18 Nov 2018
تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا (144) إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَاعْتَصَمُواْ بِاللّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (146) مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147)}
تفسير
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ
الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن
تَجْعَلُواْ لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا (144)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا للّه عليكم سلطانا مبينا (144)
أي لا تجعلوهم بطانتكم وخاصّتكم.
(أتريدون أن تجعلوا للّه عليكم سلطانا مبينا).
أي حجة ظاهرة، والسلطان في اللغة الحجة، وإنما قيل للخليفة والأمير سلطان لأن معناه أنه ذو الحجة.
والعرب تؤنث السلطان وتذكره، فتقول: قضت عليك بهذا السلطان، وأمرتك به السلطان.
وزعم قوم من الرواة أن التأنيث فيه أكثر، ولم يختلف في التذكير.
وأحسب الذين (رووا) لم يضبطوا معنى الكثرة من القلة.
والتذكير (فيه) أكثر،
فأمّا القرآن فلم يأت فيه ذكر السلطان إلا مذكرا، قال الله عزّ وجلّ: (لولا
يأتون عليهم بسلطان بيّن) وقال: (هلك عني سلطانيه)، وقال: (سلطانا مبينا).
فجميع ما في القرآن من ذكر السلطان مذكر، ولو كان التأنيث أكثر لكان في كتاب الله جلّ وعزّ.
فإن قال قائل إنما رووا أن
السلطان بين الناس هو المؤنث قيل إنما السلطان معناه ذو السلطان.
والسلطان الحجة. والاحتجاج والحجة معناهما واحد. فأما التأنيث فصحيح، إلا
أنه أقل من التذكير، فمن قال: قضت به عليك السلطان أراد قضت عليك به
الحجة، وقضت عليك حجة الوالي، ومن قال قضى به عليك السلطان ذهب إلى معنى
صاحب السلطان.
وجائز أن يكون ذهب به إلى البرهان والاحتجاج، أي قضى به عليك البرهان). [معاني القرآن: 2/123-124]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا للّه عليكم سلطاناً مبيناً (144) إنّ المنافقين في الدّرك الأسفل من النّار ولن تجد لهم نصيراً (145) إلاّ الّذين تابوا وأصلحوا واعتصموا باللّه وأخلصوا دينهم للّه فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت اللّه المؤمنين أجراً عظيماً (146) ما يفعل اللّه بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان اللّه شاكراً عليماً (147)
خطابه تعالى للمؤمنين، يدخل فيه بحكم الظاهر المنافقون المظهرون للإيمان، ففي اللفظ رفق بهم، وهم المراد بقوله تعالى: أتريدون أن تجعلوا للّه عليكم سلطاناً مبيناً لأن التوقيف إنما هو لمن ألم بشيء من الفعل المؤدي إلى هذه الحال، والمؤمنون المخلصون ما ألموا قط بشيء من ذلك، ويقوي هذا المنزع قوله تعالى: من دون المؤمنين أي والمؤمنون العارفون المخلصون غيب عن هذه الموالاة، وهذا لا يقال للمؤمنين المخلصين، بل المعنى: يا أيها الذين أظهروا الإيمان والتزموا لوازمه، و «السلطان»: الحجة، وهي لفظة تؤنث وتذكر، والتذكير أشهر، وهي لغة القرآن حيث وقع، والسلطان إذا سمي به صاحب الأمر فهو على حذف مضاف، والتقدير: ذو السلطان أي ذو الحجة على الناس، إذ هو مدبرهم، والناظر في منافعهم). [المحرر الوجيز: 3/51-52]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا للّه عليكم سلطانًا مبينًا (144) إنّ المنافقين في الدّرك الأسفل من النّار ولن تجد لهم نصيرًا (145) إلا الّذين تابوا وأصلحوا واعتصموا باللّه وأخلصوا دينهم للّه فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت اللّه المؤمنين أجرًا عظيمًا (146) ما يفعل اللّه بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان اللّه شاكرًا عليمًا (147)}قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم أخبر تعالى عن المنافقين أنهم في الدّرك الأسفل من نار جهنم، وهي ادراك بعضها فوق بعض سبعة طبقة على طبقة، أعلاها هي جهنم وقد يسمى جميعها باسم الطبقة العليا، فالمنافقون الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر هم في أسفل طبقة من النار، لأنهم أسوأ غوائل من الكفار وأشد تمكنا من أذى المسلمين، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو «في الدرك» مفتوحة الراء، وقرأ حمزة والكسائي والأعمش ويحيى بن وثاب «في الدرك» بسكون الراء، واختلف عن عاصم فروي عنه الفتح والسكون، وهما لغتان، قال أبو علي: كالشمع والشمع ونحوه، وروي عن أبي هريرة وعبد الله بن مسعود وغيرهما أنهم قالوا: المنافقون في الدرك الأسفل من النار في توابيت من النار تقفل عليهم، و «النصير»: بناء مبالغة من النصر). [المحرر الوجيز: 3/52-53]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ أخبر تعالى: {إنّ المنافقين في الدّرك الأسفل من النّار} أي: يوم القيامة، جزاءً على كفرهم الغليظ. قال الوالبيّ عن ابن عبّاسٍ: {في الدّرك الأسفل من النّار} أي: في أسفل النّار. وقال غيره: النّار دركاتٌ، كما أنّ الجنّة درجاتٌ. "وقال سفيان الثّوريّ، عن عاصمٍ، عن ذكوان أبي صالحٍ، عن أبي هريرة: {إنّ المنافقين في الدّرك الأسفل من النّار} قال: في توابيت ترتج عليهم. كذا رواه ابن جريرٍ، عن ابن وكيع، عن يحيى بن يمانٍ، عن سفيان، به. ورواه ابن أبي حاتمٍ، عن المنذر بن شاذان، عن عبيد اللّه بن موسى، عن إسرائيل، عن عاصمٍ، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة: {إنّ المنافقين في الدّرك الأسفل من النّار} قال: الدّرك الأسفل بيوتٌ لها أبوابٌ تطبق عليهم، فتوقد من تحتهم ومن فوقهم.قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم استثنى عز وجل التائبين من المنافقين، ومن شروط التائب أن يصلح في قوله وفعله، ويعتصم بالله، أي يجعله منعته وملجأه، ويخلص دينه لله تعالى، وإلا فليس بتائب، وقال حذيفة بن اليمان بحضرة عبد الله بن مسعود: والله ليدخلن الجنة قوم كانوا منافقين، فقال له عبد الله بن مسعود: وما علمك بذلك؟ فغضب حذيفة وتنحى، فلما تفرقوا مر به علقمة فدعاه وقال: أما إن صاحبكم يعلم الذي قلت، ثم تلا إلّا الّذين تابوا وأصلحوا واعتصموا الآية، وأخبر تعالى أنهم مع المؤمنين في رحمة الله وفي منازل الجنة، ثم وعد المؤمنين «الأجر العظيم»، وحذفت الياء من يؤت في المصحف تخفيفا قال الزجّاج: لسكونها وسكون اللام في اللّه كما حذفت من قوله يوم يناد المناد [ق: 41] وكذلك سندع الزّبانية [العلق: 18] وأمثال هذا كثير، و «الأجر العظيم»: التخليد في الجنة). [المحرر الوجيز: 3/53]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ أخبر تعالى أنّ من تاب [منهم] في الدّنيا تاب عليه وقبل ندمه إذا أخلص في توبته وأصلح عمله، واعتصم بربّه في جميع أمره، فقال: {إلا الّذين تابوا وأصلحوا واعتصموا باللّه وأخلصوا دينهم للّه} أي: بدّلوا الرّياء بالإخلاص، فينفعهم العمل الصّالح وإنّ قلّ.قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم
قال تعالى للمنافقين، ما يفعل اللّه بعذابكم إن شكرتم الآية، أي: أي
منفعة له في ذلك أو حاجة؟ والشكر على الحقيقة لا يكون إلا مقترنا
بالإيمان، لكنه ذكر الإيمان تأكيدا وتنبيها على جلالة موقعه، ثم وعد الله
تعالى بقوله: وكان اللّه شاكراً عليماً، أي يتقبل أقل شيء من العمل
وينميه، فذلك شكر منه لعباده، والشكور من البهائم الذي يأكل قليلا ويظهر
به بدنه، والعرب تقول في مثل أشكر من بروقة، لأنها يقال: تخضر وتنضر بظل
السحاب دون مطر، وفي قوله عليماً تحذير وندب إلى الإخلاص). [المحرر الوجيز: 3/53-54]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ
قال مخبرًا عن غناه عمّا سواه، وأنّه إنّما يعذّب العباد بذنوبهم، فقال:
{ما يفعل اللّه بعذابكم إن شكرتم وآمنتم} أي: أصلحتم العمل وآمنتم باللّه
ورسوله، {وكان اللّه شاكرًا عليمًا} أي: من شكر شكر له ومن آمن قلبه به
علمه، وجازاه على ذلك أوفر الجزاء). [تفسير القرآن العظيم: 2/442]
* للاستزادة ينظر: هنا