2 Oct 2022
ب: بيان فضل القرآن
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت:774 هـ): (كتاب فضائل القرآن
قال البخاري، رحمه الله:كيف نزول الوحي وأول ما نزل:
قال ابن عباس: المهيمن الأمين القرآن، أمين على كل كتاب قبله.
حدثنا عبيد الله بن موسى عن شيبان عن
يحيى عن أبي سلمة قال: أخبرتني عائشة وابن عباس قالا: لبث النبي
صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين ينزل عليه القرآن، وبالمدينة
عشرا. ذكر البخاري، رحمه الله،
كتاب "فضائل القرآن" بعد كتاب التفسير؛ لأن التفسير أهم فلهذا بدأ به، ونحن قدمنا
الفضائل قبل التفسير وذكرنا فضل كل سورة قبل تفسيرها ليكون ذلك باعثا على حفظ
القرآن وفهمه والعمل بما فيه والله المستعان. وقول ابن عباس في تفسير المهيمن إنما يريد به البخاري
قوله تعالى في المائدة بعد ذكر التوراة والإنجيل: {وأنزلنا
إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه} [المائدة: 48]. قال الإمام أبو جعفر بن جرير، رحمه
الله: حدثنا المثنى، حدثنا عبد الله بن
صالح، حدثني معاوية عن علي -يعني ابن أبي طلحة- عن ابن عباس في قوله: {ومهيمنا عليه} قال: المهيمن:
الأمين. قال: القرآن أمين على كل كتاب قبله. وفي
رواية: شهيدا عليه. وقال سفيان الثوري وغير واحد من
الأئمة عن أبي إسحاق السبيعي، عن التميمي، عن ابن عباس: {ومهيمنا عليه} قال: مؤتمنا.
وبنحو ذلك قال مجاهد والسدي وقتادة وابن جريج والحسن البصري وغير واحد من أئمة
السلف. وأصل الهيمنة: الحفظ والارتقاب، يقال إذا رقب الرجل الشيء وحفظه وشهده: قد
هيمن فلان عليه، فهو يهيمن هيمنة وهو عليه مهيمن، وفي أسماء الله تعالى: المهيمن،
وهو الشهيد على كل شيء، والرقيب: الحفيظ بكل شيء. وأما الحديث الذي أسنده البخاري: أنه، عليه السلام، أقام
بمكة عشر سنين ينزل عليه القرآن، وبالمدينة عشرا، فهو مما انفرد به البخاري دون
مسلم، وإنما رواه النسائي من حديث شيبان وهو ابن عبد الرحمن، عن يحيى وهو ابن أبي
كثير، عن أبي سلمة عنهما. وقال أبو عبيد
القاسم بن سلام: حدثنا يزيد عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: أنزل القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا في ليلة القدر، ثم نزل بعد
ذلك في عشرين سنة، ثم قرأ: {وقرآنا فرقناه لتقرأه على
الناس على مكث ونزلناه تنزيلا} [الإسراء: 106]. هذا
إسناد صحيح. أما إقامته بالمدينة عشرا فهذا مما لا خلاف فيه، وأما إقامته بمكة بعد
النبوة فالمشهور ثلاث عشرة سنة؛ لأنه، عليه الصلاة والسلام، أوحي إليه وهو ابن
أربعين سنة، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة على الصحيح، ويحتمل أنه حذف ما زاد على
العشرة اختصارا في الكلام؛ لأن العرب كثيرا ما يحذفون الكسور في كلامهم، أو أنهما
إنما اعتبرا قرن جبريل، عليه السلام، به عليه السلام. فإنه قد روى الإمام أحمد أنه
قرن به، عليه السلام، ميكائيل في ابتداء الأمر، يلقي إليه الكلمة والشيء، ثم قرن به
جبريل. ووجه مناسبة هذا الحديث بفضائل
القرآن: أنه ابتدئ بنزوله في مكان شريف، وهو البلد الحرام، كما أنه كان في زمن شريف
وهو شهر رمضان، فاجتمع له شرف الزمان والمكان؛ ولهذا يستحب إكثار تلاوة القرآن في
شهر رمضان؛ لأنه ابتدئ نزوله فيه؛ ولهذا كان جبريل يعارض به رسول الله صلى الله
عليه وسلم في كل سنة في شهر رمضان، فلما كان في السنة التي توفي فيها عارضه به
مرتين تأكيدا وتثبيتا. وأيضا في هذا
الحديث بيان أنه من القرآن مكي ومنه مدني، فالمكي: ما نزل قبل الهجرة، والمدني: ما
نزل بعد الهجرة، سواء كان بالمدينة أو بغيرها من أي البلاد كان، حتى ولو كان بمكة
أو عرفة. وقد أجمعوا على سور أنها من المكي وأخر أنها من المدني، واختلفوا في أخر،
وأراد بعضهم ضبط ذلك بضوابط في تقييدها عسر ونظر، ولكن قال بعضهم: كل سورة في أولها
شيء من الحروف المقطعة فهي مكية إلا البقرة وآل عمران، كما أن كل سورة فيها: {يا أيها الذين آمنوا} فهي مدنية وما فيها: {يا أيها الناس} فيحتمل أن يكون من هذا ومن هذا، والغالب
أنه مكي. وقد يكون مدنيا كما في البقرة {يا أيها الناس
اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون} [البقرة:
20]، {يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا
ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين} [البقرة:
168]. قال أبو عبيد: حدثنا أبو
معاوية، حدثنا من سمع الأعمش يحدث عن إبراهيم بن علقمة: كل شيء في القرآن: {يا أيها الذين آمنوا} فإنه أنزل بالمدينة، وما كان {يا أيها الناس} فإنه أنزل بمكة. ثم قال: حدثنا علي بن
معبد، عن أبي المليح، عن ميمون بن مهران، قال: ما كان في
القرآن: {يا أيها الناس} و {يا بني آدم} فإنه مكي، وما كان: {يا أيها الذين آمنوا}
فإنه مدني. ومنهم من يقول: إن بعض السور نزل مرتين، مرة بالمدينة
ومرة بمكة، والله أعلم. ومنهم من يستثني من المكي آيات يدعي أنها من المدني، كما في
سورة الحج وغيرها. والحق في ذلك ما دل
عليه الدليل الصحيح، فالله أعلم. وقال أبو عبيد: حدثنا عبد الله بن صالح، عن معاوية
بن صالح عن علي بن أبي طلحة، قال: نزلت بالمدينة سورة البقرة،
وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنفال، والتوبة، والحج، والنور، والأحزاب، والذين
كفروا، والفتح، والحديد، والمجادلة، والحشر، والممتحنة، والحواريون،
والتغابن، و{يا أيها النبي إذا طلقتم النساء}
و{يا أيها النبي لم تحرم}
والفجر، {والليل إذا يغشى}
و {إنا أنزلناه في ليلة
القدر} و {لم يكن الذين
كفروا} و {إذا
زلزلت} و {إذا جاء نصر
الله} وسائر ذلك بمكة. وهذا إسناد صحيح عن ابن أبي طلحة مشهور، وهو أحد أصحاب
ابن عباس الذين رووا عنه التفسير، وقد ذكر في المدني سورا في كونها مدنية نظر،
وفاته الحجرات والمعوذات. الحديث
الثاني: وقال البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا معتمر قال: سمعت أبي عن أبي
عثمان قال: أنبئت أن جبريل، عليه السلام، أتى النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أم
سلمة، فجعل يتحدث، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من
هذا؟)) أو كما قال، قالت: هذا دحية الكلبي، فلما قام قالت: والله ما حسبته
إلا إياه، حتى سمعت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يخبر خبر جبريل. أو كما قال، قال
أبي: فقلت لأبي عثمان: ممن سمعت هذا؟ فقال: من أسامة بن زيد. وهكذا رواه أيضا في
علامات النبوة عن عباس بن الوليد النرسي، ومسلم في فضائل أم سلمة عن عبد الأعلى بن
حماد ومحمد بن عبد الأعلى كلهم عن معتمر بن سليمان به. والغرض من إيراد هذا الحديث هاهنا أن السفير بين الله
وبين محمد صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام وهو ملك كريم ذو وجاهة وجلالة
ومكانة كما قال: {نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من
المنذرين} [الشعراء: 193، 194]، وقال تعالى: {إنه لقول رسول كريم * ذي قوة عند ذي العرش مكين * مطاع ثم أمين *
وما صاحبكم بمجنون} الآيات [التكوير: 19- 22]. فمدح
الرب تبارك وتعالى عبديه ورسوليه جبريل ومحمدا صلى الله عليه وسلم وسنستقصي الكلام
على تفسير هذا الكتاب في موضعه إذا وصلنا إليه إن شاء الله تعالى وبه
الثقة. وفي الحديث فضيلة عظيمة لأم
سلمة، رضي الله عنها -كما بينه مسلم رحمه الله- لرؤيتها لهذا الملك العظيم، وفضيلة
أيضا لدحية بن خليفة الكلبي، وذلك أن جبريل، عليه السلام، كان كثيرا ما يأتي رسول
الله صلى الله عليه وسلم على صورة دحية وكان جميل الصورة، رضي الله عنه، وكان من
قبيلة أسامة بن زيد بن حارثة الكلبي، كلهم ينسبون إلى كلب بن وبرة وهم قبيلة من
قضاعة، وقضاعة قيل: إنهم من عدنان، وقيل: من قحطان، وقيل: بطن مستقل بنفسه، والله
أعلم. الحديث الثالث: حدثنا عبد الله بن
يوسف، حدثنا الليث حدثنا سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما
مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون
أكثرهم تابعا يوم القيامة)). ورواه أيضا في كتاب الاعتصام عن عبد العزيز بن عبد الله
ومسلم والنسائي عن قتيبة جميعا، عن الليث بن سعد، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبيه
-واسمه كيسان المقبري- به. وفي هذا
الحديث فضيلة عظيمة للقرآن المجيد على كل معجزة أعطيها نبي من الأنبياء، وعلى كل
كتاب أنزله، وذلك أن معنى الحديث: ما من نبي إلا أعطي من المعجزات ما آمن عليه
البشر، أي: ما كان دليلا على تصديقه فيما جاءهم به واتبعه من اتبعه من البشر، ثم
لما مات الأنبياء لم تبق لهم معجزة بعدهم إلا ما يحكيه أتباعهم عما شاهدوه في
زمانه، فأما الرسول الخاتم للرسالة محمد صلى الله عليه وسلم فإنما كان معظم ما آتاه
الله وحيا منه إليه منقولا إلى الناس بالتواتر، ففي كل حين هو كما أنزل، فلهذا قال:
((فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا))، وكذلك وقع، فإن أتباعه
أكثر من أتباع الأنبياء لعموم رسالته ودوامها إلى قيام الساعة، واستمرار معجزته؛
ولهذا قال الله تبارك وتعالى: {تبارك الذي نزل الفرقان على
عبده ليكون للعالمين نذيرا} [الفرقان: 1]، وقال تعالى:
{قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا
يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا} [الإسراء: 88]،
ثم تقاصر معهم إلى عشر سور منه فقال: {أم يقولون افتراه قل
فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين}
[هود: 13] ثم تحداهم إلى أن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا، فقال:
{أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من
دون الله إن كنتم صادقين} [يونس: 38]، وقصر التحدي على
هذا المقام في السور المكية كما ذكرنا وفي المدنية أيضا كما في سورة البقرة، حيث
يقول تعالى: {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا
بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين * فإن لم تفعلوا ولن
تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين} [البقرة: 23، 24] فأخبرهم بأنهم عاجزون عن معارضته بمثله، وأنهم لا
يفعلون ذلك في المستقبل أيضا، وهذا وهم أفصح الخلق وأعلمهم بالبلاغة والشعر وقريض
الكلام وضروبه، لكن جاءهم من الله ما لا قبل لأحد من البشر به من الكلام الفصيح
البليغ، الوجيز، المحتوي على العلوم الكثيرة الصحيحة النافعة، والأخبار الصادقة عن
الغيوب الماضية والآتية، والأحكام العادلة والمحكمة، كما قال تعالى: {وتمت كلمات ربك صدقا وعدلا} [الأنعام:
115]. وقال الإمام أحمد بن حنبل:
حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا أبي، حدثنا محمد بن إسحاق قال: ذكر محمد بن كعب
القرظي عن الحارث بن عبد الله الأعور قال: قلت: لآتين أمير المؤمنين، فلأسألنه عما
سمعت العشية قال فجئته بعد العشاء، فدخلت عليه، فذكر الحديث. قال: ثم قال: سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((أتاني جبريل فقال: يا محمد،
أمتك مختلفة بعدك)). قال: ((فقلت له: فأين المخرج يا
جبريل؟)) قال: فقال: "كتاب الله به يقصم الله كل جبار، من
اعتصم به نجا، ومن تركه هلك، مرتين، قول فصل وليس بالهزل، لا تخلقه الألسن، ولا
تفنى عجائبه، فيه نبأ من كان قبلكم، وفصل ما بينكم، وخبر ما هو كائن بعدكم"
هكذا رواه الإمام أحمد. وقال أبو عيسى الترمذي: حدثنا عبد بن حميد، حدثنا حسين بن
علي الجعفي، حدثنا حمزة الزيات، عن أبي المختار الطائي، عن ابن أخي الحارث الأعور،
عن الحارث الأعور، قال: مررت في المسجد فإذا الناس يخوضون في الأحاديث فدخلت على
علي فقلت: يا أمير المؤمنين، ألا ترى الناس قد خاضوا في الأحاديث؟ قال: أوقد
فعلوها؟ قلت: نعم. قال: أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنها ستكون فتنة)) فقلت: ما المخرج منها يا رسول الله؟ قال:
((كتاب الله، فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، هو
الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله،
هو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به
الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا
تنقضي عجائبه، هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا: {إنا سمعنا قرآنا عجبا * يهدي إلى الرشد فآمنا به} [الجن: 1، 2]،من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن
حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم)). خذها إليك يا أعور، ثم
قال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث حمزة الزيات، وإسناده مجهول وفي حديث
الحارث مقال. قلت: لم ينفرد بروايته
حمزة بن حبيب الزيات، بل قد رواه محمد بن إسحاق، عن محمد بن كعب القرظي، عن الحارث
الأعور، فبرئ حمزة من عهدته، على أنه وإن كان ضعيف الحديث إلا أنه إمام في القراءة
والحديث مشهور من رواية الحارث الأعور وقد تكلموا فيه، بل قد كذبه بعضهم من جهة
رأيه واعتقاده، أما إنه تعمد الكذب في الحديث فلا والله أعلم. وقصارى هذا الحديث أن يكون من كلام أمير المؤمنين علي،
رضي الله عنه، وقد وهم بعضهم في رفعه، وهو كلام حسن صحيح على أنه قد روي له شاهد عن
عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال الإمام العلم أبو عبيد القاسم بن سلام في كتابه
فضائل القرآن: حدثنا أبو اليقظان عمار بن محمد الثوري أو غيره عن أبي إسحاق الهجري،
عن أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن هذا القرآن مأدبة الله تعالى فتعلموا من مأدبته
ما استطعتم، إن هذا القرآن حبل الله عز وجل، وهو النور المبين، والشفاء النافع،
عصمة لمن تمسك به، ونجاة لمن تبعه، لا يعوج فيقوم، لا يزيغ فيستعتب، ولا تنقضي
عجائبه، ولا يخلق عن كثرة الرد، فاتلوه، فإن الله يأجركم على تلاوته بكل حرف عشر
حسنات، أما إني لا أقول لكم الم حرف، ولكن ألف عشر، ولام عشر، وميم
عشر)). وهذا غريب من هذا الوجه، وقد رواه محمد بن فضيل عن أبي إسحاق
الهجري، واسمه إبراهيم بن مسلم، وهو أحد التابعين، ولكن تكلموا فيه
كثيرا. وقال أبو حاتم الرازي: لين ليس
بالقوي. وقال أبو الفتح الأزدي: رفاع كثير الوهم. قلت: فيحتمل، والله أعلم، أن يكون
وهم في رفع هذا الحديث، وإنما هو من كلام ابن مسعود، ولكن له شاهد من وجه آخر،
والله أعلم. وقال أبو عبيد أيضا: حدثنا
حجاج عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله بن مسعود قال: لا
يسأل عبد عن نفسه إلا القرآن، فإن كان يحب القرآن فإنه يحب الله
ورسوله. الحديث الرابع: قال البخاري:
حدثنا عمرو بن محمد، حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا أبي، عن صالح بن كيسان، عن ابن
شهاب، قال: أخبرني أنس بن مالك أن الله تابع الوحي على رسوله صلى الله عليه وسلم
قبل وفاته حتى توفاه أكثر ما كان الوحي، ثم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد.
وهكذا رواه مسلم عن عمرو بن محمد هذا -وهو الناقد- وحسن الحلواني وعبد بن حميد
والنسائي عن إسحاق بن منصور الكوسج، أربعتهم عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد الزهري
به. ومعناه: أن الله تعالى تابع نزول
الوحي على رسوله صلى الله عليه وسلم شيئا بعد شيء كل وقت بما يحتاج إليه، ولم تقع
فترة بعد الفترة الأولى التي كانت بعد نزول الملك أول مرة بقوله: {اقرأ باسم ربك} [العلق: 1] فإنه
استلبث الوحي بعدها حينا يقال: قريبا من سنتين أو أكثر، ثم حمي الوحي وتتابع، وكان
أول شيء نزل بعد تلك الفترة {يا أيها المدثر * قم
فأنذر} [المدثر: 1، 2]. الحديث الخامس: حدثنا أبو نعيم، حدثنا سفيان عن الأسود
بن قيس قال: سمعت جندبا يقول: اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقم ليلة أو
ليلتين، فأتته امرأة فقالت: يا محمد، ما أرى شيطانك إلا تركك، فأنزل الله تعالى:
{والضحى * والليل إذا سجى * ما ودعك ربك وما قلى}
[ الضحى: 1- 3]. وقد رواه البخاري في غير موضع أيضا، ومسلم والترمذي
والنسائي من طرق أخر عن سفيان -وهو الثوري- وشعبة بن الحجاج كلاهما عن الأسود بن
قيس العبدي، عن جندب بن عبد الله البجلي، به. وسيأتي الكلام على هذا الحديث في
تفسير سورة الضحى إن شاء الله تعالى. والمناسبة في ذكر هذا الحديث والذي قبله في فضائل
القرآن: أن الله تعالى له برسوله عناية عظيمة ومحبة شديدة، حيث جعل الوحي متتابعا
عليه ولم يقطعه عنه؛ ولهذا إنما أنزل عليه القرآن مفرقا ليكون ذلك أبلغ في العناية
والإكرام. قال البخاري، رحمه الله: نزل
القرآن بلسان قريش والعرب، قرآنا عربيا، بلسان عربي مبين، حدثنا أبو اليمان، حدثنا
شعيب عن الزهري: أخبرني أنس بن مالك قال: فأمر عثمان بن عفان زيد بن ثابت وسعيد بن
العاص وعبد الله بن الزبير وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن ينسخوها في المصاحف،
وقال لهم: إذا اختلفتم أنتم وزيد في عربية من عربية القرآن،
فاكتبوها بلسان قريش، فإن القرآن نزل بلسانهم، ففعلوا. هذا الحديث قطعة من حديث سيأتي قريبا والكلام عليه
ومقصود البخاري منه ظاهر، وهو أن القرآن نزل بلغة قريش، وقريش خلاصة العرب؛ ولهذا
قال أبو بكر بن أبي داود: حدثنا عبد الله بن محمد بن خلاد، حدثنا يزيد، حدثنا
شيبان، عن عبد الملك بن عمير، عن جابر بن سمرة، قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول:
لا يملين في مصاحفنا هذه إلا غلمان قريش أو غلمان ثقيف.
وهذا إسناد صحيح. وقال أيضا: حدثنا إسماعيل بن أسد، حدثنا هوذة، حدثنا عوف، عن عبد
الله بن فضالة، قال: لما أراد عمر أن يكتب الإمام أقعد له نفرا من أصحابه وقال:
إذا اختلفتم في اللغة فاكتبوها بلغة مضر، فإن القرآن نزل بلغة
رجل من مضر صلى الله عليه وسلم وقد قال الله تعالى: {قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون} [الزمر:
28]، وقال تعالى: {وإنه لتنزيل رب العالمين * نزل به
الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين * بلسان عربي مبين} [الشعراء: 192 -195]، وقال تعالى: {وهذا لسان
عربي مبين} [النحل: 103]، وقال تعالى: {ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي
وعربي} الآية [فصلت: 4]، إلى غير ذلك من الآيات الدالة
على ذلك. ثم ذكر البخاري، رحمه الله،
حديث يعلى بن أمية أنه كان يقول: ليتني أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ينزل
عليه الوحي. فذكر الحديث الذي سأل عمن أحرم بعمرة وهو متضمخ بطيب وعليه جبة، قال:
فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة ثم فجئه الوحي، فأشار عمر إلى يعلى أي:
تعال، فجاء يعلى، فأدخل رأسه فإذا هو محمر الوجه يغط كذلك ساعة، ثم سري عنه، فقال:
((أين الذي سألني عن العمرة آنفا؟)) فذكر أمره بنزع الجبة
وغسل الطيب. وهذا الحديث رواه جماعة من
طرق عديدة والكلام عليه في كتاب الحج، ولا تظهر مناسبة ما بينه وبين هذه الترجمة،
ولا يكاد، ولو ذكر في الترجمة التي قبلها لكان أظهر وأبين، والله أعلم).
نزول السكينة والملائكة عند القراءة
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت:774 هـ): (وقال الليث: حدثني يزيد بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن أسيد بن الحضير قال: بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة، وفرسه مربوطة عنده، إذ جالت الفرس، فسكت فسكنت، ثم قرأ فجالت الفرس فسكت فسكنت، ثم قرأ فجالت الفرس، فانصرف، وكان ابنه يحيى قريبا منها، فأشفق أن تصيبه، فلما اجتره رفع رأسه إلى السماء حتى ما يراها، فلما أصبح حدث النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((اقرأ يابن حضير، اقرأ يابن حضير)). قال: فأشفقت يا رسول الله أن تطأ يحيى وكان منها قريبا، فرفعت رأسي وانصرفت إليه، فرفعت رأسي إلى السماء فإذا مثل الظلة، فيها أمثال المصابيح، فخرجت حتى لا أراها قال: ((أو تدري ما ذاك؟)). قال: لا قال: (( تلك الملائكة دنت لصوتك، ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها لا تتوارى منهم)).
قال ابن الهاد: وحدثني هذا الحديث عبد الله بن خباب عن
أبي سعيد الخدري عن أسيد بن الحضير. هكذا أورد البخاري هذا الحديث معلقا، وفيه انقطاع في
الرواية الأولى، فإن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي المدني تابعي صغير لم يدرك
أسيدا لأنه مات سنة عشرين، وصلى عليه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله
عنهما. ثم فيه غرابة من حيث إنه قال: وقال الليث: حدثني يزيد بن الهاد ولم أره
بسند متصل عن الليث كذلك، إلا ما ذكره الحافظ أبو القاسم بن عساكر في الأطراف أن
يحيى بن عبد الله بن بكير رواه عن الليث كذلك. وقد رواه الإمام أبو عبيد في فضائل القرآن فقال: وحدثنا
عبد الله بن صالح ويحيى بن بكير، عن الليث، عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد،
عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن أسيد بن حضير، فذكر الحديث إلى آخره، ثم
قال: قال ابن الهاد: وحدثني عبد الله بن خباب، عن أبي سعيد، عن أسيد بن حضير
بهذا. وقد رواه النسائي في فضائل
القرآن، عن محمد بن عبد الله بن [عبد] الحكم عن شعيب بن الليث، وعن علي بن محمد بن
علي، عن داود بن منصور، كلاهما عن الليث، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن
يزيد بن عبد الله، وهو ابن الهاد، عن عبد الله بن خباب، عن أبي سعيد، عن أسيد، به.
ورواه يحيى بن بكير، عن الليث كذلك أيضا، فجمع بين الإسنادين. ورواه في المناقب عن
أحمد بن سعيد الرباطي، عن يعقوب بن إبراهيم، عن أبيه، عن يزيد بن الهاد، عن عبد
الله بن خباب، عن أبي سعيد، أن أسيد بن حضير بينما هو ليلة يقرأ في مربده، الحديث.
ولم يقل: عن أسيد، ولكن ظاهره أنه عنه، والله أعلم. وقال أبو عبيد: حدثني عبد الله بن صالح، عن الليث، عن
ابن شهاب، عن ابن كعب بن مالك، عن أسيد بن حضير: أنه كان على ظهر بيته يقرأ القرآن
وهو حسن الصوت، ثم ذكر مثل هذا الحديث أو نحوه. وحدثنا قبيصة، عن حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن عبد
الرحمن بن أبي ليلى، عن أسيد بن حضير قال: "قلت: يا رسول الله،
بينما أنا أقرأ البارحة بسورة، فلما انتهيت إلى آخرها سمعت وجبة من خلفي، حتى ظننت
أن فرسي تطلق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرأ أبا عتيك)) مرتين قال:
فالتفت إلى أمثال المصابيح ملء بين السماء والأرض، فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: ((اقرأ أبا عتيك)). فقال: والله ما استطعت أن أمضي فقال: ((تلك الملائكة
تنزلت لقراءة القرآن، أما إنك لو مضيت لرأيت الأعاجيب)) ". وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق سمع
البراء يقول: بينما رجل يقرأ سورة الكهف ليلة إذ رأى دابته تركض، أو قال: فرسه
يركض، فنظر فإذا مثل الضبابة أو مثل الغمامة، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال: ((تلك السكينة تنزلت للقرآن، أو تنزلت على
القرآن)). وقد أخرجه صاحبا الصحيح من حديث شعبة. والظاهر أن هذا هو أسيد
بن الحضير، رضي الله عنه، فهذا مما يتعلق بصناعة الإسناد، وهذا من أغرب تعليقات
البخاري، رحمه الله، ثم سياقه ظاهر فيما ترجم عليه من نزول السكينة والملائكة عند
القراءة. وقد اتفق نحو هذا الذي وقع
لأسيد بن الحضير لثابت بن قيس بن شماس كما قال أبو عبيد: حدثنا عباد بن عباد عن جرير بن حازم، عن عمه جرير بن زيد
أن أشياخ أهل المدينة حدثوه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل
له: ألم تر ثابت بن قيس بن شماس لم تزل داره البارحة تزهر مصابيح؟ قال: ((فلعله قرأ
سورة البقرة)). قال: فسئل ثابت فقال: قرأت سورة البقرة. وفي الحديث المشهور الصحيح: ((ما اجتمع
قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه فيما بينهم، إلا نزلت عليهم
السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده)) رواه
مسلم عن أبي هريرة. ولهذا قال الله
تبارك وتعالى: {وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا}
[الإسراء: 78]، وجاء في بعض التفاسير: أن الملائكة تشهده. وقد جاء في الصحيحين
عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح
وصلاة العصر، فيعرج إليه الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟
فيقولون: أتيناهم وهم يصلون، وتركناهم وهم يصلون)) ).
فضل القرآن وما جاء في أنه تِركَةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت:774 هـ): (من قال: لم
يترك النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما بين
الدفتين
حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا سفيان، عن عبد العزيز بن رفيع قال: دخلت أنا وشداد بن معقل على ابن عباس، فقال له شداد بن معقل:" أترك النبي صلى الله عليه وسلم من شيء؟ قال: ما ترك إلا ما بين الدفتين. قال: ودخلنا على محمد بن الحنفية فسألناه فقال: ما ترك إلا ما بين الدفتين". تفرد به البخاري
ومعناه: أنه، عليه السلام، ما ترك مالا ولا شيئا يورث عنه، كما قال عمرو بن الحارث أخو جويرية بنت الحارث: ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا أمة ولا شيئا.
وفي حديث أبي الدرداء: ((إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر)).
ولهذا قال ابن عباس: وإنما ترك ما بين الدفتين يعني: القرآن، والسنة مفسرة له ومبينة وموضحة له، فهي تابعة له، والمقصود الأعظم كتاب الله تعالى، كما قال تعالى: {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا} الآية [فاطر: 32]، فالأنبياء، عليهم السلام، لم يخلقوا للدنيا يجمعونها ويورثونها، إنما خلقوا للآخرة يدعون إليها ويرغبون فيها؛ ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا نورث ما تركنا فهو صدقة))
وكان أول من أظهر هذه المحاسن من هذا الوجه أبو بكر الصديق، رضي الله عنه، لما سئل عن ميراث النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبر عنه بذلك، ووافقه على نقله عنه، عليه السلام، غير واحد من الصحابة؛ منهم عمر وعثمان وعلي والعباس وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وأبو هريرة وعائشة وغيرهم، وهذا ابن عباس يقول -أيضا- عنه عليه السلام؟ رضي الله عنهم أجمعين.
فضل القرآن على سائر الكلام
حدثنا هدبة بن خالد أبو خالد، حدثنا همام، حدثنا قتادة، حدثنا أنس بن مالك، عن أبي موسى، رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((مثل الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة، طعمها طيب وريحها طيب. والذي لا يقرأ القرآن كالتمرة، طعمها طيب ولا ريح لها، ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة، ريحها طيب وطعمها مر، ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها)).
وهكذا رواه في مواضع أخر مع بقية الجماعة من طرق عن قتادة به.
ووجه مناسبة الباب لهذا الحديث: أن طيب الرائحة دار مع القرآن وجودا وعدما، فدل على شرفه على ما سواه من الكلام الصادر من البر والفاجر.
ثم قال: حدثنا مسدد، حدثنا يحيى، عن سفيان، حدثني عبد الله بن دينار، قال: سمعت ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما أجلكم في أجل من خلا من الأمم كما بين صلاة العصر ومغرب الشمس، ومثلكم ومثل اليهود والنصارى كمثل رجل استعمل عمالا فقال: من يعمل لي إلى نصف النهار على قيراط؟ فعملت اليهود فقال: من يعمل لي من نصف النهار إلى العصر؟ فعملت النصارى، ثم أنتم تعملون من العصر إلى المغرب بقيراطين قيراطين، قالوا: نحن أكثر عملا وأقل عطاء! قال: هل ظلمتكم من حقكم؟ قالوا: لا. قال: فذلك فضلي أوتيه من شئت)).
تفرد به من هذا الوجه، ومناسبته للترجمة: أن هذه الأمة مع قصر مدتها فضلت الأمم الماضية مع طول مدتها، كما قال تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس} [آل عمران: 110].
وفي المسند والسنن عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنتم توفون سبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها على الله)).
وإنما فازوا بهذا ببركة الكتاب العظيم الذي شرفه الله تعالى على كل كتاب أنزله، جعله مهيمنا عليه، وناسخا له، وخاتما له؛ لأن كل الكتب المتقدمة نزلت إلى الأرض جملة واحدة، وهذا القرآن نزل منجما بحسب الوقائع لشدة الاعتناء به وبمن أنزله عليه، فكل مرة كنزول كتاب من الكتب المتقدمة، وأعظم الأمم المتقدمة هم اليهود والنصارى، فاليهود استعملهم الله من لدن موسى إلى زمان عيسى، والنصارى من ثم إلى أن بعث محمد صلى الله عليه وسلم، ثم استعمل أمته إلى قيام الساعة، وهو المشبه بآخر النهار، وأعطى الله المتقدمين قيراطا قيراطا، وأعطى هؤلاء قيراطين قيراطين، ضعفي ما أعطى أولئك، فقالوا: أي ربنا، ما لنا أكثر عملا وأقل أجرا؟ فقال: هل ظلمتكم شيئا؟ قالوا: لا قال: فذلك فضلي أي: الزائد على ما أعطيتكم أؤتيه من أشاء كما قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم * لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم} [الحديد: 28، 29]).
الوصايا بكتاب
الله
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت:774 هـ): (حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا مالك بن مغول، حدثنا طلحة بن مصرف قال: "سألت عبد الله بن أبي أوفى: أوصى النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا. فقلت: فكيف كتب على الناس الوصية، أمروا بها ولم يوص؟ قال: أوصى بكتاب الله، عز وجل".
وقد رواه في مواضع أخر مع بقية الجماعة، إلا أبا داود من طرق عن مالك بن مغول به وهذا نظير ما تقدم عن ابن عباس: "ما ترك إلا ما بين الدفتين"، وذلك أن الناس كتب عليهم الوصية في أموالهم كما قال تعالى: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين} [البقرة: 180].
وأما هو صلى الله عليه وسلم فلم يترك شيئا يورث عنه، وإنما ترك ماله صدقة جارية من بعده، فلم يحتج إلى وصية في ذلك ولم يوص إلى خليفة يكون بعده على التنصيص؛ لأن الأمر كان ظاهرا من إشارته وإيمائه إلى الصديق؛ ولهذا لما هم بالوصية إلى أبي بكر ثم عدل عن ذلك فقال: ((يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر)) وكان كذلك، وإنما أوصى الناس باتباع كتاب الله تعالى).
التغني بالقرآن ومعناه
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت:774 هـ): (من لم يتغن بالقرآن
وقول الله تعالى: {أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم} [العنكبوت:
51]. حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، حدثنا عقيل، عن ابن
شهاب قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أنه كان
يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لم يأذن الله لشيء، ما
أذن لنبي أن يتغنى بالقرآن))، وقال صاحب له: يريد يجهر به فرد من هذا
الوجه.
ثم رواه عن علي بن عبد الله بن المديني، عن سفيان بن عيينة، عن الزهري
به. قال سفيان: تفسيره: يستغني به، وقد أخرجه مسلم
والنسائي من حديث سفيان بن عيينة ومعناه: أن الله ما استمع
لشيء كاستماعه لقراءة نبي يجهر بقراءته ويحسنها، وذلك أنه يجتمع في قراءة الأنبياء
طيب الصوت لكمال خلقهم وتمام الخشية، وذلك هو الغاية في ذلك. وهو، سبحانه وتعالى، يسمع أصوات العباد كلهم برهم
وفاجرهم، كما قالت عائشة، رضي الله عنها: سبحان الله الذي وسع سمعه الأصوات، ولكن
استماعه لقراءة عباده المؤمنين أعظم، كما قال تعالى: {وما تكون
في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون
فيه} الآية [يونس: 61]، ثم استماعه لقراءة أنبيائه أبلغ
كما دل عليه هذا الحديث العظيم، ومنهم من فسر الأذن هاهنا بالأمر، والأول أولى
لقوله: "ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي أن يتغنى
بالقرآن" أي: يجهر به، والأذن: الاستماع؛ لدلالة السياق عليه، وكما قال تعالى: {إذا السماء انشقت * وأذنت لربها وحقت * وإذا الأرض مدت * وألقت ما
فيها وتخلت * وأذنت لربها وحقت} [الانشقاق: 1- 5] أي: استمعت لربها {وحقت} وحق لها أن تستمع أمره وتطيعه، فالأذن
هاهنا هو الاستماع؛ ولهذا جاء في حديث رواه ابن ماجة بسند جيد عن فضالة بن عبيد
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لله أشد أذنا إلى الرجل
الحسن الصوت بالقرآن يجهر به من صاحب القينة إلى قينته)). وقال سفيان بن عيينة: إن المراد
بالتغني: يستغني به، فإن أراد: أنه يستغني عن الدنيا، وهو الظاهر من كلامه
الذي تابعه عليه أبو عبيد القاسم بن سلام وغيره، فخلاف الظاهر من مراد الحديث؛ لأنه
قد فسره بعض رواته بالجهر، وهو تحسين القراءة والتحزين بها. قال حرملة: سمعت ابن عيينة يقول: معناه: يستغني به، فقال لي الشافعي: ليس هو هكذا، ولو كان هكذا
لكان يتغانى به، وإنما هو يتحزن ويترنم به، ثم قال حرملة: وسمعت ابن وهب يقول:
يترنم به، وهكذا نقل المزني والربيع عن الشافعي، رحمه الله. وعلى هذا فتصدير البخاري الباب بقوله تعالى: {أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى
لقوم يؤمنون} [العنكبوت: 51]، فيه نظر؛ لأن هذه الآية
الكريمة ذكرت ردا على الذين سألوا عن آيات تدل على صدقه، حيث قال: {وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا
نذير مبين * أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم} الآية [العنكبوت: 50، 51]. ومعنى ذلك: أو لم
يكفهم آية دالة على صدقك إنزالنا القرآن عليك وأنت رجل أمي {وما
كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون} [العنكبوت: 48] أي: وقد جئت فيه بخبر الأولين والآخرين فأين هذا من
التغني بالقرآن وهو تحسين الصوت به أو الاستغناء به عما عداه من أمور الدنيا، فعلى
كل تقدير، تصدير الباب بهذه الآية الكريمة فيه نظر.
فصل في إيراد أحاديث في معنى الباب
وذكر أحكام
التلاوة بالأصوات قال
أبو عبيد: حدثنا عبد الله بن صالح، عن قباث بن رزين، عن علي بن رباح اللخمي، عن
عقبة بن عامر قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ونحن في المسجد
نتدارس القرآن، فقال: ((تعلموا كتاب الله واقتنوه)). قال: وحسبت
أنه قال: ((وتغنوا به، فوالذي نفسي بيده، لهو أشد تفلتا من المخاض من
العقل)). وحدثنا عبد الله بن
صالح، عن موسى بن علي، عن أبيه، عن عقبة بن عامر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
مثل ذلك إلا أنه قال: ((واقتنوه وتغنوا به)) ولم يشك،
وهكذا رواه أحمد والنسائي في كتاب فضائل القرآن، من حديث موسى بن علي، عن أبيه به
ومن حديث عبد الله بن المبارك، عن قباث بن رزين، عن علي بن رباح، عن عقبة، وفي بعض
ألفاظه: خرج علينا ونحن نقرأ القرآن فسلم علينا، وذكر الحديث. ففيه دلالة على
السلام على القارئ. ثم قال أبو عبيد:
حدثنا أبو اليمان، عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم، عن المهاصر بن حبيب قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا أهل القرآن، لا توسدوا
القرآن، واتلوه حق تلاوته آناء الليل والنهار، وتغنوه واقتنوه، واذكروا ما فيه
لعلكم تفلحون)) وهذا مرسل. ثم
قال أبو عبيد: قوله: ((تغنوه)): يعني: اجعلوه غناءكم من
الفقر، ولا تعدوا الإقلال منه فقرا. وقوله: ((واقتنوه))،
يقول: اقتنوه، كما تقتنون الأموال: اجعلوه مالكم. وقال أبو عبيد: حدثني هشام بن عمار، عن يحيى بن حمزة، عن
الأوزاعي، حدثني إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر، عن فضالة بن عبيد، عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: ((لله أشد أذنا إلى الرجل الحسن الصوت
بالقرآن من صاحب القينة إلى قينته)). قال أبو عبيد: هذا الحديث بعضهم يزيد في إسناده يقول: عن
إسماعيل بن عبيد الله عن مولى فضالة عن فضالة، وهكذا رواه ابن ماجة، عن راشد بن
سعيد بن أبي راشد، عن الوليد، عن الأوزاعي عن إسماعيل بن عبيد الله عن ميسرة مولى
فضالة عن فضالة عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((لله أشد أذنا إلى
الرجل الحسن الصوت بالقرآن يجهر به من صاحب القينة إلى قينته)). قال أبو
عبيد: يعني: الاستماع. وقوله في الحديث الآخر: ((ما أذن الله لشيء)) أي: ما استمع. وقال أبو القاسم البغوي: حدثنا محمد بن حميد، حدثنا سلمة
بن الفضل، حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن، عن ابن أبي مليكة، حدثنا القاسم بن محمد،
حدثنا السائب قال: قال لي سعد: يابن أخي، هل قرأت القرآن؟ قلت:
نعم. قال: غن به، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((غنوا بالقرآن، ليس منا من لم يغن بالقرآن، وابكوا، فإن لم تقدروا على
البكاء فتباكوا)). وقد روى أبو
داود من حديث الليث وعمرو بن دينار كلاهما عن عبد الله بن أبي مليكة، عن عبيد الله
بن أبي نهيك، عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس منا من لم يتغن بالقرآن)). ورواه ابن ماجة من حديث ابن أبي مليكة، عن عبد الرحمن بن
السائب، عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن هذا القرآن نزل بحزن، فإذا قرأتموه فابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا،
وتغنوا به، فمن لم يتغن به فليس منا)). وقال أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا سعيد بن حسان المخزومي، عن
ابن أبي مليكة، عن عبد الله بن أبي نهيك، عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: ((ليس منا من لم يتغن بالقرآن)). قال
وكيع: يعني: يستغنى به. ورواه أحمد أيضا
عن الحجاج وأبي النضر، كلاهما عن الليث بن سعد، وعن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن
دينار، كلاهما عن عبد الله بن أبي مليكة به. وفي هذا الحديث كلام طويل يتعلق بسنده
ليس هذا موضعه، والله أعلم. وقال أبو
داود: حدثنا عبد الأعلى بن حماد، حدثنا عبد الجبار بن الورد، سمعت ابن أبي مليكة،
يقول: قال عبيد الله بن أبي يزيد: مر بنا أبو لبابة فاتبعناه حتى دخل بيته فدخلنا
عليه، فإذا رجل رث البيت، رث الهيئة، فانتسبنا له، فقال: تجار كسبة، فسمعته يقول:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ليس منا من لم يتغن
بالقرآن)). قال: فقلت لابن أبي مليكة: يا أبا محمد،
أرأيت إذا لم يكن حسن الصوت قال: يحسنه ما استطاع. تفرد به أبو
داود. فقد فهم من هذا أن السلف، رضي
الله عنهم، إنما فهموا من التغني بالقرآن: إنما هو تحسين الصوت به، وتحزينه، كما
قاله الأئمة، رحمهم الله، ويدل على ذلك -أيضا- ما رواه أبو داود حيث قال: حدثنا
عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن طلحة، عن عبد الرحمن بن عوسجة، عن
البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((زينوا
القرآن بأصواتكم)). وأخرجه
النسائي وابن ماجة من حديث شعبة، عن طلحة وهو ابن مصرف به. وأخرجه النسائي من طرق أخر عن طلحة وهذا إسناد
جيد. وقد وثق النسائي، وابن حبان عبد
الرحمن بن عوسجة هذا، ونقل الأزدي عن يحيى بن سعيد القطان أنه قال: سألت عنه
بالمدينة، فلم أرهم يحمدونه. وقال أبو
عبيد القاسم بن سلام: حدثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة قال: نهاني أيوب أن أحدث بهذا
الحديث: ((زينوا القرآن بأصواتكم)). قال أبو عبيد:
وإنما كره أيوب فيما نرى، أن يتأول الناس بهذا الحديث الرخصة من رسول الله صلى الله
عليه وسلم في الألحان المبتدعة، فلهذا نهاه أن يحدث به. قلت: ثم إن شعبة رحمه الله روى الحديث متوكلا على الله،
كما روي له، ولو ترك كل حديث يتأول مبطله لترك من السنة شيء كثير، بل قد تطرقوا إلى
تأويل آيات كثيرة من القرآن وحملوها على غير محاملها الشرعية المرادة، والله
المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله. والمراد من تحسين الصوت بالقرآن: تطريبه وتحزينه والتخشع
به، كما رواه الحافظ الكبير بقي بن مخلد رحمه الله، حيث قال: حدثنا أحمد بن
إبراهيم، حدثنا يحيى بن سعيد الأموي، حدثنا طلحة بن يحيى بن طلحة، عن أبي بردة بن
أبي موسى، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو
رأيتني وأنا أستمع قراءتك البارحة)). قلت: أما والله لو علمت أنك تستمع
قراءتي لحبرتها لك تحبيرا. ورواه مسلم من حديث طلحة به وزاد: ((لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود ". وسيأتي هذا في بابه حيث
يذكره البخاري، والغرض أن أبا موسى قال: لو أعلم أنك تستمع لحبرته لك تحبيرا، فدل
على جواز تعاطي ذلك وتكلفه، وقد كان أبو موسى كما قال، عليه السلام، قد أعطي صوتا
حسنا كما سنذكره إن شاء الله، مع خشية تامة ورقة أهل اليمن الموصوفة، فدل على أن
هذا من الأمور الشرعية. قال أبو عبيد:
حدثنا عبد الله بن صالح، عن الليث، عن يونس، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة قال: كان عمر
إذا رأى أبا موسى قال: ذكرنا ربنا يا أبا موسى، فيقرأ عنده. وقال أبو عبيد: وحدثنا إسماعيل بن إبراهيم، حدثنا سليمان
التيمي، أنبئت عنه، حدثنا أبو عثمان النهدي قال: كان أبو موسى
يصلي بنا، فلو قلت: إني لم أسمع صوت صنج قط، ولا بربط قط، ولا شيئا قط أحسن من
صوته. وقال ابن ماجة: حدثنا
العباس بن عبد الرحمن الدمشقي، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثني حنظلة بن أبي سفيان أنه
سمع عبد الرحمن بن سابط الجمحي يحدث عن عائشة قالت: "أبطأت على
رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة بعد العشاء، ثم جئت فقال: ((أين كنت؟)). قلت:
كنت أستمع قراءة رجل من أصحابك لم أسمع مثل قراءته وصوته من أحد، قالت: فقام فقمت
معه حتى استمع له، ثم التفت إلي فقال: ((هذا سالم مولى أبي حذيفة، الحمد لله الذي
جعل في أمتي مثل هذا)) ". إسناد جيد. وفي الصحيحين عن جبير بن مطعم قال: سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور، فما سمعت أحدا أحسن صوتا أو قال: قراءة منه.
وفي بعض ألفاظه: فلما سمعته قرأ: {أم خلقوا من غير شيء أم هم
الخالقون} [الطور: 35]، خلت أن فؤادي قد انصدع. وكان
جبير لما سمع هذا بعد مشركا على دين قومه، وإنما كان قدم في فداء الأسارى بعد بدر،
وناهيك بمن تؤثر قراءته في المشرك المصر على الكفر! وكان هذا سبب هدايته ولهذا كان
أحسن القراءة ما كان عن خشوع القلب، كما قال أبو عبيد: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم،
عن ليث، عن طاوس قال: أحسن الناس صوتا بالقرآن أخشاهم لله. وحدثنا قبيصة، عن سفيان، عن ابن جريج، عن ابن طاوس، عن
أبيه، قال: أحسن الناس صوتا بالقرآن أخشاهم لله. وحدثنا قبيصة، عن سفيان، عن ابن جريج، عن ابن طاوس، عن
أبيه، وعن الحسن بن مسلم، عن طاوس قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أي الناس أحسن صوتا بالقرآن؟ فقال: ((الذي إذا سمعته رأيته يخشى الله))
". وقد روي هذا متصلا من وجه
آخر، فقال ابن ماجة: حدثنا بشر بن معاذ الضرير، حدثنا عبد الله بن جعفر المديني،
حدثنا إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع، عن أبي الزبير، عن جابر قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: ((إن من أحسن الناس صوتا بالقرآن الذي إذا سمعتوه
يقرأ حسبتموه يخشى الله)) ولكن عبد الله بن جعفر هذا، وهو والد علي بن
المديني، وشيخه ضعيفان، والله أعلم. والغرض أن المطلوب شرعا إنما هو التحسين بالصوت الباعث
على تدبر القرآن وتفهمه والخشوع والخضوع والانقياد للطاعة، فأما الأصوات بالنغمات
المحدثة المركبة على الأوزان والأوضاع الملهية والقانون الموسيقائي، فالقرآن ينزه
عن هذا ويجل ويعظم أن يسلك في أدائه هذا المذهب، وقد جاءت السنة بالزجر عن ذلك، كما
قال الإمام العلم أبو عبيد القاسم بن سلام، رحمه الله: حدثنا نعيم بن حماد، عن بقية بن الوليد، عن حصين بن مالك
الفزاري: سمعت شيخا يكنى أبا محمد يحدث عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: ((اقرؤوا القرآن بلحون العرب وأصواتها، وإياكم
ولحون أهل الفسق وأهل الكتابيين، وسيجيء قوم من بعدي يرجعون بالقرآن ترجيع الغناء
والرهبانية والنوح، لا يجاوز حناجرهم، مفتونة قلوبهم وقلوب الذين يعجبهم
شأنهم)). وحدثنا يزيد، عن شريك،
عن أبي اليقظان عثمان بن عمير، عن زاذان أبي عمر، عن عليم قال: "كنا على سطح ومعنا رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. قال يزيد:
لا أعلمه إلا قال: عابس الغفاري، فرأى الناس يخرجون في الطاعون فقال: ما هؤلاء؟
قالوا: يفرون من الطاعون، فقال: يا طاعون خذني، فقالوا: تتمنى الموت وقد سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يتمنين أحدكم الموت))؟ فقال: إني أبادر خصالا
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوفهن على أمته: بيع الحكم، والاستخفاف بالدم،
وقطيعة الرحم، وقوم يتخذون القرآن مزامير يقدمون أحدهم ليس بأفقههم ولا أفضلهم إلا
ليغنيهم به غناء" وذكر خلتين أخرتين. وحدثنا يعقوب بن إبراهيم، عن ليث بن أبي سليم، عن عثمان
بن عمير، عن زاذان، عن عابس الغفاري، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك أو نحوه.
وحدثنا يعقوب بن إبراهيم، عن الأعمش، عن رجل، عن أنس بن مالك: أنه سمع رجلا يقرأ
القرآن بهذه الألحان التي أحدث الناس، فأنكر ذلك ونهى عنه. هذه طرق حسنة في باب الترهيب، وهذا يدل على أنه محذور
كبير، وهو قراءة القرآن بالألحان التي يسلك بها مذاهب الغناء، وقد نص الأئمة، رحمهم
الله، على النهي عنه، فأما إن خرج به إلى التمطيط الفاحش الذي يزيد بسببه حرفا أو
ينقص حرفا، فقد اتفق العلماء على تحريمه، والله أعلم. وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا محمد بن معمر، حدثنا
روح، حدثنا عبيد الله بن الأخنس، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: ((ليس منا من لم يتغن
بالقرآن)). ثم قال: وإنما ذكرناه
لأنهم اختلفوا على ابن أبي مليكة فيه، فرواه ابن عبد الجبار بن الورد عنه عن أبي
لبابة، ورواه عمرو بن دينار والليث عنه عن ابن أبي نهيك عن سعد، ورواه عسل بن سفيان
عنه، عن عائشة ورواه نافع مولى ابن عمر عنه، عن ابن
الزبير).
اغتباط صاحب القرآن
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت:774 هـ): (حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، حدثني سالم بن عبد الله: أن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله الكتاب فقام به آناء الليل، ورجل أعطاه الله مالا فهو يتصدق به آناء الليل والنهار)).
انفرد به البخاري من
هذا الوجه، واتفقا على إخراجه من رواية سفيان عن الزهري ثم قال البخاري: حدثنا علي
بن إبراهيم، حدثنا روح، حدثنا شعبة، عن سليمان: سمعت ذكوان، عن أبي هريرة؛ "أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا حسد إلا في اثنتين: رجل علمه
الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار))، فسمعه جار له فقال: ليتني
أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل، ((ورجل آتاه الله مالا
فهو يهلكه في الحق))، فقال رجل: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما
يعمل". ومضمون هذين الحديثين: أن صاحب
القرآن في غبطة وهو حسن الحال، فينبغي أن يكون شديد الاغتباط بما هو فيه، ويستحب
تغبيطه بذلك، يقال: غبطه يغبطه بكسر الباء غبطا: إذا تمنى مثل ما هو فيه من النعمة،
وهذا بخلاف الحسد المذموم وهو تمني زوال نعمة المحسود عنه، سواء حصلت لذلك الحاسد
أو لا وهذا مذموم شرعا، مهلك، وهو أول معاصي إبليس حين حسد آدم، عليه السلام، على
ما منحه الله تعالى من الكرامة والاحترام والإعظام. والحسد الشرعي الممدوح هو تمني
مثل حال ذلك الذي هو على حالة سارة؛ ولهذا قال عليه السلام: ((لا
حسد إلا في اثنتين))، فذكر النعمة القاصرة وهي تلاوة القرآن آناء الليل
والنهار، والنعمة المتعدية وهي إنفاق المال بالليل والنهار "، كما قال تعالى: {إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا
وعلانية يرجون تجارة لن تبور} [فاطر: 29] وقد روي نحو هذا من وجه
آخر، فقال عبد الله بن الإمام أحمد: وجدت في كتاب أبي بخط يده: كتب إلي أبو توبة
الربيع بن نافع، فكان في كتابه: حدثنا الهيثم بن حميد، عن زيد بن واقد، عن سليمان
بن موسى، عن كثير بن مرة، عن يزيد بن الأخنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((لا تنافس بينكم إلا في اثنتين: رجل أعطاه الله القرآن فهو يقوم
به آناء الليل والنهار، ويتبع ما فيه، فيقول رجل: لو أن الله أعطاني مثل ما أعطى
فلانا فأقوم كما يقوم به، ورجل أعطاه الله مالا فهو ينفق ويتصدق، فيقول رجل: لو أن
الله أعطاني مثل ما أعطى فلانا فأتصدق به)). وقريب من هذا ما قال الإمام
أحمد: حدثنا عبد الله بن نمير، حدثنا عبادة بن مسلم، حدثني يونس بن خباب، عن سعيد
أبي البختري الطائي، عن أبي كبشة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
((ثلاث أقسم عليهن، وأحدثكم حديثا فاحفظوه، فأما الثلاث التي أقسم
عليهن: فإنه ما نقص مال عبد من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمة فيصبر عليها إلا زاده الله
بها عزا، ولا يفتح عبد باب مسألة إلا فتح الله له باب فقر، وأما الذي أحدثكم حديثا
فاحفظوه))، فإنه قال: ((إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه
الله مالا وعلما فهو يتقي فيه ربه ويصل رحمه، ويعلم لله فيه حقه)) قال:
((فهذا بأفضل المنازل، وعبد رزقه الله علما ولم يرزقه مالا فهو يقول: لو كان لي مال
عملت بعمل فلان)) قال: ((فأجرهما سواء، وعبد رزقه الله
مالا ولم يرزقه علما فهو يخبط في ماله بغير علم لا يتقي فيه ربه، ولا يصل فيه رحمه،
ولا يعلم لله فيه حقه، فهذا بأخبث المنازل، وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما فهو
يقول: لو كان لي مال لفعلت بعمل فلان)). قال: ((هي نيته
فوزرهما فيه سواء)). وقال أيضا:
حدثنا وكيع، حدثنا الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن أبي كبشة الأنماري قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل هذه الأمة مثل أربعة نفر:
رجل آتاه الله مالا وعلما فهو يعمل به في ماله ينفقه في حقه، ورجل آتاه الله علما
ولم يؤته مالا فهو يقول: لو كان لي مثل مال هذا عملت فيه مثل الذي يعمل)).
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فهما في الأجر سواء، ورجل
آتاه الله مالا ولم يؤته علما فهو يخبط فيه ينفقه في غير حقه، ورجل لم يؤته الله
مالا ولا علما فهو يقول: لو كان لي مثل هذا عملت فيه مثل الذي يعمل)). قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فهما في الوزر سواء)).
إسناد صحيح).
خيركم من تعلم القرآن وعلمه
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت:774 هـ): (حدثنا حجاج بن منهال، حدثنا شعبة، أخبرني علقمة بن مرثد، سمعت سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن، عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)). وأقرأ أبو عبد الرحمن في إمرة عثمان، رضي الله عنه، حتى كان الحجاج قال: وذاك الذي أقعدني مقعدي هذا.
وقد أخرج الجماعة
هذا الحديث سوى مسلم من رواية شعبة عن علقمة بن مرثد عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد
الرحمن وهو عبد الله بن حبيب السلمي -رحمه الله. وحدثنا أبو نعيم، حدثنا سفيان، عن علقمة بن مرثد، عن أبي
عبد الرحمن السلمي، عن عثمان بن عفان قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه)). وهكذا رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة من طرق عن سفيان،
عن علقمة، عن أبي عبد الرحمن، من غير ذكر سعد بن عبيدة كما رواه شعبة ولم يختلف
عليه فيه، وهذا المقام مما حكم لسفيان الثوري فيه على شعبة، وخطأ بندار يحيى بن
سعيد في روايته ذلك عن سفيان، عن علقمة، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن وقال:
رواه الجماعة من أصحاب سفيان عنه، بإسقاط سعد بن عبيدة، ورواية سفيان أصح في هذا
المقام المتعلق بصناعة الإسناد، وفي ذكره طول لولا الملالة لذكرناه، وفيما ذكر
كفاية وإرشاد إلى ما ترك، والله أعلم. والغرض أنه، عليه الصلاة والسلام، قال: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)) وهذه من صفات المؤمنين المتبعين
للرسل، وهم الكمل في أنفسهم، المكملون لغيرهم، وذلك جمع النفع القاصر والمتعدي،
وهذا بخلاف صفة الكفار الجبارين الذين لا ينفعون، ولا يتركون أحدا ممن أمكنهم أن
ينتفع، كما قال تعالى: {الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله
زدناهم عذابا فوق العذاب} [النحل: 88]، وكما قال تعالى: {وهم ينهون عنه وينأون عنه} [الأنعام: 26]، في أصح قولي
المفسرين في هذا، وهو أنهم ينهون الناس عن اتباع القرآن مع نأيهم وبعدهم عنه أيضا،
فجمعوا بين التكذيب والصد، كما قال تعالى: {فمن أظلم ممن كذب
بآيات الله وصدف عنها} [الأنعام: 157]، فهذا شأن الكفار، كما أن شأن
خيار الأبرار أن يكمل في نفسه وأن يسعى في تكميل غيره كما قال عليه السلام: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه))، وكما قال الله تعالى: {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من
المسلمين} [ فصلت: 33]، فجمع بين الدعوة إلى الله سواء كان بالأذان أو بغيره
من أنواع الدعوة إلى الله تعالى من تعليم القرآن والحديث والفقه وغير ذلك، مما
يبتغى به وجه الله، وعمل هو في نفسه صالحا، وقال قولا صالحا، فلا أحد أحسن حالا من
هذا. وقد كان أبو عبد الرحمن السلمي الكوفي -أحد أئمة الإسلام ومشايخهم- من رغب في
هذا المقام، فقعد يعلم الناس من إمارة عثمان إلى أيام الحجاج قالوا: وكان مقدار ذلك الذي مكث فيه يعلم القرآن سبعين
سنة، رحمه الله، وآتاه الله ما طلبه ودامه.
آمين. قال البخاري،
رحمه الله: حدثنا عمرو بن عون، حدثنا حماد عن أبي حازم، عن سهل بن سعد قال: أتت
النبي صلى الله عليه وسلم امرأة فقالت: إنها قد وهبت نفسها لله ورسوله، فقال: ((ما لي في النساء من حاجة)). فقال رجل: زوجنيها قال: ((أعطها ثوبا))، قال: لا أجد، قال: ((أعطها ولو
خاتما من حديد))، فاعتل له، فقال: ((ما معك من
القرآن؟)). قال: كذا وكذا. فقال: ((قد زوجتكها بما معك من
القرآن)). وهذا الحديث متفق على
صحة إخراجه من طرق عديدة، والغرض منه أن الذي قصده البخاري أن هذا الرجل تعلم الذي
تعلمه من القرآن، وأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلمه تلك المرأة، ويكون ذلك
صداقا لها على ذلك، وهذا فيه نزاع بين العلماء، وهل يجوز أن يجعل مثل هذا صداقا؟ أو
هل يجوز أخذ الأجرة على تعليم القرآن؟ وهل هذا كان خاصا بذلك الرجل؟ وما معنى قوله
عليه الصلاة والسلام: ((زوجتكها بما معك من القرآن))؟
أبسبب ما معك من القرآن؟ كما قاله أحمد بن حنبل:نكرمك بذلك أو بعوض ما معك، وهذا أقوى، لقوله في صحيح
مسلم: ((فعلمها)) وهذا هو الذي أراده البخاري هاهنا وتحرير
باقي الخلاف مذكور في كتاب النكاح والإجارات، والله
المستعان).
الآثار المروية عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في فضل القرآن
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت:774 هـ): (ما جاء من أقوال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه
وهكذا أذكر آثارا مروية عن ابن أم عبد، عبد الله بن مسعود أحد قراء القرآن من الصحابة المأمور بالتلاوة على نحوهم.
روى الطبراني، عن الدبري، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن أبي إسحاق، قال: قال ابن مسعود: كل آية في كتاب الله خير مما في السماء والأرض.
ومن طريق شعبة، عن أبي إسحاق، عن مرة قال ابن مسعود:
من أراد العلم فليثور من القرآن، فإن فيه علم الأولين
والآخرين.
ومن طريق سفيان وشعبة، عن سلمة بن كهيل، عن أبي الأحوص، عن عبد الله قال: إن هذا القرآن ليس فيه حرف إلا له حد، ولكل حد مطلع.
ومن حديث الثوري، عن إسماعيل بن أبي خالد عن سيار أبي
الحكم، عن ابن مسعود أنه قال: أعربوا هذا القرآن فإنه عربي،
وسيجيء قوم يثقفونه وليسوا بخياركم.
والثوري، عن عاصم، عن زر، عن ابن مسعود قال: أديموا النظر في المصحف، وإذا اختلفتم في ياء أو تاء فاجعلوها ياء، ذكروا القرآن فإنه مذكر.
وقال عبد الرزاق، عن إسرائيل، عن عبد العزيز بن رفيع، عن
شداد بن معقل، سمعت ابن مسعود يقول: أول ما تفقدون من دينكم
الأمانة، وآخر ما يبقى من دينكم الصلاة، وليصلين قوم لا خلاق لهم، ولينزعن القرآن
من بين أظهركم. قالوا: يا أبا عبد الرحمن، ألسنا نقرأ القرآن وقد أثبتناه في
مصاحفنا؟ قال: يسرى على القرآن ليلا فيذهب به من أجواف الرجال
فلا يبقى في الأرض منه شيء -وفي رواية: لا يبقى في مصحف
منه شيء- ويصبح الناس فقراء كالبهائم. ثم قرأ عبد الله: {ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ثم لا تجد لك به علينا وكيلا}
[الإسراء: 86].
وقال
الطبراني: حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا أبو نعيم، حدثني شعبة، عن علي بن بذيمة
عن أبي عبيدة بن عبد الله، عن أبيه قال: من قرأ القرآن في أقل
من ثلاث فهو راجز.
قال هشام عن الحسن: إنه بلغه عن ابن مسعود مثل ذلك.
ومن طريق الأعمش، عن أبي وائل قال: كان عبد الله بن مسعود يقل الصوم، فيقال له في ذلك، فيقول: إني إذا صمت ضعفت عن القراءة والصلاة، والقراءة والصلاة أحب إلي).