الدروس
course cover
تفسير سورة النساء [ من الآية (140) إلى الآية (141) ]
18 Nov 2018
18 Nov 2018

3560

0

0

course cover
تفسير سورة النساء

القسم الحادي عشر

تفسير سورة النساء [ من الآية (140) إلى الآية (141) ]
18 Nov 2018
18 Nov 2018

18 Nov 2018

3560

0

0


0

0

0

0

0

تفسير قوله تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140) الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللّهِ قَالُواْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُواْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً (141)}


تفسير قوله تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (وقد نزّل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات اللّه يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتّى يخوضوا في حديث غيره إنّكم إذا مثلهم إنّ اللّه جامع المنافقين والكافرين في جهنّم جميعا (140)
أعلم الله عزّ وجلّ المؤمنين أن المنافقين يهزأون بكتاب اللّه، فأمروا ألا يقعدوا معهم حتّى يخوضوا في حديث غيره أي في حديت غير القرآن.
وقوله: (إنّكم إذا مثلهم).
أي إنكم إذا جالستموهم على الخوض في كتاب اللّه بالهزؤ فأنتم مثلهم). [معاني القرآن: 2/121]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى وقد نزّل عليكم مخاطبة لجميع من أظهر الإيمان من محقق ومنافق، لأنه إذا أظهر الإيمان فقد لزمه أن يمتثل أوامر كتاب الله تعالى، والإشارة بهذه الآية إلى قوله تعالى: وإذا رأيت الّذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتّى يخوضوا في حديثٍ غيره [الإنعام: 68]، إلى نحو هذا من الآيات، وقرأ جمهور الناس «نزّل عليكم» بضم النون وكسر الزاي المشددة قال الطبري: وقرأ بعض الكوفيين «نزّل» بفتح النون والزاي المشددة على معنى نزل الله، وقرأ أبو حيوة وحميد «نزل» بفتح النون والزاي خفيفة، وقرأ إبراهيم النخعي «أنزل» بألف على بناء الفعل للمفعول، والكتاب في هذا الموضع القرآن، وفي هذه الآية دليل قوي على وجوب تجنب أهل البدع وأهل المعاصي، وأن لا يجالسوا، وقد روي عن عمر بن عبد العزيز أنه أخذ قوما يشربون الخمر فقيل له عن أحد الحاضرين: إنه صائم فحمل عليه الأدب، وقرأ هذه الآية إنّكم إذاً مثلهم وهذه المماثلة ليست في جميع الصفات، ولكنه إلزام شبه بحكم الظاهر من المقارنة، وهذا المعنى كقول الشاعر: [الطويل]

عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه = فكلّ قرين بالمقارن يقتدي

ثم توعد تعالى المنافقين والكافرين بجمعهم في جهنم، فتأكد بذلك النهي والحذر من مجالسهم وخلطتهم). [المحرر الوجيز: 3/47-48]

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله [تعالى] {وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات اللّه يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتّى يخوضوا في حديثٍ غيره إنّكم إذًا مثلهم} أي: إذا ارتكبتم النّهي بعد وصوله إليكم، ورضيتم بالجلوس معهم في المكان الّذي يكفر فيه بآيات اللّه ويستهزأ وينتقص بها، وأقررتموهم على ذلك، فقد شاركتموهم في الّذي هم فيه. فلهذا قال تعالى: {إنّكم إذًا مثلهم} [أي] في المأثم، كما جاء في الحديث: "من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فلا يجلس على مائدةٍ يدار عليها الخمر".
والّذي أحيل عليه في هذه الآية من النّهي في ذلك، هو قوله تعالى في سورة الأنعام، وهي مكّيّةٌ: {وإذا رأيت الّذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم [حتّى يخوضوا في حديثٍ غيره وإمّا ينسينّك الشّيطان فلا تقعد بعد الذّكرى مع القوم الظّالمين]} [الأنعام: 68] قال مقاتل بن حيّان: نسخت هذه الآية الّتي في الأنعام. يعني نسخ قوله: {إنّكم إذًا مثلهم} لقوله {وما على الّذين يتّقون من حسابهم من شيءٍ ولكن ذكرى لعلّهم يتّقون} [الأنعام: 69].
وقوله: {إنّ اللّه جامع المنافقين والكافرين في جهنّم جميعًا} أي: كما أشركوهم في الكفر، كذلك شارك اللّه بينهم في الخلود في نار جهنّم أبدًا، وجمع بينهم في دار العقوبة والنّكال، والقيود والأغلال. وشراب الحميم والغسلين لا الزّلال). [تفسير القرآن العظيم: 2/435-436]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللّهِ قَالُواْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُواْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً (141)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (الّذين يتربّصون بكم فإن كان لكم فتح من اللّه قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين فاللّه يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلا (141)
(ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين)
هذا يقوله المنافقون إذا كان للكافرين نصيب قالوا: ألم نستحوذ عليكم، أي ألم نغلب عليكم بالموالاة لكم، ونمنعكم من المؤمنين بما كنا نعلمكم من أخبارهم.
ونستحوذ في اللغة: نستولي على الشيء، يقال حاذ الحمار آتنه إذا استولى عليها وجمعها، وكذلك حازها.
قال الشاعر:
يحوذهن وله حوذيّ
ورووه أيضا:
يحوزهن وله حوزيّ
قال النحويون: استحوذ خرج على أصله، فمن قال حاذ يحوذ لم يقل إلا استحاذ يستحيذ، ومن قال أحوذ فهو كما قال بعضهم أجودت وأطيبت بمعنى أجدت وأطبت، فأخرجه على الأصل قال: استحوذ.
وقوله: (ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلا).
أي إن اللّه ناصر المؤمنين بالحجة والغلبة، فلن يجعل للكافرين أبدا على المؤمنين سبيلا). [معاني القرآن: 2/122]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: الّذين يتربّصون بكم فإن كان لكم فتحٌ من اللّه قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيبٌ قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين فاللّه يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلاً (141) إنّ المنافقين يخادعون اللّه وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصّلاة قاموا كسالى يراؤن النّاس ولا يذكرون اللّه إلاّ قليلاً (142) مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل اللّه فلن تجد له سبيلاً (143)

الّذين صفة للمنافقين، ويتربّصون معناه: ينتظرون دور الدوائر عليكم، فإن كان فتح للمؤمنين ادعوا فيه النصيب بحكم ما يظهرونه من الإيمان، وإن كان للكافرين نيل من المؤمنين ادعوا فيه النصيب بحكم ما يبطنونه من موالاة الكفار، وهذا حال المنافقين، ونستحوذ معناه: نغلب على أمركم، ونحطكم ونحسم أمركم، ومنه قول العجاج في صفة ثور وبقر: [الرجز]

يحوذهن وله حوذي

أي يغلبهن على أمرهن، ويغلب الثيران عليهن، ويروى يحوزهن بالزاي، ومن اللفظة قول لبيد في صفة عير وأتن:

إذا اجتمعت وأحوذ جانبيها = وأوردها على عوج طوال

أحوذ جانبيها قهرها وغلب عليها. وقوله تعالى: استحوذ عليهم الشّيطان [المجادلة: 19] معناه: غلب عليهم، وشذ هذا الفعل في أن لم تعل واوه، بل استعملت على الأصل، وقرأ أبيّ بن كعب «ومنعناكم من المؤمنين» وقرأ ابن أبي عبلة «ونمنعكم» بفتح العين على الصرف، ثم سلى وأنس المؤمنين بما وعدهم به في قوله فاللّه يحكم بينكم يوم القيامة أي وبينهم وينصفكم من جميعهم، وبقوله ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلًا وقال يسيع الحضرمي: كنت عند علي بن أبي طالب فقال له رجل: يا أمير المؤمنين أرأيت قول الله تعالى: ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلًا كيف ذلك وهم يقاتلوننا ويظهرون علينا أحيانا؟ فقال علي رضي الله عنه: معنى ذلك: يوم القيامة يكون الحكم، وبهذا قال جميع أهل التأويل.

و «السبيل»: الحجة والغلبة، ومخادعة المنافقين هي لأولياء الله تعالى، إذ يظنونهم غير أولياء، ففي الكلام حذف مضاف، وإلزام ذنب اقتضته أفعالهم، وإن كانت نياتهم لم تقتضه، لأنه لا يقصد أحد من البشر مخادعة الله تعالى). [المحرر الوجيز: 3/48-49]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({الّذين يتربّصون بكم فإن كان لكم فتحٌ من اللّه قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيبٌ قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين فاللّه يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلا (141)}
يخبر تعالى عن المنافقين أنّهم يتربّصون بالمؤمنين دوائر السّوء، بمعنى ينتظرون زوال دولتهم، وظهور الكفر عليهم، وذهاب ملّتهم {. فإن كان لكم فتحٌ من اللّه} أي: نصرٌ وتأييدٌ وظفر وغنيمةٌ {قالوا ألم نكن معكم}؟ أي: يتودّدون إلى المؤمنين بهذه المقالة {وإن كان للكافرين نصيبٌ} أي: إدالةٌ على المؤمنين في بعض الأحيان، كما وقع يوم أحدٍ، فإنّ الرّسل تبتلى ثمّ يكون لها العاقبة {قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين}؟ أي: ساعدناكم في الباطن، وما ألوناهم خبالًا وتخذيلًا حتّى انتصرتم عليهم.
وقال السّدّيّ: {نستحوذ عليكم} نغلب عليكم، كقوله: {استحوذ عليهم الشّيطان} [المجادلة: 19] وهذا أيضًا تودّدٌ منهم إليهم، فإنّهم كانوا يصانعون هؤلاء وهؤلاء؛ ليحظوا عندهم ويأمنوا كيدهم، وما ذاك إلّا لضعف إيمانهم، وقلّة إيقانهم.
قال اللّه تعالى: {فاللّه يحكم بينكم يوم القيامة} أي: بما يعلمه منكم -أيّها المنافقون-من البواطن الرّديئة، فلا تغترّوا بجريان الأحكام الشّرعيّة عليكم ظاهرًا في الحياة الدّنيا، لما له [تعالى] في ذلك من الحكمة، فيوم القيامة لا تنفعكم ظواهركم، بل هو يومٌ تبلى فيه السّرائر ويحصّل ما في الصّدور.
وقوله: {ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلا} قال عبد الرّزّاق: أنبأنا الثّوريّ، عن الأعمش، عن ذرّ، عن يسيع الكنديّ قال: جاء رجلٌ إلى عليّ بن أبي طالبٍ، فقال: كيف هذه الآية: {ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلا}؟ فقال عليٌّ، رضي اللّه عنه: ادنه ادنه، ثمّ قال: {فاللّه يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلا}
وكذا روى ابن جريجٍ عن عطاءٍ الخراسانيّ، عن ابن عبّاسٍ: {ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلا} قال: ذاك يوم القيامة. وكذا روى السّدّيّ عن أبي مالكٍ الأشجعيّ: يعني يوم القيامة. وقال السّدّيّ: {ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلا} أي: حجة.
ويحتمل أن يكون المراد: {ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلا} أي: في الدّنيا، بأن يسلّطوا عليهم استيلاء استئصالٍ بالكلّيّة، وإن حصل لهم ظفرٌ في بعض الأحيان على بعض النّاس، فإنّ العاقبة للمتّقين في الدّنيا والآخرة، كما قال تعالى: {إنّا لننصر رسلنا والّذين آمنوا في الحياة الدّنيا [ويوم يقوم الأشهاد. يوم لا ينفع الظّالمين معذرتهم ولهم اللّعنة ولهم سوء الدّار]} [غافرٍ: 51، 52]. وعلى هذا فيكون ردًّا على المنافقين فيما أملوه وتربّصوه وانتظروه من زوال دولة المؤمنين، وفيما سلكوه من مصانعتهم الكافرين، خوفًا على أنفسهم منهم إذا هم ظهروا على المؤمنين فاستأصلوهم، كما قال تعالى: {فترى الّذين في قلوبهم مرضٌ يسارعون فيهم [يقولون نخشى أن تصيبنا دائرةٌ فعسى اللّه أن يأتي بالفتح أو أمرٍ من عنده فيصبحوا على ما أسرّوا في أنفسهم] نادمين} [المائدة: 52].
وقد استدلّ كثيرٌ من العلماء بهذه الآية الكريمة على أصحّ قولي العلماء، وهو المنع من بيع العبد المسلم من الكافر لما في صحّة ابتياعه من التّسليط له عليه والإذلال، ومن قال منهم بالصّحّة يأمره بإزالة ملكه عنه في الحال؛ لقوله تعالى: {ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلا} ). [تفسير القرآن العظيم: 2/436-437]



* للاستزادة ينظر: هنا