الدروس
course cover
تفسير سورة النساء [ من الآية (15) إلى الآية (16) ]
17 Nov 2018
17 Nov 2018

4710

0

0

course cover
تفسير سورة النساء

القسم الثاني

تفسير سورة النساء [ من الآية (15) إلى الآية (16) ]
17 Nov 2018
17 Nov 2018

17 Nov 2018

4710

0

0


0

0

0

0

0

تفسير قوله تعالى: {وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً (15) وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا (16)}


تفسير قوله تعالى: {وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً (15)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (قوله جلّ وعزّ: {واللّاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهنّ أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهنّ في البيوت حتّى يتوفّاهنّ الموت أو يجعل اللّه لهنّ سبيلا}{الفاحشة}: الزنا، والتي يجمع اللاتي، واللواتي.
قال الشاعر:

من اللواتي والتي واللاتي... زعمن أنّي كبرت لداتي

ويجمع اللاتي: بإثبات الياء ويحذف الياء.
قال الشاعر:

من اللاء لم يحججن يبغين حسبة... ولكن ليقتلن البريء المغفّلا

{فاستشهدوا عليهنّ أربعة منكم}أي: من المسلمين.
{فإن شهدوا فأمسكوهنّ في البيوت حتّى يتوفّاهنّ الموت أو يجعل اللّه لهنّ سبيلا} هذا كان الفرض في الزنا قبل أن ينزل الجلد، ويأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالرجم، فكان يحبس الزانيان أبدا.
وقال بعضهم {أو يجعل اللّه لهنّ سبيلا}:
«هو الحد الذي نسخ التخليد في الحبس والأذى »). [معاني القرآن: 2/27-28]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: {واللاّتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهنّ أربعةً منكم فإن شهدوا فأمسكوهنّ في البيوت حتّى يتوفّاهنّ الموت أو يجعل اللّه لهنّ سبيلاً (15) والّذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إنّ اللّه كان توّاباً رحيماً (16)}.
قوله واللّاتي: اسم جمع التي، وتجمع أيضا على «اللواتي»، ويقال: اللائي بالياء، والفاحشة في هذا الموضع: الزنا، وكل معصية فاحشة، لكن الألف واللام هنا للعهد، وقرأ ابن مسعود «بالفاحشة» ببناء الجر وقوله: من نسائكم إضافة في معنى الإسلام، لأن الكافرة قد تكون من نساء المسلمين بنسب، ولا يلحقها هذا الحكم، وجعل الله الشهادة على الزنا خاصة لا تتم إلا بأربعة شهداء، تغليظا على المدعي وسترا على العباد، وقال قوم: ذلك ليترتب شاهدان على كل واحد من الزانيين.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا ضعيف، وكانت هذه أول عقوبات الزناة- الإمساك في البيوت، قال عبادة بن الصامت والحسن ومجاهد: حتى نسخ بالأذى الذي بعده، ثم نسخ ذلك بآية النور وبالرجم في الثيب، وقالت فرقة: « بل كان الأذى هو الأول، ثم نسخ بالإمساك ولكن التلاوة أخرت وقدمت»، ذكره ابن فورك، وسبيلًا معناه مخرجا بأمر من أوامر الشرع، وروى حطان بن عبد الله الرقاشي عن عمران بن حصين، أنه قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فنزل عليه الوحي، ثم أقلع عنه ووجهه محمر، فقال:«قد جعل الله لهن سبيلا، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم»). [المحرر الوجيز: 2/489-490]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {واللّاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهنّ أربعةً منكم فإن شهدوا فأمسكوهنّ في البيوت حتّى يتوفّاهنّ الموت أو يجعل اللّه لهنّ سبيلًا (15) واللّذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إنّ اللّه كان توّابًا رحيمًا (16) }.
كان الحكم في ابتداء الإسلام أنّ المرأة إذا زنت فثبت زناها بالبيّنة العادلة، حبست في بيتٍ فلا تمكن من الخروج منه إلى أن تموت؛ ولهذا قال: {واللاتي يأتين الفاحشة} يعني: الزّنا {من نسائكم فاستشهدوا عليهنّ أربعةً مّنكم فإن شهدوا فأمسكوهنّ في البيوت حتّى يتوفّاهنّ الموت أو يجعل اللّه لهنّ سبيلا} فالسّبيل الّذي جعله اللّه هو النّاسخ لذلك.
قال ابن عبّاسٍ:
«كان الحكم كذلك، حتّى أنزل اللّه سورة النّور فنسخها بالجلد، أو الرّجم ».
وكذا روي عن عكرمة، وسعيد بن جبير، والحسن، وعطاء الخراساني، وأبي صالحٍ، وقتادة، وزيد بن أسلم، والضّحّاك: أنّها منسوخةٌ. وهو أمرٌ متّفقٌ عليه.

قال الإمام أحمد: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن الحسن، عن حطّان بن عبد اللّه الرّقاشي، عن عبادة بن الصّامت قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا نزل عليه الوحي أثّر عليه وكرب لذلك وتربّد وجهه، فأنزل اللّه عزّ وجلّ عليه ذات يومٍ، فلمّا سرّي عنه قال: «خذوا عنّي، قد جعل اللّه لهنّ سبيلًا الثّيّب بالثّيّب، والبكر بالبكر، الثّيّب جلد مائةٍ، ورجمٌ بالحجارة، والبكر جلد مائةٍ ثمّ نفى سنةٍ» وقد رواه مسلمٌ وأصحاب السّنن من طرقٍ عن قتادة عن الحسن عن حطّان عن عبادة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ولفظه: «خذوا عنّي، خذوا عنّي، قد جعل اللّه لهنّ سبيلًا؛ البكر بالبكر جلد مائةٍ وتغريب عامٍ، والثّيّب بالثّيّب جلد مائةٍ والرّجم». وقال التّرمذيّ: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ
وهكذا رواه أبو داود الطّيالسيّ، عن مبارك بن فضالة، عن الحسن، عن حطّان بن عبد اللّه الرّقاشيّ، عن عبادة: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل عليه الوحي عرف ذلك في وجهه، فلمّا أنزلت: {أو يجعل اللّه لهنّ سبيلا} و ارتفع الوحي قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:
«خذوا خذوا، قد جعل اللّه لهنّ سبيلا البكر بالبكر جلد مائةٍ ونفي سنةٍ، والثّيّب بالثيب جلد مائةٍ ورجمٌ بالحجارة».
وقد روى الإمام أحمد أيضًا هذا الحديث عن وكيع بن الجرّاح، حدّثنا الفضل بن دلهم، عن الحسن، عن قبيصة بن حريث، عن سلمة بن المحبّق قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:
«خذوا عنّي، خذوا عنّي، قد جعل اللّه لهنّ سبيلًا البكر بالبكر جلد مائةٍ ونفي سنةٍ، والثّيّب بالثّيّب جلد مائةٍ والرّجم».
وكذا رواه أبو داود مطوّلًا من حديث الفضل بن دلهمٍ، ثمّ قال: وليس هو بالحافظ، كان قصّابًا بواسط.
حديثٌ آخر: قال أبو بكر بن مردويه: حدّثنا محمّد بن أحمد بن إبراهيم، حدّثنا عبّاس بن حمدان، حدّثنا أحمد بن داود، حدّثنا عمرو بن عبد الغفّار، حدّثنا إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن الشّعبيّ، عن مسروقٍ، عن أبيّ بن كعبٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:
«البكران يجلدان وينفيان، والثّيّبان يجلدان ويرجمان، والشّيخان يرجمان». هذا حديثٌ غريبٌ من هذا الوجه.
وروى الطّبرانيّ من طريق ابن لهيعة، عن أخيه عيسى بن لهيعة، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: لمّا نزلت سورة النّساء قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:
«لا حبس بعد سورة النّساء».
وقد ذهب الإمام أحمد بن حنبلٍ إلى القول بمقتضى هذا الحديث، وهو الجمع بين الجلد والرّجم في حقّ الثّيّب الزّاني، وذهب الجمهور إلى أنّ الثّيّب الزّاني إنّما يرجم فقط من غير جلدٍ، قالوا: لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم رجم ماعزًا والغامديّة واليهوديّين، ولم يجلدهم قبل ذلك، فدلّ على أنّ الجلد ليس بحتمٍ، بل هو منسوخٌ على قولهم، واللّه أعلم). [تفسير القرآن العظيم: 2/233-235]


تفسير قوله تعالى: {وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا (16)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ( {واللّذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إنّ اللّه كان توّابا رحيما}
قال بعضهم:
«كان الحبس للثيبين، والأذى للبكرين، يوبخان، فيقال لهما زنيتما وفجرتما وانتهكتما حرمات اللّه».
وقال بعضهم:
«نسخ الأذى لهما مع الحبس».
وقال بعضهم:
«الأذى لا ينبغي أن يكون منسوخا عنهما إلا أن يتوبا، وإن قوله عزّ وجلّ: {وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين} هو من التوبيخ لهما بأن يفضحا على رؤوس الملأ ».
أمّا ما سلف مما كان في أمر الفاجرين فقد استغنى عنه إلا أن الفائدة فيه أن الشهادة لم تزل في الزنا شهادة أربعة نفر). [معاني القرآن: 2/28-29]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (واللذان- تثنية الذي، وكان القياس أن يقال: اللذيان كرحيان المتمكنة وبين الأسماء المبهمات. قال أبو علي: حذفت الياء تخفيفا إذ قد أمن من اللبس في اللذان، لأن النون لا تنحذف ونون التثنية في الأسماء المتمكنة قد تنحذف مع الإضافة في رحياك ومصطفيا القوم، فلو حذفت الياء لاشتبه المفرد بالاثنين، وقرأ ابن كثير «اللذانّ» بشد النون، وتلك عوض من الياء المحذوفة، وكذلك قرأ هذان، وفذانك، وهاتين، بالتشديد في جميعها، وقرأ نافع وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي بتخفيف جميع ذلك، وشدد أبو عمرو، «فذانك» وحدها ولم يشدد غيرها، والّذان رفع بالابتداء، وقيل على معنى: فيما يتلى عليكم «اللذان»، واختلف في الأذى، فقال عبادة والسدي: هو التعيير والتوبيخ وقالت فرقة: هو السبّ والجفاء دون تعيير، وقال ابن عباس: «هو النيل باللسان واليد وضرب النعال وما أشبهه »، قال مجاهد وغيره:«الآية الأولى في النساء عامة لهن، محصنات وغير محصنات، والآية الثانية في الرجال، وبين بلفظ التثنية صنفي الرجال ممن أحصن وممن لم يحصن، فعقوبة النساء الحبس، وعقوبة الرجال الأذى، وهذا قول يقتضيه اللفظ، ويستوفي نص الكلام أصناف الزناة عليه، ويؤيده من جهة اللفظ قوله في الأولى من نسائكم وقوله في الثانية منكم»، وقال السدي وقتادة وغير هما:« الآية الأولى في النساء المحصنات، يريد ويدخل معهن من أحصن من الرجال بالمعنى، والآية الثانية هي في الرجل والمرأة البكرين».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «ومعنى هذا القول تام، إلا أن لفظ الآية يقلق عنه»، وقد رجحه الطبري، وقرأ ابن مسعود {والذين يفعلونه منكم} وأجمع العلماء على أن هاتين الآيتين منسوختان بآية الجلد في سورة النور، قاله الحسن ومجاهد وغيرهما، إلا من قال:«إن الأذى والتعيير باق مع الجلد لأنهما لا يتعارضان بل يتحملان على شخص واحد، وأما الحبس فمنسوخ بإجماع، وآية الجلد عامة في الزناة محصنهم وغير محصنهم»، وكذلك عممه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث حطان بن عبد الله الرقاشي الذي ذكرته آنفا، وإن كان في صحيح مسلم فهو خبر آحاد، ثم ورد بالخبر المتواتر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجم ولم يجلد، فمن قال: «إن السنة المتواترة تنسخ القرآن، جعل رجم الرسول دون جلد ناسخا لجلد الثيب»، وهذا الذي عليه الأئمة: أن السنة المتواترة تنسخ القرآن، إذ هما جميعا وحي من الله، ويوجبان جميعا العلم والعمل، وإنما اختلفا في أن السنة نقص منها الإعجاز، وصح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في خبر ماعز، وفي حديث المرأة التي بعث إليها أنيس، ومن قال إن السنة المتواترة لا تنسخ القرآن، قال: إنما يكون حكم القرآن موقفا، ثم تأتي السنة مستأنفة من غير أن تتناول نسخا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا تخيل لا يستقيم، لأنا نجد السنة ترفع بحكمها ما استقر من حكم القرآن على حد النسخ، ولا يرد ذلك نظر، ولا ينخرم منه أصل، أما أن هذه النازلة بعينها يتوجه عندي أن يقال فيها: إن الناسخ لحكم الجلد هو القرآن المتفق على رفع لفظه وبقاء حكمه، في قوله تعالى: الشيخ والشيخة- إذا زنيا- فارجموهما البتة، وهذا نص في الرجم، وقد قرره عمر على المنبر بمحضر الصحابة، وذكر أنهم قرأوه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، والحديث بكماله في مسلم وأيضا فيعضد أن ذلك من القرآن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال له: فاقض بيننا يا رسول الله بكتاب الله، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «لأقضين بينكما بكتاب الله»، ثم أمر أنيسا برجم المرأة إن هي اعترفت، فدل هذا الظاهر على أن الرجم كان في القرآن، وأجمعت الأمة على رفع لفظة، وهاتان الآيتان أعني الجلد والرجم لو لم يقع بيان من الرسول لم يجب أن تنسخ إحداهما الأخرى، إذ يسوغ اجتماعهما على شخص واحد، وحديث عبادة المتقدم يقوي جميعهما، وقد أخذ به علي رضي الله عنه في شراحة جلدها ثم رجمها، وقال: «أجلدها بكتاب الله وأرجمها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم »، وبه قال الحسن وإسحاق بن راهويه، ولكن لما بين الرسول برجمه دون جلد كان فعله بمثابة قوله مع هذه الآية: فقوا ولا تجلدوا فيكون القرآن هو الناسخ والسنة هي المبينة ويصح أن نعترض من ينسخ بالسنة في هذه النازلة فنقول: الناسخ من شروطه أن يستقل في البيان بنفسه، وإذا لم يستقل فليس بناسخ، وآية الرجم بعد أن يسلم ثبوتها لا تستقل في النسخ بنفسها، بل تنبني مع الجلد وتجتمع، كما تضمن حديث عبادة بن الصامت، لكن إسقاط الرسول الجلد هو الناسخ، لأن فعله في ذلك هو بمنزلة قوله: لا تجلدوا الثيب، وأما البكر فلا خلاف أنه يجلد، واختلف في نفيه، فقال الخلفاء الأربعة وابن عمر ومالك والشافعي وجماعة: لا نفي اليوم، وقالت جماعة: ينفى وقيل: نفيه سجنه، ولا تنفى المرأة ولا العبد، هذا مذهب مالك وجماعة من العلماء، وقوله: فأعرضوا عنهما كانت هذه العقوبة من الإمساك والأذى إرادة أن يتوب الزناة، وهو الرجوع عن الزنا والإصرار عليه، فأمر الله تعالى المؤمنين، إذا تاب الزانيان وأصلحا في سائر أعمالهما أن يكف عنهما الأذى، وجاء الأمر بهذا الكف الذي هو «أعرضوا» وفي قوة اللفظ غض من الزناة وإن تابوا، لأن تركهم إنما هو إعراض، ألا ترى إلى قوله تعالى:{ وأعرض عن الجاهلين } وليس الإعراض في الآيتين أمرا بهجرة، ولكنها متاركة معرض، وفي ذلك احتقار لهم بحسب المعصية المتقدمة، ويحسب الجهالة في الآية الأخرى، والله تعالى تواب، أي راجع بعباده عن المعاصي إلى تركها ولزوم الطاعة). [المحرر الوجيز: 2/490-493]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {واللّذان يأتيانها منكم فآذوهما} أي: واللّذان يأتيان الفاحشة فآذوهما. قال ابن عبّاسٍ، وسعيد بن جبيرٍ وغيرهما: أي بالشّتم والتّعيير، والضّرب بالنّعال، وكان الحكم كذلك حتّى نسخه اللّه بالجلد أو الرّجم.
وقال عكرمة، وعطاءٌ، والحسن، وعبد اللّه بن كثيرٍ:
«نزلت في الرّجل والمرأة إذا زنيا».
وقال السّدّيّ:
«نزلت في الفتيان قبل أن يتزوّجوا».
وقال مجاهدٌ:
«نزلت في الرّجلين إذا فعلا لا يكنّي، وكأنّه يريد اللّواط، واللّه أعلم».
وقد روى أهل السّنن، من حديث عمرو بن أبي عمرٍو، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:
«من رأيتموه يعمل عمل قوم لوطٍ فاقتلوا الفاعل والمفعول به».
وقوله: {فإن تابا وأصلحا} أي: أقلعا ونزعا عمّا كانا عليه، وصلحت أعمالهما وحسنت {فأعرضوا عنهما} أي: لا تعنّفوهما بكلامٍ قبيح بعد ذلك؛ لأنّ التّائب من الذّنب كمن لا ذنب له {إنّ اللّه كان توّابًا رحيمًا} وقد ثبت في الصّحيحين
«إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحدّ ولا يثرّب عليها » أي: ثمّ لا يعيّرها بما صنعت بعد الحدّ، الّذي هو كفّارةٌ لما صنعت). [تفسير القرآن العظيم: 2/235]



* للاستزادة ينظر: هنا