18 Nov 2018
تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا (144) إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَاعْتَصَمُواْ بِاللّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (146) مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله
تعالى: يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا الكافرين أولياء من دون
المؤمنين أتريدون أن تجعلوا للّه عليكم سلطاناً مبيناً (144) إنّ
المنافقين في الدّرك الأسفل من النّار ولن تجد لهم نصيراً (145) إلاّ
الّذين تابوا وأصلحوا واعتصموا باللّه وأخلصوا دينهم للّه فأولئك مع
المؤمنين وسوف يؤت اللّه المؤمنين أجراً عظيماً (146) ما يفعل اللّه
بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان اللّه شاكراً عليماً (147) خطابه
تعالى للمؤمنين، يدخل فيه بحكم الظاهر المنافقون المظهرون للإيمان، ففي
اللفظ رفق بهم، وهم المراد بقوله تعالى: أتريدون أن تجعلوا للّه عليكم
سلطاناً مبيناً لأن التوقيف إنما هو لمن ألم بشيء من الفعل المؤدي إلى هذه
الحال، والمؤمنون المخلصون ما ألموا قط بشيء من ذلك، ويقوي هذا المنزع
قوله تعالى: من دون المؤمنين أي والمؤمنون العارفون المخلصون غيب عن هذه
الموالاة، وهذا لا يقال للمؤمنين المخلصين، بل المعنى: يا أيها الذين
أظهروا الإيمان والتزموا لوازمه، و «السلطان»: الحجة، وهي لفظة تؤنث وتذكر،
والتذكير أشهر، وهي لغة القرآن حيث وقع، والسلطان إذا سمي به صاحب الأمر
فهو على حذف مضاف، والتقدير: ذو السلطان أي ذو الحجة على الناس، إذ هو
مدبرهم، والناظر في منافعهم). [المحرر الوجيز: 3/51-52] قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم
أخبر تعالى عن المنافقين أنهم في الدّرك الأسفل من نار جهنم، وهي ادراك
بعضها فوق بعض سبعة طبقة على طبقة، أعلاها هي جهنم وقد يسمى جميعها باسم
الطبقة العليا، فالمنافقون الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر هم في أسفل
طبقة من النار، لأنهم أسوأ غوائل من الكفار وأشد تمكنا من أذى المسلمين،
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو «في الدرك» مفتوحة الراء، وقرأ حمزة
والكسائي والأعمش ويحيى بن وثاب «في الدرك» بسكون الراء، واختلف عن عاصم
فروي عنه الفتح والسكون، وهما لغتان، قال أبو علي: كالشمع والشمع ونحوه،
وروي عن أبي هريرة وعبد الله بن مسعود وغيرهما أنهم قالوا: المنافقون في
الدرك الأسفل من النار في توابيت من النار تقفل عليهم، و «النصير»: بناء
مبالغة من النصر). [المحرر الوجيز: 3/52-53] قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم
استثنى عز وجل التائبين من المنافقين، ومن شروط التائب أن يصلح في قوله
وفعله، ويعتصم بالله، أي يجعله منعته وملجأه، ويخلص دينه لله تعالى، وإلا
فليس بتائب، وقال حذيفة بن اليمان بحضرة عبد الله بن مسعود: والله ليدخلن
الجنة قوم كانوا منافقين، فقال له عبد الله بن مسعود: وما علمك بذلك؟ فغضب
حذيفة وتنحى، فلما تفرقوا مر به علقمة فدعاه وقال: أما إن صاحبكم يعلم
الذي قلت، ثم تلا إلّا الّذين تابوا وأصلحوا واعتصموا الآية، وأخبر تعالى
أنهم مع المؤمنين في رحمة الله وفي منازل الجنة، ثم وعد المؤمنين «الأجر
العظيم»، وحذفت الياء من يؤت في المصحف تخفيفا قال الزجّاج: لسكونها وسكون
اللام في اللّه كما حذفت من قوله يوم يناد المناد [ق: 41] وكذلك سندع
الزّبانية [العلق: 18] وأمثال هذا كثير، و «الأجر العظيم»: التخليد في
الجنة). [المحرر الوجيز: 3/53] قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم
قال تعالى للمنافقين، ما يفعل اللّه بعذابكم إن شكرتم الآية، أي: أي
منفعة له في ذلك أو حاجة؟ والشكر على الحقيقة لا يكون إلا مقترنا
بالإيمان، لكنه ذكر الإيمان تأكيدا وتنبيها على جلالة موقعه، ثم وعد الله
تعالى بقوله: وكان اللّه شاكراً عليماً، أي يتقبل أقل شيء من العمل
وينميه، فذلك شكر منه لعباده، والشكور من البهائم الذي يأكل قليلا ويظهر
به بدنه، والعرب تقول في مثل أشكر من بروقة، لأنها يقال: تخضر وتنضر بظل
السحاب دون مطر، وفي قوله عليماً تحذير وندب إلى الإخلاص). [المحرر الوجيز: 3/53-54]
تفسير
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ
الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن
تَجْعَلُواْ لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا (144)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا للّه عليكم سلطانا مبينا (144)
أي لا تجعلوهم بطانتكم وخاصّتكم.
(أتريدون أن تجعلوا للّه عليكم سلطانا مبينا).
أي حجة ظاهرة، والسلطان في اللغة الحجة، وإنما قيل للخليفة والأمير سلطان لأن معناه أنه ذو الحجة.
والعرب تؤنث السلطان وتذكره، فتقول: قضت عليك بهذا السلطان، وأمرتك به السلطان.
وزعم قوم من الرواة أن التأنيث فيه أكثر، ولم يختلف في التذكير.
وأحسب الذين (رووا) لم يضبطوا معنى الكثرة من القلة.
والتذكير (فيه) أكثر،
فأمّا القرآن فلم يأت فيه ذكر السلطان إلا مذكرا، قال الله عزّ وجلّ: (لولا
يأتون عليهم بسلطان بيّن) وقال: (هلك عني سلطانيه)، وقال: (سلطانا مبينا).
فجميع ما في القرآن من ذكر السلطان مذكر، ولو كان التأنيث أكثر لكان في كتاب الله جلّ وعزّ.
فإن قال قائل إنما رووا أن
السلطان بين الناس هو المؤنث قيل إنما السلطان معناه ذو السلطان.
والسلطان الحجة. والاحتجاج والحجة معناهما واحد. فأما التأنيث فصحيح، إلا
أنه أقل من التذكير، فمن قال: قضت به عليك السلطان أراد قضت عليك به
الحجة، وقضت عليك حجة الوالي، ومن قال قضى به عليك السلطان ذهب إلى معنى
صاحب السلطان.
وجائز أن يكون ذهب به إلى البرهان والاحتجاج، أي قضى به عليك البرهان). [معاني القرآن: 2/123-124]
ينهى تعالى عباده المؤمنين عن اتّخاذ
الكافرين أولياء من دون المؤمنين، يعني مصاحبتهم ومصادقتهم ومناصحتهم
وإسرار المودّة إليهم، وإفشاء أحوال المؤمنين الباطنة إليهم، كما قال
تعالى: {لا يتّخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك
فليس من اللّه في شيءٍ إلا أن تتّقوا منهم تقاةً ويحذّركم اللّه نفسه} [آل
عمران: 28] أي: يحذّركم عقوبته في ارتكابكم نهيه. ولهذا قال هاهنا:
{أتريدون أن تجعلوا للّه عليكم سلطانًا مبينًا} أي: حجّةً عليكم في عقوبته
إيّاكم.
قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا
مالك بن إسماعيل، حدّثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينارٍ، عن عكرمة عن
ابن عبّاسٍ قوله: {سلطانًا مبينًا} [قال] كلّ سلطانٍ في القرآن حجّةٌ.
وهذا إسنادٌ صحيحٌ. وكذا قال مجاهدٌ، وعكرمة، وسعيد بن جبيرٍ، ومحمّد بن كعبٍ القرظي، والضّحّاك، والسّدّيّ والنّضر بن عربي). [تفسير القرآن العظيم: 2/441]
تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: (إنّ المنافقين في الدّرك الأسفل من النّار ولن تجد لهم نصيرا (145)
قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: جهنم أدراك، أي منازل، فكل منزلة منها درك.
والقراءة: الدرك بفتح الراء. والدّرك بتسكين الراء، فأما أهل المدينة وأهل البصرة فيقرأونها..
(الدرك) بفتح الراء وأما أهل الكوفة والأعمش وحمزة ويحيى بن وثاب، فيقرأون (الدرك).
وقد اختلف فيها عن عاصم،
فرواها بعضهم عنه الدرك ورواها بعضهم الدرك - بالحركة والسكون جميعا –
واللغتان حكاهما جميعا أهل اللغة، إلا أن الاختيار فتح الراء، لإجماع
المدنيين والبصريين عليها وأن أحدا من المحدثين ما رواها إلا الدرك بفتح
الراء.
فلذلك اخترنا الدرك.
وقوله عزّ وجلّ: (ولن تجد لهم نصيرا).
أي لا يمنعهم مانع من عذاب الله عزّ وجلّ ولا يشفع لهم شافع). [معاني القرآن: 2/124]
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا ابن بشّارٍ،
حدّثنا عبد الرّحمن، حدّثنا سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن خيثمة، عن عبد
اللّه -يعني ابن مسعودٍ: {إنّ المنافقين في الدّرك الأسفل من النّار} قال:
في توابيت من نارٍ تطبق عليهم. ورواه ابن أبي حاتمٍ، عن أبي سعيدٍ الأشجّ،
عن وكيعٍ، عن سفيان، عن سلمة، عن خيثمة، عن ابن مسعود: {إنّ المنافقين في
الدّرك الأسفل من النّار} قال: في توابيت من حديدٍ مبهمةٍ عليهم، ومعنى
قوله: (مبهمةٍ) أي: مغلقةٍ مقفلةٍ لا يهتدى لمكان فتحها.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا
أبو سلمة، حدّثنا حمّاد بن سلمة، أخبرنا عليّ بن يزيد عن القاسم بن عبد
الرّحمن: أنّ ابن مسعودٍ سئل عن المنافقين، فقال: يجعلون في توابيت من
نارٍ، فتطبق عليهم في أسفل دركٍ من النّار.
{ولن تجد لهم نصيرًا} أي: ينقذهم ممّا هم فيه، ويخرجهم من أليم العذاب). [تفسير القرآن العظيم: 2/441-442]
تفسير قوله تعالى: {إِلاَّ الَّذِينَ
تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَاعْتَصَمُواْ بِاللّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ
لِلّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللّهُ
الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (146)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ):
(وقوله عزّ وجلّ : (إلّا الّذين تابوا وأصلحوا واعتصموا باللّه وأخلصوا
دينهم للّه فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت اللّه المؤمنين أجرا عظيما (146)
(وسوف يؤت اللّه المؤمنين أجرا عظيما)
الخط حذفت منه الياء في
هذا الموضع، وزعم النحويون أن الياء حذفت من الخط كما حذفت في اللفظ، لأن
الياء سقطت من اللفظ لسكونها وسكون اللام في " اللّه " وكذلك قوله: (يوم
يناد المناد) الياء من يناد حذفت في الخط لهذه العلة، وكذلك (سندع
الزّبانية) و(يوم يدع الدّاع) فالواوات حذفت ههنا لالتقاء السّاكنين، فأما
قول الله عزّ وجلّ: - (ذلك ما كنّا نبغ)، فهو كقوله (يناد المناد).
و(يدع الداع)، فهذه الياءات من نحو (نبغ) حذفت لأن الكسرة دلت على الياء فحذفت الياء لثقلها، وليس الوجه عند النحويين حذفها.
فأمّا المنادي والداعي فحذفت الياء منها كما حذفت قبل دخول الألف واللام، لأنك تقول: هذا داع وهذا مناد.
فأما (والليل إذا يسر). فحذفت الياء لأنها رأس آية، ورؤوس الآي الحذف جائز فيها كما يجوز في آخر الأبيات). [معاني القرآن: 2/125]
قال ابن أبي حاتمٍ: أخبرنا يونس بن عبد
الأعلى قراءةً، أنبأنا ابن وهبٍ، أخبرني يحيى بن أيّوب، عن عبيد اللّه بن
زحر، عن خالد بن أبي عمران، عن عمرو بن مرّة، عن معاذ بن جبلٍ: أنّ رسول
اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "أخلص دينك، يكفك القليل من العمل".
{فأولئك مع المؤمنين} أي: في زمرتهم يوم القيامة {وسوف يؤت اللّه المؤمنين أجرًا عظيمًا} ). [تفسير القرآن العظيم: 2/442]
تفسير قوله تعالى: {مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ
قال مخبرًا عن غناه عمّا سواه، وأنّه إنّما يعذّب العباد بذنوبهم، فقال:
{ما يفعل اللّه بعذابكم إن شكرتم وآمنتم} أي: أصلحتم العمل وآمنتم باللّه
ورسوله، {وكان اللّه شاكرًا عليمًا} أي: من شكر شكر له ومن آمن قلبه به
علمه، وجازاه على ذلك أوفر الجزاء). [تفسير القرآن العظيم: 2/442]
* للاستزادة ينظر: هنا