17 Nov 2018
تفسير قوله تعالى: {وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (2) وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ (3) وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا (4)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : قوله تعالى: {وآتوا
اليتامى أموالهم ولا تتبدّلوا الخبيث بالطّيّب ولا تأكلوا أموالهم إلى
أموالكم إنّه كان حوباً كبيراً (2) وإن خفتم ألاّ تقسطوا في اليتامى
فانكحوا ما طاب لكم من النّساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألاّ تعدلوا
فواحدةً أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألاّ تعولوا (3)}. اليتامى: جمع يتيم ويتيمة، واليتم في كلام العرب فقد الأب قبل البلوغ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : « لا يتم بعد بلوغ » وهو في البهيمة فقد الأم في حال الصغر، وحكى اليتم في الإنسان من جهة الأم، وقال ابن زيد: « هذه
المخاطبة هي لمن كانت عادته من العرب أن لا يرث الصغير من الأولاد مع
الكبير، فقيل لهم: ورثوهم أموالهم، ولا تتركوا أيها الكبار حظوظكم حلالا
طيبا وتأخذوا الكل ظلما حراما خبيثا، فيجيء فعلكم ذلك تبدلا »، وقالت طائفة: « هذه
المخاطبة هي لأوصياء الأيتام، والمعنى: إذا بلغوا وأونس منهم الرشد.
وسماهم يتامى وهم قد بلغوا، استصحابا للحالة الأولى التي قد ثبتت لهم من
اليتم، ولا تتبدّلوا قيل: المراد ما كان بعضهم يفعل من أن يبدل الشاة
السمينة من مال اليتيم بالهزيلة من ماله، والدرهم الطيب بالزائف من ماله »، قاله سعيد بن المسيب والزهري والسندي والضحاك، وقيل:« المراد بذلك لا تأكلوا أموالهم خبيثا، وتدعوا أموالكم طيبا »، وقيل: « معناه لا تتعجلوا أكل «الخبيث» من أموالهم، وتدعوا انتظار الرزق الحلال من عند الله»، قاله مجاهد وأبو صالح، و «الخبيث» و «الطيب»: إنما هو هنا بالتحليل
والتحريم، وروي عن ابن محيصن أنه قرأ- «ولا تبدلوا» - بإدغام التاء في
التاء وجاز في ذلك الجمع بين ساكنين، لأن أحدهما حرف مد ولين يشبه الحركة،
وقوله: ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم استوى الأيتام في النهي عن أكل
«أموالهم»، كانوا ورثة ممنوعين من الميراث ومحجورين، والآية نص في [النهي
عن] قصد مال اليتيم بالأكل والتمول على جميع وجوهه، وروي عن مجاهد أنه قال:
« الآية ناهية عن الخلط في الإنفاق، فإن العرب كانت تخلط نفقتها بنفقة أيتامها فنهوا عن ذلك، ثم نسخ منه النهي بقوله: {وإن تخالطوهم فإخوانكم} ». وقد تقدم ذكر هذا في سورة البقرة، وقال ابن فورك عن الحسن: « إنه تأول الناس من هذه الآية النهي عن الخلط فاجتنبوه من قبل أنفسهم، فخفف عنهم في آية البقرة »، وقالت طائفة من المتأخرين إلى بمعنى مع، وهذا غير جيد، وروي عن مجاهد أن معنى الآية: «ولا تأكلوا أموالهم مع أموالكم». وإنّ مهاجرين تكنّفاه ...... غداتئذ لقد خطئا وخابا وقرأ
الحسن: «حوبا» بفتح الحاء، وهي لغة بني تميم، وقيل: هو بفتح الحاء المصدر
وبضمها الاسم، وتحوب الرجل إذا ألقى الحوب عن نفسه، وكذلك تحنث وتأثم
وتحرج، فإن هذه الأربعة بخلاف تفعل كله، لأن تفعل معناه الدخول في الشيء
كتعبد وتكسب وما أشبهه، ويلحق بهذه الأربعة تفكهون، في قوله تعالى: { لو نشاء لجعلناه حطاماً فظلتم تفكّهون}. أي تطرحون الفكاهة عن أنفسكم، بدليل قوله بعد ذلك {إنّا لمغرمون بل نحن محرومون}أي يقولون ذلك، وقوله: كبيراً نص على أن أكل مال اليتيم من الكبائر. [المحرر الوجيز: 2/463-465] وقال غيره: « وإن خفتم ألا تعدلوا في أمر النساء فانكحوا ما ذكر اللّه عزّ وجلّ ».
تفسير
قوله تعالى: {وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا
الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى
أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (2) }
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: {وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدّلوا الخبيث بالطّيّب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنّه كان حوبا كبيرا}أي:«
أعطوهم أموالهم إذا آنستم منهم رشدا، وإنما يسمون يتامى – بعد أن
يؤنس منهم الرّشد، وقد زال عنهم اسم يتامى - بالاسم الأول الذي كان
لهم، وقد كان يقال في النبي - صلى الله عليه وسلم - يتيم أبي طالب ».
وقوله - عزّ وجلّ -: {ولا تتبدّلوا الخبيث بالطّيّب} الطيب مالكم، والخبيث مال اليتيم وغيره مما ليس لكم، فلا تأكلوا مال اليتيم بدلا من مالكم، وكذلك لا تأكلوا (أيضا) {أموالهم إلى أموالكم}.
أي: لا تضيفوا أموالهم في الأكل إلى أموالكم، أي: إن احتجتم إليها فليس لكم أن تأكلوها مع أموالكم.
{إنّه كان حوبا كبيرا}والحوب: الإثم العظيم، والحوب فعل الرجل، تقول: حاب حوبا كقولك قد خان خونا). [معاني القرآن: 2/7-8]
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:« وهذا تقريب للمعنى، لا أنه أراد أن الحرف بمعنى الآخر »، وقال الحذاق:إلى هي على بابها وهي تتضمن الإضافة، التقدير: «لا تضيفوا أموالهم إلى أموالكم في الأكل»، كما قال تعالى: {من أنصاري إلى اللّه}
أي من ينضاف إلى الله في نصرتي والضمير في إنّه عائد على الأكل الذي
تضمنه الفعل الظاهر، والحوب الإثم، قاله ابن عباس والحسن وغيرهما، تقول:
حاب الرجل يحوب حوبا وحابا وحوبا إذا أثم، قال أمية بن الأسكر: [الوافر]
يأمر تعالى بدفع أموال اليتامى إليهم إذا بلغوا الحلم كاملةً موفّرةً، وينهى عن أكلها وضمّها إلى أموالهم؛ ولهذا قال: {ولا تتبدّلوا الخبيث بالطّيّب} قال سفيان الثّوريّ، عن أبي صالحٍ: لا تعجل بالرّزق الحرام قبل أن يأتيك الرّزق الحلال الّذي قدّر لك.
وقال سعيد بن جبيرٍ: «لا تبدّلوا الحرام من أموال النّاس بالحلال من أموالكم، يقول: لا تبذّروا أموالكم الحلال وتأكلوا أموالهم الحرام ».
وقال سعيد بن المسيّب والزّهريّ:« لا تعط مهزولًا وتأخذ سمينًا».
وقال إبراهيم النّخعي والضّحّاك: « لا تعط زائفًا وتأخذ جيّدًا ».
وقال السّدّي: « كان
أحدهم يأخذ الشّاة السّمينة من غنم اليتيم، ويجعل فيها مكانها الشّاة
المهزولة، ويقول شاةٌ بشاةٍ، ويأخذ الدّرهم الجيّد ويطرح مكانه الزّيف،
ويقول: درهمٌ بدرهمٍ ».
وقوله: {ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم} قال مجاهدٌ، وسعيد بن جبير، ومقاتل بن حيّان، والسّدّيّ، وسفيان بن حسين: أي لا تخلطوها فتأكلوها جميعا.
وقوله: {إنّه كان حوبًا كبيرًا} قال ابن عبّاسٍ: « أي إثمًا كبيرًا عظيمًا ».
وقد رواه ابن مردويه، عن أبي هريرة قال: سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم عن قوله: {حوبًا كبيرًا} قال: « إثمًا كبيرًا ».
ولكن في إسناده محمّد بن يونس الكديمي وهو ضعيفٌ وهكذا روي عن مجاهدٍ،
وعكرمة، وسعيد بن جبيرٍ، والحسن، وابن سيرين، وقتادة، والضّحّاك، ومقاتل بن
حيّان، وأبي مالكٍ، وزيد بن أسلم، وأبي سنان مثل قول ابن عبّاسٍ.
وفي الحديث المرويّ في سنن أبي داود:« اغفر لنا حوبنا وخطايانا».
وروى ابن مردويه بإسناده إلى واصلٍ، مولى أبي عيينة، عن محمّد بن سيرين، عن ابن عبّاسٍ: «أنّ أبا أيّوب طلّق امرأته، فقال له النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم:« يا أبا أيّوب، إنّ طلاق أمّ أيّوب كان حوبًا »قال ابن سيرين: « الحوب الإثم ».
ثمّ قال ابن
مردويه: حدّثنا عبد الباقي، حدّثنا بشر بن موسى، أخبرنا هوذة بن خليفة،
أخبرنا عوف، عن أنسٍ: أنّ أبا أيّوب أراد طلاق أمّ أيّوب، فاستأذن رسول
اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال:« إنّ طلاق أمّ أيّوب لحوبٌ فأمسكها»ثمّ
رواه ابن مردويه والحاكم في مستدركه من حديث عليّ بن عاصمٍ، عن حميد
الطّويل، سمعت أنس بن مالكٍ يقول: أراد أبو طلحة أن يطلّق أمّ سليم فقال
النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم:« إنّ طلاق أمّ سليمٍ لحوبٌ » فكفّ.
والمعنى: إنّ أكلكم أموالهم مع أموالكم إثمٌ عظيمٌ وخطأٌ كبيرٌ فاجتنبوه). [تفسير القرآن العظيم: 2/207-208]
تفسير
قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى
فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ
فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ
أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا (3) }
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): وقوله عزّ وجلّ:
{وإن خفتم ألّا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النّساء
مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألّا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم
ذلك أدنى ألّا تعولوا}.
قال مجاهد: « إن تحرجتم أن تتركوا ولاية اليتامى إيمانا وتصديقا فكذلك تحرجوا من الزنا».
وقال بعض المفسرين قولا ثالثا، قال أهل البصرة من أهل العربية: يقول ذلك المفسّر - قال« إنهم كانوا يتزوجون العشر من اليتامى ونحو ذلك رغبة في مالهن فقال اللّه - جلّ وعزّ - {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى} أي: في نكاح اليتامى».
ودل عليه{فانكحوا} كذلك قال أبو العباس محمد ابن يزيد، وهو مذهب أهل النظر من أهل التفسير.
{فانكحوا ما طاب لكم من النّساء مثنى وثلاث ورباع} لم يقل من طاب والوجه في الآدميين أن يقال من، وفي الصفات وأسماء الأجناس أن يقال (ما).
تقول: ما عندك؟ فيقول فرس وطيب.
فالمعنى: فانكحوا الطيب الحلال على هذه العدة التي وصفت، لأن ليس كل النساء طيبا، قال - عزّ وجلّ -: {حرّمت عليكم أمّهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعمّاتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمّهاتكم اللّاتي أرضعنكم
وأخواتكم من الرّضاعة وأمّهات نسائكم وربائبكم اللّاتي في حجوركم
من نسائكم اللّاتي دخلتم بهنّ فإن لم تكونوا دخلتم بهنّ فلا جناح
عليكم}
فليس ممن ذكر ما يطيب.
وقوله - عزّ وجلّ - {مثنى وثلاث ورباع} بدل من {ما طاب لكم} ومعناه: اثنين اثنين، وثلاثا ثلاثا، وأربعا أربعا، إلا
أنه لا ينصرف لجهتين لا أعلم أن أحدا من النحويين ذكرهما، وهي أنه
اجتمع فيه علتان أنّه معدول عن اثنين اثنين، وثلاث ثلاث، وأنه عدل
عن تأنيث.
قال أصحابنا: إنه اجتمع فيه علتان أنه عدل عن تأنيث، وأنه نكرة.
والنكرة: أصل للأسماء بهذا كان ينبغي أن نخففه. لأن النكرة تخفف ولا تعد فرعا.
وقال غيرهم: هو معرفة وهذا محال لأنه صفة للنكرة، قال اللّه - جلّ وعزّ -: {جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع}.
فهذا محال أن يكون أولي أجنحة الثلاثة والأربعة، وإنما معناه: أولي أجنحة ثلاثة ثلاثة وأربعة أربعة.
قال الشاعر:
أحدها: في اللغة أن مثنى لا يصلح إلا لاثنين اثنين على التفريق.
ومنها:
أنه يصير أعيى كلام، لو قال قائل في موضع تسعة أعطيك اثنين وثلاثة
وأربعة يريد تسعة، قيل تسعة تغنيك عن هذا، لأن تسعة وضعت لهذا العدد
كله، أعني من واحد إلى تسعة.
وبعد فيكون - على
قولهم - من تزوج أقل من تسع أو واحدة فعاص لأنه إذا كان الذي أبيح له
تسعا أو واحدة فليس لنا سبيل إلى اثنين.
لأنه إذا أمرك من تجب
عليك طاعته فقال ادخل هذا المسجد في اليوم تسعا أو واحدة، فدخلت غير
هاتين اللتين حددهما لك من المرات فقد عصيته.
هذا قول لا يعرج على
مثله ولكنا ذكرناه ليعلم المسلمون أن أهل هذه المقالة مباينون لأهل
الإسلام في اعتقادهم، ويعتقدون في ذلك ما لا يشتبه على أحد من الخطأ.
فأمّا قوله: {ذلك أدنى ألّا تعولوا} فمعناه: ذلك أقرب ألا تجوروا.
وقيل في التّفسير: ألّا تميلوا، ومعنى{تميلوا}: تجوروا.
فأما من قال: {ألّا تعولوا}:
ألا تكثر عيالكم، فزعم جميع أهل اللغة أنّ هذا خطأ، لأن الواحدة
تعول، وإباحة كل ما ملكت اليمين أزيد في العيال من أربع، ولم يكن في
العدد في النكاح حين نزلت هذه الآية.
والدليل على أنهم كانوا يرغبون في التزويج من اليتامى لمالهنّ: أنهم كانوا لا يبالون ألّا يعدلوا في أمرهم.
وقوله - عزّ وجلّ -
{ويستفتونك في النّساء قل اللّه يفتيكم فيهنّ وما يتلى عليكم في
الكتاب في يتامى النّساء اللّاتي لا تؤتونهنّ ما كتب لهنّ وترغبون أن
تنكحوهنّ} فالمعنى: وإن خفتم ألا تقسطوا في نكاح يتامى فانكحوا الطيب الذي قد أحل لكم من غيرهنّ، والمعنى: إن أمنتم الجور في اليتامى فانكحوا منهن كهذه العدة، لأن النساء تشتمل على اليتامى وغيرهن). [معاني القرآن: 2/8-11]
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: « لأن المحرمات من النساء كثير». وقرأ ابن أبي عبلة، «من طاب» على ذكر من يعقل، وحكى بعض الناس أن ما في هذه الآية ظرفية، أي ما دمتم تستحسنون النكاح.
وعنكثا ملتبدّا ........ وصليانا بردا
أدنى معناه: أقرب، وهو من
الدنو، وموضع- أن- من الإعراب نصب بإسقاط الخافض، والناصب أريحية الفعل
الذي في أدنى، التقدير: ذلك أدنى إلى أن لا تعولوا، وتعولوا معناه: تميلوا،
قاله ابن عباس وقتادة والربيع بن أنس وأبو مالك والسدي وغيرهم، يقال: عال
الرجل يعول: إذا مال وجار، ومنه قول أبي طالب في شعره في النبي صلى الله
عليه وسلم:
فما يدري الفقير متى غناه ...... وما يدري الغنيّ متى يعيل
بميزان قسطٍ لا يخيس شعيرةً ...... له شاهدٌ من نفسه غير عائل
ويجوز صدقاتهنّ، وصدقاتهنّ. بضم الصاد وفتح الدال.
ويجوز
صدقاتهنّ، ولا تقرأنّ من هذا إلا ما قد قرئ به لأن القراءة سنة لا
ينبغي أن يقرأ فيها بكل ما يجيزه النحويون، وإن تتبع فالذي روي من
المشهور في القراءة أجود عند النحويين، فيجتمع في القراءة بما قد روى
الاتباع وإثبات ما هو أقوى في الحجة إن شاء الله.
ومعنى قوله:{نحلة}فيه غير قول:
1- قال بعضهم: فريضة.
2- وقال بعضهم: ديانة، تقول: فلان ينتحل كذا وكذا، أي: يدين به.
3- وقال
بعضهم: هي نحلة من اللّه لهن أن جعل على الرجال الصداق، ولم يجعل
على المرأة شيئا من الغرم، فتلك نحلة من اللّه للنساء يقال - نحلت
الرجل والمرأة - إذا وهبت له - نحلة ونحلا ويقال: قد نحل جسم فلان
ونحل إذا دقّ.
والنّحل جائز أن تكون سميت نحلا، لأن الله جلّ ثناؤه نحل الناس العسل الذي يخرج من بطونها.
وقوله - جلّ؛ عزّ - {فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا} أي: عن شيء من الصداق.
و " لكم " خطاب للأزواج، وقال بعضهم للأولياء ههنا.
و{نفسا} منصوب على التمييز لأنه إذا قال: طبن لكم، لم يعلم في أي صنف وقع الطيب.
المعنى: فإن طابت أنفسهن بذلك، وقد شرحناه قبل هذا المكان شرحا وافيا.
وقوله: {فكلوه هنيئا مريئا}
يقال: هنأني الطعام ومراني.
وقال بعضهم: يقال مع هنأني مراني.
فإذا لم تذكر هنأني قلت أمرأني بالألف.
وهذا حقيقته أن مرأني تبينت أنه سينهضم وأحمد مغبته، فإذا قلت أمرأني الطعام فتأويله أنه قد انهضم وحمدت فإن قال قائل: إنما قيل: (فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا) فكيف يجوز أن يقبل الرجل المهر كله، وإنما قيل له منه؟
فالجواب في ذلك أن " منه " ههنا للجنس لما قال عزّ وجلّ -: {فاجتنبوا الرّجس من الأوثان}.
فلم نؤمر أن نجتنب بعض الأوثان، ولكن المعنى اجتنبوا الرجس الذي هو وثن.
أي: فكلوا الشيء الذي هو مهر). [معاني القرآن: 2/11-13]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : وقوله: {وآتوا النّساء صدقاتهنّ نحلةً} قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: « النّحلة: المهر».
وقال محمّد بن
إسحاق، عن الزّهريّ، عن عروة، عن عائشة: نحلةً: فريضةً. وقال مقاتلٌ وقتادة
وابن جريجٍ: نحلةً: أي فريضةً. زاد ابن جريجٍ: مسمّاه. وقال ابن زيدٍ:
النّحلة في كلام العرب: الواجب، يقول: لا تنكحها إلّا بشيءٍ واجبٍ لها،
وليس ينبغي لأحدٍ بعد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أن ينكح امرأةً إلّا
بصداقٍ واجبٍ، ولا ينبغي أن يكون تسمية الصّداق كذبًا بغير حقٍّ.
ومضمون كلامهم:
أنّ الرّجل يجب عليه دفع الصّداق إلى المرأة حتمًا، وأن يكون طيّب النّفس
بذلك، كما يمنح المنيحة ويعطي النّحلة طيّبًا بها، كذلك يجب أن يعطي
المرأة صداقها طيّبًا بذلك، فإن طابت هي له به بعد تسميته أو عن شيءٍ منه
فليأكله حلالًا طيّبًا؛ ولهذا قال تعالى: {فإن طبن لكم عن شيءٍ منه نفسًا فكلوه هنيئًا مريئًا}.
قال ابن أبي
حاتمٍ: حدّثنا أحمد بن سنان، حدّثنا عبد الرّحمن بن مهدي، عن سفيان، عن
السّدّيّ، عن يعقوب بن المغيرة بن شعبة، عن عليٍّ قال: إذا اشتكى أحدكم
شيئًا، فليسأل امرأته ثلاثة دراهم أو نحو ذلك، فليبتع بها عسلًا ثمّ ليأخذ
ماء السّماء فيجتمع هنيئًا مريئًا شفاءً مباركًا.
وقال هشيم، عن سيّارٍ، عن أبي صالحٍ قال: كان الرّجل إذا زوّج ابنته أخذ صداقها دونها، فنهاهم اللّه عن ذلك، ونزل: {وآتوا النّساء صدقاتهنّ نحلةً} رواه ابن أبي حاتمٍ وابن جريرٍ.
وقال ابن أبي
حاتمٍ: حدّثنا محمّد بن إسماعيل الأحمسيّ، حدّثنا وكيعٌ، عن سفيان عن عميرٍ
الخثعميّ، عن عبد الملك بن المغيرة الطّائفيّ، عن عبد الرّحمن بن
البيلماني قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {وآتوا النّساء صدقاتهنّ نحلةً} قالوا: يا رسول اللّه، فما العلائق بينهم؟ قال: « ما تراضى عليه أهلوهم ».
وقد روى ابن
مردويه من طريق حجّاج بن أرطاة، عن عبد الملك بن المغيرة، عن عبد الرّحمن
بن البيلماني عن عمر بن الخطّاب قال: خطب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم
فقال: « أنكحوا الأيامى » ثلاثًا، فقام إليه رجلٌ فقال: يا رسول اللّه، ما العلائق بينهم؟ قال: « ما تراضى عليه أهلوهم ».
ابن البيلماني ضعيفٌ، ثمّ فيه انقطاعٌ أيضًا). [تفسير القرآن العظيم: 2/213-214]