الدروس
course cover
تفسير سورة النساء [ الآية (12) ]
17 Nov 2018
17 Nov 2018

3088

0

0

course cover
تفسير سورة النساء

القسم الثاني

تفسير سورة النساء [ الآية (12) ]
17 Nov 2018
17 Nov 2018

17 Nov 2018

3088

0

0


0

0

0

0

0

تفسير قوله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12)}



تفسير قوله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12)}

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجل: {ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهنّ ولد فإن كان لهنّ ولد فلكم الرّبع ممّا تركن من بعد وصيّة يوصين بها أو دين ولهنّ الرّبع ممّا تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهنّ الثّمن ممّا تركتم من بعد وصيّة توصون بها أو دين وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكلّ واحد منهما السّدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثّلث من بعد وصيّة يوصى بها أو دين غير مضارّ وصيّة من اللّه واللّه عليم حليم}
{وإن كان رجل يورث كلالة}

يقرأ يورث ويورث.. بفتح الراء وكسرها -. فمن قرأ يورث - بالكسر - فكلالة.. مفعول، ومن قرأ " يورث " فكلالة منصوب على الحال.
زعم أهل اللغة أن: الكلالة من قولك " تكلله النسب، أي: لم يكن الذي يرثه ابنه ولا أباه.

والكلالة: سوى الولد والوالد، والدليل على أن الأب ليس بكلالة قول الشاعر:

فإن أبا المرء أحمى له...؟؟؟ ومولى الكلالة لا يغضب
وإنما هو كالإكليل الذي على الرأس. وإنما استدل على أن الكلالة ههنا الإخوة لأمّ دون الأب بما ذكر في آخر السورة أن للأختين الثلثين وأن للإخوة كل المال، فعلم ههنا لما جعل للواحد السدس، وللاثنين الثلث، ولم يزادوا على الثلث شيئا ما كانوا، علم أنه يعني بهم الإخوة لأمّ.
فإن ماتت امرأة وخلّفت زوجا وأمّا وإخوة لأمّ فللزوج النصف وللام السدس، وللإخوة من الأم الثلث.
فإن خلّفت زوجا وأمّا وإخوة لأب وأمّ وإخوة لأمّ فإن هذه المسألة يسميها بعضهم المسألة المشتركة، وبعضهم يسميها الحمارية.
قال بعضهم: «إن الثلث الذي بقي للإخوة للأمّ دون الإخوة للأب والأم، لأن لهؤلاء الذين للأمّ تسمية وهي الثلث وليس للإخوة للأب والأم تسمية، فأعطيناهم الثلث ».
كما أنّه لو مات رجل وخلّف أخوين لأمّ، وخلّف مائة أخ لأب وأمّ لأعطي الأخوان للأمّ الثلث وأعطي المائة الثلثين، فقد صار الإخوة للأمّ يفضلون في الأنصباء الإخوة للأب والأمّ الأشقاء.
وقال بعضهم:«الأمّ واحدة».
وسموها الحمارية بأن قالوا: « هب أباهم كان حمارا واشتركوا بينه».
فسمّيت المشتركة.
وقوله عزّ وجلّ: {غير مضارّ وصيّة من اللّه} "غير" منصوب على الحال، المعنى: يوصي بها غير مضار، فمنع اللّه عزّ وجلّ من الضّرار في الوصية.
وروي عن أبي هريرة: «من ضارّ في وصية ألقاه الله في واد من جهنّم أو من نار ».
فالضرار: راجع في الوصية إلى الميراث.
{واللّه عليم حليم} أي: عليم ما دبر من هذه الفرائض، حليم عمّن عصاه بأن أخرّه وقبل توبته). [معاني القرآن: 2/25-27]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: {ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهنّ ولدٌ فإن كان لهنّ ولدٌ فلكم الرّبع ممّا تركن من بعد وصيّةٍ يوصين بها أو دينٍ ولهنّ الرّبع ممّا تركتم إن لم يكن لكم ولدٌ فإن كان لكم ولدٌ فلهنّ الثّمن ممّا تركتم من بعد وصيّةٍ توصون بها أو دينٍ وإن كان رجلٌ يورث كلالةً أو امرأةٌ وله أخٌ أو أختٌ فلكلّ واحدٍ منهما السّدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثّلث من بعد وصيّةٍ يوصى بها أو دينٍ غير مضارٍّ وصيّةً من اللّه واللّه عليمٌ حليمٌ (12)}.
آباؤكم وأبناؤكم رفع الابتداء، والخبر مضمر تقديره: هم المقسوم عليهم، وهم المعطون، وهذا عرض للحكمة في ذلك، وتأنيس للعرب الذين كانوا يورثون على غير هذه الصفة، ولا تدرون عامل في الجملة بالمعنى ومعلق عن العمل في اللفظ بحسب المعمول فيه، إذ الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله، ونفعاً، قال مجاهد والسدي وابن سيرين: «معناه في الدنيا» ، أي إذا اضطر إلى إنفاقهم للحاجة، نحا إليه الزجاج، وقد ينفقون دون اضطرار، وقال ابن عباس والحسن، «في الآخرة»، أي بشفاعة الفاضل للمفضول، وقال ابن زيد: فيهما، واللفظ يقتضي ذلك، وفريضةً نصب على المصدر المؤكد، إذ معنى يوصيكم يفرض عليكم، وقال مكي وغيره: هي حال مؤكدة، وذلك ضعيف، والعامل يوصيكم، وكان هي الناقصة، قال سيبويه لما رأوا علما وحكمة قيل لهم: إن الله لم يزل هكذا وصيغة- كان- لا تعطي إلا المضي، ومن المعنى بعد يعلم أن الله تعالى كان كذلك، وهو ويكون، لا من لفظ الآية، وقال قوم:«كان بمعنى وجد ووقع، وعليماً»، حال، وفي هذا ضعف، ومن قال: كان زائدة فقوله خطأ.
وقوله تعالى:{ ولكم نصف ما ترك أزواجكم} الآية. الخطاب للرجال، والولد هاهنا بنو الصلب وبنو ذكورهم وإن سفلوا، ذكرانا وإناثا، واحدا فما زاد هذا بإجماع من العلماء.
قوله تعالى: والولد في هذه الآية كما تقدم في الآية التي قبلها، والثمن للزوجة أو للزوجات هن فيه مشتركات بإجماع، ويلحق العول فرض الزوج والزوجة، كما يلحق سائر الفرائض المسماة، إلا عند ابن عباس، فإنه قال:« يعطيان فرضهما بغير عول »، والكلالة: مأخوذة من تكلل النسب: أي أحاط، لأن الرجل إذا لم يترك والدا ولا ولدا فقد انقطع طرفاه، وبقي أن يرثه من يتكلله نسبه، أي يحيط به من نواحيه كالإكليل، وكالنبات إذا أحاط بالشيء، ومنه: روض مكلل بالزهر، والإكليل منزل القمر يحيط به فيه كواكب، ومن الكلالة قول الشاعر: [المتقارب]
فإنّ أبا المرء أحمص له ...... ومولى الكلالة لا يغضب
فالأب والابن هما عمودا النسب، وسائر القرابة يكللون، وقال أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن عباس وسليم بن عبيد وقتادة والحكم وابن زيد والزهري وأبو إسحاق السبيعي: «الكلالة خلو الميت عن الولد والوالد»، وهذا هو الصحيح، وقالت طائفة: «هي خلو الميت من الولد فقط»، وروي ذلك عن أبي بكر الصديق وعن عمر، ثم رجعا عنه، وروي عن ابن عباس، وذلك مستقرا من قوله في الإخوة مع الوالدين: «إنهم يحطون الأم ويأخذون ما يحطونها».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: هكذا حكى الطبري. ويلزم على قول ابن عباس« إذ ورثهم بأن الفريضة «كلالة» أن يعطيهم الثلث بالنص»، وقالت طائفة منهم الحكم بن عتيبة: «الكلالة الخلو من الوالد»، وهذان القولان ضعيفان، لأن من بقي والده أو ولده، فهو موروث بجزم نسب لا بتكلل، وأجمعت الآن الأمة على أن الإخوة لا يرثون مع ابن ولا مع أب، وعلى هذا مضت الأمصار والأعصار، وقرأ جمهور الناس- «يورث» بفتح الراء، وقرأ الأعمش وأبو رجاء- «يورّث» - بكسر الراء وتشديدها، قال أبو الفتح بن جني: قرأ الحسن «يورث» من أورث، وعيسى «يورّث» بشد الراء من ورث، والمفعولان على كلتا القراءتين محذوفان، التقدير: يورث وارثه ماله كلالة، ونصب كلالةً على الحال، واختلفوا في «الكلالة» فيما وقعت عليه في هذه الآية، فقال عمر وابن عباس: «الكلالة» الميت الموروث إذا لم يكن له أب، ونصبها على خبر كان، وقال ابن زيد: «الكلالة» الوارثة بجملتها، الميت والأحياء كلهم «كلالة»، ونصبها على الحال أو على النعت لمصدر محذوف تقديره وراثة «كلالة»، ويصح على هذا أن تكون كان تامة بمعنى وقع، ويصح أن تكون ناقصة وخبرها يورث وقال عطاء: «الكلالة» المال، ونصب على المفعول الثاني.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: « والاشتقاق في معنى الكلالة يفسد تسمية المال بها»، وقالت طائفة:«الكلالة الورثة»، وهذا يستقيم على قراءة «يورث» بكسر الراء، فينصب كلالةً على المفعول، واحتج هؤلاء بحديث جابر بن عبد الله، إذ عاده رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إنما يرثني «كلالة» أفأوصي بمالي كله؟ وحكى بعضهم: أن تكون «الكلالة» الورثة، ونصبها على خبر كان، وذلك بحذف مضاف، تقديره ذا كلالة، ويستقيم سائر التأويلات على كسر الراء، وقوله أو امرأةٌ عطف على الرجل، وقوله تعالى: وله أخٌ أو أختٌ الآية، الضمير في له عائد على الرجل، واكتفى بإعادته عليه دون المرأة، إذ المعنى فيهما واحد، والحكم قد ضبطه العطف الأول، وأصل أختٌ: أخوة، كما أصل بنت: بنية، فضم أول أخت إذ المحذوف منها واو، وكسر أول بنت إذ المحذوف ياء، وهذا الحذف والتعليل على غير قياس، وأجمع العلماء على أن الإخوة في هذه الآية الإخوة لأم، لأن حكمهم منصوص في هذه الآية على صفة، وحكم سائر الإخوة مخالف له، وهو الذي في كلالة آخر السورة، وقرأ سعد بن أبي وقاص «وله أخ أو أخت لأمه» والأنثى والذكر في هذه النازلة سواء، وشركتهم في الثلث متساوية وإن كثروا، هذا إجماع، فإن ماتت امرأة وتركت زوجا وأما وإخوة أشقاء، فللزوج النصف، وللأم السدس وما بقي فللإخوة، فإن كانوا لأم فقط، فلهم الثلث، فإن تركت الميتة زوجا وأما وأخوين لأم وإخوة لأب وأم، فهذه الحمارية، قال قوم: فيها للإخوة للأم الثلث، ولا شيء للإخوة الأشقاء، كما لو مات رجل وخلف أخوين لأم، وخلف مائة أخ لأب وأم، فإنه يعطى الأخوان الثلث، والمائة الثلثين، فيفضلون بالثلث عليهم، وقال قوم: الأم واحدة وهب أباهم كان حمارا، وأشركوا بينهم في الثلث وسموها أيضا المشتركة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «ولا تستقيم هذه المسألة ان لو كان الميت رجلا، لأنه يبقى للأشقاء، ومتى بقي لهم شيء فليس لهم إلا ما بقي، والثلث للإخوة للأم ».
غير مضارٍّ نصب على الحال، والعامل يوصى، ووصيّةٍ نصب على المصدر في موضع الحال، والعامل يوصيكم وقيل: هو نصب على الخروج من قوله: فلكلّ واحدٍ منهما السّدس أو من قوله فهم شركاء في الثّلث ويصح أن يعمل مضارٍّ في وصيّةٍ، والمعنى: أن يقع الضرر بها وبسببها، فأوقع عليها تجوزا، وقرأ الحسن بن أبي الحسن «غير مضار وصية» بالإضافة، كما تقول: شجاع حرب، ومدره حرب، وبضة المتجرد، في قول طرفة بن العبد، والمعنى على ما ذكرناه من التجوز في اللفظ لصحة المعنى، وقال ابن عباس: «الضرار في الوصية من الكبائر»، رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من ضارّ في وصية ألقاه الله تعالى في واد في جهنم».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ووجوه المضارّة كثيرة لا تنحصر، وكلها ممنوعة: يقر بحق ليس عليه، ويوصي بأكثر من ثلثه، أو لوارثه، أو بالثلث فرارا عن وارث محتاج، وغير ذلك، ومشهور مذهب مالك وابن القاسم أن الموصي لا يعد فعله مضارّة ما دام في الثلث، فإن ضارّ الورثة في ثلثه مضى ذلك، وفي المذهب قوله: إن المضارة ترد وإن كانت في الثلث، إذا علمت بإقرار أو قرينة ويؤيد هذا قوله تعالى:{فمن خاف من موصٍ جنفاً أو إثماً فأصلح بينهم .... الآية }). [المحرر الوجيز: 2/484-488]

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهنّ ولدٌ فإن كان لهنّ ولدٌ فلكم الرّبع ممّا تركن من بعد وصيّةٍ يوصين بها أو دينٍ ولهنّ الرّبع ممّا تركتم إن لم يكن لكم ولدٌ فإن كان لكم ولدٌ فلهنّ الثّمن ممّا تركتم من بعد وصيّةٍ توصون بها أو دينٍ وإن كان رجلٌ يورث كلالةً أو امرأةٌ وله أخٌ أو أختٌ فلكلّ واحدٍ منهما السّدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثّلث من بعد وصيّةٍ يوصى بها أو دينٍ غير مضارٍّ وصيّةً من اللّه واللّه عليمٌ حليمٌ (12) }.
يقول تعالى: ولكم -أيّها الرّجال-نصف ما ترك أزواجكم إذا متن عن غير ولدٍ، فإن كان لهنّ ولدٌ فلكم الرّبع ممّا تركن من بعد وصيّةٍ يوصين بها أو دينٍ. وقد تقدّم أنّ الدّين مقدّمٌ على الوصيّة، وبعده الوصيّة ثمّ الميراث، وهذا أمرٌ مجمعٌ عليه بين العلماء، وحكم أولاد البنين وإن سفلوا حكم أولاد الصّلب.
ثمّ قال: {ولهنّ الرّبع ممّا تركتم إن لم يكن لكم ولدٌ فإن كان لكم ولدٌ فلهنّ الثّمن ممّا تركتم} إلخ، وسواءٌ في الرّبع أو الثّمن الزّوجة والزوجتان الاثنتان والثلاث والأربع يشتركن فيه.
وقوله: {من بعد وصيّةٍ} إلخ، الكلام عليه كما تقدّم.
وقوله: {وإن كان رجلٌ يورث كلالةً} الكلالة: مشتقّةٌ من الإكليل، وهو الّذي يحيط بالرّأس من جوانبه، والمراد هنا من يرثه من حواشيه لا أصوله ولا فروعه، كما روى الشّعبيّ عن أبي بكرٍ الصّديق: « أنّه سئل عن الكلالة، فقال: أقول فيها برأيي، فإن يكن صوابًا فمن اللّه، وإن يكن خطأً فمنّي ومن الشّيطان، واللّه ورسوله بريئان منه: الكلالة من لا ولد له ولا والد. فلمّا ولي عمر بن الخطّاب قال: إنّي لأستحيي أن أخالف أبا بكرٍ في رأيٍ رآه». رواه ابن جريرٍ وغيره.
وقال ابن أبي حاتمٍ، رحمه اللّه، في تفسيره: حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن يزيد، حدّثنا سفيان، عن سليمان الأحول، عن طاوسٍ قال: «سمعت عبد اللّه بن عبّاسٍ يقول: كنت آخر النّاس عهدًا بعمر بن الخطّاب، فسمعته يقول: القول ما قلت، وما قلت وما قلت. قال: الكلالة من لا ولد له ولا والد ».
وهكذا قال عليّ بن أبي طالبٍ وابن مسعودٍ، وصحّ عن غير وجهٍ عن عبد اللّه بن عبّاسٍ، وزيد بن ثابتٍ، وبه يقول الشّعبيّ والنّخعيّ، والحسن البصريّ، وقتادة، وجابر بن زيدٍ، والحكم. وبه يقول أهل المدينة والكوفة والبصرة. وهو قول الفقهاء السّبعة والأئمّة الأربعة وجمهور السّلف والخلف بل جميعهم. وقد حكى الإجماع على ذلك غير واحدٍ، وورد فيه حديثٌ مرفوعٌ. قال أبو الحسين بن اللّبّان: وقد روي عن ابن عبّاسٍ ما يخالف ذلك، وهو أنّه لا ولد له. والصّحيح عنه الأوّل، ولعلّ الرّاوي ما فهم عنه ما أراد.
وقوله: {وله أخٌ أو أختٌ} أي: من أمٍّ، كما هو في قراءة بعض السّلف، منهم سعد بن أبي وقّاصٍ، وكذا فسّرها أبو بكرٍ الصّديق فيما رواه قتادة عنه، {فلكلّ واحدٍ منهما السّدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثّلث} وإخوة الأمّ يخالفون بقيّة الورثة من وجوهٍ، أحدها: أنّهم يرثون مع من أدلوا به وهي الأمّ. الثّاني: أنّ ذكرهم وأنثاهم سواءٌ. الثّالث: أنّهم لا يرثون إلّا إذا كان ميّتهم يورث كلالةً، فلا يرثون مع أبٍ، ولا جدٍّ، ولا ولدٍ، ولا ولد ابنٍ. الرّابع: أنّهم لا يزادون على الثّلث، وإن كثر ذكورهم وإناثهم.
قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا يونس، حدّثنا ابن وهب، أخبرنا يونس، عن الزّهريّ قال:« قضى عمر بن الخطّاب، رضي اللّه عنه، أنّ ميراث الإخوة من الأمّ بينهم، للذّكر مثل الأنثى» قال محمّد بن شهابٍ الزّهريّ: « ولا أرى عمر قضى بذلك حتّى علم بذلك من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ولهذه الآية الّتي قال الله تعالى: {فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثّلث}» واختلف العلماء في المسألة المشتركة، وهي: زوجٌ، وأمٌّ أو جدّةٌ، واثنان من ولد الأمّ وواحدٌ أو أكثر من ولد الأبوين. فعلى قول الجمهور: للزّوج النّصف، وللأمّ أو الجدّة السّدس، ولولد الأمّ الثّلث، ويشاركهم فيه ولد الأب والأمّ بما بينهم من القدر المشترك وهو إخوة الأمّ.
وقد وقعت هذه المسألة في زمن أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب، فأعطى الزّوج النّصف، والأمّ السّدس، وجعل الثّلث لأولاد الأمّ، فقال له أولاد الأبوين: يا أمير المؤمنين، هب أنّ أبانا كان حمارًا، ألسنًا من أمٍّ واحدةٍ؟ فشرّك بينهم.
وصحّ التّشريك عنه وعن أمير المؤمنين عثمان، وهو إحدى الرّوايتين عن ابن مسعودٍ، وزيد بن ثابتٍ، وابن عبّاسٍ، رضي اللّه عنهم. وبه يقول سعيد بن المسيّب، وشريحٌ القاضي، ومسروقٌ، وطاوسٌ، ومحمّد بن سيرين وإبراهيم النّخعيّ، وعمر بن عبد العزيز، والثّوريّ، وشريك وهو مذهب مالك والشافعي، وإسحاق بن راهويه.
وكان عليّ بن أبي طالبٍ لا يشرّك بينهم، بل يجعل الثّلث لأولاد الأمّ، ولا شيء لأولاد الأبوين، والحالة هذه، لأنّهم عصبةٌ. وقال وكيع بن الجرّاح: لم يختلف عنه في ذلك، وهذا قول أبيّ بن كعبٍ وأبي موسى الأشعريّ، وهو المشهور عن ابن عبّاسٍ، وهو مذهب الشّعبيّ وابن أبي ليلى، وأبي يوسف، ومحمّد بن الحسن، والحسن بن زيادٍ، وزفر بن الهذيل، والإمام أحمد بن حنبلٍ، ويحيى بن آدم ونعيم بن حمّادٍ، وأبي ثورٍ، وداود بن عليٍّ الظّاهريّ، واختاره أبو الحسين بن اللّبّان الفرضيّ، رحمه اللّه، في كتابه "الإيجاز".
وقوله: {من بعد وصيّةٍ يوصى بها أو دينٍ غير مضارٍّ} أي: لتكون وصيّته على العدل، لا على الإضرار والجور والحيف بأن يحرم بعض الورثة، أو ينقصه، أو يزيده على ما قدر اللّه له من الفريضة فمتى سعى في ذلك كان كمن ضادّ اللّه في حكمته وقسمته؛ ولهذا قال ابن أبي حاتمٍ:
حدّثنا أبي، حدّثنا أبو النّضر الدّمشقيّ الفراديسيّ، حدّثنا عمر بن المغيرة، عن داود بن أبي هندٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال:«الإضرار في الوصيّة من الكبائر».
وكذا رواه ابن جريرٍ من طريق عمر بن المغيرة هذا وهو أبو حفصٍ بصريٌ سكن المصّيصة، قال أبو القاسم ابن عساكر: ويعرف بمفتي المساكين. وروى عنه غير واحدٍ من الأئمّة. وقال فيه أبو حاتمٍ الرّازيّ: هو شيخٌ. وقال عليّ بن المدينيّ: هو مجهولٌ لا أعرفه. لكن رواه النّسائيّ في سننه عن عليّ ابن حجرٍ، عن عليّ بن مسهر، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس، موقوفًا: "الإضرار في الوصيّة من الكبائر". وكذا رواه ابن أبي حاتمٍ عن أبي سعيدٍ الأشجّ، عن عائذ بن حبيبٍ، عن داود بن أبي هندٍ. ورواه ابن جريرٍ من حديث جماعةٍ من الحفّاظ، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ موقوفًا وفي بعضها: ويقرأ ابن عبّاسٍ: {غير مضارٍّ} قال ابن جريجٍ والصّحيح الموقوف.
ولهذا اختلف الأئمّة في الإقرار للوارث: هل هو صحيحٌ أم لا؟ على قولين: أحدهما: لا يصحّ لأنّه مظنّة التّهمة أن يكون قد أوصى له بصيغة الإقرار وقد ثبت في الحديث الصّحيح أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «إنّ اللّه قد أعطى كلّ ذي حق حقّه، فلا وصيّة لوارثٍ ». وهذا مذهب أبي حنيفة ومالكٍ، وأحمد بن حنبلٍ، والقول القديم للشّافعيّ، رحمهم اللّه، وذهب في الجديد إلى أنّه يصحّ الإقرار. وهو مذهب طاوسٍ، وعطاءٍ، والحسن، وعمر بن عبد العزيز.
وهو اختيار أبي عبد اللّه البخاريّ في صحيحه. واحتجّ بأنّ رافع بن خديجٍ أوصى ألّا تكشف الفزارية عمّا أغلق عليه بابها قال: وقال بعض النّاس: لا يجوز إقراره لسوء الظّنّ به للورثة، وقد قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «إيّاكم والظنّ، فإنّ الظّنّ أكذب الحديث». وقال اللّه تعالى: {إنّ اللّه يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها}فلم يخصّ وارثًا ولا غيره. انتهى ما ذكره.
فمتى كان الإقرار صحيحًا مطابقًا لما في نفس الأمر جرى فيه هذا الخلاف، ومتى كان حيلةً ووسيلةً إلى زيادة بعض الورثة ونقصان بعضهم، فهو حرامٌ بالإجماع وبنصّ هذه الآية الكريمة {غير مضارٍّ وصيّةً من اللّه واللّه عليمٌ حليمٌ} [ثمّ قال اللّه] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/229-232]



* للاستزادة ينظر: هنا