الدروس
course cover
تفسير سورة النساء [ من الآية (71) إلى الآية (73) ]
18 Nov 2018
18 Nov 2018

3125

0

0

course cover
تفسير سورة النساء

القسم السادس

تفسير سورة النساء [ من الآية (71) إلى الآية (73) ]
18 Nov 2018
18 Nov 2018

18 Nov 2018

3125

0

0


0

0

0

0

0

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعًا (71) وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيدًا (72) وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِّنَ الله لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُن بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا (73)}



تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعًا (71)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: {يا أيّها الّذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا}
أمر اللّه أن لا يلقي المؤمنون بأيديهم إلى التهلكة وأن يحذروا عدوهم وأن يجاهدوا في الله حق الجهاد، ليبلو الله الأخيار وضمن لهم مع ذلك النصر، لأنه لو تولى اللّه تعالى قتل أعدائه بغير سبب للآدميين لم يكونوا مثابين، ولكنه أمر أن يؤخذ الحذر.
وقال: {فانفروا ثبات أو انفروا جميعا} والثبات الجماعات المتفرقة، واحدها: ثبة.

قال زهير ابن أبي سلمى:
وقد أغدو على ثبة كرام... نشاوى واجدين لما نشاء
قال سيبويه ثبة تجمع ثبون وثبين، في الرفع والنصب والجر وإنما جمعت بالواو والنون - وكذلك عزة وعضة - كقوله عزّ وجلّ {الّذين جعلوا القرآن عضين} - لأنّ الواو والنون جعلتا عوضا من حذف آخر الكلمة.

وثبة: التي هي الجماعة محذوف آخرها؛ تصغّر ثبيّة، وثبة الحوض: وسطه حيث يثوب الماء إليه تصغّر ثوبية، لأن هذا محذوفة منه عين الفعل، وإنما اشتقت ثبة الجماعة من ثبيت على الرجل إذا أثنيت عليه في حياته، وتأويله: أنك جمعت ذكر محاسنه، فأما الثبة الجماعة من فرقة، فتأويله: انفروا جماعات متفرقة أو انفروا بعضكم إلى بعض).
[معاني القرآن: 2/74-75]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: يا أيّها الّذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثباتٍ أو انفروا جميعاً (71) وإنّ منكم لمن ليبطّئنّ فإن أصابتكم مصيبةٌ قال قد أنعم اللّه عليّ إذ لم أكن معهم شهيداً (72) ولئن أصابكم فضلٌ من اللّه ليقولنّ كأن لم تكن بينكم وبينه مودّةٌ يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيماً (73)

هذا خطاب للمخلصين من أمة محمد عليه السلام، وأمر لهم بجهاد الكفار، والخروج في سبيل الله، وحماية الشرع، وخذوا حذركم، معناه: احزموا واستعدوا بأنواع الاستعداد، فهنا يدخل أخذ السلاح وغيره، وانفروا معناه: اخرجوا مجدين مصممين، يقال: نفر الرجل ينفر بكسر الفاء نفيرا، ونفرت الدابة تنفر بضم الفاء نفورا، وثباتٍ معناه: جماعات متفرقات، فهي كناية عن السرايا و{جميعاً}، معناه: الجيش الكثيف مع النبي صلى الله عليه وسلم، هكذا قال ابن عباس وغيره، والثبة:

حكي أنها فوق العشرة من الرجال، وزنها فعلة بفتح العين، أصلها ثبوة، وقيل: ثبية، حذفت لامها بعد أن تحركت وانقلبت ألفا حذفا غير مقبس، ولذلك جمعت ثبون، بالواو والنون عوضا من المحذوف وكسر أولها في الجمع دلالة على خروجها عن بابها، لأن بابها أن تجمع بالتاء أبدا، فيقال: ثباتٍ، وتصغر ثبية أصلها ثبيوة، وأما ثبة الحوض وهي وسطه الذي يثوب الماء إليه، فالمحذوف منها العين، وأصلها ثوبة وتصغيرها ثوبية، وهي من ثاب يثوب، وكذلك قال أبو علي الفارسي في بيت أبي ذؤيب: [الطويل]

فلمّا جلاها بالأيام تحيّزت = ثبات عليها ذلّها واكتئابها

انه اسم مفرد ليس يجمع سيق على الأصل، لأن أصل ثبة ثبوة، تحركت بالواو وانفتح ما قبلها فانقلبت ألفا، فساقها أبو ذؤيب في هذه الحال). [المحرر الوجيز: 2/599-600]

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({يا أيّها الّذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثباتٍ أو انفروا جميعًا (71) وإنّ منكم لمن ليبطّئنّ فإن أصابتكم مصيبةٌ قال قد أنعم اللّه عليّ إذ لم أكن معهم شهيدًا (72) ولئن أصابكم فضلٌ من اللّه ليقولنّ كأن لم تكن بينكم وبينه مودّةٌ يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزًا عظيمًا (73) فليقاتل في سبيل اللّه الّذين يشرون الحياة الدّنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل اللّه فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرًا عظيمًا (74)}
يأمر اللّه عباده المؤمنين بأخذ الحذر من عدوّهم، وهذا يستلزم التّأهّب لهم بإعداد الأسلحة والعدد وتكثير العدد بالنّفير في سبيله.
{ثباتٍ} أي: جماعةً بعد جماعةٍ، وفرقةً بعد فرقةٍ، وسريّةً بعد سريّةٍ، والثّبات: جمع ثبة، وقد تجمع الثّبة على ثبين.
قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: {فانفروا ثباتٍ} أي: عصبا يعني: سرايا متفرّقين {أو انفروا جميعًا} يعني: كلّكم.
وكذا روي عن مجاهدٍ، وعكرمة، والسّدّيّ، وقتادة، والضّحّاك، وعطاءٍ الخراسانيّ، ومقاتل بن حيّان، وخصيف الجزري). [تفسير القرآن العظيم: 2/357]



تفسير قوله تعالى: {وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيدًا (72)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقال: {وإنّ منكم لمن ليبطّئنّ فإن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم اللّه عليّ إذ لم أكن معهم شهيدا} أي: ممن أظهر الإيمان لمن يبطئ عن القتال، يقال قد أبطأ الرجل، وبطوء بمعنى: أبطأ تأخر، ومعنى بطوء: ثقل، إبطاء، وبطئا.
واللام الأولى التي في " لمن ": لام إن، واللام التي في ليبطئن: لام القسم، ومن موصولة بالجالب للقسم، كان هذا لو كان كلاما لقلت إن منكم لمن أحلف واللّه ليبطئن.

والنحويون يجمعون على أن: من وما والذي لا يوصلن بالأمر والنهي إلا بما يضمر معها من ذكر الخبر، وأن لام القسم إذا جاءت مع هذه الحروف فلفظ القسم وما أشبه لفظه مضمر معها.
وقوله:
{فإن أصابتكم مصيبة قال} هذا المبطّئ: {قد أنعم اللّه عليّ إذ لم أكن معهم شهيدا} أي: لم أشركهم في مصيبتهم). [معاني القرآن: 2/75-76]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: وإنّ منكم إنّ إيجاب، والخطاب لجماعة المؤمنين، والمراد ب «من» المنافقون، وعبر عنهم ب منكم إذ هم في عداد المؤمنين، ومنتحلون دعوتهم، واللام الداخلة على «من» لام التأكيد، دخلت على اسم إنّ لما كان الخبر متقدما في المجرور، وذلك مهيع في كلامهم، كقولك: إن في الدار لزيدا، واللام الداخلة على ليبطّئنّ لام قسم عند الجمهور، تقديره وإنّ منكم لمن والله ليبطّئنّ وقيل: هي لام تأكيد، وليبطّئنّ معناه: يبطئ غيره أي يثبطه ويحمله على التخلف عن مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقرأ مجاهد «ليبطئن» بالتخفيف في الطاء، ومصيبةٌ يعني من قتل واستشهاد، وإنما هي مصيبة بحسب اعتقاد المنافقين ونظرهم الفاسد، أو على أن الموت كله مصيبة كما شاءه الله تعالى، وإنما الشهادة في الحقيقة نعمة لحسن مآلها، وشهيداً معناه مشاهدا فالمعنى: أن المنافق يسره غيبه إذا كانت شدة وذلك يدل على أن تخلفه إنما هو فزع من القتال ونكول عن الجهاد). [المحرر الوجيز: 2/600-601]

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وإنّ منكم لمن ليبطّئنّ} قال مجاهدٌ وغير واحدٍ: نزلت في المنافقين، وقال مقاتل بن حيّان: {ليبطّئنّ} أي: ليتخلّفنّ عن الجهاد.
ويحتمل أن يكون المراد أنّه يتباطأ هو في نفسه، ويبّطئ غيره عن الجهاد، كما كان عبد اللّه بن أبيّ بن سلولٍ -قبّحه اللّه-يفعل، يتأخّر عن الجهاد، ويثبّط النّاس عن الخروج فيه. وهذا قول ابن جريج وابن جريرٍ؛ ولهذا قال تعالى إخبارًا عن المنافق أنّه يقول إذا تأخّر عن الجهاد: {فإن أصابتكم مصيبةٌ} أي: قتلٌ وشهادةٌ وغلب العدوّ لكم، لما للّه في ذلك من الحكمة {قال قد أنعم اللّه عليّ إذ لم أكن معهم شهيدًا} أي: إذ لم أحضر معهم وقعة القتال، يعدّ ذلك من نعم اللّه عليه، ولم يدر ما فاته من الأجر في الصّبر أو الشّهادة إن قتل). [تفسير القرآن العظيم: 2/357]



تفسير قوله تعالى: {وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِّنَ الله لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُن بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا (73)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ( {ولئن أصابكم فضل من اللّه ليقولنّ كأن لم تكن بينكم وبينه مودّة يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما} أي: ظفرتم وغنمتم.
{ليقولنّ كأن لم تكن بينكم وبينه مودّة يا ليتني كنت معهم}
{كأن لم تكن بينكم وبينه مودّة} جائز أن يكون: وقع ههنا معترضا.

المعنى: {ولئن أصابكم فضل من اللّه ليقولنّ}
{يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما}
ويكونّ:
{إن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم اللّه عليّ إذ لم أكن معهم شهيدا}
{كأن لم تكن بينكم وبينه مودّة} ومعنى المودّة ههنا، أي: كأنّه لم يعاقدكم على الإيمان، أي: كأنّه لم يظهر لكم المودة.

وجائز أن يكون - واللّه أعلم -: ليقولنّ يا ليتني كنت معهم كأن لم تكن بينكم وبينه مودة، أي: كأنّه لم يعاقدكم على أن يجاهد معكم، فلا يكون في العربيّة فيه عيب ولا ينقص معنى.. واللّه أعلم.
{فأفوز فوزا عظيما}
{فأفوز} منصوب على جواب التمني بالفاء). [معاني القرآن: 2/76]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: ولئن أصابكم فضلٌ من اللّه الآية، المعنى ولئن ظفرتم وغنمتم وكل ذلك من فضل الله، ندم المنافق إن لم يحضر ويصب الغنيمة، وقال: يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيماً، متمنيا شيئا قد كان عاهد أن يفعله ثم غدر في عهده، لأن المؤمن إنما يتمنى مثل هذا إذا كان المانع له من الحضور عذرا واضحا، وأمرا لا قدرة له معه، فهو يتأسف بعد ذلك على فوات الخير، والمنافق يعاطي المؤمنين المودة، ويعاهد على التزام كلف الإسلام، ثم يتخلف نفاقا وشكا وكفرا بالله ورسوله، ثم يتمنى عند ما يكشف الغيب الظفر للمؤمنين، فعلى هذا يجيء قوله تعالى: كأن لم تكن بينكم وبينه مودّةٌ التفاتة بليغة، واعتراضا بين القائل والمقول بلفظ يظهر زيادة في قبح فعلهم. وحكى الطبري عن قتادة وابن جريج، أنهما كانا يتأولان قول المنافق يا ليتني كنت معهم على معنى الحسد منه للمؤمنين في نيل رغيبة، وقرأ الحسن ليقولنّ بضم اللام على معنى «من» وضم اللام لتدل على الواو المحذوفة. ويدل مجموع هاتين الآيتين على أن خارج المنافقين فإنما كان يقصد الغنيمة، ومتخلفهم إنما كان يقصد الشك وتربص الدوائر بالمؤمنين وكأن مضمنة معنى التشبيه، ولكنها ليست كالثقيلة في الحاجة إلى الاسم والخبر، وإنما تجيء بعدها الجمل، وقرأ ابن كثير وعاصم في رواية حفص «تكن» بتاء، وقرأ غيرهما «يكن» بياء، وذلك حسن للفصل الواقع بين الفعل والفاعل، وقوله: فأفوز نصب بالفاء في جواب التمني، وقرأ الحسن ويزيد النحوي فأفوز بالرفع على القطع والاستئناف، التقدير: فأنا أفوز. قال روح: لم يجعل ل «ليت» جوابا. وقال الزجّاج: إن قوله: كأن لم يكن بينكم وبينه مودة مؤخر. وإنما موضعه فإن أصابتكم مصيبة.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا ضعيف لأنه يفسد فصاحة الكلام). [المحرر الوجيز: 2/601-602]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {ولئن أصابكم فضلٌ من اللّه} أي: نصرٌ وظفرٌ وغنيمةٌ {ليقولنّ كأن لم تكن بينكم وبينه مودّةٌ} أي: كأنّه ليس من أهل دينكم {يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزًا عظيمًا} أي: بأن يضرب لي بسهمٍ معهم فأحصل عليه. وهو أكبر قصده وغاية مراده). [تفسير القرآن العظيم: 2/357-358]



* للاستزادة ينظر: هنا