الدروس
course cover
الدرس السادس: جمع الأحاديث والآثار وأقوال السلف في التفسير
15 Oct 2017
15 Oct 2017

7474

0

0

course cover
المهارات المتقدمة في التفسير

القسم الثالث

الدرس السادس: جمع الأحاديث والآثار وأقوال السلف في التفسير
15 Oct 2017
15 Oct 2017

15 Oct 2017

7474

0

0


0

0

0

0

0

الدرس السادس: جمع الأحاديث والآثار وأقوال السلف في التفسير



عناصر الدرس:
1. تمهيد
2. مراتب المراجع التي يرجع إليها لجمع الأحاديث والآثار وأقوال السلف في التفسير
3. التفاسير المجموعة
4. ترتيب النقول
5. الأمثلة
6. التطبيقات





تمهيد:
من أهمّ خطوات بحث المسألة التفسيرية أن يجمع المفسّر ما يتّصل بالمسألة من الأحاديث والآثار وأقوال السلف من المصادر الأصيلة أو البديلة.
وقد أوجزت في الدرس الماضي ذكر أنواع المراجع التي يحتاجها المفسر في كثير من المسائل التي تعرض له.
وهذا الدرس فيه تفصيل لمراتب المراجع التي يرجع إليها لجمع الأحاديث والآثار وأقوال السلف عند تفسير آية من الآيات.
وهذا الجمع يستفاد منه في عدد من المسائل، وهو بمثابة إعداد العدّة الأوّلية لدراسة تفسير الآية.
وتعرّف هذه المراجع ومراتبها ومناهج مؤلفيها من مهمّات ما يحتاجه الباحث في مسائل التفسير، ثم قد يحتاج في بعض المسائل إلى الرجوع إلى هذه المراجع وغيرها على ما سبق بيانه في مراتب التعرف على مراجع المسائل، وقد يكتفي في بعض المسائل المشتهرة ببعض هذه المراجع.

مراتب المراجع التي يرجع إليها لجمع الأحاديث والآثار وأقوال السلف في التفسير:
المرتبة الأولى: كتب التفسير في دواوين السنّة
ومنها:
1. كتاب تفسير القرآن من صحيح البخاري(ت:256هـ)، وشرح الحافظ ابن حجر له في فتح الباري شرح نفيس، أشار فيه إلى وصل معلقاته، وجمع فيه أحاديث وآثاراً أخرى، وحكم على بعضها.
2. كتاب التفسير من صحيح مسلم(ت:261هـ)، وشرح النووي له فيه فوائد جليلة.
3. أبواب تفسير القرآن من جامع الترمذي(ت:279هـ).
4. كتاب تفسير القرآن من جامع عبد الله بن وهب المصري(ت:197هـ).
5. كتاب التفسير من سنن سعيد بن منصور الخراساني(ت:226هـ).
6. كتاب تفسير القرآن من سنن النسائي الكبرى، وقد أفرد في كتاب مستقل، وأضاف إليه محقّقوه ملحقاً تضمّن ما رواه النسائي في التفسير مما استدركوه على المزي وابن حجر.
7. كتاب التفسير من مستدرك أبي عبد الله الحاكم النيسابوري(ت:405هـ).

وكتب هذه المرتبة هي أجلّ مصادر التفسير بالمأثور، وإن كان أصحابها لم يجعلوا من شرطهم استيعاب ما روي في التفسير، لكن لتفرق مرويات التفسير فيها قلّت استفادة كثير من الباحثين منها، والأولى أن يكون العزو إليها أولاً.
ومما ينتقد به بعض الباحثين أن يكون الحديث أو الأثر في صحيح البخاري في الذروة العليا من الصحّة وضبط الألفاظ، ويكتفي بعزوه إلى مصادر أقلّ مرتبة منه في الضبط والصحّة.


المرتبة الثانية: كتب التفسير في جوامع الأحاديث
ففي كثير من دواوين السنّة مرويّات كثيرة في التفسير، كما في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داوود وسنن ابن ماجه ومسند أبي يعلى وصحيح ابن حبان ومعاجم الطبراني وغيرها.
لكنَّ هؤلاء المحدّثين لم يفردوا أحاديث التفسير وآثاره في أبواب تسهّل الوصول إليها؛ فصار في الرجوع إليها لاستخراج ما يتعلق بالتفسير منها مشقّة ظاهرة، فكان من دواعي الحاجة إعادة تصنيف الأحاديث والآثار في تلك الكتب وغيرها على أبواب العلم، ومنها أبواب التفسير، وترتيب المرويات في التفسير على السور والآيات ليسهل الوصول إلى المطلوب منها.
وهذا العمل تفطّن له جماعة من العلماء؛ فقاموا بأعمال مشكورة في هذا الجمع والتصنيف، ومن ذلك:
1. جامع الأصول في أحاديث الرسول، لأبي السعادات المبارك بن محمد الجزري المعروف بابن الأثير (ت:606هـ) وقد جمع فيه أحاديث موطأ الإمام مالك، وصحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن أبي داود، وجامع الترمذي، وسنن النسائي، وصنّفها على أبواب العلم، ومنها كتاب كبير في التفسير جمع فيه أكثر من 400 حديثاً.
2. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد لأبي الحسن نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي(ت:807هـ) ، وقد كان جمع زوائد مسند الإمام أحمد على الكتب الستة بالأسانيد، وزوائد مسند البزار، ومسند أبي يعلى، ومعجم الطبراني الكبير، كل كتاب في مصنف مستقل، وجمع زوائد معجم الطبراني الأوسط والصغير في مصنف واحد، ثمّ أشار عليه شيخه زين الدين العراقي أن يجمع هذه الكتب في مصنف واحد وأن يحذف الأسانيد ويرتبها على الأبواب؛ فصنّف لذلك كتابه الجليل مجمع الزوائد، وجعل فيه كتاباً في التفسير وبعض علوم القرآن الكريم.
ولأبي بكر الهيثمي كتب أخرى في الزوائد مفردة ومطبوعة، ومنها:
أ- موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان، وللألباني كتاب في الاستدراك عليه في هذا الكتاب سمّاه"الزوائد على الموارد"، طبع مع كتابه "صحيح موارد الظمآن".
- وغاية المقصد في زوائد المسند.
- وكشف الأستار عن زوائد البزار.
- والمقصد العلي في زوائد أبي يعلى الموصلي.
3. المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية ، للحافظ ابن حجر العسقلاني(ت:852هـ)، وقد جمع فيه زوائد ثمانية مسانيد على الكتب الستة وعلى مسند الإمام أحمد، وهي: مسند أبي داوود الطيالسي، ومسند الحميدي، ومسند مسدد بن مسرهد، ومسند محمد بن يحيى ابن أبي عمر العدني، ومسند أحمد بن منيع، ومسند ابن أبي شيبة، ومسند الحارث بن أبي أسامة، ومسند عبد بن حميد، وزاد عليها زوائد مسند أبي يعلى ومسند إسحاق بن راهويه لكنهما لم يقعا له تامّين.
4. إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة لأبي العباس شهاب الدين أحمد بن أبي بكر البوصيري(ت:840هـ)، وهو تلميذ الحافظ ابن حجر لكنه مات قبله، وقد عرض كتابَه عليه فأثنى على صنيعه وأرشده فيه، وقد جمع في كتابه هذا ما زادت به أحاديث عشرة مسانيد على الكتب الستة، وهذه المسانيد هي: مسند أبي داوود الطيالسي، ومسند مسدّد، ومسند الحميدي ، ومسند إسحاق بن راهويه، ومسند ابن أبي شيبة، ومسند محمد بن يحيى ابن أبي عمر العدني، ومسند عبد بن حميد، ومسند الحارث بن أبي أسامة، ومسند أحمد بن منيع ، ومسند أبي يعلى.
جَمَع ما زادت به هذه المسانيد على الكتب الستة ورتّب أحاديثها على كتب جامعة ومنها كتاب في التفسير.
وللبوصيري أيضاً مصباح الزجاجة بزوائد سنن ابن ماجة، وزوائد كتاب السنن الكبير للبيهقي، وهما مطبوعان.
5. الفتح الرباني بترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، رتّبه الشيخ أحمد بن عبد الرحمن بن محمد البنا المعروف بالساعاتي (ت: 1378هـ)، وهو ترتيب لأحاديث مسند الإمام أحمد على أبواب العلم، ومسند الإمام أحمد يعدّ من أوسع دواوين السنة، وعدّة أحاديثه تقارب عدة أحاديث الكتب الستة مجتمعة، وقد قُدّر عدد أحاديث مسند الإمام أحمد بثلاثين ألف حديث، ومن أهل العلم من يقول إنها نحو سبعة وعشرين ألف حديث.
والفتح الرباني محذوف الأسانيد والمكررات، وقد انتقد على هذا الحذف، لكنّه تدارك ذلك بوضع شرح مختصر عليه سمّاه "بلوغ الأماني" ذكر فيه الأسانيد والتخريج وشَرْح الغريب وضَبْط الألفاظ، وقد طُبع الفتح مع شرحه في أربعة وعشرين جزءا، وخصص الجزء الثامن عشر للأحاديث الواردة في القرآن الكريم وفضائله وأسباب نزوله وتفسيره.
وهذا الكتاب يفيد الباحث في الدلالة على الأحاديث المتعلقة بالسورة أو الباب الذي يبحث فيه ثمّ يرجع إلى الأصل.
ومسند الإمام أحمد قد رتّبه قبل ذلك علي بن حسين بن عروة الدمشقي الحنبلي المعروف بابن زكنون الحنبلي(ت:837ه) في كتاب سمّاه " الكواكب الدراري في ترتيب مسند أحمد على أبواب البخاري" لكنه لم يطبع بعد، والكتاب ضخم جداً على ما ذكر في وصفه إذ أضاف إليه شرح الأحاديث وفصولاً كثيرة من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله على بعض الأحاديث والمسائل، وقد ذكر السخاوي أنه في نحو مائة وعشرين مجلداً.
وعلى كلّ فيمكن أن يستفاد من الفتح الرباني أو من مجمع الزوائد فيما يخصّ مسند الإمام أحمد.
وهذه المجاميع فيها أحاديث نحو خمسة وعشرين كتاباً من دواوين الإسلام.
6. الدر المنثور في التفسير بالمأثور لجلال الدين السيوطي(ت:911هـ) وهو من أهمّ كتب التفسير بالمأثور وأوسعها مصادر، وأكثرها عددَ مرويات، وقد جمعه من كتب كثيرة منها كتب في التفسير وكتب لأهل الحديث في غير التفسير، وإن كان لم يستوعبها إلا أنّه ظفر بمرويات كثيرة مهمّة في التفسير.
ومما ينتقد به هذا الكتاب على أهمّيته وعظيم نفعه أنّ السيوطي جرّده من الأسانيد، وخلط الصحيح بالضعيف والمنكر والموضوع من غير تنبيه، وتجوّز في التخريج فخلط المرفوع بالموقوف والخطأ بالصواب، ولذلك لا يعتمد عليه في التخريج مع عظيم فائدته، وإنما يصلح أن يكون دليلاً للباحث حتى يصل إلى الأحاديث والآثار من مصادرها الأصلية.

وكذلك الكتب التي قبله ينبغي أن لا يكتفي الباحث بها عند العزو، بل لا بدّ من الرجوع إلى المصادر الأصلية، وذلك لأسباب:
منها: أنّ لكتب الأحاديث طرقاً متعددة، وقد يقع في بعض هذه المجاميع ألفاظ من بعض تلك الطرق أو من مستخرجاتها فإذا اكتفى بها الباحث ولم يتحقق من المصدر الأصلي وقع في الخطأ في نسبة بعض الأحاديث أو بعض ألفاظها إلى بعض الكتب.
ومنها: أنّ بعض تخريجات تلك الكتب فيها تجوّز في العزو فربّما عزي الحديث إلى كتاب باعتبار رواية أصله دون تمام ألفاظه، وربما قرن بين كتابين في حديث واحد أحدهما أخرج أصل الحديث والآخر أخرجه بتمامه.
ومنها: أنه ربما كان بين تلك الكتب اختلاف في المتون والأسانيد؛ ويكون الاختصار غير كاشف عن ذلك الاختلاف الذي قد يكون له أثره على دراسة المسألة.


المرتبة الثالثة: التفاسير المسندة المطبوعة
وهي أوّل ما يرجع إليه الباحثون غالباً لأنّ الأحاديث والآثار فيها مرتَّبة على السور والآيات.
والتفاسير المسندة المطبوعة التي وصلت إلينا تامّة قليلة، ومنها:
1. تفسير القرآن العزيز، لمحدّث اليمن عبد الرزاق بن همام الصنعاني (ت: 211هـ).
2: وجامع البيان عن تأويل آي القرآن، لإمام المفسّرين أبي جعفر محمد بن جرير الطبري (ت: 310هـ).
3. وتفسير القرآن العظيم، عبد الرحمن ابن أبي حاتم الرازي (ت: 327هـ)، وقد طبع بعضه، وأتمه محققه أسعد الطيب بجمع ما نسب تخريجه إلى ابن أبي حاتم في كتب التفسير؛ فلينتبه لذلك.
وبلغني أنّ تفسير ابن أبي حاتم قد حُقّق كاملاً في رسائل علمية في جامعة أمّ القرى، ولم أقف عليها.
4: الكشف والبيان عن تفسير القرآن، لأبي إسحاق أحمد بن محمد الثعلبي (ت: 427هـ)، مع التنبّه إلى مصادره وطرقه إليها التي ذكرها في مقدّمة تفسيره.
5. معالم التنزيل لأبي محمد الحسين بن مسعود البغوي (ت: 516هـ).
وهذه المصادر هي أهمّ كتب التفسير المسندة، ويُلحق بها تفسيرا الواحدي البسيط والوسيط، وأحكام القرآن للطحاوي، ولأبي بكر الجصاص؛ فإنّ هؤلاء يروون بأسانيدهم في كتبهم مرويات كثيرة في التفسير.


المرتبة الرابعة: التفاسير المسندة التي طُبع شيء منها
ومن هذه الكتب:
1. ما طبع من تفسير سفيان الثوري(ت:161هـ) مع التنبّه إلى أنّ هذا التفسير برواية أبي حذيفة موسى بن مسعود النهدي، وهو مضعَّف في الحديث، ويرويه عن أبي حذيفة أبو جعفر محمد، وهو مجهول، لكنَّ كثيراً من مرويات هذا الكتاب موافق لما صحّ عن سفيان الثوري في تفسير ابن جرير وابن أبي حاتم وغيرهما.
2. وما طبع من تفسير عبد بن حميد(ت:249هـ).
3. وما طبع من كتاب أحكام القرآن لأبي إسحاق الجهضمي(ت:282هـ)
2. وما طبع من تفسير ابن المنذر النيسابوري(ت:318هـ).
وقد كان لجماعة من المحدّثين كتب في التفسير لكنّها مفقودة: كتفسير الضحاك وله روايات كثيرة، وتفسير السدي الكبير وهو برواية أسباط بن نصر، وتفسير ابن جريج، وتفسير وكيع بن الجراح، وتفسير سفيان بن عيينة، وتفسير محمد بن يوسف الفريابي، وتفسير سنيد وهو الحسين بن داوود المصيصي، وتفسير إسحاق بن راهويه، وتفسير ابن أبي شيبة، وتفسير ابن ماجه، وتفسير الحسين بن الفضل البجلي، وتفسير دُحيم، وتفسير بقيّ بن مخلد، وتفسير ابن أبي داوود السجستاني وقد ذكر الذهبي والسيوطي عن أبي بكر النقاش أنّ فيه مائة وعشرين ألف حديث ولعله – إن صحّ- في أصله الذي جعله لنفسه؛ فإنّ أصول المحدثين فيها مرويات كثيرة جداً لكنّهم إذا أرادوا التأليف انتقوا منها.
ومن التفاسير المفقودة: تفسير أبي بكر النقاش، وتفسير ابن شاهين، وتفسير ابن مردويه، وغيرها كثير.

المرتبة الخامسة: أجزاء وصحف تفسيرية مطبوعة، ومنها:
1. تفسير عطاء بن أبي مسلم الخراساني(ت:135هـ).
2. تفسير نافع بن أبي نعيم(ت:169هـ).
3. تفسير مسلم بن خالد الزنجي، (ت: 179هـ).
4. تفسير يحيى بن اليمان(ت:188هـ).
وهذه الأجزاء التفسيرية الأربعة قد طبعت في كتاب واحد بتحقيق الدكتور حكمت بشير ياسين.
5. تفسير آدم بن أبي إياس العسقلاني(ت:220هـ)، وقد طبع باسم تفسير مجاهد بن جبر، وهو من رواية عبد الرحمن بن الحسن الهمذاني (ت:356هـ) - وهو مضعَّف- عن الحافظ إبراهيم بن الحسين ابن ديزيل (ت: 281هـ)، وفيه آثار يرويها عبد الرحمن بن الحسن من طريق آدم بن أبي إياس عن غير مجاهد كالحسن البصري وغيره، ولذلك سمّاه بعضهم "تفسير آدم ابن أبي إياس".

المرتبة السادسة: التفاسير التي تنقل أقوال السلف في التفسير
الكتب التي تنقل أقوال السلف في التفسير كثيرة، ومن أهمّها سوى ما تقدّم:
1. الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن أبي طالب القيسي(ت:437هـ)
2. النكت والعيون للماوري(ت:450هـ).
3. المحرر الوجيز لابن عطية(ت:542هـ).
4. زاد المسير لابن الجوزي (ت:597هـ).
5. الجامع لأحكام القرآن للقرطبي(ت:671هـ).
6. تفسير القرآن العظيم للحافظ ابن كثير الدمشقي(ت:774هـ)، ويمتاز ابن كثير بعنايته بجمع الأحاديث التي لها صلة بالآيات التي يفسّرها، وذكرها بأسانيدها، وخصوصاً ما كان في مسند الإمام أحمد، وأما الآثار إلى الصحابة والتابعين فكان يحذف أسانيدها غالباً، ويختصر حكايتها من تفسير ابن جرير وابن أبي حاتم وغيرهما.

وهذه الكتب تنقل أقوال السلف من غير ذكر الأسانيد، ، ولذلك فإنّه ينبغي للباحث أن لا يكتفي بالعزو إلى هذه المصادر وإنما يستفيد منها الدلالة على المصادر الأصلية لأسباب يأتي بيانها في الدروس القادمة إن شاء الله تعالى.
وهذه الكتب فائدتها أنّها جمعت أقوال السلف في التفسير فقلّ أن يخرج عنها قول من أقوال السلف في كثير من مسائل التفسير.

المرتبة السابعة: كتب تخريج أحاديث التفسير
ومن أشهرها:
1. تخريج الأحاديث والآثار الواردة في الكشاف، للحافظ عبد الله بن يوسف الزيلعي (ت: 762هـ).
2. الكاف الشاف بتخريج أحاديث الكشاف للحافظ ابن حجر العسقلاني(ت:852هـ).
3. الفتح السماوي بتخريج أحاديث البيضاوي، زين الدين عبد الرؤوف بن علي المناوي (ت: 1031هـ).
4. تحفة الراوي في تخريج أحاديث تفسير البيضاوي، محمد بن الحسن ابن همات الدمشقي (ت: 1175هـ).
5. فيض الباري بتخريج أحاديث تفسير البيضاوي، عبد الله بن صبغة المدراسي (ت: 1288هـ).

ولجماعة من المعاصرين كتب في تخريج أحاديث عدد من التفاسير، وقد أُلِّفَ في تخريج أحاديث تفسير ابن كثير والجلالين وغيرهما، وتخريج أحاديث التفسير وبيان أحوالها وأحكامها من أبواب العلم التي ما زالت بحاجة إلى عناية وتتميم.

وفي بعض المسائل المشكلة قد يحتاج الباحث إلى جمع طرق بعض الأحاديث والآثار ومعرفة مخارجها، وتعدد ألفاظها؛ فقد يقع الخطأ في رواية راوٍ خالف من هم أوثق منه، والخبر إذا لم تُجمع طرقه لم يتبيّن خطؤه كما قال عليّ بن المديني رحمه الله.

لكن مقصودنا في هذا الدرس أن يعرف الباحث مراتب الوصول إلى الأحاديث والآثار وأقوال السلف في التفسير.
ومشروع "جمهرة التفاسير" في موقع جمهرة العلوم حرصنا فيه على جمع الأحاديث والآثار المروية في التفسير وأقوال مفسري السلف وتصنيفها على السور والآيات بنصوصها من مصادرها الأصلية، وإن تكرر النقل فيها كثيراً لأنّ الخبر الواحد قد يُروى بألفاظ فيها اختلاف في أسانيدها أو متونها، وَمَن اختصر حكاية الخبر بذكر متنٍ يختاره ثم يذكر من يخرّجه يفوت عليه إدراك كثير من العلل المتعلقة بالإسناد أو المتن.
ولذلك ينبغي أن يحذر الباحث من العزو اعتماداً على كتب التخريج، لأنها تختصر ذكر الخبر كثيراً بذكر من أخرجه من أصحاب الكتب المسندة في سياق واحد من غير تمييز بينهم في طريقة روايته، فقد يكون بينهم من الاختلاف في المتون أو الأسانيد أو طريقة الرواية ما يوجب التمييز.
وإذا تمّ هذا العمل في جمهرة التفاسير فأرجو أن يختصر على الباحث كثيراً من الجهد والوقت.

التفاسير المجموعة:
ومما ينبغي أن يتنبّه له الباحث في التفسير: التفريقُ بين التفاسير المروية عن أصحابها والتفاسير المجموعة مما تفرّق من أقوالهم في كتب التفسير بالمأثور.
والتفاسير المجموعة كثيرة وهي غير معدودة من المصادر التي يُعتمد عليها في نسبة الأقوال إلا أن يكون الجامع عالماً بالتفسير محقّقاً في نسبة الأقوال فينقل حكمه على الروايات تصحيحاً وتضعيفاً.
والباحث مطالب بالرجوع إلى المصادر الأصلية أو البديلة إلا أنّ هذه التفاسير المجموعة قد تفيده فوائد علمية أخرى كالدلالة على مواضعها من المصادر الأصلية والبديلة، وتفيده في سبر أقوال المفسّر والتعرّف على معالم منهجه في التفسير مع التفطّن إلى اختلاف مصادر الجمع، وتفاوت الجامعين في التوثّق من صحة النسبة.
ومن التفاسير المجموعة المطبوعة:
- تفسير الضحاك بن مزاحم الهلالي (ت: 105هـ)
- تفسير السدي الكبير (ت:127هـ)
- صحيفة علي بن أبي طلحة: (ت:143هـ)
- تفسير ابن جريج (ت:151هـ)
- معاني القرآن للكسائي (ت:189هـ)
- تفسير وكيع بن الجراح (ت:197هـ)
- تفسير سفيان ابن عيينة (ت:198هـ)
- تفسير سنيد المصيصي (ت:226هـ)
- تفسير ابن أبي شيبة (ت:235هـ)
- تفسير إسحاق بن راهوية (ت:238هـ)
- تفسير ابن مردويه (ت:410هـ)
فهذه التفاسير كلها مفقودة، والمطبوع بأسمائها إلى اليوم فيما أعلم إنما هو مجموع من كتب التفسير بالمأثور على اختلاف بين الجامعين في منهج الجمع وجودته، وقد جُمعت أيضاً تفاسير جماعة من الصحابة والتابعين وتابعيهم؛ فليتفطّن لذلك.

المرتبة الثامنة: شروح الأحاديث
كتب شروح الأحاديث من أهمّ أوعية العلم، ولجماعة من شرّاح الأحاديث من التحرير والتحقيق لمعاني الأحاديث والآثار المروية في التفسير ما لا يكاد يُظفَر بمثله في كتب التفسير، ولجماعة منهم من المعرفة بمسائل الإجماع والخلاف وما يصحّ عن السلف وما لا يصحّ، وبيان المشكل وتفسير الغريب ما يَفضلون به جماعةً من المفسّرين.
وخبرة المفسّر بكتب شروح الحديث ومراتب الشرّاح ومناهجهم وما يمتاز به بعضهم على بعض من أسباب تفاضل المفسّرين في دراسة مسائل التفسير وإتمام جمع المادّة العلمية.
وإنما قلّت الاستفادة من كلام شرّاح الأحاديث في دراسة مسائل التفسير لأنّ كلامهم لم يجمع ولم يرتّب على السور والآيات.

ومما يتيسّر الرجوع له شرح كتب التفسير وأبوابه في تلك الكتب:
- فمن شروح صحيح البخاري: أعلام الحديث لأبي سليمان الخطّابي، وشرح ابن بطّال، وشرح الكرماني، وشرح ابن الملقّن، وشرح ابن حجر وهو أجلّ شروح صحيح البخاري وأوفاها، وعمدة القاري للعيني، وإرشاد الساري للقسطلاني، والنظر الفسيح لابن عاشور.
- ومن شروح صحيح مسلم: المعْلِم للمازري، وإكمال المعلم للقاضي عياض، والمُفهِم لأبي العباس القرطبي، والمنهاج للنووي وهو أجلّ شروح صحيح مسلم وأحسنها.
- ومن شروح جامع الترمذي: عارضة الأحوذي لابن العربي، والنفح الشذي لابن سيد الناس ولم يكمله، وقوت المغتذي للسيوطي، وتحفة الأحوذي للمباركفوري.

ولم أذكر شروح موطّأ الإمام مالك، ولا شروح سنن أبي داوود وابن ماجه والنسائي لأنّ تلك الكتب لم تتضمّن كتباً في التفسير، وإن كان قد يرد في بعضها بعض الأحاديث والآثار المتعلقة بالتفسير لكنّها مما تفرّق فيها، ولا يستخرج إلا بصعوبة بخلاف شروح الصحيحين وجامع الترمذي ففيها كتب وأبواب في التفسير يسهل الوصول إلى شروحها.

ترتيب النقول:
- يفضّل عند السعة أن يدوّن الباحث الأقوال بنصّها في مسودة البحث، وأن يرتّبها على التسلسل التاريخي باعتبار المؤلفين.
- النقول جمع نقل، ونقصد به ما يذكره المؤلف في المسألة؛ سواء من قوله أو من مما رواه أو نقله عن غيره.
- ترتيب النقول على التسلسل التاريخي مهم جداً للباحث؛ لأنّه يعرّفه بنشأة القول في المسألة وأوّل ذكر لها في الكتب، ثم كيف تناقلها العلماء وتداولوا بحثها.
- قد يكون من المتعذّر أن يحيط الباحث بجمع كلّ ما يتعلّق بالمسألة من هذه المصادر، لكن ينبغي أن لا يغفل النقل عن الكتب المهمّة في كل نوع، ثم يتفاوت الباحثون في سعة الاطلاع وحسن جمع المادّة العلمية تفاضلا كبيراً.
- بعض المسائل يكفي لفهمها وتحرير القول فيها نقول يسيرة إما لظهور صحّة المرويات في المسألة أو لضعف الخلاف فيها وعدم اللبس، وبعضها المسائل يحتاج فيها إلى بحث طويل لقوّة الخلاف أو وجود إشكال ولبس؛ فيحتاج الباحث إلى التقصّي قدر الإمكان من هذه المراجع كلّها ومن غيرها.

مثال:
- جمع أقوال السلف في المراد بالبطشة الكبرى في قول الله تعالى: {يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون}


التطبيقات:
- تأمّل المثال السابق ثمّ اختر مسألة واحدة من المسائل التالية واجمع أقوال السلف فيها ورتّبها على نحو ما ذكر في المثال:
1
. المراد بالذي بيده عقدة النكاح.
2. المراد بلهو الحديث.
3. المراد بالعذاب الأدنى.

عبد العزيز بن داخل المطيري

#2

16 Oct 2017

المراد بالبطشة الكبرى في قول الله تعالى: {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (16) }
المطلوب: جمع ما يتّصل بهذه المسألة من الأحاديث والآثار وأقوال السلف، وترتيبها على التسلسل التاريخي.

الجواب:
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة قال بلغني أن أبي بن كعب كان يقول أربع آيات أنزلت في يوم بدر هذه إحداهن {يوم عقيم} يوم بدر واللزام القتل يوم بدر {البطشة الكبرى} يوم بدر {ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون} يوم بدر). [تفسير عبد الرزاق: 2/41] (م)
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن منصور عن أبي الضحى عن مسروق أن ابن مسعود قال قد مضت آية الروم وقد مضى فسوف يكون لزاما واللزام القتل يوم بدر وقال وقد مضت البطشة الكبرى يوم بدر). [تفسير عبد الرزاق: 2/101-102] (م)
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن منصور عن أبي الضحى عن مسروق في قوله تعالى يوم تأتى السماء بدخان مبين قال مسروق كنا جلوسا عند عبد الله بن مسعود فجاء رجل قال سمعت رجلا آنفا عند أبواب كندة يقول إنه سيأتي على الناس دخان يأخذ بأنفاس الكفار ويكون على المؤمن كهيئة الزكمة فغضب ابن مسعود فقال يا أيها الناس من علم منكم شيئا فليقل ما يعلم ومن لم يعلم فليقل الله أعلم فإن الله قال لنبيه قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين إن قريشا لما آذوا النبي وكذبوه دعا عليهم فقال اللهم خذهم بسنين كسني يوسف فأخذتهم سنة أهلكت كل شيء حتى أصابهم جوع شديد أو جهد حتى أكلوا الميتة فأكلوا العصب وحتى جعل أحدهم يخيل إليه أنه يرى ما بينه وبين السماء دخانا فجاء أبو سفيان فقال يا محمد إنك بعثت بالرحمة والعافية والخير وإن قومك قد هلكوا ثم تلا ابن مسعود فارتقب يوم تأتى السماء بدخان مبين حتى بلغ كاشفوا العذاب قليلا قال أفيكشف عذاب الآخرة ثم قال يوم نبطش البطشة الكبرى قال هذا يوم بدر واللزام القتل يوم بدر قد مضى هذا كله وآية الروم قد مضت). [تفسير عبد الرزاق: 2/205-206] (م)
قال أبو الحسن علي بن الجعد البغدادي(ت: 230هـ): (حدثنا علي ومحمد قالا أنا شريك عن سالم عن سعيد : {يوم نبطش البطشة الكبرى} قال: يوم بدر). [مسند ابن الجعد:؟؟]
قال أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة(ت:235هـ): (حدثنا وكيع ، قال : حدثنا الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، عن عبد الله ؛ {يوم نبطش البطشة الكبرى} قال : يوم بدر). [المصنف: ؟؟]
قال أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة(ت:235هـ): (حدثنا أبو أسامة ، عن ابن عون ، عن أبي العالية ، قال : كنا نتحدث أن قوله : {يوم نبطش البطشة الكبرى} يوم بدر ، والدخان قد مضى).[المصنف: ؟؟]
قال أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني(ت:241هـ): (حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن مسلم عن مسروق قال: جاء رجل إلى عبد الله فقال إني تركت في المسجد رجلا يفسر القرآن برأيه يقول في هذه الآية { يوم تأتي السماء بدخان مبين } إلى آخرها يغشاهم يوم القيامة دخان يأخذ بأنفاسهم حتى يصيبهم منه كهيئة الزكام قال فقال عبد الله من علم علما فليقل به ومن لم يعلم فليقل الله أعلم فإن من فقه الرجل أن يقول لما لا يعلم الله أعلم إنما كان هذا لأن قريشا لما استعصت على النبي صلى الله عليه وسلم دعا عليهم بسنين كسني يوسف فأصابهم قحط وجهدوا حتى أكلوا العظام وجعل الرجل ينظر إلى السماء فينظر ما بينه وبين السماء كهيئة الدخان من الجهد فأنزل الله عز وجل
{ فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم } فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل يا رسول الله استسق الله لمضر فإنهم قد هلكوا قال فدعا لهم فأنزل الله عز وجل
{ إنا كاشفو العذاب } فلما أصابهم المرة الثانية عادوا فنزلت { يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون } يوم بدر). [ مسند الإمام أحمد: ؟؟]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب {أنّى لهم الذّكرى وقد جاءهم رسولٌ مبينٌ} [الدخان: 13] «الذّكر والذّكرى واحدٌ»
- حدّثنا سليمان بن حربٍ، حدّثنا جرير بن حازمٍ، عن الأعمش، عن أبي الضّحى، عن مسروقٍ، قال: دخلت على عبد اللّه ثمّ قال: إنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم لمّا دعا قريشًا كذّبوه واستعصوا عليه، فقال: «اللّهمّ أعنّي عليهم بسبعٍ كسبع يوسف» فأصابتهم سنةٌ حصّت، يعني كلّ شيءٍ، حتّى كانوا يأكلون الميتة، فكان يقوم أحدهم فكان يرى بينه وبين السّماء مثل الدّخان من الجهد والجوع، ثمّ قرأ: {فارتقب يوم تأتي السّماء بدخانٍ مبينٍ (10) يغشى النّاس هذا عذابٌ أليمٌ} [الدخان: 11] ، حتّى بلغ {إنّا كاشفو العذاب قليلًا إنّكم عائدون} [الدخان: 15] ، قال عبد اللّه أفيكشف عنهم العذاب يوم القيامة؟ قال: والبطشة الكبرى يوم بدرٍ). [صحيح البخاري: 6/132-133]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب {يوم نبطش البطشة الكبرى إنّا منتقمون} [الدخان: 16]
- حدّثنا يحيى، حدّثنا وكيعٌ، عن الأعمش، عن مسلمٍ، عن مسروقٍ، عن عبد اللّه، قال: " خمسٌ قد مضين: اللّزام، والرّوم، والبطشة، والقمر، والدّخان "). [صحيح البخاري: 6/132]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (بابٌ: {يوم نبطش البطشة الكبرى إنّا منتقمون}
وقعت هذه التّرجمة هكذا في النّسخ كلها، وقد مر تفسيرها عن قريب.
- حدّثنا يحيى حدّثنا وكيع عن الأعمش عن مسلمٍ عن مسروقٍ عن عبد الله قال خمسٌ قد مضى اللّزام والرّوم والبطشة والقمر والدّخان.
مطابقته للتّرجمة ظاهرة. ويحيى هو ابن موسى المذكور فيما مضى، وبقيّة الرّجال تكرر ذكرهم، والمعنى أيضا قد تقدم، وهذا يدل على أن ابن مسعود يرى أن الدّخان قد وقع، وقد ذكرنا عن ابن عمر وغيره أنه لم يقع بعد، وقد روى عبد الرّزّاق وابن أبي حاتم من طريق الحارث عن عليّ، رضي الله تعالى عنه، قال: آية الدّخان لم تمض بعد، يأخذ المؤمن كهيئة الزّكام وينفخ الكافر حتّى ينفد، ويؤيّده ما أخرجه مسلم من حديث أبي سريحة رفعه لا تقوم السّاعة حتّى تروا عشر آيات طلوع الشّمس من مغربها، والدّخان، والدّابّة الحديث. قلت: أبو سريحة الغفاريّ اسمه حذيفة بن أسيد، كان ممّن بايع تحت الشّجرة بيعة الرضوان، يعد في الكوفيّين، روى عنه أبو الطّفيل والشعبيّ). [عمدة القاري: 19/166]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب {يوم نبطش البطشة الكبرى إنّا منتقمون}
(باب {يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون}) [الدخان: 16] وسقط لأبي ذر يوم نبطش الخ.
- حدّثنا يحيى، حدّثنا وكيعٌ عن الأعمش، عن مسلمٍ عن مسروقٍ عن عبد اللّه قال: خمسٌ قد مضين: اللّزام، والرّوم، والبطشة، والقمر، والدّخان.
وبه قال: (حدّثنا يحيى) بن موسى البلخي قال: (حدّثنا وكيع) هو ابن الجراح (عن الأعمش) سليمان (عن مسلم) هو أبو الضحى (عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- أنه (قال: خمس قد مضين) أي وقعن (اللزام) وهو الأسر والهلكة يوم بدر (والروم) أي غلبتهم (والبطشة) الكبرى يوم بدر (والقمر) يعني انشقاقه (والدخان) الحاصل لقريش بسبب القحط لكن أخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن علي قال آية الدخان لم تمض بعد يأخذ المؤمن كهيئة الزكام وينفخ الكافر حتى ينقدّ، ولمسلم من حديث أبي سريحة بمهملتين الأولى مفتوحة حذيفة بن أسيد بفتح الهمزة الغفاري رفعه "لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات طلوع الشمس من مغربها والدخان والدابة" الحديث). [إرشاد الساري: 7/338]
- قال محمدُ بنُ عبدِ الهادي السِّنْديُّ (ت: 1136هـ) : (باب {يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون}
قوله: (يوم نبطش البطشة الكبرى) في بعض النسخ باب: يوم نبطش.
قوله: (خمس قد مضين) أي: من علامات الساعة.
قوله: (اللزام) أي: المذكور في قوله تعالى: {فسوف يكون لزاماً}، أي: هلكة، وقيل: أسراً، اهـ شيخ الإسلام). [حاشية السندي على البخاري: 3/69]
قال مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري(ت:261هـ): (أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا جرير عن منصور عن أبى الضحى عن مسروق قال كنا عند عبد الله جلوسا وهو مضطجع بيننا فأتاه رجل فقال يا أبا عبد الرحمن إن قاصا عند أبواب كندة يقص ويزعم أن آية الدخان تجىء فتأخذ بأنفاس الكفار ويأخذ المؤمنين منه كهيئة الزكام فقال عبد الله وجلس وهو غضبان يا أيها الناس اتقوا الله من علم منكم شيئا فليقل بما يعلم ومن لم يعلم فليقل الله أعلم فإنه أعلم لأحدكم أن يقول لما لا يعلم الله أعلم فإن الله عز وجل قال لنبيه -صلى الله عليه وسلم- (قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين) إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما رأى من الناس إدبارا فقال « اللهم سبع كسبع يوسف ». قال فأخذتهم سنة حصت كل شىء حتى أكلوا الجلود والميتة من الجوع وينظر إلى السماء أحدهم فيرى كهيئة الدخان فأتاه أبو سفيان فقال يا محمد إنك جئت تأمر بطاعة الله وبصلة الرحم وإن قومك قد هلكوا فادع الله لهم - قال الله عز وجل (فارتقب يوم تأتى السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم) إلى قوله (إنكم عائدون ). قال أفيكشف عذاب الآخرة (يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون) فالبطشة يوم بدر وقد مضت آية الدخان والبطشة واللزام وآية الروم). [صحيح مسلم: ؟؟]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا محمود بن غيلان، قال: حدّثنا عبد الملك بن إبراهيم الجدّيّ، قال: حدّثنا شعبة، عن الأعمش، ومنصورٍ، سمعا أبا الضّحى، يحدّث عن مسروقٍ، قال: جاء رجلٌ إلى عبد الله، فقال: إنّ قاصًّا يقصّ يقول: إنّه يخرج من الأرض الدّخان فيأخذ بمسامع الكفّار ويأخذ المؤمن كهيئة الزّكام، قال: فغضب وكان متّكئًا فجلس ثمّ قال: إذا سئل أحدكم عمّا يعلم فليقل به، قال منصورٌ: فليخبر به، وإذا سئل عمّا لا يعلم فليقل اللّه أعلم، فإنّ من علم الرّجل إذا سئل عمّا لا يعلم أن يقول: اللّه أعلم، فإنّ اللّه تعالى قال لنبيّه {قل ما أسألكم عليه من أجرٍ وما أنا من المتكلّفين} إنّ رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا رأى قريشًا استعصوا عليه قال: اللّهمّ أعنّي عليهم بسبعٍ كسبع يوسف، فأخذتهم سنةٌ فأحصت كلّ شيءٍ حتّى أكلوا الجلود والميتة، وقال أحدهما: العظام، قال: وجعل يخرج من الأرض كهيئة الدّخان، فأتاه أبو سفيان فقال: إنّ قومك قد هلكوا فادع اللّه لهم قال: فهذا لقوله {يوم تأتي السّماء بدخانٍ مبينٍ يغشى النّاس هذا عذابٌ أليمٌ} قال منصورٌ: هذا لقوله: {ربّنا اكشف عنّا العذاب إنّا مؤمنون} فهل يكشف عذاب الآخرة؟ قال: مضى البطشة، واللّزام، والدّخان وقال أحدهما: القمر، وقال الآخر: الرّوم.
واللّزام يعني يوم بدرٍ.
وهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ). [سنن الترمذي: 5/232-233]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا يوسف بن عديٍّ، قال: ثنا رشدين بن سعدٍ، عن يونس بن يزيد، عن عطاءٍ الخراساني في قوله عز وجل: {البطشة الكبرى} قال: يوم بدر). [جزء تفسير عطاء الخراساني: 93]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {يوم تأتي السّماء بدخانٍ مبينٍ}
- أخبرنا محمّد بن العلاء، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مسلمٍ، عن مسروقٍ، قال عبد الله: إنّ قريشًا لمّا استعصت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، دعا عليهم بسنين كسني يوسف، فأصابهم قحطٌ وجهدٌ حتّى أكلوا العظام، وجعل - يعني الرّجل - ينظر إلى السّماء فيرى بينه وبينها كهيئة الدّخان من الجهد، فأنزل الله عزّ وجلّ {يوم تأتي السّماء بدخانٍ مبينٍ يغشى النّاس هذا عذابٌ أليمٌ} [الدخان: 11]، فأتي رسول الله فقيل: يا رسول الله، استسق الله لهم، فإنّهم قد هلكوا، فاستسقى الله فسقوا، فأنزل الله تعالى {إنّا كاشفو العذاب قليلًا إنّكم عائدون} [الدخان: 15]، فعادوا إلى حالتهم الّتي كانوا عليها حين أصابتهم الرّفاهية، فأنزل الله تعالى {يوم نبطش البطشة الكبرى إنّا منتقمون} [الدخان: 16]، قال: يوم بدرٍ "). [السنن الكبرى للنسائي: 10/252] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يوم نبطش البطشة الكبرى إنّا منتقمون (16) ولقد فتنّا قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسولٌ كريمٌ (17) أن أدّوا إليّ عباد اللّه إنّي لكم رسولٌ أمينٌ}
يقول تعالى ذكره: إنّكم أيّها المشركون إن كشفت عنكم العذاب النّازل بكم، والضّرّ الحالّ بكم، ثمّ عدتم في كفركم، ونقضتم عهدكم الّذي عاهدتم ربّكم، انتقمت منكم يوم أبطش بكم بطشتي الكبرى في عاجل الدّنيا، فأهلككم، وكشف اللّه عنهم، فعادوا، فبطش بهم جلّ ثناؤه بطشته الكبرى في الدّنيا، فأهلكهم قتلاً بالسّيف.
وقد اختلف أهل التّأويل في البطشة الكبرى، فقال بعضهم: هي بطشة اللّه بمشركي قريشٍ يوم بدرٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن المثنّى قال: ثني ابن عبد الأعلى قال: حدّثنا داود، عن عامرٍ، عن ابن مسعودٍ، أنّه قال: {البطشة الكبرى}: يوم بدرٍ.
- حدّثني عبد اللّه بن محمّدٍ الزّهريّ قال: حدّثنا مالك بن سعيرٍ قال: حدّثنا الأعمش، عن مسلمٍ، عن مسروقٍ قال: قال عبد الله: يوم بدرٍ، يوم البطشة الكبرى.
- حدّثني يعقوب قال: حدّثنا ابن عليّة قال: حدّثنا أيّوب، عن محمّدٍ قال: نبّئت أنّ ابن مسعودٍ، كان يقول: {يوم نبطش البطشة الكبرى}: يوم بدرٍ.
- حدّثني يعقوب قال: حدّثنا ابن عليّة، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، {يوم نبطش البطشة الكبرى} قال: يوم بدرٍ.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو قال: حدّثنا أبو عاصمٍ قال: حدّثنا عيسى؛ وحدّثني الحارث قال: حدّثنا الحسن قال: حدّثنا ورقاء جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {يوم نبطش البطشة الكبرى} قال: يوم بدرٍ.
- حدّثنا ابن بشّارٍ قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ قال: سمعت أبا العالية، في هذه الآية {يوم نبطش البطشة الكبرى} قال: يوم بدرٍ.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ قال: ثني أبي قال: ثني عمّي قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {يوم نبطش البطشة الكبرى إنّا منتقمون} قال: يعني يوم بدرٍ.
- حدّثنا أبو كريبٍ قال: حدّثنا عثّام بن عليٍّ، عن الأعمش، عن إبراهيم قال: قلت: ما البطشة الكبرى؟ فقال: يوم القيامة، فقلت: إنّ عبد اللّه كان يقول: يوم بدرٍ؛ قال فبلغني أنّه سئل بعد ذلك فقال: يوم بدرٍ
- حدّثنا أبو كريبٍ وأبو السّائب قالا: حدّثنا ابن إدريس، عن الأعمش، عن إبراهيم، بنحوه
- حدّثنا بشرٌ، حدّثنا يزيد قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن أبي الخليل، عن مجاهدٍ، عن أبيّ بن كعبٍ قال: يوم بدرٍ.
- حدّثت عن الحسين قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: أخبرنا عبيدٌ قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {يوم نبطش البطشة الكبرى}: يوم بدرٍ.
- حدّثني يونس قال: أخبرنا ابن وهبٍ قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {يوم نبطش البطشة الكبرى} قال: هذا يوم بدر.
وقال آخرون: بل هي بطشة اللّه بأعدائه يوم القيامة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم قال: حدّثنا ابن عليّة قال: حدّثنا خالدٌ الحذّاء، عن عكرمة قال: قال ابن عبّاسٍ: قال ابن مسعودٍ: البطشة الكبرى: يوم بدرٍ، وأنا أقول: هي يوم القيامة.
- حدّثنا أبو كريبٍ وأبو السّائب قالا: حدّثنا ابن إدريس قال: حدّثنا الأعمش، عن إبراهيم قال: مرّ بي عكرمة، فسألته عن البطشة الكبرى، فقال: يوم القيامة؛ قال: قلت: إنّ عبد اللّه بن مسعودٍ كان يقول: يوم بدرٍ، وأخبرني من سأله بعد ذلك فقال: يوم بدرٍ.
- حدّثنا بشرٌ قال: حدّثنا يزيد قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، في قوله: {يوم نبطش البطشة الكبرى} قال قتادة عن الحسن: إنّه يوم القيامة وقد بيّنّا الصّواب في ذلك فيما مضى، والعلّة الّتي من أجلها اخترنا ما اخترنا من القول فيه). [جامع البيان: 21/24-27]
قال أبو القاسم عبد الله بن محمد البغوي (ت: 317هـ): (حدثنا أبو حمزة عن الحسن في قول الله تعالى [عز وجل] {يوم نبطش البطشة الكبرى} قال في القيامة ويوم نبطش البطشة الكبرى في القبر). [نسخة طالوت بن عباد: 44]
قال أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي(ت:321هـ): (باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله تعالى عز وجل : {يوم تأتي السماء بدخان مبين}
- حدثنا فهد ، حدثنا عمر بن حفص بن غياث ، حدثنا أبي ، عن الأعمش قال : حدثنا مسلم وهو أبو الضحى عن مسروق قال : حدثني رجل في المسجد ، فذكر: {يوم تأتي السماء بدخان مبين}
فقال: إذا كان يوم القيامة أصاب الناس دخان يأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم ويأخذ المؤمنين منه كهيئة الزكام فدخلت على عبد الله فذكرت ذلك له ، وهو متكئ فجلس غضبانا ثم قال : « يا أيها الناس من علم منكم شيئا فليقل به ومن لم يعلم فليقل : الله أعلم ، فإن من العلم إذا سئل الرجل عن ما لا يعلم ، قال : الله عز وجل أعلم ،
وقد قال عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم : {قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين}، وسأحدثكم عن ذلك إن قريشا استعصت ونفرت فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له ارتقب {يوم تأتي السماء بدخان مبين}؛ فأخذتهم سنة عضت كل شيء حتى أكلوا الميتة والعظام، وحتى كان الرجل يرى ما بينه وبين السماء كهيئة الدخان من الجهد؛ فقالوا : {ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون} ثم قرأ : {إنا كاشفو العذاب قليلا إنكم عائدون}
فكشف عنهم فعادوا في كفرهم {يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون}، فعادوا في كفرهم فأخذهم الله في يوم بدر ولو كان يوم القيامة لم يكشف عنهم »
- حدثنا أحمد بن داود بن موسى ، حدثنا محمد بن كثير العبدي ، حدثنا سفيان ، ثنا الأعمش ، ومنصور ، عن أبي الضحى ، عن مسروق قال: بينما رجل يحدث في كندة ثم ذكر مثله، غير أنه قال فيه: فدخل عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: « اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف»
فكان في هذا الحديث أن الدخان المذكور في الآية المذكورة فيه، وفي الحديث الذي قبله من الآيات التي قد مضت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد روي ذلك عن ابن مسعود من قوله في غير هذا الحديث
- كما حدثنا يزيد بن سنان ، حدثنا يحيى بن سعيد القطان ، حدثنا فطر بن خليفة ، حدثني مسلم بن صبيح قال: سمعت مسروقا يقول: قال عبد الله : « خمس قد مضين : الدخان ، والقمر ، والروم ، والبطشة الكبرى واللزام »
- وكما حدثنا ابن أبي مريم ، حدثنا الفريابي ، حدثنا فطر بن خليفة ثم ذكر بإسناده مثله.
- وكما حدثنا فهد ، حدثنا عمر بن حفص ، حدثنا أبي ، حدثنا الأعمش ، حدثنا مسلم ، عن مسروق قال : قال عبد الله ، ثم ذكر مثله وزاد: {فسوف يكون لزاما}
فقال قائل : فكيف تقبلون هذا وقد رويتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد ذكرتموه في الباب الذي قبل هذا الباب في حديث حذيفة بن أسيد من ما يوجب أن الدخان لم يكن بعد وأنه كائن قبل يوم القيامة؟ وما قد روي عن أبي هريرة من ما يحقق ذلك؟
- حدثنا الحسن بن غليب ، حدثنا عبد الله بن محمد المعروف بالبيطري ، حدثنا سليمان بن بلال ، حدثنا العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « بادروا بالأعمال ستا طلوع الشمس من مغربها ، أو الدخان ، أو الدجال ، أو الدابة ، أو القيامة » ولم يذكر لنا في الحديث غير هذا فكان جوابنا له بتوفيق الله عز وجل وعونه أن الدخان المذكور في حديث ابن مسعود غير الدخان المذكور في حديثي حذيفة ، وأبي هريرة وذلك أن الله تعالى قال في كتابه في سورة الدخان : {بل هم في شك يلعبون} ، ثم أتبع ذلك قوله تعالى : {فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين} أي عقوبة لهم لما هم عليه من الشك واللعب ، ومحال أن تكون هاتان العقوبتان لغيرهم ، أو يؤتى بهما بعد خروجهم من الدنيا وسلامتهم من ذلك الدخان.
فقال هذا القائل: قد قال الله عز وجل في هذه السورة : {فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين} والذي ذكره ابن مسعود في حديثه ليس هو دخانا حقيقيا ، وإنما هو شيء كانت قريش تتوهمه أنه دخان وليس بدخان ، وفيها أن إتيانه يكون من السماء ، وليس في حديث ابن مسعود ذلك ، وإنما الذي فيه أنهم كانوا يرون من الجوع الذي حل بهم وأصابهم في الأرض أن بينهم وبين السماء دخانا؟
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه أن المذكور في حديث ابن مسعود سمي دخانا على المجاز ؛ لتوهم قريش أنه دخان في الحقيقة من الجهد الذي بها ، وإن لم يكن في الحقيقة كذلك كمثل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة الدجال « أنه يأمر السماء فتمطر ، ويأمر الأرض فتنبت » في حديث النواس بن سمعان مطلقا هكذا ، وفي حديث جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم كذلك وفيه « ومعه نهران أنا أعلم بهما منه »
وفيه : « ويأمر السماء فتمطر فيما يرى الناس » فدل ذلك أن المذكور في حديث النواس إنما هو من سحر الدجال لا من حقيقة له، وسنذكر هذا فيما بعد من كتابنا هذا فيما روي في الدجال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شاء الله.
فيحتمل ذلك ما كانت قريش تراه مما تراه دخانا جاز أن يقال إنه دخان على المجاز ، وإن كان في الحقيقة بخلاف ذلك.
وأما قول الله عز وجل: {يوم تأتي السماء بدخان مبين} فهو ما روي فيه عن ابن مسعود مما قد ذكر في أحاديثه التي رويناها عنه ، ووجه بأن الإضافة إلى السماء إنما كانت والله أعلم لأن الأشياء التي تحل بالناس من ربهم عز وجل تضاف إلى السماء من ذلك قوله سبحانه وتعالى: {يدبر الأمر من السماء إلى الأرض}، فأخبر عز وجل أن الأمور التي تكون في الأرض مدبرة من السماء إليها فمثل ذلك ما كان من تدبيره عز وجل في السبب الذي عاقب به قريشا لكفرها وعتوها عاقبها به حتى رأت من تلك العقوبة دخانا وليس في الحقيقة كذلك ، فأما ما في حديثي حذيفة ، وأبي هريرة من ذكر الدخان فهو على دخان حقيقي مما يكون بقرب القيامة ، ونسأل الله تعالى خير عواقبه في الدنيا والآخرة ، والله نسأله التوفيق). [شرح مشكل الآثار: ؟؟ ]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله البطشة الكبرى يعني يوم بدر). [تفسير مجاهد: 588]
قال أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي(ت:427هـ): ({ يَوْمَ نَبْطِشُ البطشة الكبرى } وهو يوم بدر . { إِنَّا مُنتَقِمُونَ } هذا قول أكثر العلماء ، وقال الحسن : هو يوم القيامة .
وروي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال: قال ابن مسعود: { الكبرى } يوم بدر و أنا أقول هي يوم القيامة). [ الكشف والبيان: 8 / 351]
قال مكي بن أبي طالب القيسي(ت:437هـ): (قوله تعالى: {يَوْمَ نَبْطِشُ البطشة الكبرى} - إلى قوله - {وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ}، أي: ننتقم منكم إن عدتم إلى كفركم عند كشفنا عنكم ما أنتم فيه من الجهد يوم نبطش البطشة الكبرى، وهو يوم بدر عند أكثر المفسرين، قاله ابن مسعود وابن عباس ومجاهد والضحاك وابن زيد وأبو العالية، وهو قول وهو قول أُبي بن كعب، أمكن الله عز وجل منهم المؤمنين يوم بدر فقتلوا منهم سبعين وأسروا سبعين.
والعامل في {يوم نبطش}: {منتقمون}.
وقيل: العامل فيه فعل مضمر، تقديره: اذكر يا محمد يوم نبطش. وهو الأحسن، لأن الظرف لا يعمل فيه ما بعد أن عند البصريين.
وقيل: التقدير: ننتقم يوم نبطش، ودل عليه " منتقمون ".
وفيه أيضاً بُعْدٌ لأن ما بعد " إنَّ " لا يفسر ما قبلها كما لا يفعل (ما بعدها) فيه.
فإضمار " اذكر " أحسن الوجوه، وذلك أن الله جل ذكره كشف عنهم ما كانوا فيه من الجهد فعادوا إلى كفرهم فأهلكهم قتلا بالسيف يوم بدر. فيكون العامل في {يوم نبطش} فعلاً مضمراً يفسره {إنا منتقمون}.
ولا يحسن أن يعمل فيه " منتقمون "، لأن ما بعد "أن" لا يعمل فيما قبلها، ويجوز أن يكون العامل " اذكر " مضمرة.
وقال عكرمة: البطشة الكبرى هي بطشة الله عز وجل بأعدائه يوم القيامة.
كذلك روى قتادة عن الحسن). [الهداية إلى بلوغ النهاية: 10 / 6728 - 6730 ]
قال أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي(ت:450هـ): (قوله عز وجل : {يوم نبطش البطشة الكبرى} والبطشة الكبرى هي العقوبة الكبرى ، وفيها قولان :
أحدهما : القتل بالسيف يوم بدر ، قاله ابن مسعود وأبي بن كعب ومجاهد والضحاك .
الثاني : عذاب جهنم يوم القيامة ، قاله ابن عباس والحسن .
ويحتمل:
ثالثا : أنها قيام الساعة لأنها خاتمة بطشاته في الدنيا). [ النكت والعيون: 5 / 248]
قال أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد الواحدي(ت:468هـ): (قوله تعالى: {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ} تفسير البطش قد تقدم [الأعراف: 195]، قال صاحب النظم: التأويل (إِنَّا مُنتَقِمُونَ) (يَوْمَ نَبْطِشُ)، فقوله: {يَوْمَ نَبْطِشُ} ظرف لقوله: {إِنَّا مُنْتَقِمُونَ} قال أبو إسحاق: {يَوْمَ} لا يجوز أن يكون منصوبًا بقوله: {مُنْتَقِمُونَ} لأن ما بعد {إِنَّا} لا يجوز أن يعمل فيما قبلها, ولكنه منصوب بتقدير: واذكر يوم نبطش البطشة الكبرى، واختلفوا في ذلك اليوم، فالأكثرون على أنه يوم بدر، وهو قول ابن مسعود وابن عباس في رواية عطاء والكلبي ومجاهد ومقاتل وابن سيرين وأبي العالية، قالوا: إن كفار مكة لما كشف عنهم الجوع عادوا إلى التكذيب فانتقم الله منهم يوم بدر، وأنا أقول هو يوم القيامة.
وقال أهل المعاني: معنى البطش الأخذ بيده، وأكثر ما يكون بوقع الضرب المتتابع، وأجري إيقاع الألم المتتابع مجراه). [البسيط:20 / 101]
قال أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي(ت:516هـ): ({يوم نبطش البطشة الكبرى} وهو يوم بدر، {إنا منتقمون} وهذا قول ابن مسعود وأكثر العلماء، وقال الحسن: يوم القيامة، وروى عكرمة ذلك عن ابن عباس). [معالم التنزيل: 7 / 230 ]
قال أبو محمد عبد الحق بن غالب ابن عطية الأندلسي(ت:542هـ): (اختلف الناس في يوم { البطشة الكبرى } ، فقال ابن عباس والحسن وعكرمة وقتادة : هو يوم القيامة وقال عبد الله بن مسعود وابن عباس أيضاً وأبي بن كعب ومجاهد : هو يوم بدر .
وقرأ جمهور الناس : « نَبطِش » بفتح النون وكسر الطاء . وقرأ الحسن بن أبي الحسن : بضم الطاء . وقرأ الحسن أيضاً وأبو رجاء وطلحة بن مصرف : بضم النون وكسر الطاء ، ومعناها : نسلط عليهم من يبطش بهم ، ثم ذكر تعالى قوم فرعون على جهة المثال لقريش). [ المحرر الوجيز: ]
قال أبو الفرج عبد الرحمن بن علي ابن الجوزي (ت:597هـ): (قوله تعالى: يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى وقرأ الحسن، وابن يعمر، وأبو عمران: «يومَ تُبْطَشُ» بتاء مرفوعة وفتح الطاء «البَطْشَةُ» بالرفع. قال الزجاج: المعنى:
واذكر يومَ نَبْطِش، ولا يجوز أن يكون منصوباً بقوله: «مُنْتَقِمُونَ» ، لأن ما بعد «إنّا» لا يجوز أن يعمل فيما قبلها. وفي هذا اليوم قولان: أحدهما: يوم بدر، قاله ابن مسعود وأُبيُّ بن كعب وأبو هريرة وأبو العالية ومجاهد والضحاك. والثاني: يوم القيامة، قاله ابن عباس والحسن. والبَطْش: الأخذ بقوّة). [زاد المسير: 4 / 90 ]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ م ت) عن مسروق بن الأجدع -رحمه الله -: قال: كنّا جلوساً عند عبد الله بن مسعود - وهو مضطجعٌ بيننا - فأتاه رجل فقال: يا أبا عبد الرحمن، إنّ قاصًّا عند أبواب كندة يقصّ، ويزعم: أنّ آية الدّخان تجيء فتأخذ بأنفاس الكفار، ويأخذ المؤمنين منها كهيئة الزّكام، فقال عبد الله - وجلس وهو غضبان-: يا أيّها الناس، اتقوا الله، من علم منكم شيئاً فليقل بما يعلم، ومن لا يعلم، فليقل: الله أعلم، فإنه أعلم لأحدكم أن يقول لما لا يعلم: الله أعلم، فإن الله تعالى قال لنبيّه صلى الله عليه وسلم: {قل ما أسألكم عليه من أجرٍ وما أنا من المتكلّفين} إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا رأى من الناس إدباراً قال: اللهم سبعٌ كسبع يوسف.
وفي رواية: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دعا قريشاً كذّبوه، واستعصوا عليه، فقال: اللهم أعنّي عليهم بسبعٍ كسبع يوسف، فأخذتهم سنةٌ حصّت كلّ شيءٍ، حتى أكلوا الجلود والميتة من الجوع، وينظر إلى السماء أحدهم، فيرى كهيئة الدّخان، فأتاه أبو سفيان، فقال: يا محمد، إنّك جئت تأمر بطاعة الله وبصلة الرّحم، وإنّ قومك قد هلكوا، فادع الله- عزّ وجلّ - لهم، قال الله تعالى {فارتقب يوم تأتي السّماء بدخانٍ مبين (10) يغشى الناس هذا عذابٌ أليم (11) ربّنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون (12) أنّى لهم الذكرى وقد جاءهم رسولٌ مبين (13) ثم تولّوا عنه وقالوا معلّمٌ مجنونٌ (14) إنّا كاشفوا العذاب قليلاً إنّكم عائدون}

قال عبد الله: أفيكشف عذاب الآخرة؟!!
{يوم نبطش البطشة الكبرى إنّا منتقمون} فالبطشة: يوم بدرٍ.
وفي رواية قال: قال عبد الله: إنما كان هذا؛ لأن قريشاً لما استعصوا على النبي صلى الله عليه وسلم، دعا عليهم بسنين كسني يوسف فأصابهم قحطٌ وجهدٌ، حتى أكلوا العظام، فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد، فأنزل الله عز وجل {فارتقب يوم تأتي السّماء بدخانٍ مبين (10) يغشى الناس هذا عذابٌ أليم} قال: فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل: يا رسول الله، استسق الله لمضر، فإنها قد هلكت. قال: لمضر؟ إنك لجريء فاستسقى لهم، فسقوا، فنزلت: {إنكم عائدون} فلما أصابهم الرفاهية، عادوا إلى حالهم، حين أصابتهم الرفاهية، فأنزل الله عز وجل {يوم نبطش البطشة الكبرى إنّا منتقمون} قال: يعني يوم بدر.
وفي رواية نحوه، وفيها: فقيل له: إن كشفنا عنهم عادوا، فدعا ربّه فكشف عنهم، فعادوا، فانتقم الله منهم يوم بدرٍ، فذلك قوله: {فارتقب يوم تأتي السّماء بدخانٍ مبين - إلى قوله - إنا منتقمون}. هذه رواية البخاري، ومسلم.
وفي رواية الترمذي مثل الرواية الأولى إلى قوله: {فارتقب يوم تأتي السّماء بدخان مبين. يغشى الناس هذا عذابٌ أليم} قال أحد رواته: هذا كقوله: {ربنا اكشف عنّا العذاب} فهل يكشف عذاب الآخرة؟ قد مضى البطشة واللّزام والدخان، وقال أحدهم: القمر، وقال الآخر: الروم واللزام يوم بدرٍ.
وقد أخرج البخاري في أحد طرقه هذا الذي ذكره الترمذي.
وفي أخرى للبخاري ومسلم قال: قال عبد الله: خمسٌ قد مضين: الدخان، واللّزام، والروم، والبطشة، والقمر.
[شرح الغريب]
(بسبع كسبع) أراد بالسبع: سبع سنين التي كانت في زمن النبي يوسف عليه السلام المجدبة التي ذكرها الله تعالى في القرآن.
(حصت) حلقت واستأصلت.
(قحط) القحط: احتباس المطر.
(جهده) الجهد - بفتح الجيم -: المشقة.
(الرفاهية): الدعة وسعة العيش). [جامع الأصول: 2/348-351]
قال أبو عبد الله محمد بن أحمد الخزرجي القرطبي(ت:671هـ): (وقيل: المعنى وارتقب الدخان وارتقب يوم نبطش، فحذف واو العطف، كما تقول: اتق النار اتق العذاب. و" البطشة الكبرى " في قول ابن مسعود: يوم بدر. وهو قول ابن عباس وأبي بن كعب ومجاهد والضحاك. وقيل: عذاب جهنم يوم القيامة، قاله الحسن وعكرمة وابن عباس أيضا، واختاره الزجاج. وقيل: دخان يقع في الدنيا، أو جوع أو قحط يقع قبل يوم القيامة. الماوردي: ويحتمل أنها قيام الساعة، لأنها خاتمة بطشاته في الدنيا. ويقال: انتقم الله منه، أي عاقبه. والاسم منه النقمة والجمع النقمات. وقيل بالفرق بين النقمة والعقوبة، فالعقوبة بعد المعصية لأنها من العاقبة. والنقمة قد تكون قبلها، قاله ابن عباس. وقيل: العقوبة ما تقدرت والانتقام غير مقدر). [الجامع لأحكام القرآن: ]
قال إسماعيل بن عمر ابن كثير القرشي الدمشقي(ت:774هـ): (وقوله تعالى: {يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون} فسر ذلك ابن مسعود بيوم بدر. وهذا قول جماعة ممن وافق ابن مسعود على تفسيره الدخان بما تقدم، وروي أيضا عن ابن عباس وجماعة من رواية العوفي، عنه. وعن أبي بن كعب وجماعة، وهو محتمل.
والظاهر أن ذلك يوم القيامة، وإن كان يوم بدر يوم بطشة أيضا.
قال ابن جرير: حدثني يعقوب، حدثنا ابن علية، حدثنا خالد الحذاء عن عكرمة قال: قال ابن عباس: قال ابن مسعود: البطشة الكبرى: يوم بدر، وأنا أقول: هي يوم القيامة .
وهذا إسناد صحيح عنه، وبه يقول الحسن البصري، وعكرمة في أصح الروايتين عنه). [تفسير القرآن العظيم: ؟؟]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه {يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون} قال: يوم بدر.
وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما مثله). [الدر المنثور: 13/267]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن أبي بن كعب ومجاهد والحسن وأبي العالية وسعيد بن جبير ومحمد بن سيرين وقتادة وعطية مثله). [الدر المنثور: 13/267]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن الحسن رضي الله عنه قال: أن يوم البطشة الكبرى يوم القيامة). [الدر المنثور: 13/267]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي العالية قال: كنا نتحدث أن قوله: {يوم نبطش البطشة الكبرى} يوم بدر والدخان قد مضى). [الدر المنثور: 13/268]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير بسند صحيح عن عكرمة قال: قال ابن عباس قال: ابن مسعود {البطشة الكبرى} يوم بدر وأنا أقول: هي يوم القيامة). [الدر المنثور: 13/268]

تعليقات:
1. هذه المسألة تفسيرية ولها صلة بالسيرة النبوية وبالعقيدة ؛ فأمّا صلتها بالسيرة فلأجل ما روي عن ابن مسعود وغيره من أنّ المراد بالبطشة الكبرى وقعة بدر، وأمّا تعلّقها بالعقيدة فلأجل تعلّقها بأشراط الساعة على أحد الأقوال فيها.
ومع ذلك فالنقول التي تحصّلت لي من كتب السيرة وكتب العقيدة لم أجد فيها تفصيلاً لهذه المسألة زائداً على ما ذُكر في دواوين السنة.
2: بدأت بالنقول التي وجدتها في جمهرة التفاسير ( هنا ) وهي النقول التي لوّنت أسماء قائليها بالأزرق، ثمّ أضفت إليها نقولاً أخرى لوّنت أسماء قائليها بالأحمر.
3. الذي تحصّل لي من النقول في هذه المسألة على أصناف:
- فمن دواوين السنة: نقول من مسند الإمام أحمد، وصحيح البخاري، وصحيح مسلم، وجامع الترمذي، وسنن النسائي، ومصنف ابن أبي شيبة.
- ومن التفاسير المسندة: نقول من تفسير عبد الرزاق، وتفسير ابن جرير، وتفسير عطاء الخراساني، وتفسير مجاهد، وتفسير الثعلبي، والواحدي والبغوي.
- ومن جوامع الأحاديث والزوائد: نقول من جامع الأصول. والدر المنثور.
- ومن شروح الأحاديث: نقول من شرح العيني، والقسطلاني، ومحمد حياة السندي، ولم أجد في الشروح الأخرى زيادة تفصيل.
- ومن التفاسير التي تنقل أقوال السلف: نقول من الهداية لمكي بن أبي طالب، والنكت والعيون للماوردي، والمحرر الوجيز لابن عطية، وزاد المسير لابن الجوزي، وأحكام القرآن للقرطبي، وتفسير ابن كثير،
- وبحثت في كتب جماعة من المحققين فظفرت بنقل مهمّ لأبي جعفر الطحاوي في كتابه "شرح مشكل الآثار" فنقلته.
- وبحث في كتب الحديث فوجدت نقلين مهمّين أحدهما لدى أبي القاسم البغوي في "نسخة طالوت" والآخر لعليّ بن الجعد في مسنده.
- ومن الإشارات التي أشار إليها بعض المفسّرين قول ابن جرير: (وقد بيّنّا الصّواب في ذلك فيما مضى، والعلّة الّتي من أجلها اخترنا ما اخترنا من القول فيه).
فبحثت عمّا أشار إليه فوجدته أراد به قوله في مسألة المراد بالدخان المبين: (وبعد، فإنه غير منكر أن يكون أحلّ بالكفار الذين توعدهم بهذا الوعيد ما توعدهم، ويكون مُحِلا فيما يستأنف بعد بآخرين دخانا على ما جاءت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا كذلك، لأن الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تظاهرت بأن ذلك كائن، فإنه قد كان ما رَوَى عنه عبد الله بن مسعود، فكلا الخبرين اللذين رُويا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صحيح.
وإن كان تأويل الآية في هذا الموضع ما قلنا، فإذ كان الذي قلنا في ذلك أولى التأويلين، فبين أن معناه: فانتظر يا محمد لمشركي قومك يوم تأتيهم السماء من البلاء الذي يحل بهم على كفرهم بمثل الدخان المبين لمن تأمله أنه دخان).
4. رتّبت النقول على التسلسل التاريخي تمهيداً لدراستها في مرحلة التحرير العلمي إن شاء الله تعالى.
5. هذا الجمع يعدّ جمعاً أوّلياً فقد يظهر للباحث بعد تأمّل أقوال المفسّرين إشارة إلى مراجع أخرى فيضيفها إلى ما تحصّل له.
6. وقع بسبب هذه المسألة خلاف بين إبراهيم النخعي وعكرمة أدّى ببعض أهل العلم إلى الطعن في عكرمة، ودافع عنه ابن حجر في مقدمة فتح الباري.
قال ابن حجر: (قال الأعمش عن إبراهيم: لقيت عكرمة فسألته عن البطشة الكبرى؛ فقال: يوم القيامة؛ فقلت: إن عبد الله - يعني ابن مسعود - كان يقول: "البطشة الكبرى يوم بدر"؛ فبلغني بعد ذلك أنه سُئل عن ذلك فقال: يوم بدر)
ثم قال ابن حجر: (وأما طعن إبراهيم عليه بسبب رجوعه عن قوله في تفسير البطشة الكبرى إلى ما أخبره به عن ابن مسعود؛ فالظاهر أن هذا يوجب الثناء على عكرمة لا القدح، إذ كان يظن شيئا؛ فبلغه عمن هو أولى منه خلافه فترك قوله لأجل قوله).