى بيننا من مودة = عراض المذاكي المسنفات القلائصا
وقال الخليل: العرب تقول: ما رأيته يقول ذلك إلا زيد، وما ظننته يقول ذلك إلا زيد فتتجه القراءة بكون قوله: «فلا تحسبنهم» بدلا من الأول وقد عدي إلى مفعوليه وهما الضمير، وقوله بمفازةٍ فاستغني بذلك عن تعدية الأول إليها كما استغني في قول الشاعر: [الطويل]
بأيّ كتاب أو بأيّة سنّة = ترى حبّهم عارا عليّ وتحسب؟
فاستغني بتعدية أحد الفعلين عن تعدية الآخر، والفاء في قوله فلا تحسبنّهم زائدة، ولذلك حسن البدل، إذ لا يتمكن أن تكون فاء عطف ولا فاء جزاء، فلم يبق إلا أن تكون زائدة لا يقبح وجودها بين البدل والمبدل منه، وقوله على هذه القراءة «فلا يحسبنهم»، فيه تعدي فعل الفاعل إلى ضمير نفسه، نحو ظننتني أخاه، ورأيتني الليلة عند الكعبة، ووجدتني رجعت من الإصغاء، وذلك أن هذه الأفعال وما كان في معناها لما كانت تدخل على الابتداء والخبر أشبهت «أن» وأخواتها، فكما تقول: إني ذاهب، فكذلك تقول: ظننتني ذاهبا، ولو قلت: أظن نفسي أفعل كذا لم يحسن، كما يحسن: أظنني فاعلا، قرأ نافع وابن عامر: «لا يحسبن الذين» بالياء من تحت وفتح الباء، وكسر نافع السين، وفتحها ابن عامر «فلا تحسبنهم» بالتاء من فوق، وفتح الباء، والمفعولان اللذان يقتضيهما قوله «لا يحسبن الذين» محذوفان لدلالة ما ذكر بعده، والكلام في ذلك كما تقدم في قراءة ابن كثير، إلا أنه لا يجوز في هذا البدل الذي ذكره في قراءة ابن كثير وأبي عمرو لاختلاف الفعلين واختلاف فعليهما، وقرأ حمزة «لا تحسبن» بالتاء من فوق وكسر السين «فلا تحسبنهم» بالتاء من فوق وكسر السين وفتح الباء ف الّذين على هذه القراءة مفعول أول «لتحسبن»، والمفعول الثاني محذوف لدلالة ما يجيء بعد عليه، كما قيل آنفا في المفعولين، وحسن تكرار الفعل في قوله «فلا تحسبنهم» لطول الكلام، وهي عادة العرب وذلك تقريب لذهن المخاطب، وقرأ الضحاك بن مزاحم «فلا تحسبنهم» بالتاء من فوق وفتح السين وضم الباء، و «المفازة»: مفعلة من فاز يفوز إذا نجا فهي بمعنى منجاة، وسمي موضع المخاف مفازة على جهة التفاؤل، قاله الأصمعي وقيل: لأنها موضع تفويز ومظنة هلاك، تقول العرب: فوز الرجل إذا مات قال ثعلب: حكيت لابن الأعرابي قول الأصمعي فقال: أخطأ، قال لي أبو المكارم: إنما سميت «مفازة» لأن من قطعها فاز، وقال الأصمعي: سمي اللديغ سليما تفاؤلا، قال ابن الأعرابي: بل لأنه مستسلم لما أصابه). [المحرر الوجيز: 2/441-444]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله تعالى: {لا تحسبنّ الّذين يفرحون بما أتوا ويحبّون أن يحمدوا بما لم يفعلوا [فلا تحسبنّهم بمفازةٍ من العذاب]} الآية، يعني بذلك المرائين المتكثّرين بما لم يعطوا، كما جاء في الصّحيحين عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "من ادّعى دعوى كاذبةً ليتكثّر بها لم يزده اللّه إلّا قلّة" وفي الصّحيح: "المتشبّع بما لم يعط كلابس ثوبي زور".
وقال الإمام أحمد: حدّثنا حجّاج، عن ابن جريج، أخبرني ابن أبي مليكة أنّ حميد بن عبد الرّحمن بن عوف أخبره: أنّ مروان قال: اذهب يا رافع -لبوّابه-إلى ابن عبّاسٍ، رضي اللّه عنه، فقل لئن كان كلّ امرئٍ منّا فرح بما أتى وأحبّ أن يحمد بما لم يفعل -معذّبًا، لنعذبن أجمعون؟ فقال ابن عبّاسٍ: وما لكم وهذه؟ إنّما نزلت هذه في أهل الكتاب، ثمّ تلا ابن عبّاسٍ: {وإذ أخذ اللّه ميثاق الّذين أوتوا الكتاب لتبيّننّه للنّاس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنًا قليلا فبئس ما يشترون} وتلا ابن عبّاسٍ: {لا تحسبنّ الّذين يفرحون بما أتوا ويحبّون أن يحمدوا بما لم يفعلوا} الآية. وقال ابن عبّاسٍ: سألهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن شيءٍ، فكتموه وأخبروه بغيره، فخرجوا قد أروه أن قد أخبروه بما سألهم عنه، واستحمدوا بذلك إليه، وفرحوا بما أوتوا من كتمانهم ما سألهم عنه.
وهكذا رواه البخاريّ في التّفسير، ومسلمٌ، والتّرمذيّ والنّسائيّ في تفسيريهما، وابن أبي حاتمٍ وابن جريرٍ وابن مردويه، والحاكم في مستدركه، كلّهم من حديث عبد الملك بن جريج، بنحوه ورواه البخاريّ أيضًا من حديث ابن جريجٍ عن ابن أبي مليكة عن علقمة بن وقاص: أن مروان قال لبوّابه: اذهب يا رافع إلى ابن عبّاسٍ، فذكره.
وقال البخاريّ: حدّثنا سعيد بن أبي مريم، أنبأنا محمّد بن جعفرٍ، حدّثني زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسارٍ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، رضي اللّه عنه؛ أنّ رجالًا من المنافقين على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم كان إذا خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى الغزو تخلّفوا عنه، وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فإذا قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من الغزو اعتذروا إليه وحلفوا، وأحبّوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا، فنزلت: {لا تحسبنّ الّذين يفرحون بما أتوا ويحبّون أن يحمدوا بما لم يفعلوا} الآية.
وكذا رواه مسلمٌ من حديث ابن أبي مريم، بنحوه وقد رواه ابن مردويه في تفسيره من حديث اللّيث بن سعدٍ، عن هشام بن سعدٍ، عن زيد بن أسلم قال: كان أبو سعيدٍ ورافع بن خديج وزيد بن ثابتٍ عند مروان فقال: يا أبا سعيدٍ، رأيت قول اللّه تعالى: {لا تحسبنّ الّذين يفرحون بما أتوا ويحبّون أن يحمدوا بما لم يفعلوا} ونحن نفرح بما أتينا ونحب أن نحمد بما لم نفعل؟ فقال أبو سعيدٍ: إنّ هذا ليس من ذاك، إنّما ذاك أنّ ناسًا من المنافقين كانوا يتخلّفون إذا بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعثًا، فإن كان فيه نكبة فرحوا بتخلّفهم، وإن كان لهم نصر من اللّه وفتحٌ حلفوا لهم ليرضوهم ويحمدوهم على سرورهم بالنّصر والفتح. فقال مروان: أين هذا من هذا؟ فقال أبو سعيدٍ: وهذا يعلم هذا، فقال مروان: أكذلك يا زيد؟ قال: نعم، صدق أبو سعيدٍ. ثمّ قال أبو سعيدٍ: وهذا يعلم ذاك -يعني رافع بن خديجٍ-ولكنّه يخشى إن أخبرك أن تنزع قلائصه في الصّدقة. فلمّا خرجوا قال زيدٌ لأبي سعيدٍ الخدريّ: ألا تحمدني على شهادةٍ لك ؟ فقال أبو سعيدٍ: شهدت الحقّ. فقال زيدٌ: أو لا تحمدني على ما شهدت الحقّ؟
ثمّ رواه من حديث مالكٍ، عن زيد بن أسلم، عن رافع بن خديجٍ: أنّه كان هو وزيد بن ثابتٍ عند مروان بن الحكم، وهو أمير المدينة، فقال مروان: يا رافع، في أيّ شيءٍ نزلت هذه؟ فذكره كما تقدّم عن أبي سعيدٍ، رضي اللّه عنهم، وكان مروان يبعث بعد ذلك يسأل ابن عبّاسٍ كما تقدّم، فقال له ما ذكرناه، ولا منافاة بين ما ذكره ابن عبّاسٍ وما قاله هؤلاء؛ لأنّ الآية عامّةٌ في جميع ما ذكر، واللّه أعلم.
وقد روى ابن مردويه أيضًا من حديث محمّد بن أبي عتيق وموسى بن عقبة، عن الزهري، عن محمّد بن ثابتٍ الأنصاريّ؛ أنّ ثابت بن قيسٍ الأنصاريّ قال: يا رسول اللّه، واللّه لقد خشيت أن أكون هلكت. قال: "لم؟ " قال: نهى اللّه المرء أن يحب أن يحمد بما لم يفعل، وأجدني أحبّ الحمد. ونهى اللّه عن الخيلاء، وأجدني أحبّ الجمال، ونهى اللّه أن نرفع أصواتنا فوق صوتك، وأنا امرؤٌ جهوريّ الصّوت. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ألّا ترضى أن تعيش حميدا، وتقتل شهيدا، وتدخل الجنّة؟ " قال: بلى يا رسول اللّه. فعاش حميدًا، وقتل شهيدا يوم مسيلمة الكذّاب.
وقوله: {فلا تحسبنّهم بمفازةٍ من العذاب} يقرأ بالتّاء على مخاطبة المفرد، وبالياء على الإخبار عنهم، أي: لا تحسبون أنّهم ناجون من العذاب، بل لا بدّ لهم منه؛ ولهذا قال: {ولهم عذابٌ أليمٌ} ).
[تفسير القرآن العظيم: 2/181-183]

تفسير قوله تعالى: {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (189)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وللّه ملك السّماوات والأرض واللّه على كلّ شيء قدير}أي: هو خالقهما، ودليل ذلك قوله - عزّ وجلّ: {خالق كل شيء) و {خلق السّماوات والأرض} وأعلم أن في خلقهما واختلاف الليل والنهار آيات لأولي الألباب " أي: ذوي العقول.
والآيات العلامات، أي: من العلامات فيهما دليل على أن خالقهما واحد ليس كمثله شيء). [معاني القرآن: 1/498]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وبعد أن نهى أن يحسبوا ناجين أخبر أن لهم عذابا.
ثم استفتح القول بذكر قدرة الله تعالى وملكه فقال: وللّه ملك السّماوات والأرض الآية، قال بعض المفسرين: الآية رد على الذين قالوا: إنّ اللّه فقيرٌ ونحن أغنياء [آل عمران: 181] وقوله تعالى:
واللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ. قال القاضي ابن الطيب وغيره: ظاهره العموم، ومعناه الخصوص لأن الله تعالى لا يوصف بالقدرة على المحالات هو الموجود في مقتضى كلام العرب). [المحرر الوجيز: 2/444]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال: {وللّه ملك السّماوات والأرض واللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ} أي: هو مالك كل شيءٍ، والقادر على كلّ شيءٍ فلا يعجزه شيءٌ، فهابوه ولا تخالفوه، واحذروا نقمته وغضبه، فإنّه العظيم الّذي لا أعظم منه، القدير الّذي لا أقدر منه). [تفسير القرآن العظيم: 2/183]


* للاستزادة ينظر: هنا