18 Nov 2018
تفسير قوله تعالى: {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (74) وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا (75) الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (76)}
تفسير قوله تعالى:
{فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ
الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَو
يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (74)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{فليقاتل في سبيل اللّه الّذين يشرون الحياة الدّنيا بالآخرة
ومن يقاتل في سبيل اللّه فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما} أي: إن كانت بينكم وبينه عقدة أمان فليقاتل في سبيل الله معكم.
{الّذين يشرون الحياة الدّنيا بالآخرة}أي: يبيعون، يقال شريت بمعنى: بعت، وشريت، بمعنى: اشتريت قال يزيد بن مفرغ:
وشريت بردا ليتني... من بعد برد كنت هامه
برد غلامه، وشريته بعته). [معاني القرآن: 2/76-77]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: فليقاتل في سبيل اللّه الّذين يشرون الحياة الدّنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل اللّه فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجراً عظيماً (74) وما لكم لا تقاتلون في سبيل اللّه والمستضعفين من الرّجال والنّساء والولدان الّذين يقولون ربّنا أخرجنا من هذه القرية الظّالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليًّا واجعل لنا من لدنك نصيراً (75)
هذا أمر من الله عز وجل للمؤمنين الذين وصفهم بالجهاد في سبيل الله، ويشرون معناه: يبيعون في هذا الموضع، وإن جاء في مواضع: يشترون، فالمعنى هاهنا يدل على أنه بمعنى «يبيعون» ثم وصف الله ثواب المقاتل في سبيل الله، فذكر غايتي حالتيه، واكتفى بالغايتين عما بينهما، وذلك أن غاية المغلوب في القتال أن يقتل، وغاية الذي يقتل ويغنم أن يتصف بأنه غالب على الإطلاق، «والأجر العظيم»: الجنة، وقالت فرقة، «فليقاتل» بسكون لام الأمر، وقرأت فرقة «فليقاتل» بكسرها، وقرأ محارب بن دثار «فيقتل أو يغلب» على بناء الفعلين للفاعل، وقرأ الجمهور نؤتيه بالنون، وقرأ الأعمش وطلحة بن مصرف «فسوف يؤتيه» بالياء). [المحرر الوجيز: 2/602]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى: {فليقاتل} أي: المؤمن النّافر {في سبيل اللّه الّذين يشرون الحياة الدّنيا بالآخرة} أي: يبيعون دينهم بعرض قليلٍ من الدّنيا، وما ذلك إلّا لكفرهم وعدم إيمانهم.قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: وما لكم اللام متعلقة بما يتعلق بالمستفهم عنه من معنى الفعل، تقديره وأي شيء موجود أو كائن أو نحو ذلك لكم، ولا تقاتلون في موضع نصب على الحال، تقديره تاركين أو مضيعين. وقوله: والمستضعفين عطف على اسم الله تعالى، أي وفي سبيل المستضعفين، وقيل: عطف على «السبيل»، أي وفي المستضعفين لاستنقاذهم، ويعني ب المستضعفين من كان بمكة من المؤمنين تحت إذلال كفرة قريش وأذاهم لا يستطيعون خروجا، ولا يطيب لهم على الأذى إقامة، وفي هؤلاء كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «اللهم أنج سلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة، اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين». والولدان بابه أن يكون جمع وليد، وقد يكون جمع ولد كورل وورلان، فهي على الوجهين عبارة عن الصبيان، والقرية هاهنا مكة بإجماع من المتأولين.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والآية تتناول المؤمنين والأسرى وحواضر الشرك إلى يوم القيامة، ووحد الظالم لأنه موضع اتخاذ الفعل، ألا ترى أن الفعل إنما تقديره الذي ظلم أهلها، ولما لم يكن للمستضعفين حيلة إلا الدعاء، دعوا في الاستنقاذ وفيما يواليهم من معونة الله تعالى وما ينصرهم على أولئك الظلمة من فتح الله تبارك وتعالى). [المحرر الوجيز: 2/602-603]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وما لكم لا تقاتلون في سبيل اللّه والمستضعفين من الرّجال والنّساء والولدان الّذين يقولون ربّنا أخرجنا من هذه القرية الظّالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليًّا واجعل لنا من لدنك نصيرًا (75) الّذين آمنوا يقاتلون في سبيل اللّه والّذين كفروا يقاتلون في سبيل الطّاغوت فقاتلوا أولياء الشّيطان إنّ كيد الشّيطان كان ضعيفًا (76)}قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: الّذين آمنوا يقاتلون في سبيل اللّه والّذين كفروا يقاتلون في سبيل الطّاغوت فقاتلوا أولياء الشّيطان إنّ كيد الشّيطان كان ضعيفاً (76) ألم تر إلى الّذين قيل لهم كفّوا أيديكم وأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة فلمّا كتب عليهم القتال إذا فريقٌ منهم يخشون النّاس كخشية اللّه أو أشدّ خشيةً وقالوا ربّنا لم كتبت علينا القتال لولا أخّرتنا إلى أجلٍ قريبٍ
هذه
الآية تقتضي تقوية قلوب المؤمنين وتحريضهم، والطّاغوت كل ما عبد واتبع من
دون الله، وتدل قرينة ذكر الشيطان بعد ذلك على أن المراد ب الطّاغوت هنا
الشيطان، وإعلامه تعالى بضعف كيد الشّيطان تقوية لقلوب المؤمنين، وتجرئة
لهم على مقارعة الكيد الضعيف، فإن العزم والحزم الذي يكون على حقائق
الإيمان يكسره ويهده، ودخلت كان دالة على لزوم الصفة). [المحرر الوجيز: 2/603]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ
قال تعالى: {الّذين آمنوا يقاتلون في سبيل اللّه والّذين كفروا يقاتلون
في سبيل الطّاغوت} أي: المؤمنون يقاتلون في طاعة اللّه ورضوانه، والكافرون
يقاتلون في طاعة الشيطان.
ثمّ هيّج تعالى المؤمنين على قتال أعدائه بقوله: {فقاتلوا أولياء الشّيطان إنّ كيد الشّيطان كان ضعيفًا} ). [تفسير القرآن العظيم: 2/358-359]
* للاستزادة ينظر: هنا