17 Nov 2018
تفسير
قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ
الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ
لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً
(51) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ وَمَن يَلْعَنِ اللّهُ
فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا (52) أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ
فَإِذًا لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا (53) أَمْ يَحْسُدُونَ
النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ
إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا
(54) فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى
بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا (55)}
تفسير قوله تعالى:
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ
يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ
هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً (51)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ:
{ألم تر إلى الّذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطّاغوت
ويقولون للّذين كفروا هؤلاء أهدى من الّذين آمنوا سبيلا}
يعني به: علماء اليهود، أي: أعطوا علم أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فكتموه.
{يؤمنون بالجبت والطّاغوت}
قال أهل اللغة: كل معبود من دون اللّه فهو جبت وطاغوت.
وقيل: الجبت والطاغوت الكهنة والشياطين.
وقيل في بعض التفسير: الجبت والطاغوت ههنا، حيي بن
أخطب، وكعب بن الأشرف اليهوديان وهذا غير خارج عما قال أهل اللغة،
لأنه إذا اتبعوا أمرهما فقد أطاعوهما من دون اللّه - عزّ وجلّ.
وقوله: {ويقولون للّذين كفروا هؤلاء أهدى من الّذين آمنوا سبيلا}
وهذا برهان ودليل على معاندة اليهود لأنهم زعموا إن الذين لم
يصدقوا بشيء من الكتب وعبادة الأصنام، أهدى طريقا من الذين يجامعونهم
على كثير مما يصدقون به، وهذا عناد بين.
وقوله جلّ وعزّ: {سبيلا}
منصوب على التمييز، كما تقول: هذا أحسن منك وجها وهذا أجود منك
ثوبان لأنك في قولك: " هذا أجود منك " قد أبهمت الشيء الذي فضلته
به، إلا أن تريد أنّ جملته أجود من جملتك فتقول: هذا أجود منك.
وتمسك). [معاني القرآن: 2/61-62]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: ألم تر إلى الّذين الآية، ظاهرها يعم اليهود والنصارى، ولكن أجمع المتأولون على أن المراد بها طائفة من اليهود، والقصص يبين ذلك، واختلف في بالجبت والطّاغوت، فقال عكرمة وغيره: هما في هذا الموضع صنمان كانا لقريش، وذلك أن كعب بن الأشرف وجماعة معه وردوا مكة محرضين على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت لهم قريش: إنكم أهل الكتاب، ومحمد صاحب كتاب، ونحن لا نأمنكم أن تكونوا معه، إلا أن تسجدوا لهذين الصنمين اللذين لنا، ففعلوا، ففي ذلك نزلت هذه الآية، وقال ابن عباس: بالجبت هنا: حيي بن أخطب والطّاغوت: كعب بن الأشرف. فالمراد على هذه الآية القوم الذين كانوا معهما من بني إسرائيل لإيمانهم بهما واتباعهم لهما، وقال ابن عباس: بالجبت. الأصنام، والطّاغوت. القوم المترجمون عن الأصنام، الذين يضلون الناس بتعليمهم إياهم عبادة الأصنام، وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: بالجبت السحر، والطّاغوت: الشيطان، وقاله مجاهد والشعبي، وقال زيد بن أسلم: بالجبت: الساحر، والطّاغوت:
الشيطان، وقال سعيد بن جبير ورفيع: بالجبت: الساحر، والطّاغوت: الكاهن، وقال قتادة: بالجبت:
الشيطان، والطاغوت: الكاهن، وقال سعيد بن جبير أيضا: الجبت: الكاهن، والطاغوت: الشيطان، وقال ابن سيرين: بالجبت: الكاهن، والطّاغوت: الساحر، وقال مجاهد في كتاب الطبري: بالجبت: كعب ابن الأشرف، والطاغوت الشيطان كان في صورة إنسان.
قال
ابن عطية: فمجموع هذا يقتضي أن بالجبت والطّاغوت هو كل ما عبد وأطيع من
دون الله تعالى، وكذلك قال مالك رحمه الله: الطاغوت كل ما عبد من دون الله
تعالى، وذكر بعض الناس أن الجبت: هو من لغة الحبشة، وقال قطرب: بالجبت
أصله الجبس، وهو الثقيل الذي لا خير عنده، وأما الطّاغوت فهو من طغى، أصله
طغووت وزنه فعلوت، وتاؤه زائدة، قلب فرد فلعوت، أصله طوغوت، تحركت الواو
وفتح ما قبلها فانقلبت ألفا، وقوله تعالى: ويقولون للّذين كفروا الآية
سببها، أن قريشا قالت لكعب بن الأشرف حين ورد مكة: أنت سيدنا وسيد قومك،
إنّا قوم ننحر الكوماء، ونقري الضيف، ونصل الرحم، ونسقي الحجيج، ونعبد
آلهتنا الذين وجدنا آباءنا يعبدون، وهذا الصنبور المنبتر من قومه قد قطع
الرحم، فمن أهدى نحن أو هو؟ فقال كعب: أنتم أهدى منه وأقوم دينا، فنزلت هذه
الآية، قاله ابن عباس: وحكى السدي: أن أبا سفيان خاطب كعبا بهذه المقالة،
فالضمير في يقولون عائد على كعب على ما تقدم- أو على الجماعة من بني
إسرائيل التي كانت مع كعب، لأنها قالت بقوله في جميع ذلك على ما ذكر بعض
المتأولين، و «الذين كفروا» في هذه الآية هم قريش، والإشارة ب هؤلاء إليهم،
وأهدى: وزنه أفعل وهو للتفضيل، والّذين آمنوا: هم النبي عليه السلام
وأمته، وسبيلًا نصب على التمييز، وقالت فرقة: بل المراد في الآية من بني
إسرائيل هو حيي بن أخطب وهو المقصود من أول الآيات). [المحرر الوجيز: 2/579-581]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (والمشار إليه بقوله أولئك هم المراد من بني إسرائيل، فمن قال: كانوا جماعة فذلك مستقيم لفظا ومعنى، ومن قال: هو كعب أو حيي، فعبر عنه بلفظ الجمع، لأنه كان متبوعا، وكان قوله مقترنا بقول جماعة.
ولعنهم معناه: أبعدهم من خيره ومقتهم، ومن يفعل الله ذلك به ويخذله فلا ناصر له من المخلوقين، وإن نصرته طائفة، فنصرتها كلا نصرة، إذ لا تغني عنه شيئا). [المحرر الوجيز: 2/581]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ألم تر إلى الّذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطّاغوت} أمّا "الجبت" فقال محمّد بن إسحاق، عن حسّان بن فائدٍ، عن عمر بن الخطّاب أنّه قال: "الجبت": السّحر، و "الطّاغوت": الشّيطان.قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: أم لهم نصيبٌ من الملك فإذاً لا يؤتون النّاس نقيراً (53) أم يحسدون النّاس على ما آتاهم اللّه من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكاً عظيماً (54) فمنهم من آمن به ومنهم من صدّ عنه وكفى بجهنّم سعيراً (55)
عرف أم أن تعطف بعد استفهام متقدم، كقولك: أقام زيد أم عمرو، فإذا وردت ولم يتقدمها استفهام، فمذهب سيبويه: أنها مضمنة معنى الإضراب عن الكلام الأول والقطع منه، وهي مضمنة مع ذلك معنى الاستفهام، فهي بمعنى «بل» مع ألف الاستفهام، كقول العرب: إنها لإبل أم شاء، فالتقدير عند سيبويه، أنها لإبل بل أهي شاء. وكذلك هذا الموضع، تقديره: بل ألهم نصيب من الملك؟ وقد حكي عن بعض النحويين، أن أم يستفهم بها ابتداء دون تقدم استفهام، حكاه ابن قتيبة في المشكل، وهذا غير مشهور للعرب، وقال بعض المفسرين: أم بمعنى بل، ولم يذكروا الألف اللازمة، فأوجبوا على هذا حصول الملك للمذكورين في الآية، والتزموا ذلك وفسروا عليه، فالمعنى عندهم: بل هم ملوك أهل دنيا وعتو وتنعم، لا يبغون غيره، فهم بخلاء به، حريصون على أن لا يكون ظهور لسواهم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والمعنى على الأرجح الذي هو مذهب سيبويه والحذاق، أنه استفهام على معنى الإنكار، أي ألهم ملك؟ فإذا لو كان لبخلوا، وقرأ ابن مسعود، «فإذا لا يؤتوا» بغير نون على إعمال «إذا»، والمصحف على إلغائها، والوجهان جائزان، وإن كانت صدرا من أجل دخول الفاء عليها، والنقير، أعرف ما فيه أنها النكتة التي في ظهر النواة من التمرة، ومن هنالك تنبت، وهو قول الجمهور، وقالت فرقة:
هي
النقطة التي في بطن النواة، وروي عن ابن عباس أنه قال: هو نقر الإنسان
بأصبعه، وهذا كله يجمعه أنه كناية عن الغاية في الحقارة والقلة على مجاز
العرب واستعارتها، و «إذا» في هذه الآية ملغاة لدخول فاء العطف عليها،
ويجوز إعمالها، والإلغاء أفصح، وذلك أنها إذا تقدمت أعملت قولا واحدا، وإذا
توسطت ألغيت قولا واحدا، فإذا دخل عليها وهي متقدمة فاء أو واو جاز
إعمالها والإلغاء أفصح وهي لغة القرآن، وتكتب «إذا» بالنون وبالألف، فالنون
هو الأصل، كعن ومن، وجاز كتبها بالألف لصحة الوقوف عليها فأشبهت نون
التنوين، ولا يصح الوقوف على «عن ومن»). [المحرر الوجيز: 2/581-582]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({أم
لهم نصيبٌ من الملك فإذًا لا يؤتون النّاس نقيرًا (53) أم يحسدون النّاس
على ما آتاهم اللّه من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم
ملكًا عظيمًا (54) فمنهم من آمن به ومنهم من صدّ عنه وكفى بجهنّم سعيرًا
(55)}.
يقول تعالى: {أم لهم نصيبٌ من الملك}؟!
وهذا استفهام إنكارٍ، أي: ليس لهم نصيبٌ من الملك ثمّ وصفهم بالبخل فقال:
{فإذًا لا يؤتون النّاس نقيرًا} أي: لأنّهم لو كان لهم نصيبٌ في الملك
والتّصرّف لما أعطوا أحدًا من النّاس -ولا سيّما محمّدًا صلّى اللّه عليه
وسلّم-شيئًا، ولا ما يملأ "النّقير"، وهو النّقطة الّتي في النّواة، في قول
ابن عبّاسٍ والأكثرين.
وهذه الآية كقوله تعالى {قل لو أنتم
تملكون خزائن رحمة ربّي إذًا لأمسكتم خشية الإنفاق} [الإسراء:100] أي: خوف
أن يذهب ما بأيديكم، مع أنّه لا يتصوّر نفاده، وإنّما هو من بخلكم وشحّكم؛
ولهذا قال: {وكان الإنسان قتورًا} [الإسراء:100] أي: بخيلًا). [تفسير القرآن العظيم: 2/336]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: أم يحسدون النّاس الآية، أم هذه على بابها، لأن الاستفهام الذي في تقديرنا، بل ألهم قد تقدمها، واختلف المتأولون في المراد ب النّاس في هذا الموضع، فقال ابن عباس ومجاهد وعكرمة والسدي والضحاك، هو النبي عليه السلام، والفضل النبوة فقط، والمعنى فلم يخصونه بالحسد ولا يحسدون آل إبراهيم في جميع ما آتيناهم من هذا وغيره من الملك؟ وقال ابن عباس والسدي أيضا: هو النبي صلى الله عليه وسلم، والفضل ما أبيح له من النساء فقط، وسبب الآية عندهم، أن اليهود قالت لكفار العرب: انظروا إلى هذا الذي يقول: إنه بعث بالتواضع، وإنه لا يملأ بطنه طعاما، ليس همه إلا في النساء، ونحو هذا، فنزلت الآية، والمعنى فلم يخصونه بالحسد ولا يحسدون آل إبراهيم؟ صلى الله عليه وسلم يعني سليمان وداود عليهما السلام في أنهما أعطيا النبوة والكتاب، وأعطيا مع ذلك ملكا عظيما، في أمر النساء، وهو ما روي أنه كان لسليمان سبعمائة امرأة، وثلاثمائة سرية، ولداود مائة امرأة، ونحو هذا من الأخبار الواردة في ذلك، فالملك في هذا القول إباحة النساء، كأنه المقصود أولا بالذكر، وقال قتادة:
النّاس في هذا الموضع: العرب، حسدتها بنو إسرائيل في أن كان النبي عليه السلام منها، «والفضل» على هذا التأويل: هو محمد عليه السلام، فالمعنى: لم يحسدون العرب على هذا النبي صلى الله عليه وسلم وقد أوتي آل إبراهيم صلى الله عليه وسلم- وهم أسلافهم- أنبياء وكتبا، كالتوراة والزبور، وحكمةٍ وهي الفهم في الدين وما يكون من الهدى مما لم ينص عليه الكتاب، وروي عن ابن عباس أنه قال: «نحن الناس» يريد قريشا، وملكاً عظيماً: أي ملك سليمان، قاله ابن عباس: وقال مجاهد: الملك العظيم في الآية هو النبوة، وقال همام بن الحارث وأبو مسلمة: هو التأييد بالملائكة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والأصوب أنه ملك سليمان أو أمر النساء في التأويل المتقدم). [المحرر الوجيز: 2/582-583]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ
قال: {أم يحسدون النّاس على ما آتاهم اللّه من فضله} يعني بذلك: حسدهم
النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم على ما رزقه اللّه من النّبوّة العظيمة،
ومنعهم من تصديقهم إيّاه حسدهم له؛ لكونه من العرب وليس من بني إسرائيل.
قال الطّبرانيّ: حدّثنا محمّد بن عبد
اللّه الحضرميّ، حدّثنا يحيى الحمّانيّ، حدّثنا قيس بن الرّبيع، عن
السّدّيّ، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ قوله: {أم يحسدون النّاس [على ما آتاهم
اللّه من فضله]} الآية، قال ابن عبّاسٍ: نحن النّاس دون النّاس، قال اللّه
تعالى: {فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكًا عظيمًا} أي:
فقد جعلنا في أسباط بني إسرائيل -الّذين هم من ذرّيّة إبراهيم-النّبوّة،
وأنزلنا عليهم الكتب، وحكموا فيهم بالسّنن -وهي الحكمة-وجعلنا فيهم
الملوك، ومع هذا {فمنهم من آمن به} أي: بهذا الإيتاء وهذا الإنعام). [تفسير القرآن العظيم: 2/336]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: فمنهم من آمن به الآية، اختلف المتأولون في عود الضمير من به فقال الجمهور: هو عائد على القرآن الذي في قوله تعالى: آمنوا بما نزّلنا مصدّقاً لما معكم من قبل أن نطمس وجوهاً [النساء: 47] فأعلم الله أن منهم من آمن كما أمر، فلذلك ارتفع الوعيد بالطمس ولم يقع، وصد قوم ثبت الوعيد عليهم في الآخرة بقوله: وكفى بجهنّم سعيراً وقالت فرقة: الضمير عائد على إبراهيم عليه السلام، وحكى مكي في ذلك قصصا ليست بالثابتة، وقالت فرقة: هو عائد على الفضل الذي آتاه الله النبي عليه السلام، أو العرب على ما تقدم.
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله: قرأت فرقة: «صد» عنه بضم الصاد على بناء
الفعل للمفعول، وسعيراً معناه: احتراقا وتلهبا، والسعير: شدة توقد النار،
فهذا كناية عن شدة العذاب والعقوبة). [المحرر الوجيز: 2/583]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فمنهم
من آمن به} أي: بهذا الإيتاء وهذا الإنعام {ومنهم من صدّ عنه} أي: كفر به
وأعرض عنه، وسعى في صدّ النّاس عنه، وهو منهم ومن جنسهم، أي من بني
إسرائيل، فقد اختلفوا عليهم، فكيف بك يا محمّد ولست من بني إسرائيل؟.
وقال مجاهدٌ: {فمنهم من آمن به} أي:
بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم {ومنهم من صدّ عنه} فالكفرة منهم أشدّ
تكذيبًا لك، وأبعد عمّا جئتهم به من الهدى، والحقّ المبين.
ولهذا قال متوعّدًا لهم: {وكفى بجهنّم سعيرًا} أي: وكفى بالنّار عقوبةً لهم على كفرهم وعنادهم ومخالفتهم كتب اللّه ورسله). [تفسير القرآن العظيم: 2/336]
* للاستزادة ينظر: هنا