2 May 2020
الدرس الرابع: دلالة المحلّ الإعرابي للمفردات القرآنية
عناصر الدرس:
● دلالة المحلّ الإعرابي للمفردات القرآنية.
- المثال الأول: إعراب الأرحام في قول الله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحام}.
- المثال
الثاني: إعراب "ليبطّئنّ" في قول الله تعالى: {وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ
لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ
اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا (72)}.
-
المثال الثالث: مرجع الضمير في قوله تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ
مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا
(6)}.
● أمثلة من أقوال المفسّرين في إعراب المفردات القرآنية:
- المثال الأول: قول الله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا}.
- المثال الثاني: قول الله تعالى: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1)}.
-
المثال الثالث: قول الله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا
مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ
مُبْصِرُونَ (201) وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ
لَا يُقْصِرُونَ (202)}.
- المثال الرابع: قول الله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا}
-
المثال الخامس: قول الله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ
اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً
خَاسِئِينَ (65) فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا
خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (66)}.
- المثال السادس: قول الله تعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)}.
- المثال السابع: قول الله تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ (72)}.
● التطبيقات.
تمهيد
المفردة القرآنية قد تحتمل وجوهاً في الإعراب، وقد يختلف المعنى باختلاف
تلك الوجوه؛ فإذا صحّ الإعراب، وصحّ المعنى الذي دلّ عليه؛ وليس فيه
معارضة لدليل صحيح؛ فيصحّ حمل الآية على تلك المعاني التي دلّت عليها
الأوجه الإعرابية من غير تعارض، كما لو قُرِئت المفردة بقراءتين أو أكثر
يختلف الإعراب فيها؛ فيجب قبول تلك القراءات وما دلّت عليه من الأوجه
الإعرابية، وهذا من دلائل إحكام القرآن وبركة ألفاظه واتسّاع معانيه.
والأبواب التي يدخلها الاحتمال الإعرابي كثيرة، وسأذكر أمثلة متفرقة
لأنواع مختلفة من الإعراب يتبيّن بها اللبيبُ المرادَ، وليُعمِلَ مثلها في
نظائرها، وليستدلّ بها على ورود أمثالها في الأبواب الأخرى، والله الموفق
والمستعان.
ولو تصدّى باحثٌ عارفٌ بالتفسير والإعراب لتصنيف الأوجه الإعرابية
للمفردات القرآنية على أبواب النحو، وسرد أمثلة كلّ نوع منها لكان بحثاً
عظيم الفائدة.
المثال الأول: إعراب الأرحام في قول الله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحام}
قرأ جمهور القراء الأرحامَ بفتح الميم، وقرأ حمزة بكسر الميم، وهي قراءة سبعية صحيحة، وقد رويت عن الحسن وقتادة والأعمش.
وقراءة الفتح لها وجهان:
الوجه الأول: أن الأرحام معطوفة على اسم الله، والتقدير: واتقوا الأرحامَ.
والوجه الثاني: أنها منصوبة بنزع الخافض، والتقدير: تساءلون به وبالأرحام؛ فلما نُزعت الباء انتصب اللفظ.
وقراءة كسر الميم فيها وجهان أيضاً على المعنيين السابقين في قراءة الفتح:
الوجه الأول: أنّ "الأرحام" معطوفة على الضمير في "به". أي تساءلون به وبالأرحام.
والوجه الثاني: أنّ "الأرحام" منصوبة بفتحة مقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة الكسر للمجاروة.
وقد اختلف المفسرون في هذه الآية على قولين:
القول الأول: أنّ المعنى واتقوا الله الذي
تساءلون به وبالأرحام، وهو قول إبراهيم النخعي ومجاهد والحسن البصري، إذ
قالوا: هو قول الرّجل: أسألك باللّه والرّحمِ.
والقول الثاني: أن المعنى واتقوا الأرحامَ أن تقطعوها، وهو قول عكرمة وقتادة والضحاك وغيرهم، وهو رواية عن مجاهد والحسن البصري.
والقولان صحيحان من حيث صنعة الإعراب، وقد صحّا عن السلف، وتحتملهما القراءة الصحيحة.
فأفاد وصف {الذي تساءلون به} تقديم تقوى
الله تعالى بإفراد الضمير، ومناسبة تساؤلهم للأرحام، وهو من آيات الله إذ
خلق من نفس واحدة نفوساً كثيرة وجعل بينها تراحماً؛ والتساؤل بالأرحام كان
شائعاً عند العرب، وهو سبب يتشبثون به في الشدائد، فكان في الآية تنبيه
على أصل نشأة هذه الأرحام، وعلى منّة الله تعالى بها عليهم، وأنه يجب
عليهم أن يقابلوا هذه النعمة بشكرها، وذلك بأن يتقوا الله.
المثال
الثاني: إعراب "ليبطّئنّ" في قول الله تعالى: {وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ
لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ
اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا (72)}
الفعل {ليبَطّئنّ} يحتمل اللزوم والتعدّي.
- فالقول بالتعدي معناه أنّ منكم من يبطّئ غيره ويخذّلهم عن الجهاد
بحاله ومقاله وربما بكيده واحتياله، ويكون المفعول محذوفاً للعلم به أو
لعدم تعلّق الحكم بعينه.
- والقول باللزوم يكون التشديد فيه لتوكيد الإبطاء، تقول أبطأ، وبطّأ ؛
فيكون في الثاني من الإشعار بالتثاقل والتأخر ما هو أشدّ مما يشعر به
اللفظ المخفف، وهذا كما في : يُمسك ويمسّك، ويُكرم ويكرّم.
والقول باللزوم موافق للقراءة المروية عن مجاهد والزعفراني بإسكان الباء وتخفيف الطاء [ليبْطِئَنَّ].
وهو موافق لقول قتادة في تفسير هذه الآية إذ قال: ({ليبطئنّ} عن الجهاد والغزو في سبيل الله). رواه ابن جرير.
والقول بالتعدي موافق لقول ابن جريج إذ قال في تفسيرها: (المنافق يبطّئ المسلمين عن الجهاد في سبيل اللّه). رواه ابن جرير.
والقولان صحيحان، قد ذكرهما جماعة من المفسرين.
والمقصود أن هذه المفردة قد دلّت بإعرابيها الصحيحين على معنيين مختلفين يصحّ اجتماعهما، وهذا يدلّ على أنه قد يكون في معسكر المسلمين من أصحاب الصنفين المذمومين:
- فمنهم المتهاون المبطّئ في نفسه لضعف إيمانه أو لجبنه وخوره.
- ومنهم المنافق الذي يسعى لتثبيط المسلمين عن الجهاد.
المثال
الثالث: مرجع الضمير في قوله تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ
الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6)}
اختلف المفسرون في مرجع الضمير في قوله تعالى: {فزادوهم} على قولين:
القول الأول: عائد على الجنّ، والمعنى أنّ الإنس زادوا الجنّ رهقاً أي إثماً وطغياناً.
وهو معنى قول قتادة
والقول الثاني: عائد على الإنس، والمعنى أنّ الجنّ زادوا الإنس رهقاً أي فَرَقاً وخوفاً وذعراً.
وهو معنى قول الربيع بن أنس وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم.
والمعنيان صحيحان، ولفظ "الرهق" صالح لهما، إذ يدلّ على أنّ كلاً
منهما قد أرهق نفسه بتعريضها لما لا يطيق من العذاب، فأما المستعيذون من
الإنس فكان عذابهم معجلاً بالخوف والذعر الذي يحصل لهم بجراءة الجنّ عليهم
وتلعّبهم بهم.
وأمّا الجنّ فزادهم الإنسُ رهقاً لأنهم باستعاذتهم بهم ورضا الجنّ بأن
يُشرك بهم مع الله ازداد الجنّ طغياناً يستحقون به العذاب الشديد من الله
تعالى.
وهذا التركيب بديع جداً لأنه دلّ على المعنيين بأوجز عبارة.
أمثلة من أقوال المفسّرين في إعراب المفردات القرآنية
وهم إذا الخيل جالوا في كواثبها ... فوارس الخيل لا ميل ولا قزم
المثال السادس: قول الله تعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)}
التطبيقات
بيّن أثر دلالة الإعراب على المفردات التالية:
(1) سبيل في قول الله تعالى: {ولتستبين سبيل المجرمين}
(2) سبيلاً في قول الله تعالى: {فلا تبغوا عليهنّ سبيلاً}
(3) مرجع الضمير في "جعلناه" في قول الله تعالى: {وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا
إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلا
الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ
عِبادِنا}
(4) مرجع الضمير في "به" في قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ
مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا
قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ
وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ
وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174)}