5 May 2020
الدرس الحادي عشر: دلالات تراكيب الجمل
المبحث الخامس: التعريف والتنكير
عناصر الدرس:
● أهمية مبحث التعريف والتنكير.
● أنواع المعارف وأغراض التعريف بها.
● أنواع التنكير.
● أغراض التنكير.
● أمثلة على مسائل التعريف والتنكير في التفسير البياني:
- المسألة الأولى: تنكير لفظ القرآن في قول الله تعالى: {تلك آيات الكتاب وقرآن مبين}.
-
المسألة الثانية: تعريف الحسنة وتنكير السيئة في قول الله تعالى:
{فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ
تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ}.
- المسألة الثالثة: معنى التنكير في قول الله تعالى: {قَالَ يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ}.
● أمثلة من أقوال المفسرين:
- المسألة الأولى: تنكير لفظ البلد وتعريفه في قول الله تعالى:{ربّ اجعل هذا بلداً آمنا} وقوله تعالى: {ربّ اجعل هذا البلد آمنا}.
- المسألة الثانية: تنكير الإناث وتعريف الذكور
في قول الله تعالى: {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ
يَشَاءُ الذُّكُورَ}.
- المسألة الثالثة: تنكير الحياة في قول الله تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاة}.
-
المسألة الرابعة: تعريف الخلق وتنكيره في قول الله تعالى:
{أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ
جَدِيدٍ}.
● تطبيقات الدرس الحادي عشر.
أهمية مبحث التعريف والتنكير:
دلالات التعريف والتنكير من المباحث المهمة في التفسير
البياني، ويَستخرج بها أهلُ البيان أنواعاً من المعاني واللطائف
والأوجه التفسيرية، وبعض معاني التعريف والتنكير ظاهرة بيّنة، وبعضها
دقيقة جداً، ولذلك قال بدر الدين الزركشي في البحر المحيط: (والكلام في
التعريف والتنكير أدقّ من الدقيق).
ومن مهمّ ما يحتاج إليه دارس التفسير البياني معرفة
أغراض التعريف والتنكير، ولطائف العدول عن المعرفة إلى النكرة والعكس،
وعطف المعرفة على النكرة والعكس.
أنواع المعارف وأغراض التعريف بها:
وأنواع المعارف سبعة على المختار من أقوال
النحاة وهي: الضمير، والاسم العلَم، واسم الإشارة، والاسم الموصول،
والمحلّى بأل، والمضاف لواحد مما ذكر، والمنادَى إذا كان نكرة مقصودة.
فأما التعريف بالضمير:فيؤتى
به للدلالة على المتكلّم أو المخاطَب أو الغائب، ولاختصار الكلام بما
يُغني عن إعادة الاسم الظاهر، وللربط بين الجمل، وقد يقع الالتفات بين
أنواع الضمائر لأغراض بلاغية.
وقد يقع ضمير الجمع للمتكلّم الفرد على سبيل التعظيم كما في قول الله تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر}.
وقد تُخاطب المرأة الواحدة بضمير الجمع مبالغة في سترها كما في قوله تعالى: {قال لأهله امكثوا} على أحد الأقوال.
ويُؤتى بضمير الفصل بين المبتدأ والخبر لإفادة الحصر كما في قول الله تعالى: {قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم} وقوله تعالى: {إن شانئك هو الأبتر}.
والأصل في الخطاب أن يكون لمعيّن، لكن قد يقع في اللغة خطاب لغير معيَّن؛ ليعمّ كلَّ من يصلح أن يُخاطب به؛ كما في قول الله تعالى: {عمّ يتساءلون} الآية فيها خطاب بالاستفهام لكن المخاطب غير معيّن على أحد القولين؛ وقيل الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم.
ولا بدّ للضمير من مرجع يعود إليه، ويسمّيه بعض النحاة
والمفسرين "مفسّر الضمير"، والأصل في الضمير أن يتأخّر في الذكر عن
مفسِّره، لكن يتقدّم في أحوال كما في قوله تعالى: {فأوجس في نفسه خيفة موسى} وقوله تعالى: {ولا يُسأل عن ذنوبهم المجرمون}.
وقد يُضمر لمعلوم من غير تقدّم ذكره كما في قول الله تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر} أي القرآن ولم يسبق ذكره في السورة، وقوله تعالى: {كل من عليها فان} ، وقوله تعالى: {ما ترك على ظهرها من دابة}
وكذلك على أحد القولين في قول الله تعالى: {حتى توارت بالحجاب} على اعتبار عود الضمير على الشمس من غير تقدم ذكر لها.
وفي ضمير الشأن كما في قول الله تعالى: {قل هو الله أحد} وضمير القصة كما في قول الله تعالى: {فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور}.
وأما التعريف بالعلَم فيفيد النصَّ على تعيين المسمَّى به، كما في قول الله تعالى: {محمّد رسول الله}، وقوله تعالى: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل} وقوله تعالى: {ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين}.
والعَلم قد يكون اسماً أو كنية أو لقباً، والإتيان به في
مقام التعظيم يدلّ على التعظيم، وفي مقام التحقير يدلّ على التحقير،
وهكذا في سائر المعاني، ولا سيما إذا كان بين لفظ العَلَم والمقام
مناسبة؛ فإن التعريف به يكون حسناً في صنعة البيان.
وقد يكون لبعض الأعلام من الأسماء والكنى والألقاب ما له
اختصاص بمدح أو ذمّ فيؤتى بها في سياق يناسبها، وقد يُقلب ما كان
معروفاً بالمدح إلى مناسبة تقتضي الذمّ، وهو نوع لطيف من أنواع التعريف،
كما في قول الله تعالى: {تبّت يدا أبي لهب وتبّ . سيصلى ناراً ذات لهب}
وهو تعريف لطيف لأنّ أبا لهب لقّب بذلك لشدة بياضه
وصباحة وجهه، لكن إيراده في هذا السياق قلب الدلالة إلى الذم؛ فما كان
يُمدح به صار سبباً لذمّه.
وأما التعريف باسم الإشارة فالأصل فيه الدلالة على المشار إليه لتعيينه في الخطاب تعييناً بيّناً لا لبس فيه، كما في قول الله تعالى: {أنبئوني بأسماء هؤلاء} وقوله تعالى: {ولا تقربا هذه الشجرة}، وقوله تعالى: {وأنّ هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه}
ثم يدل اسم الإشارة المختار بعد ذلك على القرب والبعد بحسبه كما في: "هذا" ، وذاك، وذلك، وهؤلاء، وأولئك"
وقد يراد مع التعيين أغراض أخرى منها:
1: التعظيم كما في قول الله تعالى: {إنّ هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم} ، وقوله تعالى: {إنّ أولى الناس بإبراهيم للذين اتّبعوه وهذا النبيّ والذين آمنوا}، وقوله تعالى: {ثم عفونا عنكم من بعد ذلك} أي ذلك الأمر العظيم الذي اقترفتموه.
2: التعلية، فتفيد بيان علوّ المشار إليه:
- وقد تكون تعلية حسية كما في قول الله تعالى: {تلك الجنّة التي نورث من عبادنا من كان تقيا}.
- وقد تكون تعلية معنوية كما في قول الله تعالى: {ذلك الكتاب لا ريب فيه}، وقوله تعالى: {تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض} وقوله تعالى: {ولباس التقوى ذلك خير} ، وقول امرأة العزيز: {فذلكنّ الذي لُمتنني فيه}
- وقد تكون جامعة بينهما كما في قول الله تعالى: {ذلكم الله ربّكم}
3: التحقير كما في قول الله تعالى: {أهذا الذي يذكر آلهتكم} ، وقوله تعالى: {ذلك متاع الحياة الدنيا} ، وقوله تعالى فيما حكاه عن فرعون: {إنّ هؤلاء لشرذمة قليون}
4: الإبعاد ويتركّب من الإتيان باسم الإشارة الدال على البعد في سياق الذم والمقت، وهو عكس التعلية، كما في قول الله تعالى: {فذلك الذي يدعّ اليتيم} ، وقوله تعالى: {تلك القرى نقصّ عليك من أنبائها}، وقوله تعالى: {أولئك الذين لعنهم الله}، وقوله تعالى: {أولئك كالأنعام بل هم أضلّ أولئك هم الغافلون}
وهذا النوع قد يصلح في كثير من الأمثلة أن يراد به معنى
الإبعاد، ومعنى تعظيم خطر ما أتوا من القبائح، وفي بعضها يظهر تغليب
أحد المعنيين.
5: التقرير، كما في قول الله تعالى: {أليس هذا بالحقّ}.
6: إجمال الموصوفين بصفات متعددة، كما في قول الله تعالى: {ليس البر أن تولوا جوهكم قبل المشرق والمغرب ولكنّ البر من آمن بالله والملائكة والكتاب ...} إلى قوله تعالى: {أولئك الذين صدقوا} فأجمل باسم الإشارة الموصوفين بهذه الصفات، مع ما في لفظ "أولئك" في سياق المدح من إرادة التعلية.
وأما التعريف بالاسم الموصول؛ فيأتي لمعانٍ أشهرها:
1: التعيين، وهو تعيين المسند إليه بما تبيّنه صلة الموصول، وهو أصل معانيه، كما في قول الله تعالى: {إن ربّكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش} ، وقوله تعالى: {فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا}.
وهذا النوع منه ما يكون نصاً على مفرد، ومنه ما يكون عامّاً بوصف يصلح لجماعة.
فمن الأول قول الله تعالى: {وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه}
ومن الثاني قول الله تعالى: { فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ}
ويرد التعريف بالاسم الموصول مع ذلك لأغراض بلاغية أخرى منها:
2. التعظيم والتفخيم، كما في قول الله تعالى: {إن ربّكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش}، وقوله تعالى: {إن الذي فرض عليك القرآن لرادّك إلى معاد}.
3: الإبهام، ويأتي لمعانٍ منها:
أ: التعظيم والتهويل، كما في قول الله تعالى: {فأوحى إلى عبده ما أوحى} وقوله تعالى: {فغشّاها ما غشّى} ، وقوله تعالى: {وفعلت فعلتك التي فعلت}، وقوله تعالى: {فيتعلمون منهما ما يفرّقون به بين المرء وزوجه}
ب: التعمية، كما في قول الله تعالى: {قال بصرت بما لم يبصروا به}
ج: الرغبة عن التصريح،كما في قول الله تعالى: {فالآن باشروهنّ وابتغوا ما كتب الله لكم} ، وقوله تعالى: {وراودته التي هو في بيتها}
هذا مع ما تفيده صلة الموصول في هذه الآية من ذكر وجه مهم من أوجه
اشتداد الفتنة على يوسف عليه السلام مع هذه المرأة ولكنّه استعصم بالله،
وتعدد الأغراض ممكن.
4: التعليل، كما في قول الله تعالى: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وداً} ، ويسمّيه الأصوليون الإيماء؛ وهو بيان أن الإيمان والعمل الصالح سبب لحصول المودّة.
5: التشويق، كما في قول الله تعالى: {وفي السماء رزقكم وما توعدون}
6: التحقير، كما في قول الله تعالى: {فإنكم وما تعبدون . ما أنتم عليه بفاتنين . إلا من هو صال الجحيم} ، وقوله تعالى: {قال أرأيتك هذا الذي كرّمت عليّ} ، وقوله تعالى: {ونادى
فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي
أفلا تبصرون . أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين}.
7: التهكّم، كما في قول الله تعالى: {وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنّك لمجنون}.
وأما التعريف بأل فيرد لمعانٍ منها:
1: الجنس، كما في قول الله تعالى: {وخلق الإنسان ضعيفا} أي: جنس الإنسان.
وتعريف الجنس على مراتب:
أولها: تعريف الماهية، كالماء، والتراب، والهواء، كما في قول الله تعالى: {وجعلنا من الماء كلّ شيء حي} وقوله تعالى حكاية عن يعقوب عليه السلام: {وأخاف أن يأكله الذئب}.
والثاني: استغراق الجنس، كما في قول الله تعالى: {والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} هذا التعريف يعمّ كلّ إنسان، وعلامتها أن يصح تقدير "كلّ" موضع "أل"
والثالث: الجنس المخصَّص، والتخصيص يكون عقليا أو عرفيا أو ذكريّا كما في قول الله تعالى: {وقال فرعون ائتوني بكلّ ساحر عليم . فلما جاء السحرة قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون} ، فالسحرة هنا هم المخصوصون بأمر فرعون المتقدّم ذكره.
وكما في قول الله تعالى: {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم}.
2: الكمال والتمام كما في قول الله تعالى: {أولئك هم المؤمنون حقاً} وقوله: {لن تنالوا البرّ حتى تنفقوا مما تحبون}.
3: الأولوية، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الحمو الموت»، وقوله: «ليس
المسكين الذي يطوف على الناس ترده اللقمة واللقمتان، والتمرة
والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن به، فيتصدق
عليه ولا يقوم فيسأل الناس».
4: العهد، والمراد به ما يعهده المخاطَب ويعرفه، وهو على ثلاثة أنواع:
- العهد الحضوري، كما في قول الله تعالى: {ولا تقربا هذه الشجرة} فهي شجرة يعهدها آدم ويعرفها بمقتضى الإشارة إليها.
- والعهد الذِكْري: كما في قول الله تعالى: {كما أرسلنا إلى فرعون رسولاً. فعصى فرعون الرسول} أي الرسول الذي ذُكر في الآية التي قبلها، وقوله تعالى: {مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري}
- والعهد الذهني، وهو ما يعهده المخاطب في ذهنه لظهور العلم به نحو قول الله تعالى: {إن الذين جاؤوا بالإفك} المراد به القصة التي عرفوها فهي معهودة لهم في أذهانهم.
وقوله تعالى: {إذ يبايعونك تحت الشجرة} ، وقوله تعالى: {إذ هما في الغار}
ومعرفة هذه الأنواع من مهمّات ما يحتاجه طالب علم
التفسير، وكثيرا ما يكون مرجع الاختلاف بين أقوال المفسرين لاختلافهم في
معنى التعريف.
وقد يقع بين هذه المعاني شيء من التداخل في بعض الأمثلة،
وقد يقع بين المفسّرين اختلاف في تعيين بعض هذه المعاني، ومن ذلك
اختلافهم في معاني الفلق، والوسواس، والقلم، والطور، والفجر، ونظائرها؛
على أقوال يمكن تخريجها على أصلين لغويين:
الأصل الأول: أن المراد بالتعريف في هذه الألفاظ الجنس،
أي جنس الفلق؛ فيدخل في ذلك جميع ما يُفلق من الأمور الحسية والمعنوية،
وجنس "الوسواس"، أي كل ما يوسوس؛ فيدخل في ذلك وسوسة الشيطان، ووسوسة
النفس، وجنس الأقلام، وهكذا.
والأصل الثاني: أن المراد بها العهد الذهني.
والذين سلكوا هذا المسلك ذهبت كل طائفة منهم إلى ما تراه
أولى بالعهد الذهني، ففسّر جماعة من المفسّرين الفلق بأنه فلق الصباح،
وفسّر جماعة الوسواس بالشيطان الرجيم، وفسّر جماعة القلمَ بالقلم الذي
كُتب به في اللوح المحفوظ، وفسّر جماعة الطور بالجبل الذي نادى الله
فيه موسى.
ومما يلتحق بمسائل التعريف بأل:
1: أن إضافة "أل" إلى أفعل التفضيل تفيد الأفضلية المطلقة أو النسبية:
- فالأفضلية المطلقة كقول الله تعالى: {اقرأ وربّك الأكرم} ، وقوله تعالى: {سبّح اسم ربّك الأعلى}.
- والأفضلية النسبية كما في قول الله تعالى: {قلنا لا تخف إنّك أنت الأعلى} ، وقوله تعالى: {يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذل}، وقوله تعالى: {أفرأيتم ما كنتم تعبدون . أنتم وآباؤكم الأقدمون}، وقوله تعالى: {إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم العدوة القصوى}.
2: إذا وقع المحلّى بأل خبراً فإنه يفيد القصر الحقيقي أو الذي يفيد معنى الأولوية
- فمن الأول قول الله تعالى: {وهو الغفور الودود} وقوله تعالى: {نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم}، ذلك أنّه لا يغفر الذنوب إلا الله، ولا يقع تراحم قلّ أو أكثر إلا وهو من آثار رحمة الله.
- ومن الثاني قول الله تعالى: {هم العدوّ فاحذرهم}، وقوله تعالى: {إن الذين ارتدّوا على أدبارهم من بعد ما تبيّن لهم الهدى الشيطان سوّل لهم وأملى لهم}
فدخول أل على الشيطان في صدر جملة الخبر أفاد معنى القصر.
وأما التعريف بالإضافة إلى أحد المعارف المتقدّمة؛ فيفيد مع فوائد التعريف بها كما تقدّم فوائد أخرى، منها:
1: إجمال ما لا يتعلّق بذكره مفصّلاً فائدة، كما في قوله تعالى: {وجاء إخوة يوسف}.
ويلتحق به:
- إجمال ما يتعذّر عدّه أو يتعسّر، كأن تقول أجمع علماء
المسلمين، في مسألة من مسائل العلم التي يتعذّر إحصاء العلماء الذين
حُكي عنهم مقتضى هذا الإجماع.
- والإجمال لغرض الخروج من حرج الترتيب الذكري، كما
تقول: حضر علماء البلد، فإنّ ذكرهم بأسمائهم لا بدّ أن يكون فيه ترتيب على
نسقٍ ما، وتأخير بعضهم عن بعض قد يوقع المتكلّم في حرج، فيخرج منه
بإجمال ذكرهم بهذه الإضافة.
- والاختصار، كما ظاهر في المثالين السابقين.
2: التشريف، وذلك بإضافة المفردة إلى شريف القدر، فيشرف المضاف بنسبته إلى المضاف إليه، كما في قول الله تعالى: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان} وقوله تعالى: {ناقة الله وسقياها}
3: التحقير، وذلك بإضافة المفردة إلى وضيع القدر، كما في قول الله تعالى: {رجس من عمل الشيطان} ، وقوله تعالى: {وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت}
ويقع هذا المعنى أيضاً في المضاف إلى نكرة محقَّرة، كما في قول الله تعالى: {إنما صنعوا كيد ساحر}.
4: التلطّف، كما في قول الله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام أنه قال: {يا أبت إني أخاف أن يمسّك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا}، وقوله تعالى: {وقال الذي آمن يا قومِ إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب} الإضافة فيهما إلى ياء المتكلّم تفيد التلطف، وكذلك قول الله تعالى عن مؤمني الجنّ: {يا قومنا أجيبوا داعي الله}.
5: الاختصاص، كما في قول الله تعالى: {وإذ قال موسى لقومه}، وقوله تعالى: {وما صاحبكم بمجنون}
6: إرادة العموم كما في قول الله تعالى: {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها}.
وهذه الأغراض من أشهر أغراض التعريف بالإضافة، وهي غير
حاصرة لها، بل قد يظهر للناظر أغراض أخرى بمقتضى مناسبة الإضافة لسياق
الكلام، ولذلك أمثلة منها:
- التشنيع، كما في قول الله تعالى: {فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين} ، وقوله تعالى: {فكذبوا رسلي فكيف كان نكير}
- والتهكم، كما في قول الله تعالى عن فرعون: {قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون} ، وكما في قوله تعالى عن اليهود: {وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسولَ الله}
فإن هذه الإضافة خرجت مخرج التهكّم منهم على أحد الوجهين في الآية،
والوجه الآخر أنها جملة اعتراضية من كلام الله تعالى تفيد التشنيع عليهم.
وأما المنادَى فإن كان من المعارف فله حكمها بحسب نوع
تلك المعرفة كما تقدم، وإن كان المنادى نكرة غير مقصودة فليس من المعارف،
وإذا كان نكرة مقصودة كأن تنادي رجلاً فتقول: "يا رجل" ؛ فهو ملتحق
بالمعارف لأن قصدك من النكرة ألحقه بالمعرفة، ومن أمثلته في القرآن قوله
تعالى: {وقيل يا أرض ابلعي ماءك وسماء أقلعي} وقوله تعالى: {قلنا يا نار كوني برداً وسلام على إبراهيم}.
أنواع التنكير:
وأما التنكير فهو مقابل التعريف، ويؤتى به للدلالة على اسم شائع في جنسه غير معَيَّن.
والتنكير على نوعين:
أحدهما: تنكيرٌ حقيقي، وهو تنكير ما له أفراد من جنسه كرجل وحصان وشجرة.
والآخر: تنكير غير حقيقي، وهو تنكير ما لا يُعرف له نظير من جنسه كشمس وقمر، وفي تنكيرهما وجهان:
أحدهما: أن تنكيرهما جائز باعتبار صفاتهما وتعدد أحوالهما، فتقول: قمر منير، وشمس حارقة، وإن كان لهما أوصاف أخرى في غير وقت الخطاب.
والآخر: أن تنكيرهما باعتبارهما من جنس أعمّ، وهو الكواكب.
وقد تكون النكرة اسماً مفرداً، وقد تكون مثنى وجمعاً،
وقد تقيّد النكرة بما يخصصها ولا يُكسبها التعريف، كما لو قال قائل: رأيت
رأس إنسان؛ فالرأس هنا نكرة، لكن إضافته إلى كلمة "إنسان" قيَّدته
فأخرجت ما سوى الإنسان من حيوان وغيره، ولم تكسبه التعريف الذي يُعيّن
به صاحب الرأس.
والنكرات تُقيّد بأمور منها:
1: الإضافة كما تقدّم، ومنه قوله تعالى: {ما كان أبوك امرأ سوءٍ}.
2: والوصف كما في قول الله تعالى: {وبئر معطلة وقصر مشيد} ، وقوله تعالى: {إن أوّل بيت وضع للناس للذي ببكة} جملة "وضع للناس" صفة مقيّدة.
3: والعطف عليها كما لو قيل: رأيت ناقةً وولدها.
والنكرة المخصَّصة يسمّيها بعض النحاة نكرة غير محضة، لأنها ليست موغلة في التنكير ولا هي بمعرفة.
أغراض التنكير:
والتنكير يؤتى به لأغراض منها:
1: الإبهام، وهو أصل معاني التنكير، ويؤتى به لمقاصد منها:
أ- صرف نظر المخاطَب عن عين المنكَّر إلى صفته الاعتبارية أو القضية الأصلية، كما في قول الله تعالى: {ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون}
وقوله تعالى: {وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى} ، وقوله تعالى: {وشهد شاهد من أهلها}
وقوله تعالى: {كما أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذا وبيلا}
لم يرمز له بالضمير مع تقدم ذكره، ولم يذكره باسمه مع شهرته، لبيان أن
الحكم متعلق بالوصف لا بالشخص، وهو أوقع في الاحتجاج على المشركين
المخاطبين بهذه الآيات عند نزولها، وحكمها عامّ لكل من يصلح له الخطاب.
ب- ومنها: إخفاء المنكَّر، كما في قول الله تعالى: {قالت هل أدلّكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون}.
ج- ومنها: عدم علم المخاطب به، كما في قول الله تعالى: {قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل}.
2: الإطلاق، كما في قول الله تعالى: {وإذ قال موسى لقومه إنّ الله يأمركم أن تذبحوا بقرة} فلو ذبحوا أيّ بقرة حين ورود هذا الأمر لأجزأتهم، لكنّهم شددوا فشُدّد عليهم.
وقوله تعالى: {أو اطرحوه أرضاً}.
3: التهويل،وهو على نوعين:
أحدهما: التعظيم، كما في قول الله تعالى: {واتقوا يوماً تُرجعون فيه إلى الله} ، وقوله تعالى: {ولها عرشٌ عظيم}، وقوله تعالى: {إن إبراهيم كان أمّةً قانتاً لله}، وقوله تعالى: {إنا وجدناه صابراً}
والآخر: التشنيع، كما في قول الله تعالى: {لقد جئتم شيئاً إدّاً}، وقوله تعالى: {وإنهم ليقولون منكراً من القول وزوراً}.
4: التحقير، كما في قول الله تعالى: {من نطفةٍ خلقه}، وقوله تعالى: {إنما هذه الحياة الدنيا متاع}، وقوله تعالى: {قالوا سمعنا فتى يذكرهم}، وقوله تعالى: {ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون}، وقوله تعالى: {وقال الذين كفروا هل ندلّكم على رجلٍ ينبئكم إذا مزّقتم كلّ ممزّق إنّكم لفي خلق جديد}
5: التجاهل، كما في قول الله تعالى: {قال ائتوني بأخٍ لكم من أبيكم} ؛ فنكّره وقطعه عن الإضافة ولم يقل "بأخيكم" لإظهار الجهل بمعرفته إيّاه.
6: التقليل كما في قول الله تعالى: {كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشيّة أو ضحاها} ، وقوله تعالى: {ويوم تقوم الساعة يُقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة}، وقوله تعالى: {ولئن مسّتهم نفحة من عذاب ربك ليقولون يا ويلنا إنا كنا ظالمين}
7: التكثير، كما في قول الله تعالى: {يُطاف عليهم بصحافٍ من ذهب وأكواب}، وقوله تعالى: {فإن كذبوك فقد كُذّبَ رسلٌ من قبلك}، وقوله تعالى: {كم تركوا من جناتٍ وعيون . وزروع ومقام كريم}
8: التشويق، كما في قول الله تعالى: {هل أدلّكم على تجارةٍ تنجيكم من عذاب أليم}
9: الاستغراق في العموم، كما في قول الله تعالى: {ما لكم من دون الله من وليّ ولا نصير}
وما التأنيث لاسم الشمس عيب ... وما التذكير فخرٌ للهلال).
تطبيقات الدرس الحادي عشر:
بيّن أغراض التعريف والتنكير في الأمثلة التالية:
(1) قول الله تعالى: { كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15)}
(2) قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ
يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ
عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ
أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو
الْأَلْبَابِ (18)}
(3) قول الله تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2)}
(4) قول الله تعالى: { قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ
إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا
إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ
النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ
وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158)}
(5) قول الله تعالى: { فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ (80)}