الدروس
course cover
مقدمة المصنف والبيان النبوي للقرآن
2 Oct 2022
2 Oct 2022

1049

0

0

course cover
مقدمات المفسرين

مقدمة التفسير لابن تيمية | القسم الأول

مقدمة المصنف والبيان النبوي للقرآن
2 Oct 2022
2 Oct 2022

2 Oct 2022

1049

0

0


0

0

0

0

0

مقدمة المصنف والبيان النبوي للقرآن


قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ) : (مقدمات

رَبِّ يَسِّرْ وَأعِنْ بِرَحْمَتِكَ

الحمدُ للهِ نَستعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ ، ونَعُوذُ باللهِ مِن شُرورِ أَنْفُسِِنَا ، وَمِن سيِّئاتِ أَعْمالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ ، ومنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ .

وأَشْهدُ أَلاَّإلهَ إلااللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ - صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسليمًا .

أمَّا بَعْدُ: فَقَدْ سَأَلَنِي بَعْضُ الإِخْوانِ أَنْ أَكتُبَ لَهُ مقدِّمَةً تَتَضَمَّنُ قَوَاعِدَ كُلِّيَّةً ، تُعينُ عَلَى فَهْمِ القُرآنِ ، ومَعْرِفَةِ تَفْسِيرِهِ وَمَعَانِيهِ ، والتَّمييزِ – في منْقُولِ ذَلِكَ وَمَعْقُولِهِ – بَيْنَ الحقِّ وَأَنْوَاعِ الأَبَاطِيلِ ، وَالتنبيه عَلَى الدَّليلِ الفاصِلِ بَيْنَ الأَقَاوِيلِ؛ فَإِنَّ الكُتُبَ الْمُصَنَّفَةَ في التَّفسيرِ مَشْحُونَةٌ بِالْغَثِّ وَالسَّمينِ ، وَالبَاطِلِ الوَاضِحِ ، وَالْحَقِّ الْمُبِينِ.

وَالعِلْمُ إمَّا نَقْلٌ مُصَدَّقٌ عَنْ مَعْصُومٍ ، وَإمَّا قَوْلٌ عَلَيْهِ دَلِيلٌ مَعْلُومٌ ، وَمَا سِوَى هَذَا فَإِمَّا مُزَيَّفٌ مَرْدُودٌ ، وَإمَّا مَوقُوفٌ لاَ يُعْلَمُ أنَّهُ بَهْرَجٌ وَلاَ منْقُودٌ.

وَحَاجَةُ الأُمَّةِ مَاسَّةٌ إِلَى فَهْمِ القُرْآنِ الَّذِي هُوَ حَبْلُ اللهِ الْمَتِينُ ، وَالذِّكْرُ الْحَكِيمُ ، وَالصِّراطُ الْمُسْتَقِيمُ ، الَّذِي لاَ تَزِيغُ بِهِ الأَهْوَاءُ ، وَلاَ تَلْتَبِسُ بِهِ الأَلْسُنُ ، وَلاَ يَخْلَقُ عَلَى كَثْرَةِ الرَّدِ ، وَلاَ تَنْقَضِِي عَجَائِبُهُ ، وَلاَ يَشْبَعُ منْهُ الْعُلَمَاءُ .

مَنْ قَالَ بِهِ صُدِّقَ ، ومَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ ، ومَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ ، ومَنْ دَعَا إليه هُدِيَ إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ، ومِنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللهُ ، ومَن ابْتَغَى الهُدَى في غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللهُ .

قالَ تعالَى : (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِنِّي هُدًى فَمَن اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً * قَالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ ءَايَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى ) سُورَةُ طه : 123-126 (قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُم مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) سُورَةُ الْمَائِدَةِ : 15-16 (الر * كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ) سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ : 1-2 (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ وَلَـكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ أَلاَ إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ )

وَقَدْ كَتَبْتُ هَذِهِ المقدِّمَةَ مُخْتَصَرَةً بِحَسْبِ تَيْسِيرِ اللهِ تَعالَى منْ إِمْلاَءِ الفُؤادِ ، وَاللهُ الْهَادِي إِلَى سَبيلِ الرَّشادِ).

هيئة الإشراف

#2

6 Dec 2022

فَصْلٌ في أنَّ النَّبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -بيَّنَ لأَصْحَابِهِ مَعَانيَ القرآنِ


قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ) : (يَجِبُ أنْ يُعْلَمَ أنَّ النَّبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيَّنَ لأَصْحَابِهِ مَعَانِيَ القرآنِ, كَمَا بيَّنَ لَهُمْ أَلْفَاظَهُ ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى: (لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) سُورَةُ النـَّحْلِ: (44) يَتَنَاوَلُ هَذَا وهَذَا .

وَقَدْ قَالَ أَبو عَبدِ الرَّحْمَنِ السُّلَميُّ : " حَدَّثَنَا الَّذِينَ كَانُوا يُقْرِئُونَنَا الْقُرْآنَ – كَعُثْمَانَ بنِ عفَّانَ ، وعبدِ اللهِ بنِ مَسْعُودٍ وغيرِهِمَا – أنَّهُمْ كانُوا إِذَا تَعَلَّمُوا مِن النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَشْرَ آيَاتٍ لَمْ يُجَاوِزُوهَا حَتَّى يَتَعَلَّمُوا ما فِيهَا مِنَ العِلْمِ وَالعَمَلِِ ، قَالُوا : فَتَعَلَّمنْا القُرْآنَ وَالعِلْمَ وَالعَمَلَ جَمِيعًا . "

وَلِهَذَا كانُوا يَبْقَوْنَ مُدَّةً فِي حِفْظِ السُّورَةِ .

وَقالَ أَنَسٌ : " كَانَ الرَّجُلُ إِذَا قَرَأَ البقرَةَ وآلَ عِمْرَانَ جَدَّ فِي أَعْيُنِنَا ."

وَأَقَامَ ابنُ عُمَرَ عَلَى حِفْظِ البَقَرَةِ عِدَّةَ سِنِينَ – قِيلَ : ثَمَانِي سِنِينَ – ذَكَرَهُ مَالِكٌ .

وَذلِكَ أنَّ اللهَ تعالَى قَالَ: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُواْ ءَايَاتِهِ) سُورَةُ ص: ( 29 )، وقالَ : (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ )سُورَةُ النِّسَاء ِ:(24)، وَقَالَ : أَفَلَمْ يَدَّبَّرُواْ الْقَوْلَ )سُورَةُ الْمُؤْمِنُونَ: (68)، وتَدَبُّرُ الكَلامِ بِدُونِ فَهْمِ مَعَانِيهِ لا يُمْكِنُ .

وكذلِكَ قالَ تعالَى : (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُون َ) سُورَةُ يُوسُفَ : (2) ، وعـَقـْلُ الكَلامِ مُتَضَمِّنٌ لِفَهْمِهِ .

وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ كُلَّ كَلامٍ فَالْمَقْصُودُ منْهُ فَهْمُ مَعَانِيهِ دُونَ مُجَرَّدِ أَلْفَاظِهِ ، فَالْقُرآنُ أَوْلَى بذلِكَ .

وأَيْضًا فَالْعَادَةُ تَمْنَعُ أَنْ يَقْرَأَ قَومٌ كِتابًا في فَنٍّ من العِلْمِ كَالطِّبِّ وَالْحِسَابِ وَلاَ يَسْتَشْرِحُوهُ ؛ فَكَيْفَ بِكَلامِ اللهِ تَعالَى الَّذِي هو عِصْمَتُهُم ، وَبِهِ نَجَاتُهُمْ وَسَعَادَتُهُمْ ، وَقِيَامُ دِينِهِمْ وَدُنيَاهُمْ ؟!

وَلِهَذَا كَانَ النِّزَاعُ بَيْنَ الصَّحابةِ في تَفْسِيرِ القُرْآنِ قَلِيلاً جِدًّا ، وَهُوَ وَإِنْ كانَ في التَّابعينَ أَكْثَرَ منْهُ في الصَّحابةِ ، فهُوَ قَلِيلٌ بِالنِّسبةِ إِلَى مَنْ بَعْدَهُمْ ، وَكُلَّمَا كَانَ الْعَصْرُ أَشْرَفَ كانَ الاجْتِمَاعُ وَالائْتِلاَفُ وَالعِلْمُ وَالبَيَانُ فِيهِ أَكْثَرَ .

ومِنَ التَّابعينَ مَنْ تَلَقَّى جَمِيعَ التَّفسيرِ عَنِ الصَّحابَةِ ، كمَا قالَ مُجَاهِدٌ : عَرَضْتُ الْمُصْحَفَ علَى ابنِ عبَّاسٍ ، أُوقِفُهُ عِنْدَ كُلِّ آيةٍ منْهُ ، وأسألُهُ عَنْهَا ، وَلِهَذَا قَالَ الثَّوريُّ : " إِذَا جَاءَكَ التَّفسيرُ عَنْ مُجَاهِدٍ فَحَسْبُكَ بِهِ . وَلِهَذَا يَعتمِدُ علَى تفسيرِهِ الشَّافعيُّ والبخاريُّ وغيرُهُمَا منْ أَهْلِ العِلْمِ ، وَكَذَلِكَ الإمَامُ أَحْمَدُ وَغَيرُهُ مِمَّنْ صَنَّفَ في التَّفسيرِ ، يُكَرِّرُ الطُّرُقَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ .

وَالْمَقْصُودُ أَنَّ التَّابعينَ تَلَقَّوا التَّفسيرَ عَن الصَّحابَةِ كَمَا تَلَقَّوا عَنْهُمْ عِلْمَ السُّنَّةِ ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ يَتَكلَّمُونَ في بَعْضِ ذَلِكَ بِالاسْتِنْبَاطِ وَالاسْتِدْلاَلِ ، كَمَا يَتَكَلَّمُونَ في بَعْضِ السُّننِ بِالاسْتِنْباطِ والاسْتِدلالِ)  .